alyatem
11-03-2013, 06:10 PM
جمهورية الأحذية
بعد حذاء النائب عالية نصيف، الذي سار بسرعة البرق باتجاه رئيس كتلة العراقية البرلمانية سلمان الجميلي، باتت معالم (الدولة) العراقية في عراق ما بعد 2003 واضحة تماما؛ والرسالة التي أراد السياسيون إيصالها إلى النخبة العراقية وعموم الشعب وصلت بحذافيرها، من دون تورية، أو أي انزياحات، فهي واضحة وضوح الشمس: "أهلا بكم في جمهورية الأحذية".
لم تعد تسميات الدولة العراقية الجديدة محيّرة، والمدة التي أعقبت احتلال بغداد، والتي أرقت من عارضها وساندها في إيجاد مسميات لها أصبحت كلها غير صالحة. لم يعد هناك حاجة للغة، ولا للصحف، ولا للفضائيات. نحن بحاجة فقط إلى الأحذية لكي ندير شؤون البلاد. وعلى السياسي القادم، في الانتخابات المقبلة، أن يتحصّن بحذاء أنيق، برباطات، أو من دون رباطات، لكنه يجب أن يكون أنيقا تماما، ولـمّاعا لدرجة أن يمشّط السياسي عليه شعره كل يوم، وأن يعقد رباط عنقه عليه، من دون أن يميل إلى إحدى جهتي القميص كما هي أربطة سياسيينا بالعادة.
فحذاء السيّدة عالية نصيف، الذي نافس سرعة الضوء وهو يطير إلى السيد الجميلي، فاقت سلطته كل الاجتماعات المغلقة، وكل الحوارات العلنية والخفية، كما أنه تعدّى الشروط التي عطّلت إقرار الموازنة الاتحادية، وهو، اختصر على السيّد طارق نجم، مستشار رئيس الوزراء الذي تكلف عناء عودته من بريطانيا إلى بغداد ليقنع الإقليم بإقرار الموازنة، مشقة الذهاب والعودة إلى أربيل، وترجمة شروط الساسة الكرد، وحيرته في الموافقة على شرط قد يخلي به رئيس الوزراء بعد حين.
لقد دفعت "واقعة حذاء نصيف" – التي تزامنت، ربما عن طريق الصدفة، مع اقرار الموازنة – الكثيرين إلى الاعتقاد بأن الحذاء فاق حتى سلطة الساسة الكبار، وأعلن ببسالة إقرار الموازنة، وجعل الكرد يصرخون فورا أنهم غبنوا، وأسكت القائمة العراقية والتحالف الوطني على حد سواء. أثبت الحذاء أن لا سلطة تعلو في العراق على سلطته.
وأعتقد أن حذاء السيدة عالية نصيّف سيشتهر، وسيكون في علبة زجاجية براقة مثل أحذية لاعبي كرة القدم الكبار المعتزلين، بل سيتفوق على حذاء الزعيم السوفيتي خوروشوف الذي خاطب به الأمم المتحدة، اذا ما قررت المنظمة الدولية بناء متحف خاص بالأحذية السياسية، وأعتقد أيضا أن تجارا كبارا سيكونون شاكرين إذا ما فتح مزاد على حذاء نصيف، وربما ستضمن النائبة بذلك تمويل حملتها الانتخابية المقبلة من خلال ثمن بيع حذائها، الذي – بالتأكيد – سيكون له فصل كامل من سيرة "جمهورية الأحذية" الذي سيكتب تفاصيلها كاتب شاب متحمس، ينبش في تفاصيل بلاده القديمة في عقود مقبلة.
و"جمهورية الأحذية" تقليد صدرناه، نحن صاحبو التاريخ، إلى دول عديدة مثل مصر وسورية وتركيا، عندما بدأ هذا الفتح (الصحفي) منتظر الزيدي، بأول حذاء انطلق بسرعة غير عادية إلى وجه الرئيس الأميركي جورج بوش العام 2008، ولم تكن تجربة حذاء الزيدي – الذي سيرد عليه فيما بعد بحذاء مشابه – غير منتجة، فالسيد رئيس الوزراء حينها – والذي لا يزال – نوري المالكي أفاد من تلك التجربة حين أصبح حارس مرمى وصد الحذاء عن وجه ضيفه، ومذ ذاك التاريخ، أصبح المالكي يصد عنه الأزمات بحنكة وحذر، ومذ ذاك التاريخ بدأت ملامح "جمهورية الأحذية" تتضح، على الرغم من أن الزيدي واجه اعتراضات حادة، على الأقل منا نحن زملاؤه الصحفيون الذين لم نكن نعرف سلطة أعلى من سلطة الكلمة. إلا أنه، بعد التجربة المرة التي عشناها، اتضح أن لغته هي الصحيحة، واتضح أنه صاحب "الفكرة الحذائية" الأولى التي سيعتنقها ليس الساسة في بلاده فحسب، وإنما ستتعداها إلى دول متقدمة ومتطورة.
ولابد أن أعتقد أيضا أن كتاب الشاب المتحمس (جمهورية الأحذية) الذي سيكتب بعد حين، سيحقق مبيعات تحطم مبيعات "جمهورية الخوف" لكنعان مكية، لأنه سيكون أكثر مصداقية منه، ولأنه سيعتمد على وثائق متطورة وصور وفيديوهات، ومقالات، مثل مقال كاتب هذه السطور الذي يتعامل مع الجمهورية الجديدة بروح مواطنة متفوقة، كما أنه من المنتمين إلى هذه الجمهورية منذ طفولته، من دون أن يدري، بسبب هوسه الدائم بتنظيف حذائه.
وأخيرا "للحذاء والدستور.. فوهة واحدة".
عمر الجفال
بعد حذاء النائب عالية نصيف، الذي سار بسرعة البرق باتجاه رئيس كتلة العراقية البرلمانية سلمان الجميلي، باتت معالم (الدولة) العراقية في عراق ما بعد 2003 واضحة تماما؛ والرسالة التي أراد السياسيون إيصالها إلى النخبة العراقية وعموم الشعب وصلت بحذافيرها، من دون تورية، أو أي انزياحات، فهي واضحة وضوح الشمس: "أهلا بكم في جمهورية الأحذية".
لم تعد تسميات الدولة العراقية الجديدة محيّرة، والمدة التي أعقبت احتلال بغداد، والتي أرقت من عارضها وساندها في إيجاد مسميات لها أصبحت كلها غير صالحة. لم يعد هناك حاجة للغة، ولا للصحف، ولا للفضائيات. نحن بحاجة فقط إلى الأحذية لكي ندير شؤون البلاد. وعلى السياسي القادم، في الانتخابات المقبلة، أن يتحصّن بحذاء أنيق، برباطات، أو من دون رباطات، لكنه يجب أن يكون أنيقا تماما، ولـمّاعا لدرجة أن يمشّط السياسي عليه شعره كل يوم، وأن يعقد رباط عنقه عليه، من دون أن يميل إلى إحدى جهتي القميص كما هي أربطة سياسيينا بالعادة.
فحذاء السيّدة عالية نصيف، الذي نافس سرعة الضوء وهو يطير إلى السيد الجميلي، فاقت سلطته كل الاجتماعات المغلقة، وكل الحوارات العلنية والخفية، كما أنه تعدّى الشروط التي عطّلت إقرار الموازنة الاتحادية، وهو، اختصر على السيّد طارق نجم، مستشار رئيس الوزراء الذي تكلف عناء عودته من بريطانيا إلى بغداد ليقنع الإقليم بإقرار الموازنة، مشقة الذهاب والعودة إلى أربيل، وترجمة شروط الساسة الكرد، وحيرته في الموافقة على شرط قد يخلي به رئيس الوزراء بعد حين.
لقد دفعت "واقعة حذاء نصيف" – التي تزامنت، ربما عن طريق الصدفة، مع اقرار الموازنة – الكثيرين إلى الاعتقاد بأن الحذاء فاق حتى سلطة الساسة الكبار، وأعلن ببسالة إقرار الموازنة، وجعل الكرد يصرخون فورا أنهم غبنوا، وأسكت القائمة العراقية والتحالف الوطني على حد سواء. أثبت الحذاء أن لا سلطة تعلو في العراق على سلطته.
وأعتقد أن حذاء السيدة عالية نصيّف سيشتهر، وسيكون في علبة زجاجية براقة مثل أحذية لاعبي كرة القدم الكبار المعتزلين، بل سيتفوق على حذاء الزعيم السوفيتي خوروشوف الذي خاطب به الأمم المتحدة، اذا ما قررت المنظمة الدولية بناء متحف خاص بالأحذية السياسية، وأعتقد أيضا أن تجارا كبارا سيكونون شاكرين إذا ما فتح مزاد على حذاء نصيف، وربما ستضمن النائبة بذلك تمويل حملتها الانتخابية المقبلة من خلال ثمن بيع حذائها، الذي – بالتأكيد – سيكون له فصل كامل من سيرة "جمهورية الأحذية" الذي سيكتب تفاصيلها كاتب شاب متحمس، ينبش في تفاصيل بلاده القديمة في عقود مقبلة.
و"جمهورية الأحذية" تقليد صدرناه، نحن صاحبو التاريخ، إلى دول عديدة مثل مصر وسورية وتركيا، عندما بدأ هذا الفتح (الصحفي) منتظر الزيدي، بأول حذاء انطلق بسرعة غير عادية إلى وجه الرئيس الأميركي جورج بوش العام 2008، ولم تكن تجربة حذاء الزيدي – الذي سيرد عليه فيما بعد بحذاء مشابه – غير منتجة، فالسيد رئيس الوزراء حينها – والذي لا يزال – نوري المالكي أفاد من تلك التجربة حين أصبح حارس مرمى وصد الحذاء عن وجه ضيفه، ومذ ذاك التاريخ، أصبح المالكي يصد عنه الأزمات بحنكة وحذر، ومذ ذاك التاريخ بدأت ملامح "جمهورية الأحذية" تتضح، على الرغم من أن الزيدي واجه اعتراضات حادة، على الأقل منا نحن زملاؤه الصحفيون الذين لم نكن نعرف سلطة أعلى من سلطة الكلمة. إلا أنه، بعد التجربة المرة التي عشناها، اتضح أن لغته هي الصحيحة، واتضح أنه صاحب "الفكرة الحذائية" الأولى التي سيعتنقها ليس الساسة في بلاده فحسب، وإنما ستتعداها إلى دول متقدمة ومتطورة.
ولابد أن أعتقد أيضا أن كتاب الشاب المتحمس (جمهورية الأحذية) الذي سيكتب بعد حين، سيحقق مبيعات تحطم مبيعات "جمهورية الخوف" لكنعان مكية، لأنه سيكون أكثر مصداقية منه، ولأنه سيعتمد على وثائق متطورة وصور وفيديوهات، ومقالات، مثل مقال كاتب هذه السطور الذي يتعامل مع الجمهورية الجديدة بروح مواطنة متفوقة، كما أنه من المنتمين إلى هذه الجمهورية منذ طفولته، من دون أن يدري، بسبب هوسه الدائم بتنظيف حذائه.
وأخيرا "للحذاء والدستور.. فوهة واحدة".
عمر الجفال