ماجدينهو
24-08-2006, 06:12 AM
أصول الدين عند الشيعة
مقدمة :
يقوم الإنسان في سبيل تحقيق حاجاته ورغباته والقيام بمختلف أعماله في عصرنا الحاضر باستخدام أجهزة وآلات متنوِّعة ، ومعقَّدة ، ومتطوِّرة ، وأحد هذه الأجهزة هو ( العقل الإلكتروني ) الذي يقوم بحركات وفعاليات جبَّارة .
فمثلاً في مجال الطلب يقوم هذا الجهاز خلال دقائق بتقديم كشف كامل لسوابق المريض - مخزونة في الجهاز - إلى طبيبه المعالج ، لمعرفة نوع المرض ، ويستطيع هذا الجهاز المعقد ملاحظة جزئيات أي حالة مرضية ، كانت قد غُذِّي بها مسبقاً ، ثمَّ يحدِّد أسلوب العلاج ونوع الدواء المطلوب لهذه الحالة أو تلك .
وهذا العقل الإلكتروني يستخدم في مجالات الحياة المختلفة لتنظيم عمل سائر الأجهزة المعقَّدة الأخرى ومراقبة عملها .
هل من العقل أنَّ هذا الجهاز العجيب قد صنعته الصدفة ؟! أم أنَّ دقَّته ونظامه وعمله المحيِّر يعتبر شاهداً قويّاً على ذكاء صانعه ومعرفته الواسعة ؟ من هنا يبدو لنا دليل عام ومبدأ بديهي مسلم وهو : إن النظام والتنسيق يجب أن ينبع من عليم قادر ، وإنَّ الصدفة لا يمكن أن تكون منشأ لعجائب النظام والتنسيق ، ذلك لأن لكل شيء أثره المناسب والملائم .
فكما أنَّ توقٌّع الإحراق أن يكون من الماء البارد أمر لغو فإن الاعتقاد بوجود نظام مرتَّب ودقيق قائم على أساس الصدفة ، فهو لغو وهراء أيضاً ، والقرآن الكريم يشير إلى هذا المعنى بقوله عزَّ وجلَّ : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) الطور : 35 .
وللدين الإسلامي أصول أساسية خمسة ، على كل مسلم أن يعرفها و يعتقد بها دون تقليد ، وهي :
أولاً : التوحيد :
يتصور بعض الناس خطأ أنه عزَّ وجلَّ أوجد هذا العالم ثم تركه في شأنه ، فإنَّ حركة الكون وفعالياته واستمرارها واستمرار الوجود إنَّما يتمُّ بقدرته ومشيئته عزَّ وجلَّ ، فلا شيء يمكن وجوده ودوامه بدون إذنه وإرادته ، فالموجد والمبقي والناظر والحاكم هو الله عزَّ وجلَّ .
إنَّ الإنسان الذي يعتقد بِعَظمة الخالق سبحانه وقدرته ، ويفوح الإيمان من قلبه الذي يموج بحبِّ الله جلَّت قدرته ، لن يجد نفسه على الإطلاق وحيداً مخذولاً يائساً ، بل إنَّ نور الله المستعان يشرق في حنايا قلبه ، وتجاويفه وزواياه كافة ، ومن البديهي أن مثل هذا الإنسان المؤمن بالله عزَّ وجلَّ سيعد نفسه بكل شوق للحياة الأمثل والأكثر شمولاً لمعاني الفضيلة والكمال .
ومن العقل والصواب أنَّ الله تعالى واحد لا شريك له ، فقوله تعالى في محكم كتابه العزيز : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) الأنبياء : 22 .
والتوحيد بمعناه الواقعي يربِّي الإنسان الحر الصحيح الفكر ، المطمئنِّ البال ، ولا يدعه يتخبَّط في المسالك المعقَّدة ، والضلال والاختلاف والاستعباد ، وهو يمنح الإنسان الحرية والعزة والكرامة ، ويأخذ بيده نحو العدالة الاجتماعية والرقي والسؤدد .
ومن هنا تبين سِرُّ ومغزى قول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله تُفلِحُوا ) .
ثانياً : العدل :
لما عرفنا أن الله عزَّ وجلَّ هو خالق مطلق قدير عزيز كريم ، يفضي على عباده وسائر مخلوقاته بالنِّعَم الوفيرة والألطاف الكثيرة ، وله الوحدانية المطلقة ، ولا إله سواه ، فبذا تتحقق عدالته لسائر البشر ، ولا حاجة له بالظلم - معاذ الله - وإنَّما يحتاج إلى الظلم الضعيف .
والظلم هو حصيلة الجهل والضعف والمنافسة والخوف والحرمان والعجز ، وتعالى الله سبحانه عن هذه علوّاً كبيراً ، وإن الله عزَّ وجلَّ هو العالم المطلق والقادر المطلق ، ولا يحتاج إلى أيِّ أحد أو أيِّ شيء حتى يخاف فقدانه .
وما هذا التفاوت الذي نلاحظه بين أبناء المجتمع الواحد ، أو المجتمعات المختلفة ، إلا لتسيير الأمور وإدارة الأوضاع كي تجري طبيعية ، ملبِّية لحاجات البشر ، فقال تعالى : ( وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) الأنعام : 165 .
فعلى الإنسان أن يعرف طريق الحق القويم الذي يؤدي إلى تكامله في مختلف نواحي الحياة ، ليعيش كما أراد له الله عزَّ وجلَّ ، وكما فطره عليه ، عزيزاً كريماً منعَّماً خيّراً ، شريفاً في تعامله مع سائر البشر بالصدق والصراحة والاحترام ، والعدالة والمساواة ، والإخلاص والتسامح ، وما إلى ذلك من صفات الخير .
فقال عزَّ وجلَّ : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) النحل : 90 .
فهل من العقل والحكمة والصواب أن يأمر الله عزَّ وجلَّ عباده بالعدل مؤكِّداً تكراراً ، وهو مجرَّد عنه ؟! سبحانه وتعالى عمَّا يصفون .
ثالثاً : النبوَّة :
إن الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) بشر تميَّزوا على سائر البشر بقدراتهم الذاتيَّة وصفاتهم الشخصيَّة النبيلة ، من تربية طيِّبة صالحة ، وأخلاق سامية ، وسريرة حسنة ، وانقياد للحقِّ والإنصاف والعدل ، لذا نجد الأمانة والصدق وطيبة القلب وحبُّ الخير لكلِّ البشر هي من جملة صفاتهم الحميدة .
وهم بذلك مؤهَّلون لتحمل مسؤولية قيادة البشر نحو الخير والصلاح ، وهدايتهم إلى طريق الحقِّ وسبيل الرشاد ، والصدع لأوامر الله ونواهيه ، ليقيهم من شرور الدنيا وعذاب الآخرة .
لذلك كان لزاماً اختيار الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) للقيام بهذه المهمة الخطيرة ، وهي القيادة الحكيمة التي صمَّم الله سبحانه وتعالى مخطَّطها ، وحدَّد جوانب مسؤوليَّاتها .
يقول هشام بن الحكم إن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال للزنديق الذي سأله : من أين أثبِتُ الأنبياء والرسل ؟ : ( إنَّا لمَّا أثبتنا أنَّ لنا خالقاً صانعاً مُتَعَالياً عنَّا وعن جميع ما خَلَق ، وكان ذلك الصانعُ حكيماً مُتَعَالياً لم يجز أن يشاهده خَلْقُه ، ولا يُلاقُوه ، فيباشرهم ويباشروه ، ويحاجُّهُم ويحاجُّوه ، فيسألوه عن واجباتهم .
ثبتَ أنَّ له سُفَراء في خلقه ، يعبرون عنه إلى خلقه وعِبَاده ، ويدلُّونهم على مَصَالِحِهم ومنافعهم ، وما بِه بقاؤُهُم ، وفي تَركِهِ فَناؤُهُم .
فثبت الآمِرونَ والنَّاهُونَ عن الحكيم العليم في خَلقِه ، والمعبِّرون عنه جلَّ وعزَّ ، وهُمُ الأنبياء ( عليهم السلام ) وصفوته مِنْ خَلقه ، حُكَمَاء مؤدَّبون بالحِكْمة ، مَبْعوثُونَ بها ، غير مُشاركين للنَّاس - على مشاركتهم لهم في الخَلْقِ والتركيب - في شيء مِنْ أحوالِهِم ، مؤدَّبون من عِنْدِ الحَكيم العليم بالحِكْمة .
ثمَّ ثبتَ ذلك في كلِّ دهرٍ وزمان ما أتَتْ به الرُّسل والأنبياء ( عليهم السلام ) من الدلائِلِ والبَراهِين ، لكي لا تَخْلو أرض الله من حُجَّة يكون معه علم يدلُّ على صِدق مقالَتِه وجَوَاز عَدَالَته ) أصول الكافي : 168 .
وقد قرن الله عزَّ وجلَّ أنبياءه ورسله ( عليهم السلام ) بمعاجز تتناسب وعقول أهل زمانهم ، وتفوق ما اشتهر في ذلك الزمان إلى حدِّ الإعجاز والإفحام ، كمعجزة الطوفان على يد النبيِّ نوح ( عليه السلام ) .
والنجاة من النار عند إحراق النبيِّ إبراهيم ( عليه السلام ) ، والتكلُّم في المهد وبرء وشفاء الإنسان الأبرص والأكمة وإحياء الموتى على يد النبيِّ عيسى ( عليه السلام ) ، وعصا النبيِّ موسى ( عليه السلام ) ، وانفلاق ماء البحر له ولقومه ، فيعبرون ويغرق فرعون وجنوده .
ومعجزه القرآن الكريم هي المعجزة الخالدة ما خلد الدهر ، وهي التي خصَّ الله عزَّ وجلَّ نبيَّه الكريم محمَّد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) بها .
حيث نزلَتْ في عصر بلغ فيه المجتمع العربي ذروة بلاغة الكلام ، وفنون الخطاب والنظم ، وتميُّز ذلك العصر بالأدب الرفيع ، وبلاغة المنطق .
فجاء الذكر الحكيم بتعابير وصياغات كلاميَّة سَلِسلة بديعة ، وتراكيب جميلة وسامية ، ألجمت أفواه عظماء المتكلِّمين والخطباء ، والشعراء والسجَّاعين ، وبلغاء ذوي المنطق والبيان ، وأذهلَتْ أفكارهم ، وحيَّرَتْ عقولهم ، وعجزوا عن أن يأتوا بسورة من مثله .
ولقد تحدَّاهم القرآن الكريم بقوله تعالى : ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) البقرة : 23 .
وقوله تعالى : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) الإسراء : 88 .
هذا وقد كادَ بُلَغاؤهم وفصحاؤهم كيدهم على أن ينقضوه ويبطلوه ، إلاَّ أنَّهم عجزوا وباتوا في حيرة من أمرهم هذا ، كل ذلك كان بمشيئة الله عزَّ وجلَّ وإرادته ، وقوَّته وعظمته ، وحكمته وعدالته ، ولقد شاء جلَّ وعلا بمقتضى رحمته وحكمته أن يختار الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) لهداية البشريَّة إلى الصراط المستقيم ، بقيادتهم الرَّشيدة ، وهدايتهم الحميدة ، وتحذيرها من سبيل الضلال والانحراف .
وليمكِّنوا الإنسان أن يخطو إلى قِمَم العلاء والكرامة والكمال الإنسانيِّ والصفات الحسنة جميعاً ، من خلال سلوك هذا السبيل القويم ، لهذا فإن الله سبحانه وتعالى نزَّهَ أنبياءه ورسله ( عليهم السلام ) عن أيِّ ذنب أو معصية ، أو اشتباه أو خطأ أو نسيان .
وبكلمة أخرى فإنه جلَّ وعلا جعلهم معصومين منزَّهين ، لكي يتمكَّنوا من قيادة الإنسانية نحو التكامل في جميع المجالات ، ونحو الطاعة المطلقة والتسليم المطلق لأوامر الله ونواهيه .
كما أنَّ علم الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) ودرايتهم الكاملين التامِّين بقدرة الله جلَّ وعلا وعظمته ، وأنهم على بيِّنة حقَّة بنعيم الآخرة وعذابها ، ورؤية آثار الذنب في ذلك العالم كان يشكِّل أقوى عامل يحفظهم من ارتكاب المعاصي والأوزار .
فيقول تعالى : ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ) ص : 45 - 47 .
مقدمة :
يقوم الإنسان في سبيل تحقيق حاجاته ورغباته والقيام بمختلف أعماله في عصرنا الحاضر باستخدام أجهزة وآلات متنوِّعة ، ومعقَّدة ، ومتطوِّرة ، وأحد هذه الأجهزة هو ( العقل الإلكتروني ) الذي يقوم بحركات وفعاليات جبَّارة .
فمثلاً في مجال الطلب يقوم هذا الجهاز خلال دقائق بتقديم كشف كامل لسوابق المريض - مخزونة في الجهاز - إلى طبيبه المعالج ، لمعرفة نوع المرض ، ويستطيع هذا الجهاز المعقد ملاحظة جزئيات أي حالة مرضية ، كانت قد غُذِّي بها مسبقاً ، ثمَّ يحدِّد أسلوب العلاج ونوع الدواء المطلوب لهذه الحالة أو تلك .
وهذا العقل الإلكتروني يستخدم في مجالات الحياة المختلفة لتنظيم عمل سائر الأجهزة المعقَّدة الأخرى ومراقبة عملها .
هل من العقل أنَّ هذا الجهاز العجيب قد صنعته الصدفة ؟! أم أنَّ دقَّته ونظامه وعمله المحيِّر يعتبر شاهداً قويّاً على ذكاء صانعه ومعرفته الواسعة ؟ من هنا يبدو لنا دليل عام ومبدأ بديهي مسلم وهو : إن النظام والتنسيق يجب أن ينبع من عليم قادر ، وإنَّ الصدفة لا يمكن أن تكون منشأ لعجائب النظام والتنسيق ، ذلك لأن لكل شيء أثره المناسب والملائم .
فكما أنَّ توقٌّع الإحراق أن يكون من الماء البارد أمر لغو فإن الاعتقاد بوجود نظام مرتَّب ودقيق قائم على أساس الصدفة ، فهو لغو وهراء أيضاً ، والقرآن الكريم يشير إلى هذا المعنى بقوله عزَّ وجلَّ : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) الطور : 35 .
وللدين الإسلامي أصول أساسية خمسة ، على كل مسلم أن يعرفها و يعتقد بها دون تقليد ، وهي :
أولاً : التوحيد :
يتصور بعض الناس خطأ أنه عزَّ وجلَّ أوجد هذا العالم ثم تركه في شأنه ، فإنَّ حركة الكون وفعالياته واستمرارها واستمرار الوجود إنَّما يتمُّ بقدرته ومشيئته عزَّ وجلَّ ، فلا شيء يمكن وجوده ودوامه بدون إذنه وإرادته ، فالموجد والمبقي والناظر والحاكم هو الله عزَّ وجلَّ .
إنَّ الإنسان الذي يعتقد بِعَظمة الخالق سبحانه وقدرته ، ويفوح الإيمان من قلبه الذي يموج بحبِّ الله جلَّت قدرته ، لن يجد نفسه على الإطلاق وحيداً مخذولاً يائساً ، بل إنَّ نور الله المستعان يشرق في حنايا قلبه ، وتجاويفه وزواياه كافة ، ومن البديهي أن مثل هذا الإنسان المؤمن بالله عزَّ وجلَّ سيعد نفسه بكل شوق للحياة الأمثل والأكثر شمولاً لمعاني الفضيلة والكمال .
ومن العقل والصواب أنَّ الله تعالى واحد لا شريك له ، فقوله تعالى في محكم كتابه العزيز : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) الأنبياء : 22 .
والتوحيد بمعناه الواقعي يربِّي الإنسان الحر الصحيح الفكر ، المطمئنِّ البال ، ولا يدعه يتخبَّط في المسالك المعقَّدة ، والضلال والاختلاف والاستعباد ، وهو يمنح الإنسان الحرية والعزة والكرامة ، ويأخذ بيده نحو العدالة الاجتماعية والرقي والسؤدد .
ومن هنا تبين سِرُّ ومغزى قول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله تُفلِحُوا ) .
ثانياً : العدل :
لما عرفنا أن الله عزَّ وجلَّ هو خالق مطلق قدير عزيز كريم ، يفضي على عباده وسائر مخلوقاته بالنِّعَم الوفيرة والألطاف الكثيرة ، وله الوحدانية المطلقة ، ولا إله سواه ، فبذا تتحقق عدالته لسائر البشر ، ولا حاجة له بالظلم - معاذ الله - وإنَّما يحتاج إلى الظلم الضعيف .
والظلم هو حصيلة الجهل والضعف والمنافسة والخوف والحرمان والعجز ، وتعالى الله سبحانه عن هذه علوّاً كبيراً ، وإن الله عزَّ وجلَّ هو العالم المطلق والقادر المطلق ، ولا يحتاج إلى أيِّ أحد أو أيِّ شيء حتى يخاف فقدانه .
وما هذا التفاوت الذي نلاحظه بين أبناء المجتمع الواحد ، أو المجتمعات المختلفة ، إلا لتسيير الأمور وإدارة الأوضاع كي تجري طبيعية ، ملبِّية لحاجات البشر ، فقال تعالى : ( وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) الأنعام : 165 .
فعلى الإنسان أن يعرف طريق الحق القويم الذي يؤدي إلى تكامله في مختلف نواحي الحياة ، ليعيش كما أراد له الله عزَّ وجلَّ ، وكما فطره عليه ، عزيزاً كريماً منعَّماً خيّراً ، شريفاً في تعامله مع سائر البشر بالصدق والصراحة والاحترام ، والعدالة والمساواة ، والإخلاص والتسامح ، وما إلى ذلك من صفات الخير .
فقال عزَّ وجلَّ : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) النحل : 90 .
فهل من العقل والحكمة والصواب أن يأمر الله عزَّ وجلَّ عباده بالعدل مؤكِّداً تكراراً ، وهو مجرَّد عنه ؟! سبحانه وتعالى عمَّا يصفون .
ثالثاً : النبوَّة :
إن الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) بشر تميَّزوا على سائر البشر بقدراتهم الذاتيَّة وصفاتهم الشخصيَّة النبيلة ، من تربية طيِّبة صالحة ، وأخلاق سامية ، وسريرة حسنة ، وانقياد للحقِّ والإنصاف والعدل ، لذا نجد الأمانة والصدق وطيبة القلب وحبُّ الخير لكلِّ البشر هي من جملة صفاتهم الحميدة .
وهم بذلك مؤهَّلون لتحمل مسؤولية قيادة البشر نحو الخير والصلاح ، وهدايتهم إلى طريق الحقِّ وسبيل الرشاد ، والصدع لأوامر الله ونواهيه ، ليقيهم من شرور الدنيا وعذاب الآخرة .
لذلك كان لزاماً اختيار الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) للقيام بهذه المهمة الخطيرة ، وهي القيادة الحكيمة التي صمَّم الله سبحانه وتعالى مخطَّطها ، وحدَّد جوانب مسؤوليَّاتها .
يقول هشام بن الحكم إن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال للزنديق الذي سأله : من أين أثبِتُ الأنبياء والرسل ؟ : ( إنَّا لمَّا أثبتنا أنَّ لنا خالقاً صانعاً مُتَعَالياً عنَّا وعن جميع ما خَلَق ، وكان ذلك الصانعُ حكيماً مُتَعَالياً لم يجز أن يشاهده خَلْقُه ، ولا يُلاقُوه ، فيباشرهم ويباشروه ، ويحاجُّهُم ويحاجُّوه ، فيسألوه عن واجباتهم .
ثبتَ أنَّ له سُفَراء في خلقه ، يعبرون عنه إلى خلقه وعِبَاده ، ويدلُّونهم على مَصَالِحِهم ومنافعهم ، وما بِه بقاؤُهُم ، وفي تَركِهِ فَناؤُهُم .
فثبت الآمِرونَ والنَّاهُونَ عن الحكيم العليم في خَلقِه ، والمعبِّرون عنه جلَّ وعزَّ ، وهُمُ الأنبياء ( عليهم السلام ) وصفوته مِنْ خَلقه ، حُكَمَاء مؤدَّبون بالحِكْمة ، مَبْعوثُونَ بها ، غير مُشاركين للنَّاس - على مشاركتهم لهم في الخَلْقِ والتركيب - في شيء مِنْ أحوالِهِم ، مؤدَّبون من عِنْدِ الحَكيم العليم بالحِكْمة .
ثمَّ ثبتَ ذلك في كلِّ دهرٍ وزمان ما أتَتْ به الرُّسل والأنبياء ( عليهم السلام ) من الدلائِلِ والبَراهِين ، لكي لا تَخْلو أرض الله من حُجَّة يكون معه علم يدلُّ على صِدق مقالَتِه وجَوَاز عَدَالَته ) أصول الكافي : 168 .
وقد قرن الله عزَّ وجلَّ أنبياءه ورسله ( عليهم السلام ) بمعاجز تتناسب وعقول أهل زمانهم ، وتفوق ما اشتهر في ذلك الزمان إلى حدِّ الإعجاز والإفحام ، كمعجزة الطوفان على يد النبيِّ نوح ( عليه السلام ) .
والنجاة من النار عند إحراق النبيِّ إبراهيم ( عليه السلام ) ، والتكلُّم في المهد وبرء وشفاء الإنسان الأبرص والأكمة وإحياء الموتى على يد النبيِّ عيسى ( عليه السلام ) ، وعصا النبيِّ موسى ( عليه السلام ) ، وانفلاق ماء البحر له ولقومه ، فيعبرون ويغرق فرعون وجنوده .
ومعجزه القرآن الكريم هي المعجزة الخالدة ما خلد الدهر ، وهي التي خصَّ الله عزَّ وجلَّ نبيَّه الكريم محمَّد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) بها .
حيث نزلَتْ في عصر بلغ فيه المجتمع العربي ذروة بلاغة الكلام ، وفنون الخطاب والنظم ، وتميُّز ذلك العصر بالأدب الرفيع ، وبلاغة المنطق .
فجاء الذكر الحكيم بتعابير وصياغات كلاميَّة سَلِسلة بديعة ، وتراكيب جميلة وسامية ، ألجمت أفواه عظماء المتكلِّمين والخطباء ، والشعراء والسجَّاعين ، وبلغاء ذوي المنطق والبيان ، وأذهلَتْ أفكارهم ، وحيَّرَتْ عقولهم ، وعجزوا عن أن يأتوا بسورة من مثله .
ولقد تحدَّاهم القرآن الكريم بقوله تعالى : ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) البقرة : 23 .
وقوله تعالى : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) الإسراء : 88 .
هذا وقد كادَ بُلَغاؤهم وفصحاؤهم كيدهم على أن ينقضوه ويبطلوه ، إلاَّ أنَّهم عجزوا وباتوا في حيرة من أمرهم هذا ، كل ذلك كان بمشيئة الله عزَّ وجلَّ وإرادته ، وقوَّته وعظمته ، وحكمته وعدالته ، ولقد شاء جلَّ وعلا بمقتضى رحمته وحكمته أن يختار الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) لهداية البشريَّة إلى الصراط المستقيم ، بقيادتهم الرَّشيدة ، وهدايتهم الحميدة ، وتحذيرها من سبيل الضلال والانحراف .
وليمكِّنوا الإنسان أن يخطو إلى قِمَم العلاء والكرامة والكمال الإنسانيِّ والصفات الحسنة جميعاً ، من خلال سلوك هذا السبيل القويم ، لهذا فإن الله سبحانه وتعالى نزَّهَ أنبياءه ورسله ( عليهم السلام ) عن أيِّ ذنب أو معصية ، أو اشتباه أو خطأ أو نسيان .
وبكلمة أخرى فإنه جلَّ وعلا جعلهم معصومين منزَّهين ، لكي يتمكَّنوا من قيادة الإنسانية نحو التكامل في جميع المجالات ، ونحو الطاعة المطلقة والتسليم المطلق لأوامر الله ونواهيه .
كما أنَّ علم الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) ودرايتهم الكاملين التامِّين بقدرة الله جلَّ وعلا وعظمته ، وأنهم على بيِّنة حقَّة بنعيم الآخرة وعذابها ، ورؤية آثار الذنب في ذلك العالم كان يشكِّل أقوى عامل يحفظهم من ارتكاب المعاصي والأوزار .
فيقول تعالى : ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ) ص : 45 - 47 .