alyatem
15-03-2013, 02:47 AM
النداءات الثلاث التي اصدرها الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر رحمه الله للشعب العراقي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
واللعنة الدائمة على اعدائهم وظالميهم من الاولين والآخرين
هذه هي النداءات الثلاث التي وجهها الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس الله روحه الطاهرة، وكان قد سجلها بصوته لتنشر فور اعتقاله، واعدامه، حتى تكون عاملا مؤثرا في تحريك الشعب لاسقاط النظام، وذلك من خلال الاستفادة من دمه من ناحية، وتوجيه الامة الى العمل بوظيفتها الشرعية التي وجهها له رحمه الله من ناحية اخرى.
وحينما تسلّم المجرم صدام حسين الحكم بصورة متسارعة مع الاحداث التي كانت تتعرض لها الامة وخصوصا ابناء الحركة الاسلامية وما تعرض له الشهيد الصدر رحمه الله من اعتقالات واعدامات بالجملة ومطاردات طالت كل شخص، في خطوة مسعورة ولّدتها الاحداث الداخلية وتطورات المنطقة وانتصار الثورة الاسلامية في ايران، الحدث الذي القى بثقله على العالم بأجمعه وعلى العراق بوجه خاص.
وعمد النظام البعثي الى اشاعة طائفية التحرك المتمثل بالحركة الاسلامية خصوصا وانه يضم ما يصطلح عليه الآن سياسيا (المكون) الشيعي واصطبغ بصبغته الدينية، لأن أغلب قادته من علماء الدين وطلبة الحوزة ومن طبقة المتدينين، وما تجمعهم من علاقات وثيقة بينهم وقادة الثورة في ايران، مضافا لطبيعة الشعب العراقي الذي كانت تجري فيه احداث الثورة في العراق.
لذلك وبعد النداء الثاني المفعم بالولاء والدعوة لمحمد وآل محمد والذي كان يبدو هو النداء الاخير، سجّل الامام الشهيد النداء الثالث الذي يشابه ندائه الثاني في محتوياته السياسية، لكنه خاطب فيه (المكون) السني الذي اراد البعث الكافر الايهام بأن هؤلاء الثائرين ضدهم في التحرك لتغيير السلطة الحاكمة والتي تلتبس بلباس الاسلام، في حين ان افكارها هي أفكار (عفلق) كما اشار الشهيد الصدر رحمه الله في ندائه.
وهذه النداءات لم تنشر الا بعد استشهاد الشهيد الصدر وبمبادرة من الشهيد السيد محمد باقر الحكيم رحمه الله بعد لجوئه الى الجمهورية الاسلامية في ايران. وكان ذلك بعد مدة من اعدام الشهيد الصدر رحمه الله.
وقد نشرت هذه النداءات في مقدمة تقريرات بحث خارج الاصول للامام الشهيد محمد باقر الصدر بقلم آية الله العظمى السيد كاظم الحائري، والتي اثبت فيها حياة الشهيد بجوانبها الاجتماعية والاخلاقية والعلمية والسياسية، وكانت اول ترجمة موسعة وموثقة مكتوبة له رحمه الله.
اليكم هذه النداءات:
السيّد الشهيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) يسجّل النداء الأوّل
إثر قيام السلطة بحملات اعتقال واسعة شملت عشرات الألوف من أبناء الشعب العراقي ووضعهم تحت أشدّ أنواع التعذيب، قام السيّد محمد باقر الصدر (رحمه الله) في 20/ رجب/ 1399 (15/ 6/ 1979) بتسجيل ندائه الأوّل، وهذا نصّه:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله الطاهرين وصحبه الميامين.
أيّها الشعب العراقي المسلم!
إنّي أخاطبك - أيّها الشعب الحرّ الأبي الكريم - وأنا أشّدُّ إيماناً بكَ وبروحك الكبيرة، بتأريخك المجيد، وأكثرهم اعتزازاً بما طفحت به قلوب أبنائكَ البررة من مشاعر الحبّ والولاء والبنوّة للمرجعيّة، إذ تدفّقوا إلى أبيهم يؤكّدون ولاءهم للإسلام بنفوس ملؤها الغيرة والحميّة والتقوى، يطلبون منّي أنْ أظَلّ إلى جانبهم أواسيهم وأعيش آلامهم عن قرب لأنّها آلامي.
وإنّي أودّ أنْ أؤكّد لك - يا شعب آبائي وأجدادي - أنّي معَكَ وفي أعماقك، ولن أتخلّى عنك في محنتك وسأبذل آخر قطرة من دمي في سبيل الله من أجلك! وأودُّ أنْ أؤكد للمسؤولين: أنَّ هذا الكبت الذي فُرض بقوّة الحديد والنار على الشعب العراقيّ، فحرمَه من أبسط حقوقه وحرّياته في ممارسة شعائره الدينية لا يمكن أن يستمر، ولا يمكن أنْ يعالج دائماً بالقوّة والقمع.
إنّ القوّة لو كانت علاجاً حاسماً دائماً لبقي الفراعنة والجبابرة!
أسقطوا الأذان من الإذاعة فصبرنا!
وأسقطوا صلاة الجمعة من الإذاعة فصبرنا! وطوّقوا شعائر الإمام الحسين (عليه السلام) ومنعوا القسم الأعظم منها فصبرنا!
وحاصروا المساجد وملأوها أمناً وعيوناً فصبرنا! وقاموا بحملات الإكراه على الانتماء إلى حزبهم فصبرنا! وقالوا: إنّها فترة انتقال يجب تجنيد الشعب فيها فصبرنا! ولكن إلى متى؟! إلى متى تستمرُّ فترة الانتقال؟! إذا كانت فترة عشرة سنين من الحكم لا تكفي لإيجاد الجوّ المناسب لكي يختار الشعب العراقي طريقه؛ فأيّ فترة تنتظرون لذلك؟!
وإذا كانت فترة عشرة سنين من الحكم المطلق لم تتح لكم - أيّها المسؤولون - إقناع الناس بالانتماء إلى حزبكم إلّا عن طريق الإكراه، فماذا تأملون؟!
وإذا كانت السلطة تريد أنْ تعرف الوجه الحقيقي للشعب العراقي فلتجمّد أجهزتها القمعيّة أسبوعاً واحداً فقط، ولْتسمح للناس بأن يعبّروا خلال أسبوع عمّا يريدون. إنّي أطالب باسمكم جميعاً؛ أطالب بإطلاق حريّة الشّعائر الدينيّة، وشعائر الإمام أبي عبد الحسين (عليه السلام).
وأطالب باسمكم جميعاً بإعادة الأذان وصلاة الجمعة والشعائر الإسلامية إلى الإذاعة.
وأطالب باسمكم جميعاً بإيقاف حملات الإكراه على الانتساب إلى حزب البعث على كلّ المستويات.
وأطالب باسم كرامة الإنسان بالإفراج عن المعتقلين بصورة تعسّفية وإيقاف الاعتقال الكيفي الذي يجري بصورة منفصلة عن القضاء.
وأخيراً؛ أُطالب باسمكم جميعاً وباسم القيم التي تمثّلونها بفسح المجال للشعب ليمارس بصورة حقيقّية حقّة في تسيير شؤون البلاد، وذلك عن طريق اجراء انتخاب حرٍّ ينبثق عنه مجلس يمثّل الأمّة تمثيلًا صادقاً.
وإنّي أعلم أنّ هذه الطلبات سوف تُكلّفني غالياً وقد تكلّفني حياتي، ولكنّ هذه الطلبات ليست طلب فرد ليموت بموته، وإنّما هذه الطلّبات هي مشاعر أمّة وإرادة أمّة ولا يمكن أنْ تموت أمّة تعيش في أعماقها روحُ محمّد وعليّ والصفوة من آل محمّد وأصحابه. وإذا لم تستجب السلطة لهذه الطّلبات، فإنّي أدعو أبناء الشعّب العراقي الأبيّ إلى المواصلة في حمل هذه الطلبات مهما كلّفه ذلك من ثمن لأنّ هذا دفاعٌ عن النفس وعن الكرامة، وعن الإسلام رسالة الله الخالدة، والله وليّ التوفيق.
20/ رجب/ 1399 ه
محمّد باقر الصدر
والنداء مسجّل شريط كاسيت بصوت السيّد الصدر؛ وانظره في: مقدّمة مباحث الأصول للسيد كاظم الحائري: 147- 149
وكان السيّد محمد باقر الصدر عند تسجيل كلّ نداء يرسله إلى السيّد عبد العزيز الحكيم (رحمه الله) كي ينشره ويذيعه في حال اعتقل السيد الصدر (رحمه الله)
لاحظ صحيفة (المبلّغ الرسالي) التابعة لمكتب شؤون المبلغين في قم، المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، العدد (129)، نقلًا عن السيّد عبد العزيز الحكيم؛ وكذلك لاحظ كتاب الإمام محمّد باقر الصدر. معايشة من قريب، السيد محمد الحيدري، دار الهادي، بيروت: 152
وكان لإصدار هذا البيان مبرّراته ودواعيه، إذ إنّ السيّد محمد باقر الصدر (رحمه الله) كان يعتقد أنّ درجة احتمال استشهاده عالية جدّاً ولا يمكن للسلطة أن تتجاوز هذا التحدّي الكبير من دون أن تنتقم بمستوى الفعل، فكان لابدّ من موقف أو عمل يعطي رؤية واضحة للجماهير لتستثمر مناسبة استشهاده.
ومن الواضح أنّ هذا البيان التاريخي تضمّن مطالب مختلفة، بدأت بالمطالبة بإعادة الأذان، وصلاة الجمعة إلى الإذاعة، وانتهت بالمطالبة بأن يمارس الشعب العراقي إدارة شؤون البلاد. وعلى هذا الأساس لو أنّ السيّد محمد باقر الصدر (رحمه الله) نال الشهادة في تلك الفترة، فإنّ الجماهير العراقيّة سوف تحمل نفس المطالب وتجاهد في سبيل تحقيقها، فقد أعطى مبرّرات مواصلة الجهاد والهدف الذي يجب أن تتّجه إليه المسيرة.
وهذا بخلاف ما لو كان قد استشهد من دون أهداف واضحة ومطالب معيّنة، فإنّ غاية ما يمكن أن يحدث عبارة عن ردود فعل آنيّة ستنتهي بعد حين، ولهذا أكّد (رحمه الله) في بيانه على أنّ (هذه المطالب ليست مطالب فرد لتموت بموته وإنّما هذه المطالب هي مشاعر أمّة وإرادة أمّة).
وأكّد أيضاً على ضرورة الاستمرار في مواصلة الطريق ودعا الجماهير إلى التضحية في سبيل تحقيق هذه المطالب مهما كان الثمن.
وكان الشيخ النعماني قد سمع من السيّد الصدر (رحمه الله) أنّه أراد أن يخلق قضيّة واضحة المعالم بالنسبة للمؤمنين والمجاهدين ومعقّدة جدّاً بالنسبة للسلطة. فالسلطة لن تستجيب لمعظم مطالب البيان، وإن فُرض أنّها ستستجيب فإنّ ذلك يعني زوالها وسقوطها في فترة زمنيّة قصيرة.
وكان السيّد الصدر (رحمه الله) قد طلب أن يذاع هذا البيان فور اعتقاله لأنّه كان يعتقد أنّ الاعتقال سيكون النهاية الحتميّة لحياته.
ومن الحقائق التي تجب الإشارة إليها هي أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) لم يستهدف النصر السريع في كلّ تحرّكه، لأنّه يعتقد أنّ الظروف لا تساعد عليه، وإنّما كان هدفه التضحية الهادفة المدروسة التي تمهّد لذلك النصر المطلوب، ولهذا السبب فإنّ بياناته الثلاثة كانت تدعو إلى مواصلة الجهاد ولا تشير إلى النصر إلّا بإشارات بسيطة جدّاً.
انظر شهيد الأمّة وشاهدها، محمد رضا النعماني: 2: 155 - 156
النداء الثاني
في 10/ شعبان/ 1399 ه- (4/ 7/ 1979 م)، سجّل السيّد محمد باقر الصدر (رحمه الله) نداءه الثاني إلى الشعب العراقي، وهذا نصّه:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه الميامين.
يا شعبي العراقي العزيز!
يا جماهير العراق المسلمة التي غضبت لدينها وكرامتها ولحريتها وعزّتها، ولكلّ ما آمنت به من قيم ومثل! أيّها الشعب العظيم!
إنّكَ تتعرّض اليوم لمحنة هائلة على يد السفّاكين والجزّارين الذين هالهم غضب الشعب وتململ الجماهير بعد أن قيّدوها بسلاسل من الحديد ومن الرّعب والإرهاب، وخيّل للسّفاكين أنّهم بذلك انتزعوا من الجماهير شعورها بالعزّة والكرامة وجرّدوها من صلتها بعقيدتها وبدينها وبمحمّدها العظيم لكي يحولّوا هذه الملايين الشّجاعة المؤمنة من أبناء العراق الأبيّ إلى دمى وآلات يحرّكونها كيف يشاؤون، ويزقّونها ولاء (عفلق) وأمثاله من عملاء التبشير والاستعمار بدلًا من ولاء محمد وعليّ - صلوات الله عليهما -.
ولكنّ الجماهير دائماً هي أقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة، وقد تصبر ولكنّها لا تستسلم، وهكذا فوجئ الطّغاة بأنّ الشعب لا يزال ينبض بالحياة، ولا تزال لديه القدرة على أن يقول كلمته! وهذا هو الذي جعلهم يبادرون إلى القيام بهذه الحملات الهائلة على عشرات الآلاف من المؤمنين والشرفاء من أبناء هذا البلد الكريم، وحملات السجن والاعتقال والتعذيب والإعدام، وفي طليعتهم العلماء المجاهدون الذين يبلغني أنّهم يستشهدون الواحد بعد الآخر تحت سياط التعذيب!
وإنّي في الوقت الذي أدرك فيه عمق هذه المحنة التي تمرّ بكَ يا شعبي! يا شعب آبائي وأجدادي- أؤمن بأنّ استشهاد هؤلاء العلماء واستشهاد خيرة شبابك الطاهرين وأبنائك الغيارى تحت سياط العفالقة لن يزيدكَ إلّا صموداً وتصميماً على المضيّ في هذا الطريق، حتّى الشهادة أو النصر!
وأنا أعلن لكم - يا أبنائي - أنّي صَمَمّتُ على الشهادة! ولعلّ هذا آخر ما تسمعونه منّي، وإنّ أبواب الجنّة قد فتحت لتستقبل قوافل الشهداء حتّى يكتب الله لكم النّصر! وما ألذّ الشهادة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّها حسنة لا تضرّ معها سيّئة. والشهيد بشهادته يغسل كلّ ذنوبه مهما بلغت.
فعلى كلّ مسلم في العراق وعلى كلّ عراقي في خارج العراق أن يعمل كلّ ما بوسعه - ولو كلّفه ذلك حياته - من أجل إدامة الجهاد والنضال لإزالة هذا الكابوس عن صدر العراق الحبيب وتحريره من العصابة اللاإنسانيّة وتوفير حكم صالح فذٍّ شريف يقوم على أساس الإسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
10/ شعبان
محمّد باقر الصدر.
انظر نصّ النداء في: مقدّمة مباحث الأصول للسيد كاظم الحائري: 149- 150.
استلام صدّام حسين الحكم رسميّا
وفي 16/ 7/ 1979 م (21/ شعبان/ 1399 ه-) أزاح صدّام حسين (البكر) عن السلطة واستلمها رسميّا.
النداء الثالث
أشار الدكتور السيد علي المؤمن في سنوات الجمر الى أنه في هذه الفترة كانت السلطة تعمل على إظهار حركة السيّد الصدر (رحمه الله) على أنّها حركة شيعيّة في مقابل السنّة، وذلك من أجل كسب سنّة العراق إلى جانبها، ومن هنا قام السيّد الصدر (رحمه الله) بتسجيل ندائه الثالث من أجل إحباط هذه المؤامرة، وكان ذلك في 20- 25/ شعبان/ 1399 هـ، 14- 19/ 7/ 1979 م)، وهذا نصّه:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصَحبه الميامين.
يا شعبي العراقي العزيز!
أيّها الشّعب العظيم!
إنّي أخاطبك في هذه اللحظة العصيبة من محنتك وحياتك الجهاديّة، بكلّ فئاتك وطوائفك: بعربكَ وأكرادك، بسنّتك وشعيتك، لأنّ المحنة لا تخصّ مذهباً دون آخر، ولا قوميّة دون أخرى، وكما أنّ المحنة هي محنة كلّ الشعب العراقي، فيجب أن يكون الموقف الجهاديّ والرّدّ البطوليّ والتلاحم النضالي هو واقع كلّ الشعب العراقي.
وإنّي منذ عرفت وجودي ومسؤوليّتي في هذه الأمّة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسّني على السّواء، ومن أجل العربيّ والكرديّ على السواء، حيث دافعت عن الرسالة التي توحّدهم جميعاً وعن العقيدة التي تضمهم جميعاً، ولم أعِش بفكري وكياني إلّا للإسلام طريق الخلاص وهدف الجميع.
فأنا معك يا أخي وولدي السّنّي بقدر ما أنا معكّ يا أخي وولدي الشيعي .. أنا معكما بقدر ما أنتما مع الإسلام؛ وبقدر ما تحملون من هذا المشعل العظيم لإنقاذ العراق من كابوس التّسلّط والذّل والاضطهاد.
إنّ الطّاغوت وأولياءه يحاولون أنْ يوحوا إلى أبنائنا البررة من السّنة أنَّ المسألة مسألة شيعة وسنة ليفصلوا السّنة عن معركتهم الحقيقيّة ضدّ العدوّ المشترك.
وأريد أنْ أقولها لكم يا أبناء علي والحسين، وأبناء أبي بكر وعمر أنّ المعركة ليست بين الشيعة والحكم السّني.
إنّ الحكم السنّيّ الذّي مثّله الخلفاء الرّاشدون والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل، حمل عليٌ السيف للدفاع عنه إذْ حارب جنديّاً في حروب الرّدة تحت لواء الخليفة الأوّل- أبي بكر- «2»)، وكلُّنا نحارب عن راية الإسلام وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبيّ.
إنّ الحكم السّنيّ الذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشيعة- قبل نصف قرن- بوجوب الجهاد من أجْله، وخرج مئاتُ الآلآف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصاً من أجل الحفاظ على راية الإسلام، ومن أجل حماية الحكم السنّي الذي كان يقوم على أساس الإسلام.
إنّ الحكم الواقع اليوم ليس حكماً سنيّاً، وإن كانت الفئة المتسلّطة تنتسب تأريخيّاً إلى التّسنّن.
إنّ الحكم السّنّي لا يعني حكم شخص ولد من أبوين سنّيين، بل يعني حكم أبي بكر وعمر الذي تحدّاه طواغيت الحكم في العراق اليوم في كلّ تصرّفاتهم، فهم ينتهكون حرمة الإسلام وحرمة عليّ وعمر معاً في كلّ يوم، وفي كلّ خطوة من خطواتهم الإجراميّة.
ألا ترون - يا أولادي وإخواني - أنّهم أسقطوا الشعائر الدينيّة التي دافع عنها عليّ وعمر معاً؟!
ألا ترون أنّهم ملأوا البلاد بالخمور وحقول الخنازير وكلّ وسائل المجون والفساد التي حاربها عليّ وعمر معاً؟!
ألا ترون أنّهم يمارسون أشدّ ألوان الظلم والطّغيان تجاه كلّ فئات الشعب؟! ويزدادون يوماً بعد يوم حقداً على الشعب، وتفنّناً في امتهان كرامته والانفصال عنه، والاعتصام ضدّه في مقاصيرهم المحاطة بقوى الأمن والمخابرات، بينما كان عليّ وعمر يعيشان مع الناس وللناس وفي وسط الناس ومع آلامهم وآمالهم.
ألا ترون إلى احتكار هؤلاء للسلطة احتكاراً عشائريّاً يسبغون عليه طابع الحزب زوراً وبهتاناً؟! وسدّ هؤلاء أبواب التقدّم أمام كلّ جماهير الشعب سوى أولئك الذين رضوا لأنفسهم بالذل والخنوع، وباعوا كرامتهم وتحوّلوا إلى عبيد أذِلاء.
إنَّ هؤلاء المتسلّطين قد امتهنوا حتّى كرامة حزب البعث العربي الاشتراكي، حيث عملوا من أجل تحويله من حزب عقائديّ إلى عصابة تطلب الانضمام إليها والانتساب لها بالقوّة والإكراه، وإلّا فأيُّ حزب حقيقيّ يحترم نفسه - في العال م- يفرض الانتساب إليه بالقوّة؟!
إنّهم أحسّوا بالخوف حتّى من الحزب العربيّ الاشتراكي نفسه الذي يدّعون تمثيله، أحسّوا بالخوف منه إذا بقي حزباً حقيقيّاً له قواعده التي تبنيه، ولهذا أرادوا أن يهدموا قواعده لتحويله إلى تجميع يقوم على أساس الإكراه والتعذيب ليفقد أيّ مضمون حقيقيّ له.
يا إخواني وأبنائي من أبناء الموصل والبصرة .. من أبناء بغداد وكربلاء والنجف ... من أبناء سامرّاء والكاظميّة .. من أبناء العمارة والكوت والسليمانيّة .. من أبناء العراق في كلّ مكان، إنّي أعاهدكم بأنّي لكم جميعاً ومن أجلكم جميعاً، وأنّكم جميعاً هدفي في الحاضر والمستقبل .. فلتتوحّد كلمتكم، ولتتلاحم صفوفكم تحت راية الإسلام، ومن أجل إنقاذ العراق من كابوس هذه الفئة المتسلّطة، وبناء عراق حرّ كريم تغمره عدالة الإسلام وتسوده كرامة الإنسان، ويشعر فيه المواطنون جميعاً - على اختلاف قوميّاتهم ومذاهبهم - بأنّهم إخوة، يساهمون جميعاً في قيادة بلدهم وبناء وطنهم، وتحقيق مثلهم الإسلاميّة العليا المستمدّة من رسالتنا الإسلامية وفجر تاريخنا العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمّد باقر الصدر
النجف الأشرف.
انظر نصّ النداء في: مقدّمة مباحث الأصول للسيد كاظم الحائري: 151- 153
وكان السيّد محمد باقر الصدر (رحمه الله) - كما قلنا - عند تسجيل كلّ نداء، يرسله إلى السيّد عبد العزيز الحكيم (رحمه الله) كي ينشره ويذيعه في حال اعتقل (رحمه الله).
وقد أرسل السيّد محمّد باقر الحكيم (رحمه الله) هذه النداءات مع الشيخ محمّد رضا النعماني بعد استشهاد السيّد الصدر (رحمه الله) حيث تمّ تسهيل عمليّة انتقاله إلى إيران.
إلّا أنّ بعض طلبة السيّد الصدر (رحمه الله) لم يوافقوا على إذاعتها خوفاً على عياله من الأذى.
وبعد خروج السيّد الحكيم إلى إيران أصرّ على إذاعتها، فأذيعت من راديو الجمهوريّة الإسلاميّة.
انظر القيادة السياسيّة النائبة، محمد باقر الحكيم: 10.
كما تلاحظ اخي القاريء الكريم، مقدار المغالطة والايهام التي اراد بها اتباع لندن، من تصوير الامر واظهاره بغير حقيقته، مستغفلين بذلك عقول بعض اتباعه التي وصفهم ياسر الحبيب بالضحالة الفكرية..
وهذه المحاولة البائسة والرخيصة والخاطئة والمغرضة لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة.
فما لقاه الشهيد السيد محمد باقر الصدر من أمثال هؤلاء اكثر من أن تحويه هذه الصفحات، مع ما لاقته الحوزة العلمية في النجف من اتباع هذا التيار المنحرف..
لكنه بالملاحظة الاولية ترون مدى الخلط التاريخي الذي وقع فيه هذا الجاهل ياسر الحبيب والكذب المتعمد على الشهيد الصدر رحمه الله. واستعماله لالفاظ جارحة لقلوب المؤمنين والموالين، مستغلين كعادتهم الضغط على الوتر الحساس في ابراز الناس بمظهر المعادين لآل البيت عليهم السلام.
والانكى من ذلك اتهامه للشهيد الصدر انه طالب سلطة، متناسيا أن هذه السلطة كان يريدها تياره قبل الشهيد الصدر.
لعن الله قاتلي الشهيد الصدر بالايدي والالسن والراضين بذلك من الآن الى قيام يوم الدين.
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
واللعنة الدائمة على اعدائهم وظالميهم من الاولين والآخرين
هذه هي النداءات الثلاث التي وجهها الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس الله روحه الطاهرة، وكان قد سجلها بصوته لتنشر فور اعتقاله، واعدامه، حتى تكون عاملا مؤثرا في تحريك الشعب لاسقاط النظام، وذلك من خلال الاستفادة من دمه من ناحية، وتوجيه الامة الى العمل بوظيفتها الشرعية التي وجهها له رحمه الله من ناحية اخرى.
وحينما تسلّم المجرم صدام حسين الحكم بصورة متسارعة مع الاحداث التي كانت تتعرض لها الامة وخصوصا ابناء الحركة الاسلامية وما تعرض له الشهيد الصدر رحمه الله من اعتقالات واعدامات بالجملة ومطاردات طالت كل شخص، في خطوة مسعورة ولّدتها الاحداث الداخلية وتطورات المنطقة وانتصار الثورة الاسلامية في ايران، الحدث الذي القى بثقله على العالم بأجمعه وعلى العراق بوجه خاص.
وعمد النظام البعثي الى اشاعة طائفية التحرك المتمثل بالحركة الاسلامية خصوصا وانه يضم ما يصطلح عليه الآن سياسيا (المكون) الشيعي واصطبغ بصبغته الدينية، لأن أغلب قادته من علماء الدين وطلبة الحوزة ومن طبقة المتدينين، وما تجمعهم من علاقات وثيقة بينهم وقادة الثورة في ايران، مضافا لطبيعة الشعب العراقي الذي كانت تجري فيه احداث الثورة في العراق.
لذلك وبعد النداء الثاني المفعم بالولاء والدعوة لمحمد وآل محمد والذي كان يبدو هو النداء الاخير، سجّل الامام الشهيد النداء الثالث الذي يشابه ندائه الثاني في محتوياته السياسية، لكنه خاطب فيه (المكون) السني الذي اراد البعث الكافر الايهام بأن هؤلاء الثائرين ضدهم في التحرك لتغيير السلطة الحاكمة والتي تلتبس بلباس الاسلام، في حين ان افكارها هي أفكار (عفلق) كما اشار الشهيد الصدر رحمه الله في ندائه.
وهذه النداءات لم تنشر الا بعد استشهاد الشهيد الصدر وبمبادرة من الشهيد السيد محمد باقر الحكيم رحمه الله بعد لجوئه الى الجمهورية الاسلامية في ايران. وكان ذلك بعد مدة من اعدام الشهيد الصدر رحمه الله.
وقد نشرت هذه النداءات في مقدمة تقريرات بحث خارج الاصول للامام الشهيد محمد باقر الصدر بقلم آية الله العظمى السيد كاظم الحائري، والتي اثبت فيها حياة الشهيد بجوانبها الاجتماعية والاخلاقية والعلمية والسياسية، وكانت اول ترجمة موسعة وموثقة مكتوبة له رحمه الله.
اليكم هذه النداءات:
السيّد الشهيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) يسجّل النداء الأوّل
إثر قيام السلطة بحملات اعتقال واسعة شملت عشرات الألوف من أبناء الشعب العراقي ووضعهم تحت أشدّ أنواع التعذيب، قام السيّد محمد باقر الصدر (رحمه الله) في 20/ رجب/ 1399 (15/ 6/ 1979) بتسجيل ندائه الأوّل، وهذا نصّه:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله الطاهرين وصحبه الميامين.
أيّها الشعب العراقي المسلم!
إنّي أخاطبك - أيّها الشعب الحرّ الأبي الكريم - وأنا أشّدُّ إيماناً بكَ وبروحك الكبيرة، بتأريخك المجيد، وأكثرهم اعتزازاً بما طفحت به قلوب أبنائكَ البررة من مشاعر الحبّ والولاء والبنوّة للمرجعيّة، إذ تدفّقوا إلى أبيهم يؤكّدون ولاءهم للإسلام بنفوس ملؤها الغيرة والحميّة والتقوى، يطلبون منّي أنْ أظَلّ إلى جانبهم أواسيهم وأعيش آلامهم عن قرب لأنّها آلامي.
وإنّي أودّ أنْ أؤكّد لك - يا شعب آبائي وأجدادي - أنّي معَكَ وفي أعماقك، ولن أتخلّى عنك في محنتك وسأبذل آخر قطرة من دمي في سبيل الله من أجلك! وأودُّ أنْ أؤكد للمسؤولين: أنَّ هذا الكبت الذي فُرض بقوّة الحديد والنار على الشعب العراقيّ، فحرمَه من أبسط حقوقه وحرّياته في ممارسة شعائره الدينية لا يمكن أن يستمر، ولا يمكن أنْ يعالج دائماً بالقوّة والقمع.
إنّ القوّة لو كانت علاجاً حاسماً دائماً لبقي الفراعنة والجبابرة!
أسقطوا الأذان من الإذاعة فصبرنا!
وأسقطوا صلاة الجمعة من الإذاعة فصبرنا! وطوّقوا شعائر الإمام الحسين (عليه السلام) ومنعوا القسم الأعظم منها فصبرنا!
وحاصروا المساجد وملأوها أمناً وعيوناً فصبرنا! وقاموا بحملات الإكراه على الانتماء إلى حزبهم فصبرنا! وقالوا: إنّها فترة انتقال يجب تجنيد الشعب فيها فصبرنا! ولكن إلى متى؟! إلى متى تستمرُّ فترة الانتقال؟! إذا كانت فترة عشرة سنين من الحكم لا تكفي لإيجاد الجوّ المناسب لكي يختار الشعب العراقي طريقه؛ فأيّ فترة تنتظرون لذلك؟!
وإذا كانت فترة عشرة سنين من الحكم المطلق لم تتح لكم - أيّها المسؤولون - إقناع الناس بالانتماء إلى حزبكم إلّا عن طريق الإكراه، فماذا تأملون؟!
وإذا كانت السلطة تريد أنْ تعرف الوجه الحقيقي للشعب العراقي فلتجمّد أجهزتها القمعيّة أسبوعاً واحداً فقط، ولْتسمح للناس بأن يعبّروا خلال أسبوع عمّا يريدون. إنّي أطالب باسمكم جميعاً؛ أطالب بإطلاق حريّة الشّعائر الدينيّة، وشعائر الإمام أبي عبد الحسين (عليه السلام).
وأطالب باسمكم جميعاً بإعادة الأذان وصلاة الجمعة والشعائر الإسلامية إلى الإذاعة.
وأطالب باسمكم جميعاً بإيقاف حملات الإكراه على الانتساب إلى حزب البعث على كلّ المستويات.
وأطالب باسم كرامة الإنسان بالإفراج عن المعتقلين بصورة تعسّفية وإيقاف الاعتقال الكيفي الذي يجري بصورة منفصلة عن القضاء.
وأخيراً؛ أُطالب باسمكم جميعاً وباسم القيم التي تمثّلونها بفسح المجال للشعب ليمارس بصورة حقيقّية حقّة في تسيير شؤون البلاد، وذلك عن طريق اجراء انتخاب حرٍّ ينبثق عنه مجلس يمثّل الأمّة تمثيلًا صادقاً.
وإنّي أعلم أنّ هذه الطلبات سوف تُكلّفني غالياً وقد تكلّفني حياتي، ولكنّ هذه الطلبات ليست طلب فرد ليموت بموته، وإنّما هذه الطلّبات هي مشاعر أمّة وإرادة أمّة ولا يمكن أنْ تموت أمّة تعيش في أعماقها روحُ محمّد وعليّ والصفوة من آل محمّد وأصحابه. وإذا لم تستجب السلطة لهذه الطّلبات، فإنّي أدعو أبناء الشعّب العراقي الأبيّ إلى المواصلة في حمل هذه الطلبات مهما كلّفه ذلك من ثمن لأنّ هذا دفاعٌ عن النفس وعن الكرامة، وعن الإسلام رسالة الله الخالدة، والله وليّ التوفيق.
20/ رجب/ 1399 ه
محمّد باقر الصدر
والنداء مسجّل شريط كاسيت بصوت السيّد الصدر؛ وانظره في: مقدّمة مباحث الأصول للسيد كاظم الحائري: 147- 149
وكان السيّد محمد باقر الصدر عند تسجيل كلّ نداء يرسله إلى السيّد عبد العزيز الحكيم (رحمه الله) كي ينشره ويذيعه في حال اعتقل السيد الصدر (رحمه الله)
لاحظ صحيفة (المبلّغ الرسالي) التابعة لمكتب شؤون المبلغين في قم، المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، العدد (129)، نقلًا عن السيّد عبد العزيز الحكيم؛ وكذلك لاحظ كتاب الإمام محمّد باقر الصدر. معايشة من قريب، السيد محمد الحيدري، دار الهادي، بيروت: 152
وكان لإصدار هذا البيان مبرّراته ودواعيه، إذ إنّ السيّد محمد باقر الصدر (رحمه الله) كان يعتقد أنّ درجة احتمال استشهاده عالية جدّاً ولا يمكن للسلطة أن تتجاوز هذا التحدّي الكبير من دون أن تنتقم بمستوى الفعل، فكان لابدّ من موقف أو عمل يعطي رؤية واضحة للجماهير لتستثمر مناسبة استشهاده.
ومن الواضح أنّ هذا البيان التاريخي تضمّن مطالب مختلفة، بدأت بالمطالبة بإعادة الأذان، وصلاة الجمعة إلى الإذاعة، وانتهت بالمطالبة بأن يمارس الشعب العراقي إدارة شؤون البلاد. وعلى هذا الأساس لو أنّ السيّد محمد باقر الصدر (رحمه الله) نال الشهادة في تلك الفترة، فإنّ الجماهير العراقيّة سوف تحمل نفس المطالب وتجاهد في سبيل تحقيقها، فقد أعطى مبرّرات مواصلة الجهاد والهدف الذي يجب أن تتّجه إليه المسيرة.
وهذا بخلاف ما لو كان قد استشهد من دون أهداف واضحة ومطالب معيّنة، فإنّ غاية ما يمكن أن يحدث عبارة عن ردود فعل آنيّة ستنتهي بعد حين، ولهذا أكّد (رحمه الله) في بيانه على أنّ (هذه المطالب ليست مطالب فرد لتموت بموته وإنّما هذه المطالب هي مشاعر أمّة وإرادة أمّة).
وأكّد أيضاً على ضرورة الاستمرار في مواصلة الطريق ودعا الجماهير إلى التضحية في سبيل تحقيق هذه المطالب مهما كان الثمن.
وكان الشيخ النعماني قد سمع من السيّد الصدر (رحمه الله) أنّه أراد أن يخلق قضيّة واضحة المعالم بالنسبة للمؤمنين والمجاهدين ومعقّدة جدّاً بالنسبة للسلطة. فالسلطة لن تستجيب لمعظم مطالب البيان، وإن فُرض أنّها ستستجيب فإنّ ذلك يعني زوالها وسقوطها في فترة زمنيّة قصيرة.
وكان السيّد الصدر (رحمه الله) قد طلب أن يذاع هذا البيان فور اعتقاله لأنّه كان يعتقد أنّ الاعتقال سيكون النهاية الحتميّة لحياته.
ومن الحقائق التي تجب الإشارة إليها هي أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) لم يستهدف النصر السريع في كلّ تحرّكه، لأنّه يعتقد أنّ الظروف لا تساعد عليه، وإنّما كان هدفه التضحية الهادفة المدروسة التي تمهّد لذلك النصر المطلوب، ولهذا السبب فإنّ بياناته الثلاثة كانت تدعو إلى مواصلة الجهاد ولا تشير إلى النصر إلّا بإشارات بسيطة جدّاً.
انظر شهيد الأمّة وشاهدها، محمد رضا النعماني: 2: 155 - 156
النداء الثاني
في 10/ شعبان/ 1399 ه- (4/ 7/ 1979 م)، سجّل السيّد محمد باقر الصدر (رحمه الله) نداءه الثاني إلى الشعب العراقي، وهذا نصّه:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه الميامين.
يا شعبي العراقي العزيز!
يا جماهير العراق المسلمة التي غضبت لدينها وكرامتها ولحريتها وعزّتها، ولكلّ ما آمنت به من قيم ومثل! أيّها الشعب العظيم!
إنّكَ تتعرّض اليوم لمحنة هائلة على يد السفّاكين والجزّارين الذين هالهم غضب الشعب وتململ الجماهير بعد أن قيّدوها بسلاسل من الحديد ومن الرّعب والإرهاب، وخيّل للسّفاكين أنّهم بذلك انتزعوا من الجماهير شعورها بالعزّة والكرامة وجرّدوها من صلتها بعقيدتها وبدينها وبمحمّدها العظيم لكي يحولّوا هذه الملايين الشّجاعة المؤمنة من أبناء العراق الأبيّ إلى دمى وآلات يحرّكونها كيف يشاؤون، ويزقّونها ولاء (عفلق) وأمثاله من عملاء التبشير والاستعمار بدلًا من ولاء محمد وعليّ - صلوات الله عليهما -.
ولكنّ الجماهير دائماً هي أقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة، وقد تصبر ولكنّها لا تستسلم، وهكذا فوجئ الطّغاة بأنّ الشعب لا يزال ينبض بالحياة، ولا تزال لديه القدرة على أن يقول كلمته! وهذا هو الذي جعلهم يبادرون إلى القيام بهذه الحملات الهائلة على عشرات الآلاف من المؤمنين والشرفاء من أبناء هذا البلد الكريم، وحملات السجن والاعتقال والتعذيب والإعدام، وفي طليعتهم العلماء المجاهدون الذين يبلغني أنّهم يستشهدون الواحد بعد الآخر تحت سياط التعذيب!
وإنّي في الوقت الذي أدرك فيه عمق هذه المحنة التي تمرّ بكَ يا شعبي! يا شعب آبائي وأجدادي- أؤمن بأنّ استشهاد هؤلاء العلماء واستشهاد خيرة شبابك الطاهرين وأبنائك الغيارى تحت سياط العفالقة لن يزيدكَ إلّا صموداً وتصميماً على المضيّ في هذا الطريق، حتّى الشهادة أو النصر!
وأنا أعلن لكم - يا أبنائي - أنّي صَمَمّتُ على الشهادة! ولعلّ هذا آخر ما تسمعونه منّي، وإنّ أبواب الجنّة قد فتحت لتستقبل قوافل الشهداء حتّى يكتب الله لكم النّصر! وما ألذّ الشهادة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّها حسنة لا تضرّ معها سيّئة. والشهيد بشهادته يغسل كلّ ذنوبه مهما بلغت.
فعلى كلّ مسلم في العراق وعلى كلّ عراقي في خارج العراق أن يعمل كلّ ما بوسعه - ولو كلّفه ذلك حياته - من أجل إدامة الجهاد والنضال لإزالة هذا الكابوس عن صدر العراق الحبيب وتحريره من العصابة اللاإنسانيّة وتوفير حكم صالح فذٍّ شريف يقوم على أساس الإسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
10/ شعبان
محمّد باقر الصدر.
انظر نصّ النداء في: مقدّمة مباحث الأصول للسيد كاظم الحائري: 149- 150.
استلام صدّام حسين الحكم رسميّا
وفي 16/ 7/ 1979 م (21/ شعبان/ 1399 ه-) أزاح صدّام حسين (البكر) عن السلطة واستلمها رسميّا.
النداء الثالث
أشار الدكتور السيد علي المؤمن في سنوات الجمر الى أنه في هذه الفترة كانت السلطة تعمل على إظهار حركة السيّد الصدر (رحمه الله) على أنّها حركة شيعيّة في مقابل السنّة، وذلك من أجل كسب سنّة العراق إلى جانبها، ومن هنا قام السيّد الصدر (رحمه الله) بتسجيل ندائه الثالث من أجل إحباط هذه المؤامرة، وكان ذلك في 20- 25/ شعبان/ 1399 هـ، 14- 19/ 7/ 1979 م)، وهذا نصّه:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصَحبه الميامين.
يا شعبي العراقي العزيز!
أيّها الشّعب العظيم!
إنّي أخاطبك في هذه اللحظة العصيبة من محنتك وحياتك الجهاديّة، بكلّ فئاتك وطوائفك: بعربكَ وأكرادك، بسنّتك وشعيتك، لأنّ المحنة لا تخصّ مذهباً دون آخر، ولا قوميّة دون أخرى، وكما أنّ المحنة هي محنة كلّ الشعب العراقي، فيجب أن يكون الموقف الجهاديّ والرّدّ البطوليّ والتلاحم النضالي هو واقع كلّ الشعب العراقي.
وإنّي منذ عرفت وجودي ومسؤوليّتي في هذه الأمّة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسّني على السّواء، ومن أجل العربيّ والكرديّ على السواء، حيث دافعت عن الرسالة التي توحّدهم جميعاً وعن العقيدة التي تضمهم جميعاً، ولم أعِش بفكري وكياني إلّا للإسلام طريق الخلاص وهدف الجميع.
فأنا معك يا أخي وولدي السّنّي بقدر ما أنا معكّ يا أخي وولدي الشيعي .. أنا معكما بقدر ما أنتما مع الإسلام؛ وبقدر ما تحملون من هذا المشعل العظيم لإنقاذ العراق من كابوس التّسلّط والذّل والاضطهاد.
إنّ الطّاغوت وأولياءه يحاولون أنْ يوحوا إلى أبنائنا البررة من السّنة أنَّ المسألة مسألة شيعة وسنة ليفصلوا السّنة عن معركتهم الحقيقيّة ضدّ العدوّ المشترك.
وأريد أنْ أقولها لكم يا أبناء علي والحسين، وأبناء أبي بكر وعمر أنّ المعركة ليست بين الشيعة والحكم السّني.
إنّ الحكم السنّيّ الذّي مثّله الخلفاء الرّاشدون والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل، حمل عليٌ السيف للدفاع عنه إذْ حارب جنديّاً في حروب الرّدة تحت لواء الخليفة الأوّل- أبي بكر- «2»)، وكلُّنا نحارب عن راية الإسلام وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبيّ.
إنّ الحكم السّنيّ الذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشيعة- قبل نصف قرن- بوجوب الجهاد من أجْله، وخرج مئاتُ الآلآف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصاً من أجل الحفاظ على راية الإسلام، ومن أجل حماية الحكم السنّي الذي كان يقوم على أساس الإسلام.
إنّ الحكم الواقع اليوم ليس حكماً سنيّاً، وإن كانت الفئة المتسلّطة تنتسب تأريخيّاً إلى التّسنّن.
إنّ الحكم السّنّي لا يعني حكم شخص ولد من أبوين سنّيين، بل يعني حكم أبي بكر وعمر الذي تحدّاه طواغيت الحكم في العراق اليوم في كلّ تصرّفاتهم، فهم ينتهكون حرمة الإسلام وحرمة عليّ وعمر معاً في كلّ يوم، وفي كلّ خطوة من خطواتهم الإجراميّة.
ألا ترون - يا أولادي وإخواني - أنّهم أسقطوا الشعائر الدينيّة التي دافع عنها عليّ وعمر معاً؟!
ألا ترون أنّهم ملأوا البلاد بالخمور وحقول الخنازير وكلّ وسائل المجون والفساد التي حاربها عليّ وعمر معاً؟!
ألا ترون أنّهم يمارسون أشدّ ألوان الظلم والطّغيان تجاه كلّ فئات الشعب؟! ويزدادون يوماً بعد يوم حقداً على الشعب، وتفنّناً في امتهان كرامته والانفصال عنه، والاعتصام ضدّه في مقاصيرهم المحاطة بقوى الأمن والمخابرات، بينما كان عليّ وعمر يعيشان مع الناس وللناس وفي وسط الناس ومع آلامهم وآمالهم.
ألا ترون إلى احتكار هؤلاء للسلطة احتكاراً عشائريّاً يسبغون عليه طابع الحزب زوراً وبهتاناً؟! وسدّ هؤلاء أبواب التقدّم أمام كلّ جماهير الشعب سوى أولئك الذين رضوا لأنفسهم بالذل والخنوع، وباعوا كرامتهم وتحوّلوا إلى عبيد أذِلاء.
إنَّ هؤلاء المتسلّطين قد امتهنوا حتّى كرامة حزب البعث العربي الاشتراكي، حيث عملوا من أجل تحويله من حزب عقائديّ إلى عصابة تطلب الانضمام إليها والانتساب لها بالقوّة والإكراه، وإلّا فأيُّ حزب حقيقيّ يحترم نفسه - في العال م- يفرض الانتساب إليه بالقوّة؟!
إنّهم أحسّوا بالخوف حتّى من الحزب العربيّ الاشتراكي نفسه الذي يدّعون تمثيله، أحسّوا بالخوف منه إذا بقي حزباً حقيقيّاً له قواعده التي تبنيه، ولهذا أرادوا أن يهدموا قواعده لتحويله إلى تجميع يقوم على أساس الإكراه والتعذيب ليفقد أيّ مضمون حقيقيّ له.
يا إخواني وأبنائي من أبناء الموصل والبصرة .. من أبناء بغداد وكربلاء والنجف ... من أبناء سامرّاء والكاظميّة .. من أبناء العمارة والكوت والسليمانيّة .. من أبناء العراق في كلّ مكان، إنّي أعاهدكم بأنّي لكم جميعاً ومن أجلكم جميعاً، وأنّكم جميعاً هدفي في الحاضر والمستقبل .. فلتتوحّد كلمتكم، ولتتلاحم صفوفكم تحت راية الإسلام، ومن أجل إنقاذ العراق من كابوس هذه الفئة المتسلّطة، وبناء عراق حرّ كريم تغمره عدالة الإسلام وتسوده كرامة الإنسان، ويشعر فيه المواطنون جميعاً - على اختلاف قوميّاتهم ومذاهبهم - بأنّهم إخوة، يساهمون جميعاً في قيادة بلدهم وبناء وطنهم، وتحقيق مثلهم الإسلاميّة العليا المستمدّة من رسالتنا الإسلامية وفجر تاريخنا العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمّد باقر الصدر
النجف الأشرف.
انظر نصّ النداء في: مقدّمة مباحث الأصول للسيد كاظم الحائري: 151- 153
وكان السيّد محمد باقر الصدر (رحمه الله) - كما قلنا - عند تسجيل كلّ نداء، يرسله إلى السيّد عبد العزيز الحكيم (رحمه الله) كي ينشره ويذيعه في حال اعتقل (رحمه الله).
وقد أرسل السيّد محمّد باقر الحكيم (رحمه الله) هذه النداءات مع الشيخ محمّد رضا النعماني بعد استشهاد السيّد الصدر (رحمه الله) حيث تمّ تسهيل عمليّة انتقاله إلى إيران.
إلّا أنّ بعض طلبة السيّد الصدر (رحمه الله) لم يوافقوا على إذاعتها خوفاً على عياله من الأذى.
وبعد خروج السيّد الحكيم إلى إيران أصرّ على إذاعتها، فأذيعت من راديو الجمهوريّة الإسلاميّة.
انظر القيادة السياسيّة النائبة، محمد باقر الحكيم: 10.
كما تلاحظ اخي القاريء الكريم، مقدار المغالطة والايهام التي اراد بها اتباع لندن، من تصوير الامر واظهاره بغير حقيقته، مستغفلين بذلك عقول بعض اتباعه التي وصفهم ياسر الحبيب بالضحالة الفكرية..
وهذه المحاولة البائسة والرخيصة والخاطئة والمغرضة لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة.
فما لقاه الشهيد السيد محمد باقر الصدر من أمثال هؤلاء اكثر من أن تحويه هذه الصفحات، مع ما لاقته الحوزة العلمية في النجف من اتباع هذا التيار المنحرف..
لكنه بالملاحظة الاولية ترون مدى الخلط التاريخي الذي وقع فيه هذا الجاهل ياسر الحبيب والكذب المتعمد على الشهيد الصدر رحمه الله. واستعماله لالفاظ جارحة لقلوب المؤمنين والموالين، مستغلين كعادتهم الضغط على الوتر الحساس في ابراز الناس بمظهر المعادين لآل البيت عليهم السلام.
والانكى من ذلك اتهامه للشهيد الصدر انه طالب سلطة، متناسيا أن هذه السلطة كان يريدها تياره قبل الشهيد الصدر.
لعن الله قاتلي الشهيد الصدر بالايدي والالسن والراضين بذلك من الآن الى قيام يوم الدين.
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.