مشاهدة النسخة كاملة : ماذا جاء في كتاب الرحلة العلاجية لسماحة السيد السيستاني دام ظله وأزمة النجف
alyatem
15-03-2013, 12:52 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآله الطاهرين
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11387&stc=1&d=1340966954
الرحلة العلاجية لسماحة السيد السيستاني دام ظله
وأزمة النجف عام 1425 هـ - 2004
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11388&stc=1&d=1341008347
حامد الخفاف
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11386&stc=1&d=1340966915
أحببت أن أنقل الكتاب تعميما للفائدة واسهاما بما ذكره الاستاذ الخفاف حول اصداره للكتاب
(بعضاً من الحيف والظلم الذي لحق بالمرجعية الدينية العليا).
نسأله تعالى التوفيق والسداد والحمد لله رب العالمين.
alyatem
15-03-2013, 12:53 PM
کتاب
الرحلة العلاجية لسماحة السيد السيستاني دام ظله
وأزمة النجف عام 1425 هـ - 2004
صدر هذا الکتاب عن دار المؤرخ العربي في بيروت وهو من إعداد الحاج حامد الخفاف، ممثل المرجع الأعلى آية الله العظمى علي السيستاني في لبنان.
يتحدث الكتاب عن الرحلة العلاجية لسماحته إلى لندن خلال عام 2004 والتي تزامنت مع أزمة النجف بين جيش المهدي من جهة وقوات الاحتلال الأميركي والحكومة العراقية من جهة أخرى، والتي أسفرت عن اشتباكات مسلحة في قلب المدينة وصلت إلى المدينة القديمة والحرم العلوي الشريف.
الكتاب هو حصيلة مدوّنات الحاج حامد الخفاف الذي رافق سماحة السيد السيستاني إلى لندن وبقي معه طيلة مدة علاجه في العاصمة البريطانية ثم عاد معه إلى النجف، وهو يعرض لحقيقة الدور الذي لعبه سماحته وهو على فراش المرض، من أجل إنهاء أزمة النجف. وعندما لم تفلح تلك الجهود، قرر سماحته العودة إلى النجف فور انتهاء العلاج، "وقاد مسيرة جماهيرية إنقاذية تاريخية، فاجأت الجميع وقلبت التوقعات وفرضت واقعاً جديداً، ومشروعاً ناحجاً للحل، لينتصر صوت الحكمة على أزيز الرصاص ودوي المدافع".
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11388&stc=1&d=1341008347
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11389&stc=1&d=1340967184
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11390&stc=1&d=1340967184
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11391&stc=1&d=1340967184
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11392&stc=1&d=1340967184
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11393&stc=1&d=1340967184
صورة نادرة لسماحة السيد السيستاني حين زيارته مرقد الامام علي عليه السلام
بعد عودته من رحلة العلاج بتاريخ 13 رجب 1425
ويظهر الى جانبه نجله السيد محمد رضا وخلفه الحاج حامد الخفاف
الرحلة العلاجية لسماحة السيد السيستاني دام ظله
وأزمة النجف عام 1425 هـ - 2004 م
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
لم يدر في خلدي يوماً أن تسوقني الأقدار، كي أرافق سماحة السيد السيستاني دام ظله الشريف في رحلة علاجية مثيرة من النجف الأشرف إلى لندن ذهاباً وإياباً، تمت في ظروف معقدة على المستويات السياسية والأمنية، وفي مرحلة خطيرة من تاريخ العراق الحديث.
كما لم أفكر، وأنا أدون يومياتي في تلك الأيام اللاهبة من صيف 2004م أنها ستتحول إلى كتاب يوثق مجريات تلك الفترة، ويشرح الظروف والأسباب التي وجهت حركة الأحداث، واتخاذ القرارات التي بدت للكثيرين غير مفهومة، ويجيب على تساؤلات وشبهات ظالمة طالت المرجعية الدينية العليا بسبب تزامن الرحلة مع انهيار أمني كبير في مدينة النجف الأشرف نشبت على إثره معارك عنيفة بين قوات الاحتلال الأمريكي، والحكومة العراقية من جهة، وجيش المهدي من جهة أخرى، بدأت في أطراف المدينة، ووصلت إلى المدينة القديمة حتى الحرم العلوي الشريف...
ولم يعرف كثيرون حجم الاتصالات والجهود التي بذلتها المرجعية وهي على فراش المرض والتي سيسردها هذا الكتاب من أجل إنهاء الأزمة، وعندما لم تفلح قررت العودة إلى النجف فور انتهاء العلاج، وهي تقود مسيرة جماهيرية إنقاذية تاريخية، فاجأت الجميع وقلبت التوقعات، وفرضت واقعاً جديداً، ومشروعاً ناجحاً للحل، لينتصر صوت الحكمة على أزيز الرصاص ودوي المدافع.
اتمنى أن تكون هذه المذكرات مفيدة لتسليط الضوء على مرحلة شابها الكثير من الغموض، ولترفع بعضاً من الحيف والظلم الذي لحق بالمرجعية الدينية العليا.
والله من وراء القصد.
حامد الخفاف
بيروت في 10 / 2 / 2012
alyatem
15-03-2013, 12:53 PM
الفصل الاول
رحلة سماحة السيد السيستاني (دام ظله)
الأسباب، الاستعدادات، السفر
قبل البدء
أُجري لسماحة السيد السيستاني تخطيط للقلب في يوم الجمعة المصادف 1 / 6 / 2001، وشخّص الطبيب الاختصاصي في النجف الأشرف أنّ هناك خللاً يستدعي إجراء عملية القسطرة لسماحته، وعلى الفور تمت مراجعة طبيبه الخاص الدكتور مجيد المصطفى في بغداد، وأوعز بإعادة التخطيط تحت الإجهاد والفحص بالإيكو، وتمّ نقل سماحته إلى بغداد في يوم الثلاثاء المصادف 5 / 6 / 2001، تحت مراقبة أجهزة المخابرات العراقية آنذاك وأجرت الدكتورة إيمان العبيدي الفحص بالإيكو، والدكتور نظام الحسني التخطيط تحت الإجهاد، وكانت النتائج مطَمْئنة حيث قرّر الطبيب المُعالج عدم الحاجة إلى عملية القسطرة في ذلك الوقت ووصف لسماحته عدداً من الأدوية (انظر الوثائق 1، 2).
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11398&stc=1&d=1340967917
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11399&stc=1&d=1340967917
alyatem
15-03-2013, 12:54 PM
اكتشاف المرض:
في يوم الجمعة المصادف 9 / 7 / 2004، الساعة الحادية عشرة ليلاً، رنَّ جرس هاتفي الجوّال، كان على الطرف الآخر السيد محمد رضا السيستاني نجل سماحة السيد السيستاني من النجف الأشرف، وقال: «هناك فحوصات دورية يجريها سماحة السيد كل ثلاثة أشهر تقريباً على يد طبيبه الخاص، الدكتور مجيد المصطفى، وفي تخطيط القلب الأخير، تبيّن أن هناك خللاً معيناً في شرايين القلب، بدا ذلك واضحاً للطبيب المشرف بعد مقارنة التخطيط الأخير بالتخطيط الذي أجري لقلب السيد قبل ثلاثة أشهر، وقد قام الدكتور مجيد باستشارة مجموعة من الأطباء الاختصاصيّين في بغداد فقالوا: «إن الموضوع بحاجة إلى عناية ودراسة»، وهو يقترح أن تُرسل أشرطة التخطيط مع تقرير طبي إلى خارج العراق لطلب الاستشارة لتقييم الحالة، إلى لندن مثلاً، فما هو رأيكم؟
قلت: «مع دعائي لسماحة السيد بالشفاء، فإن هذا الأمر ممكن، غير أنه يمكن عرض الموضوع على اختصاصيّين كبار في لبنان، والعمل بأكثر من اتجاه».
انتهت المكالمة، وراحت الأفكار تدور في رأسي، فسماحة السيد ليس مريضاً عادياً، كما أن الأوضاع التي تحيط به ليست طبيعية، فضلاً عن تدنّي مستوى الإمكانات الطبية هناك ويرافق ذلك تدهور الأوضاع الأمنية، وصعوبة تحرّكه شخصياً.
في يوم الأحد المصادف 11 / 7 / 2004، أخبرني السيد محمد رضا بأنه أرسل لي عبر البريد الإلكتروني أشرطة فحص القلب مع تقرير طبي لا يحمل اسم السيد الصريح (أنظر الوثيقة 3) واتّفقنا أن تبقى المسألة طيّ الكتمان. وأخبرته أنني سوف أُتابع المسألة صباح غد الاثنين وسأراجع اختصاصيّين في القلب من دون الكشف عن هوية المريض إن أمكن.
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11400&stc=1&d=1340967917
alyatem
15-03-2013, 12:54 PM
في يوم الاثنين المصادف 12 / 7 / 2004 الساعة التاسعة والنصف صباحاً استحصلت على موعد عاجل من الدكتور البروفسور رولان كساب رئيس قسم أمراض القلب في مستشفى (أُوتيل ديو) في بيروت وقدمت له أشرطة التخطيط مع التقرير الطبي وطلبت استشارته مكتوبة، فشرح لي الحالة وكان تشخيصه الأولي هو أن المريض بحاجة إلى عملية تمييل شرايين القلب قسطرة (انظر الوثيقة رقم 4).
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11401&stc=1&d=1340967917
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11402&stc=1&d=1340967917
alyatem
15-03-2013, 12:55 PM
في الساعة الثانية والنصف من ظهر اليوم نفسه استحصلت على موعد عاجل جداً من الدكتور سمير العلم في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت وهو من كبار الاختصاصيّين في أمراض القلب في الشرق الأوسط، وقدمت له الوثائق، فقال: لا أستطيع تقييم الحالة من دون معاينة المريض. فأجبته: «هذا غير ممكن لأن المريض لا يستطيع الانتقال»، قال: «من الصعب تشخيص الحالة من دون إجراء عملية تمييل أو فحوصات أساسية».
قلت: «هذا لا يتيسر لمريضنا بشكل طبيعي وعلى كل حال أرجو أن تزوّدونا برأيكم مكتوباً».
قال: «لا أستطيع أن أُزوّدك بأي نص مكتوب ما لم تكتمل عندي الفحوصات الكاملة». وأردف قائلاً: «أراك مقيداً في الحديث وكأن هناك شيئاً غير طبيعي».
حينها قررت إخبار الدكتور سمير بهوية المريض، قلت له: «هل يمكن أن يبقى ما سأخبرك إياه سراً، لا يمكن البوح به لأي جهة؟» قال: «هذه الغرفة الصغيرة تحتوي على أسرار طبية لكبار الشخصيات في منطقتنا ولك أن تطمئن». فعرّفتُه باسمي وصفتي، فتفاجأ وحرّك كرسيه إلى الأمام مركّزاً اهتمامه لي وقال: «الموضوع مهم ولا يمكن التعامل معه بهذه الطريقة». ثم أعاد قراءة التقارير ثانية وقال: «هل يمكن أن يقوم السيد بعمل فحص (اختبار جهد) في المكان الذي هو فيه، علماً أنّ هذا الجهاز موجود في المستشفيات العادية، حتى نستطيع أن نستوضح الصورة أكثر»، قلت: «لا أدري». عند ذلك زوّدني بتقرير مكتوب (انظر الوثيقة رقم 5) بيّن فيه رأيه في الحالة، وأبدى استعداده الكامل والمطلق في التعاون، وأعطاني أرقام هواتفه الخاصة والدولية ثمّ أكّد علَيَّ أن لا أتردد في الاتصال به في أي وقت وأن أضعه بأجواء تطور الحالة، فشكرته على ذلك.
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11403&stc=1&d=1340967917
alyatem
15-03-2013, 12:55 PM
بعد عودتي من المستشفى أرسلت كافة التقارير إلى السيد محمد رضا السيستاني، وتحدثت معه بحدود الساعة الخامسة مساءً فأكّد لي وصول الاستشارات الطبية وأنه أرسلها إلى الطبيب المختص لدراستها، أما بالنسبة لموضوع (اختبار الجهد) فإنّ هذا أمر يمكن ترتيبه من خلال توفير الجهاز الخاص والإتيان به إلى منزل سماحة السيد، وقد دُرست هذه المسألة قبلاً، غير أنّ الطبيب المختص لا يرى صوابية ذلك، لأنّ سماحة السيد سوف يبذل جهداً كبيراً في هذا الفحص، آخذين بعين الاعتبار عمر سماحة السيد، وقد تكون الحالة بسيطة فلا يؤثّر اختبار الجهد عليه، ولكن ربما تكون الحالة خطيرة ويستتبع اختبار الجهد مضاعفات لا يمكن التكهّن بها ولذلك فهو لا ينصح بإجراء اختبار الجهد بل يفضّل إجراء عملية القسطرة.
مرّت عشرة أيام لم ينقطع خلالها التواصل مع النجف بخصوص المسألة. وفي هذه الفترة طلبنا استشارة طبية من اختصاصيّين في لندن أهمهم البروفسور Dewson وكان رأيه أنّ أهم خطوة في الوقت الحاضر تكمن في إجراء الأنجيوغرافي (القسطرة) والتي على ضوئها يمكن التكهّن بنوع العارض بصورة دقيقة وعلى حدّ تعبيره أنها كالأشعة أو التصوير بالرنين المغناطيسي لمريض العظام، ومن ثم يمكن تشخيص طريقة العلاج.
وخلال هذه الفترة اتصل بي الدكتور سمير العلم من مصر حيث كان في زيارة إلى هناك يستعلم عن حالة السيد الصحية فأخبرته أن لا جديد يذكر، وأننا بانتظار استكمال الاستشارات الطبية لنكوِّن تصوّراً مبدئياً عن الخطوة التالية.
في يوم الجمعة المصادف 23 / 7 / 2004 قدِم وفد طبي عراقي من بغداد إلى النجف وكان مكوَّناً من أربعة اختصاصيّين بينهم الدكتور حكمت الشعرباف، اختصاصيّ القلب المعروف، يرافقهم الدكتور مجيد المصطفى، وزاروا سماحة السيد السيستاني وأجروا له فحوصات أولية، بينها تخطيط للقلب، ورأوا أنّ الحالة غير مستعجلة ويمكن أن تؤجَّل إلى أسبوعين وفي حدّ أقصى إلى ثلاثة أسابيع وبعدها لا يمكن التكهّن بتداعيات الحالة لأنهم لا يستطيعون تشخيص ذلك إلاّ من خلال عملية القسطرة، وعلى ضوئها يمكن تشخيص طبيعة العلاج، وهذا ما أجمعت عليه كافة الاستشارات الطبية التي أشرنا إليها.
مكان الاستشفاء:
وفي التاريخ نفسه، بدأ التفكير الجدّي بالمكان الذي يمكن أن يتطبّب فيه سماحة السيد. فالموضوع معقّد من كافة جوانبه، وتتداخل فيه الجوانب الأمنية والسياسية والاجتماعية والصحية، وكان الأقرب إلى قلب سماحة السيد أن تتم العملية في إحدى مستشفيات بغداد ولكن هذه الرغبة عورضت بإشكالين:
الأول: أن الإمكانات الطبية لإجراء عملية القسطرة متوفّرة ولكن هذه العملية هي ليست هدفاً بحدّ ذاتها وإنما هي وسيلة أساسية ومباشرة لتشخيص الحالة وقد تكون الحالة بسيطة ويمكن معالجتها، كذلك يمكن أن تكون معقدة وتحتاج إلى عملية جراحية، وفي الحالة الثانية الإمكانات الطبية غير متوفرة، ولا يمكن المجازفة بالوضع الصحي لسماحة السيد، فضلاً عن تدني مستوى الرعاية الطبية والخشية من التلوث لفقدان التقنيات اللازمة.
الثاني: إن الوضع الأمني في بغداد متدهور وبقاء سماحة السيد ولو لأيام معدودة في مكان ثابت قد يعرّض حياته الشريفة إلى خطر جدّي خصوصاً بعد أن شهدت بغداد عمليات تفجيرية وانتحارية كبيرة، ليس أقلّها تفجير مبنى الأمم المتّحدة.
وعلى ضوء ذلك، تمّ استبعاد خيار أن تكون بغداد محلاً لاستشفاء سماحة السيد، وطُرحت أفكار عديدة في أن يكون الاستشفاء في بعض دول الشرق الأوسط مثل: (الأردن، الكويت، الإمارات، لبنان، إيران) وفي الحقيقة تمّ التفكير مليّاً في كل هذه الدول، وكان لكل حالة أسباب مانعة قد تختلف عن الأخرى مع معرفتنا الأكيدة أن سماحة السيد سوف يكون محل ترحيب في كل هذه الأماكن.
ويمكن إجمال الأسباب المانعة بالآتي:
أولاً: إن سماحة السيد ليس مريضاً عادياً وبحكم دوره المهم ومواقفه الحاسمة في الوضع العراقي سوف يكون لسفره تداعيات سياسية، وفي بعض هذه البلدان لا نستطيع التحكم بمسألة أن تكون الرحلة طبية بحتة.
ثانياً: الضغط الاجتماعي والشعبي الكبير الذي سيتوافد على بعض هذه العواصم من قبل أطياف شيعية من كافة أنحاء العالم لسهولة الوصول إليها حيث يؤدي ذلك إلى حرج شديد لسماحة السيد خصوصاً وأن الاجتماع الشيعي العالمي موزَّع الاتجاهات والمشارب، ومن الطبيعي أن الزائر سوف يجمع بين عيادته لسماحة السيد وبين طرح الرؤى والأفكار والمشاكل، كلٌّ في منطقته وبلده، ولا يمكن تحديد الزيارات لأنّ ذلك يتعارض مع منهج المرجعية ومزاج سماحة السيد، كما أنها المرة الأولى التي يغادر فيها سماحة السيد العراق بعد عقود من الزمن، ولعلّها الفرصة الوحيدة لكثيرين ممَّن لا يستطيعون الذهاب إلى العراق للقاء سماحة السيد.
وكلّ ما ذكرته أمر طبيعي، وهو محل ترحيب عند سماحة السيد، ولكنني أشير إلى أنّ الوضع الصحي لسماحته لا يسمح بذلك وأنّه سوف يشكّل ضغطاً كبيراً عليه، وقد يؤثّر على حالته الصحية بشكل غير مباشر.
ثالثاً: إن الوضع الأمني في بعض هذه البلدان غير مضمون، ووجود الجماعات التكفيرية المتشددة ونشاطها المسلّح غير خافٍ على أحد، وقد قامت بأعمال انتحارية ضد أماكن حساسة. وعليه، فمن غير المعقول المجازفة بحياة سماحة السيد.
رابعاً: إن ذهاب سماحة السيد إلى بعض هذه البلدان للاستشفاء قد يكرّس مفهوماً خاطئاً طالما اتُّهِمَتْ به الطائفة الشيعية في العراق وهو تبعيّتها لبلد معيّن.
كل هذه الأمور إضافة إلى أمور أخرى لا حاجة إلى ذكرها هنا جعلت التفكير يتوجّه إلى خارج منطقة الشرق الأوسط وتحديداً إلى لندن....
لماذا لندن؟
لم تنقطع دوّامة التفكير لحظة واحدة، وبدأت الخيارات تنحسر... ومن عواصم أوروبا كان التوجّه المنطقي يؤدّي بنا إلى لندن.
والعنوان الذي صدّرتُ به هذا المقطع من كلامي استعرته من صحفي إيراني كتب مقالة عجيبة غريبة في إحدى الصحف الإيرانية إبّان وجودنا في لندن وكانت تحتوي على كلّ شيء إلاّ الحقيقة!!! وكان عنوانها: ( چـرا لندن).
ولعل من أهم أسباب اختيار لندن مكاناً لاستشفاء سماحة السيد هو:
أولاً: إن الفريق الطبي العراقي الذي زار سماحة السيد في يوم 23 / 7 / 2004 أجمع على ترجيح لندن محلاً للاستشفاء، ذلك لأن المدرسة الطبية العراقية تنتمي من الناحية العلمية إلى المدرسة البريطانية، حتى أنّ طبيب السيد الخاص هو خريج جامعات بريطانيا، وهذا الإجماع منشؤه اعتقاد هؤلاء الأطباء بالطب البريطاني وتقدّمه العلمي.
ثانياً: إن عدداً كبيراً من مراجع الدين والشخصيات العلمية كانوا يقصدون لندن على الدوام للأسباب الصحية، وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، رحلة المرجعين الكبيرين السيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي (قدس سرهما)، وآخر من قصدها هو المرجع الشيخ الميرزا جواد التبريزي (قده) والمرجع الشيخ محمد الفاضل اللنكراني (قده).
وفي هذا السياق كان من الطبيعي أن يعالج سماحة السيد السيستاني هناك.
ثالثاً: إن وجود الجالية العربية المسلمة بكثافة في لندن وخصوصاً الجالية العراقية، ووجود كوادر طبية مهمة هناك، شجّع على اختيار لندن. وهنا أشير إلى أنّ الفريق الطبي الذي أشرف على استشفاء سماحة السيد في لندن كان في أغلبه من العراقيين المخلصين لسماحته وأصدقائهم العرب، مما ساهم في تبديد الكثير من الهواجس التي كانت تشغل تفكيرنا بأن يتعرض سماحة السيد لاعتداء طبي في تلك الفترة!!
وأذكر هنا بإكبار وتقدير الدكتور هشام الحسن ورفيقه الدكتور محمود البربير وقبلهم وبعدهم الدكتور مجيد المصطفى وآخرين لم يتوانوا عن الإشراف على دقائق الأمور وتفاصيلها، فكانوا يدقّقون بوصفات الدواء وطبيعة الأدوية، وشاركوا في اتخاذ القرارات الحاسمة مع الأطباء البريطانيين بما يمليه واقع الحال.
وفي الحقيقة، فإنّ هذه الحالة لا يمكن أن تتيسّر في عاصمة غير لندن.
كيفية السفر:
وعلى هذا الأساس اتخذ سماحة السيد قرار الانتقال إلى لندن لغرض العلاج. وبدأنا التفكير في الصيغة المناسبة لتنفيذ الأمر بالشكل المناسب، فالمسألة كانت غاية في التعقيد، وكنّا نفكر في مكتب سماحة السيد في الجهة الرسمية التي نفاتحها لترتيب عملية الانتقال، وكيفيتها، وآلية أخذ تأشيرات الدخول إلى بريطانيا، أمن داخل العراق أم من خارجه؟ والجهة التي تتصدى لذلك، والطريق الذي نسلكه للوصول إلى لندن في ظل عدم وجود خط طيران مباشر من بغداد إلى لندن.
وبعد تأمُّل وتفكير تَقرَّر مفاتحة الدكتور موفق الربيعي بالموضوع بصفته مستشار الأمن الوطني في الحكومة العراقية، وبالفعل فقد اتصل به السيد محمد رضا السيستاني في يوم السبت 24 / 7 / 2004، وتبين أنه خارج العراق فترك له خبراً.
في الساعة العاشرة ليلاً اتصل الدكتور موفق بالسيد محمد رضا السيستاني، الذي وضعه بأجواء الوعكة الصحية المُلمّة بسماحة السيد والقرار المتّخذ بنقله إلى لندن، وذكّره بمسألتين:
الأولى: ضرورة الحفاظ على السرية الكاملة.
الثانية: إن سماحة السيد لا يرغب بالاستعانة بأية إمكانات تابعة لقوات الاحتلال في كل ما تستدعيه عملية الانتقال. كما لا يرغب بأي تدخل مادي من أي جهة رسمية أو غيرها. إنما المطلوب هو المساعدة بأخذ تأشيرات الدخول إلى بريطانيا، وعملية الانتقال.
وسأله عن إمكانية استئجار طائرة، وعن كيفية انتقال العراقيين من بغداد إلى لندن، فأجابه أنّ ذلك يتم عبر الخطوط الجوية الأردنية ثمّ طلب وقتاً ليستفسر ويجيب بشكل دقيق.
سأل الدكتور موفق الربيعي: هل تنوي إخبار أحد غيري من مسؤولي الدولة؟ فأجاب السيد محمد رضا: لا نرى ضرورة في ذلك.
فطلب الدكتور موفق مهلة يومين ليتشاور مع المسؤولين المعنيين، وأشار إلى إمكانية أخذ تأشيرات الدخول إلى بريطانيا من سفارتها في بغداد.
ومن تلك الليلة بدأ التفكير الجدي بالأسماء التي يفترض أن ترافق سماحة السيد في رحلته بعد إيعاز سماحته إلى ضرورة الاقتصار في الوفد على من هو ضروري، وتقرّر أن يكون من الداخل كل من السيد محمد رضا والدكتور مجيد المصطفى، وأحد العاملين في مكتب سماحة السيد وقد تمّ التراجع عن سفر الأخير في اللحظات الأخيرة بعد ما تأكد أنه لا ضرورة في سفره ومن الخارج السيد مرتضى الكشميري والسيد جواد الشهرستاني والسيد محمد علي الرباني مدير مكتب سماحة السيد في مدينة مشهد الرضا(ع) وأنا.
في يوم الأحد 25 / 7 / 2004 اتصلت بالدكتور سمير العلم وأخبرته بآخر المستجدات حول وضع سماحة السيد الطبي، وأبدى مرة أخرى استعداده المفتوح لتقديم المساعدة بأية صورة نراها مناسبة.
في صباح يوم الاثنين 26 / 7 / 2004، أخبرني السيد محمد رضا أنه تحدث في الليلة الماضية مع السيد مرتضى الكشميري، ووضعه بأجواء الوضع الصحي لسماحة السيد والتفكير بنقله إلى لندن.
ثم تحدثتُ مع السيد محمد رضا عن أفضل الطرق الممكنة للانتقال، وكان الاتفاق على أن الأفضل هو الانتقال المباشر من بغداد إلى لندن من دون المرور ترانزيت بأيٍّ من عواصم البلدان القريبة كعمّان والكويت وبيروت لوجود تعقيدات كثيرة على المستويات الأمنية والشعبية والرسمية عند المرور بها، ولكن إذا اضطررنا للانتقال عبر دولة قريبة فقد تقرّر أن يتم ذلك عبر لبنان، ووافق سماحة السيد على الاستعانة برئيس مجلس النواب اللبناني الأستاذ نبيه بري في هذا الموضوع.
وفي هذه الأثناء كان الدكتور موفق الربيعي قد اقترح أن يُنقل سماحة السيد بطائرة أردنية خاصة إلى عمّان ومنها إلى لندن، ولكن الاقتراح لم يحظ بالموافقة، إذ كان تركيز سماحة السيد أن تتمّ العملية بإمكانات ذاتية بحتة.
alyatem
15-03-2013, 12:56 PM
في الساعة الواحدة من ظهر يوم الثلاثاء 27 / 7 / 2004، زرت الرئيس نبيه بري في مقرّ المجلس النيابي اللبناني وأبلغته بتوعك سماحة السيد وأنه بحاجة إلى رعاية طبية خارج العراق، وأننا بصدد دراسة الطرق والآليات المناسبة لنقل سماحته إلى لندن، وأن الموضوع يُفترض أن يتم بسرية تامة قدر الإمكان. بدت علامات الاستغراب والمفاجأة على الرئيس بري وأيّد توجّهنا بضرورة أن يحظى سماحة السيد بالرعاية الصحية المطلوبة في الخارج، واقترح أن تُستأجر طائرة من شركة الخطوط الجوية اللبنانية MEA )، وأوعز إلى مدير شؤون رئاسة المجلس النيابي السيد علي حمد بأن يسأل عن إمكانية استئجار طائرة من الخطوط المذكورة، تقلع من بيروت إلى بغداد ومن ثم تنطلق إلى لندن لنقل (عائلة عراقية) من دون أن يوضح له أي شيء آخر، وطلب منه أن يسأل عن:
أولاً : الإمكانية التقنية لنزول الطائرة في مطار بغداد، وإقلاعها ثانية؟
وثانياً: التكلفة المالية للرحلة؟
قال الرئيس بري: هناك طائرة تابعة لشركة خاصة، وأنا سافرت بها عدة مرات، ويمكن استئجارها، ولكنني أفضّل طيران الخطوط الجوية اللبنانية لأن طائراتها حديثة وإمكانياتها متطورة.
في الساعة الرابعة من عصر اليوم نفسه اتصلت بالسيد محمد رضا وأخبرته بمقترح الرئيس بري وأجواء اللقاء. وسألته: هل تحبذون مجيئي إلى العراق الآن أم أرسل لكم جواز سفري لأخذ تأشيرة الدخول البريطانية؟ فقال: الأفضل أن تكون الآن في بيروت، وأن ترسل جواز سفرك. وبالفعل، أرسلت جواز سفري بيد مسافر انطلق في اليوم نفسه من بيروت إلى النجف.
حتى هذه الفترة كان سماحة السيد السيستاني يستقبل زواره بشكل طبيعي، ثم أوعز سماحته بإغلاق باب الزيارات كخطوة أولى، ليبدأ بعدها بأيام تسريب خبر مرض سماحته تمهيداً لنقله للعلاج حتى لا يفاجأ المؤمنون.
في الساعة الثانية عشرة والنصف من ظهر يوم الأربعاء 28 / 7 / 2004 اتصل الرئيس بري وقال لي: بعد التحقق، تبيّن أن إرسال طائرة لتنقل سماحة السيد بشكل مباشر من بغداد إلى لندن أمر غير ممكن لأن شركة التأمين تقدّمت بمطالب تعجيزية غير أنّ رئيس شركة الميدل ايست يقول بإمكانية إرسال طائرة خاصة تنقل سماحة السيد من بغداد إلى بيروت، ومن ثم ينتقل إلى طائرة عادية أخرى تابعة للخطوط الجوية اللبنانية لتنقله إلى لندن. قلت: أعتقد أن هذا الخيار جيد جداً وهو أقرب إلى مزاج سماحة السيد لأن الانتقال سيكون عبر طائرة في رحلة عادية بمعنى أنه لن تكون هناك طائرة خاصة.
اتصلت بالسيد محمد رضا وأخبرته بالاقتراح الجديد فاستحصل موافقة سماحة السيد على ذلك، ثم سأل ما هي آلية العمل الآن؟ قلت: أخبروا الدكتور موفق الربيعي بأننا اعتمدنا الطريق المذكور وسوف أبلغكم بكافة التفاصيل فيما بعد.
في هذه الأثناء كان السيد جواد الشهرستاني قد استحصل على تأشيرة الدخول البريطانية له وللسيد الرباني من القنصلية البريطانية في طهران.
عند الساعة الثالثة والنصف عصراً اتصل السيد محمد رضا وقال: تكلمت مع الدكتور موفق الربيعي وأخبرته بالطريق الذي اعتمدناه تقريباً لسفر سماحة السيد وطلبت منه ترتيب شؤون هبوط وإقلاع الطائرة التي سوف تأتي من بيروت، وأوعدني بأنه سيبحث المسألة ويعطي الجواب.
اتصل السيد محمد رضا في حدود الساعة السابعة مساءً وأخبرني باتصال الدكتور الربيعي به وإبلاغه أنه تمّ تشكيل غرفة عمليات مختصّة، وهي في حالة الإنذار القصوى استعداداً لعملية النقل، والشخص المسؤول عن العملية هو (حسين الأسدي) وأرقام هواتفه هي...... وذكر أربعة أرقام ورمز العملية في التخاطب ما بين بيروت وبغداد هو (عملية نقل العائلة)، ويمكن لشركة الطيران التواصل مع هذا الشخص للتنسيق.
اقترحت على السيد محمد رضا أن يحدّد موعدٌ لسفر سماحة السيد ونعمل على استكمال كافة المستلزمات لإنجاز المهمة في ذلك التاريخ، فوافق سماحة السيد على أن يكون السفر يوم الجمعة المصادف 6 / 8 / 2004، وقد اقترحت عليه أن يكون باستقبال سماحة السيد في مطار بيروت مجموعة مختارة من الشخصيات اللبنانية، منها: الرئيس نبيه بري، السيد حسن نصرالله، الشيخ عبد الأمير قبلان، والرئيس حسين الحسيني، وبعض من خواص وكلاء سماحة السيد في لبنان بشكل خاص وسري. وأخبرته بأنّ السيد جواد الشهرستاني يؤيد هذا المقترح، فأوعدني أنه سيعرض الموضوع على سماحة السيد ويعطيني الجواب. ثم اتصل بي وقال: إن سماحة السيد لم يوافقوا على المقترح لعدة أسباب أهمها أنه لا يمكن ضمان عدم انتشار خبر الرحلة قبل إتمامها لو أُخبر بها كل هؤلاء.
بعد انتهاء المكالمة اتصلت بالرئيس بري وأخبرته بأننا اعتمدنا الآلية التي ذكرتُها ولدَيَّ كلام خاص ولا بدّ أن أراه غداً. قال: غداً الخميس، وقتي ضيق جداً لأنني مرتبط بالتزامات عقد قران ابنتي في الصباح والمساء، ولكن هل تستطيع أن تأتي الآن؟ قلت: لا، لأنني خارج بيروت، قال: إذاً أنتظرك غداً الساعة الواحدة.
في الساعة الواحدة من يوم الخميس 29 / 7 / 2004، التقيت الرئيس بري في منزله في عين التينة، وأخبرته بالمعطيات الموجودة لديّ عن الرحلة، وأننا حدّدنا موعداً مبدئياً لها. ولكن لم يتقرّر بعدُ هل ينتقل سماحة السيد عبر الخطوط الجوية اللبنانية من بيروت إلى لندن، أو عبر الخطوط الجوية البريطانية، فذكر الرئيس بري أن الأنسب هو الخيار الأول، لأنه لو حدثت إشكالات في مطار بغداد حالت دون إقلاع الطائرة في الوقت المناسب، حينها يمكن تأخير الطائرة اللبنانية بشكل أو بآخر، في حين أن هذه الإمكانية مفقودة في حالة الخطوط الجوية البريطانية، وكان الفارق الزمني الذي حدّدناه بين وصول الطائرة من بغداد إلى بيروت وبين إقلاع الطائرة المتجهة من بيروت إلى لندن بمقدار خمسٍ وأربعين دقيقة وهو وقت ضيق نسبياً.
وافقت على مقترح الرئيس بري فاستدعى علي حمد وطلب منه الاتصال بالسيد محمد الحوت رئيس شركة طيران الشرق الأوسط اللبناني لحجز مقاعد لأربعة مسافرين وتنسيق المسألة معه على أساس أن هذا الموضوع يخصّ (عائلة) يهتم بأمرها الرئيس بري من دون إعطاء تفصيلات ولا أسماء، وأنه سيكون شخصياً بالمطار ليقوم بنقل (العائلة) من الطائرة القادمة من بغداد إلى الطائرة المتجهة إلى لندن، وسيقوم بمتابعة كافة إجراءات الأمن العام في المطار.
قلت لعلي حمد: المهم حسم موضوع الطائرة التي ستنقل (العائلة) من بغداد إلى بيروت. واتفقت معه على أن يتابع الموضوع مع محمد الحوت ويعطيني الجواب.
خرج علي حمد، فقلت للرئيس بري: إن الاتفاق مع مكتب سماحة السيد أن يبقى موضوع الرحلة سرياً وأنهم لا يريدون أي استقبال في المطار لأسباب عديدة. قال: هذا صحيح، ولولا ضرورة أن أكون أنا شخصياً كي تتمّ العملية على أكمل وجه من دون أية إشكالات ما كنت لأحضر.
بعد ساعتين اتصل بي السيد علي حمد وقال: التقيت السيد محمد الحوت وتداولت معه بموضوع الطائرة التي يمكن أن تنقل (العائلة) من بغداد إلى بيروت وتبين أنه لا توجد إمكانية عند طيران الشرق الأوسط اللبناني لإرسال هكذا طائرة وهو يفضّل أن نستفيد من طائرة تجارية صغيرة تابعة لشركة (بساط الريح) اللبنانية وصاحبها السيد مازن البساط، والسبب أن هذه الطائرة تذهب إلى بغداد مرتين في الأسبوع وإدارة الشركة لديها إلمام جيد في قوانين الهبوط والإقلاع في مطار بغداد، وهي الطائرة الوحيدة التي تتردّد بين بيروت وبغداد.
قلت: أنا أعرف هذه الطائرة، ولكنّنا كنّا نفضّل طائرة أكثر متانة، وبناءً على اقتراحكم بإمكانية توفُّر ذلك في شركة طيران الشرق الأوسط وإلا فلا مانع لدينا من الاستفادة من طائرة شركة بساط الريح كونها الخيار الأخير المتوفّر.
قال: بالنسبة للطائرة المتجهة من بيروت إلى لندن فقد حجزنا المقاعد المطلوبة، وتم الحجز من دون إعطاء أسماء على يوم الجمعة المصادف 6 / 8 / 2004، الإقلاع الساعة العاشرة وخمساً وخمسين دقيقة صباحاً.
قلت: يجب أن ندرس الوقت المستغرق للطيران ما بين بغداد وبيروت، ممّا يتطلّب مراجعة الأمر مع صاحب شركة بساط الريح السيد مازن البساط، كما يستدعي تثبيت الحجز على التاريخ نفسه.
بعد ساعة اتصل بي علي حمد وكان متواجداً في شركة بساط الريح وقال: اتفقت مع الشركة على كل شيء، فقد حجزت الطائرة يوم الجمعة المقبل، وتستغرق الرحلة ساعتين ونصف، إلاّ أنّ القوانين المُتّبعة في مطار بغداد لا تجيز نزول الطائرات في المطار قبل الساعة الثامنة صباحاً، كما لا يوجد موظّفون في الجمارك ولا رجال أمن في المطار قبل هذا التوقيت. قلت: وما علاقتي برجال الجمارك والأمن كوني لا أريد النزول داخل المطار؟ قال: لا يمكن البقاء داخل الطائرة وهي متوقفة على أرض المطار لساعة كاملة لأنك وطاقم الطائرة سوف (تُطبخون) من الحرارة، كما أنّ الطيّار يحتاج إلى أن ينزل في المطار قبل نصف ساعة من توقيت فتح المطار التقليدي، فهل تُعطى له إجازة بذلك؟ قلت: سأزوِّدك بطريقة التواصل مع المطار كما أنّه هناك شخص مسؤول عن العملية يمكن أن تُرتّب كل الأمور معه، وسألتقيك غداً لأسلّمكَ المعلومات كافة.
ليلاً اتصلت بالسيد محمد رضا وأخبرته بما جرى وبأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح وزوّدتُه بالمعلومات عن الطائرة التابعة لشركة بساط الريح على أن ينقل هذه المعلومات للدكتور موفق الربيعي.
الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الخميس 30 / 7 / 2004 زرت السيد علي حمد في منزله قرب تلفزيون المستقبل في بناية سويس فأبلغني أن صاحب شركة بساط الريح يقول بإمكانية إقلاع الطائرة من بيروت الساعة الخامسة صباحاً على أن تصل إلى مطار بغداد الساعة الثامنة بتوقيت بغداد ثم تقلع من بغداد الساعة الثامنة والنصف لتصل الساعة التاسعة وخمساً وأربعين دقيقة بتوقيت بيروت، مع حساب فارق الوقت بين العاصمتين علماً أنّ موعد إقلاع طائرة الميدل ايست إلى لندن هو الساعة العاشرة وخمسٌ وخمسون دقيقة، وبذلك يتحقق الغرض. والمطلوب منكم هو أخذ الإذن بالهبوط في مطار بغداد بحدود الساعة السابعة والنصف إلى الثامنة والنصف صباحاً.
قلت: سنقوم بذلك إن شاء الله. واتفقنا أن لا نعطي صاحب شركة بساط الريح رمز التخاطب لأنه كان قد أُخبر من قبل (علي حمد) بأنّ هناك وفداً نيابياً مصغّراً يريد أن يأتي من بغداد إلى بيروت فلا ضرورة لإثارة أيّة شكوك.
اتصلتُ بالسيد محمد رضا وأخبرته بالمطلوب ليعالج الموضوع مع الدكتور موفق الربيعي ويعطينا الجواب.
إشكال مع السفارة البريطانية في بغداد:
الساعة الرابعة مساءً من اليوم نفسه اتصل السيد محمد رضا وبدا مستاءً ومنزعجاً فقد نشأت مشكلة تتعلق بالحصول على تأشيرات الدخول البريطانية، لأن البريطانيين طلبوا التوقيع على استمارات طلب التأشيرة من الأشخاص المعنيين، وكان مكتب سماحة السيد قد أرسل جوازات السفر الأربعة إلى الدكتور موفق الربيعي لمتابعة موضوع التأشيرة مع السفارة البريطانية في بغداد.
جواب مكتب سماحة السيد كان صارماً: إمّا أن تعطى تأشيرات الدخول من دون أيّة إجراءات أو أن تُسحب الجوازات فوراً. اقترح موفق الربيعي أن يُستثنى سماحة السيد والسيد محمد رضا من التوقيع على طلب التأشيرة، وأن يوقّع هو بدلاً عني كوني خارج العراق، أمّا الشخص الرابع وهو الدكتور مجيد المصطفى الموجود في بغداد فيأتي ويوقّع الطلب. ولكن الرأي النهائي كان: إمّا أن تُمنح التأشيرات للجوازات الأربعة مجتمعة من دون أية طلبات وإلاّ فالرجاء سحبها وإرجاعها إلينا...
في الساعة الحادية عشرة ليلاً اتصل الدكتور الربيعي وأبلغ السيد محمد رضا أنّ الجوازات سوف ترجع مع تأشيرات الدخول ولا توجد أية مشكلة.
في يوم السبت 31 / 7 / 2004، أبْلَغْنا الدكتور موفق الربيعي بأن شركة بساط الريح سوف تُرسل طلباً للهبوط في مطار بغداد في الوقت المحدّد وننتظر أن تصلهم موافقة رسمية من الجهات المعنية.
في يوم الأحد 1 / 8 / 2004 الساعة الحادية عشرة أبلغني السيد محمد رضا أن مطار بغداد لم يتلقَّ إلى الآن أية رسالة من شركة بساط الريح. وأجبته لعل هذا صحيح لأننا أخبرنا الشركة ظهر السبت، ويوم الأحد هو يوم عطلة رسمية في لبنان، وأعتقد أن إجراءات التخاطب سوف تبدأ من الغد.
سماحة السيد يرفض الانتقال بطيران تابع لقوات الاحتلال:
في الساعة الرابعة عصراً أخبرني السيد محمد رضا بأنّ ثمّة مشكلة رئيسة تتعلق بالكيفية التي ينتقل بها سماحة السيد من النجف إلى بغداد، فالدكتور موفق الربيعي يقول: نحن لا نستطيع أن نؤمِّن الطريق البري إلى مطار بغداد خصوصاً وأنّ سماحة السيد وضع قيوداً شديدة على حركة موكبه فهو لم يقبل أن ترافقه أيّة آليات تابعة لقوات الاحتلال، ويقترح الربيعي أن يتم النقل عبر طائرة هليكوبتر. سماحة السيد رفض هذا العرض لأنّ الطيران المتوفّر تابع لقوات الاحتلال، فاقترح الدكتور موفق أن يتمّ رفع علم الدولة المحتلة عن طائرة الهليكوبتر، ولكن سماحة السيد رفض ذلك أيضاً.
المشكلة كانت كبيرة لأنّ منطقة اليوسفية واللطيفية جنوبي بغداد كانتا تشهدان توتراً كبيراً وعنفاً طائفياً لافتاً، ومن غير المنطقي المجازفة بحياة سماحة السيد، لذا تَقرّر أن نتحمل نحن وبإمكاناتنا الذاتية نقل سماحة السيد إلى بغداد، وتكون مهمة الدكتور موفق الربيعي والجهة الرسمية تأمين الوصول إلى المطار والإقلاع بالطائرة. وعلى هذا الأساس تمّ إبلاغ الدكتور موفق الربيعي الساعة التاسعة والنصف ليلاً بأننا لن نستخدم الطيران المروحي للوصول إلى بغداد وإنّما سنعتمد على طرقنا الخاصة.
في هذه الأثناء كنت أمارس نشاطي المعتاد في بيروت بشكل عادي، كما أن مكتب سماحة السيد السيستاني في النجف كان يمارس نشاطه المعتاد من دون أية إثارة.
ففي يوم الإثنين المصادف 2 / 8 / 2004 أصدر مكتب سماحة السيد السيستاني في النجف الأشرف بياناً أدان فيه الاعتداءات على الكنائس في بغداد والموصل وقمنا بتوزيعه على الصحافة العالمية (انظر الوثيقة رقم 6)، كما أدليتُ بتصريح لإذاعة لندن حول الموضوع.
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11423&stc=1&d=1340988585
في مسلسل الأعمال الإجرامية التي يشهدها العراق العزيز وتستهدف وحدته واستقراره واستقلاله تعرّض عدد من الكنائس المسيحية في بغداد والموصل إلى اعتداءات آثمة أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا الأبرياء بين قتيل وجريح كما تضرر من جرائها الكثير من الممتلكات العامة والخاصة وإننا إذ نشجب وندين هذه الجرائم الفظيعة ونرى ضرورة تضافر الجهود وتعاون الجميع - حكومة وشعباً - في سبيل وضع حدّ للاعتداء على العراقيين وقطع دابر المعتدين نؤكّد على وجوب احترام حقوق المواطنين المسيحيين وغيرهم من الاقليات الدينية ومنها حقهم في العيش في وطنهم العراق في أمن وسلام نسأل الله العلي القدير ان يجنّب العراقيين جميعاً كل سوء ومكروه وينعم على هذا البلد العزيز بالأمن والاستقرار انه سميع مجيب
۱٥ / ج۲ / ۱٤۲٥
۲ / ۸ / ۲٠٠٤
ختم مكتب السيد السيستاني دام ظله / النجف الأشرف
alyatem
15-03-2013, 12:56 PM
في الساعة السادسة والنصف من مساء اليوم نفسه اتصل السيد محمد رضا وقال: حدثتْ مواجهات مسلّحة بين قوات الحرس الوطني وجيش المهدي بالقرب من منزل السيد مقتدى الصدر في حدود حي الزهراء والمواجهات مستمرة، والوضع متوتّر وإذا تفاعلت المسألة يمكن أن نلغي كل العملية، نأمل أن تكون المسألة عابرة كسابقاتها.
في الساعة الثامنة مساءً قررت الاتصال بالسيد حسين الأسدي الشخص المعيَّن لرعاية (عملية نقل العائلة) لأنني لا أريد أن أُعطي هذه المعلومات إلى صاحب شركة بساط الريح فكان لزاماً أن أحصل على بريده الإلكتروني لأعطيه إلى صاحب الشركة وأوضح له أن الشركة المعنيّة لا تعرف تفاصيل الموضوع. وبالفعل اتصلتُ بحسين الأسدي وعرّفتُ عن نفسي باسم مستعار هو (فائز شاكر) وأخذتُ بريده الإلكتروني وقلت له: ستخاطبكم شركة بساط الريح عليه وتطلب منكم الإذن بالهبوط في ساعة محدّدة من صباح يوم الجمعة والمطلوب هو إعطاؤهم الموافقة، فأبدى استعداده التام لذلك.
في يوم الثلاثاء 3 / 8 / 2004، وصل السيد جواد الشهرستاني ومعه السيد محمد علي الرباني إلى لندن، وعَنْوَن السيد جواد سفره إلى لندن بإجراء فحوصات طبية لأنّه مصاب بمرض السكري وبشكل متقدّم. وكان الاتفاق أن يقوم السيد جواد الشهرستاني والسيد مرتضى الكشميري بتهيئة مستلزمات الدخول إلى المستشفى والمنزل الذي سيقيم فيه سماحة السيد والوفد المرافق.
صباحاً، اتصلت بالدكتور موفق الربيعي وأبلغته أن سماحة السيد السيستاني لا يرغب بإجراء أية لقاءات بالمسؤولين في لندن كما لا يرغب بأي تواجد لرجال الأمن البريطاني في محل إقامته، وطلبت منه إبلاغ هذه المعلومات للبريطانيين.
فكان ردّه أن الطلب الأول منطقي وسوف يبلغهم، ولكن الطلب الثاني يتناقض مع مسؤوليتهم في حفظ أمن سماحة السيد. فأجبته: «بإمكانهم تأمين المراقبة الأمنية خارج محيط المنزل الذي سيقيم فيه سماحة السيد». فطلب عندئذ عنوان المنزل والمستشفى، فأوعدته بأنني سأزوده بالعناوين خلال اليومين المقبلين.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وكما رغب سماحة السيد لم يتم أيّ لقاء لسماحته أو لأيّ من مرافقيه مع أيّ مسؤول بريطاني في أيّ مستوى، خلافاً لبعض الشائعات التي يتداولها بعض المغرضين.
في الساعة الثانية عشرة ظهراً اتصلتُ بحسين الأسدي مستفسراً عن وصول الرسالة من شركة بساط الريح فأجابني بالإيجاب وأنهم سيردون عليها.
في الساعة الثامنة مساءً أخبرني الأسدي بأنه تمّت الموافقة على هبوط طائرة شركة بساط الريح من الساعة السابعة فما بعد من صباح يوم الجمعة المقبل، وبالفعل بعد مضي ربع ساعة اتصل بي علي حمد ليؤكّد وصول الإذن بالهبوط بالتاريخ المحدّد إلى الشركة المذكورة وأن كل شيء يسير وفق الخطة المرسومة وأشار إلى حاجته إلى أسماء المسافرين خصوصاً بالنسبة إلى شركة الميدل ايست اللبنانية، فأجّلتُ الموضوع إلى ما بعد.
في الساعة الثامنة والنصف اتصلت بالسيد محمد رضا وأخبرته بما جرى من الصباح حتى المساء، وقرأت له نصاً مقترحاً كنت قد أعددتُه لتسريب خبر توعّك سماحة السيد على أن يُنشر يوم الخميس المقبل أي قبل الرحلة بيوم واحد وأبديتُ له هواجسي وخشيتي بأن يُخترق الكتمان المطلوب.
السرية الكاملة... لماذا؟
لعل القارئ الكريم يلاحظ أننا ركّزنا على السريّة المطلقة في كل تفاصيل التخطيط للرحلة، والسبب في ذلك، أن الهاجس الأمني كان يحيط بتفكيرنا من كل الاتجاهات. فالمعلومات السابقة التي كانت تصلنا باستمرار بأنّ حياة سماحة السيد في خطر، وهو مستهدف بشكل دائم، حتّمتْ علينا هذا النوع من التصرف. والطريق من النجف إلى بغداد غير آمن وأيّ تسريب للخبر يجعل الوصول إلى بغداد صعباً للغاية والطريق إلى المطار بحد ذاته محفوف بالمخاطر، ولو أُعلن عن الرحلة قبل موعد السفر فإنّ مطار بغداد قد يتعرّض للقصف من قبل الجماعات الإرهابية لأنّه أصلاً في منطقة غير آمنة. وكان هاجسنا الوحيد أن يصل سماحة السيد بسلام إلى مقصده، وهذا الأمر مُقدَّم على كل الاعتبارات.
هذا هو أحد الأسباب الرئيسة التي جعلتنا لا نفكر بأي استقبال شعبي أو رسمي في مطار بيروت حتى بصورة محدودة، لأن إخبار الفعاليات الدينية والرسمية والشعبية اللبنانية يُفترض أن يتم قبل يومين على أقل تقدير، وبذلك سوف يُعرف أنّ سماحة السيد متوجّه إلى بيروت عبر مطار بغداد، ونكون هنا قد وقعنا في المحظور. والأصوات التي تحدّثت عن الاستقبال الذي حصل للسيد الخوئي (قدس) في مطار بيروت، وقارنوه بالعبور السرّي لسماحة السيد السيستاني لم تكن منصفة وجانبت الموضوعية. فالظروف مختلفة كلياً، والاعتبارات التي حكمتْ تصرّفنا مغايرة عن تلك التي مرّ بها السيد الخوئي (قدس).
متابعة الإعداد للسفرة
في الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح يوم الأربعاء 4 / 8 / 2004، التقيت السيد علي حمد ووضعنا اللّمسات الأخيرة، وتأكّدتُ من موعد إقلاع الرحلة المتّجهة إلى لندن الساعة العاشرة وخمساً وخمسين دقيقة من صباح يوم الجمعة، ووصولها في الساعة الثانية ظهراً بتوقيت لندن، وكان رقم الرحلة 215. كما دفعت له مبلغ إثني عشر ألف دولار أمريكي هو أجرة طائرة (بساط الريح)، ذهاباً وإياباً، بيروت بغداد بيروت.
في الساعة الثانية عشرة ظهراً التقيت الرئيس نبيه بري وتداولنا بآخر ما توصلنا إليه، وأخبرني بأنه سيكون في مطار بيروت الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الجمعة، ليطمئنَّ على الترتيبات كافة الخاصة بقاعة الشرف، وانتقال سماحة السيد إلى طائرة الميدل ايست المتجهة إلى لندن.
في الساعة الثانية ظهراً اتصلت بالسيد محمد رضا السيستاني وأخبرته بأن الأمور تسير بشكل طبيعي واتّفقنا أن يُسرّب خبر الوعكة الصحية بتصريح منّي بعد ظهر غدٍ الخميس، خصوصاً وأنهم سيغادرون النجف ظهر الخميس ليبيتوا ليلتهم في بغداد وينطلقوا صباح الجمعة إلى المطار. وأبديتُ قلقي بالنسبة للوضع الأمني في الطريق إلى بغداد، فأخبرني بأنّ ثمّة إجراءات ذاتية مُتّخذة وأنهم قد يسلكون طريقاً غير الطريق المعتاد، هو أطول مسافة ولكنه أكثر أمناً.
الساعة الثالثة عصراً اتصلتُ بالسيد جواد الشهرستاني في لندن فأخبرني بمساعيه ومساعي السيد مرتضى الكشميري لتأمين المنزل المناسب، بعد أن تمّ الاتفاق على أن تُستأجر شقة يقيم فيها سماحة السيد، مقابل مُقترحات كانت قد رُفضت من قبل سماحته كأن يقيم في منازل بعض الوجهاء من المؤمنين، أو في بعض المراكز الإسلامية.
في الساعة الخامسة والنصف عصراً اتصلت بالدكتور موفق الربيعي وأكّدتُ عليه مواعيد الهبوط والإقلاع وضرورة ترتيب شؤون الدخول إلى مطار بغداد، وحدّثني بما أعرفه من أن السيد محمد رضا تكفَّل بنقل سماحة السيد من النجف إلى بغداد بإمكاناتهم الخاصة وعندما يصلون إلى بغداد سيرافقهم إلى المطار.
ليلاً، اتصلت بالسيد محمد رضا فأخبرني بأنه أخبر مراجع الدين في النجف حفظهم الله بموضوع سفر سماحة السيد.
خروج سماحة السيد من النجف:
في الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الخميس 5 / 8 / 2004، اتصل السيد محمد رضا وقال: على حين غَرَّة، اشتعلت المعارك منذ فجر اليوم بين جيش المهدي وبين القوات الأميركية، الوضع سيء، ولا أدري إلى أين يتجه، يمكن أن نلغي العملية كلّها.
اتصل بي الساعة الثانية عشرة ظهراً وقال: الوضع يسوء أكثر، مدينة النجف أصبحت مدينة أشباح، سوف نفعل المستحيل من أجل أن ننقل سماحة السيد، ولكن احتمال إلغاء الرحلة أصبح أكثر جدية، لأن الوضع الأمني لا يسمح بالتحرك الطبيعي.
أكّدتُ على السيد محمد رضا أن يحاولوا بشتى الطرق الانتقال بسماحة السيد، وأن تتم الرحلة حسب مواعيدها، لأن خياراتنا محدودة. فسماحة السيد دخل الفترة الحرجة التي حدّدها الأطباء لضرورة إجراء عملية القسطرة، والمعارك يُمكن أن تتوقف ويمكن أن تستمر، وإن كان أغلب الظن أنها ستتوقف ولكن إذا استمرّت قد لا يتيسر آنذاك إخراج سماحة السيد، ولا يقبل عاقل أن نجلس مكتوفي الأيدي بينما قد يتعرّض سماحة السيد لنكسة قلبية في أيّ وقت، كما قال الأطباء. وإذا انتكس سماحة السيد ماذا نفعل؟ أين يمكن أن يُنقل في مثل هذه الظروف؟؟ ثم إن ترتيب الإجراءات ومواعيد الرحلات وبالشروط التي قَيّدَنا بها سماحة السيد، ليس أمراً يُمكن القيام به بعد يوم أو يومين!!
الساعة الواحدة ظهراً التقيت الرئيس بري، وأخبرتُه بالعوائق الحاصلة وإمكانية إلغاء العملية كلّها، واتفقنا على أن نستمرّ بالأمر من جهتنا. أذهب أنا بالطائرة وننتظر في مطار بغداد، حتى لو رجعت من دون سماحة السيد، بمعنى أننا نلاحق احتمال الانتقال بسماحة السيد إلى آخر ساعة.
قلق وتوتر
منذ الساعة الثانية ظهراً انقطعت وسائل الاتصال بالسيد محمد رضا، فرقم هاتفه (الثريا) لا يرد، والبدالة في مكتب سماحة السيد لا خبر لديها عنه، وأنا لا أريد أن أُحدثهم بأية خصوصيات. كانت الدقائق تمرّ ثقيلة، والتوتّر يتملّكني، لا أدري ماذا يحصل هناك؟
مرّت ثلاث ساعات كأنها ثلاث سنوات. كلّ الاحتمالات واردة، بما في ذلك تعرّض سماحة السيد للخطر، خصوصاً وأنّ وسائل الإعلام كانت تنقل أخبار المعارك الضارية في النجف.
لم يُبدّد غيوم القلق سوى اتصال تلقيته عند الساعة الخامسة مساءً من السيد محمد رضا ليخبرني أنهم خرجوا من النجف، وأنّ الأمور إلى الآن (ماشية) وأنهم في الطريق إلى بغداد، وهم بحاجة للدعاء.
جاءني اتصال من حسين الأسدي المسؤول عن غرفة العمليات في بغداد ليؤكّد أنهم جاهزون غداً لاستقبال طائرة بساط الريح من الساعة السابعة صباحاً وأنهم سيكونون باستقبالنا.
في حدود الساعة التاسعة مساءً اتصل السيد محمد رضا ليؤكّد أنهم وصلوا إلى بغداد. سألتُه عن وضع إقامتهم هذه الليلة، وهل هم مطمئنون؟ أجابني أنهم يبيتون الليلة في بيت أحد الأصدقاء، وستكون الأمور على خير إن شاء الله.
السيد محمد رضا السيستاني يتحدث عن كيفية مغادرتهم النجف:
عندما عزمتُ على تدوين هذا الكتاب طلبتُ من الأخ سماحة السيد محمد رضا السيستاني في يوم الاربعاء 1 / 6 / 2005 أن يكتب لي مجريات ما حدث من خروج سماحة السيد من النجف حتى وصوله إلى بغداد فزوّدني بالنص الآتي:
(لما رفضْنا العرض الذي تقدّم به الدكتور موفق الربيعي لنقل سماحة السيد دام ظله بطائرة عمودية إلى بغداد وقلنا له: إنّ سماحة السيد يرفض ركوب الطائرة الأميركية وإنْ لم تحمل علامة خاصة بالأمريكيين ويكون الملاّح عراقياً. فقال لنا بأنه لا يمكن للحكومة العراقية تأمين موكب سماحة السيد إلى بغداد لأنّ طريق النجف الحلة بغداد خطر جداً، كان جوابنا أننا سننتقل إلى بغداد عن طريق البر على مسؤوليتنا، وعند ذاك قررنا أن ننطلق إلى بغداد قبل موعد الإقلاع من مطارها بيوم واحد.
ولهذا الغرض اتفقنا مع أحد الأصدقاء وسائِقَيْ سيارتَيْ أجرة للسفر بعد ظهر يوم (الخميس)، ولكن بدأتْ الاشتباكات المتقطّعة بين عناصر جيش المهدي والقوات الأمريكية منذ منتصف الليل، واشتدّت شيئاً فشيئاً حتى انقطع الطريق بين النجف والكوفة، وكذلك الطريق بين النجف وكربلاء، وتوسّعت حتى شملت معظم جوانب المدينة قبل ظهر ذلك اليوم، وبدأت تراودنا شكوك جدية في إمكان الخروج من النجف بعد الظهر كما كان مقرراً، واتصلت بالأستاذ حامد الخفاف تليفونياً لأخبره بالحال واحتمال إلغاء الرحلة أو تأجيلها.
ولكن وردنا بعض الأخبار بأن الطريق الجنوبي بين النجف والحيرة لا يزال مفتوحاً وأن الاشتباكات في ذلك الجانب من المدينة متفرّقة، فقرّرنا في الساعة الثانية بعد الظهر استدعاء السيارتين للخروج من النجف، وجاءت إحداهما قريب الساعة الثالثة ولم يتيسر ذلك للسيارة الثانية بسبب انقطاع الطرق فاستعنّا بسيارة أخرى لم تكن مهيأة من حيث التزود بالوقود الكافي لطي المسافة إلى بغداد ولكن لم نجد بدًّا من ركوبها، فخرجنا في ثلاث سيارات من جهة شارع السور قريباً من جامع الطريحي واخترقت السيارات شوارع منطقة الجديدة، والإطلاقات النارية تنهمر من كل صوبٍ وجِهة وأحياناً من فوق رؤوسنا إلى أن وصلنا إلى شارع أبو صخير، وخرجنا من المدينة فسلكنا الطريق إلى الحيرة ثم أبو صخير ثم الشامية ثم الديوانية ثم الدغّارة ثم الشوملي ثم النعمانية ثم الحفرية وجرف النداف ثم دخلنا بغداد بعبور جسر ديالى القديم، واستمرت الرحلة قرابة ست ساعات.
وفي أثناء الطريق نفذ وقود إحدى السيارات وكان فيها عدد من الحراس فاضطُّرت إلى التوقف إلى أن تيسّر لها شراء كمية من الوقود ولكنها لم تلتحق بنا إلاّ بعد الوصول إلى بغداد والنزول فيها.
وفي أثناء الطريق أيضاً توقّفنا في جنب أحد المعامل القريبة من الشارع العام لاستخدام مرافقها الصحيّة.
وصلنا إلى بغداد وظلام الليل يعمّ كل مكان، ونزلنا في دار أحد الأصدقاء في شارع فلسطين، وقضينا تلك الليلة فيها، واتصلت بعد وصولنا بالدكتور موفق الربيعي تليفونياً وأخبرته بوجودنا في بغداد فاستغرب ذلك. وفي الصباح اتصلت به ثانية وأخبرته بعنوان الدار فجاء ملثّماً في سيارة أُجرة وانتقلنا بسياراتنا إلى مطار بغداد، وكانت سيارة الدكتور الربيعي أمامنا إلى أن وصلنا المطار فوجدنا طائرة شركة بساط الريح والأستاذ حامد الخفاف بانتظارنا(*).
* (هامش: من الجدير ذكره ان الاخوة الذين رافقوا سماحة السيد من النجف الى بغداد هم: فضيلة السيد محمد آل يحيى، محمد خضر، يعقوب يوسف التميمي، لطيف عبدالله حمزة، زهير عبدالكريم ابراهيم، ستار محسن، جاسم نايف، احمد هلال، احمد عسكوري).
انتهى كلام السيد محمد رضا السيستاني (انظر الوثيقة رقم 7).
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11434&stc=1&d=1340989219
http://www.yahosain.com/vb/attachment.php?attachmentid=11435&stc=1&d=1340989219
alyatem
15-03-2013, 12:58 PM
أخبرت علي حمد بأنّ كل شيء جاهز، وأخبرني أن غرفة العمليات في مطار بغداد اتصلت بالسيد مازن البساط وأكّدت له جاهزيّتهم لاستقبال الطائرة بالموعد المحدّد، وأن السيد مازن يفضّل أن يقدّم موعد الإقلاع ساعة احتياطاً، بحيث تكون في مطار بيروت الساعة الثالثة فجراً لتُقلع الطائرة الساعة الرابعة فجراً فتصل مطار بغداد الساعة السابعة صباحاً، بتوقيت بغداد، وبذلك تكون الطائرة جاهزة للرجوع إلى بيروت في حدود الساعة الثامنة صباحاً. فأبديتُ استعدادي لأكون في مطار بيروت الساعة الثالثة فجراً.
اتصلت بالسيد جواد الشهرستاني إلى لندن، وأخبرته بأن الأمور تسير وفق الخطة المرسومة، فاقترح السيد الشهرستاني نقلاً عن السيد الرباني بأن يأتي بعض الشخصيات من الخوجة وهم من شيعة الهند والباكستان الذين قطنوا أفريقيا وأوروبا وبعض العلماء العراقيين لاستقبال سماحة السيد في مطار لندن، وكلمني السيد الرباني أيضاً بهذا الخصوص، فأجبته أن سماحة السيد لن يقبل ولكنني سأنقل الاقتراح. هاتفتُ السيد محمد رضا حدود الساعة العاشرة ليلاً واطمأننت على استقرارهم ونقلت له المقترح. فقال: سماحة السيد لا يقبل عادة، ولكن سأتصل بك بعد نصف ساعة. وبالفعل اتصل بي بعد فترة ليؤكّد أنّ سماحة السيد يقول: «أحبُّ إلى قلبي أن لا يأتوا، ليأتوا فيما بعد إلى محلّ الإقامة».
وعقَّب السيد محمد رضا: ما فائدة الأمر؟ إذا كان الهدف إبراز مكانة المرجعية يُفترض أن يسمح بأن يكون الاستقبال عاماً، ثم كيف يُدعى أشخاص دون أشخاص ؟ أخبرتُ السيد جواد الشهرستاني بالأمر وكان رأيه يطابق رأينا.
وفي المساء أدليتُ بتصريح لوكالة رويترز، سرّبت فيه خبر الوعكة الصحية التي تلمّ بسماحة السيد. قلت فيه: «إنّ سماحة السيد السيستاني يعاني من اضطرابات في القلب، وقد ألغى جميع مقابلاته في الأسبوع الماضي، وهناك فريق من الأطباء العراقيين يتولّون العناية به».
وكم كان حَرَجي شديداً عندما جاءتني اتصالات عديدة في تلك الليلة من قبل شخصيات مرموقة، أكنُّ لها كل الاحترام والتقدير، تستفسر عن صحة سماحة السيد، بعد أن سمعوا ذلك من وسائل الإعلام، أذكر على سبيل المثال لا الحصر سماحة الشيخ عبد الأمير قبلان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وسماحة الشيخ مفيد الفقيه، وسماحة الشيخ علي الكوراني، وآخرين، ولم يكن باستطاعتي أن أخبرهم عن سفرنا المقرّر بعد ساعات.
كان يومي مضنياً من الصباح الباكر وحتى الليل. وبما أنه تَحتّم عَلَيّ التواجد في مطار بيروت الساعة الثالثة فجراً، فلم تكن هناك أية إمكانية للنوم. كانت الأفكار تأخذني يميناً وشمالاً، فالأمانة ثقيلة، وسوف لن يغفر لنا التاريخ إن حدث إشكال ما. هل سننجح؟؟ هل ستحدث عوائق؟؟ ماذا لو لم يستطع سماحة السيد الوصول إلى مطار بغداد نتيجة إشكالات أمنية؟؟ هل هذه الطائرة التي سأنتقل بها إلى مطار بغداد ستؤدي الغرض من دون مشاكل؟ هل تقنيات الأمن فيها كاملة؟ لم أكن أغالب النعاس لأنه لم يجد له محلاً في رأسي ومستوى التوتّر والتحفّز عندي كان قد بلغ أقصى درجاته، تلك الساعات القليلة كانت مرهقة جداً، فالليل بطبيعته الهادئة الساكنة يجعلك تعيد سرد الوقائع. كنت أفكر بكل التفاصيل مرة بعد أخرى خشية أن يكون ثمّة ما يعيق إتمام الرحلة بشكل صحيح. لعلني استذكرت امرئ القيس ومعلّقته الشهيرة ومُكابدته مع ليله:
وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله ** عَلَيّ بأنواع الهمـوم ليبتلـي
بصبـح ومـا الإصبـاح منـك بأمـثـل **ألا أيهـا الليـل الطـويـل ألا انجلـي
يوم السفر الى لندن
في الساعة الثانية والنصف من فجر يوم الجمعة 6 / 8 / 2004، توجهت إلى مطار بيروت. الأخوة الذين يعملون معي في المكتب أوصلوني إلى المطار وهم لا يعرفون من الأمر شيئاً، إمعاناً في السرية المطلقة. وكان بانتظاري في المطار السيد مازن البساط صاحب شركة الطيران مع موظّفة لديه، وبدأوا بترتيب إجراءات السفر.
كنت المسافر الوحيد على الطائرة، وكان السيد علي حمد قد أفهم مازن البساط أنني ذاهب إلى بغداد لأعود مع وفد برلماني عراقي مُصغّر إلى بيروت. طاقم الطائرة يتكون من ثلاثة أفراد هم: الطيّار (حسام) ومساعده، ومضيفة.
عندما صعدت الطائرة اضطررتُ أن أحني رأسي لأن سقفها منخفض، وهي صغيرة الحجم، تحتوي على ستة عشر مقعداً حديدياً. لوهلة تملّكني نوع من الاضطراب دفعني أن أسأل الطيّار حساماً عن متانة الطائرة، فتبسّم قائلاً: لا تخف هذه طائرة صغيرة وخفيفة وقوية في نفس الوقت، ونحن نقوم برحلات عديدة في منطقة الشرق الأوسط، إلى العراق وتركيا ومصر، وفي الفترة الأخيرة نتردّد كثيراً على بغداد، فحمدت الله على كل حال.
في مطار بغداد:
الساعة الرابعة وعشر دقائق أقلعت الطائرة من مطار بيروت، وهبطنا في مطار بغداد الساعة السابعة وسبع دقائق. المُلْفِت أنّ هبوط الطائرة كان هبوطاً حلزونياً، لأنّ محيط مطار بغداد غير آمن.
استقرّت الطائرة على أرض المطار، وترجّلنا منها، فلم نجد أحداً، كان المطار خالياً، أجَلْتُ النظر يميناً وشمالاً ثم رفعتُ رأسي وحدّقت بعين الشمس، هذه سماء بغداد ما أحلاها! الشمسُ في بلادي أجمل من أي شمسٍ أخرى. الهواء كان طليقاً، وكنت أُعبّئه في صدري كما لو كنت مريضاً شفي لتوّه من داء الخناق.
ما هذا الحلم الجميل؟ هذا صُبْح بغداد، وهذه شمسها. وتمتمت بأبيات السيد مصطفى جمال الدين:
بغداد ما اشتبكت عليك الأعصر ** إلا ذَوَتْ ووريق عمرك أخضـرُ
مـرّت بـك الـدنيـا وصبحك مشمس ** ودَجَـتْ عليـكِ ووجـه ليـلـك مُقْمِـرُ
بقينا واقفين لمدة خمس دقائق تقريباً لم نشاهد خلالها أحداً، قررنا بعدها التوجه إلى بوابات المطار، مشينا مسافة مئتي متر تقريباً حتى وصلنا إلى الأبواب فكانت مغلقة. اليوم يوم الجمعة، والمطار أساساً لا يفتح قبل الساعة الثامنة صباحاً، وإنما أخذنا إذناً بالهبوط بشكل خاص. قررنا مواصلة السير باتجاه بوابات أخرى، لعلنا نجد فيها من يستقبلنا. الأبواب الأخرى كانت مغلقة أيضاً. في هذه الأثناء وصلت سيارة جيپ عسكرية يقودها جندي أميركي، طلب منا العودة إلى الطائرة والانتظار إلى جانبها وأخبرنا أن أبواب المطار مغلقة، ولا يوجد أحد هنا.
هذا الموقف أيقظني من حُلمي الجميل، ليضعني أمام كابوس الحقيقة، الحقيقة المُرّة. نحن شعب محتلّ، والمطار بيد قوات الاحتلال، وسوف لن أجد هنا من أبناء جِلدتي من يستقبلني بكلمة (يا هلا ومرحبا)، ما أقسى الزمن! وما أبشع الدكتاتور المخلوع الذي أسقط (العراق) وشمسه المتألّقة أسرى بيد الغرباء!
كمن لاحول ولا قوة له، رجعنا إلى جوار الطائرة، نستظلُّ بفيئها من حرارة الشمس التي بدأت بالارتفاع، واغتنمتُ فرصة الانتظار لأفكّر بالمكان المناسب لجلوس سماحة السيد عند وصوله، فطلبتُ من المضيفة نقل صندوق من فِلّين فيه مستلزمات الضيافة من مؤخرة الطائرة إلى مقدّمها، وأخبرتها بأنّ الركّاب ليسوا بحاجة إلى ضيافة، وأنهم سيجلسون في المقاعد الخلفية، وأنا سأجلس في الوسط، وإذا احتاجوا لأي شيء سأطلب منك ذلك، وتمنّيتُ عليها أن تلزم مقعدها في الأمام، وأنني سأقوم بواجب الضيافة لو تطلّب الأمر ذلك، وعلّلتُ الأمر بوجود بعض المرضى بين المسافرين الذين يحتاجون إلى عناية خاصة.
طال انتظارنا حدود الساعة والربع، اتصلت خلالها من هاتف الطيار حسام بالدكتور موفق الربيعي الذي أخبرني أنهم في الطريق إلى المطار. كان القلق قد بدأ يدبُّ في نفسي. اللحظات المقبلة حاسمة جداً، وعلى ضوئها تُحسم مسألة نجاح الرحلة أو فشلها.
في حدود الساعة الثامنة وعشرين دقيقة، لاح من بعيد موكب من السيارات يتّجه نحونا، كان الموكب يتألّف من ثلاث سيارات. توقّف الموكب على بعد عشرة أمتار من الطائرة، ترجّل سماحة السيد السيستاني دام ظله ونجله السيد محمد رضا من إحداها، فتوجّهتُ إليهم وقبّلت يد سماحة السيد وعانقتُه وحمدتُ الله على سلامته، وسلّمت على شباب الحماية، وصعد سماحة السيد ونجله السيد محمد رضا والدكتور مجيد المصطفى إلى متن الطائرة، وجلسنا وفق ما اتفقتُ عليه مع طاقم الطائرة.
في الساعة الثامنة والنصف صباحاً، أقلعت الطائرة من مطار بغداد باتجاه بيروت. طيلة فترة الرحلة التي استمرت أكثر من ساعتين، كان سماحته هادئاً متأملاً، ولم يتناول طعاماً أو شراباً، وراح السيد محمد رضا يحدّثني عن معاناتهم في الخروج من النجف والوصول إلى بغداد.
في مطار بيروت:
هبطت الطائرة في حدود الساعة العاشرة صباحاً في مطار بيروت. الرئيس نبيه بري وإلى جانبه العميد شقير، مدير أمن المطار، كانا باستقبال سماحة السيد. صعد الرئيس بري الطائرة وسلّم على سماحته وأنزله من الطائرة واصطحبنا إلى قاعة الشرف، وأمر بإغلاق الأبواب والستائر.
رحّب الرئيس بري بسماحة السيد باحترام وأدب كبيرين، وأبدى تمنياته لسماحة السيد بالشفاء ورغبته في أن يتطبب سماحته في بيروت لولا العوائق الخاصة. فشكره سماحة السيد على عواطفه، وذكر حبه الشديد للبنان، ولجبل عامل خصوصاً، وتقديره لعلمائه، وتحدث عن الشهيد الأول والشهيد الثاني، ثم تحدث الرئيس بري عن الموضوع العراقي فأشاد بمواقف سماحة السيد، وضرورة أن تلتزم بها كافة الفصائل والأحزاب والفئات لأنها الضمان الوحيد لوحدة الشعب العراقي بعربه وأكراده وكافة طوائفه. ثم سأل عن السيد مقتدى الصدر، فوضّح سماحة السيد جانباً من استقباله له، والنصائح التي وجهها إليه، خصوصاً حول ضرورة أن يشارك التيار الصدري في الانتخابات، وأن يكون فاعلاً في العملية السياسية، وأهمية أن يكون له دور في رسم مستقبل العراق السياسي.
قدموا لنا ضيافة، شاي وعصير برتقال، فلم يتناول سماحة السيد شيئاً، ثم جدّد سماحة السيد وضوءه في المغاسل، وتهيأ للمغادرة.
الفترة التي قضيناها في مطار بيروت كانت بحدود خمساً وأربعين دقيقة تقريباً، رافقنا بعدها الرئيس بري إلى داخل طائرة الخطوط الجوية اللبنانية المتجهة إلى لندن، وودّع سماحة السيد، ثمّ أقلعت الطائرة بحدود الساعة الحادية عشرة صباحاً.
لماذا الرئيس نبيه بري؟
دار جدل واسع، في الصحافة (هامش: راجع على سبيل المثال لا الحصر ما كتبه قاسم قصير في جريدة المستقبل العدد 1665، 7 / 8 / 2004)، وفي الأوساط الشعبية اللبنانية عن سبب انفراد دولة الرئيس نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني دون غيره باستقبال سماحة السيد السيستاني دام ظله. وذهبت التحليلات منحىً خارج السياق الطبيعي، وحُمّلت المسألة أكثر مما تحتمل.
والحقيقة أن رغبتنا كانت في أن نهيّئ استقبالاً شعبياً ودينياً ورسمياً عاماً لسماحة السيد، وهذه الرغبة اصطدمت بعقبات عديدة، منها: مزاج سماحة السيد القائم على أساس الزهد والابتعاد عن المظاهر، واعتبار هذه الأمور مسائل شكلية لها طابع دنيوي، إضافة إلى المشكلة الأمنية التي كانت ضاغطة علينا لأن أي إعدادٍ لاستقبال كبير في بيروت، كان يعني شيوع خبر مغادرة سماحة السيد عبر مطار بغداد، وهذا إشكال أمني كبير. ولذلك تقرر إلغاء أي استقبال في مطار بيروت.
وعندما تقرر أن ينتقل سماحة السيد للعلاج إلى لندن عبر بيروت، كان لزاماً أن يتم التنسيق مع أحد رموز الدولة اللبنانية، إذ أن دقّة العملية وخصوصيتها وسرعتها تفترض ذلك، وكان من الطبيعي أن يتم التنسيق مع دولة الرئيس نبيه بري لأسباب عديدة، منها:
1 - هو الشخصية الرسمية الشيعية الأولى في لبنان.
2 - إنه يبدي احتراماً كبيراً لسماحة السيد واهتماماً بالغاً به.
3 - قدرته بحكم موقعه على التصرف بمفرده، من دون إخبار أية أجهزة، وهذا يساعدنا في الحفاظ على السرية المطلوبة.
لسماحة السيد السيستاني وكلاء محترمون في لبنان، كما أن للشخصيات الدينية في لبنان مكانة خاصة في قلب سماحة السيد، وعدم إخبار هؤلاء كان يحزّ في نفوسنا، وحضور الرئيس نبيه بري في مطار بيروت لم يكن استقبالاً انفرد به، لأن هذا المعنى يتعارض مع أبوة المرجعية العليا للجميع، وإنما حضور استلزمته مقتضيات إتمام الرحلة من دون أي مشاكل.
وللحقيقة، فقد كان الجهد الذي بذله الرئيس بري مميزاً وفاعلاً وأساسياً في إكمال الرحلة بنجاح في ظروف بالغة الدقّة والحساسية من النواحي الأمنية والسياسية.
انتهى الفصل الأول
يتبع ان شاء الله تعالى
alyatem
15-03-2013, 01:18 PM
يمكنكم متابعة بعض التفاصيل الاخرى في هذا الموضوع
ثوابت المرجعية العليا، حامد الخفاف في كتابين حول الامام السيستاني
http://www.imshiaa.com/vb/showthread.php?t=172834
كما تجدون فيه نسخة كاملة من الكتاب
وفي هذا المقال نتابع
الدور السياسي للمرجعية الدينية في العراق الحديث
http://www.imshiaa.com/vb/showthread.php?t=172801
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
Jannat Alhusain Network © 2024