نرجس*
26-03-2013, 12:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾
ـــــ
تمهيد
فضل قراءة سورة الكوثر:
1ـعن أبي بصيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: من كانت قراءته «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» في فرائضه، ونوافله سقاه الله من الكوثر يوم القيامة، وكان محدثه عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أصل طوبى(1).
2ـفي حديث أُبي، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قرأها سقاه الله من أنهار الجنة، وأعطي من الأجر بعدد كل قربان قربه العباد في يوم عيد، ويقربون من أهل الكتاب والمشركين(2).
3ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قرأها سقاه الله من نهر الكوثر، ومن كل نهر الكوثر، ومن كل نهر في الجنة.
ـــــــــــــــ
(1)تفسير البرهان ج4 ص511 وتفسير نور الثقلين ج5 ص680 عن ثواب الأعمال للشيخ الصدوق.
(2)تفسير نور الثقلين ج5 ص680 عن مجمع البيان.
/صفحة 16/
ومن قرأها ليلة الجمعة مئة مرة مكملة، رأى النبي في منامه بإذن الله تعالى.
4ـ وقال الصادق (عليه السلام): من قرأها بعد صلاة يصليها نصف الليل سراً من ليلة الجمعة ألف مرة مكملة رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في منامه بإذن الله تعالى.
5ـ روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من قرأ هذه السورة سقاه الله تعالى من نهر الكوثر، ومن كل نهر في الجنة، وكتب له عشر حسنات بعدد كل من قرب قرباناً من الناس يوم النحر، ومن قرأها ليلة الجمعة مئة مرة رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في منامه رأي العين، لا يتمثل بغيره من الناس إلا كما يراه(1).
سبب نزول سورة الكوثر:
قد ذكرت كتب الحديث والتفسير: أن سبب نزول سورة الكوثر هو: أن عمرو بن العاص قد وصف
ـــــــــــــــ
(1) راجع الأحاديث السابقة في كتاب : البرهان في تفسير القرآن ج4 ص512.
/صفحة 17/
النبي (صلى الله عليه وآله) بالأبتر، فأنزل الله سورة الكوثر على نبيه في هذه المناسبة(1).
وقيل: إن العاص بن وائل السهمي هو الذي قال ذلك، فنزلت السورة.
وفي رواية أخرى: أن النبي (صلى الله عليه وآله) مر ـ وهو آتٍ من جنازة ولده القاسم ـ على العاص بن وائل، وابنه عمرو، فقال حين رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني لأشنؤه.
فقال العاص بن وائل: لا جَرَمَ لقد اصبح أبتر، فأنزل الله: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾(2).
هذا هو المعروف في سبب نزول هذه السورة، وفيما ذكرناه كفاية، ولا يهمنا تقصي الروايات.
الإخبارات الغيبية في سورة الكوثر:
إن من جملة دلائل إعجاز سورة الكوثر هو الإخبارات الغيبية التي تضمنتها حيث جاء فيها:
1ـأنها أخبرت عن أن الله سبحانه، قد أعطى نبيه
ـــــــــــــــ
(1) تفسير البرهان، ج4 في تفسير سورة الكوثر.
(2) تفسير الميزان، ج20 ص372.
/صفحة 18/
كوثراً من النسل من خلال فاطمة الزهراء (عليها السلام).. نعم، أعطاه تعالى كوثراً من الخير، والبركات، وامتداد الدعوة.
وقد جاء هذا الإخبار الصادق في بدء الدعوة، حينما مات أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان أمر الدعوة ضعيفاً، وموهوناً، وحيث لم يكن ثمة أي بارقة أمل بتبدل الأوضاع والأحوال، إلا من خلال الإيمان بصدق وعد الله سبحانه.
2ـ ثم أخبرت عن أن كل شانئ لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، لسوف يكون أبتر. بما فيهم ذلك الذي فعل ذلك أوائل بعثته (صلى الله عليه وآله). رغم أنه كان له أولاد يأمل بامتداد حياته من خلالهم.
وقد ذكر الله كلا الخبرين عن الغيب مع مزيد من التأكيد والإصرار كما يظهر لمن تأمل الآيات الكريمة الواردة في السورة.
سورة الكوثر مكية:
وقد اختلفوا في هذه السورة، هل هي مكية أم مدنية؟
/صفحة 19/
والأرجح أنها نزلت في مكة؛ لأنها نزلت رداً على ذلك الذي آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتلك الطريقة الوقحة، حينما مات أبناؤه، حيث شمت به عمرو بن العاص أو العاص بن وائل، وتنقّصه، ووصفه بالأبتر، أي الذي لا عقب له.
ربط القيم بالأمور الواقعية:
ويرد هنا سؤال، وهو أن وصف النبي بالأبتر، وتعييره بانقطاع نسله، لا يعدو أن يكون أمراً شخصياً، فهل أن هذه المسألة الشخصية هي من الأهمية بحيث أن الله سبحانه وتعالى ينزل سورة يخلد فيها هذا الأمر، ويفرض قراءتها على العالمين؟
وما هي الحكمة التي اقتضت ذلك؟!
ونقول في الجواب: إن السورة وإن كانت قد عالجت ـ بحسب الظاهر ـ أمراً شخصياً وخاصاً، هو الذي اقتضى نزولها. ولكنها على أي حال قد تضمنت بيان قواعد وضوابط، وسنناً إلهية مهمة في حياة البشر هي التي اقتضت إفراد صورة خاصة.
ــــــــ ــــــــــ
/صفحة 20/
وفي القرآن نظائر كثيرة لهذا الأمر، حيث نجد أن الله سبحانه قد ربط قضايا كثيرة بأحداث واقعية، يستجيب لها هذا الإنسان في أحاسيسه، وفي مشاعره، وفي وعيه..
وليكن من جملة ذلك قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى الله﴾(1)، فإنها وإن كانت أيضاً قضية شخصية، بحسب الظاهر، ولكنها تتحرك في نطاق الوعي الإسلامي العام، وفي دائرة ضوابطه ومنطلقاته، ومُثُلِه، وقِيَمِه.
وكذلك الحال في قوله تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾(2). حيث بينت الآية أن المال ليس هو الذي يقرّر مصير الإنسان، وليس هو الذي يتحكّم بمستقبل الحياة.
فالمقصود إذن هو إعطاء الضابطة الحياتية الحاسمة في أمرٍ هو أهمّ شيء يمسّ الإنسان في مجال الإغراء،
ـــــــــــــــ
(1)سورة المجادلة، أية رقم1.
(2) سورة المسد، آية رقم1ـ2.
/صفحة 21/
وفي مجال إبعاده عن الله، وعن القيم، ألا وهو المال الذي هو أشد تأثيراً في حياة الإنسان من أي شيء آخر، حتى من الغريزة الجنسية، فإن الجنس حالة غريزية، يمكن أن يجد الإنسان الطريقة المشروعة لتنفيسها والتخفيف من حدة ضوابطها، وينتهي الأمر. أما المال فهو يمس مجموعة كبيرة من القيم في حياة الإنسان، ويؤثر فيها، فهو يمس صدق الإنسان، ووفاءه وحبه للدنيا، وكرم نفسه، وسخاءه، وشحه، وكثيراً من القيم الحياتية، التي يريد أن يتعامل بها في حياته مع مختلف الموجودات: من جماد، وحيوان، وإنسان، ومن غيب وشهود، وغير ذلك.
إن هذا المال يلامس هذه القيم، ويؤثر فيها، ويحدث فيها الخلل، ويدمّر فيها الكثير من الخلايا النابضة بالحياة.
فله إذن دور خطير جداً في حياة الإنسان، وفي مستقبله: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ﴾(1).
ـــــــــــــــ
(1) سورة المسد، أية رقم2ـ3.
/صفحة 22/
فالقضية إذن ليست قضية شخصية، تتعلق بشخص أبي لهب، ولا هي في سورة الكوثر مجرد قضية إنسان عاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه لم يكن له أولاد، ولا هي هناك مجرد قضية امرأة شكت زوجها لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنما هي قضية حساسة وخطيرة من خلال ما ينتج عنها من ضوابط ومعايير، وما تشير إليه من سنن إلهية، وما توحي به من ارتباطات روحية، ومشاعرية، وغيرها، مع قضايا الحياة، ومع الله، ومع النبوات، وغير ذلك مما يراد لنا أن نفهمه من خلال هذه الآيات التي تعرضت لها.
وقد ذكرنا سابقاً أن آيات القرآن تربط قضايا الإيمان والمثل، والقيم، بأمور محسوسة، وبقضايا جزئية، يعيشها الإنسان، ويحس بها.
وهذه سياسة إلهية في مجال التعليم، باعتماد أسلوب تجسيد الفكرة التي يراد تعليمها أو الإيحاء بها للإنسان، فهو لا يريد أن يحدثه عن غيب لا يرتبط بالواقع، أو يريد أن يحدثه عن الغيب الذي تجسد في الواقع، وتحول إلى
/صفحة 23/
أمرٍ يلمسه، ويحس ويشعر به.
وهذا كما جسد الله سبحانه للناس الغيب بالكعبة، وبالقرآن، وبالمسجد الأقصى، وبالحجر الأسود.
أي أنه سبحانه يريد أن يجعلك أيها الإنسان تلمس الغيب، وتتعامل معه، من موقع الإحساس، والاتصال المباشر به، ولا يقتصر هذا الاتصال على الاتصال الحسي المادي، بل يتعداه إلى الاتصال الوجداني والمشاعري، والقلبي والروحي، لينعكس على الحركة والسلوك ليتجسد تصرفاً ومنطقاً وتعاملاً، ولا يبقى حالة غيبية ذهنية، تعيشها في تصوراتك، ثم قد تمحى هذه الصورة وتنتهي.
إنه يريد للغيب المتجسد في الحجر الأسود أن تلمسه، وأن تقبله، وتتبرك به، وأن يؤثر في جسدك، وفي كيانك، وروحك، ومشاعرك، من خلال ملامسة خدك أو شفتيك له، وأنتتقبله.
إنه يريد أن يتحول الغيب إلى بركات، وإلى حالات شعورية، وإلى أحاسيس.
/صفحة 24/
ولا يريد للغيب أن يبقى أمراً مجهولاً، يخاف منه الإنسان، لأنه لا يعرفه، ولا يتلمسه. بل يريده أمراً حاضراً، وأن يحوله إلى شهود، يتعامل معه بالحس وبالمشاعر القريبة. لا بالمشاعر الناشئة عن التخيُّل، وعن الالتذاذ بالأحلام، على طريقة أحلام اليقظة، حيث يتخيل الإنسان نفسه أن له قصوراً، وجبالاً، وبساتين، وأنه يطير في الهواء، وغير ذلك.
إن الإسلام يريد أن يجسد للإنسان المثل والقيم، والمعاني الإنسانية، وأضدادها، فيجسد له الصدق، كما يجسد له الكذب، ويجسد له الإيمان، كما يجسد له النفاق في حركة هذا وفي كلمة ذاك، وفي موقف هنا، وموقف هناك.. فتقرأ قصة إبراهيم (عليه السلام) في ذبح ولده إسماعيل (عليه السلام)، وتقرأ أيضاً قصة عبد الله بن أبي حينما انخذل بالمنافقين في حرب أحد، وغير ذلك.
ومن كل ما تقدم يتضح: أن قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ يريد أن يجسد لنا جملة من المعاني، والقيم، والمعايير العامة، ويربطها في هذا الحدث
/صفحة 25/
الخاص، فإننا إذا ارتبطنا بها من خلال الحدث، فإن ذلك يقربها إلى الواقع، ويخرجها من عالم التخيُّل والتصور الذهني، أو الأحلام التي قد تتلاشى وتتبخر، حينما تضغط علينا الحياة، وتواجهنا فيها المشكلات.
ولأجل أن القيمة تحولت إلى حقيقة واقعية، وتجسدت، فإن هذه الضغوط كلما زادت فسنجد أنفسنا أكثر إحساساً بالحاجة إلى اللجوء إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقبر الإمام الحسين (عليه السلام)، وإلى أماكن القرب من الله، وسنشعر أننا بحاجة إلى أن نقبِّل قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وقبر الإمام (عليه السلام).
فاتضح أن الحديث عن المسألة ليس عن جانبها الشخصي حين عيَّر العاص بن وائل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل عن الجانب القيمي والمعياري المرتبط بالمثل العليا، والمنطلقات الإنسانية والإيمانية أيضاً.
/صفحة 26/
/صفحة 27/
تفسير قوله تعالى:
﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾
/صفحة 28/
/صفحة 29/
ولنبدأ الآن بتفسير الآيات فنقول: قد ذكرنا في تفسير سورة الفاتحة بعض ما يرتبط بتفسير البسملة، فمن أراد الوقوف على ذلك، فليرجع إلى ذلك الكتاب.
وأما بالنسبة إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ..﴾، فالحديث عنه يحتاج إلى بعض التفصيل فنقول:
الحديث عن المتكلم بصيغة الجمع:
أما لماذا قال «إنّا» «أعطينا» بصيغة الجمع، ولم يقل: إني أعطيتك، مع أن المتكلم هو الله الواحد الأحد؟
فالجواب: أن هذا الأمر قد تكرر كثيراً في القرآن الكريم، في مقامات تختلف وتتفاوت فيما بينها، ونحن نوضح ذلك فيما يلي: إنه تارة يلاحظ مقام الألوهية، الذي يعني الهيمنة، والجبارية، والقدرة والغنى، والقهارية، والتفرد، واستحقاق العبادة، وما إلى ذلك،
/صفحة 30/
وأخرى يلاحظ مقام الربوبية، الذي يعني التدبير والخلق والرزق، والشفاء، والرحمانية والرحيمية، وما إلى ذلك.
ونلاحظ هنا: أنه حين يكون المراد التأكيد على انحصار صفة الألوهية، أو الربوبية الحقيقية بالله سبحانه وتعالى، فالحديث يكون بصفة المفرد، ولا يكون بصيغة الجمع، فهو تعالى يقول: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللهُ..﴾ و ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾(1) و ﴿وأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾(2).. الخ؛ لأن المقام يتقضي التنصيص على الوحدة، وعلى انحصار الألوهية والربوبية فيه سبحانه وتعالى.
أما حين يتحدث بصيغة الجمع، فقد يكون المراد إظهار العزة والعظمة المناسب للألوهية، لأن الإيحاء بذلك إلى المخاطب من شأنه أن يعمق إيمانه، ويطمئن قلبه، ويشعره بالسكينة مع مقام الألوهية من حيث أن
ـــــــــــــــ
(1) سورة الأنبياء، آية رقم92.
(2) سورة المؤمنون، آية رقم25.
ــ
/صفحة 31/
الألوهية مشعرة بالهيبة والقهر والتوحد، وقد يكون المراد الإشارة إلى مقام الربوبية، فيتحدث بصيغة الجمع حين يكون المراد الإشارة مثلاً إلى الوسائط في الخلق، أو الرزق، ونحوه مما يأتي في مراحل، أو عبر وسائط تقع في سلسلة العلل، وإن كان مصدره الأول هو الله سبحانه وتعالى، فالنبات والشجر مثلاً يحتاج إلى الماء، وإلى التربة الصالحة، وغير ذلك، مما يقع في سلسلة الأسباب التي تنتهي هي الأخرى إلى الله سبحانه، وكذلك الحال بالنسبة لخلق الإنسان.
وفيما نحن فيه نقول: إن الله سبحانه أراد أن يشير إلى هذين الأمرين معاً، ولأجل ذلك قال: «إنّا» و «أعطينا» لأن المقام هنا هو مقام العزة والعظمة والغنى من جهة المشيرة إلى الألوهية بكلمة «إنّا»، ولأن هذا العطاء إنما يتم بوسائطه وبوسائله من جهة أخرى وهي المشيرة إلى الربوبية بكلمة «أعطيناك» فإن إعطاء الأبناء يحتاج إلى استقرار نطفةونشؤها في عالم الأرحام، ثم إلى تربية، وإلى مساهمة كثير من الأسباب في الحفاظ على هذا
ـ
/صفحة 32/
الموجود، وفي تنميته، وتكامله، في جميع جهات وجوده: في علمه ومعرفته، ووعيه، وإدراكه، ومشاعره، وفي سائر خصوصياته.
نعم إن هذا يحتاج إلى وسائط، ووسائل وأسباب مختلفة، قد جعل الله السببية فيها لمصلحة اقتضاها الخلق والتكوين، وليست سببيتها ذاتية.
ولأجل ذلك كان المناسب في إعطاء الكوثر للنبي (صلى الله عليه وآله)، هو أن يعبر بـ «إنّا» وبـ «أعطينا» بصيغة جمع المتكلم. وذلك ليشير لنا إلى هذين الأمرين: وهما: جانب العزة والعظمة، «الألوهية» وللإشارة أيضاً إلى أن ذلك يقع في سلسلة الوسائط والأسباب والعلل«وهو جانب الربوبية» حسبما ألمحنا إليه.
لماذا التأكيد على حصول أمرٍ لم يحصل؟
ويرد هنا سؤالان:
الأول: لماذا جاء بكلمة «إنّ» التي هي أداة تأكيد، فقال: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ..﴾؟.
الثاني: إن قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ..﴾
/صفحة 33/
إخبارٌ عن أمرٍ قد تحقق ومضى، مع أن القضية إنما حصلت بعد أن مات أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذكور، والعطاء بمعنى التعويض بالأولاد لم يحصل بعد، فإن الزهراء (عليه السلام) التي تكاثر منها نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تكن حين نزول هذه السورة قد ولدت، لأن ولادتها كانت في الخامسة من البعثة، فكيف يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله): ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾. ثم يطلب منه أن يشكره على هذا الإعطاء والعطاء، وأن يتعبد له، فيقول: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾.
ونقول في الجواب: إن الحديث قد كان مع ذلك الإنسان الحاقد والسيء العاص بن وائل أو ولده عمرو لعنهما الله، الذي كان يريد أن يتنقَّص من مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويعيّره بأنه أبتر لا عقب له.
والسورة كلها قد جاءت لتخبر عن وعد إلهي، وأمر غيبي، بصورة جازمة ومؤكدة، فكلمة «إنّ» قد جيىء بها لإفادة هذا التأكيد. ثم ترقى في تأكيده هذا إلى درجة اعتبر فيها أن هذاالأمر قد تحقق بالفعل، وأصبح واقعاً،
/صفحة 34/
وصار من الماضي الذي يصح الإخبار عنه، لأنه قد تجاوز الموانع، واستجمع المقتضيات، والشرائط المعتبرة في تحقق الوجود رغم أن أبناءه (صلى الله عليه وآله) قد ماتوا ولم تكن فاطمة قد ولدت بعد.
والذي يزيد هذا التأكيد قوة وشدة، هذا الإلماح إلى إظهار مقام العزة والعظمة الإلهية، الأمر الذي يقتضي أن لا يخلف الله وعده(1)، والله لا يخبر عن أمر ثم لا يتحقق، فإن هذا مما لا يستساغ ولا يرضاه حتى الإنسان العادي لنفسه، فكيف بمقام العزة الإلهية.
اختيار التعبير بـ «أعطينا» دون سواها:
وأما السبب في أنه تعالى قال: ﴿..أَعْطَيْنَاكَ..﴾ ولم يقل: سيكون أو سيوجد لك الكوثر، أو نحو ذلك، فلعله هو أن كلمة: «أعطيناك» تفيد أن هذا المعطي يتصرف من موقع المالكية والوجدانية بالذات، فه
ـــــــ
(1) لاسيما وأنه قد أخبر عن حتمية حصوله بصيغة الماضي الدال على الحصول بالفعل، ولم يورده بصيغة الوعد.
/صفحة 35/
يعطيه لأنه يملك أن يعطيه، من حيث أنه واجد لما يعطي.
وفيها أيضاً إلماح إلى أن هذا العطاء عطاء حقيقي، من حيث أن العطاء يشير للتمليك أيضاً، والشعور بالتملك من شأنه أن يمنح الإنسان الإحساس بالرضا والطمأنينة، ولو أنه استبدل كلمة: «أعطيناك» بغيرها مما يشير إلى ذلك لحرم من هذا الإحساس.
فظهر أن التعبير بكلمة: «أعطيناك» فيه إلماح إلى المستوى الذي بلغ إليه تشبثه بما يُعطى له، وأنه في مستوى المالكية، التي هي أعمق من مجرد التنعم أو الاستفادة العابرة مما هو موجود.
العطاء الإلهي:
وإذا كان العطاء من موقع الغنى بالذات والواجدية التي هي من مظاهر العظمة، ومقام الألوهية، ثم هو من موقع الربوبية التي تعني التدبير في نطاق الرأفة والمحبة والرعاية، فهذا يعني أنه عطاء لا يسترد، وليس فيه ضعف، أو انقطاع، أو أي نوع من أنواع المنة، بمعنى
/صفحة 36/
إرادة الانتقاص، بل هي منة إلهية، تعني إرادة تكامل الإنسان، وترسيخ قدمه ومنحه المزيد من القدرة على الثبات، والمزيد من القوة إضافة إلى مزيد من الارتباط بهذا المعطي.
وبذلك يفترق الامتنان الإلهي الذي هو نعمة ولطف، عن الامتنان البشري الذي يمثل الذلة والانتقاص، لأن الله يعطي من موقع عزته، وكرامته وربوبيته، وألوهيته، التي تستتبع الغنى، غنى المربوب بغنى الرب، وغنى السائل بغنى المعطي، فلأجل ذلك لا يحتاج سبحانه وتعالى إلى أن ينقص من مقام أحد في مقابل ما يعطيه.
الكوثر يعني الخلاقية:
ثم إن ما يعطى قد يكون أمراً مادياً، كبيت، أو قلم، وهذا يعني أن خصوصيته المادية لابد أن تفرض عليه أن يستقبل كل عوارضها وآثارها.
وقد يكون معنىً يختزن الخلاقية والاستحداث
/صفحة 37/
المستمر للكثرات، المشعر بكونه في حالة تجدد وعطاء وفيض دائم..
وهذا من قبيل إعطاء نعمة العقل، أو القدرة، فإن ذلك يختزن معنى إيجابياً له عطاءاته المستمرة.
فلو أن الذي أعطاه الله لنبيه كان أمراً مادياً ثابتاً، فإنه يتحدد بحدود المادة، ويتقيد بقيودها. ولن يكون فيه خلاقية، ولا يختزن حالة تجدد أو استزادة.
ولكن الله قد أعطى نبيه ما هو أعلى، وأغلى، وأسمى، من الأمور المادية المحدودة.
لقد أعطاه «الكوثر» الذي هو عين الخلاقية، والتجدد، والاستزادة المستمرة. وهو طاقة لا تزال ولسوف تبقى تعطي المزيد، والشيء الجديد..
ومن الواضح: أن هذا النوع من العطاء يحتاج إلى استمرار الصلة مع مصدر الفيض والمدد، واستمرار الرعاية الإلهية، فلا انقطاع له عن الله سبحانه وتعالى على مر الأحقاب والآباد في الدنيا، وفي رحاب الرحمة
/صفحة 38/
الإلهية المتمثلة في الخلود في مواقع القرب والرضى في الآخرة.
لا تحديد ولا حصر في الكوثر:
فاتضح أن «الكوثر»: إنما يعني ما تصدر عنه الكثرات، وما يصدر عنه التعدد. وهو وصف عام لم يحدد فيه نوع أو جنس ما يتجسد فيه الكوثر أو الكثرات.بل أوكل تحديد نوعها إلى خيال الإنسان، ليذهب في تصوراته إلى أي مدى شاء.
وبتعبير أوضح إنه تعالى لم يقل: إنا أعطيناك جنة، مالاً، مقاماً، جاهاً، بستاناً، علماً، أو أي شيء آخر، وإنما تحدث عن الكوثر، الذي هو مصدر الكثرة وسبب الإزدياد في أي نوع تجسد هذا الكوثر فيه.
بل إننا حتى حينما نريد أن نفسر الكوثر ببعض التحديد، فنقول: ـ كما ورد في الروايات ـ إنه الخير الكثير، الذي من جملته كثرة ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإن الأمر في طبيعة هذا الخير الكثير، وفي سنخه، وفي مواصفاته يبقى بلا تحديد.
/صفحة 39/
فالله سبحانه وتعالى يريد أن لا يحد من خيال الإنسان في تصوراته لنوع وسنخ وحقيقة ما يراد تكثيره، وأن لا يحده في تصور مواصفات الخير، والنعمة، والتفضل فيه. وهذا غاية المبالغة في إظهار عظمة هذه النعمة، وأهميتها، واستجماعها لحقيقة الخبر، ولمواصفاته، بصورة لا يحدها خيال، ولا يقف في وجهها تصور.
«أل» الحقيقية:
وعلى هذا الأساس نقول: إن الألف واللام في كلمة: «الكوثر» هي التي يشار بها إلى طبيعة وحقيقة ذلك الذي دخلت عليه، مثل «أل» في قولك: الذهب أفضل من الفضة.
إذن فيراد بالألف واللام هنا الإشارة إلى أن صدور الكثرات عن هذا الشيء أي «الكوثر»إنما هو من خلال طبيعته وحقيقته. وليست الكثرة عارضة له بالاكتساب، حتى إذا انقطع عنه هذا الاكتساب انقطعت الكثرة منه.
الكوثر هو الرد المناسب:
ثم إن هناك تناسباً فيما بين قول ذلك الرجل اللئيم،
..... يتبع .....
﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾
ـــــ
تمهيد
فضل قراءة سورة الكوثر:
1ـعن أبي بصيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: من كانت قراءته «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» في فرائضه، ونوافله سقاه الله من الكوثر يوم القيامة، وكان محدثه عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أصل طوبى(1).
2ـفي حديث أُبي، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قرأها سقاه الله من أنهار الجنة، وأعطي من الأجر بعدد كل قربان قربه العباد في يوم عيد، ويقربون من أهل الكتاب والمشركين(2).
3ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قرأها سقاه الله من نهر الكوثر، ومن كل نهر الكوثر، ومن كل نهر في الجنة.
ـــــــــــــــ
(1)تفسير البرهان ج4 ص511 وتفسير نور الثقلين ج5 ص680 عن ثواب الأعمال للشيخ الصدوق.
(2)تفسير نور الثقلين ج5 ص680 عن مجمع البيان.
/صفحة 16/
ومن قرأها ليلة الجمعة مئة مرة مكملة، رأى النبي في منامه بإذن الله تعالى.
4ـ وقال الصادق (عليه السلام): من قرأها بعد صلاة يصليها نصف الليل سراً من ليلة الجمعة ألف مرة مكملة رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في منامه بإذن الله تعالى.
5ـ روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من قرأ هذه السورة سقاه الله تعالى من نهر الكوثر، ومن كل نهر في الجنة، وكتب له عشر حسنات بعدد كل من قرب قرباناً من الناس يوم النحر، ومن قرأها ليلة الجمعة مئة مرة رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في منامه رأي العين، لا يتمثل بغيره من الناس إلا كما يراه(1).
سبب نزول سورة الكوثر:
قد ذكرت كتب الحديث والتفسير: أن سبب نزول سورة الكوثر هو: أن عمرو بن العاص قد وصف
ـــــــــــــــ
(1) راجع الأحاديث السابقة في كتاب : البرهان في تفسير القرآن ج4 ص512.
/صفحة 17/
النبي (صلى الله عليه وآله) بالأبتر، فأنزل الله سورة الكوثر على نبيه في هذه المناسبة(1).
وقيل: إن العاص بن وائل السهمي هو الذي قال ذلك، فنزلت السورة.
وفي رواية أخرى: أن النبي (صلى الله عليه وآله) مر ـ وهو آتٍ من جنازة ولده القاسم ـ على العاص بن وائل، وابنه عمرو، فقال حين رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني لأشنؤه.
فقال العاص بن وائل: لا جَرَمَ لقد اصبح أبتر، فأنزل الله: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾(2).
هذا هو المعروف في سبب نزول هذه السورة، وفيما ذكرناه كفاية، ولا يهمنا تقصي الروايات.
الإخبارات الغيبية في سورة الكوثر:
إن من جملة دلائل إعجاز سورة الكوثر هو الإخبارات الغيبية التي تضمنتها حيث جاء فيها:
1ـأنها أخبرت عن أن الله سبحانه، قد أعطى نبيه
ـــــــــــــــ
(1) تفسير البرهان، ج4 في تفسير سورة الكوثر.
(2) تفسير الميزان، ج20 ص372.
/صفحة 18/
كوثراً من النسل من خلال فاطمة الزهراء (عليها السلام).. نعم، أعطاه تعالى كوثراً من الخير، والبركات، وامتداد الدعوة.
وقد جاء هذا الإخبار الصادق في بدء الدعوة، حينما مات أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان أمر الدعوة ضعيفاً، وموهوناً، وحيث لم يكن ثمة أي بارقة أمل بتبدل الأوضاع والأحوال، إلا من خلال الإيمان بصدق وعد الله سبحانه.
2ـ ثم أخبرت عن أن كل شانئ لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، لسوف يكون أبتر. بما فيهم ذلك الذي فعل ذلك أوائل بعثته (صلى الله عليه وآله). رغم أنه كان له أولاد يأمل بامتداد حياته من خلالهم.
وقد ذكر الله كلا الخبرين عن الغيب مع مزيد من التأكيد والإصرار كما يظهر لمن تأمل الآيات الكريمة الواردة في السورة.
سورة الكوثر مكية:
وقد اختلفوا في هذه السورة، هل هي مكية أم مدنية؟
/صفحة 19/
والأرجح أنها نزلت في مكة؛ لأنها نزلت رداً على ذلك الذي آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتلك الطريقة الوقحة، حينما مات أبناؤه، حيث شمت به عمرو بن العاص أو العاص بن وائل، وتنقّصه، ووصفه بالأبتر، أي الذي لا عقب له.
ربط القيم بالأمور الواقعية:
ويرد هنا سؤال، وهو أن وصف النبي بالأبتر، وتعييره بانقطاع نسله، لا يعدو أن يكون أمراً شخصياً، فهل أن هذه المسألة الشخصية هي من الأهمية بحيث أن الله سبحانه وتعالى ينزل سورة يخلد فيها هذا الأمر، ويفرض قراءتها على العالمين؟
وما هي الحكمة التي اقتضت ذلك؟!
ونقول في الجواب: إن السورة وإن كانت قد عالجت ـ بحسب الظاهر ـ أمراً شخصياً وخاصاً، هو الذي اقتضى نزولها. ولكنها على أي حال قد تضمنت بيان قواعد وضوابط، وسنناً إلهية مهمة في حياة البشر هي التي اقتضت إفراد صورة خاصة.
ــــــــ ــــــــــ
/صفحة 20/
وفي القرآن نظائر كثيرة لهذا الأمر، حيث نجد أن الله سبحانه قد ربط قضايا كثيرة بأحداث واقعية، يستجيب لها هذا الإنسان في أحاسيسه، وفي مشاعره، وفي وعيه..
وليكن من جملة ذلك قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى الله﴾(1)، فإنها وإن كانت أيضاً قضية شخصية، بحسب الظاهر، ولكنها تتحرك في نطاق الوعي الإسلامي العام، وفي دائرة ضوابطه ومنطلقاته، ومُثُلِه، وقِيَمِه.
وكذلك الحال في قوله تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾(2). حيث بينت الآية أن المال ليس هو الذي يقرّر مصير الإنسان، وليس هو الذي يتحكّم بمستقبل الحياة.
فالمقصود إذن هو إعطاء الضابطة الحياتية الحاسمة في أمرٍ هو أهمّ شيء يمسّ الإنسان في مجال الإغراء،
ـــــــــــــــ
(1)سورة المجادلة، أية رقم1.
(2) سورة المسد، آية رقم1ـ2.
/صفحة 21/
وفي مجال إبعاده عن الله، وعن القيم، ألا وهو المال الذي هو أشد تأثيراً في حياة الإنسان من أي شيء آخر، حتى من الغريزة الجنسية، فإن الجنس حالة غريزية، يمكن أن يجد الإنسان الطريقة المشروعة لتنفيسها والتخفيف من حدة ضوابطها، وينتهي الأمر. أما المال فهو يمس مجموعة كبيرة من القيم في حياة الإنسان، ويؤثر فيها، فهو يمس صدق الإنسان، ووفاءه وحبه للدنيا، وكرم نفسه، وسخاءه، وشحه، وكثيراً من القيم الحياتية، التي يريد أن يتعامل بها في حياته مع مختلف الموجودات: من جماد، وحيوان، وإنسان، ومن غيب وشهود، وغير ذلك.
إن هذا المال يلامس هذه القيم، ويؤثر فيها، ويحدث فيها الخلل، ويدمّر فيها الكثير من الخلايا النابضة بالحياة.
فله إذن دور خطير جداً في حياة الإنسان، وفي مستقبله: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ﴾(1).
ـــــــــــــــ
(1) سورة المسد، أية رقم2ـ3.
/صفحة 22/
فالقضية إذن ليست قضية شخصية، تتعلق بشخص أبي لهب، ولا هي في سورة الكوثر مجرد قضية إنسان عاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه لم يكن له أولاد، ولا هي هناك مجرد قضية امرأة شكت زوجها لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنما هي قضية حساسة وخطيرة من خلال ما ينتج عنها من ضوابط ومعايير، وما تشير إليه من سنن إلهية، وما توحي به من ارتباطات روحية، ومشاعرية، وغيرها، مع قضايا الحياة، ومع الله، ومع النبوات، وغير ذلك مما يراد لنا أن نفهمه من خلال هذه الآيات التي تعرضت لها.
وقد ذكرنا سابقاً أن آيات القرآن تربط قضايا الإيمان والمثل، والقيم، بأمور محسوسة، وبقضايا جزئية، يعيشها الإنسان، ويحس بها.
وهذه سياسة إلهية في مجال التعليم، باعتماد أسلوب تجسيد الفكرة التي يراد تعليمها أو الإيحاء بها للإنسان، فهو لا يريد أن يحدثه عن غيب لا يرتبط بالواقع، أو يريد أن يحدثه عن الغيب الذي تجسد في الواقع، وتحول إلى
/صفحة 23/
أمرٍ يلمسه، ويحس ويشعر به.
وهذا كما جسد الله سبحانه للناس الغيب بالكعبة، وبالقرآن، وبالمسجد الأقصى، وبالحجر الأسود.
أي أنه سبحانه يريد أن يجعلك أيها الإنسان تلمس الغيب، وتتعامل معه، من موقع الإحساس، والاتصال المباشر به، ولا يقتصر هذا الاتصال على الاتصال الحسي المادي، بل يتعداه إلى الاتصال الوجداني والمشاعري، والقلبي والروحي، لينعكس على الحركة والسلوك ليتجسد تصرفاً ومنطقاً وتعاملاً، ولا يبقى حالة غيبية ذهنية، تعيشها في تصوراتك، ثم قد تمحى هذه الصورة وتنتهي.
إنه يريد للغيب المتجسد في الحجر الأسود أن تلمسه، وأن تقبله، وتتبرك به، وأن يؤثر في جسدك، وفي كيانك، وروحك، ومشاعرك، من خلال ملامسة خدك أو شفتيك له، وأنتتقبله.
إنه يريد أن يتحول الغيب إلى بركات، وإلى حالات شعورية، وإلى أحاسيس.
/صفحة 24/
ولا يريد للغيب أن يبقى أمراً مجهولاً، يخاف منه الإنسان، لأنه لا يعرفه، ولا يتلمسه. بل يريده أمراً حاضراً، وأن يحوله إلى شهود، يتعامل معه بالحس وبالمشاعر القريبة. لا بالمشاعر الناشئة عن التخيُّل، وعن الالتذاذ بالأحلام، على طريقة أحلام اليقظة، حيث يتخيل الإنسان نفسه أن له قصوراً، وجبالاً، وبساتين، وأنه يطير في الهواء، وغير ذلك.
إن الإسلام يريد أن يجسد للإنسان المثل والقيم، والمعاني الإنسانية، وأضدادها، فيجسد له الصدق، كما يجسد له الكذب، ويجسد له الإيمان، كما يجسد له النفاق في حركة هذا وفي كلمة ذاك، وفي موقف هنا، وموقف هناك.. فتقرأ قصة إبراهيم (عليه السلام) في ذبح ولده إسماعيل (عليه السلام)، وتقرأ أيضاً قصة عبد الله بن أبي حينما انخذل بالمنافقين في حرب أحد، وغير ذلك.
ومن كل ما تقدم يتضح: أن قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ يريد أن يجسد لنا جملة من المعاني، والقيم، والمعايير العامة، ويربطها في هذا الحدث
/صفحة 25/
الخاص، فإننا إذا ارتبطنا بها من خلال الحدث، فإن ذلك يقربها إلى الواقع، ويخرجها من عالم التخيُّل والتصور الذهني، أو الأحلام التي قد تتلاشى وتتبخر، حينما تضغط علينا الحياة، وتواجهنا فيها المشكلات.
ولأجل أن القيمة تحولت إلى حقيقة واقعية، وتجسدت، فإن هذه الضغوط كلما زادت فسنجد أنفسنا أكثر إحساساً بالحاجة إلى اللجوء إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقبر الإمام الحسين (عليه السلام)، وإلى أماكن القرب من الله، وسنشعر أننا بحاجة إلى أن نقبِّل قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وقبر الإمام (عليه السلام).
فاتضح أن الحديث عن المسألة ليس عن جانبها الشخصي حين عيَّر العاص بن وائل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل عن الجانب القيمي والمعياري المرتبط بالمثل العليا، والمنطلقات الإنسانية والإيمانية أيضاً.
/صفحة 26/
/صفحة 27/
تفسير قوله تعالى:
﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾
/صفحة 28/
/صفحة 29/
ولنبدأ الآن بتفسير الآيات فنقول: قد ذكرنا في تفسير سورة الفاتحة بعض ما يرتبط بتفسير البسملة، فمن أراد الوقوف على ذلك، فليرجع إلى ذلك الكتاب.
وأما بالنسبة إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ..﴾، فالحديث عنه يحتاج إلى بعض التفصيل فنقول:
الحديث عن المتكلم بصيغة الجمع:
أما لماذا قال «إنّا» «أعطينا» بصيغة الجمع، ولم يقل: إني أعطيتك، مع أن المتكلم هو الله الواحد الأحد؟
فالجواب: أن هذا الأمر قد تكرر كثيراً في القرآن الكريم، في مقامات تختلف وتتفاوت فيما بينها، ونحن نوضح ذلك فيما يلي: إنه تارة يلاحظ مقام الألوهية، الذي يعني الهيمنة، والجبارية، والقدرة والغنى، والقهارية، والتفرد، واستحقاق العبادة، وما إلى ذلك،
/صفحة 30/
وأخرى يلاحظ مقام الربوبية، الذي يعني التدبير والخلق والرزق، والشفاء، والرحمانية والرحيمية، وما إلى ذلك.
ونلاحظ هنا: أنه حين يكون المراد التأكيد على انحصار صفة الألوهية، أو الربوبية الحقيقية بالله سبحانه وتعالى، فالحديث يكون بصفة المفرد، ولا يكون بصيغة الجمع، فهو تعالى يقول: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللهُ..﴾ و ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾(1) و ﴿وأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾(2).. الخ؛ لأن المقام يتقضي التنصيص على الوحدة، وعلى انحصار الألوهية والربوبية فيه سبحانه وتعالى.
أما حين يتحدث بصيغة الجمع، فقد يكون المراد إظهار العزة والعظمة المناسب للألوهية، لأن الإيحاء بذلك إلى المخاطب من شأنه أن يعمق إيمانه، ويطمئن قلبه، ويشعره بالسكينة مع مقام الألوهية من حيث أن
ـــــــــــــــ
(1) سورة الأنبياء، آية رقم92.
(2) سورة المؤمنون، آية رقم25.
ــ
/صفحة 31/
الألوهية مشعرة بالهيبة والقهر والتوحد، وقد يكون المراد الإشارة إلى مقام الربوبية، فيتحدث بصيغة الجمع حين يكون المراد الإشارة مثلاً إلى الوسائط في الخلق، أو الرزق، ونحوه مما يأتي في مراحل، أو عبر وسائط تقع في سلسلة العلل، وإن كان مصدره الأول هو الله سبحانه وتعالى، فالنبات والشجر مثلاً يحتاج إلى الماء، وإلى التربة الصالحة، وغير ذلك، مما يقع في سلسلة الأسباب التي تنتهي هي الأخرى إلى الله سبحانه، وكذلك الحال بالنسبة لخلق الإنسان.
وفيما نحن فيه نقول: إن الله سبحانه أراد أن يشير إلى هذين الأمرين معاً، ولأجل ذلك قال: «إنّا» و «أعطينا» لأن المقام هنا هو مقام العزة والعظمة والغنى من جهة المشيرة إلى الألوهية بكلمة «إنّا»، ولأن هذا العطاء إنما يتم بوسائطه وبوسائله من جهة أخرى وهي المشيرة إلى الربوبية بكلمة «أعطيناك» فإن إعطاء الأبناء يحتاج إلى استقرار نطفةونشؤها في عالم الأرحام، ثم إلى تربية، وإلى مساهمة كثير من الأسباب في الحفاظ على هذا
ـ
/صفحة 32/
الموجود، وفي تنميته، وتكامله، في جميع جهات وجوده: في علمه ومعرفته، ووعيه، وإدراكه، ومشاعره، وفي سائر خصوصياته.
نعم إن هذا يحتاج إلى وسائط، ووسائل وأسباب مختلفة، قد جعل الله السببية فيها لمصلحة اقتضاها الخلق والتكوين، وليست سببيتها ذاتية.
ولأجل ذلك كان المناسب في إعطاء الكوثر للنبي (صلى الله عليه وآله)، هو أن يعبر بـ «إنّا» وبـ «أعطينا» بصيغة جمع المتكلم. وذلك ليشير لنا إلى هذين الأمرين: وهما: جانب العزة والعظمة، «الألوهية» وللإشارة أيضاً إلى أن ذلك يقع في سلسلة الوسائط والأسباب والعلل«وهو جانب الربوبية» حسبما ألمحنا إليه.
لماذا التأكيد على حصول أمرٍ لم يحصل؟
ويرد هنا سؤالان:
الأول: لماذا جاء بكلمة «إنّ» التي هي أداة تأكيد، فقال: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ..﴾؟.
الثاني: إن قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ..﴾
/صفحة 33/
إخبارٌ عن أمرٍ قد تحقق ومضى، مع أن القضية إنما حصلت بعد أن مات أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذكور، والعطاء بمعنى التعويض بالأولاد لم يحصل بعد، فإن الزهراء (عليه السلام) التي تكاثر منها نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تكن حين نزول هذه السورة قد ولدت، لأن ولادتها كانت في الخامسة من البعثة، فكيف يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله): ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾. ثم يطلب منه أن يشكره على هذا الإعطاء والعطاء، وأن يتعبد له، فيقول: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾.
ونقول في الجواب: إن الحديث قد كان مع ذلك الإنسان الحاقد والسيء العاص بن وائل أو ولده عمرو لعنهما الله، الذي كان يريد أن يتنقَّص من مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويعيّره بأنه أبتر لا عقب له.
والسورة كلها قد جاءت لتخبر عن وعد إلهي، وأمر غيبي، بصورة جازمة ومؤكدة، فكلمة «إنّ» قد جيىء بها لإفادة هذا التأكيد. ثم ترقى في تأكيده هذا إلى درجة اعتبر فيها أن هذاالأمر قد تحقق بالفعل، وأصبح واقعاً،
/صفحة 34/
وصار من الماضي الذي يصح الإخبار عنه، لأنه قد تجاوز الموانع، واستجمع المقتضيات، والشرائط المعتبرة في تحقق الوجود رغم أن أبناءه (صلى الله عليه وآله) قد ماتوا ولم تكن فاطمة قد ولدت بعد.
والذي يزيد هذا التأكيد قوة وشدة، هذا الإلماح إلى إظهار مقام العزة والعظمة الإلهية، الأمر الذي يقتضي أن لا يخلف الله وعده(1)، والله لا يخبر عن أمر ثم لا يتحقق، فإن هذا مما لا يستساغ ولا يرضاه حتى الإنسان العادي لنفسه، فكيف بمقام العزة الإلهية.
اختيار التعبير بـ «أعطينا» دون سواها:
وأما السبب في أنه تعالى قال: ﴿..أَعْطَيْنَاكَ..﴾ ولم يقل: سيكون أو سيوجد لك الكوثر، أو نحو ذلك، فلعله هو أن كلمة: «أعطيناك» تفيد أن هذا المعطي يتصرف من موقع المالكية والوجدانية بالذات، فه
ـــــــ
(1) لاسيما وأنه قد أخبر عن حتمية حصوله بصيغة الماضي الدال على الحصول بالفعل، ولم يورده بصيغة الوعد.
/صفحة 35/
يعطيه لأنه يملك أن يعطيه، من حيث أنه واجد لما يعطي.
وفيها أيضاً إلماح إلى أن هذا العطاء عطاء حقيقي، من حيث أن العطاء يشير للتمليك أيضاً، والشعور بالتملك من شأنه أن يمنح الإنسان الإحساس بالرضا والطمأنينة، ولو أنه استبدل كلمة: «أعطيناك» بغيرها مما يشير إلى ذلك لحرم من هذا الإحساس.
فظهر أن التعبير بكلمة: «أعطيناك» فيه إلماح إلى المستوى الذي بلغ إليه تشبثه بما يُعطى له، وأنه في مستوى المالكية، التي هي أعمق من مجرد التنعم أو الاستفادة العابرة مما هو موجود.
العطاء الإلهي:
وإذا كان العطاء من موقع الغنى بالذات والواجدية التي هي من مظاهر العظمة، ومقام الألوهية، ثم هو من موقع الربوبية التي تعني التدبير في نطاق الرأفة والمحبة والرعاية، فهذا يعني أنه عطاء لا يسترد، وليس فيه ضعف، أو انقطاع، أو أي نوع من أنواع المنة، بمعنى
/صفحة 36/
إرادة الانتقاص، بل هي منة إلهية، تعني إرادة تكامل الإنسان، وترسيخ قدمه ومنحه المزيد من القدرة على الثبات، والمزيد من القوة إضافة إلى مزيد من الارتباط بهذا المعطي.
وبذلك يفترق الامتنان الإلهي الذي هو نعمة ولطف، عن الامتنان البشري الذي يمثل الذلة والانتقاص، لأن الله يعطي من موقع عزته، وكرامته وربوبيته، وألوهيته، التي تستتبع الغنى، غنى المربوب بغنى الرب، وغنى السائل بغنى المعطي، فلأجل ذلك لا يحتاج سبحانه وتعالى إلى أن ينقص من مقام أحد في مقابل ما يعطيه.
الكوثر يعني الخلاقية:
ثم إن ما يعطى قد يكون أمراً مادياً، كبيت، أو قلم، وهذا يعني أن خصوصيته المادية لابد أن تفرض عليه أن يستقبل كل عوارضها وآثارها.
وقد يكون معنىً يختزن الخلاقية والاستحداث
/صفحة 37/
المستمر للكثرات، المشعر بكونه في حالة تجدد وعطاء وفيض دائم..
وهذا من قبيل إعطاء نعمة العقل، أو القدرة، فإن ذلك يختزن معنى إيجابياً له عطاءاته المستمرة.
فلو أن الذي أعطاه الله لنبيه كان أمراً مادياً ثابتاً، فإنه يتحدد بحدود المادة، ويتقيد بقيودها. ولن يكون فيه خلاقية، ولا يختزن حالة تجدد أو استزادة.
ولكن الله قد أعطى نبيه ما هو أعلى، وأغلى، وأسمى، من الأمور المادية المحدودة.
لقد أعطاه «الكوثر» الذي هو عين الخلاقية، والتجدد، والاستزادة المستمرة. وهو طاقة لا تزال ولسوف تبقى تعطي المزيد، والشيء الجديد..
ومن الواضح: أن هذا النوع من العطاء يحتاج إلى استمرار الصلة مع مصدر الفيض والمدد، واستمرار الرعاية الإلهية، فلا انقطاع له عن الله سبحانه وتعالى على مر الأحقاب والآباد في الدنيا، وفي رحاب الرحمة
/صفحة 38/
الإلهية المتمثلة في الخلود في مواقع القرب والرضى في الآخرة.
لا تحديد ولا حصر في الكوثر:
فاتضح أن «الكوثر»: إنما يعني ما تصدر عنه الكثرات، وما يصدر عنه التعدد. وهو وصف عام لم يحدد فيه نوع أو جنس ما يتجسد فيه الكوثر أو الكثرات.بل أوكل تحديد نوعها إلى خيال الإنسان، ليذهب في تصوراته إلى أي مدى شاء.
وبتعبير أوضح إنه تعالى لم يقل: إنا أعطيناك جنة، مالاً، مقاماً، جاهاً، بستاناً، علماً، أو أي شيء آخر، وإنما تحدث عن الكوثر، الذي هو مصدر الكثرة وسبب الإزدياد في أي نوع تجسد هذا الكوثر فيه.
بل إننا حتى حينما نريد أن نفسر الكوثر ببعض التحديد، فنقول: ـ كما ورد في الروايات ـ إنه الخير الكثير، الذي من جملته كثرة ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإن الأمر في طبيعة هذا الخير الكثير، وفي سنخه، وفي مواصفاته يبقى بلا تحديد.
/صفحة 39/
فالله سبحانه وتعالى يريد أن لا يحد من خيال الإنسان في تصوراته لنوع وسنخ وحقيقة ما يراد تكثيره، وأن لا يحده في تصور مواصفات الخير، والنعمة، والتفضل فيه. وهذا غاية المبالغة في إظهار عظمة هذه النعمة، وأهميتها، واستجماعها لحقيقة الخبر، ولمواصفاته، بصورة لا يحدها خيال، ولا يقف في وجهها تصور.
«أل» الحقيقية:
وعلى هذا الأساس نقول: إن الألف واللام في كلمة: «الكوثر» هي التي يشار بها إلى طبيعة وحقيقة ذلك الذي دخلت عليه، مثل «أل» في قولك: الذهب أفضل من الفضة.
إذن فيراد بالألف واللام هنا الإشارة إلى أن صدور الكثرات عن هذا الشيء أي «الكوثر»إنما هو من خلال طبيعته وحقيقته. وليست الكثرة عارضة له بالاكتساب، حتى إذا انقطع عنه هذا الاكتساب انقطعت الكثرة منه.
الكوثر هو الرد المناسب:
ثم إن هناك تناسباً فيما بين قول ذلك الرجل اللئيم،
..... يتبع .....