مشاهدة النسخة كاملة : كتاب محمد باقر الصدر ..حياة حافلة فكر خلاق تأليف السيد محمد طاهر الحسيني
alyatem
11-03-2013, 09:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
محمد باقر الصدر
حياة حافلة .. فكر خلاق
بقلم الباحث الاسلامي السيد محمد طاهر الحسيني (http://www.motarahat.com/webmail.php)
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9535&stc=1&d=1310006575
سيرة الباحث من الموقع الخاص به ـ مطارحات (http://www.motarahat.com/index.php)
مواليد 1963 النجف/العراق
إجازة في الحقوق
درس العلوم الإسلامية في حوزة قم.
يمارس الكتابة والتأليف والتدريس
صدر له عدة مؤلفات:
- مقاتل الأمويين (دار البلاغ – بيروت 1990)
- معجم المصطلحات الأصولية (دار العارف – بيروت 1994)
- فقه الشركة (دار الملاك – بيروت)
- فقه الإجارة (دار الملاك – بيروت)
- ثبوت الهلال طبقاً لقول الفلكي (دار الملاك – بيروت)
- هوامش نقدية (دار المعارف – بيروت)
- السيد محمد حسين مفسراً (دار الملاك – بيروت)
- صناعة الأدلة (دار الملاك – بيروت)
- الاجتهاد والحياة (مركز الغدير – بيروت)
- المنهج الفقهي عند الشهيد الصدر (دار الهادي – بيروت)
- الإمام محمد باقر الصدر – دراسة في سيرته ومنهجه (دار الفرات – بيروت)
- محمد باقر الصدر .. فكر خلاق (دار المحجة البيضاء – بيروت).
وشارك في كتابة عدد من الأبحاث والمقالات، نشرت في دوريات مهمة، من أهمها:
1. الفكر الاقتصادي عند الشهيد الصدر – مجلة قضايا إسلامية – العدد 3/1996م.
2. تاريخ الفرق والمذاهب، تأملات في المنهج السائد – مجلة المنهاج – العدد 1.
3. الشيخ النجفي ومنهجه الفقهي من خلال كتاب (جواهر الكلام) – مجلة المنهاج – العدد 9.
4. الحافظ ابن كثير مؤرخاً – مجلة المنهاج – العدد 4.
5. الاتجاهات العامة المعاصرة في دراسة السيرة النبوية – مجلة المنهاج – العدد 6.
6. الشيخ النائيني – فكر سياسي مبكر – مجلة المنهاج – العدد 15.
7. هوامش نقدية – دراسة في كتاب (أصول مذهب الشيعة الإمامية الأثني عشرية) – مجلة المنهاج – العدد 2.
8. السيد محمد باقر الصدر فقيهاً – نظرات في فقه السياسي والدستوري – مجلة الكلمة – العدد 48.
9. المنهج الفقهي عند الشيخ شمس الدين – مجلة الكلمة.
10. نظرات في مسألة القياس الفقهي – مجلة أهل البيت – العدد 26.
11. الشهيد محمد الصدر ومنهجه الفقهي في ملامحه العامة – كتاب (الصدر الثاني – دراسات في فكره وجهاده)- مؤسسة دار الإسلام.
12. نظرية الدفاع الشرعي عند السيد الخميني – مجلة الثقافة الإسلامية – العدد 26.
13. التقدم من المنظور الإسلامي – مجلة الثقافة الإسلامية – العدد 42.
14. المرأة في كتابات الإسلاميين – مجلة الثقاة الإسلامية – العدد 58.
15. دولة من ورق – نقد كتاب (يثرب الجديدة) لمحمد جمال باروت – مجلة الثقافة الإسلامية – العدد 62).
وهذا هو الكتاب:
http://www.hajr-up.info/download.php?id=8045
alyatem
11-03-2013, 10:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
محمد باقر الصدر
حياة حافلة .. فكر خلاق
محمد الحسيني
الطبعة الثانية
حقوق النشر محفوظة للمؤلف
2007 م
المقدمة
سبق لي أن ألّفت كتابي (الإمام الشهيد محمد باقر الصدر ـ دراسة في سيرته ومنهجه) وكنت في الرابعة والعشرين من العمر، كان زادي في اقتحام هذا العالم جرأتي(*) التي تنتمي إلى مغامرات الشباب، مع حبٍ شديد وإعجاب كبيرين بشخصية السيد محمد باقر الصدر.
بذلت جهدي في وقتٍ عصيب وفائق الحساسية، فكان كتابي ـ يومذاك ـ أحد أبرز الكتب دونما مبالغة. ولكن في الوقت نفسه لم يكن منتهى طموحي ورغبتي في الكتابة عن السيد الصدر، فبعد عدة سنوات من صدور الكتاب إلى الأسواق، وبالتحديد في العام 1994م شرعت بجمع مادةٍ جديدة عن الشهيد الصدر، ودأبت على الاتصال بالمعنيين بحياته لجمع شهاداتهم، سواء عن طريق المقابلات والأحاديث أو عن طريق المراسلات.. مع ما في ذلك من صعوبات بالغة، مادية واجتماعية ونفسية وسياسية في تلك الفترة التي كان فيها النظام العراقي قائماً. وبذلك يعرف القارئ العراقي ـ وربما غيره ـ مدى مغامرتي في طبع كتابي الأول، ولي في العراق أهل وعائلة وأشقاء..
-1-
ومهما يكن من أمرٍ، فإن ما دفعني في الكتاب الأول، وفي المتابعة لإنجاز الكتاب الثاني ـ هذا ـ هو عدم بلوغ البحث عن الشهيد الصدر غايته، وعلى المستويات كلها، إذ نقرأ لباحثين مرموقين عن الشهيد الصدر ما يوحي بفهم متواضعٍ على أقل تقدير، حيث يفوت على باحثٍ من أمثال (فهمي جدعان) تصنيفه جغرافياً وقومياً، فيصنفه في الكتّاب الإيرانيين كما ورد في كتابه (نظرية التراث)، بينما يرتكب باحث كبير (وهو الدكتور عبد الله النفيسي) خطأً فادحاً وهو يتحدث عن حزب الدعوة الإسلامية، فيستنِد في قراءته الخاصة بأفكاره من خلال الشهيد الصدر الذي اعتبره المرشد الروحي للحزب، في وقتٍ يؤكد جازماً أن حزب الدعوة قد تم تأسيسه قبل الثورة الإيرانية بسنتين (1977)، كما ورد في كتابه (الفكر الحركي للتيارات الإسلامية ـ ص67).
هذه الانطباعات التي سجّلها باحثون معروفون مشهورون وهي تفتقر إلى الدقة تجد عُذرها معها، إذ قلّما يتاح لهم التوفر على ما يُعينهم في التعرف على الشهيد الصدر، وإن أتاحت الظروف لهم ذلك، فربما تعرفوا عليه من خلال قراءات غالباً ما تبتعد عن الجدية والدقة والموضوعية، فقد يقرأ الباحث منشورات وإصدارات إيرانية ـ وهي قريبة من مصادر التعرف على الشهيد الصدر ـ ما يورِّط الباحثين، فقد تقرأ ـ مثلاً ـ في إصدار إيراني: ""وعندما اشتد نظام البعث الصهيوني في سياسته ضد الشعب العراقي، واستعمل المجرم صدام أساليب القتل والإرهاب بحق المؤمنين من أبناء الشعب العراقي المسلم قامت الحركة الثورية الإسلامية بقيادة آية الله محمد باقر الصدر الذي استلهم حركته من الثورة الإسلامية الإيرانية، والقيادة الحكيمة للإمام الخميني.."" (عباس عميد زنجاني ـ الثورة الإسلامية في إيران قمة الحركات الإسلامية ـ ص 41 الناشر: وزارة الإرشاد الإسلامي الإيرانية / 1405 ـ طهران).
هامش:
(*) كتب الكاتب محمد عبد الجبار في تقييم كتابي (ومؤخراً اقتحم هذا العالم شاب طموح جرئ هو السيد محمد الحسيني.. فإن كتاب ـ الإمام الشهيد محمد باقر الصدر ـ محاولة جريئة تخوض غمار بحر عظيم الموج عظيم المياه..) مجلة الوحدة الإسلامية ـ تصدر في بيروت ـ العدد 164 بتاريخ 26 كانون الثاني 1990.
alyatem
11-03-2013, 10:01 AM
ولكن مع ذلك صدرت عدة كتب وبحوث عن الشهيد الصدر وفي وقتٍ مبكر. منها:
ـ الشهيد الصدر مفجر الثورة الإسلامية في العراق.. غالب حسن الشابندر.
ـ الشهيد الصدر.. فضائله وشمائله.. السيد فاضل النوري.
ـ الجهاد السياسي للسيد الشهيد الصدر.. السيد صدر الدين القبانجي.
ـ الشهيد الصدر.. الفيلسوف الفقيه.. عبد الحسين البقال.
ثم تلا ذلك:
ـ حياة الشهيد الصدر بقلم السيد كاظم الحائري، وهي عبارة عن مجموعة ذكريات قضاها السيد الحائري مع أستاذه الشهيد الصدر.
مع إضاءة لعددٍ من الإنجازات الفكرية والسياسية للشهيد الصدر. ولكنه مع ذلك أغفل العديد من المعطيات التاريخية المهمة في حياة الشهيد الصدر. ولكن بحثه يبقى ذا قيمة لكونه أحد المصادر القريبة من الشهيد الصدر.
ـ الإمام الشهيد محمد باقر الصدر ـ دراسة في سيرته ومنهجه.. محمد الحسيني (كاتب السطور)، وهو من أوسع الكتب وأكثرها شمولية.
ـ الشهيد الصدر.. سنوات المحنة وأيام الحصار.. الشيخ محمد رضا النعماني وهو عبارة عن سرد ذكريات المؤلف مع الشهيد الصدر خاصة أيام احتجاز الشهيد الصدر، إذ قُدِّر للشيخ النعماني أن يبقى معه في الحجز، إذ لم تتوقع السلطات يومذاك أنه في المنزل، ولأنها لم تفتشه.
وقد تضمن الكتاب معلوماتٍ ومعطيات تاريخية قيمة ومهمة ومثيرة للجدل، وقد أغضبت جماعة الشهيد محمد باقر الحكيم، وصدر عن مكتبه تعريض به، وأتهم الشيخ النعماني بالكذب والافتراء(*)
-------------
(*) راجع الملاحق [13].
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9865&stc=1&d=1313000448
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9866&stc=1&d=1313000448
alyatem
11-03-2013, 10:01 AM
وسنشير إلى التعديلات التي أجريت على كتابه بعد طبعه من قبل اللجنة المشرفة على مؤتمر الشهيد الصدر بطهران.
ولو اقتصر الشيخ النعماني على ذكرياته كان أفضل، لأنه ـ فيما يبدو لي ـ أغفل الإصدارات التي سبقت كتابه، في وقتٍ يجد فيه المتابع تشابهاً في بعض فصول كتابه مع هذه الإصدارات وبالتحديد الفصل الخاص بأسرة الشهيد الصدر مع الفصل الخاص بأسرة الشهيد الصدر من كتابي (الإمام الشهيد الصدر ـ دراسة في سيرته ومنهجه).
ـ السيد محمد باقر الصدر ـ دراسة في المنهج.. نزيه الحسن.. باحث من سورية كرّس فيه المؤلف البحث عن المنهج عند الشهيد الصدر من خلال أبحاثه المتنوعة.
ـ منهج الشهيد الصدر في تجديد الفكر الإسلامي.. عبد الجبار الرفاعي.
ـ الشهيد الصدر بين أزمة التأريخ وذمة المؤرخين.. مختار الأسدي.
ـ محمد باقر الصدر.. تكامل المشروع الفكري والسياسي.. صائب عبد الحميد.
ـ تلامذة الإمام الشهيد الصدر.. السيد محمد الغروي.
وهو بحث فريد من نوعه حاول التأريخ لتلاميذ الشهيد الصدر ومحاولة إحصائهم وتسجيل الانطباعات حولهم.
ـ محمد باقر الصدر.. دراسات في حياته وفكره.. نخبة من الباحثين.
وقد صدر (عن دار الإسلام) التي يرأسها السيد حسين الشامي، وهو عبارة عن بحوث متنوعة لمجموعة من الباحثين، وهو من أهم الإنجازات، ويُذكر أن (دار الإسلام) عنت كثيراً بالشهيد الصدر وفكره، وخصصت مجلة (الفكر الجديد) التي تصدر عن (دار الإسلام) ملفات عديدة عنه.
ـ محمد باقر الصدر بين دكتاتوريتين.. عادل رؤوف.
وقد أثار المؤلف جدلاً كبيراً في أوساط العراقيين، من المثقفين وغيرهم، حول صدقية معلوماته ومعطياته التي يشير إليها. وربما من أهم ما يمكن ملاحظته على المؤلف أنه غلّب الطابع الانفعالي بسبب معركة شخصية مع الشهيد السيد محمد باقر الحكيم. كما تميَّزت مصادر بحثه بأحاديةٍ مفرطة، إذ اعتمد وبشكل مفرط على مصادر محددة، وذات علاقة معقدة مع السيد الحكيم.
ـ الإمام محمد باقر الصدر.. معايشة من قرب.. السيد محمد الحيدري.
وكتابه عبارة عن مجموعة من الذكريات.
ـ خفايا وأسرار من سيرة الشهيد السيد محمد باقر الصدر.. الشيخ عفيف النابلسي، وكتابه عبارة عن مجموعة من الذكريات أيضاً.
ـ البعد الأخلاقي في شخصية الإمام الصدر.. عادل القاضي.
وهو بحث فريد من نوعه كرّس المؤلف فيه الحديث عن النظرية الأخلاقية والتربوية عند الشهيد الصدر.
ـ فلسفة الصدر.. الدكتور محمد عبد اللاّوي ـ باحث من الجزائر.
وهو بحث موسوعي لاحق فيه المؤلف البعد الفلسفي من نتاج الشهيد الصدر وإنجازه الفكري.
ـ تجديد الفقه الإسلامي.. محمد باقر الصدر بين النجف وشيعة العالم.. شبلي الملاّط ـ باحث لبناني.
وقد يكون غريباً تصدّي باحث للكتابة عن (الإمام محمد باقر الصدر) من خارج الدائرة الإسلامية، كما هو شأن الدكتور (شبلي الملاّط) في كتابه (تجديد الفقه الإسلامي ـ محمد باقر الصدر بين النجف وشيعة العالم)، وهو المنتمي إلى غير الدين الإسلامي ـ وتحديداً إلى المسيحية ـ وإنما نقول ذلك مع عالمية الفكر وكونية المعرفة وعدم تحديدهما بحدود جغرافية، بسبب ما لاقاه الإمام الشهيد من ظلم وحيف، ليس في حياته وحسب، وبل وبعد مماته أيضاً، خاصة في ظل ظروف دولية أسهمت في تعميق الجور عليه، ونحن نعرف كيف أُعدم دون أن ينبس العالم ببنت شفة، والكلام ها هنا يطول..
alyatem
11-03-2013, 10:01 AM
ومهما يكن من أمر، فها هو (محمد باقر الصدر) يعود إلى الصدارة، ويستقطب أنظار الباحثين من خصومه ومن خارج دائرة الفكر الذي ينتمي إليه. يقول المؤرخ المعروف (ألبرت حوراني)، كما ينقل عنه الملاط: ""لقد أثبت هذا البحث بشكل وافٍ صدارة محمد باقر الصدر كعالم مهم ليس فقط في العراق ولكن أيضاً في العالم الشيعي، بل في العالم الإسلامي بأسره""، وإن كانت هذه الشهادة من (حوراني) لصالح بحث الملاط نفسه، فإنها شهادة للإمام الشهيد الصدر في الوقت نفسه.
في هذا الاتجاه نفسه يكتب شبلي الملاّط: ""باستثناء بعض الأوساط المغلقة على عوالم بقيت غريبة عنها، لم يعد اسم محمد باقر الصدر مجهولاً من أي باحث في الفكر الإسلامي المعاصر، بل من أي شخصٍ يولي اهتماماً لتأريخ المنطقة الحديثة"" (ص11 من مقدمة الطبعة العربية). ثم يستشهد بفقرة لأحد أشهر الصحافيين البريطانيين (إدوارد مورتمر) عن الشهيد الصدر قوله: ""الرجل الذي كان من الممكن أن يكون مانديلا العراق"".
لم يكن كتاب الباحث (شبلي الملاّط) الوحيد عن الإمام الشهيد الصدر كما هو معلوم للقرّاء، فقد سُبق بعشرات من الكتب والأبحاث، وليس الفريد من بينها أيضاً، ففيها ما هو أفضل وأدقَ وأشمل من كتاب شبلي الملاّط، وهذا ما لا يقلّل من أهمية كتابه أيضاً، وهو ما ينبغي أن يُقال ويُسجّل.
ولكن ما دعاني للاهتمام به علاوة على ما تميّز به من منهج أكاديمي، ربما تفرّده بأمور ثلاثة: كونه يبحث عن الشهيد الصدر وهو ما اهتم به منذ إسهامي الأول في كتاب (الإمام الشهيد الصدر ـ دراسة في سيرته ونهجه) وكونه يبحث في حقل خاص وهو الحقل القانوني، وكنت من طلاب الحقوق، وكونه يبحث في الحقل الفقهي الذي أرجو أن أكون شديد الصلة به.
هذه الحقول الثلاثة تكوّن المادة الأساسية لكتاب شبلي الملاّط، إن من حيث اللغة أو من حيث المضمون، فقد كتب شبلي الملاّط بوحي من هذه الحقول الثلاثة، عن الشهيد الصدر سيرة، وعنه فقيهاً، في الاقتصاد خاصة، وعنه فقيهاً في الدستور أيضاً.
ولابد أن يكون تقييم الكتاب وفقاً لهذه الحقول الثلاثة، وهو ما نرجو أن نطلّ عليه إطلالة سريعة، وإن كنا نرى أنّ أضعفها ـ على الإطلاق ـ فصل السيرة، هذا الفصل الذي خصّصه الملاّط للحديث عن حياة السيد الصدر في جانبها السياسي، الذي كتبه ـ كما يقول ـ بعد إلحاح ألبرت حوراني الذي نصحه بالتحدث عن سيرة الصدر السياسية بتفصيل أكبر (ص 20 من المقدمة للطبعة العربية)، وهو ما لم يذعن إليه شبلي الملاّط، وقد برّر ذلك لجهة رغبته في تحاشي البعد السياسي والتركيز على الجانب الفكري وحسب، لمعرفته بضيق البعد السياسي في عالمنا العربي ومزالقه الكثيرة.
ولكن اعتذار الملاّط لا يعفيه من المسؤولية بعد أن اختار الكتابة عن الجانب السياسي في حياة الشهيد الصدر، وكان عليه أن يشمل بعنايته أهم المحطات والمعالم التي تكوّن الجانب السياسي من حياة الشهيد الصدر، وخاصة دوره في أهمّ تجمع علمائي تأسّس في العراق ـ أعني جماعة العلماء ـ وتجربته الرائدة في تأسيس حزب الدعوة الإسلامية ودوره في قيادته ورعايته والتعاطي معه.
الباحث شبلي الملاّط ـ بشكل عام ـ معجب بالشهيد الصدر إن على المستوى العلمي ـ الفكري، أو على مستوى اللغة والأسلوب، وثمة عدد من مظاهر الإعجاب سجّلها في ثنايا كتابه، يجدها القارئ منتشرة هنا وهناك، أشير إلى واحدة منها، وهو يتحدث عن لغة الشهيد الصدر وأسلوبه الذي يصفه بــا""السلاسة الجاحظية والمنطق الصارم، وهو السهل الممتنع الذي خلب به محمد باقر الصدر عقول قرائه ـ كما يقول الملاّط ـ من (فدك في التأريخ) إلى محاضراته القرآنية في آخر حياته.."" (ص16 المقدمة العربية).
إن هذا الإعجاب جاء من قراءة مسهبة لتراث الشهيد الصدر وإن لم تكن ـ كما يبدو ـ قراءة ودقيقة وواعية للمنهج واللغة السائدة في تراث الشهيد الصدر نفسه، لأن الرجل غريب عن هذه اللغة وبعيد عنها أيضاً، كما أنه يعترف بحداثة معرفته بالشهيد الصدر وتراثه، الذي يرجعه إلى شتاء سنة 1981ـ 1982 بعد استشهاده، وهو يرى صوره على جدران الأحياء الشعبية ذات الأغلبية الشيعية في بيروت، (ص7 المقدمة العربية)، وهو هنا لا يخفي استغرابه من انتشار صوره في بيروت بهذه الكثافة، يقول: ""فكانت الزواريب البيروتية مدخلي الأول إلى محمد باقر الصدر، وأذكر دهشتي لرؤية صور عالم عراقي على جدران الأزقة، فإذا كانت صور الإمام موسى الصدر والإمام الخميني قد ملأت المدينة لمكانة الأول اللبنانية ولريادة الثاني الإيرانية علق في ذهني السؤال عن محمد باقر الصدر العراقي وسبب صدارته في بيروت""، (ص18 المقدمة العربية).
ولم تكن هذه الإطلالة كافية لشبلي الملاّط، وهي بالفعل إطلالة عفوية وشكلية على عالم الشهيد الصدر، لذلك كانت الإطلالة الثانية له أعمق يوم طلب منه الوزير اللبناني (وليد جنبلاط) ترتيب مكتبة أبيه الزعيم اللبناني المعروف (كمال جنبلاط)، يقول شبلي الملاّط: ""ومن بين كتب كمال جنبلاط، وجدت مؤلفاً لمحمد باقر الصدر، الذي كانت تبادرني صوره كل يوم أتردد فيه بين شطري بيروت، والكتاب كان بعنوان (اقتصادنا) يقع في أكثر من سبعمائة صفحة من القطع الكبير، لم يتسنَّ لي أن أقرأه آنذاك إلاّ أنني تصفحته مليّاً، وأُعجبت بهندسته الفكرية وجديّة مصادره الغربية والعربية توثيقاً للمراجع. وكم كنت بعيداً من تصوري حينذاك أنه سيأتي يوم أكرِّس فيه دراسة جامعية مطنبة للصدر، وأصبح قريباً لآله وأصحابه في العراق وإيران ولبنان"" (ص18 المقدمة العربية).
وأخذت مظاهر الاهتمام بعالم الشهيد الصدر تتزايد وتتجذر في حياة الباحث شبلي الملاّط، ولعل واحدة منها تعرفه على المؤرخ الفلسطيني (حنا بطاطو) الذي أرّخ للعراق، والذي اكتشف من خلاله أهمية الشهيد محمد باقر الصدر وموقعه السياسي في تأريخ العراق وموقعه الفكري والاجتماعي أيضاً. (ص 19 المقدمة العربية).
اهتمامه بالإمام الصدر المتأخر وغرابة البحث الإسلامي عنده وأدوات هذا البحث ولغته يمكن أن تغفر ـ كلها ـ للباحث الملاّط ما خفي عليه، إن على مستوى الإطلاع والتعرف أو على مستوى التفسير والشرح. ولا أجدني مضطراً لتقديم عدد كبير من النماذج في هذا المجال. فثمة عدد من (المقولات) مرّت على الباحث الملاّط ولم يستوعب معانيها، وربما فسّرها بنحو مغلوط، وربما كرّسها لتقديم صورة وتحليل ـ على أساسها ـ للقارئ ليست دقيقة.
ومن تلك النماذج تقييمه للبحث الفقهي عند الشهيد الصدر، وقد شاده على ما أسماه بالعمل الفقهي الشمولي الذي دأب الفقهاء (المراجع) على تقديمه كما هو (منهاج الصالحين) للسيد الحكيم، وللسيد الخوئي، و(تحرير الوسيلة) للسيد الخميني، ووجد أن ما يثير الاهتمام عند الصدر أنه لم يعن بما فعله هؤلاء في أعمالهم الفقهية الشمولية هذه بما يعبّر عن سعة إطلاعهم على الفقه الشيعي ومعرفتهم، وردّ ذلك إلى حداثة سنّ الشهيد الصدر، وإن كان ألمح إلى تعليقته على (منهاج الصالحين) للسيد الحكيم. (ص 18 القانون في النهضة الإسلامية).
وهنا يبدو الباحث الملاّط ـ وربما يكون معذوراً ـ غير مطلع على أنماط الكتابة الفقهية، حيث لم يميّز بين هذا النمط المسمى بـا(الرسالة العملية) باعتباره فتاوى مجردة عن الدليل، وهو عمل لا يكشف عن قدرات الفقيه ولا مدى سعة إطلاعه الفقهي، على عكس ما قدّمه الملاّط من تصور للقارئ، لأن الأعمال الفقهية التي تكشف عن هذه القدرات هي ما يكتبه الفقيه أو يقرره تلامذته (كما هو المألوف في كتابة دروسه العالية ومحاضراته)، وهو ما أنجزه الشهيد الصدر في (شرح العروة الوثقى) وغيره، كما أن تعليقته على (منهاج الصالحين) للسيد الحكيم جاءت مبكرة، ولم تكن متأخرة، خاصة في ظل الأعراف السائدة يومذاك في حاضرة النجف العلمية.
وكنموذج آخر، يخوض الباحث الملاّط تحت عنوان (تقليص نطاق الشريعة) في الحوار الفقهي العلني الذي جرى بين الإمام الخميني والسيد الخامنئي، وقد استوحى منه عدة نصائح ليست مرادة قطعاً ابتداءً من العنوان نفسه، (ص 123 وما بعد).
وتقوم هذه النتائج أساساً على عدم إطلاعه على لغة الفقه السائدة في الحواضر العلمية كالنجف وقم، وذلك على أساس التفريق بين العنوان الأولي والعنوان الثانوي للأحكام، ولكن تعاطي الملاّط تجاه هذه (المقولات) كان مشوباً بالإطلاق ودونما دقة علمية.
وربما انساق الباحث الملاّط وراء تفسيرات خاطئة لمقولات أخرى لم يكن فهمها بالعسير، كما في تفسره لما يعرف بـا(سهم الإمام) الذي فسّره بأنه ضريبة تجبى للعالم باعتباره ممثلاً للإمام المحتجب، في حين فسّر (الخمس) باعتباره حقاً لمعظم المجتهدين بوصفهم سادة ممن يتحدر من العترة النبوية نسباً (ص 62 مثل عليا في الفقه الشيعي)، مع أن (سهم الإمام) هو أحد قسمي (الخمس) نفسه، ويعطي للفقيه سواء كان متحدراً من العترة النبوية أم لم يكن متحدراً كما هو المعلوم.
alyatem
11-03-2013, 10:02 AM
وعلاوة على ما تقدم، فإن باحثنا الملاّط انساق وراء الإعلام أحياناً كثيرة، وتجد ذلك في مواطن كثيرة، ويبدو ذلك في وضع (النجف) في الجنوب العراقي (ص 10 القانون في النهضة الإسلامية)، وحشره (الشيعة) في الجنوب، فيما أسماه بالجنوب الشيعي (ص25 القانون في النهضة الإسلامية) في مقابل الشمال الكردي، وهذه التسميات لابد أنها تتماشى مع الواقع الإعلامي السائد، وهي تحشر (الشيعة) في زاوية وكأنها أقلية تطالب بحقوقها. وكنموذج لهذا التأثير الإعلامي ما نسبه إلى الإمام الخميني من ترديده أنه حسيني وليس حسنياً (ص 278 الهوامش).
ومهما يكن من أمر فقد يتجاوز الناقد مثل هذه الملاحظات، خاصة إذا عرفنا أنه ينتمي إلى ثقافة ومحيط غريب عن هذا المحيط الذي نشأنا فيه ووعيناه وعرفناه، وهذا ما اعترف به الباحث نفسه وهو يشير إلى غربته في هذا المحيط الثقافي الذي قدر له أن يتعاطى معه ويكتب فيه (ص17 المقدمة العربية).
وإذا تجاوزنا هذه الملاحظات وملاحظات أخرى سترد، فإن بحث الملاّط بشكل عام ممتع، وعلى المستوى المنهجي رائع، وقد اشتمل كتابه على دراسات قيّمة ومهمّة عن الفقه الإسلامي، وتحديداً في حقل الاقتصاد، بلغة العصر والمنهج الجامعي ـ الأكاديمي ـ بعيداً عن اللغة الملغَّزة والمطلسمة.
ويعتبر بحثه في الاقتصاد الإسلامي من وجهة نظر الشهيد الصدر، البحث الرئيس الذي اشتمل عليه الكتاب وخصص له، وقد استوعب الصفحات من رقم (147ـ 248)، والبحث هنا في الأعم الأغلب جاء وصفياً، ويكشف عن قدرات الباحث المتواضعة، لأنه ليس من أهل الاقتصاد ولا من أهل الفقه الإسلامي، وتحت تأثير هذه الحقيقة لم يدرك الباحث تمييز الشهيد الصدر للاقتصاد الإسلامي من زاوية مذهبية تارة، وعلمية تارة أخرى. ولم يخف الملاّط معرفته المتواضعة في مجال علم الاقتصاد في تقييمه لإنجاز الشهيد الصدر بشكل عام (ص 248).
وهنا لابد من التنبيه على القناعة الراسخة لدى شبلي الملاّط وهو يؤكد ـ بضرس قاطع ـ تفرد السيد الصدر في ميدان الاقتصاد الإسلامي ""إذ كان الباحث الإسلامي الوحيد، القادر على إعداد نص شامل بإِمكانه الاعتماد على الكتابات الاقتصادية في الرسائل البحثية الفقهية الكلاسيكية، وكذلك على مصادر التعاليم الماركسية والرأسمالية المتوفرة بالعربية، والقادر على تسلّق ذلك الهرم من القيود والكوابح بشيء من النجاح"" (ص248)، وأنه ""الأثر الأهم شأناً والأكثر شمولاً بين كل ما كُتب عن الاقتصاد الإسلامي.. "" (ص189)، ومما يجعل كتابات الشهيد الصدر ـ دون سواها ـ تتسم بأهمية بارزة، بما لم يسبق إليه حتى عام 1960، (ص147).
وقد لاحظ الملاّط ـ بحق ـ الفرق في مقارنته بين إنجازات (سيد قطب) و(علاّل الفاسي) في المجال الاقتصادي وإنجازات الشهيد الصدر، وقد لاحظ أن أفضل إنجازاتهما في هذا المجال قاصرة عن بلوغ مستوى أعمال الصدر من حيث النوعية والمنزلة (ص193)، كما لاحظ على كتابات أخرى في المجال الاقتصادي صدرت في المكتبة الشيعية كما في كتاب (الاقتصاد الإسلامي) للشهيد حسن الشيرازي، أنه ليس جديراً بالاهتمام (ص192)، كما أشار إلى كتاب السيد الطالقاني في كتاب (الإسلام والملكية) الصادر بعد كتاب (اقتصادنا)، والذي لا يقارن ـ من وجهة نظر الملاّط ـ على أية حالة بكتاب الصدر ، إن من ناحية العمق أو من ناحية الشمول (ص192)، كما ألمح إلى التطابقات بين إنجاز أبو الحسن بني صدر الرئيس الإيراني الأول وكتاب (اقتصادنا) (ص 194)، وكان قد أصدر أبو الحسن بني صدر كتابه (اقتصاد توحيدي) في العام 1978، أي بعد صدور (اقتصادنا) بما يقرب من عشرين عاماً.
وقد دافع الباحث الملاّط عن الوجه الإسلامي لإنجاز الشهيد الصدر في كتابه (اقتصادنا) في مقابل (نقد) كتبه كاتبان من المدرسة السنيّة تحاملا على (اقتصادنا) في محاولة منهما لإبراز المنحى الشيعي في الكتاب.
وقد لاحظ الملاّط أن كتاب (اقتصادنا) فريد بغياب أية نعرة طائفية ظاهرة في تحليله ومصادره، (ص193)، وفي الوقت الذي يقرر فيه الملاّط من وجهة نظر علمية خلو الكتاب من أية نعرة طائفية، يدرك ـ هذه المرة ـ أن مثل هذا النقد ليس إلاّ محاولة للاتهام، ولدت في ظل الجوّ الطائفي الذي وسم النصف الثاني من الثمانينات، والذي يعرّض للشبهات حتى الأخلص نيّة والأنبل هدفاً بين الكتابات في هذا المجال (ص 194).
وإذا كان الملاّط قد أنصف (اقتصادنا) في هذا المجال، فإنّ الباحث ليتمنى لو راجع الملاّط الموقف العام للمدرسة السنيّة من أهل السنّة، وفي مقدمتهم الدكتور محمد المبارك.
وعلاوة على الاقتصاد، ثمة بحث ممتع عن الإسهام القانوني للشهيد الصدر، وتحديداً في الحقل الدستوري، استوعب الصفحات من الصفحة ذات الرقم (81) حتى الصفحة (143).
وهنا تبدو مهارة الباحث الملاّط، فالباحث قانوني، وصاحب خبرة في اللغة القانونية والمنهج القانوني والمدارس القانونية، ولذلك جاء بحثه في هذا الفصل أكثر علمية وأكثر موضوعية ودقة.
وأهم ما كتبه في هذا الفصل محاولته رد أصول الدستور الإيراني إلى أفكار الشهيد الصدر وإسهاماته في الحقل الدستوري، وذكر أن التشابهات بين الدستور الإيراني والمؤسسات المتبنّاة في النص ـ وهي أحياناً حرفية بارزة بوضوح ـ مما يستبعد إمكانية الصدف أو توارد الأفكار (ص 275، وانظر ص 95 و ص15 من المقدمة العربية).
ولم ينس الملاّط البحث في الفلسفة السياسية للدولة عند الشهيد الصدر، ما استوعب الصفحات من (86) وما بعد.
alyatem
11-03-2013, 10:02 AM
الكتاب غني بالمعلومات، خاصة وأنه تصدى للبحث في الاقتصاد والدستور والسيرة الذاتية للشهيد الصدر، ولذلك لا يتاح للناقد متابعة الباحث في هذه المجالات كلها ـ وبشكل تفصيلي ـ ولذلك يحسن بنا أن نختم بملاحظات سريعة من هنا وهناك، لعلها تعطي انطباعاً كافياً عن الكتاب.
1ـ تتسم تقييماته في عدد من الموارد، وخاصة بما يتعلق بالشهيد الصدر نفسه وإنجازاته بالخروج على المسؤولية العلمية، وتشي بالتسرّع، وقد تكون وليدة انطباعات متأثرة ببعض الاتجاهات الفكرية المعادية للشهيد الصدر، وقد تكون وليدة المماحكة.
وكمثال على ذلك تقييمه لكتاب (فلسفتنا) الذي جاء متناقضاً، فهو في الوقت الذي يعتبره أمراً لافتاً للأنظار بمنحاه الفذّ (ص16 القانون في النهضة الإسلامية وص 195) فإنه يصرّ على تقييمه خارج إطار صدوره وفي ظل تطور الفكر الماركسي نفسه (انظر الصفحات نفسها).
وتبدو تقييماته أكثر تهوراً في حديثه عن كتاب (الأسس المنطقية للاستقراء)، ويرى أنه الأقل نجاحاً للمنهج المنشود، لأن الصدر ـ من وجهة نظره ـ لم يكن متهيئاً على نحو جيد للخوض في مثل هذا الفرع الملغز من فروع المعرفة (ص16 القانون في النهضة الإسلامية)، وهنا يبدو شبلي الملاّط متجاوزاً أكثر من أي وقت مضى على أصول البحث، خاصة وأنه ـ كما يبدو لي من لغته ـ لا يجيد قراءة الأسس المنطقية للاستقراء، ولا خبرة له في التعرّف على هذا اللون المعرفي الملغز كما يصفه بنفسه، وعليه فكيف سمح لنفسه بإصدار حكم قيمي على إنجاز مهم ـ حسب اعتراف أهل الخبرة ـ لا يجيد قراءته؟!
ولم ينجُ كتاب (اقتصادنا) من تقييماته المتسرّعة مع شدة إعجابه بالكتاب، فقد سجّل الملاّط ملاحظة على (اقتصادنا) في خاتمة الكتاب، يقول: ""ويبقى من الضروري التنبيه إلى أن الصدر لم يكن من علماء الاقتصاد أو الخبراء في عمليات المصارف، ولذا سوف يكتشف المنقِّبون في نظامه بأدوات النظريات الاقتصادية والمالية العصرية تقصيراً ملموساً بل نواقص جليّة"" (ص248).
2ـ اشتمل الكتاب على تحليلات غير منطقية وربما أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، وهي في الغالب لا تقوم على أسس متينة ولا معطيات صحيحة، ومن ذلك كنماذج على المدعى:
ـ في مقارنة بين ما كتبه الشهيد الصدر لحزب الدعوة الإسلامية فيما يعرف بـا(الأسس) قارن بين الأساس رقم (6) في (شكل الحكم في الإسلام) وبين ما كتبه الشهيد الصدر في سلسة (الإسلام يقود الحياة)، وجد الملاّط، كما تراءى له، أن ثمة فرقاً بين الشكل في (الأسس) وبينه في (الإسلام يقود الحياة)، حيث ميّز في ما كتبه لحزب الدعوة بين لونين من ألوان الحكم الإسلامي، أحدهما إلهي وهو حكم المعصوم، وآخر شوري وهو حكم الشعب، ولاحظ الملاّط غياب هذا التفسير واندماجهما في (الإسلام يقود الحياة) وكأنه يقول بأن الحكم شوري ولا مجال للحكم الإلهي الأول (ص16 وما بعد من المقدمة العربية).
ونلاحظ عليه أنه تحليل لا يقوم على معطى صحيح، وهو يتجاوز مجال البحث الذي يعالجه الشهيد في كل من الموردين، ولذلك لا يبقى مجال لتخمينه وهو يبحث عن السبب في غياب (الأسس) طيلة هذه المدة ولم يعثر عليها، ولذلك احتمل أن تكون قد غيّبت بداعي الفرق النظري الذي طرحه الشهيد الصدر بين الموردين.
وهنا خفي على الملاّط حقيقة مهمة وهي أن (الأسس) لم تكن متداولة، لأنها كتبت لتثقيف أعضاء الحزب ـ حزب الدعوة ـ وكوادره، ولم يكن من الممكن إظهارها ونشرها، لأن العثور عليها عند أحد سيودي به إلى حبل المشنقة، لذلك أخذت وقتاً من الزمن حتى ظهرت، ولم تظهر إلا خارج العراق.
ـ ومن تحليلاته المتسرّعة، تفسيره لإصرار الإمام الخميني على مواصلة الحرب، وأنه كان بوحي من الوفاء للشهيد الصدر الذي أعدمه النظام في بغداد (ص 270 الهامش رقم 109)، وهو تحليل لا يدعو للتعليق، خاصة وأن الباحث نفسه يسجل امتعاضه عن انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية دونما مساءلة للنظام العراقي (ص21 من المقدمة العربية)، وهنا يحق للناقد أن يسأل الملاّط عن احتمال أن يكون الإصرار بداعي فرض وضع دولي يفرض هذه المساءلة وإن فشل الإيرانيون في فرضه لأسباب دولية؟!
ـ ومن أجمل تحليلاته ذلك التحليل الذي ابتكره الباحث الملاّط وهو بصدد الحديث عن علاقة الشهيد الصدر بالإمام الخميني، حيث نفى أن تكون ثمة علاقة، وقد ردّ ذلك إلى الموقف المتحفّظ للخميني طوال فترة إقامته في النجف، العائد جزئياً إلى طبيعته الخجولة وبعض الصعوبة الظاهرة في العربية المحكيّة.. (ص 70 مثل عليا في الفقه الشيعي)، ومثل هذا التحليل لا يستأهل أي تعليق!
3ـ كما وطغت على الكتاب سمات المنهج الانتقائي والقراءة الناقصة وتفسير النصوص قسرياً لصالح أفكار مسبقة، ويظهر ذلك في قراءته لبعض نصوص الإمام الخميني والمقارنة بينها، خاصة في مقارنته بين نص (الحكومة الإسلامية) ونص (تحرير الوسيلة) وقد أدعى أن ثمة تفصيلاً لافتاً للانتباه في التطور الذي حصل مع الإمام الخميني بشأن شرائط المرجع. وادعى أن الشرائط التي ذكرت في تحرير الوسيلة، لم تعد ثمة شيئاً عند الإمام الخميني في (الحكومة الإسلامية) (ص278). وهنا لا يلتفت الملاّط إلى مجال الموردين، وهو يقرأ النصوص بطريقة مشبعة بالتقاط الفوارق دونما التفات إلى مورد كل من النصين.
4ـ والأنكى من ذلك ما اشتمل عليه الكتاب من معلومات غير موثقة، وهي عارية عن الصحّة جملة وتفصيلاً، ومن ذلك ما ذكره بشأن توجّه الشهيد الصدر إلى طهران مع الوفد المرافق له لتقديم التهنئة للإمام الخميني بانتصار الثورة، وقد حال دون ذلك اعتقاله ووضعه قيد الاحتجاز المنزلي (ص26 القانون في النهضة الإسلامية)، كما ذكر أن الشهيد الصدر كان يفكر مليّاً في طلب اللجوء إلى إيران الجديدة، والتي تمّ بعدها المراسلات بينه وبين الإمام الخميني، إلاّ أن الخميني لم يبادل الشهيد الصدر الضيافة النجفية بالمثل! (ص27). ومن الطريف أنه يقول: "".. لا يوجد أي سجل لطلب الصدر اللجوء إلى إيران.."" ص269. ولا أدري كيف سجَّل الباحث شبلي الملاّط هذه المعلومات دون أن يلتفت إلى فداحة الإخلال بالمنهج العلمي، وهو لا يجد عليها شاهداً، ولا يقيم عليها دليلاً.
عندما ينفتح باحث مسيحي على مفكّر إسلامي وفقيه شيعي كبير نعرف أن القيود التي وضعت في يديّ الشهيد الصدر لتشلّه عن العطاء تتكسر لينطلق إلى عالم أرحب، وفضاء فكري عالمي أوسع، وها هي كلماته تدقّ أبواب كل بلاد العالم دونما استئذان ليبقى قاتله وخصومه ـ وإن كانوا من أبناء وطنه ـ في قمقم لا يبرحونه أبداً.
alyatem
11-03-2013, 10:03 AM
وعمداً على بدء، فقد صدرت أبحاث مهمة عن الشهيد الصدر في عددٍ من الدوريات مما هو منشور في (مجلة المنهاج) الصادرة في بيروت، ومجلة (الفكر الجديد) الصادر عن دار الإسلام في لندن، ومجلة (قضايا إسلامية) الصادرة في قم، ومجلة (قضايا إسلامية معاصرة) الصادرة في قم أيضاً.
كما تحسن الإشارة إلى عددٍ من أبحاثٍ وإصدارات السيد عمار أبو رغيف، في محاولاته التعريف بفكر الشهيد الصدر أو الدفاع عنه، أو تقريره بصيغٍ أخرى.
وربما فاتني أن أشير إلى بعض الكتب والأبحاث، فقد لا أكون مطلعاً على بعضها، وقد يكون بعضها الآخر في طريقه إلى الصدور. وفي هذا السياق أُشير إلى ما ذكره مستشار رئيس النظام العراقي الإعلامي والصحفي صباح سلمان ـ مما نشره في صحيفة الحياة بتاريخ (20/9/1995) وأعيد نشره في صحيفة (بغداد) بعددها (247) بتاريخ (22/9/1995) ـ بصدد تأليفه كتاباً لم ينشر بعد بعنوان (الإمام الصدر والرئيس صدام.. واللقاء الأخير!!).
وربما كان من المفيد نشر هذا الكتاب، لأنه يطلعنا على أحداث ووقائع كان من غير الممكن الإطلاع عليها.
-2-
ويحسن أن أُلفت نظر القارئ إلى التحديات التي واجهتني في الإعداد لهذا الكتاب، شأني شأن العديد من الكتَّاب والباحثين، وبالخصوص في الموضوعات المعقَّدة والساخنة.
ويمكن أن أشير إلى أهم هذه التحديات:
1ـ الهاجس الأمني، إذ أن هناك عدداً من المعطيات التاريخية كانت تتصل بحياة عدد من الشخصيات ولا يمكن الإفصاح عنها، ولذلك كانت مجموعة من المعلومات تضيع أو تختفي لهذا السبب، إذ لا يمكن المجازفة بالإشارة إليها بشكل تفصيلي. وإذا كان ذلك يُعدُّ تحدياً كبيراً للباحث، إذ يقلل من أهمية بعض المعلومات التي يذكرها، فإنه تحدٍ لا يمكن إغفاله، لأنه يشكّل قيداً شرعياً وأخلاقياً، ولا يمكن تجاوزه على الإطلاق.
وأُشير إلى أن معظم هذه المادة كان قد أُعِدَّ في زمنٍ كان فيه النظام قائماً ولا يزال يفرض نفسه على حياة العراقيين، ولذلك ورد بعض المعلومات ملبيّاً لهذا القيد، وإن حاولت تداركه وإعادة النظر فيه. لكن أُشير إلى أن هناك عدداً من المعلومات لابد وأَن يضيع لجهة تقادم الزمن، وبسبب النسيان الذي يفرض نفسه على الشهادات فتتآكل بسبب هذا العامل.
2ـ الهاجس الوحدوي، إذ يتردد الباحث بين أمرين اثنين :
أحدهما: الكتابة بصراحةٍ تامة لتقديم الصورة كاملة غير منقوصة، وبذلك يقدِّم التاريخ كما هو ووفقاً للمعطيات التي سجّلها أهل ذلك الزمان وحفظتها الشهادات على هذا المقطع الزمني.
وثانيهما: الإحساس بالهيبة والرهبة تجاه بعض المواقف التي قد تكون الإشارة إليها وذكرها تجريحاً ـ أو يشم منها ذلك ـ أو تعريضاً ببعض الشخصيات أو بعض الاتجاهات. وربما تزيد هذه الحيرة رغبة البعض في تغليب الصور المشرقة من حياة العظماء على الصور الأخرى، بل وإغفالها لصالح الأولى.
وقد شعرت بالحيرة ـ شأني شأن الباحثين الآخرين ـ تجاه هذه الملاحظات، وإن كنت ميّالاً بقوة إلى الكتابة بصراحةٍ شديدة، لإيماني العميق بضرورة ذلك، احتراماً للتاريخ نفسه.
وقد زادني قوة على قوة ما يردده الشهيد الصدر نفسه في هذا الصدد، وهو يتحدث عن كتابة التاريخ بمناسبة بحثه (فدك في التاريخ) فيقول: "".. وأما إذا جئنا للتاريخ لا لنسجل واقع الأمر خيراً كان أو شراً، ولا لنحبس دراستنا في حدود مناهج البحث العلمي الخالص، ولا لنجمع الاحتمالات والتقديرات التي يجوز افتراضها ليسقط منها على محك البحث ما يسقط ويبقى ما يليق بالتقدير والملاحظة، بل لنستلهم عواطفنا وموروثاتنا ونستمد من وحيها الآخّاذ تاريخ أجيالنا السابقة، فليس ذلك تاريخاً لأولئك الأشخاص الذين عاشوا على وجه الأرض يوماً، وما كانوا بشراً تتنازعهم ضروب شتى من الشعور والإحساس، وتختلج في ضمائرهم ألوان مختلفة من نوازّع الخير ونزعات الشر، بل هو ترجمة لأشخاص عاشوا في ذهننا وطارت بهم نفوسنا إلى الآفاق العالية من الخيال..""(1).
بل يصعِّد الشهيد الصدر الحديث في هذا الصدد فيكتب: ""فإذا كنت تريد أن تكون حراً في تفكيرك، ومؤرخاً لدنيا الناس لا روائياً يستوحي من ذهنه ما يكتب، فضع عواطفك جانباً، أو إذا شئت فاملأ بها شعاب نفسك فهي ملكك لا ينازعك فيها أحد، واستثن تفكيرك الذي به تعالج البحث فانه لم يعد ملكك بعد أن اضطلعت بمسؤولية التاريخ، وأخذت على نفسك أن تكون أميناً ليأتي البحث مستوفياً لشروطه قائماً على أسس صحيحة من التفكير والاستنتاج""(2).
3ـ طبيعة المعطيات، إذ يتوجب على الباحث فحص المعطيات المتوفرة والتي تشكِّل المادة الرئيسة للبحث، وقراءتها قراءة دقيقة ومتأنية، خاصة في ظل عدة عوامل، منها: النسيان الذي يفعل فعله في الشهادات، حيث من الطبيعي أن تتعرض هذه الشهادات للتآكل، بسبب فقدان جزء منها في ذاكرة أصحابها، فيعرِّض الباحثين إلى التحريف بطريقة غير مقصودة وغير متعمدة، خاصة إذا عرفنا أن عدداً من أصحاب هذه الشهادات لا يستعين بالكتابة والتدوين، لسبب ذاتي أو لسبب موضوعي، كما في ظروف المحنة والمطاردة، مما هو موضوع بحثنا ودراستنا.
ومنها: اختفاء بعض المعطيات أو إخفاؤها، إذ يعمد بعض أصحاب الشهادات والقريبين من الأحداث والشخصيات ـ موضوع الدراسة والبحث ـ إلى إخفاء المعلومات والرسائل.. وحجبها عن الباحثين، وهو عامل يضر بالبحث أيما إضرار، ويشوِّه الدراسة بشكل كبير جداً، فقد غابت رسائل عديدة للشهيد الصدر وتم حجبها عن التداول لسبب وآخر ـ بغض النظر عن المسوِّغ ـ ومُنع الباحثون من الاطلاع عليها بشكل مباشر لقراءتها عن قرب واستنتاج ما يمكن استنتاجه منها. واذكر في هذا السياق الرسائل التي كتبها الشهيد الصدر إلى الشهيد محمد باقر الحكيم، وهي رسائل ثمينة وذات مضمون مهم على المستوى السياسي والفكري معاً. واذكر ـ أيضاً ـ رسائل الشهيد الصدر إلى الشيخ علي الكوراني، والتي نشر بعضها بعد شطب قسمٍ منها منعاً من الوقوف عليها(3). ويمكن مراجعة القسم الوثائقي من كتاب (شهيد الأمة وشاهدها) للشيخ محمد رضا النعماني، ليعرف مدى ما أتلف من هذه الرسائل عبر إخفاء بعض الأسماء أو شطب بعض الأقسام.
ومما ضاع وأُخفي رسالة الشهيد الصدر الأخيرة والتي كتبّها ـ وهي أشبه بالوصية ـ للسيد محمود الهاشمي (الشاهرودي) تلميذه وممثله في الخارج، والتي نقلها الشيخ محمد رضا النعماني، عقيب استشهاد السيد الصدر وهروب النعماني إلى إيران، وسلّمها إلى السيد الهاشمي(4).
بل ضاع أثر مهم من آثار الشهيد الصدر، وهو عبارة عن أجوبة الشهيد الصدر على تساؤلات وتعليقات الدكتور علي شريعتي على بحثه (بحث حول الولاية)، وقد أرسلها الشهيد الصدر إلى بعض طلابه على أمل ترجمتها وطبعها، إلاّ أنها أخفيت بحجة أنها تسهم في الترويج للدكتور علي شريعتي، مما أوجب استغراب الشهيد الصدر نفسه، كما يفيده السيد محمد الحيدري. ويقول السيد الحيدري أنه سعى للعثور عليها فلم يستطع(5).
ومنها: تناقض المصالح والآراء بين أصحاب الشهادات والمقربين من الشهيد الصدر بعد اتساع الخلافات بينهم وتزايد الهوة، ولذلك يقف الباحث على محاولات عديدة من هذا الطرف أو ذاك تحاول إخفاء بعض الحقائق أو تجاهلها والتركيز على أمور أخرى.
ومن ذلك ما يُلاحظه الباحث في المقدمة التي كتبها السيد علي أكبر الحائري للطبعة الجديدة لكتاب (دروس في علم الأصول) للشهيد الصدر، إذ أغفل السيد علي أكبر الحائري ـ على خلفية الصراع بين شقيقه السيد كاظم الحائري وحزب الدعوة ـ الإشارة والحديث إلى نشاط الشهيد الصدر السياسي ولم يذكر منه سوى إعتقالاته(6).
----------------
(1) الصدر، محمد باقر، فدك في التاريخ، ص34 وما بعد، ط دار التعارف، بيروت، 1983.
(2) المرجع السابق نفسه، ص35.
(3) راجع الملاحق، ملحق رقم [44] [45].
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9867&stc=1&d=1313007860
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9868&stc=1&d=1313007860
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9869&stc=1&d=1313007860
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9870&stc=1&d=1313007860
(4) النعماني، محمد رضا، الشهيد الصدر: سنوات المحنة وأيام الحصار، ص 299، ص323، ط أولى، 1996، قم.
(5) الحيدري، محمد، الإمام محمد باقر الصدر.. معايشه من قريب، ص 24، ط دار الهادي، أولى 2003.
(6) دروس في علم الأصول، نشر مجمع الفكر الإسلامي، قم، 1991/ 1412ه، ط الأولى.
alyatem
11-03-2013, 10:05 AM
ويمكن أن أشير إلى المفارقة الكبيرة التي حصلت في إصدار لجنة التحقيق التابعة لمؤتمر السيد الصدر ـ الذي انعقد في طهران للعام 2001م ـ كتاب الشيخ محمد رضا النعماني في طبعته الثانية وبعنوان (شهيد الأمة وشاهدها)، حيث حذفت منه عدة موارد، كان بعضها مورد اعتراض الشيخ النعماني وعدم معرفته:
ـ ورد في كتابه (الأصل) في هامش ص 282 ـ 283 بخصوص الثناء على دور الشهيد عبد العزيز الحكيم التالي: ""كان لسماحته دور بطولي وفدائي في خدمة السيد الشهيد، فمن اليوم الأخير من شهر شعبان وحتى نهاية الحجز كان أهم حلقة توصل السيد بخارج البيت، والمنفّذ الحكيم لكل ما كان يطلبه السيد الشهيد، رغم احتمال أن يؤدي به الأمر إلى أن يضحّي بنفسه وعائلته في أي لحظة. وقد أشاد به السيد الشهيد كثيراً، وفي آخر رسالة كتبها وهي أقرب ما تكون إلى الوصية، وبعثها إلى سماحة آية الله السيد محمود الهاشمي، أوصاه به وبي بعبارات قلّما يعبّر السيد الشهيد بمثلها لأحد، فجزاه الله (تعالى) خير الجزاء. ولا أنسى دور سماحة الأخ حجة الإسلام والمسلمين الشيخ عبد الحليم الزهيري (حفظه الله) فقد قام بدور كبير في تلك الفترة، وكان أكبر همّه خدمة السيد الشهيد والدفاع عنه وتنفيذ أوامره فجزاه الله خيراً"".
وقد وردت هذه الفقرة في الجزء الثاني من إصدار المؤتمر ناقصة بعد أن حذفت الفقرة الخاصة بالثناء على دور الشيخ عبد الحليم الزهيري بالتمام والكمال. (راجع ج2/ص162).
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9872&stc=1&d=1313005845
ـ وقد ورد في كتاب الشيخ النعماني (الأصل) وبعنوان (عقبات التصدي للمرجعية) وتحديداً الصفحة (175) ما يلي:
""وحتى تأسيس حزب الدعوة الإسلامية الذي جعله البعض حربه لطعنه، أو تشويه سمعته بين أبناء الأمة، ما كان إلاّ من أجل حماية كيان الإسلام والأمة الإسلامية، ومن الغريب أن البعض كان يسمح لأبنائه بالانتماء إلى حزب البعث الصليبي، ويحارب السيد الشهيد لتأسيسه حزب الدعوة الإسلامية"".
وأضيف إلى هذه الفقرة ـ في هذه الطبعة ـ عدة كلمات لم تكن موضع قبول أو إطلاع الشيخ النعماني، بل كانت موضع الرفض كما يشير هو نفسه في رسالة خاصة(7). حيث وردت الفقرة كالتالي: ""وحتى تأسيس حزب الدعوة الإسلامية الذي جعله البعض حربة لطعنه، أو تشويه سمعته بين أبناء الأمة، ما كان إلاّ من أجل حماية كيان الإسلام والأمة الإسلامية ـ بقطع النظر عما انتهى إليه بعد ذلك ـ ومن الغريب أن البعض.. "" راجع (مع شهيد الأمة وشاهدها ج1 / 273).
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9877&stc=1&d=1313005845
وقد أُضيفت هذه العبارة بداعي الانتقاص من حزب الدعوة في ظل الاحتراب الذي حصل لاحقاً بين طلاب وتلاميذ الشهيد الصدر.
ـ حذفت من الكتاب (الأصل) فقرة كاملة تخص تسليم وتحويل الأموال التي كانت بحوزة الشهيد الصدر إلى السيد محمود الهاشمي، وهي عبارة عن أموال من الحقوق الشرعية وأموال خاصة للشهيد الصدر، ومبلغ أمر بإرساله السيد الخميني إلى السيد الصدر خشية أن يكون في ضائقة، فأمر الشهيد الصدر بتحويله إلى السيد الهاشمي، وهو عبارة عن مائة ألف ديناراً عراقياً أي بما يعادل (300.000) أو يزيد دولاراً أمريكياً في ذلك الوقت. (راجع الأصل ص 117 وما بعد) وراجع (ص 215 وما بعد) من الجزء الأول من شهيد الأمة وشاهدها).
ـ وتم تعديل الفقرات الخاصة بالقيادة النائبة من الكتاب (الأصل) حيث كان تحدث الشيخ النعماني عن تأثر الشهيد الصدر لرفض أحد الأشخاص الذين رشحهم الشهيد الصدر لهذه القيادة وكان في العراق ـ ويقصد به الشهيد محمد باقر الحكيم ـ وخيبة أمل الشهيد الصدر لذلك وما آلت إليه أوضاعه (راجع الأصل ص 310)، وقد حذفت هذه المطالب واقتصر على الإشارة إلى عدم توفر العدد الكامل لهذه القيادة في الخارج والإعلان عن أسمائها وبعضهم في العراق يؤدي إلى اعتقالهم، وأضيف إلى ذلك التبريرات التي ذكرها الشهيد محمد باقر الحكيم لرفضه فكرة القيادة النائبة، والمنشورة في إحدى الصحف التابعة لمؤسسات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (راجع: شهيد الأمة وشاهدها: ج 2 / 192ـ 193).
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9873&stc=1&d=1313005845
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9874&stc=1&d=1313005845
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9875&stc=1&d=1313005845
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9876&stc=1&d=1313005845
ويندرج في هذا السياق ما كان يردده تلاميذ الشهيد الصدر من نفي تلمذته على السيد محمد الروحاني على نحوٍ مطلق، في وقتٍ تؤكد فيه المعطيات أنه تلمذ عليه لفترةٍ ما. وكان يصدر ذلك النفي على خلفية التناقض الحاد بين جماعة السيد الشهيد الصدر وجماعة السيد الروحاني، بل والسيد الروحاني نفسه.
والموقف ذاته بالنسبة لتلمذة الشهيد الصدر على الشيخ محمد تقي الجواهري، إذ نفى ـ لي ـ الشيخ محمد رضا النعماني ذلك، في وقتٍ توفرتُ فيه على معطيات تؤكد تلمذته عليه لفترةٍ ولمرحلةٍ ما. ولكن عاد الشيخ النعماني وذكر في كتابه ـ وكان لم يصدر وقت إدلائه لي بمعلوماته في حديث خاص ستأتي الإشارة إليه ـ أنه تتلمذ على الشيخ الجواهري.
وربما يجد الباحث والمتابع هذا المنهج حاضراً ـ وبقوةٍ ـ في الكتابات والأحاديث التي تنتسب إلى مرحلة الاحتراب بين الأحزاب الإسلامية وبين طلاب الشهيد الصدر أنفسهم. فيقرأ الباحث أحاديث (تلوي) ذراع التاريخ وتناقش في مسلماته. وربما يمثل ذلك بعض أحاديث السيد صدر الدين القبانجي(8)، وهو يتحدث عن دور الشهيد الصدر في تأسيس حزب الدعوة، فيعتبر أن دوره لم يكن في التأسيس إطلاقاً، وإنما كان أمام حزب ناجزٍ أريد له أن يولد بطريقة شرعية، ولذلك أنقذ الشهيد الصدر الحزب من ولادة خارج إطار مذهب أهل البيت (ع)، لأنه كان يخشى أن يولد سنياً!! مع أن هذه القراءات لم تكن قائمة أصلاً، ولم يكن هناك هاجس مذهبي على هذا المستوى، ولكن السيد صدر الدين يتحدث في العام (1421ه /2000م) وهي مرحلة شهدت ولا تزال تشهد احتراباً بين صفوف أبناء المذهب على مستوى التصنيف إلى الموالين وغير الموالين مما لم يكن حاضراً في العراق، وخصوصاً في تلك الفترة، فترة تأسيس الحزب.
ويأتي في السياق حديثه بصدد نفي علاقة السيد عماد التبريزي ـ بحزب الدعوة، وكذلك السيد عز الدين القبانجي ـ شقيقه ـ مع أن المعطيات التاريخية تؤكد انتماء السيدين إلى الحزب، بل أفاد الشيخ عبد الحليم الزهيري ـ أحد طلاب الشهيد الصدر وأحد أبرز قياديي الحزب ـ أن السيد التبريزي هو مسؤوله الحزبي، ولكنه أفاد ـ أيضاً ـ أنه انسحب من الحزب بناءً على فتوى الشهيد الصدر بفك ارتباط الحوزة وطلبة العلوم الدينية بالحزب، ولذلك دعاه السيد عماد التبريزي إلى فك ارتباطه، ولم يكن انسحاب الشهيد عماد التبريزي، إلاّ قبل فترة من إعدامه، تزيد على السنة. أما السيد الشهيد عز الدين القبانجي فقد أعدم، لأنه تبين في التحقيقات أنه المسؤول الحزبي للسيد عماد التبريزي.
ولا يكتفي السيد صدر الدين القبانجي بذلك، بل ينفي أن تكون هناك كتابات للشهيد الصدر أسهم بها في التنظير للحزب والتخطيط لفكره وحركته. ولا أعرف أية كتابات يقصد؟! فهل يقصد (الأسس)؟ ولكن ستأتي الإشارة إلى أنها للشهيد الصدر ـ على نحوٍ جازم ـ كما يفيده الشهيد محمد باقر الحكيم وغيره من المقربين إلى الشهيد الصدر من علماء وأقطاب الحزب.
إن هذه الإسقاطات وتفسير التاريخ وفق رؤى لاحقة عملية مضّرة وخاطئة ـ على أقل تقدير ـ لأنها تشوِّه التاريخ وتمحقه وإن كان ذلك عن غير قصد، وتزيد المجتمع إرباكاً وتزيده إلى مشاكله مشاكل جديدة، فتحول دون تلمس الطريق الصحيحة بغية تجاوز العقبات والأزمات. ولذلك ظهرت علينا كتابات وإصدارات متشنجة تفسر التاريخ أو تسجّله من زاوية معينة، وكان بعض أصحابها من إتجاهٍ معين، فتحول إلى اتجاهٍ آخر على النقيض منه، وبطريقة متطرفة.
إنّ من المهم ـ جداً ـ التركيز على المصداقية في كتابة التاريخ، والصبر على تقصي الحقائق والمعطيات، للوقوف على صورة متكاملة، فضلاً عن روح الإنصاف التي يتحلى بها الباحث.
وأظن أن الالتزام بمبادئ البحث العلمي كفيل بإيجاد مجتمع هادئ ومتوازن، يقرأ تاريخه ـ كله ـ بانتكاساته وانتصاراته، ليتجاوز كل ما من شأنه إعاقة تطوره نحو الغد المشرق، وعندئذٍ سيحترم شخصياته ويحفظ لها أدوارها الريادية وإسهاماتها الكبيرة، دون أن تتحول هذه الشخصيات إلى أصنام.
--------------
(7) راجع الملاحق، ملحق رقم [14].
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=9871&stc=1&d=1313005651
(8) راجع: صحيفة المبلغ، حديث للسيد صدر الدين القبانجي، العدد (171) بتاريخ 10/4/2000.
alyatem
11-03-2013, 10:06 AM
-3-
لقد استغرق الإعداد للكتاب وتأليفه مدة طويلة ربما تزيد على عشر سنوات، وذلك بغية الوقوف على أكبر قدر من المعطيات التاريخية، على اختلاف مصادرها وتنوع اتجاهاتها. وقد بذلت قصارى جهدي في الوقوف على استنتاجات سليمة ومنصفة، وذلك عن طريق جمع المعلومات وقراءتها بعيداً عن التحيّز. وإن كان هناك من امتنع عن تقديم المعلومات والمعطيات وأحجم عن إبداء رأيه في وقتٍ كان فيه تقديمها ضرورياً للكشف عن الحقيقة. وأذكر على سبيل المثال: السيد كاظم الحائري الذي امتنع عن إبداء رأيه في ما يخصه من معطياتٍ، كان هو أحد أركانها الرئيسية، كما في موقفه من فتوى أستاذه الشهيد الصدر بفك الارتباط بين الحوزة الحزب. ولذلك اقتصرت على الرأي الآخر الذي كشف عن مخالفات السيد الحائري لأستاذه الشهيد في هذهِ المسألة. كما أُذكِّر بموقف الشيخ محمد مهدي الآصفي الذي امتنع عن التعليق على ما نقله السيد عبد الكريم القزويني بخصوص تكليف الشهيد الصدر له بإبداء حيثيات وأسباب فتوى الشهيد بفك الارتباط بين الحزب والحوزة، وكان الآصفي ـ يومها ـ في الكويت. وقد عبّر الآصفي بقوله: ""إنه يسيئ الظن بذاكرته""، مع إني استبعد ذلك لجهة الأهمية البالغة لمثل هذا الحدث، الذي قلّما ينساه الإنسان، إلاّ إذا حصل طارئ صحي، فيكون شاملاً وعاماً. كما أُذكِّر بموقف السيد محمود الهاشمي (الشاهرودي) الذي امتنع عن أية إجابة بخصوص التساؤلات التي يثيرها البحث، وكنت عرضتها عليه وسعيت إلى توسيط صهره السيد محمود الخطيب لإقناعه دونما فائدة.
ومهما يكن من أمر، فإني أُذكرِّ القارئ العزيز بالآتي:
1ـ يُمثِّل الكتاب ـ خاصة في قسمه الأول ـ تاريخاً للشهيد الصدر ولمرحلةٍ مهمة عاشها الشهيد بتفاصيلها الحلوة والمرة، وبانتصاراتها وانتكاساتها، بصورها المشرقة وصورها الباهتة، بأفراحها وأحزانها.. ولذلك فقد تلبَّستُ لبوس المؤرخ، فما ورد من أحداث ووقائع فقد ورد في ضوء ما وصلني من معطيات نَسبتُها إلى مصادرها من الشهادات التي أدلى بها المعنيون، وقد بذلت قصارى جهدي في التحقق منها والموازنة بينها لاستخلاص النتائج المناسبة، ولم أكن ـ أبداً ـ في وارد المحاكمة أو الحكم على الناس والشخصيات، فربما كان لهم الأعذار والعلل التي يتعللون بها لتبرير مواقفهم التي بدت من وجهة نظر ما سلبية.
ولذلك فإني أُنبِّه إلى ما اشتمل عليه القسم الأول من الكتاب من صنفين من المعلومات، الصنف الأول: المعطيات والشهادات التي أدلى بها المعنيّون، ويتحمل مسؤوليتها المعنيون والمدلون هؤلاء. والصنف الثاني: التحليلات والاستنتاجات التي سجّلتها في الكتاب، وهي وجهات نظر أتمنى على القارئ قراءتها ـ كوجهة نظر ـ والتأمل فيها، وله الحق بعد ذلك في قبولها أو ردِّها، وفقاً لأصول الجدل والمناقشة.
2ـ إنّ ذكر بعض المواقف التي توصف بالسلبية والتي صدرت من البعض لم يكن بداعي التعريض والانتقاص والتحريض، وإنما ذكرت لغرضٍ تاريخي، ألزمنا المنهج العلمي عدم إغفاله أو تزويره وتصحيفه، ولذلك ذكرناه من باب تسجيل الأحداث والوقائع لا من باب محاكمة الناس والحكم عليهم.
3ـ خلا الكتاب من الألقاب الخاصة بعددٍ كبير من الشخصيات التي وردت الإشارة إليهم. وذلك التزاماً بالمنهج العلمي الذي يفرض المساواة في الألقاب واقتصرت على وصف (الشيخ) أو (السيد) و(الشهيد)…
4ـ وضعت للكتاب ملاحق عديدة، وهي عبارة عن رسائل للشهيد الصدر أحيل إليها في البحث، ورسائل أخرى وردت الإشارة إليها في البحث أيضاً، كما أني وضعت فيها رسائل وردتني من عدد من السادة العلماء للتعبير عن تقديرهم إبّان صدور كتابي الأول عن الشهيد الصدر. وقد وردت من: الشيخ محمد باقر الناصري، والشيخ عبد الهادي الفضلي، والسيد حسين هادي الصدر. وقصيدة من الشيخ جعفر الهلالي..
5ـ أتمنى على القارئ العزيز قراءة الكتاب كاملاً، خاصة بقسمه الأول، وعدم الاكتفاء بقطعٍ أو فقراتٍ منه، لتكمّل الصورة عنده، ولئلا يفهم من بعض القطع أو الفقرات ما يُعدّ إساءة ظنٍ أو اتهاماً لأحد، أو انتقاصاً له.
وختاماً، أتوجه بالشكر الجزيل إلى جميع من أفادني من العلماء وأصحاب الشهادات والمعنيين، ممن تحدثت إليهم وقابلتهم أو راسلتهم وأجابوا على ذلك، وقد يجد القارئ قائمة خاصة بالمقابلات والأحاديث.
كما أتوجه بالشكر إلى جميع الأصدقاء الذين دأبوا على تشجيعي لإكمال الكتاب، وأُفرد شكراً للأخ العزيز الشيخ علاء عبد علي الذي أعانني في تصحيح الكتاب وملاحقة شؤون التنفيذ. وأحمده تعالى على التوفيق وأسأله التسديد.
محمد السيد طاهر الياسري الحسيني
دمشق 25/3/2005م
14/صفر/ 1426ه
alyatem
11-03-2013, 10:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
كثيرا ما ينقل الباحث الحسيني في ثنايا هذا الكتاب اعلاه وينقل عن كتابه السابق:
http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=10195&stc=1&d=1315161769
وحيث اني لا املك النسخة المصورة
فقد وضعت لكم اعزائي الاعضاء الكرام
النص الكامل للكتاب بصورة (وورد) تجدونه (هنا (http://www.yahosein.com/vb/attachment.php?attachmentid=10231&d=1315528011))!
اسم الكتاب:الإمام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر دراسات في سيرته ومنهجه
المؤلف:السيّد محمّد الحسيني
تاريخ وفاة المؤلف:معاصر
الموضوع:تراجم
اللغة:عربي
عدد المجلدات:1
الناشر:دار الفرات
مكان الطبع:بيروت
تاريخ الطبع:1989 م
الطبعة:الأولى
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
Jannat Alhusain Network © 2024