alyatem
15-03-2013, 02:40 AM
رسالة مفتوحة الى جيل دعــدع
بقلم : النجم الحزين
ولدي العزيز ...
تسألني بالامس عن معنى الزمن الجميل، ولماذا نحن الآباء عشنا حياة أفضل من حياتكم التي تعيشونها الان أنتم الأبناء؟ أجيبك يا حبيبي أن الزمن الجميل هو زمننا، نحن الذين ولدنا في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي،
فبالرغم من الفقر الذي كان يخيم على بعض بيوت العراقيين، ألا أن الحياة كانت جميلة وممتعة وبسيطة للغاية، فأغلبنا ولد ولادة طبيعية في المنزل على الرغم من أن أمهاتنا كن يعملن من الصباح حتى المساء لتأدية كل الواجبات البيتية، حتى في الساعات الاخيرة للحمل.
وعندما ولدنا لم نرتدي يوما (حفاظة البامبرز) لان أمهاتنا كن يهيئن (لكافات) من الملابس القديمة قبل ولادتنا، ولم نذق في حياتنا طعم حليب الكيكوز لأننا كنا نرتوي بالرضاعة الطبيعية، وأذا مرض أحدنا يسقى القنداغ والسفوف أو يذهب بنا الى الجدة لتتأكد أن الطفل (مبروكـ) أم لا،
وأخيرا أن كان في جيب الوالد بعض الدراهم يذهب بنا الى القسطخانة وهي مستشفى حماية الاطفال في الباب المعظم، ويشتري قنينة فارغة من البائع المتجول، حتى يملئها الصيدلي بشراب أحمراللون طيب المذاق يمكن أستعماله لكافة الامراض المزمنة وغير المزمنة، والعجيب أننا كنا نشفى بهذا الدواء من الملعقة الاولى.
كما كنا نشرب الماء من صوندة الحديقة ولم نعرف يوما أن هناك ماء يباع في قناني بلاستيكية ، وكنا نشرب ثلاثة أو أربعة أشخاص من قنينة واحدة من الكوكا كولا أو الفانتا أو كندا دراي، كما أكلنا الدوندرمه واللكستك والعمبة من الباعة المتجولين ولم يمرض أي واحد منا أو يموت بسبب ذلك.
وبالرغم من أننا كنا نأكل الثريد والباجة والتشريب لكن لم يكن أي واحد منا بدينا، فكلنا ذو أجسام رشيقة لاننا كنا نلعب طوال اليوم، كنا نخرج في الصباح ولا نعود الى البيت الا عند أذان المغرب،
كنا نلعب ختيلان وشرطة وحرامية وسيفونات ودعابل وجعاب وعوده بلبل وطوبة (اي كرة القدم) وكنا نعمل المصيادة بأيدينا كي نصطاد بها العصافير ، لكننا كسرنا زجاج بيوت المحلة ولم نصطد يوما عصفورا واحدا، ومع ذلك لم يزعل أحد الجيران منا، ولم يسبنا أو يشتمنا ولم يشتكينا في المحاكم، ولم ناخذ منه عطوة أو ننصب خيمة للفصل العشائري.
ومع أننا كنا نغيب عن البيت طوال اليوم لم يقلق أحد من أهلنا علينا ولم ينتابه شعور أننا ضعنا أو أن عصابة قد أختطفتنا، بل كان شيئا أعتياديا، لاننا لا بد أن نكون مجتمعين في أحد بيوت الدربونة، ولا أتذكر أن أمي عملت لي يوما مسكول أو أرسلت لي رسالة أس أم أس، لانها ماتت دون أن ترى الموبايل.
ليس هذا فحسب بل اننا لم نكن نمتلك أنترنيت ولا بلي ستيشن ولا فيديو ولا سيكا ولا لابتوب ولا حاسبة ولا أم بي ثري ولا سي دي ولا دي في دي ولا ماسنجر ولاغرف دردشة نتحدث من خلالها مع أصدقاء وهميين.
ولم يكن لدينا دش، فمن كانت عائلته تملك تلفزيون كان لا يشاهد 4000 قناة و5 أقمار، كانت هناك قناتين الاولى والثانية يجب عليك أن تتابع أحداهما وألا أذهب الى سريرك ونم.
كان التلفزيون يفتح عند السادسة مساءا ويغلق عند منتصف الليل وليس كزمانكم هذا الذي لا يرتاح فيه التلفزيون ولا دقيقة واحدة.
كنا أصدقاء في المحلة وأصدقاء في نفس المدرسة التي كنا نذهب اليها مشيا على الاقدام ولم نركب يوما باص أو هناك خط أنتظرنا في باب بيتنا ومع ذلك كنا مثابرين وحريصين على دراستنا ونبكي أذا فاتتنا أحدى الحصص لأي سبب كان.
لا أذكر أنني أشتريت ملزمة لأي مادة، ولم يخصص أهلي أي مبلغ للمدرسين الخصوصيين، لان أساتذتنا كانوا أكفاء في اختصاصاتهم، ولم نكن نواجه أي مشاكل أو ضغوط نفسية تستلزم مراجعتنا للمرشد التربوي، بل لم يكن لدينا في المدرسة مرشد تربوي أصلا.
وعندما كنا نخرج في نهاية الدوام، لم يكن بائع السكائر أو المخدرات يفترش بوابة المدرسة، بل كنا نجد بائع العمبة أوالبادم والسميط والمكاوية والسمسمية حيث لم يكن جبس البتيته قد أكتشف.
كنا نأكل أي شيىء يقدم لنا، حتى لو كان مرق اللهانة والقرنابيط والسبانغ وحامض شلغم أو المثرودة، حيث لا يوجد بديل يقدم لك من الثلاجة أو المجمدة لانها لم تكن موجودة أصلا،
لم نأكل البيتزا ولا الهامبورغر ولا الصاج ولا الشاورما ولا كنتاكي ولا سكالوب ولا حتى لحم بعجين، وكان اللحم يزور بيوتنا في أيام معدودات، ولم نكن نراه أو نتذوقه الأ في عروك الطاوة.
لم يكن أحد منا يجادل أباه أو يعصي له أمرا بحجة الديمقراطية وحرية التعبير، لاننا كنا نحترم آبائنا ونقدسهم، ولما مات والدي كنت في الاربعين من عمري، وفي بيتي ثلاثة أولاد ولم أذكر يوما أنني أشعلت سيكارة واحدة أمام ابى.. لا خوفا منه بل تقديسا لمكانته في العائلة.
نعم كنا أصدقاء المحلة الواحدة نلعب سوية بنين وبنات ولم نفكر يوما بأختلاف جنسينا، بل كنا نحافظ على بنات محلتنا كأنهن أخواتنا، وأذا تحرش أحد الغرباء بأي فتاة من محلتنا، أجتمع كل أولاد المحلة وطردنا الغريب بالحجارة وعدنا نهوس (هي هي مخبل) أما الغريب فلم يتجرا دخول محلتنا مرة أخرى.
كنا أصدقاء في محلة واحدة لم نسأل أي منا عن دينه ولا عن مذهبه ولا عن قوميته، فكلنا كنا نركض وراء الملالي ونلطم في أيام محر ، وكلنا كنا نوقد الشموع على جدار مرقد أبي حنيفة النعمان في المولد النبوي الشريف.
نعم كنا نقضي جل وقتنا في الشارع، ولكن لم ينادينا أحدأ يوما يا أولاد الشوارع، لان الشارع كان يعلمنا الكثير من القيم والاداب والاخلاق والعادات الصحيحة، وبالرغم من أننا كنا نتشاجر طوال الوقت،
لم يذهب أحد منا الى مركز الشرطة ولم يقع يوما تحت طائلة القانون، لان أهلنا كانوا أكثر شدة وصرامة من القانون نفسه.
ومع كل ما تقدم فأن جيلنا أكثر أنتاجا من أجيالكم، فأن خيرة المثقفين والادباء والكتاب والعلماء ينتمون الى جيلنا جيل الزمن الجميل.
أما جيلكم يا بني، فأظنه جيل دعدع الذي حدثتنا عنه جدتي رحمها الله في غابر الايام، وقالت عنه أنه (جيل دعدع، يأكل ما يشبع، تحجي وياه ما يسمع، تدزه ما يرجع).
أودعناكم أغاتي
بقلم : النجم الحزين
ولدي العزيز ...
تسألني بالامس عن معنى الزمن الجميل، ولماذا نحن الآباء عشنا حياة أفضل من حياتكم التي تعيشونها الان أنتم الأبناء؟ أجيبك يا حبيبي أن الزمن الجميل هو زمننا، نحن الذين ولدنا في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي،
فبالرغم من الفقر الذي كان يخيم على بعض بيوت العراقيين، ألا أن الحياة كانت جميلة وممتعة وبسيطة للغاية، فأغلبنا ولد ولادة طبيعية في المنزل على الرغم من أن أمهاتنا كن يعملن من الصباح حتى المساء لتأدية كل الواجبات البيتية، حتى في الساعات الاخيرة للحمل.
وعندما ولدنا لم نرتدي يوما (حفاظة البامبرز) لان أمهاتنا كن يهيئن (لكافات) من الملابس القديمة قبل ولادتنا، ولم نذق في حياتنا طعم حليب الكيكوز لأننا كنا نرتوي بالرضاعة الطبيعية، وأذا مرض أحدنا يسقى القنداغ والسفوف أو يذهب بنا الى الجدة لتتأكد أن الطفل (مبروكـ) أم لا،
وأخيرا أن كان في جيب الوالد بعض الدراهم يذهب بنا الى القسطخانة وهي مستشفى حماية الاطفال في الباب المعظم، ويشتري قنينة فارغة من البائع المتجول، حتى يملئها الصيدلي بشراب أحمراللون طيب المذاق يمكن أستعماله لكافة الامراض المزمنة وغير المزمنة، والعجيب أننا كنا نشفى بهذا الدواء من الملعقة الاولى.
كما كنا نشرب الماء من صوندة الحديقة ولم نعرف يوما أن هناك ماء يباع في قناني بلاستيكية ، وكنا نشرب ثلاثة أو أربعة أشخاص من قنينة واحدة من الكوكا كولا أو الفانتا أو كندا دراي، كما أكلنا الدوندرمه واللكستك والعمبة من الباعة المتجولين ولم يمرض أي واحد منا أو يموت بسبب ذلك.
وبالرغم من أننا كنا نأكل الثريد والباجة والتشريب لكن لم يكن أي واحد منا بدينا، فكلنا ذو أجسام رشيقة لاننا كنا نلعب طوال اليوم، كنا نخرج في الصباح ولا نعود الى البيت الا عند أذان المغرب،
كنا نلعب ختيلان وشرطة وحرامية وسيفونات ودعابل وجعاب وعوده بلبل وطوبة (اي كرة القدم) وكنا نعمل المصيادة بأيدينا كي نصطاد بها العصافير ، لكننا كسرنا زجاج بيوت المحلة ولم نصطد يوما عصفورا واحدا، ومع ذلك لم يزعل أحد الجيران منا، ولم يسبنا أو يشتمنا ولم يشتكينا في المحاكم، ولم ناخذ منه عطوة أو ننصب خيمة للفصل العشائري.
ومع أننا كنا نغيب عن البيت طوال اليوم لم يقلق أحد من أهلنا علينا ولم ينتابه شعور أننا ضعنا أو أن عصابة قد أختطفتنا، بل كان شيئا أعتياديا، لاننا لا بد أن نكون مجتمعين في أحد بيوت الدربونة، ولا أتذكر أن أمي عملت لي يوما مسكول أو أرسلت لي رسالة أس أم أس، لانها ماتت دون أن ترى الموبايل.
ليس هذا فحسب بل اننا لم نكن نمتلك أنترنيت ولا بلي ستيشن ولا فيديو ولا سيكا ولا لابتوب ولا حاسبة ولا أم بي ثري ولا سي دي ولا دي في دي ولا ماسنجر ولاغرف دردشة نتحدث من خلالها مع أصدقاء وهميين.
ولم يكن لدينا دش، فمن كانت عائلته تملك تلفزيون كان لا يشاهد 4000 قناة و5 أقمار، كانت هناك قناتين الاولى والثانية يجب عليك أن تتابع أحداهما وألا أذهب الى سريرك ونم.
كان التلفزيون يفتح عند السادسة مساءا ويغلق عند منتصف الليل وليس كزمانكم هذا الذي لا يرتاح فيه التلفزيون ولا دقيقة واحدة.
كنا أصدقاء في المحلة وأصدقاء في نفس المدرسة التي كنا نذهب اليها مشيا على الاقدام ولم نركب يوما باص أو هناك خط أنتظرنا في باب بيتنا ومع ذلك كنا مثابرين وحريصين على دراستنا ونبكي أذا فاتتنا أحدى الحصص لأي سبب كان.
لا أذكر أنني أشتريت ملزمة لأي مادة، ولم يخصص أهلي أي مبلغ للمدرسين الخصوصيين، لان أساتذتنا كانوا أكفاء في اختصاصاتهم، ولم نكن نواجه أي مشاكل أو ضغوط نفسية تستلزم مراجعتنا للمرشد التربوي، بل لم يكن لدينا في المدرسة مرشد تربوي أصلا.
وعندما كنا نخرج في نهاية الدوام، لم يكن بائع السكائر أو المخدرات يفترش بوابة المدرسة، بل كنا نجد بائع العمبة أوالبادم والسميط والمكاوية والسمسمية حيث لم يكن جبس البتيته قد أكتشف.
كنا نأكل أي شيىء يقدم لنا، حتى لو كان مرق اللهانة والقرنابيط والسبانغ وحامض شلغم أو المثرودة، حيث لا يوجد بديل يقدم لك من الثلاجة أو المجمدة لانها لم تكن موجودة أصلا،
لم نأكل البيتزا ولا الهامبورغر ولا الصاج ولا الشاورما ولا كنتاكي ولا سكالوب ولا حتى لحم بعجين، وكان اللحم يزور بيوتنا في أيام معدودات، ولم نكن نراه أو نتذوقه الأ في عروك الطاوة.
لم يكن أحد منا يجادل أباه أو يعصي له أمرا بحجة الديمقراطية وحرية التعبير، لاننا كنا نحترم آبائنا ونقدسهم، ولما مات والدي كنت في الاربعين من عمري، وفي بيتي ثلاثة أولاد ولم أذكر يوما أنني أشعلت سيكارة واحدة أمام ابى.. لا خوفا منه بل تقديسا لمكانته في العائلة.
نعم كنا أصدقاء المحلة الواحدة نلعب سوية بنين وبنات ولم نفكر يوما بأختلاف جنسينا، بل كنا نحافظ على بنات محلتنا كأنهن أخواتنا، وأذا تحرش أحد الغرباء بأي فتاة من محلتنا، أجتمع كل أولاد المحلة وطردنا الغريب بالحجارة وعدنا نهوس (هي هي مخبل) أما الغريب فلم يتجرا دخول محلتنا مرة أخرى.
كنا أصدقاء في محلة واحدة لم نسأل أي منا عن دينه ولا عن مذهبه ولا عن قوميته، فكلنا كنا نركض وراء الملالي ونلطم في أيام محر ، وكلنا كنا نوقد الشموع على جدار مرقد أبي حنيفة النعمان في المولد النبوي الشريف.
نعم كنا نقضي جل وقتنا في الشارع، ولكن لم ينادينا أحدأ يوما يا أولاد الشوارع، لان الشارع كان يعلمنا الكثير من القيم والاداب والاخلاق والعادات الصحيحة، وبالرغم من أننا كنا نتشاجر طوال الوقت،
لم يذهب أحد منا الى مركز الشرطة ولم يقع يوما تحت طائلة القانون، لان أهلنا كانوا أكثر شدة وصرامة من القانون نفسه.
ومع كل ما تقدم فأن جيلنا أكثر أنتاجا من أجيالكم، فأن خيرة المثقفين والادباء والكتاب والعلماء ينتمون الى جيلنا جيل الزمن الجميل.
أما جيلكم يا بني، فأظنه جيل دعدع الذي حدثتنا عنه جدتي رحمها الله في غابر الايام، وقالت عنه أنه (جيل دعدع، يأكل ما يشبع، تحجي وياه ما يسمع، تدزه ما يرجع).
أودعناكم أغاتي