المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أطفال مقاتلي «القاعدة» في العراق: لا نملك بطاقات هوية ولا نعرف قبوراً لآبائنا


kumait
15-03-2013, 03:57 AM
أطفال مقاتلي «القاعدة» في العراق:
لا نملك بطاقات هوية ولا نعرف قبوراً لآبائنا
ديالى (وسط العراق) - دلوفان برواري وسلام جهاد

تقف هدى ذات البشرةالسمراءوالشعر الكث،والتي أكملت عامهاالسادس،كلصباح على باب منزلها وهي تراقب صديقاتها اللواتي يتجهن إلى المدرسة، من دون أن تعرف ما يمنعها من اللحاق بهن، فهي لا تدرك أن لا وجود لها في سجلات الدولة العراقية ولا حقوق مدنية، وأنها لم ترث من والدها «المجاهد العربي» في تنظيم «القاعدة» والذي قتل قبل أن تولد، حتى الاسم الذي سيتبع اسمها في الأوراق الرسمية.

بلا مستقبل، في بيئة يحاصرها الفقر وعائلة تطاردها الوصمة الاجتماعية، تكبر هدى، ومثلها شيماء ذات الأعوام الأربعة، ومحمد الذي أكمل عامه السابع من دون أن يعرف شيئاً عن والده المفقود، ومئات آخرون من أطفال المقاتلين العرب في التنظيم الذي سيطر على أجزاء واسعة من محافظات الأنبار وديالى ونينوى وصلاح الدين بين عامي 2004 و2009، وأقام عليها «دولة إسلامية» فرض فيها قوانينه عبر محاكم شرعية وذراع عسكرية ضمت آلاف المقاتلين الذين قتلوا أو اعتقلوا أو رحلوا بعد سنوات تاركين خلفهم أطفالاً بلا هوية، ونساء يائسات بلا معيل.

تقول أم هدى، وهي تحاول إخفاء دموع لاحت في عينيها البنيتين، بينما تراقب ابنتها عبر النافذة المغطاة بالنايلون، في الغرفة الوحيدة التي يتألف منها منزلها في أحد أحياء العشوائيات بمحافظة ديالى «لم نرث منه غير الفقر والنبذ الاجتماعي ومضايقات الأجهزة الأمنية. قضيت سنواتي الأخيرة وأنا أهرب بابنتي من الجوع والنظرات الجارحة والأسئلة المحرجة». وأردفت، وهي تحاول تغطية وجهها بطرف العباءة السوداء الطويلة التي كانت ترتديها «تحملت ظروفاً لا يمكن بشراً احتمالها، ولطالما تمنيت الموت، لكنني بقيت أواجه كل شيء كي لا أظلم ابنتي كالآخرين».

زواج «شرعي» بالإكراه

أم هدى التي أبلغها إخوتها بقرار تزويجها بمقاتل عربي قبل أن تكمل عامها الـ18، لم تستطع أن تصف شعورها تجاه زوجها «كنت صغيرة حين زوجوني به، قالوا إنه في الأربعينات، ومن أهل الله، وذلك يكفي للترحيب به زوجاً، فعناصر التنظيم كانوا محط احترام كبير، إذ إنهم يحملون راية الإسلام ويقاتلون الأميركيين». وعن ترتيبات الزواج تقول «حدث كل شيء سريعاً ومن دون تحضيرات، لم يكن بإمكاني الاعتراض، كانت الحياة قاسية والناس يهربون من الفقر والموت، وتم الزواج بقراءة الفاتحة بحضور أحد شيوخ التنظيم». في إحدى «غزواته ضد الاحتلال الأميركي» بعد ستة أشهر من زواجه، قتل والد هدى، لتدفن معه أسرار حياته السابقة، «قتل قبل أن أعرف حتى اسمه الحقيقي وجنسيته، كانوا ينادونه (أبو بكر) ولم أرَ معه يوماً أوراقاً رسمية تثبت هويته ولم يحدثني أبداً عن ماضيه، كان يتحاشى ذلك دائماً، ويرد: الحمدلله الذي تاب علينا وأنعم علي بالجهاد».

نظرة دونية وطفل بلا هوية

مع محاولات الحكومة بسط سيطرتها تدريجاً على محافظة ديالى في 2007، وجدت أم هدى نفسها وحيدة، إثر مقتل شقيقها الأكبر وانقطاع أخبار شقيقها الثاني، لتواجه بمفردها «الفقر وأسئلة السلطات الأمنية ونظرة الناس الدونية»، قبل أن «تكتمل معاناتها» مع ولادة طفلة مجهولة الأب، اضطرت معها إلى مواجهة الحياة وحدها بالعمل في جمع قناني البيبسي الفارغة من الشوارع والمزابل لتأمين متطلبات حياتها.

مثل أم هدى، تزوجت أم شيماء عندما كانت في الـ15 من عمرها بأحد أفراد تنظيم «القاعدة». الفتاة التي قتل والدها في أحد التفجيرات التي شهدتها ديالى، وجدت نفسها وحيدة مع والدتها من دون معيل، في منطقة انتشر فيها أفراد التنظيم الذين قدموا سراً من دول عربية، وأطلقوا على أنفسهم أسماء رمزية ذات مدلولات دينية، وعاشوا في المنطقة مع غياب سلطة الحكومة العراقية، ثم قتلوا أو اختفوا مع عودة سيطرة الحكومة. «مضطرة» تزوجت الأم الأرملة (والدة أم شيماء) بأحد أفراد التنظيم مثل أخريات ممن فقدن أزواجهن في المعارك ضد مقاتلي الحكومة والقوات الأميركية في 2007. ذلك الزواج كان يعني دخول العائلة ضمن التنظيم بما يفرضه من «قوانين وتقاليد» بما فيها زواج البنات في سن مبكرة، وهو ما حاولت أم شيماء رفضه لكنها لم تجد مهرباً منه.

تتذكر أم شيماء: «في إحدى الليالي دخل منزلنا ملثمون وقالوا لوالدتي إنني مطلوبة لأمر مهم، أخذوني إلى منزل مهجور، ودخل علي ثلاثة أشخاص ملتحين وقالوا نريدك زوجة لأحد المجاهدين، وعندما طلبت أن أعرف بمن سأتزوج دخل شاب في العشرينات من عمره وقال بلهجة خليجية، أنا الذي أريدك زوجة». «لم يكن أمامي غير الطاعة»، تقول أم شيماء التي ترتدي جلباباً أسود لا يظهر من خلاله إلا وجهها «رفضي كان يعني أنني فتاة عاصية، تم الزواج ورضيت بقسمتي، لم أعرفه جيداً، لا طبائعه ولا ما يحب وما يكره، فهو مثل باقي أفراد التنظيم كان يغيب لفترات ثم يظهر فجأة».

زوجة أبو زكريا

هكذا، أصبحت أم شيماء زوجة «مجاهد عربي» يدعى (أبو زكريا)، لكن ذلك الزواج لم يستمر غير ثمانية أشهر، حيث أبلغوها بأن زوجها «استشهد في إحدى العمليات». ولدت شيماء بعد ستة أشهر من رحيل والدها، في غرفة ببيت غير مكتمل البناء، بلا رعاية ولا اسم رسمي تحمله، ولا حقوق مدنية، بما فيها حق الحصول على البطاقة الغذائية. هي الآن في عامها الرابع تعيش على الصدقات، وتقول والدتها «نعيش كالعبيد، بلا أمل، وعلى رغم ذلك لا نرجو غير الخلاص من نظرات الناس الجارحة، ومن أسئلتهم التي لا ترحم».

يشارك هدى وشيماء هذه المشكلة، الطفل محمد الذي لا يعرف شيئاً عن مصير والده المختفي منذ سنوات، تقول والدته «انقطعت أخباره قبل خمس سنوات بعد اشتباكات وقعت شرق مدينة بعقوبة، ومن يومها لم نبلغ بمقتله ولا باعتقاله».

مثلهم يعيش المئات من بنات مقاتلي التنظيم غير المسجلين وأبنائهم رسمياً، في محافظات ديالى ونينوى والأنبار وصلاح الدين وشمال محافظة بابل وجنوب العاصمة بغداد والذين «يواجهون مصيراً مجهولاً يهدد بتحويلهم إلى متطرفين» وفق الناشط المدني جميل إبراهيم.

520 حالة مسجلة وأخرى مجهولة

تشير إحصاءات لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، إلى وجود أكثر من 520 طفلاً «غير مجنسين» لمسلحين لا تعرف أسماؤهم الحقيقية، فيما لم تكشف عائلات كثيرة عن أبنائها غير المسجلين لاعتبارات أمنية واجتماعية.

يحذر إبراهيم من ظهور أجيال جديدة أكثر تطرفاً من مقاتلي تنظيم «القاعدة» يصنفهم بالجيل الثالث بعد جيلي أمير التنظيم في العراق أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في حزيران (يونيو) عام 2006، والجيل الذي تلاه من قادة ميدانيين عراقيين وأشقائهم وأبنائهم الكبار الذين بحثوا عن الانتقام. «سيكون أبناء المقاتلين المنبوذين في المجتمع، جيلاً أشد تطرفاً إن لم يتم احتضان عائلاتهم»، ويؤكد إبراهيم أن الأمر يتجاوز حرمان أطفال من حقوقهم في الجنسية والتعلّم والرعاية الصحية والغذائية، إلى مجال حساس يتعلق بالوضع الاجتماعي لهم كأطفال شرعيين «هذه مسألة في غاية الخطورة». قرابة عامين من الصراع المسلح ومثلهما من الغياب الحكومي والفراغ الأمني الذي شهده الكثير من مناطق ديالى المتنوعة قومياً ومذهبياً، والتي خضعت لسيطرة مقاتلي ما عرف بدولة العراق الإسلامية، كانت كافية «لحصول عشرات حالات الزواج بين نساء عراقيات ومقاتلين أجانب من تنظيم «القاعدة» بعيداً من المحاكم المدنية لعدم اعترافهم بالدولة».

ويشرح مدير مؤسسة النور الجامعة في ديالى أحمد جسام، أبعاد المشكلة التي ظهرت مع سيطرة الحكومة على محافظة ديالى عقب عمليات بسط القانون: «الأزواج بمعظمهم هربوا أو اعتقلوا أو قتلوا خلال العمليات المسلحة، فيما بقيت الزوجات مع أطفال صغار، من دون مستندات تثبت وقوع الزواج وتبين اسم الأب وكنيته».

زواج لضرورات تنظيمية

ويشير متابعون لنشاط تنظيم «القاعدة» إلى أن حالات الزواج تلك، لم تكن لمجرد إشباع حاجة غريزية أو بناء أسرة أو تطبيق واجب شرعي، بل كان لها هدف تنظيمي أيضاً يتعلق بتجنيد النساء في أعمال العنف، عبر استغلالهن في نقل الرسائل والمتفجرات وحتى تنفيذ عمليات انتحارية، فالنساء أقدمن على تنفيذ 37 هجوماً انتحارياً بأحزمة ناسفة في ديالى بين 2007 و2009 استهدفت قيادات في الصحوة ومراكز أمنية. وينبه جميل سليمان، وهو محام من محافظة الأنبار اطلع على الكثير من القضايا المتعلقة بأبناء مقاتلي تنظيم «القاعدة» المقتولين والمفقودين وبناتهم في الفلوجة، إلى وجود جملة تعقيدات «إنسانية وقانونية، فهم محرومون من حقوقهم، ويعيش كثرٌ منهم في عائلات مفككة فالأقارب يتخلون عنهم، وهنا تبرز الشبهات الأخلاقية لتزيد الأمور تعقيداً، وهذا كله يجعلهم أناساً غير طبيعيين». سليمان يطالب الدولة بالتحرك جدياً لمعالجة المشكلة قبل أن تكبر «فهؤلاء الأطفال قنابل موقوتة، وحياتهم الحالية ستجعلهم مصدراً للعنف ولمشاكل مجتمعية خطيرة».

تؤكد رئيس لجنة المرأة والطفل في مجلس محافظة ديالى زينب حسوفي، أن الحالات المسجلة لأطفال تنظيم «القاعدة» بالمحافظة تبلغ 53 حالة، تتركز غالبيتها في مناطق شرق بعقوبة (الكبة، المخيسة، أبوكرمة وزاغنية) غالبيتهم لا تمتلك أوراقاً رسمية «والضوابط القانونية، تعرقل تسجيل هذه الغالبية فهي لا تأخذ في الاعتبار خصوصية وضعها». هذا الرقم يعتبر متواضعاً، مع تخوف عائلات كثيرة من فكرة تسجيل أبنائها، وهو أمر يتكرر في محافظات الأنبار التي كانت معقلاً رئيساً لتنظيم «القاعدة» بين 2004 و2007، ومثلها نينوى وصلاح الدين ومناطق جنوب بغداد.

الإجراءات القانونية

لكن التسجيل الرسمي لأبناء مقاتلي تنظيم «القاعدة» وبناتهم، الذي يعد الخطوة الأولى لحل مشكلتهم، وفق المعنيين، أمر مستحيل في ظل القوانين السارية في محاكم الدولة، فليس هناك أي منفذ قانوني يسمح بذلك، والأمر يحتاج إلى تشريعات خاصة.

أم عمر، التي لم تجبر على الزواج بمقاتل في تنظيم «القاعدة»، بل كانت تتمناه لتنتقم لأخيها الذي قتل على يد القوات الأميركية، حاولت كثيراً تسجيل ابنها ذي السنوات الخمس بعد مقتل والده، لكنها لم تجد أي وسيلة لذلك «قالوا لي، من دون أوراق تثبت هوية الزوج لا يمكن أن يتم ذلك، أنا فقط أريد عدم حرمانه من التعليم، وأن أجد ما أجيبه به حين يكبر ويسألني عن أبيه».

مثل أم عمر فشلت أم حسن في تسجيل ابنها، على رغم محاولاتها التي امتدت لأكثر من عام، تقول أم حسن: «حاولت أن أثبت نسب ابني قبل أن يبلغ سن التعليم الإلزامي، لكنهم في كل مرة كانوا يطلبون مني طلبات لا أستطيع تلبيتها، فهم يطلبون هوية رسمية تثبت الاسم الكامل للزوج أو محل إقامته، وأيضاً أن أقوم بالنشر في الجرائد».

أم حسن التي تعمل الآن في صنع الخبز للعائلات في منطقة سكنها لتأمين معيشتها بعد أن تخلى أقرباؤها عنها ولم يعترفوا بابنها، قالت وهي تحاول نقل كيس طحين إلى هيكل المنزل الذي تؤجره «سأصرف النظر عن تسجيل ابني، فالمجيء كل مرة إلى بعقوبة وإقناع الشهود بالحضور وتوكيل محام، خارج قدرتي، ولا جدوى إذا لم تغير الحكومة قوانينها».

المحامية سميرة المنصوري، تؤكد عدم وجود حل قانوني بغياب الزوج والأوراق الرسمية، مثل زواج أم حسن بـ (أبـــو قتيبة) الذي لا يُعرف اسمه الحقيقي «فالقانون وضع للحالات الطبيعية التي لم يتم فيها تسجيل عقد الزواج، أما في حالة هذه الزيجات التي يكون فيها الزوج غير معروف فيجب وضع استثناء لها من قبل الدولة».

تحرش واستغلال

وتنبه المنصوري إلى أنه «حتى مع توافر أوراق رسمية وشهود على الزواج، تواجه الكثير من النساء حالات ازعاج، بل وتحرش من قبل بعض الموظفين الذي يحاولون استغلال الوضع الاجتماعي لتلك الفئة بوجود نظرة دونية تجاههن». وهو ما تكشفه أم أزهار بقولها «تعرضت للتحرش من قبل أحد الموظفين الذين راجعتهم لإثبات زواجي ونسب ابنتي، هو كان يتصور أنني امرأة رخيصة، فتصديت له، لكنه قام بتعقيد الإجراءات وصار يطالبني بأشياء مستحيلة مثل عنوان سكن الزوج لتبليغه أو نسخة من هوية أخرى للزوج».

الوصمة الاجتماعية، والفقر والحرمان من الحقوق المدنية التي يواجهها أطفال مقاتلي تنظيم «القاعدة» وأمهاتهم، تجعلهم عرضة للاستغلال المجتمعي، ما يولد لديهم حالات تمرد وعداء للدولة، وفق ما يراه الباحث الاجتماعي محمد عبد الحسن «هؤلاء إن لم يجدوا الهوية التي ينتمون إليها والعائلة التي تعطيهم الرعاية، سيصبحون أناساً مغتربين، ومع حقيقة أن البعض ينظر إليهم اليوم كأطفال غير شرعيين، فسيشكلون فئة من المنبوذين اجتماعياً، ما يهدد بانخراطهم في المجموعات الإرهابية أو الإجرامية، وتحولهم من ضحايا إلى مجرمين».

تقول أم خالد، التي اختفى زوجها في 2009، إن ابنها (5 سنوات) تعرض للضرب من أطفال في المنطقة «شتموه وعيروه بأنه لقيط»، وتحولت مشاجرة الأطفال إلى مشكلة أكبر، «فعائلة أحد الأطفال الذين تعرضوا للضرب على يد ابني، قامت بشتمي ووصفي بالعاهرة، ولم أستطع الرد عليها، فأنا لا أملك أي شيء يثبت أنني كنت متزوجة، ولا أعرف عن زوجي غير أنه كان مغربياً واسمه أبو عبيدة».

المصير المجهول

وإلى حين إقناع البرلمانيين بإصدار قانون يعيد جزءاً من حقوق تلك الكائنات التي قدر لها أن تولد في ظروف الحرب والفقر والجهل، ستظل القضية في دائرة مجموعة من الاحتمالات المرعبة: هل سيتحول هؤلاء إلى وقود لصراعات أخرى بعد أن يشكلوا الجيل الثالث من مقاتلي تنظيم «القاعدة»؟ إم إنهم سيكونون مورداً غنيا لأفراد المجموعات الإجرامية؟ أم سيحملون أوزار آبائهم، ويدخلون رغماً عن إرادتهم حلقة الانتقامات والثارات العشائرية؟

ستظل عينا هدى، التي زار منزلها كاتب التحقيق بعد أربعة أشهر، معلقتين بصديقاتها، من دون أن تتجاوز بوابة المدرسة، ولا بوابة حياة أفضل، بينما تتساءل والدتها، وقد بدت أكثر شحوباً وأقل أملاً، مع التهاب حاد أصاب إحدى يديها، عن مصيرها وهي تقول «لا أعرف ما ينتظرنا، كل ليلة أتساءل عما سأفعله في الغد، ابنتي مجهولة النسب بلا حقوق ولا معيل، ووسط أناس يتطلعون بعيون جارحة، وهم على حق، فأنا أرملة رجل مجهول لا أعرف له هوية، ولا حتى قبراً»، قالت ذلك بينما كانت تغلق صندوقاً صغيراً تضع فيه كل ما تركه لها زوجها.

في انتظار الدولة

طالبت وزيرة المرأة العراقية ابتهال الزبيدي باحتضان أطفال مقاتلي «القاعدة»، وقالت: «التقينا بعدد من أعضاء مجالس المحافظات المعنيين بالموضوع وناشطين في المجتمع المدني، ونسقنا مع وزارة حقوق الإنسان، والموضوع خاضع للدراسة لاتخاذ الإجراءات المناسبة لحل المشكلة، فالأطفال بلا ذنب والأمهات ضحايا ظروف قاهرة، ويجب أن تتكفل الدولة بإصدار الأوراق الرسمية لهم ورعايتها».

ويرى عضو لجنة حقوق الإنسان البرلمانية وليد عبود، أن حل المشكلة يحتاج إلى «تشريع قانون خاص». والرأي ذاته صرحت به النائب عن محافظة ديالى ناهدة الدايني، مشددة على أن «المشكلة تتطلب حلاً جذرياً من الدولة، خوفاً من أن يشكل هؤلاء جيلاً جديداً من القاعدة في العراق، أو يكونوا ضحايا لانتقامات عشائرية ممن قتلوا على أيدي آبائهم من مقاتلي القاعدة». يقول محمد رشيد، وهو مؤسس برلمان الطفل في العراق، إن الموضوع «لا يحتمل التأجيل، والدولة ملزمة بإيجاد حل، فهذا واجبها بموجب اتفاقية الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة».

ويشدد رشيد على إصدار قانون خاص بهذه الحالات «بصرف النظر عن طبيعة الوالد سواء كان إرهابياً أو مجرماً، يجب تسجيلهم لدى الدولة ومنحهم كامل حقوقهم»، داعياً إلى «تبنٍّ جماعي» لهؤلاء الأطفال.لكن عملية التبني الجماعي والحل القانوني الذي يجب أن يسبقه، ما زالت بعيدة التحقيق، وهي تتطلب تشريعاً برلمانياً وقراراً حكومياً، وفق قاضي الأحوال الشخصية محمود محمد، الذي يؤكد أن القضاة ملزمون «بالنصوص القانونية في أي دعوى ينظرون فيها».

رفض للتجنيس

ومع أن تعاطف بعض النواب والمسؤولين مع هؤلاء الضحايا، لم يصل إلى مستوى التحرك لإصدار ذلك التشريع، فإنه يواجه في الوقت عينه برفض من نواب ومسؤولين آخرين، يرون أن منح أبناء قادة تنظيم القاعدة الحقوق المدنية، يعد ظلماً بحق من قتلوا على يد التنظيم. ويعلن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية حاكم الزاملي صراحة عن رفضه أي خطوة في ذلك الاتجاه، واصفاً ذلك بأنه «أمر غير مقبول لأن القاعدة تسببت بإراقة دماء آلاف العراقيين ولا يمكن منحها أي شرعية». ويؤيد نواب آخرون التوجه ذاته، مبينين أن الجنسية يجب أن تمنح فقط لأبناء غير المتورطين بسفك الدم العراقي.

لا حق في الجنسية

على رغم أن الدستور العراقي يعد واحداً من أكثر الدساتير تطوراً في المنطقة في ما يخص حقوق منح الجنسية حيث تمنح المادة 12 أبناء المرأة العراقية حق التجنس بصرف النظر عن جنسية آبائهم، إلا أن مشكلة شيماء وهدى ومحمد وعمر، تكمن في عدم وجود أوراق رسمية تحدد هويات آبائهم التي يمكن الاعتماد عليها في تثبيت النسب.

هوية الزوج شرط أساس

يقول الخبير القانوني طارق حرب، إن تسجيل الزواج وتثبيت نسب الأطفال ليس مستحيلاً، فعلى الزوجة رفع دعوى قضائية على زوجها المختفي أو المتوفي، وتثبت أن واقعة الزواج تمت خارج المحكمة وتقدم شهوداً مع أوراق رسمية تثبت هوية الزوج، لتقوم المحكمة بالتحقق وتثبيت الزواج رسمياً، وإذا كان هناك أطفال يتم استصدار قرار بإثبات نسبهم ويرسل نص القرار إلى مديرية الجنسية والأحوال الشخصية لتسجيلهم. لكن حرب يؤكد عدم إمكانية إثبات واقعة الزواج إذا كانت هوية الزوج غير معروفة حتى بوجود الشهود. حيث توجب المادة 46 من قانون المرافعات المدنية، أن تشتمل على عريضة الدعوى التي تقدمها الزوجة على اسم المدعى عليه وعنوانه ومهنته، فاسم الزوج يعتبر من البيانات الجوهرية ولا غنى عنه مطلقاً، ومن دونها تبطل عريضة الدعوى. هذا ما يؤكده أيضاً، القاضي عبدالستار البيرقدار، المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى، فيقول: «لا توجد مشكلة قانونية في حالات هؤلاء النسوة وأطفالهن إذا توافرت أوراق رسمية تثبت هوية الأب، فبمجرد إثبات واقعة الزواج يتم إثبات النسب».

لكن، يبدو أن الإجراءات المطلوبة لتثبيت الزواج والنسب مستحيلة التطبيق في معظم حالات أطفال المقاتلين العرب، فالزوج غائب والشهود تفرقوا ولا أوراق رسمية تثبت هوية الزوج وعنوانه حتى يتم من خلالها تبليغه بالحضور إلى المحكمة والإقرار بحصول الزواج من عدمه إذا كان حياً، ولا دليل على الوفاة إذا كان ميتاً.


* أنجزهذا التحقيق بدعم من شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية (نيريج)، وبإشراف سامان نوح
المصدر صحيفة الحياة السعودية

البحرانية
15-03-2013, 10:02 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
لاحول الله ولاقوه الا بالله العلي العظيم
تقرير موثق مؤلم انسانينا واخلاقيا في حق جيل لا ذنب له الا ان ابويه اجرموا في حقه
فعلا مشكله يراد لها حل جذري حتى لاتستفحل وتصبح وباء لايستطيع ان يستاصل
فحلها انسانيا واجتماعيا ودينيا مسؤلية الدوله العراقية
فبعد ان يكبر هذا الجيل وهو على هذا الحال لن يجد في طريقه الا طريق الشر بعكس لو ادمجوه ووثقوه
ووفروا له التعليم والصحة وابواب الرزق فاحتمال كبير يكون جيل صالح خير ويخدم البلد بدل تدميرها

هذا ما ماتجنية الحروب على الانسانية من ماسي يندر لها الجبين ,,

شكرا يا kumait
وسينقل الموضوع لقسم الامومة والطفوله

تحياتي

عاشق الأكرف
17-03-2013, 09:39 PM
تقرير فعلاً مؤلم

فئة من الناس مالها ذنب الاان ابوهم كانو ارهابيين وبمسمى الجهاد

الله يفرج عن الشعب العراقي عاجلاً غير آجل


بارك الله بيك اخي على النقل