مشاهدة النسخة كاملة : الدور السياسي للمرجعية الدينية في العراق الحديث
alyatem
15-03-2013, 03:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً
فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ
وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
أهدي هذا المجهود الى السيد علي الحسيني السيستاني حفظه الله الذي شَهَد العالم كله على حكمته ورجاحة عقله
والى روح الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي ضحّى بكل ما يملك من أجل الاسلام والعراق
والى روح والديّ
والى أرواح الشهداء من أبناء الشعب العراقي الذين ضحوا في سبيل الانعتاق من الاستبداد والظلم والتهميش
تقديم
للمرجعية الدينية العليا لدى اتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام موقع متميّز في نفوس شريحة كبيرة من المسلمين الذين يتميزون بانتمائهم عقيدة وفقها وتاريخا الى العترة الطاهرة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وآله عٍدلا للقرآن الكريم ، إذ خلّف في الامة الاداة التي تعصمها من الخطأ والانحراف.
الدُربَة الطويلة في مجال الاجتهاد واستنباط أحكام الشريعة حتى الوصول الى الاحاطة الواسعة المعبّر عنها بالاعلمية، والنقاء والنزاهة في السلوك الى درجة التقوى والعدالة ، ولهذا تجد أبناء الامة يلقون بكل ثقلهم ويفرغون كل ايمانهم بأنّ المرجع هو حلقة الوصل بين الامة والامام.
لا تتوقف مهمّات المرجع الاعلى للشيعة على الاجتهاد والافتاء، والتدريس والبحث، والقضاء وفصل الخصومات وتربية الكوادر العلمية والثقافية التي تأخذ على عاتقها مسؤولية التربية والتعليم، بل تعدّى ذلك الى الاهتمام بالمصالح العامّة للامة، واتخاذ الموقف الحاسم تجاه القضايا المصيرية.
وهنا تبرز القيادة الحكيمة والكفاءة الادارية للمرجع في التصدي لما يعتبره السياسيون مصدر القوة في القرار. ذلك أن باستطاعة فتوى من سطر واحد ان تلغي فاعلية اتفاقيات التبغ التي أبرمها ملكٌ يجلس على سدّة الحكم، وفتوى اخرى تتشكل من ثلاث كلمات تقف بوجه الحزب الالحادي الذي يعتبر الدين افيونا للشعوب، وهذا ما يخيف الماسكين بزمام الحكم في ساحة السياسة.
وإذا كان دور المرجعية الدينية للشيعة غير واضح في ما سبق من الاعصار، فإنّ القرارات والبيانات المصيرية التي أدّت الى تغيير الخارطة جغرافيا وسياسيا والتي كانت تصدر من المرجع الاعلى للشيعة في العراق في عصورنا القريبة ، تشكّل ملفا ضخما يستحق التحليل والمتابعة....
تعتبر المرجعية الدينية الشيعية بعد غيبة الامام المهدي عليه السلام هي الموقع المتقدم في حياة المسلمين الشيعة، حيث يستمدون منها الاحكام الشرعية وينظمون من خلالها علاقاتهم ويستندون اليها في مواجهة التحديات، ولم يساوم المرجع الشيعي على حساب الدين رغم الترغيب والتهديد، مما جعل هذا الموقف المبدئي من المرجعية الشيعية عند الحكام أمرا مستعصيا لا يمكن فرض رأي أو موقف عليها، واستعصت عليهم تسخيرها لخدمة السلطة على حساب مصالح الامة، وانطلاقا من الموقف الشرعي يعتبر المرجع نفسه أمينا على الاسلام ومصالح الشعب والوطن، فيضحّي بما يملك من أجل ذلك كلّه.
بعد حدوث التحولات والتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية المختلفة منذ بداية القرن الهجري / العاشر الميلادي تبوأت المرجعية موقعها الطبيعي، أو ما يسمى بمرحلة ما بعد الغيبة الكبرى، وقامت بدورها المطلوب وتمكنت من حفظ التشيع من الانهيار والاندثار كما حدث للكثير من المذاهب الاسلامية عبر التاريخ، وقد لا يخطر في ذهن الكثيرين أهمية الاسلوب الذي اتبعته المرجعية الشيعية في القيام بهذا الدور الحيوي في التاريخ الشيعي.
وحيث اننا نعاصر زمنا غلبت عليه السياسة على حياة عموم الناس لانتشار الاعلام وسهولة وصول المعلومة الى الجماهير بواسطة الفضائيات التي دخلت في كل بيت تقريبا، اضافة الى شبكة الانترنيت التي اخترقت كل الحصون ودخلت الى حياة الافراد والعوائل، ومداولة الوسائل الاعلامية تلك مفهوم المرجعية والتي تحاول بعضها تشويه سمعتها، اضافة الى محاولات القضاء على وجودها...
كان هذا البحث ...
والله هو المستعان..
alyatem
15-03-2013, 03:08 AM
فصل تمهيدي
الجذور التاريخية للمرجعية الدينية
مقدمة
إن فكرة الولاية والنيابة العامة لم تحدث بعد وقوع الغيبة الكبرى للامام المهدي عليه السلام ، بل إن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام في أحاديثهم وأوامرهم وارشاداتهم قد أوجدوا وهيأوا مناخا مناسبا لها، باعتبار أن قيادة المجتمع من التكاليف الشرعية ضمن مفهوم خلافة الانسان لله تعالى، ولا يمكن بحال أن يترك الائمة اتباعهم في حال من الفوضى، بل كانوا يهيئون المؤمنين بالتطلع الى حدث الغيبة الكبرى ومن ثم قبول النيابة الخاصة والعامة.
يقول السيد محمد الصدر في (تاريخ الغيبة الصغرى) ص226:
وكان نظام الوكالة (النيابة) أحد الطرق الرئيسية لاتصال الائمة عليهم السلام بقواعدهم الشعبية وقضائهم لحوائجهم ، واتصال القواعد الشعبية بهم، وارسال الاموال والحقوق الاسلامية اليهم، وكان يشمل نظام الوكالة في زمن الامام الحسن العسكري عليه السلام جميع امور المجتمع حتى في داخل المدينة التي يسكنها الامام عليه السلام، فكانت عامة اتصالاته وتوقيعاته والاموال التي تصل اليه ـ ما عدا القليل ـ يتم عن طريق الوكلاء.
وكانت عملية الوكالة هذه من الائمة عليهم السلام درسا عمليا لتهيئة الاذهان والنفوس لقبول النيابة الخاصة للسفراء الاربعة لفترات أطول في عصر الغيبة الصغرى التي امتدت للفترة بين عام 260هـ الى 329 هـ ، وكانت النيابة الخاصة مقدمة لتهيئة الاجواء في نفوس المؤمنين لتقبل النيابة العامة بشرائطها المرسومة من قبل الشارع، وبوفاة السفير الاخير عام 329 هـ ، دخل الامام عليه السلام في غيبته الكبرى ، وانتهت النيابة الخاصة ، للسفراء الاربعة.
وهم كل من :
ابو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري (http://www.imamreza.net/arb/imamreza.php?print=2242) ،
أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري (http://www.imamreza.net/arb/imamreza.php?print=2254) ،
أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي (http://www.imamreza.net/arb/imamreza.php?print=2256)،
أبو الحسن علي بن محمد السمري (http://www.imamreza.net/arb/imamreza.php?print=2263).
واستمرت الولاية بما أطلقوا عليه بالولاية او النيابة العامة ، أو ما سمّي لاحقا بالمرجعية الدينية ، وهو (اعطاء القيادة العامة في زمن الغيبة الى العلماء الذين يمثلون خط الامام عليه السلام) كما يعبّر عنها السيد محمد الصدر في (تاريخ الغيبة الصغرى) ص218.
يتبع هذا الفصل التمهيدي ضمن المباحث التالية:
المبحث الاول: الولاية العامة ومسؤوليتها في عصر الغيبة الكبرى
المبحث الثاني: مفهوم المرجعية وشرائطها وتاريخها
alyatem
15-03-2013, 03:09 AM
المبحث الاول:
الولاية العامة ومسؤوليتها في عصر الغيبة الكبرى
يتم دراسة هذا المبحث في مطلبين:
المطلب الأول : الولاية العامة وصفاتها في عصر الغيبة
المطلب الثاني : المسؤوليات الرئيسية للنيابة العامة
المطلب الأول : الولاية العامة وصفاتها في عصر الغيبة
يلزم أن تتوفر مجموعة مواصفات للقيادة النائبة عن الامام المعصوم أهمها:
اولا: الصفة العلمية والفقاهة:
وتشمل صفة الفقاهة للفقيه القدرة العلمية فعلا في كل نواحي الحياة من العبادات والمعاملات، ويسمى المتصف بهذه القدرة الاستنباطية بالفقيه المطلق، وحينما يتمكن من ممارسة الفقاهة بشكل أكثر استيعابا ومتقدما على بقية الفقهاء تسمى هذه الحالة بالاعلمية.
ثانيا: الصفة النفسية والسلوكية:
أن يصل الفقيه في حالته النفسية والسلوكية في حياته الى درجة عالية من التفاعل في المجال العملي مع الاسلام ويتخلّق بكل ما يتصف من مسؤوليات والتزامات شرعية، ويعبَّر عن هذه الحالة بالعدالة، أي يجب ان يكون المجتهد عادلا ليتمكن الناس من الرجوع اليه في أخذ الاحكام والانقياد لأوامره وارشاداته.
الثالث: الصفة القيادية:
إن حركة الامة بحاجة الى توجيه في كل المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية ، وعلى ترشيد المواقف في مواجهة حالات التحدي، وهذا التوجيه والترشيد بحاجة الى قيادة تتمكن من ممارسة دورها بصورة واعية وفاعلة وحكيمة في المجتمع.
alyatem
15-03-2013, 03:10 AM
المطلب الثاني: المسؤوليات الرئيسية للنيابة العامة
ويتم في هذا المطلب استعراض أهم المسؤوليات الواقعة في عهدة النيابة العامة ، وهي:
المسؤولية الاولى: الافتاء وبيان الاحكام الشرعية:
الفقهاء هم المؤهلون للقيام بوظيفة الافتاء واستنباط الاحكام الشرعية من مصادرها المعتمدة ، ولا يمكن بحال إعطاء هذا الحق لمن لا يملك قدرة الاستنباط لما يؤدي الى فساد في المفاهيم ، وخروج من دائرة التخصص في مجالات العلوم.
وبما أن استنباط الاحكام والافتاء من مسؤوليات الفقهاء والمجتهدين ومهامهم اعتمادا على نظرية التخصص في الحياة العلمية، وما وردت من آيات في القرآن الكريم وأحاديث نبوية وروايات أهل البيت عليهم السلام تحث على طلب العلم والاجتهاد والتفقه في الدين، فلابد والحال هذه ان تكون البقية من أبناء الامة غير الواصلين الى درجة الفقاهة مقلدين لهؤلاء الفقهاء الذين يتمتعون بالصفات والخصائص المطلوبة للفقيه ، حيث حددت النصوص الشرعية الواردة في أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام مسؤولية أبناء الامة غير المجتهدين في الرجوع الى الفقهاء وتقليدهم في قضاياهم الشرعية، وهذه النصوص على اختلاف مضامينها وتعدد اسانيدها دليل قاطع على جواز التقليد وتوجيه الامة للاتزام به والعمل طبق فتوى الفقيه ليكون ما يقوم به من عبادة مطابقا للحكم الشرعي.
فمن هذه النصوص الروايات الدالة على مشروعية الافتاء والتصدي له بنحو عام.
يروي السيد الخوئي في معجم رجال الحديث ج1 ص147قول الامام الصادق عليه السلام لتلميذه أبان:
اجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس ، فإني احب أن يُرى في شيعتي مثلك.
وكذلك الروايات الواردة في إحالة السائلين عمّن يرجعون اليه في معرفة الاحكام من حملة الحديث والرواة وتعلّم الاحكام منهم ومن المصاديق البارزة لهؤلاء هم الفقهاء، من قبيل التوقيع الصادر عن الامام المهدي عليه السلام الى اسحق بن يعقوب وفيه:
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.
يقول السيد محمد باقر الحكيم تعليقا على هذه الرواية:
لعل انتزاع عنوان (المرجعية) لهذا الموقع اشتقَّ من هذا الحديث الشريف الذي إستخدم مادة (إرجعوا) . (راجع موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ج2 ص25)
وما ورد عن الامام الحسن العسكري عليه السلام على ما رواه الحر العاملي في وسائل الشيعة ج11 ص94 باب صفات القاضي باب10 ح20، قوله:
فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه.
وأيضا الروايات التي ورد فيه النهي والزجر عن الافتاء بغير علم كالرواية التي ينقلها الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتاب (الاجتهاد والتقليد) ص207: وهي صحيحة ابن رئاب عن الصادق عليه السلام ، قال:
من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه.
والنصوص التي ورد فيها النهي عن إتباع الطرق غير المعتبرة شرعا في استنباط الاحكام، والتي تدل على عدم حجية الفتوى المستنبطة من أدلتها المعتبرة ذات حجية شرعية ويجوز لغير العالم الاخذ بها. (المصدر السابق ص209)
وإلا لكان النهي لغوا وهو محال في حق الائمة عليهم السلام.
ووردت روايات تدل على امضاء عمل الناس برأي الغير وتقريرهم عليه، مثل النص الوارد عن الرضا عليه السلام والذي روي في الوسائل ج11 ص115-116 صفات القاضي ح23:
قال علي بن ساباط: قلت للرضا عليه السلام: يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك؟
فقال عليه السلام:
إئت فقيه البلد فاستفته عن أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخُذ بخلافه، فإنّ الحق فيه.
وهو ظاهر في جريان سيرة المسلمين على الإفتاء والاستفتاء.
وقد كان خلفاء الجور ينصبون ما يسمَّونَ بفقهاء البلاط وشيخ الاسلام كما في أيامنا حيث يفتون بكفر المسلم لمجرد عدم الالتزام بمذهب المفتي ، فأمر الامام بمخالفة فتوى هؤلاء واصفا تلك بالحق.
وقد ذكر الفقهاء في رسائلهم العملية أن الطرق الشرعية المعتمدة لإمتثال الحكم الشرعي تتحدد من خلال طرق أربعة، وقد بين السيد الخوئي ذلك بقوله في (المسائل المنتخبة) ط17 ص4-5:
يجب على كل مكلف ان يحرز امتثال التكاليف الالزامية الموجهة اليه في الشريعة المقدسة، ويتحقق ذلك بأحد امور: اليقين، الاجتهاد، التقليد، الاحتياط.
وبما أن موارد اليقين في الغالب تنحصر في الضروريات ، فلا مناص للمكلف في احراز الامتثال من الاخذ بأحد الثلاثة الاخيرة.
الاجتهاد: وهو استنباط الحكم الشرعي من مداركه المقررة.
التقليد: هو الاستناد في مقام العمل الى فتوى المجتهد.
المقلد قسمان:
1 - العامي المحض وهو الذي ليست له أية معرفة بمدارك الاحكام الشرعية.
2 - من له حظ من العلم ومع ذلك لا يقدر على الاستنباط.
الاحتياط: وهو العمل الذي يتيقن معه ببرائة الذمة من الواقع المجهول.
alyatem
15-03-2013, 03:12 AM
المسؤولية الثانية: القضاء:
وقد نصت الادلة الشرعية على ضرورة توافر مؤهلات وصفات معينة في القاضي هي: البلوغ ، العقل ، الايمان ، العدالة ، الفقاهة ، الذكورة ، طهارة المولد . راجع (التشيع نشأته مراحله ومقوماته) السيد عبدالله الغريفي ص 184 ـ 185.
وأجاز بعض الفقهاء التقليد للقاضي في حكمه على رأي مرجعه حيث لم يشترط الاجتهاد له كما هو معروف عن الشيخ محمد حسن النجفي صاحب جواهر الكلام.
المسؤولية الثالثة : الولاية وقيادة الامة:
الولاية في التصور الاسلامي الشيعي تتسلسل على الوجه التالي:
اولا: ولاية الله تعالى
وهي ولاية مطلقة، كما يعبّر سبحانه وتعالى عن ولايته بنفسه في القرآن الكريم:
اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ثانيا: ولاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وهي مستمدة من ولاية الله تعالى بتأكيد النصوص القرآنية الكريمة وهي كثيرة ، منها:
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
فلو لم تكن هناك ولاية للنبي فما هي قيمة البيعة له صلى الله عليه وآله من قبل المؤمنين.
والآية:
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ
قال السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان عند تفسير هذه الآية المباركة ما نصّه:
إذا توجه شيء من المخاطر إلى نفس النبي فليقه المؤمن بنفسه ويفده نفسه، وليكن النبي أحب إليه من نفسه وأكرم عنده من نفسه، ولو دعته نفسه الى شيء والنبي الى خلافه أو أرادت نفسه منه شيئاً وأراد النبي خلافه كان المتعيّن استجابة النبي صلى الله عليه وآله وطاعته وتقديمه على نفسه. وكذا النبي صلى الله عليه وآله أولى بهم فيما يتعلق بالامور الدنيوية أو الدينية كل ذلك لمكان الاطلاق في الآية.
ثالثا: ولاية الامام المعصوم عليه السلام
بما أن الامامة أصل من اصول الدين في المذهب الشيعي فلابد ان يكون في كل عصر امام هاد يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر وارشادهم الى ما فيه الصلاح والسعادة في النشأتين، وله من الولاية العامة على الناس لتدبير شؤونهم ومصالحهم وإقامة العدل بينهم، ورفع الظلم والعدوان عنهم.
يقول الشيخ محمد رضا المظفر في كتاب (عقائد الامامية) ص 103:
على هذا فالامامة استمرار للنبوة، والدليل الذي يوجب ارسال الرسل وبعثة الانبياء (وولايتهم على الناس) هو نفسه يوجب أيضا نصب الامام بعد الرسول.
بالاضافة الى ما ورد في النصوص الشرعية ما تثبت نصب الامام وولايته، منها النص القرآني الشريف:
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ
ويلاحظ هنا أن اصطلاح (وليكم) ورد بصيغة المفرد ليوحي أن أصل الولاية وحقيقتها لله تعالى وأن ولاية النبي والامام بالتبع لتلك الولاية الحقيقية.
والنص النبوي المشهور يوم الغدير حينما خاطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الآلاف من الحجاج حين رجوعه من حجة الوداع (راجع أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الاثير الجزري ج4 ص108-109) قائلا:
ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: اللهم بلى، قال صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
رابعا: ولاية الفقيه بشكل عام:
ويختلف العلماء في حدودها بين الولاية الجزئية (الحسبة) ، والمطلقة.
ويختصر الشيخ مرتضى الانصاري المسؤوليات الثلاث في كتابه (المكاسب) ج3 ص545 ـ 558 فيقول:
وقد يُذكر للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة:
أحدها: الافتاء فيما يحتاج اليه العامي في عمله، ومورده المسائل الفرعية، والموضوعات الاستنباطية من حيث ترتب حكم فرعي عليها. ولا اشكال ولا خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه، ويبحث في باب الاجتهاد والتقليد.
وثانيها: الحكومة ـ القضاء ـ فله الحكم بما يراه حقا في المرافعات وغيرها في الجملة. وهذا المنصب ايضا ثابت له بلا خلاف فتوى ونصا، ويبحث في كتاب القضاء.
وثالثها: النيابة العامة عن المعصوم وإثباتها دونه خرط القتاد.
وينبغي الاشارة هنا الى عدم توقف الفقهاء ولا سيما المعاصرين على رأي صاحب المكاسب، بل هناك أبحاث فقهية مطروحة جديرة بالاهتمام والاطلاع في موضوع النيابة العامة.
يتبع بالمبحث الثاني: مفهوم المرجعية وشرائطها وتاريخها.
alyatem
15-03-2013, 03:14 AM
المبحث الثاني:
مفهوم المرجعية وشرائطها وتاريخها
يشتمل هذا المبحث مطلبان هما:
المطلب الاول: تأريخ المرجعية الدينية
المطلب الثاني: مفهوم المرجعية الدينية وشروطها
المطلب الاول: تأريخ المرجعية الدينية
المرجعية الدينية كمؤسسة دينية مهمة مرّت بمراحل مختلفة منذ العصر الاول للرسالة حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبعث من يمثّله الى الولايات لتبليغ أحكام الرسالة نيابة عنه صلى الله عليه وآله وبقيت هذه السنة النبوية بصورتها العملية في عصر الائمة الاطهار عليهم السلام الذين كانوا يوفدون وكلائهم الى الامصار الاسلامية لتبليغ الاحكام وليكونوا حلقة وصل بينهم وبين الناس، وكان هؤلاء الوكلاء والنواب في أحيان كثيرة يكتبون الى أئمتهم في المسائل المستعصية ويصلهم الجواب فيبلغونه بدورهم الى المؤمنين، وهكذا نما مفهوم المرجعية وترعرع على طول التاريخ الاسلامي الشيعي حتى احتلت المرجعية دورا هاما لا سيما بعد عصر الغيبة الصغرى للامام المهدي عليه السلام ، وكان هناك فقهاء كبار في زمن الغيبة الصغرى وعاصر قسم منهم أوائل الغيبة الكبرى ولكنهم لم يكونوا مراجع تقليد بالشكل المتعارف حاليا لأن الناس كانوا يرجعون الى سفراء الامام المهدي عليه السلام .
ومن هؤلاء الفقهاء: علي بن بابويه القمي (http://www.al-shia.org/html/ara/ola/?mod=rezvan&id=229) المتوفى عام 329 هـ. ، وهو والد الشيخ الصدوق ، والشيخ ابو جعفر محمد بن يعقوب الكليني (http://www.al-shia.org/html/ara/ola/?mod=rezvan&id=2) المتوفى عام 329 هـ . والشيخ ابن قولويه (http://www.al-shia.org/html/ara/ola/index.php?mod=rezvan&id=7) ابو القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه القمي المولود 290 هـ وتوفي سنة 368 هـ . والشيخ هارون بن موسى التلعكبري (http://www.al-shia.org/html/ara/ola/index.php?mod=rezvan&id=260) ابو محمد هارون بن موسى بن احمد بن سعيد من بني شيبان التلعكبري من اعلام القرن الرابع عاصر عهد القرامطة والمتوفى عام 385 وغيرهم الكثير.
ويمكن الاطلاع على السيرة العطرة للكثير منهم اعلى الله تعالى مقامهم الشريف في موقع مركز آل البيت عليهم السلام العالمي للمعلومات (http://www.al-shia.org/html/ara/ola/index.php?mod=rezvan&p=1).
وكل كتب الرجال التي تحدثت عن هؤلاء الفقهاء العظام ، وللاطلاع على عموم الفقهاء وطبقاتهم ومذاهبهم يمكن الرجوع الى كتاب موسوعة طبقات الفقهاء (http://imamsadeq.com/ar.php/page,LibraryAr533.html) للشيخ جعفر السبحاني في حدود 14 مجلد.
وكان فقهاء الشيعة ومحدثيهم متواجدين في اماكن مختلفة من بغداد والكوفة وقم ، حيث يرجع الشيعة اليهم في امور دينهم ، ومنذ وقوع غيبة الامام في سامراء كانت بداية المرجعية في العراق وفي بغداد بالذات حيث العاصمة العباسية، لأن هؤلاء الفقهاء كانوا قد درسوا عند اساتذة هم من تلامذة الامامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام وكانوا على اتصال مباشر مع السفراء الاربعة، فاستمرت المدرسة العلمية الشيعية في بغداد من خلال تواجد العلماء والفقهاء فيها، ولا يخفى بأن المرجعية لم تكن على ما هي عليه الآن ، بل تطورت بمرور الزمن حتى وصلت الى ما وصلت اليه في الوقت الحاضر، لأن كل عمل اجتماعي وتنظيمي يتطور بمرور الزمن من خلال عوامل الحداثة وتطور الفكر ومقتضيات الظروف الموضوعية.
بما أن فقهاء الشيعة ومتحدثيهم الذين عاصروا الامام المهدي عليه السلام والغيبة الصغرى عاشوا الحالة السياسية في زمن الامامين الهادي والعسكري عليهما السلام وشاهدوا الاضطهاد والمضايقات التي عاشوها هم وأتباعهم ، وما رافق غيبة الامام عليه السلام من مراقبة شديدة من قبل رجال أمن الخلافة العباسية ، وما مورس بحقهم من إضطهاد سيساسي وفكري ، فأول ما قام هؤلاء به الفقهاء أمثال محمد بن يعقوب الكليني (http://www.al-shia.org/html/ara/ola/?mod=rezvan&id=2) المتوفى 329 هـ . هو تأليف الكتب العلمية وجمع روايات الائمة عليهم السلام مثل الكافي لدعم التشيع فكريا بعد ما إنتشر إجتماعيا حيث كان الشيعة منتشرين حينذاك في العراق وإيران وكثير من الامصار، ولما أيقن الفقهاء أن غيبة المعصوم سوف تطول وأن المسؤولية وقعت على عاتقهم في حفظ الاسلام من الاندثار ، خططوا لأدائها بشكل مناسب ، فكان للصدوقين (http://www.imamreza.net/arb/imamreza.php?print=1872)الاب علي بن حسين بن بابويه القمي المتوفى 329 هـ . وابنه الشيخ ابو جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (http://www.al-shia.org/html/ara/ola/?mod=rezvan&id=8) ، المولود في سنة 305 هـ. بقم ، والمتوفى سنة 381 هـ . كان لهما دور كبير في هذا المضمار ، وكان من ابرز نتائج ما قام به الفقهاء في بداية الغيبة أن (توجه الشيعة الى مرجعية الصدوق الابن بين عام 368 ـ 381 هـ ) * بعنوانه كبير محدثي الشيعة في ذلك الزمن ، حيث ألّف 300 كتاب أبرزها كتابه (من لا يحضره الفقيه).
*راجع آراء في المرجعية الدينية لنخبة من الباحثين ص504 ، دار الاسلام، لندن ، ط1، 1996.
وكان الشيخ ابو جعفر الصدوق مدة من عمره الشريف مقيما في بغداد وكان لمرجعية الشيخ الصدوق دور كبير في إنتشار الشيعة بكثرة في ذاك المصر، وقد حدثت في حياته قضايا سياسية ومشاكل كبيرة بين المسلمين أهمها مشكلة القرامطة، حيث أنه ولد في زمن خلافة المقتدر العباسي.
ففي سنة 311 هـ. دخل أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي أمير القرامطة في 1700 فارس الى البصرة ليلا وقتلوا من لقوه من أهلها وهرب أكثر الناس فألقوا أنفسهم في الماء وغرق الكثير منهم** .
وإضافة الى ما مر فقد عاصر الصدوق مشاكل طائفية إختلقتها السلطة الحاكمة إنتهت الى تحولات سياسية كبيرة في جسد الدولة العباسية، فمن هذه الحوادث مثلا: في شهر صفر من عام 313 هـ أمر المقتدر العباسي بهدم مسجد براثا (وهو من المساجد المعروفة منذ القدم) الواقع في بغداد على إثر وشاية، وأشرف قائده المعروف نازوك على هدمه، وجعل مكانه مقبرة **.
**راجع البداية والنهاية لإبن كثير مجلد 3 ص 168 و 173 حوادث سنة 313.
سطع نجم الشيخ ابوعبدالله محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (http://www.al-shia.org/html/ara/ola/?mod=rezvan&id=12) المولود بـ عكبرا القريب من بلدة (بلد) المعروفة في العراق في الحادي عشر من ذي القعدة سنة 336 هـ . والمتوفى ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر رمضان سنة 413 هـ . ، وصلى عليه تلميذه الشريف الرضي.
سار الشيخ المفيد على نهج الصدوقين في تثبيت دعائم الفكر الشيعي وما يتناسب وزمن الغيبة والحالة السياسية المعاصرة آنذاك ، حيث ألّف مجموعة من الكتب القيّمة في مختلف قضايا الفكر الاسلامي.
لقد وطّد الشيخ المفيد بتأليفاته دعائم الفكر الشيعي، ويظهر من عناوين مؤلفاته وجود حركة فكرية وسياسية قوية في عصره وانتشار الفرق والمذاهب الاسلامية ولكل منها مفكريها وأتباعها، وللشيخ المفيد رسائل في الرد على الافكرا المخالفة، إضافة الى شهرته الواسعة في مختلف الامصار الاسلامية حينذاك، ويمكن معرفة ذلك من خلال أجوبته على الاسئلة الواردة اليه من مختلف البلدان.
ومن المؤكد أن الانفتاح السياسي في تلك المرحلة الزمنية قد ساعد الشيخ المفيد في تثبيت دعائم الفقه الشيعي، إذ أن في تلك الفترة حصل تحول في الوضع السياسي لصالح الشيعة، حيث حكم البويهيون في العراق، والفاطميون في مصر.
راجع حول الفاطميين البداية والنهاية لابن كثير ج11 ص355 في حوادث سنة 381 هـ حيث قال : توفي جوهر بن عبدالله مؤسس مدينة القاهرة في سنة 381 هـ . ويعرف بالكاتب، أخذ مصر بعد موت كافور الاخشيدي ، أرسله مولاه العزيز الفاطمي اليها في ربيع الاول 358 هـ . فوصل اليها في شعبان منها في مائة الف مقاتل ، ومائتي صندوق لينفقه في عمارة القاهرة ، فبرزوا لقتاله فكسرهم وجدد الامان لأهلها، ودخلها يوم الثلاثاء لثمان عشرة خلت من شعبان ، فشق مصر ونزل في مكان القاهرة اليوم ، واسس من ليلته القصرين ، وخطب يوم الجمعة الآتية لمولاه، وذكر في خطبته الائمة الاثني عشر وأمر فأذّن بحيَّ على خير العمل ، وكان يظهر الاحسان الى الناس ، ويجلس كل يوم سبت مع الوزير ابن الفرات والقاضي ، واجتهد في تكميل القاهرة وفرغ من جامعها سريعا، وخطب به في سنة 361 هـ . وهو الذي يقال له : الجامع الازهر.
وقد ادت تلك التحولات السياسية لصالح الشيعة، وكذلك ادى انتشار الشيعة في ايران انتشارا واسعا ، الى نوع من التحسن الاقتصادي في الوسط الشيعي وكانت تجبى الى الشيخ المفيد الحقوق الشرعية لما عرف في الوسط الشيعي بعلمه الغزير وكفائته العالية في منصب الافتاء والدفاع عن الاسلام.
وفي عهد مرجعية الشيخ المفيد في سنة 383 هـ ولربما بطلب منه تمّ تأسيس دار العلم في بغداد حيث أمر الوزير البويهي أبو نصر سابور بن ازدشير ببنائه.
راجع البداية والنهاية لابن كثير ج11 ص358 حوادث سنة 383 هـ.
وتوفي سنة 385 هـ الصاحب بن عباد (http://www.imamreza.net/arb/imamreza.php?print=2285)*، الذي كان يرسل سنويا آلاف الدنانير الى العراق ، ولربما كان الشيخ المفيد يوزّع قسم من هذه الاموال الى الفقراء ، ويستثمر الباقي في خدمة الدين، وكذلك في عهده في سنة 400 هـ توفي ابو احمد الموسوي نقيب الطالبيين والد السيدين الرضي والمرتضى عن سبع وتسعين سنة**.
ويلاحظ من مجموع هذه الاخبار تنوّع الادوار التي قام بها فقهاء الشيعة فالشيخ المفيد تحمّل الدور الفقهي والنقيب ابو احمد الموسوي نقيب الطالبيين وهذه عبارة اخرى عن تحمّل كل منهم دورهم المسؤول في الحياة السياسية، وتطوّرت الحالة المرجعية بصورة أكثر تنظيما وقبولا لدى الشيعة، وأظهر لرجوع الشيعة الى فقهائهم.
* راجع البداية والنهاية لابن كثير ج11 ص362 حوادث سنة 385 هـ. ** ص395 حوادث سنة400 هـ.
في 16 محرم من سنة 403 هـ قلّد الشريف الرضي أبو الحسن الموسوي (http://www.al-shia.org/html/ara/ola/index.php?mod=rezvan&id=10) نقابة الطالبيين في سائر الممالك، وقرئ تقليده في دار الوزير فخر الملك، بمحضر الاعيان، وخلع عليه السواد ، وهو أول طالبي خلع عليه السواد حيث كان شعارا للعباسيين*.
* انظر: الحافظ الدمشقي، اسماعيل بن كثير: البداية والنهاية، م س ، ج 11، ص 401 حوادث سنة 4.3 هـ
ولربما من هذا الزمن بدأ علماء الشيعة المنتسبون للبيت الهاشمي لبس العمامة السوداء كعلامة للانتساب الى الرسول صلى الله عليه وآله، وإلا هناك روايات عديدة من الائمة عليهم السلام ولا سيما الذين عاصروا الخلافة العباسية يذمّون لبس السواد، فالظاهر أن الذم للبس السواد في هذه الروايات يراد منه ذم اللابس وهم الخلفاء الغاصبون لحق الخلافة من آل البيت عليهم السلام وليس اللباس وسواده بحد ذاته.
ذكر الشيخ الصدوق رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام فيما علّم أصحابه: لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون. وذكر خبرا مفاده، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يكره السواد إلا في ثلاثة: العمامة والخف والكساء.*
* الشيخ الصدوق، ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي: من لا يحضره الفقيه، ط1، ج1، ص251، دار التعارف للمطبوعات، بيروت،1401ـ1981.
يقول الشيخ علي الكوراني:
فالاخبار الواردة عن الائمة من أهل البيت عليهم السلام، في النهي عن لبس السواد لو تمّت، فهي غير ناظرة الى لبس السواد حزنا على الحسين عليه السلام، بل ناظرة الى التشبه بجبابرة بني العباس، الذين اتخذوا السواد لباسا رسميا لهم وأجبروا المسلمين عليه!! فمن الثابت تاريخيا أن العباسيين جعلوا شعارهم في حركتهم الرايات السود، لكي يطبقوا عليهم أحاديث النبي صلى الله عليه وآله في المهدي عليه السلام والرايات السود التي تمهد له من المشرق! ثم ألبسوا أنصارهم الثياب السود ، وعللوه بأنه حزن على شهداء كربلاء وغيرهم من شهداء أهل البيت عليهم السلام ولذلك عرفوا بسم (المسودة) وبعد سيطرتهم ألزموا أعضاء دولتهم بلبس السواد، ثم ألزموا بذلك عامة الناس، ومن لبس قلانس سوداء طويلة!! الخ، فالروايات الناهية عن لبس السواد ناظرة الى التشبه بهم.*
*الكوراني، علي: أجوبة مسائل جيش الصحابة، ص115 طبعة الكترونية. (اضغط هنا (http://shiaweb.org/books/jaish_alsahaba/pa25.html))
ولا بأس هنا من ذكر الابيات الشعرية للشريف الرضي التي يعاتب فيها الخليفة الطائع لله العباسي فيقول فيها:
مهلا أمير المؤمنين فإننا***في دوحة العلياء لا نتفرّق!
ما بيننا يوم الفخار تفاوت***أبدا كلانا في المعالي معرّق
إلا الخلافة ميَّزتك فإنني***أنا عاطل منها وأنت مطوق!
فإنه يظهر منها علو روحه، وأنه لم ير نفسه دون الخليفة ، ويشم من هذه الابيات نوع من التحدي لمقام الخلافة، وأن كلامه بقوله أميرالمؤمنين هو نوع من المداراة والمجاملة وترويض نفس الخليفة لكيلا يفتك به وينتقم منه غضبا، وكأنه يقول للخليفة لا يأخذك الغرور من حيث أنك متقلدا للخلافة، فإن الاصل بيني وبينك في الانسانية سواء حيا وميتا، والفرق الوحيد بيني وبينك هو المنصب انت متقلده، وأن الظروف لم تسنح لي أن أكون خليفة لا غير، وإلا لم تكن حيث تجلس.
وبعدما توفي الشريف الرضي يوم السبت ثالث صفر 406 هـ تولى السيد المرتضى أبو القاسم علي بن السيد أحمد الحسين (http://www.al-shia.org/html/ara/ola/index.php?mod=rezvan&id=13) نقابة الطالبيين والمظالم والحج، وجميع ما كان يتولاه أخوه الرضي، وقرئ تقليده بحضرة الاعيان، وكان يوما مشهودا.
يذكر الحافظ الدمشقي في البداية والنهاية قوله:
في سنة 413 هـ توفي ابن النعمان شيخ الامامية الروافض، والمصنف لهم، والمحامي عن حوزتهم، كانت له وجاهة عند ملوك الاطراف، لميل كثير من أهل ذلك الزمان الى التشيع، وكان يحضر مجلسه خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف، وكان من جملة تلاميذه الشريف الرضي والمرتضى، وقد رثاه بقصيدة بعد وفاته في هذه السنة، منها قوله:
من لعضل أخرجت منه حساما***ومعان فضضت عنها ختاما؟
من يثير العقول من بعد ما***كنّ همودا ويفتح الافهاما؟
من يعير الصديق رأيا***إذا ما سلّ في الخطوب حساما؟*
*الحافظ الدمشقي، البداية والنهاية، م س، المجلد 12 ص20 حوادث سنة413 هـ
وقد رجع الشيعة الى السيد المترضى لما عرف به من فقاهة وكفائة عالية لتولي منصب المرجعية الشيعية، حيث مارس دوره الايجابي في حفظ الكيان الشيعي وتقوية دور المرجعية لدى الامة ولا سيما في مواجهة الممارسات السياسية الطائفية في بغداد من قبل الوزير ابي كاليجار ووصل الامر اخيرا الى حرق دار السيد المرتضى سنة 416 هـ.
وقد استعمل هذا الوزير في زمن الخليفة العباسي القادر بالله الغلظة الشديدة مع الشيعة في العراق لتغيير معتقداتهم المذهبية، وأوعز الى قائده بن سبكتكين استعمال سياسة البطش تجاه الشيعة في الري، فأخبره بن سبكتكين في رجب 420 هـ بالاعمال التي قام بها قائلا:
أنه أحل بطائفة من أهل الري من الباطنية والروافض قتلا ذريعا، وصلبا شنيعا، وأنه إنتهب أموال رئيسهم رستم بن علي الديلمي، فحصل منها ما يقارب ألف ألف دينار.
وكانت من الاساليب المستعملة من قبل الخليفة للتغيير العقائدي للشيعة كما يوضحه الحافظ الدمشقي في تاريخه مجلد 12 ما نصه:
في يوم الاثنين ثامن عشر رجب سنة 420 هـ جمع القضاة والعلماء في دار الخلافة العباسية بحضور الوزير ابي كاليجار، وقرئ عليهم كتاب جمعه القادر بالله، فيه مواعظ وتفاصيل مذاهب أهل البصرة، وفيه الرد على أهل البدع، وتفسيق من قال بخلق القرآن، وصفة ما وقع بين بشر المريسي وعبدالعزيز بن يحيى الكتاني من المناضرة، ثم ختم القول بالمواعظ والقول بالمعروف والنهي عن المنكر وأخذ خطوط الحاضرين [أي تواقيعهم] بالموافقة على ما سمعوه.
أي أنه أخذ من الحضور العهد بالبقاء على مذهب الخليفة.
يتبع بإذن الله تعالى لاحقا
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
Jannat Alhusain Network © 2024