علي الفاروق
28-03-2013, 09:26 AM
فاطمة الزهراء عليها السلام وليّة الأمر
العنوان : فاطمة عليها السلام ولية الأمر
المحاضِر : الشيخ محمّد السّند
التاريخ : الأربعاء 12 / جمادى الأولى / 1433
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وأشرف المرسلين محمد وآله الأوصياء الخلفاء .
عظم الله أجورنا وأجوركم بشهادة الصديقة فاطمة الزهراء بضعة المصطفى وريحانة الرسول وبهجته ومهجته .
وهي الحجّة من حجج الله الأربعة عشر ، هناك الكثير من المؤمنين بل ربّما من أهل الفضل والفضيلة في غفلة عميقة جداً من منظومة العقائد الإيمانيّة ، والكثير من أهل الفضل ربّما يتخيّل أن يقتنص عقائده من كتاب ـ مثلاً ـ الباب الحادي عشر للعلامة الحلّي ، أو من كتاب التجريد للخواجه وشرح العلامة ، أو من كتاب آخر لآخر ، وهذا الانزواء أو العكوف على مصدر أو مصدرين لا ريب أنه يوجب للإنسان غفلة بعيدة عن الحقائق التي يتقوَّم بها الإيمان ، لأنّ ما كتبه العلماء الأعلام ، واحد منهم أو ثانٍ منهم أو ثالث منهم ليس بالضرورة أن يكون كامل البناء .
مراراً ذكرنا سلسلة عقائدية مجموعة بقلم الصدوق رحمة الله عليه ـ مثلاً ـ ، أو بقلم الكليني رحمة الله عليه ، أو بقلم بقيّة الأعلام ، أقلام عديدة ، في الحقيقة الذي يمثّل حتّى المسار الرسمي لمذهب علماء الإمامية لا يمكن أن نحصره في كتاب واحد لعالم واحد ، بل ولا في مجموعة كتب لعالم واحد ، بل ولا في مجموعة كتب لطبقة واحدة في قرن واحد لعلماء الإمامية ، فلا يمكن أن نستوفي أو نصل إلى مجموعة عقائد الإماميّة عبر هذا المقدار وهذا المقطع ، أبدا لا يمكنني أن أصل إلى المنظومة الكاملة لعقائد الإمامية من خلال عالم واحد ، أو عالمين أو مجموعة من جيل أو جيلين ، بل مجموع أجيال علماء الإمامية ، منذ عهد الأئمة إلى يومنا هذا ، المجموع بما هو مجموع جسر واصل بيننا وبين أئمة أهل البيت عليهم السلام .
لذا لا يمكن أبداً أن يُخلّص ويُختصر المذهب في شخصية واحدة من علماء الإمامية ، يُخطئ مَنْ يتوهّم ذلك ، ويتوهّم ويكون بعيدا عن الحقيقة مَنْ يتخيّل ذلك ، في الحقيقة مذهب الإمامية إنما يمكن أن يتمثّل بمجموع علماء الإمامية ، بل وأزيد شيئاً إضافياً ، وهو ليس فقط علماء الإمامية ، بل سيرة أتباع أهل البيت عليهم السلام مجموعها عبر الأجيال المختلفة بما فيهم علماء الإمامية ، فمجموع كل ذلك يمثّل جسراً واصلاً بيننا وبين أئمة أهل البيت عليهم السلام .
هذا منهج يجب أن لا نغفل عنه أبداً ، وللأسف كثير من أهل الفضل وأهل التحقيق وأهل التحصيل يريد أن يلخّص لي معلم مذهب أهل البيت من خلال عالم أو عالمين أو ثلاثة ، لا يمكن يا أخي ، أئمة أهل البيت ومدرسة أهل البيت بحر طمطام ، لا يستوعب كلّ بحره عالم أو عالمين أو ثلاثة أو أربعة ، هذه حقيقة وليست عاطفة ندغدغ بها أحاسيسنا ، لذلك في علم الرجال ذكرت أنه لا يمكن أن نحصر تراث أهل البيت والقيّم على تراث أهل البيت شخصية باسم النجاشي ، لا يمكن أبداً أو شخصية متكوّنة من خمسة أو ستّة أشخاص ، تراث أهل البيت العظيم لا يمكن أن تكون القيّمية عليه خمسة أشخاص من علماء الإمامية ، أبداً لا يُمكن ، هذا منهج خاطئ في علم الرجال ، وهو منهج منكوس في علم الرجال ، تراث أهل البيت كل مجموع علماء الإماميّة مؤمّنون عليه ، لا أنه مجموعة خمسة أو ستة أو سبعة أشخاص ، هذا يعيش في ضيق أفق ، في منهج لا علمي ، وليس في منهج علمي ، مَنْ يحصر تصحيح أو غربلة أو تقييم هذا التراث الواصل لنا عبر خمسة أو ستة أو سبعة أو عشرة من علماء الإمامية ، أبداً لا يكون تراث أهل البيت حكر على عشرة أو عشرين ، وليس لهم أيّ صفة وصاية رسمية لا منهجية ولا منطقيّة ، كل علماء الإمامية بمجموعتهم وسيرة أجيالهم نعم جسر واصل ، لذلك أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح هم أيضاً لهم دور ، لا يمكننا أن نشطّبهم ، نقول : قاعدة الإجماع في الرجال غير صحيحة ، النجاشي هو الأول والأخير ، هذا في الحقيقة ضعيف ليس علمي ، بعيد عن العلمية الكثير ، المنهج العلمي أن يكون الكل له مشاركة ، وهذا ليس بحث ـ كما نقول ـ استهواء ، بل هو منهج علمي منقّح ، معادلة .
فضروري جداً ـ مرارا وكرارا ـ ننبّه أنفسنا والأخوة جميعاً أنه لا يمكنني أن أستقي كل معالم أهل البيت من خلال فتوى أو رأي أحد العلماء أو اثنين أو مجموعة أو طبقة ، وذكروا هذا في علم الأصول ، فلا يمكنني الاقتصار في الإجماع على طبقة دون طبقة ، فهذا غير منطقي ، وليس إجماعاً ، فأنت استقصيت لي الأولين والآخرين ، فيأتيني أحدهم فيقول : لم أجد في كتب علم الكلام الكتاب الكذائي والكتاب الكذائي لم أجد فيه ذكراً لفاطمة ، وإنما فقط ذكر سيد الأنبياء للنبوّة ، وذكر الأئمة الاثني عشر .
الجواب : قبل أن يكون مصدرنا كتب البشر ، فمصدرنا الكتاب والسنة ، كتاب الله وسنّة المعصومين ، كتاب الله أعظم من كتب البشر بلا شك ، وهو المصدر الأول ، ثم ـ
ولو أتينا إلى الدرجة اللاحقة وهي كتب العلماء ـ مَنْ قال لك أن كتاب فلان وفلان ، بل مجموع كتب الإمامية ، أنت انظر إلى كتب المحدّثين المختصّة بالعقائد ، انظر كيف موقعيّة فاطمة سلام الله عليها ، فاطمة وليّة الأمر ، فمن العقائد الأساسية في مدرسة أهل البيت أن فاطمة من ولاة الأمر ، نعم الإمامة شيء آخر ، ولكن ولاية الأمر بين وبين مقام الإمامة عموم من وجه ، ومقامات المعصومين ليست تقتصر على نبوة وإمامة ، من باب المثال المختصر أذكره : القرآن الكريم عندما يعرّف لنا مقامات سيد الأنبياء والمناصب الإلهية التي حباها الله لسيد الأنبياء ، أول مقام يبيّنه القرآن هي الشهادة وليست النذارة أو البشارة ، حيث قال : { إنا أرسلناك شاهداً ومبشِّراً ونذيرا وداعيا إلى الله } وغيرها من المقامات عديدة ، الآن كتب المتكلّمين لم تستوعب كل هذه الحقائق الوحيانية ، أصلاً العقائد ليست محلّ تقليد ، فضلاً عن أنْ يكون البحث في مقام التحقيق مبني على التقليد ، أو مقام الاجتهاد والتحقيق مبني على التقليد ، كراراً مرّ بنا هذا البحث ، أن الزيارة الواحدة ، الزيارات للمعصومين عبارة عن دورة لمنظومة عقائدية لأهل البيت عليهم السلام ، قالها كُبَّار علماء الإمامية جيلاً بعد جيل ، هل تريد منظومة عقائدية تحفظها بالكامل ، زيارة عاشوراء ، زيارة وارث ، زيارة أمين الله ، منظومة عقائدية كاملة متكاملة ، أما تأتينا بما ألَّفه العالِم الفلاني قدس الله سرّه وشكر الله سعيه ، فهو إنما اغترف بقدر وسعه ، { وأنزلنا من السماء ماءاً بأودية فسالت بقدرها } كل وادي بقدره ، ولكن السيل الوحياني النازل له أودية عديدة ، وليس وادياً واحداً ، تأتي لأحدهم بنصٍّ قرآني ، فيقول : ولكن الكتاب الفلاني للعالم الفلاني ليس فيه ، أقول وليكن يا أخي ، فالبحث مقام تقليد أو تحقيق ؟ أصلاً في العقائد غير جائز ، التعلُّم والتحقيق هو الواجب المبرئ للذمّة ، لذا مجموع علماء الإمامية ومجموع الأجيال من محدِّثين وأصوليين وإخباريين ومفسِّرين ومتكلِّمين وفلاسفة وعُرفاء ، لعلمك لا يقتصر على المتكلِّمين بل يشمل العُرفاء أيضاً من ذوي الاستقامة ، ويشمل الفلاسفة من ذوي الاستقامة أيضاً ، أصلاً معارف أهل البيت ليس حكراً على مشرب ، بل مجموع المشارب ، لا يوجد واحد أحد لا شريك له ، بل مجموع هذه المشارب ، إيَّانا أن يستغفلنا مشرب من المشارب فيقول : أنا الوحيد لأهل البيت ، أبداً ، بل مجموع مشارب عديدة بأدلّة موزونة ، فالغثُّ والجفاء يذهب جفاءاً والصحيح هو الصح ، هذا لا بُدَّ من الالتفات إليه .
فكونها عليها السلام ولية أمر ، أمرٌ مبدَّه ، هي تُذكر في زيارات أهل البيت بعد أمير المؤمنين وقبل الحسن والحسين وقبل الأئمة ، تُذكر يعني كمقام وذات شأن وحجيّة ، وهذا معنىً مستفيض في روايات أهل البيت عليهم السلام بأنّ أئمة أهل البيت أحد مصادر علم الحسن والحسين والأئمة التسعة ، فأحد مصادرهم اللدنيّة مصحفُ فاطمة ، فهي معلِّمة ـ ليس لي ولك ولعموم أوصاف البشر ، لا ، بل لفوق ذلك ، عندما يقول الإمام الصادق وغيره من أئمة أهل البيت أن أحد مصادر علومنا مصحف فاطمة ، وليس رواية أو روايتين أو ثلاث ، فتراث الشيعة لا يقتصر على كتاب واحد ، فليس صحيحاً أن أراجع بشأن مصحف فاطمة كتاب الكافي فقط ، نعم أن الكافي عظيم ولكنه لا يمثّل كل تراث أهل البيت ، الكتب الأربعة عظيمة ولكنّها لا تمثّل كل تراثهم ، يُخطئ مَنْ يتوهَّم أن تراث أهل البيت ينحصر في أربعة كتب أو خمسة أو ستة كتب ، تراث أهل البيت عميق ، نعم يحتاج إلى تدقيق وتنقيط وتنقيب وموازين ، طبعاً وبلا شك ، ولكن أن نحصر المصدر لا ، والتتبع لا الكسل سيّد الموقف ، مصحف فاطمة تكون هي عليها السلام مصدر من مصادر علم أهل البيت عليهم السلام ، ماذا يعني ؟ معلّمة لأهل البيت ماذا يعني ؟
هذا هو عين معنى أنها حجّة على الأئمة ، لأنّها هي الوسيط بين الغيب وبين الأئمة ، يعني الحجّة
نعم بصريح الكلمة ، هذا المصحف لفاطمة لم تتلقاه فاطمة من شفتي النبي المبارك ، هل هناك شيء يتلقّاه أحد من غير النبي حجّة ؟ لا ، فلا بُدَّ من وساطة سيّد الأنبياء ، لأنّه هو النبي بين الله وبين خلقه ، فأول واسطة وأعظم واسطة هو سيّد الأنبياء ، في كل نصوصنا أن فاطمة لم تتلقَّ هذا المصحف ـ يعني كتاب وليس قرآناً بل هو كتاب فيه علم لدنّي إلهي ـ من شفتي النبي صلى الله عليه وآله ، ولكنّها تلقّته من نور النبي ، علي وفاطمة والحسن والحسين وأئمة أهل البيت عليهم السلام ليسوا كبقيّة الناس مصدر علومهم فقط شفتي النبي المباركتين ، فأحد مصادر علومهم نورُ النبي ، هم على اتّصال دائم بنور النبي ، كيف بدن النبي ونفس النبي النازلة على اتّصال ـ كالانترنت ـ بنور النبي ، كذلك علي وفاطمة والحسن والحسين وأئمة أهل البيت عليهم السلام يتّصلون بنور النبي ، وهذا يُشير إليه نصوص كثيرة قرآنية وروائيّة بين الفريقين ، فأحدها ـ من باب التنبيه وإلاّ فالأدلة أكثر فأكثر ـ : سورة براءة نزل جبرئيل بحديث قدسي من الله للنبي مفاده : ( يا محمّد لا يبلِّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك ) ، وبعضها ( أو علي ) ، ولكن كيف الإنسان يتصوّر الإنسان المعنى ؟ يُبلِّغ الرسول عن الرسول ؟ يبلِّغ النبي عن النبي ، شخص يبلّغ عن نفسه ؟ كيف ذلك ؟ وهل يوجد اثنان حتّى يبلّغ أحدهما عن الآخر ؟ فهو هو ، يعني مقام الرسول النوري لا يبلِّغ عنه إلاّ بدن النبي أو بدن علي ، أو بدن فاطمة ، أو بدن الحسنين ، أو أبدان الأئمة عليهم السلام .
( لا يبلّغ عنك ) أي عن مقامك النوري ، لأن الضمير يعني نورك الذي يتلقّى من الله الغيب ـ ( إلاّ أنت ) يعني بدنك ونفسك النازلة ( أو رجل منك ) فبدن علي ونفس علي ونور علي من نور النبي ، و ( فاطمة بضعة منّي ) ، فـ ( منّي ) ليس حناناً أبوياً عاطفيّاً ، بل بياناً نوريّاً ، وبياناً دينيّاً أديانيّاً ، ( فاطمة بضعة منّي ) قراءة أديانيّة لهذا الحديث الشريف نقرؤها ، وليس قراءة أبوية عاطفيّة نازلة هابطة ، لا النبي بما هو نبي يقول ( فاطمة بضعة مني ) ، والله يقول ( لا يبلِّغ عنك إلا أنت ) وهي معادلة ناخرة في عقائد المسلمين ، رواها الفريقان ( أو رجل منك ) أي إنسان منك ، فليس المراد برجل أي الرجولة ، فهناك فرق في اللغة بين الرجولة وبين الذكورة ، { رجال لا تلهيهم .. } بمعنى الصلابة { رجال صدقوا } ليس المقصود الذكور فقط ، بل المقصود الصلابة ، على أي حال هذا بحث آخر الفرق بين الذكورة والرجولة .
( لا يبلِّغ عنك إلا أنت أو رجل منك ) يعني ( فاطمة بضعة منّي ) يعني إذا بلّغت عنّي فتبلِّغ عن مقام النور للنبي ، وبين النبي وأئمة أهل البيت الأحد عشر لا بُدّ من وساطة فاطمة عليها السلام ، مصحف فاطمة ، علم فاطمة وساطة حجيّة ، أنا عندما أتلقّى الدين ومعارف الدين ، وأحكام الدين عن أئمة الدين ، يقول لي أئمة الدين ، قد تلقّينا ذلك من جدّتنا فاطمة ، أليست أنت تتبعهم ، نعم ، تدين الله بالإئتمام بهم ، ها هم يصرّحون أنّا قد أخذنا ذلك من جدّتنا فاطمة ، كيف النبي يقول : قد أخذته عن جبرئيل ؟ هم أئمة الدين يقولون أنّنا أخذناها عن جدّتنا فاطمة ، وهي تلقّته عن أبيها رسول الله ، فهي منه ، فهي معلِّمة لأئمة الدين ، حجة على أئمة الدين ، وليس فقط الروايات حول مصحفها ، الآن سنأتي لنصوص القرآن الكريم ، ومِنْ ثَمَّ هي وليّة الأمر ، أمر عالم الأمر ، { له الخلق وله الأمر } يعني عالم الإبداع ، { إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } فعالم الأمر يعني عالم الإبداع { يسألونك عن الروح فقل الروح من أمر ربّي } وليّة الأمر يعني تلي عالم الأمر ، وصاحبة عالم الأمر ، وليّة الأمر ليس هنا إلاّ البُعد السياسي والقيادة السياسيّة فقط ، الأئمة أولياء الأمر { أطيعوا لله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ليس المُراد منهم مقتصراً على الحاكمية السياسية فقط ، فهذا بُعدٌ نازل جداً من معنى ولاية الأمر ، أصل ولي الأمر هو الأمر الملكوتي ، الاتّصال بالملكوت الأعلى ، مَنْ وليّه ، ومَنْ صاحبُه بعد النبي ؟ علي وفاطمة ثم الحسن والحسين .
فكونها عليها السلام وليّة الأمر لمن الأسس المتجذِّرة في العقائد والمعارف في مدرسة مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، كيف اعتقادنا بجبرائيل ، لماذا يُلزِمُنا القرآن الكريم ـ مثلاً ـ بأن جبرائيل أمين الله على وحيه ـ كما في سورة التكوير وغيرها من السورة ـ كقوله { إنّه ـ القرآن ، وهو مصدر عظيم عندكم يصفه القرآن ـ لقول رسول كريم ـ يعني جبرائيل ـ ذي قوّة عند ذي العرش مكين } أنت أيها المسلم وأيها المؤمن ، رغم أنه كلام الله ، فهو قول جبرائيل عن الله تعالى ، أمانة جبرائيل يجب أن نعتقد بها أو لا ؟ طبعاً ، وإلاّ لتزعزع عقائدنا ، لِمَ ؟ لأن الواسطة في القرآن هو جبرائيل ، جبرائيل ملك وليس بشراً ولا يتعاطى مع الناس ، لماذا نؤمن بحجيّته ؟ طبعاً للضرورة ، لأن جبرائيل واسطة بين المقام النازل لسيّد الأنبياء عليه السلام وعرش الرحمن ، النبي لم تتنزّل عليه الشياطين ولا يستطيعون ، فالذي تنزّل عليه وأحد مصادر وحي النبي جبرائيل ، صحيح أنّنا نحن البشر الآن لسنا في تماس مباشر مع جبرائيل ، ولكن جبرائيل واسطة لوحي الله وبين سيّد الأنبياء ـ يعني المقام النازل لسيد الأنبياء ، لأن لذات النبي مقامات وطبقات وجودية ، فالواسطة بين الطبقة الوجودية النازلة وعرش الرحمن هو جبرائيل ـ فهل من اللازم الاعتقاد بحجيّة وأمانة جبرائيل ؟ نعم ، يجب أن تعتقد ، وإلاّ لتزلزل اعتقادك بنبوّة نبي الله ، لأن أحد مصادر وحي سيّد الأنبياء وساطة جبرائيل .
إذاً : الاعتقاد بأنَّ جبرائيل أمين وحي الله عقيدة ، ولا يستتم لدى أي مسلم الشهادة لرسول الله بالرسالة إلا وتتقوَّم تلك الشهادة بأن جبرائيل أمين الله ، وأمين وحيه ، وإنْ كان جبرائيل ليس إماماً ، وإن لم يكن نبيّاً ، وإن لم يكن قائداً بشريّاً ، فمع ذلك فلا بُدَّ للبشر أن يعتقدوا بأنّه حجّة الله وأمينه على وحيه ، وإلاّ لتزلزل اعتقادهم بنبوّة سيّد الأنبياء .
وهذا تمثيل ذكرته لموقعيّة فاطمة عليها السلام ، فاطمة عندما تكون وسيط علمي بين نور النبي وأئمة أهل البيت ، يعني أنت لا تستطيع أيها المؤمن أن تعتقد بإمامة أهل البيت إلا وتقرّ لفاطمة بالحجيّة ، الحجيّة الإلهيّة وبالعصمة وبالاخبار بالغيب ، وبأنها وليّة الأمر ، وصاحبة الملكوت الأعلى ، لماذا ؟ لأن أحد مصادر علم أهل البيت هو مصحف فاطمة وعلم فاطمة ، وإن لم تكن إماماً ، وإن لم تكن قائداً عسكرياً ـ كما أن جبرائيل ليس إماماً ولا قائداً عسكريا ، ولكن من الواجب الاعتقاد بأن جبرائيل أمين الله على وحيه ، وهذا أمين ليس كخبر الراوي العادل ، فأين خبر الراوي العادل من البشر الغير معصوم وبين كون جبرائيل أمين الله ، هنا أمانة على الوحي ، أمانة من سنخ عالم النور اللدنيّة ، ليس من الضروري في الحجج أن يكون هناك تماس مباشر بين الحجج وبين أولئك الحجج ، فبعض الحجج ممن لهم مقامات عظيمة هم لهم إدارة في مجموعة في مجموعة الحجج ، لهم إدارة وإشراف في ظل طاقم الحجج ، فاطمة عليها السلام ـ كما يبيّن لنا القرآن كما سنبيّن جملة من الشواهد ـ وليّة الأمر مفترضة الطاعة على أئمة أهل البيت عليهم السلام ، بدءً من الحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين ، مفترضة الطاعة عليهم ، فضلاً عن بقيّة الأنبياء والمرسلين ، هذا ليس شطط من الكلام نريد أن نقفز إليه بقدر ما هي قوالب ونصوص قرآنيّة ، الآن سنبيّنها بشكل بيّن في القرآن الكريم ، فليس من الضروري في الحجج أن يكون هناك ارتباط مباشر بين البشر وبين أولئك الحجج ، هذا يجب أن نلتفت إليه ، فكثيراً ما يكون الحجّة من الحجج لعلوِّ مقامه ارتباطه بالبشر ليس مباشراً بل عبر حجج معصوميّة أخرى ، وأمثلته كثيرة ، فلاحظوا مثلاً : سيد الأنبياء عليه السلام ارتباطه بالأمم السابقة ، قوم نوح وقوم إبراهيم وموسى وعيسى ، عبر مَنْ ؟ هل ارتبط سيد الأنبياء بتلك الأمم مباشرة ؟ لا ، فمَنْ كان مبلِّغاً عنه لتلك الأمم ؟ بنصِّ القرآن الكريم في آية 81 من سورة آل عمران تبيّن أن الواسطة هم الأنبياء ، فهم أنبياء لنبي الله { وإذ أخذ الله من النبيين ميثاقهم لمّا آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لِمَا معكم } وأكرر : { ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم } ، وأكرر مرة ثالثة : { ثم جاءكم رسول مصدِّق لما معكم } يُخاطب الله الأنبياء { لتؤمنون به ولتنصرنّه } أنتم تابعون له ، المقصود أن هذه آية عظيمة في شأن سيّد الأنبياء فكان رسل سيد الأنبياء للأمم السابقة هم الرسل السابقين ، فحجيّة رسول الله على تلك الأمم مفروغة ، ولكنّها ليست بالمباشرة ، بل بواسطة ، لأنَّ العقيدة من الدين وليست من الشريعة ، فالشهادة الأولى والشهادة الثانية والشهادة الثالثة كاعتقادات ليست خاصّة وليست من شريعة الإسلام ، بل هي من دين الإسلام ، فالدين واحد لدى كل الأنبياء { إن الدين عند الله الإسلام } دين آدم ودين نوح ودين إبراهيم وموسى وعيسى واحد ، فإذا كان الترتيب في دين الإسلام أول عقيدة التوحيد ، ثم نبوة سيد الأنبياء ثم ولاية أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين ، فهذا الترتيب ليس خاصّ ببعثة سيّد الأنبياء ، هذا الترتيب في نظام الدين التي بعث فيها آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسليمان وداود ويحيى وشيث وإسماعيل وإلياس وغيرهم ، أول اعتقاد هو التوحيد وثانيه هو سيد الأنبياء وثالثه هو سيد الأوصياء وفاطمة الزهراء ، أليست هي سيدة نساء أهل الجنّة ، ولم يقل سيّدة زمانها فقط ، سؤددها على مريم مأخوذ في دين الله ، سؤددها على حواء مأخوذ في دين الله ، وسؤددها على سارة ـ أم إسحاق أم يعقوب أم الأنبياء ـ مأخوذ في دين الله .
تواتر الحديث عند المسلمين ( سيدة نساء أهل الجنّة ) سؤددها على أم موسى ، وسؤددها على خديجة ، وسؤددة على جميع نساء أهل الجنّة ، أهل جهنّم لا يعنينها أمرهم ، بل يعنينها نساء أهل الجنّة ، كل مَنْ يكون من أهل الجنة فسؤددهم لفاطمة دون غيرها ، فإذا كان القرآن الكريم يقول : مريم ، ثم يأتي القرآن ليقول : سيّدة مريم ، فكيف إذاً بمقام فاطمة ؟ لذلك القرآن الكريم يقول إنما مريم مثلٌ ضربتُه لكم أيها البشر لفاطمة ، وهو قوله { إنَّ في قصصهم عبرة } يعني عبور ، لا تقف عند مريم ، اعبر ، اعتبر ، مثل لذي مثل ، عبرة عبور تعبر من مريم ـ كما يقول سيد الأنبياء ( اعبر منها لمريم الكبرى ) ـ لأن مريم اسم علم ، ولكنّه أُخِذَ للوصف ، بمعنى الطاهرة والبتول ، فإن كانت مريم طاهرة متبدتلة فهناك مَنْ هي أطهر من مريم بنصِّ القرآن ، أنّ فاطمة أطهر من مريم ، فاطمة أكثر اصطفاءً من صفاء مريم ، لأن الله لم يشارك في طهارة سيد الأنبياء امرأة غير فاطمة وعلي والحسن والحسين في آية التطهير ، طهارة سيد الأنبياء لا يشاكلها ولا يجانسها ولا يمثالها ولا يكيّفها ولا يشبهها طهارة نبي من الأنبياء ، لكن الله عزّ وجل شاركَ وماثلَ ، فطهارة فاطمة وعلي والحسن والحسين تبعاً لطهارة سيد الأنبياء ، { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } لفظة جمع ، وليست لفظة انفراد لسيّد الأنبياء ، أولهم ـ لضروة الدين وشهادة القرآن ـ سيد الأنبياء ، فأول أهل البيت النبي من أهل البيت ، بيت النبوة ، لذا يُنادي القرآن صفاء واصطفاء فاطمة أعظم من اصطفاء وصفاء مريم ، لم يشارك القرآن بين اصطفاء مريم واصطفاء محمد صلى الله عليه وآله ، أصلاً القرآن لم يشابه ولم يشاكل بين اصطفاء وصفاء نوح وإبراهيم وموسى وعيسى مع سيد الأنبياء ، جعل لسيد الأنبياء طبقة من الطهارة لا يشاركه فيها الأنبياء أولي العزم ، فقط يُشاركه فيها أهل بيته ـ فاطمة وعلي والحسن والحسين ثم التسعة من ولد الحسين ـ ، نور النبي لم يُشاركه فيه ـ حسب نصّ القرآن ـ بقيّة الأنبياء في طبقته ، وقد شارك القرآن نور الأربعة مع النبي في سورة النور { مثل نوره كمشكاة } خمسة أنوار ، وبعد ذلك تسعة أنوار { نور على نور } نور إثر نور ، متعاقب الأنوار التسعة ، بنصِّ روايات الفريقين .
المقصود أنّ هناك مقامات خصّصها القرآن بخاصّة مخصّصة متميّزة لسيد الأنبياء لم يشاركه فيها غير فاطمة وعلي والحسن والحسين دون إبراهيم وموسى وعيسى ومريم وآدم ، هذه معادلات قرآنية ، هذه حقائق قرآنية ، هذا ليس شعراً وليس نثراً ، وليس كلام بشر ، بل كلام وحقائق الوحي من ربّ العزّة { كل شيء خلقناه بقدر } وليس فيه تمييع ، إنّما هو حقّ الحقيقة .
ولية الأمر في سورة الحشر الولاية بالفيء { ما أفاء الله على رسوله من أهل القُرى فلله وللرسول ولذي القربى } فليس أول القربى عيسى ولا إبراهيم ولا أولي العزم ، بل فاطمة ، أول قربى النبي فاطمة ، هي همزة الوصل بين النبي وعلي ، وبين النبي والحسنين ، وبين النبي والأئمة المعصومين ، ( هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ) لاحظ { أولي القربى } ، { المودة في القربى } قربى سيد الأنبياء ، وأولهم فاطمة .
وصلى الله عليها ورزقنا الله ولايتها وشفاعتها وحبها والانقياد لها .
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
تقرير : علي الفاروق
تاريخ التقرير : الأربعاء 15 / جمادى الأولى / 1434 هـ
وأرجو ألاّ تنسونا من الدعاء
العنوان : فاطمة عليها السلام ولية الأمر
المحاضِر : الشيخ محمّد السّند
التاريخ : الأربعاء 12 / جمادى الأولى / 1433
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وأشرف المرسلين محمد وآله الأوصياء الخلفاء .
عظم الله أجورنا وأجوركم بشهادة الصديقة فاطمة الزهراء بضعة المصطفى وريحانة الرسول وبهجته ومهجته .
وهي الحجّة من حجج الله الأربعة عشر ، هناك الكثير من المؤمنين بل ربّما من أهل الفضل والفضيلة في غفلة عميقة جداً من منظومة العقائد الإيمانيّة ، والكثير من أهل الفضل ربّما يتخيّل أن يقتنص عقائده من كتاب ـ مثلاً ـ الباب الحادي عشر للعلامة الحلّي ، أو من كتاب التجريد للخواجه وشرح العلامة ، أو من كتاب آخر لآخر ، وهذا الانزواء أو العكوف على مصدر أو مصدرين لا ريب أنه يوجب للإنسان غفلة بعيدة عن الحقائق التي يتقوَّم بها الإيمان ، لأنّ ما كتبه العلماء الأعلام ، واحد منهم أو ثانٍ منهم أو ثالث منهم ليس بالضرورة أن يكون كامل البناء .
مراراً ذكرنا سلسلة عقائدية مجموعة بقلم الصدوق رحمة الله عليه ـ مثلاً ـ ، أو بقلم الكليني رحمة الله عليه ، أو بقلم بقيّة الأعلام ، أقلام عديدة ، في الحقيقة الذي يمثّل حتّى المسار الرسمي لمذهب علماء الإمامية لا يمكن أن نحصره في كتاب واحد لعالم واحد ، بل ولا في مجموعة كتب لعالم واحد ، بل ولا في مجموعة كتب لطبقة واحدة في قرن واحد لعلماء الإمامية ، فلا يمكن أن نستوفي أو نصل إلى مجموعة عقائد الإماميّة عبر هذا المقدار وهذا المقطع ، أبدا لا يمكنني أن أصل إلى المنظومة الكاملة لعقائد الإمامية من خلال عالم واحد ، أو عالمين أو مجموعة من جيل أو جيلين ، بل مجموع أجيال علماء الإمامية ، منذ عهد الأئمة إلى يومنا هذا ، المجموع بما هو مجموع جسر واصل بيننا وبين أئمة أهل البيت عليهم السلام .
لذا لا يمكن أبداً أن يُخلّص ويُختصر المذهب في شخصية واحدة من علماء الإمامية ، يُخطئ مَنْ يتوهّم ذلك ، ويتوهّم ويكون بعيدا عن الحقيقة مَنْ يتخيّل ذلك ، في الحقيقة مذهب الإمامية إنما يمكن أن يتمثّل بمجموع علماء الإمامية ، بل وأزيد شيئاً إضافياً ، وهو ليس فقط علماء الإمامية ، بل سيرة أتباع أهل البيت عليهم السلام مجموعها عبر الأجيال المختلفة بما فيهم علماء الإمامية ، فمجموع كل ذلك يمثّل جسراً واصلاً بيننا وبين أئمة أهل البيت عليهم السلام .
هذا منهج يجب أن لا نغفل عنه أبداً ، وللأسف كثير من أهل الفضل وأهل التحقيق وأهل التحصيل يريد أن يلخّص لي معلم مذهب أهل البيت من خلال عالم أو عالمين أو ثلاثة ، لا يمكن يا أخي ، أئمة أهل البيت ومدرسة أهل البيت بحر طمطام ، لا يستوعب كلّ بحره عالم أو عالمين أو ثلاثة أو أربعة ، هذه حقيقة وليست عاطفة ندغدغ بها أحاسيسنا ، لذلك في علم الرجال ذكرت أنه لا يمكن أن نحصر تراث أهل البيت والقيّم على تراث أهل البيت شخصية باسم النجاشي ، لا يمكن أبداً أو شخصية متكوّنة من خمسة أو ستّة أشخاص ، تراث أهل البيت العظيم لا يمكن أن تكون القيّمية عليه خمسة أشخاص من علماء الإمامية ، أبداً لا يُمكن ، هذا منهج خاطئ في علم الرجال ، وهو منهج منكوس في علم الرجال ، تراث أهل البيت كل مجموع علماء الإماميّة مؤمّنون عليه ، لا أنه مجموعة خمسة أو ستة أو سبعة أشخاص ، هذا يعيش في ضيق أفق ، في منهج لا علمي ، وليس في منهج علمي ، مَنْ يحصر تصحيح أو غربلة أو تقييم هذا التراث الواصل لنا عبر خمسة أو ستة أو سبعة أو عشرة من علماء الإمامية ، أبداً لا يكون تراث أهل البيت حكر على عشرة أو عشرين ، وليس لهم أيّ صفة وصاية رسمية لا منهجية ولا منطقيّة ، كل علماء الإمامية بمجموعتهم وسيرة أجيالهم نعم جسر واصل ، لذلك أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح هم أيضاً لهم دور ، لا يمكننا أن نشطّبهم ، نقول : قاعدة الإجماع في الرجال غير صحيحة ، النجاشي هو الأول والأخير ، هذا في الحقيقة ضعيف ليس علمي ، بعيد عن العلمية الكثير ، المنهج العلمي أن يكون الكل له مشاركة ، وهذا ليس بحث ـ كما نقول ـ استهواء ، بل هو منهج علمي منقّح ، معادلة .
فضروري جداً ـ مرارا وكرارا ـ ننبّه أنفسنا والأخوة جميعاً أنه لا يمكنني أن أستقي كل معالم أهل البيت من خلال فتوى أو رأي أحد العلماء أو اثنين أو مجموعة أو طبقة ، وذكروا هذا في علم الأصول ، فلا يمكنني الاقتصار في الإجماع على طبقة دون طبقة ، فهذا غير منطقي ، وليس إجماعاً ، فأنت استقصيت لي الأولين والآخرين ، فيأتيني أحدهم فيقول : لم أجد في كتب علم الكلام الكتاب الكذائي والكتاب الكذائي لم أجد فيه ذكراً لفاطمة ، وإنما فقط ذكر سيد الأنبياء للنبوّة ، وذكر الأئمة الاثني عشر .
الجواب : قبل أن يكون مصدرنا كتب البشر ، فمصدرنا الكتاب والسنة ، كتاب الله وسنّة المعصومين ، كتاب الله أعظم من كتب البشر بلا شك ، وهو المصدر الأول ، ثم ـ
ولو أتينا إلى الدرجة اللاحقة وهي كتب العلماء ـ مَنْ قال لك أن كتاب فلان وفلان ، بل مجموع كتب الإمامية ، أنت انظر إلى كتب المحدّثين المختصّة بالعقائد ، انظر كيف موقعيّة فاطمة سلام الله عليها ، فاطمة وليّة الأمر ، فمن العقائد الأساسية في مدرسة أهل البيت أن فاطمة من ولاة الأمر ، نعم الإمامة شيء آخر ، ولكن ولاية الأمر بين وبين مقام الإمامة عموم من وجه ، ومقامات المعصومين ليست تقتصر على نبوة وإمامة ، من باب المثال المختصر أذكره : القرآن الكريم عندما يعرّف لنا مقامات سيد الأنبياء والمناصب الإلهية التي حباها الله لسيد الأنبياء ، أول مقام يبيّنه القرآن هي الشهادة وليست النذارة أو البشارة ، حيث قال : { إنا أرسلناك شاهداً ومبشِّراً ونذيرا وداعيا إلى الله } وغيرها من المقامات عديدة ، الآن كتب المتكلّمين لم تستوعب كل هذه الحقائق الوحيانية ، أصلاً العقائد ليست محلّ تقليد ، فضلاً عن أنْ يكون البحث في مقام التحقيق مبني على التقليد ، أو مقام الاجتهاد والتحقيق مبني على التقليد ، كراراً مرّ بنا هذا البحث ، أن الزيارة الواحدة ، الزيارات للمعصومين عبارة عن دورة لمنظومة عقائدية لأهل البيت عليهم السلام ، قالها كُبَّار علماء الإمامية جيلاً بعد جيل ، هل تريد منظومة عقائدية تحفظها بالكامل ، زيارة عاشوراء ، زيارة وارث ، زيارة أمين الله ، منظومة عقائدية كاملة متكاملة ، أما تأتينا بما ألَّفه العالِم الفلاني قدس الله سرّه وشكر الله سعيه ، فهو إنما اغترف بقدر وسعه ، { وأنزلنا من السماء ماءاً بأودية فسالت بقدرها } كل وادي بقدره ، ولكن السيل الوحياني النازل له أودية عديدة ، وليس وادياً واحداً ، تأتي لأحدهم بنصٍّ قرآني ، فيقول : ولكن الكتاب الفلاني للعالم الفلاني ليس فيه ، أقول وليكن يا أخي ، فالبحث مقام تقليد أو تحقيق ؟ أصلاً في العقائد غير جائز ، التعلُّم والتحقيق هو الواجب المبرئ للذمّة ، لذا مجموع علماء الإمامية ومجموع الأجيال من محدِّثين وأصوليين وإخباريين ومفسِّرين ومتكلِّمين وفلاسفة وعُرفاء ، لعلمك لا يقتصر على المتكلِّمين بل يشمل العُرفاء أيضاً من ذوي الاستقامة ، ويشمل الفلاسفة من ذوي الاستقامة أيضاً ، أصلاً معارف أهل البيت ليس حكراً على مشرب ، بل مجموع المشارب ، لا يوجد واحد أحد لا شريك له ، بل مجموع هذه المشارب ، إيَّانا أن يستغفلنا مشرب من المشارب فيقول : أنا الوحيد لأهل البيت ، أبداً ، بل مجموع مشارب عديدة بأدلّة موزونة ، فالغثُّ والجفاء يذهب جفاءاً والصحيح هو الصح ، هذا لا بُدَّ من الالتفات إليه .
فكونها عليها السلام ولية أمر ، أمرٌ مبدَّه ، هي تُذكر في زيارات أهل البيت بعد أمير المؤمنين وقبل الحسن والحسين وقبل الأئمة ، تُذكر يعني كمقام وذات شأن وحجيّة ، وهذا معنىً مستفيض في روايات أهل البيت عليهم السلام بأنّ أئمة أهل البيت أحد مصادر علم الحسن والحسين والأئمة التسعة ، فأحد مصادرهم اللدنيّة مصحفُ فاطمة ، فهي معلِّمة ـ ليس لي ولك ولعموم أوصاف البشر ، لا ، بل لفوق ذلك ، عندما يقول الإمام الصادق وغيره من أئمة أهل البيت أن أحد مصادر علومنا مصحف فاطمة ، وليس رواية أو روايتين أو ثلاث ، فتراث الشيعة لا يقتصر على كتاب واحد ، فليس صحيحاً أن أراجع بشأن مصحف فاطمة كتاب الكافي فقط ، نعم أن الكافي عظيم ولكنه لا يمثّل كل تراث أهل البيت ، الكتب الأربعة عظيمة ولكنّها لا تمثّل كل تراثهم ، يُخطئ مَنْ يتوهَّم أن تراث أهل البيت ينحصر في أربعة كتب أو خمسة أو ستة كتب ، تراث أهل البيت عميق ، نعم يحتاج إلى تدقيق وتنقيط وتنقيب وموازين ، طبعاً وبلا شك ، ولكن أن نحصر المصدر لا ، والتتبع لا الكسل سيّد الموقف ، مصحف فاطمة تكون هي عليها السلام مصدر من مصادر علم أهل البيت عليهم السلام ، ماذا يعني ؟ معلّمة لأهل البيت ماذا يعني ؟
هذا هو عين معنى أنها حجّة على الأئمة ، لأنّها هي الوسيط بين الغيب وبين الأئمة ، يعني الحجّة
نعم بصريح الكلمة ، هذا المصحف لفاطمة لم تتلقاه فاطمة من شفتي النبي المبارك ، هل هناك شيء يتلقّاه أحد من غير النبي حجّة ؟ لا ، فلا بُدَّ من وساطة سيّد الأنبياء ، لأنّه هو النبي بين الله وبين خلقه ، فأول واسطة وأعظم واسطة هو سيّد الأنبياء ، في كل نصوصنا أن فاطمة لم تتلقَّ هذا المصحف ـ يعني كتاب وليس قرآناً بل هو كتاب فيه علم لدنّي إلهي ـ من شفتي النبي صلى الله عليه وآله ، ولكنّها تلقّته من نور النبي ، علي وفاطمة والحسن والحسين وأئمة أهل البيت عليهم السلام ليسوا كبقيّة الناس مصدر علومهم فقط شفتي النبي المباركتين ، فأحد مصادر علومهم نورُ النبي ، هم على اتّصال دائم بنور النبي ، كيف بدن النبي ونفس النبي النازلة على اتّصال ـ كالانترنت ـ بنور النبي ، كذلك علي وفاطمة والحسن والحسين وأئمة أهل البيت عليهم السلام يتّصلون بنور النبي ، وهذا يُشير إليه نصوص كثيرة قرآنية وروائيّة بين الفريقين ، فأحدها ـ من باب التنبيه وإلاّ فالأدلة أكثر فأكثر ـ : سورة براءة نزل جبرئيل بحديث قدسي من الله للنبي مفاده : ( يا محمّد لا يبلِّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك ) ، وبعضها ( أو علي ) ، ولكن كيف الإنسان يتصوّر الإنسان المعنى ؟ يُبلِّغ الرسول عن الرسول ؟ يبلِّغ النبي عن النبي ، شخص يبلّغ عن نفسه ؟ كيف ذلك ؟ وهل يوجد اثنان حتّى يبلّغ أحدهما عن الآخر ؟ فهو هو ، يعني مقام الرسول النوري لا يبلِّغ عنه إلاّ بدن النبي أو بدن علي ، أو بدن فاطمة ، أو بدن الحسنين ، أو أبدان الأئمة عليهم السلام .
( لا يبلّغ عنك ) أي عن مقامك النوري ، لأن الضمير يعني نورك الذي يتلقّى من الله الغيب ـ ( إلاّ أنت ) يعني بدنك ونفسك النازلة ( أو رجل منك ) فبدن علي ونفس علي ونور علي من نور النبي ، و ( فاطمة بضعة منّي ) ، فـ ( منّي ) ليس حناناً أبوياً عاطفيّاً ، بل بياناً نوريّاً ، وبياناً دينيّاً أديانيّاً ، ( فاطمة بضعة منّي ) قراءة أديانيّة لهذا الحديث الشريف نقرؤها ، وليس قراءة أبوية عاطفيّة نازلة هابطة ، لا النبي بما هو نبي يقول ( فاطمة بضعة مني ) ، والله يقول ( لا يبلِّغ عنك إلا أنت ) وهي معادلة ناخرة في عقائد المسلمين ، رواها الفريقان ( أو رجل منك ) أي إنسان منك ، فليس المراد برجل أي الرجولة ، فهناك فرق في اللغة بين الرجولة وبين الذكورة ، { رجال لا تلهيهم .. } بمعنى الصلابة { رجال صدقوا } ليس المقصود الذكور فقط ، بل المقصود الصلابة ، على أي حال هذا بحث آخر الفرق بين الذكورة والرجولة .
( لا يبلِّغ عنك إلا أنت أو رجل منك ) يعني ( فاطمة بضعة منّي ) يعني إذا بلّغت عنّي فتبلِّغ عن مقام النور للنبي ، وبين النبي وأئمة أهل البيت الأحد عشر لا بُدّ من وساطة فاطمة عليها السلام ، مصحف فاطمة ، علم فاطمة وساطة حجيّة ، أنا عندما أتلقّى الدين ومعارف الدين ، وأحكام الدين عن أئمة الدين ، يقول لي أئمة الدين ، قد تلقّينا ذلك من جدّتنا فاطمة ، أليست أنت تتبعهم ، نعم ، تدين الله بالإئتمام بهم ، ها هم يصرّحون أنّا قد أخذنا ذلك من جدّتنا فاطمة ، كيف النبي يقول : قد أخذته عن جبرئيل ؟ هم أئمة الدين يقولون أنّنا أخذناها عن جدّتنا فاطمة ، وهي تلقّته عن أبيها رسول الله ، فهي منه ، فهي معلِّمة لأئمة الدين ، حجة على أئمة الدين ، وليس فقط الروايات حول مصحفها ، الآن سنأتي لنصوص القرآن الكريم ، ومِنْ ثَمَّ هي وليّة الأمر ، أمر عالم الأمر ، { له الخلق وله الأمر } يعني عالم الإبداع ، { إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } فعالم الأمر يعني عالم الإبداع { يسألونك عن الروح فقل الروح من أمر ربّي } وليّة الأمر يعني تلي عالم الأمر ، وصاحبة عالم الأمر ، وليّة الأمر ليس هنا إلاّ البُعد السياسي والقيادة السياسيّة فقط ، الأئمة أولياء الأمر { أطيعوا لله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ليس المُراد منهم مقتصراً على الحاكمية السياسية فقط ، فهذا بُعدٌ نازل جداً من معنى ولاية الأمر ، أصل ولي الأمر هو الأمر الملكوتي ، الاتّصال بالملكوت الأعلى ، مَنْ وليّه ، ومَنْ صاحبُه بعد النبي ؟ علي وفاطمة ثم الحسن والحسين .
فكونها عليها السلام وليّة الأمر لمن الأسس المتجذِّرة في العقائد والمعارف في مدرسة مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، كيف اعتقادنا بجبرائيل ، لماذا يُلزِمُنا القرآن الكريم ـ مثلاً ـ بأن جبرائيل أمين الله على وحيه ـ كما في سورة التكوير وغيرها من السورة ـ كقوله { إنّه ـ القرآن ، وهو مصدر عظيم عندكم يصفه القرآن ـ لقول رسول كريم ـ يعني جبرائيل ـ ذي قوّة عند ذي العرش مكين } أنت أيها المسلم وأيها المؤمن ، رغم أنه كلام الله ، فهو قول جبرائيل عن الله تعالى ، أمانة جبرائيل يجب أن نعتقد بها أو لا ؟ طبعاً ، وإلاّ لتزعزع عقائدنا ، لِمَ ؟ لأن الواسطة في القرآن هو جبرائيل ، جبرائيل ملك وليس بشراً ولا يتعاطى مع الناس ، لماذا نؤمن بحجيّته ؟ طبعاً للضرورة ، لأن جبرائيل واسطة بين المقام النازل لسيّد الأنبياء عليه السلام وعرش الرحمن ، النبي لم تتنزّل عليه الشياطين ولا يستطيعون ، فالذي تنزّل عليه وأحد مصادر وحي النبي جبرائيل ، صحيح أنّنا نحن البشر الآن لسنا في تماس مباشر مع جبرائيل ، ولكن جبرائيل واسطة لوحي الله وبين سيّد الأنبياء ـ يعني المقام النازل لسيد الأنبياء ، لأن لذات النبي مقامات وطبقات وجودية ، فالواسطة بين الطبقة الوجودية النازلة وعرش الرحمن هو جبرائيل ـ فهل من اللازم الاعتقاد بحجيّة وأمانة جبرائيل ؟ نعم ، يجب أن تعتقد ، وإلاّ لتزلزل اعتقادك بنبوّة نبي الله ، لأن أحد مصادر وحي سيّد الأنبياء وساطة جبرائيل .
إذاً : الاعتقاد بأنَّ جبرائيل أمين وحي الله عقيدة ، ولا يستتم لدى أي مسلم الشهادة لرسول الله بالرسالة إلا وتتقوَّم تلك الشهادة بأن جبرائيل أمين الله ، وأمين وحيه ، وإنْ كان جبرائيل ليس إماماً ، وإن لم يكن نبيّاً ، وإن لم يكن قائداً بشريّاً ، فمع ذلك فلا بُدَّ للبشر أن يعتقدوا بأنّه حجّة الله وأمينه على وحيه ، وإلاّ لتزلزل اعتقادهم بنبوّة سيّد الأنبياء .
وهذا تمثيل ذكرته لموقعيّة فاطمة عليها السلام ، فاطمة عندما تكون وسيط علمي بين نور النبي وأئمة أهل البيت ، يعني أنت لا تستطيع أيها المؤمن أن تعتقد بإمامة أهل البيت إلا وتقرّ لفاطمة بالحجيّة ، الحجيّة الإلهيّة وبالعصمة وبالاخبار بالغيب ، وبأنها وليّة الأمر ، وصاحبة الملكوت الأعلى ، لماذا ؟ لأن أحد مصادر علم أهل البيت هو مصحف فاطمة وعلم فاطمة ، وإن لم تكن إماماً ، وإن لم تكن قائداً عسكرياً ـ كما أن جبرائيل ليس إماماً ولا قائداً عسكريا ، ولكن من الواجب الاعتقاد بأن جبرائيل أمين الله على وحيه ، وهذا أمين ليس كخبر الراوي العادل ، فأين خبر الراوي العادل من البشر الغير معصوم وبين كون جبرائيل أمين الله ، هنا أمانة على الوحي ، أمانة من سنخ عالم النور اللدنيّة ، ليس من الضروري في الحجج أن يكون هناك تماس مباشر بين الحجج وبين أولئك الحجج ، فبعض الحجج ممن لهم مقامات عظيمة هم لهم إدارة في مجموعة في مجموعة الحجج ، لهم إدارة وإشراف في ظل طاقم الحجج ، فاطمة عليها السلام ـ كما يبيّن لنا القرآن كما سنبيّن جملة من الشواهد ـ وليّة الأمر مفترضة الطاعة على أئمة أهل البيت عليهم السلام ، بدءً من الحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين ، مفترضة الطاعة عليهم ، فضلاً عن بقيّة الأنبياء والمرسلين ، هذا ليس شطط من الكلام نريد أن نقفز إليه بقدر ما هي قوالب ونصوص قرآنيّة ، الآن سنبيّنها بشكل بيّن في القرآن الكريم ، فليس من الضروري في الحجج أن يكون هناك ارتباط مباشر بين البشر وبين أولئك الحجج ، هذا يجب أن نلتفت إليه ، فكثيراً ما يكون الحجّة من الحجج لعلوِّ مقامه ارتباطه بالبشر ليس مباشراً بل عبر حجج معصوميّة أخرى ، وأمثلته كثيرة ، فلاحظوا مثلاً : سيد الأنبياء عليه السلام ارتباطه بالأمم السابقة ، قوم نوح وقوم إبراهيم وموسى وعيسى ، عبر مَنْ ؟ هل ارتبط سيد الأنبياء بتلك الأمم مباشرة ؟ لا ، فمَنْ كان مبلِّغاً عنه لتلك الأمم ؟ بنصِّ القرآن الكريم في آية 81 من سورة آل عمران تبيّن أن الواسطة هم الأنبياء ، فهم أنبياء لنبي الله { وإذ أخذ الله من النبيين ميثاقهم لمّا آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لِمَا معكم } وأكرر : { ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم } ، وأكرر مرة ثالثة : { ثم جاءكم رسول مصدِّق لما معكم } يُخاطب الله الأنبياء { لتؤمنون به ولتنصرنّه } أنتم تابعون له ، المقصود أن هذه آية عظيمة في شأن سيّد الأنبياء فكان رسل سيد الأنبياء للأمم السابقة هم الرسل السابقين ، فحجيّة رسول الله على تلك الأمم مفروغة ، ولكنّها ليست بالمباشرة ، بل بواسطة ، لأنَّ العقيدة من الدين وليست من الشريعة ، فالشهادة الأولى والشهادة الثانية والشهادة الثالثة كاعتقادات ليست خاصّة وليست من شريعة الإسلام ، بل هي من دين الإسلام ، فالدين واحد لدى كل الأنبياء { إن الدين عند الله الإسلام } دين آدم ودين نوح ودين إبراهيم وموسى وعيسى واحد ، فإذا كان الترتيب في دين الإسلام أول عقيدة التوحيد ، ثم نبوة سيد الأنبياء ثم ولاية أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين ، فهذا الترتيب ليس خاصّ ببعثة سيّد الأنبياء ، هذا الترتيب في نظام الدين التي بعث فيها آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسليمان وداود ويحيى وشيث وإسماعيل وإلياس وغيرهم ، أول اعتقاد هو التوحيد وثانيه هو سيد الأنبياء وثالثه هو سيد الأوصياء وفاطمة الزهراء ، أليست هي سيدة نساء أهل الجنّة ، ولم يقل سيّدة زمانها فقط ، سؤددها على مريم مأخوذ في دين الله ، سؤددها على حواء مأخوذ في دين الله ، وسؤددها على سارة ـ أم إسحاق أم يعقوب أم الأنبياء ـ مأخوذ في دين الله .
تواتر الحديث عند المسلمين ( سيدة نساء أهل الجنّة ) سؤددها على أم موسى ، وسؤددها على خديجة ، وسؤددة على جميع نساء أهل الجنّة ، أهل جهنّم لا يعنينها أمرهم ، بل يعنينها نساء أهل الجنّة ، كل مَنْ يكون من أهل الجنة فسؤددهم لفاطمة دون غيرها ، فإذا كان القرآن الكريم يقول : مريم ، ثم يأتي القرآن ليقول : سيّدة مريم ، فكيف إذاً بمقام فاطمة ؟ لذلك القرآن الكريم يقول إنما مريم مثلٌ ضربتُه لكم أيها البشر لفاطمة ، وهو قوله { إنَّ في قصصهم عبرة } يعني عبور ، لا تقف عند مريم ، اعبر ، اعتبر ، مثل لذي مثل ، عبرة عبور تعبر من مريم ـ كما يقول سيد الأنبياء ( اعبر منها لمريم الكبرى ) ـ لأن مريم اسم علم ، ولكنّه أُخِذَ للوصف ، بمعنى الطاهرة والبتول ، فإن كانت مريم طاهرة متبدتلة فهناك مَنْ هي أطهر من مريم بنصِّ القرآن ، أنّ فاطمة أطهر من مريم ، فاطمة أكثر اصطفاءً من صفاء مريم ، لأن الله لم يشارك في طهارة سيد الأنبياء امرأة غير فاطمة وعلي والحسن والحسين في آية التطهير ، طهارة سيد الأنبياء لا يشاكلها ولا يجانسها ولا يمثالها ولا يكيّفها ولا يشبهها طهارة نبي من الأنبياء ، لكن الله عزّ وجل شاركَ وماثلَ ، فطهارة فاطمة وعلي والحسن والحسين تبعاً لطهارة سيد الأنبياء ، { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } لفظة جمع ، وليست لفظة انفراد لسيّد الأنبياء ، أولهم ـ لضروة الدين وشهادة القرآن ـ سيد الأنبياء ، فأول أهل البيت النبي من أهل البيت ، بيت النبوة ، لذا يُنادي القرآن صفاء واصطفاء فاطمة أعظم من اصطفاء وصفاء مريم ، لم يشارك القرآن بين اصطفاء مريم واصطفاء محمد صلى الله عليه وآله ، أصلاً القرآن لم يشابه ولم يشاكل بين اصطفاء وصفاء نوح وإبراهيم وموسى وعيسى مع سيد الأنبياء ، جعل لسيد الأنبياء طبقة من الطهارة لا يشاركه فيها الأنبياء أولي العزم ، فقط يُشاركه فيها أهل بيته ـ فاطمة وعلي والحسن والحسين ثم التسعة من ولد الحسين ـ ، نور النبي لم يُشاركه فيه ـ حسب نصّ القرآن ـ بقيّة الأنبياء في طبقته ، وقد شارك القرآن نور الأربعة مع النبي في سورة النور { مثل نوره كمشكاة } خمسة أنوار ، وبعد ذلك تسعة أنوار { نور على نور } نور إثر نور ، متعاقب الأنوار التسعة ، بنصِّ روايات الفريقين .
المقصود أنّ هناك مقامات خصّصها القرآن بخاصّة مخصّصة متميّزة لسيد الأنبياء لم يشاركه فيها غير فاطمة وعلي والحسن والحسين دون إبراهيم وموسى وعيسى ومريم وآدم ، هذه معادلات قرآنية ، هذه حقائق قرآنية ، هذا ليس شعراً وليس نثراً ، وليس كلام بشر ، بل كلام وحقائق الوحي من ربّ العزّة { كل شيء خلقناه بقدر } وليس فيه تمييع ، إنّما هو حقّ الحقيقة .
ولية الأمر في سورة الحشر الولاية بالفيء { ما أفاء الله على رسوله من أهل القُرى فلله وللرسول ولذي القربى } فليس أول القربى عيسى ولا إبراهيم ولا أولي العزم ، بل فاطمة ، أول قربى النبي فاطمة ، هي همزة الوصل بين النبي وعلي ، وبين النبي والحسنين ، وبين النبي والأئمة المعصومين ، ( هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ) لاحظ { أولي القربى } ، { المودة في القربى } قربى سيد الأنبياء ، وأولهم فاطمة .
وصلى الله عليها ورزقنا الله ولايتها وشفاعتها وحبها والانقياد لها .
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
تقرير : علي الفاروق
تاريخ التقرير : الأربعاء 15 / جمادى الأولى / 1434 هـ
وأرجو ألاّ تنسونا من الدعاء