لبيك
01-04-2013, 07:56 PM
سلسلة قصص لن يطويها النسيان الحلقة -1- عيون الاطفال الفيليين شهدت السجون وقطاعي الطرق
بملامح اتعبتها السنون, اغمضت عينيها لتتذكر المشهد كاملاً وتسرده بكل تفاصيله المؤلمة, تنهدت وقالت: عندما طرقوا الباب بقوة احسست بأن شيئاً فظيعاً قد حدث, فركضت وفتحته ليخبرنا احد الجيران بأن اهلي واهل زوجي قد تم القاء القبض عليهم من قبل البعثيين واخذوهم في سياراتهم, ركضنا انا وزوجي مثل المجانين في الشارع وعند وصولنا الى بيت اهلي وجدت طعام الغداء الذي ما زال ساخناً موضوعاً في الاواني وقوات تلبس ملابس عسكرية تملأ المنزل بحثت في عيون الموجودين علّي اجد اهلي من بينهم, ولكني لم ار احد منهم, دفعوني لخارج الدار واخبروني ان المنزل قد صودر واصبح من ممتلكات الدولة الان. انها الارملة الفيلية (خديجة عبد الحسين الحيدري) من مواليد 1953, تزوجت من الشهيد الفيلي (ياسين رستم باولي) وسكنوا مدينة الصدر مع ابناءها الثلاثة, تحدثنا عن مأساتها التي عاشتها في ظل النظام البعثي وتقول: في عام 1980 القت القوات البعثية الصدامية القبض على اهلي كلهم وكذلك اهل زوجي بتهمة التبعية الايرانية رغم اننا عراقيون واجدادنا مدفونون بالنجف الاشرف, ولم استطع حتى توديعهم, كل ما عرفته من هنا وهناك انه تم تهجيرهم الى ايران ومصادرة كل اموالهم. وتضيف خديجة اصبحنا بعدها نعيش الخوف كل لحظة وننتظر ان يأتوا الينا ويأخذونا كما اخذوا اهلنا, زوجي كان معروفاً بخلقه النبيل, والناس ومعارفنا كانوا يحبونه فقد كان يحب عمل الخير كثيراً, وكان يعمل في تصليح راديترات السيارات, التحق على مضض كجندي احتياط في الجيش العراقي ولكن عندما طلبوا مواليده للالتحاق بجبهات القتال لم يذهب كون اهله مهجرين الى ايران, ولكن البعثيين المنتشرين في كل مكان من سكنة المنطقة ابلغوا عنه, وعلى اثرها التحق بالجيش واستمر شهراً واحداً بالدوام, وتركه مخافة ان يسألوه عن اهله المهجرين, ولكن البعثيين اتوا لبيتنا وقاموا بتهديدنا في حال لم يلتحق سيلقون القبض عليه بتهمة الفرار من الجيش, رجع زوجي بعدها للعسكرية على امل ان يشفع ذلك له امام السلطات, ويتركونا في العراق. وتتابع خديجة في احد ايام عام 1982 تم استدعاؤنا الى مديرية الاقامة واخبرونا انه لغرض الاستجواب, ولكننا كنا نعلم جيداً ان المسألة اكبر من مجرد استجواب, اخذت بعض الملابس البسيطة لأطفالي, وذهبنا بخطى متثاقلة والافكار تتصارع في مخيلتنا عن مصيرنا المجهول, تارة انظر لزوجي نظرة يأس واقول في قرارة نفسي يا ترى هل سأراه ثانية؟, وتارة اخرى انظر لأطفالي وافكر فيما سيحل بهم, وصلنا الى المديرية وكان الزبانية من موظفيها بانتظارنا, ادخلونا على احد المسؤولين لم اعرف اسمه, وطلب منا جنسيات العائلة فأعطاها زوجي له, وصار يقلب فيها الى ان وصل لهوية زوجي وكان مكتوب عليها انه من التبعية الايرانية, وهنا رفع رأسه ونظر اليه بخبث, وسأله بمكرعن دوامه بالعسكرية, فاجاب زوجي بانه مستمر بالدوام. وتستدرك الارملة خديجة بعدها التفت هذا الرجل الي وسألني باستهزاء عن مكان اهلي واهل زوجي, بالرغم من انه يعرف مكانهم اكثر مني, فقلت له بصوت مرتجف لقد تم تسفيرهم الى ايران قبل عامين, في هذه اللحظة نظر بسخط علينا وملامح وجهه تقطر حقداً وكراهية, وامر احدهم بأخذ زوجي, مسكت يد زوجي بقوة وكأني اتوسله ان لا يتركنا ولكن الامر ليس بيده, ونظر الينا نظرة كأنه يودعنا واخذوه من بين اطفاله ولم نعلم حينها انها لحظات الوداع الاخير, وان عائلتنا لن تجتمع مجدداً, وانني لن ار زوجي بعد تلك اللحظة ابداً, وكان هناك شخص يدعى عبود شبيه الى حد كبير بجلاد الملك كان مجرما يعمل بمديرية الاقامة وليس هناك كوردي فيلي لم يلتق به او يسمع عنه, فقد آذى الكثير منا الى حد كبير, قبل ان يأخذونا من الاقامة رجوته بأن يجلب لي رصيدي في البنك قبل تسفيرنا لأني لا احمل نقوداً معي, والذي كانت قيمته 2250 دينار عراقي آنذاك, فقال لي اعطيني الصك وسأجلب لك المال اعطيته الصك لكني لم اره بعدها ابداً. وتؤكد خديجة اخذوني بلا رحمة مع اطفالي الثلاثة وكان ابني الصغير حينها يبلغ من العمر 6 اشهر, ورمونا في احد المعتقلات في جنوب شرق بغداد, والتي كانت مليئة بآلاف العوائل الفيلية وكلهم من النساء والاطفال والشيوخ اما الشباب فكان مصيرهم مجهولاً مثل مصير زوجي, كانت قاعات السجن مكتظة وبالكاد كنا نجد مكاناً ننام فيه وكان البرد قارساً ولم اجلب الكثير من الملابس لي و لأطفالي معي, الا ان بعض الخيرين من العوائل المسجونة معنا اعطونا بعض الملابس والبطانيات, وكنا نعاني من البرد وقلة الطعام, ولم نستطع حتى الاغتسال وعشنا كل لحظة كأنها دهر من الزمان, كنت ابكي وانا انظر لكل الاطفال الموجودين واتسائل ما الذنب والجرم الذي اقترفه هؤلاء الاطفال كي يعيشوا هذه اللحظات القاسية, ويدخلوا السجن وهم بعمر الاشهر, اين العالم؟ اين حقوق الانسان؟ اين منظمات الاغاثة من هذا الحال المزري الذي نعيشه؟؟. وتضيف خديجة بقينا في هذا السجن وعلى هذا الحال ما يقارب الشهر, في هذه الاثناء تمت مصادرة اموالنا وممتلكاتنا, واصبحت منهوبة باسم القانون الاعمى, الى ان دخلوا علينا السجن وامرونا بالمضي معهم سألناهم ما الذي يجري؟ الى اين تأخذوننا؟, قالوا سنسفركم الى ايران, في تلك اللحظة توقف الزمن وبكيت كما بكى البقية بمرارة, وسألتهم عن مكان زوجي قالوا لي انهم سيرسلونه بعدي الى ايران, صعدنا الى سيارات كبيرة تسمى (المنشآت) سارت بنا في يوم مغبر, حاولت فيه النظر الى كل شبر من ارض العراق الذي تركته دون وداع مثل زوجي واهلي, كي املي عيني منه ولكن دموعي المنهمرة حالت دون ذلك. وتتابع خديجة سارت بنا السيارات مدة نهار كامل الى ان وصلنا الى منطقة جبلية تسمى (جوان رود), انزلونا من السيارات وامرونا ان نركض باتجاه معين, وحذرونا من العودة او الالتفات للوراء لأنهم سيطلقون النار علينا, امسكت بيد طفلتي الصغيرتين, وانا احمل ابني الرضيع على كتفي, ورميت الحقيبة التي معي كي استطيع الركض, وركضنا بهول الى المجهول ونحن نتوقع ان يقتلونا في اي لحظة, لكنهم لم يفعلوا ذلك لأنهم كانوا يعلمون ان المنطقة مليئة بالالغام وهي ستقوم بالمهمة نيابة عنهم, وفعلاً هذا ما حدث, فقد رأيت بأم عيني انفجار احدها على فتاة هي وجدّها من الذين كانوا معتقلين معنا وتقطعوا الى اشلاء متناثرة وسط صيحات الام الثكلى, ولكننا كنا مضطرين لتركهم حتى دون تغسيل ودفن فهمنا الوحيد هو ان ننجو مع اطفالنا. وتستدرك خديجة مشينا في منطقة جبلية وعرة خائفين ومرعوبين من لحاق الجيش العراقي بنا وقتلنا ومن الالغام التي قد تنفجر على احدنا في اي لحظة ومن الحيوانات المفترسة في المنطقة, او من الحيوانات البشرية من قطاعي الطرق , مخاوف كثيرة ارعبتنا والتعب انهك اجسادنا الى حد كبير خصوصاً واننا لم يكن معنا رجال عدا شيوخ كبار في السن, بلا طعام وبلا مؤونة وبلا ملابس كافية تقينا برد ذلك الشتاء الذي لا ينسى, كان اطفالي يبكون من شدة الجوع والتعب وكنت اصبرهم بقرب الوصول رغم انني لم اكن اعرف اين نحن من على خارطة الكرة الارضية, الا ان ابني الرضيع كان يبكي بشدة ولم اعرف ماذا افعل, فقلت له انك يا ولدي تحملت السجن فتحمل الجوع ايضاً لحين مجيء فرج الله, فقد ولدتك للشقاء والعذاب. وتضيف خديجة مع غروب شمس ذلك اليوم العصيب, وصلنا الى قرية صغيرة مهجورة فقررنا ان نبيت بها لحين شروق الشمس, ولم نشعر الا وقد احاط بنا مجموعة من الرجال الذين يحملون الاسلحة, كانوا عبارة عن قطاعي طرق, وكنا قد سمعنا العديد من الحالات لمهجرين سبقونا عن حالات اغتصاب وسرقة وقتل من قبل هؤلاء المجرمين, وبعضهم قال ان المدعو عبود هو من يتفق معهم على اذيتنا, اعطيناهم كل ما نحمل من مال ومصوغات ذهبية واشياء ثمينة وعائلة من عشيرة الملكشاهية كانوا سائرين معنا اخذوا منهم ما يقارب ثلاث كيلوغرامات من الذهب, اما انا فقد اعطيتهم كل الخواتم في يدي فقط اردنا ان يتركونا بدون ان يؤذونا او يغتصبوا شرفنا حتى خاتم زواجي والذكرى الوحيدة المتبقية لي من زوجي سلبوني اياها, فقط اردنا النجاة بحياتنا, وحياة ابناءنا, وفعلاً استطعنا الخلاص منهم, وفي فجر اليوم التالي خرجنا نكمل مسيرتنا المجهولة, وما زاد الطين بلة هطول الامطار علينا, وكأن السماء تبكي على مأساتنا, ولكننا تأذينا من البرد والمطر, مشينا بخطى متثاقلة والخوف يكتسحنا بقوة, ليتكرر مشهد السطو من قبل قطاعي الطرق بكل وحشية وسط صراخ الاطفال والنساء ونحن نقرأ آيات القران الكريم كي ينجينا من هذه المصائب. وتبين خديجة بقينا نمشي الى ما بعد الظهر, لحين ملاقاتنا مجموعة من الرجال عرفنا فيما بعد انهم من الحرس الحدودي الايراني استبشرنا خيراً برؤيتهم, وفعلاً استقبلونا واعطونا الملابس والاحذية, فقد تمزقت الاحذية التي كنا نرتديها خلال المسير, واعطونا الطعام, ثم جلبوا لنا سيارات حملونا بها الى مساجد وضعونا فيها معززين مكرمين, وفي اليوم التالي اخذونا الى مخيمات اللاجئين في كرمانشاه وبقيت هناك احد عشرة يوماً بعدها اتى العراقيون الذين سبقونا بالتهجير يبحثون عن اهاليهم وذويهم, فاعطيتهم اسماء اهلي عسى ولعل يصلني خبر منهم وهذا ما حدث فقد وصل الخبر لأخوتي في ايلام وجاء اقاربي وتكفلوني ثم اوصلوني لأهلي مع اطفالي الثلاث. وتقول خديجة قضيت ثلاثين سنة في الجمهورية الاسلامية الايرانية تكفلت خلالها بأطفالي وحدي واستطعت ان اربيهم بلا اب, وطوال تلك السنوات كنت آمل ان اجد والدهم في يوم من الايام, الى ان سقط نظام صدام غمرتنا السعادة حينها وشعرت بأن الله انتقم منه لأفعاله الدنيئة مع ابناء المكون الفيلي الى جانب الفئات المظلومة الاخرى, ورجعت الى ارض الوطن ابحث عن زوجي, وبعد تعب مضني اخبروني في مؤسسة الشهداء انه استشهد مع آلاف الشباب الذين تم ارسالهم الى الجبهات القتالية الامامية لينظفوا الطريق من الالغام, واليوم ليس له اثر او قبر حتى نزوره وتقر عيننا, وضاعت احلام ابني الذي كان قد قرر ان يجعل من ابيه اسعد شخص بالعالم حين يجده. وتضيف الارملة خديجة اليوم انا امرأة كبيرة اطالب بحقي في العيش الكريم بعد المعاناة والمأساة التي عشتها في حياتي خصوصاً وانه ليس لي معيل, رجعت الى ارض الوطن لأجد بيتي يسكنه الغرباء وعندما طالبتهم بالرحيل قالوا لي انهم اشتروا العقار من الحكومة, وعندما لجئت للحكومة قالوا لي وكلي محامي ليتابع المسألة, والمحامي طلب اجوراً كبيرة لا استطيع تسديدها, والمشكلة الاخرى انه لم تثبت بالوثائق استشهاد زوجي ما يعني انني لن استلم اي حقوق او راتب لحين اثبات ذلك ولم استلم اي شيء الى اليوم. وتطالب خديجة الحكومة الحالية الموقرة الالتفات الى وضعها وحالتها وايجاد الحل لها ولعشرات الالاف مثلها من ابناء الشريحة الفيلية فنحن جزء من ارض العراق سواء شاءت الحكومات الجائرة ذلك ام ابت, ورجعت على امل ان تجد الراحة بعد سنين الغربة والعذاب والى اليوم لم يتحقق ذلك, على حد تعبيرها. ..... منقولة ..... لا حول ولا قوة الابالله العلي العظيم .اللهم فرج عن كل مكروب {اخوكم لبيك}.....
بملامح اتعبتها السنون, اغمضت عينيها لتتذكر المشهد كاملاً وتسرده بكل تفاصيله المؤلمة, تنهدت وقالت: عندما طرقوا الباب بقوة احسست بأن شيئاً فظيعاً قد حدث, فركضت وفتحته ليخبرنا احد الجيران بأن اهلي واهل زوجي قد تم القاء القبض عليهم من قبل البعثيين واخذوهم في سياراتهم, ركضنا انا وزوجي مثل المجانين في الشارع وعند وصولنا الى بيت اهلي وجدت طعام الغداء الذي ما زال ساخناً موضوعاً في الاواني وقوات تلبس ملابس عسكرية تملأ المنزل بحثت في عيون الموجودين علّي اجد اهلي من بينهم, ولكني لم ار احد منهم, دفعوني لخارج الدار واخبروني ان المنزل قد صودر واصبح من ممتلكات الدولة الان. انها الارملة الفيلية (خديجة عبد الحسين الحيدري) من مواليد 1953, تزوجت من الشهيد الفيلي (ياسين رستم باولي) وسكنوا مدينة الصدر مع ابناءها الثلاثة, تحدثنا عن مأساتها التي عاشتها في ظل النظام البعثي وتقول: في عام 1980 القت القوات البعثية الصدامية القبض على اهلي كلهم وكذلك اهل زوجي بتهمة التبعية الايرانية رغم اننا عراقيون واجدادنا مدفونون بالنجف الاشرف, ولم استطع حتى توديعهم, كل ما عرفته من هنا وهناك انه تم تهجيرهم الى ايران ومصادرة كل اموالهم. وتضيف خديجة اصبحنا بعدها نعيش الخوف كل لحظة وننتظر ان يأتوا الينا ويأخذونا كما اخذوا اهلنا, زوجي كان معروفاً بخلقه النبيل, والناس ومعارفنا كانوا يحبونه فقد كان يحب عمل الخير كثيراً, وكان يعمل في تصليح راديترات السيارات, التحق على مضض كجندي احتياط في الجيش العراقي ولكن عندما طلبوا مواليده للالتحاق بجبهات القتال لم يذهب كون اهله مهجرين الى ايران, ولكن البعثيين المنتشرين في كل مكان من سكنة المنطقة ابلغوا عنه, وعلى اثرها التحق بالجيش واستمر شهراً واحداً بالدوام, وتركه مخافة ان يسألوه عن اهله المهجرين, ولكن البعثيين اتوا لبيتنا وقاموا بتهديدنا في حال لم يلتحق سيلقون القبض عليه بتهمة الفرار من الجيش, رجع زوجي بعدها للعسكرية على امل ان يشفع ذلك له امام السلطات, ويتركونا في العراق. وتتابع خديجة في احد ايام عام 1982 تم استدعاؤنا الى مديرية الاقامة واخبرونا انه لغرض الاستجواب, ولكننا كنا نعلم جيداً ان المسألة اكبر من مجرد استجواب, اخذت بعض الملابس البسيطة لأطفالي, وذهبنا بخطى متثاقلة والافكار تتصارع في مخيلتنا عن مصيرنا المجهول, تارة انظر لزوجي نظرة يأس واقول في قرارة نفسي يا ترى هل سأراه ثانية؟, وتارة اخرى انظر لأطفالي وافكر فيما سيحل بهم, وصلنا الى المديرية وكان الزبانية من موظفيها بانتظارنا, ادخلونا على احد المسؤولين لم اعرف اسمه, وطلب منا جنسيات العائلة فأعطاها زوجي له, وصار يقلب فيها الى ان وصل لهوية زوجي وكان مكتوب عليها انه من التبعية الايرانية, وهنا رفع رأسه ونظر اليه بخبث, وسأله بمكرعن دوامه بالعسكرية, فاجاب زوجي بانه مستمر بالدوام. وتستدرك الارملة خديجة بعدها التفت هذا الرجل الي وسألني باستهزاء عن مكان اهلي واهل زوجي, بالرغم من انه يعرف مكانهم اكثر مني, فقلت له بصوت مرتجف لقد تم تسفيرهم الى ايران قبل عامين, في هذه اللحظة نظر بسخط علينا وملامح وجهه تقطر حقداً وكراهية, وامر احدهم بأخذ زوجي, مسكت يد زوجي بقوة وكأني اتوسله ان لا يتركنا ولكن الامر ليس بيده, ونظر الينا نظرة كأنه يودعنا واخذوه من بين اطفاله ولم نعلم حينها انها لحظات الوداع الاخير, وان عائلتنا لن تجتمع مجدداً, وانني لن ار زوجي بعد تلك اللحظة ابداً, وكان هناك شخص يدعى عبود شبيه الى حد كبير بجلاد الملك كان مجرما يعمل بمديرية الاقامة وليس هناك كوردي فيلي لم يلتق به او يسمع عنه, فقد آذى الكثير منا الى حد كبير, قبل ان يأخذونا من الاقامة رجوته بأن يجلب لي رصيدي في البنك قبل تسفيرنا لأني لا احمل نقوداً معي, والذي كانت قيمته 2250 دينار عراقي آنذاك, فقال لي اعطيني الصك وسأجلب لك المال اعطيته الصك لكني لم اره بعدها ابداً. وتؤكد خديجة اخذوني بلا رحمة مع اطفالي الثلاثة وكان ابني الصغير حينها يبلغ من العمر 6 اشهر, ورمونا في احد المعتقلات في جنوب شرق بغداد, والتي كانت مليئة بآلاف العوائل الفيلية وكلهم من النساء والاطفال والشيوخ اما الشباب فكان مصيرهم مجهولاً مثل مصير زوجي, كانت قاعات السجن مكتظة وبالكاد كنا نجد مكاناً ننام فيه وكان البرد قارساً ولم اجلب الكثير من الملابس لي و لأطفالي معي, الا ان بعض الخيرين من العوائل المسجونة معنا اعطونا بعض الملابس والبطانيات, وكنا نعاني من البرد وقلة الطعام, ولم نستطع حتى الاغتسال وعشنا كل لحظة كأنها دهر من الزمان, كنت ابكي وانا انظر لكل الاطفال الموجودين واتسائل ما الذنب والجرم الذي اقترفه هؤلاء الاطفال كي يعيشوا هذه اللحظات القاسية, ويدخلوا السجن وهم بعمر الاشهر, اين العالم؟ اين حقوق الانسان؟ اين منظمات الاغاثة من هذا الحال المزري الذي نعيشه؟؟. وتضيف خديجة بقينا في هذا السجن وعلى هذا الحال ما يقارب الشهر, في هذه الاثناء تمت مصادرة اموالنا وممتلكاتنا, واصبحت منهوبة باسم القانون الاعمى, الى ان دخلوا علينا السجن وامرونا بالمضي معهم سألناهم ما الذي يجري؟ الى اين تأخذوننا؟, قالوا سنسفركم الى ايران, في تلك اللحظة توقف الزمن وبكيت كما بكى البقية بمرارة, وسألتهم عن مكان زوجي قالوا لي انهم سيرسلونه بعدي الى ايران, صعدنا الى سيارات كبيرة تسمى (المنشآت) سارت بنا في يوم مغبر, حاولت فيه النظر الى كل شبر من ارض العراق الذي تركته دون وداع مثل زوجي واهلي, كي املي عيني منه ولكن دموعي المنهمرة حالت دون ذلك. وتتابع خديجة سارت بنا السيارات مدة نهار كامل الى ان وصلنا الى منطقة جبلية تسمى (جوان رود), انزلونا من السيارات وامرونا ان نركض باتجاه معين, وحذرونا من العودة او الالتفات للوراء لأنهم سيطلقون النار علينا, امسكت بيد طفلتي الصغيرتين, وانا احمل ابني الرضيع على كتفي, ورميت الحقيبة التي معي كي استطيع الركض, وركضنا بهول الى المجهول ونحن نتوقع ان يقتلونا في اي لحظة, لكنهم لم يفعلوا ذلك لأنهم كانوا يعلمون ان المنطقة مليئة بالالغام وهي ستقوم بالمهمة نيابة عنهم, وفعلاً هذا ما حدث, فقد رأيت بأم عيني انفجار احدها على فتاة هي وجدّها من الذين كانوا معتقلين معنا وتقطعوا الى اشلاء متناثرة وسط صيحات الام الثكلى, ولكننا كنا مضطرين لتركهم حتى دون تغسيل ودفن فهمنا الوحيد هو ان ننجو مع اطفالنا. وتستدرك خديجة مشينا في منطقة جبلية وعرة خائفين ومرعوبين من لحاق الجيش العراقي بنا وقتلنا ومن الالغام التي قد تنفجر على احدنا في اي لحظة ومن الحيوانات المفترسة في المنطقة, او من الحيوانات البشرية من قطاعي الطرق , مخاوف كثيرة ارعبتنا والتعب انهك اجسادنا الى حد كبير خصوصاً واننا لم يكن معنا رجال عدا شيوخ كبار في السن, بلا طعام وبلا مؤونة وبلا ملابس كافية تقينا برد ذلك الشتاء الذي لا ينسى, كان اطفالي يبكون من شدة الجوع والتعب وكنت اصبرهم بقرب الوصول رغم انني لم اكن اعرف اين نحن من على خارطة الكرة الارضية, الا ان ابني الرضيع كان يبكي بشدة ولم اعرف ماذا افعل, فقلت له انك يا ولدي تحملت السجن فتحمل الجوع ايضاً لحين مجيء فرج الله, فقد ولدتك للشقاء والعذاب. وتضيف خديجة مع غروب شمس ذلك اليوم العصيب, وصلنا الى قرية صغيرة مهجورة فقررنا ان نبيت بها لحين شروق الشمس, ولم نشعر الا وقد احاط بنا مجموعة من الرجال الذين يحملون الاسلحة, كانوا عبارة عن قطاعي طرق, وكنا قد سمعنا العديد من الحالات لمهجرين سبقونا عن حالات اغتصاب وسرقة وقتل من قبل هؤلاء المجرمين, وبعضهم قال ان المدعو عبود هو من يتفق معهم على اذيتنا, اعطيناهم كل ما نحمل من مال ومصوغات ذهبية واشياء ثمينة وعائلة من عشيرة الملكشاهية كانوا سائرين معنا اخذوا منهم ما يقارب ثلاث كيلوغرامات من الذهب, اما انا فقد اعطيتهم كل الخواتم في يدي فقط اردنا ان يتركونا بدون ان يؤذونا او يغتصبوا شرفنا حتى خاتم زواجي والذكرى الوحيدة المتبقية لي من زوجي سلبوني اياها, فقط اردنا النجاة بحياتنا, وحياة ابناءنا, وفعلاً استطعنا الخلاص منهم, وفي فجر اليوم التالي خرجنا نكمل مسيرتنا المجهولة, وما زاد الطين بلة هطول الامطار علينا, وكأن السماء تبكي على مأساتنا, ولكننا تأذينا من البرد والمطر, مشينا بخطى متثاقلة والخوف يكتسحنا بقوة, ليتكرر مشهد السطو من قبل قطاعي الطرق بكل وحشية وسط صراخ الاطفال والنساء ونحن نقرأ آيات القران الكريم كي ينجينا من هذه المصائب. وتبين خديجة بقينا نمشي الى ما بعد الظهر, لحين ملاقاتنا مجموعة من الرجال عرفنا فيما بعد انهم من الحرس الحدودي الايراني استبشرنا خيراً برؤيتهم, وفعلاً استقبلونا واعطونا الملابس والاحذية, فقد تمزقت الاحذية التي كنا نرتديها خلال المسير, واعطونا الطعام, ثم جلبوا لنا سيارات حملونا بها الى مساجد وضعونا فيها معززين مكرمين, وفي اليوم التالي اخذونا الى مخيمات اللاجئين في كرمانشاه وبقيت هناك احد عشرة يوماً بعدها اتى العراقيون الذين سبقونا بالتهجير يبحثون عن اهاليهم وذويهم, فاعطيتهم اسماء اهلي عسى ولعل يصلني خبر منهم وهذا ما حدث فقد وصل الخبر لأخوتي في ايلام وجاء اقاربي وتكفلوني ثم اوصلوني لأهلي مع اطفالي الثلاث. وتقول خديجة قضيت ثلاثين سنة في الجمهورية الاسلامية الايرانية تكفلت خلالها بأطفالي وحدي واستطعت ان اربيهم بلا اب, وطوال تلك السنوات كنت آمل ان اجد والدهم في يوم من الايام, الى ان سقط نظام صدام غمرتنا السعادة حينها وشعرت بأن الله انتقم منه لأفعاله الدنيئة مع ابناء المكون الفيلي الى جانب الفئات المظلومة الاخرى, ورجعت الى ارض الوطن ابحث عن زوجي, وبعد تعب مضني اخبروني في مؤسسة الشهداء انه استشهد مع آلاف الشباب الذين تم ارسالهم الى الجبهات القتالية الامامية لينظفوا الطريق من الالغام, واليوم ليس له اثر او قبر حتى نزوره وتقر عيننا, وضاعت احلام ابني الذي كان قد قرر ان يجعل من ابيه اسعد شخص بالعالم حين يجده. وتضيف الارملة خديجة اليوم انا امرأة كبيرة اطالب بحقي في العيش الكريم بعد المعاناة والمأساة التي عشتها في حياتي خصوصاً وانه ليس لي معيل, رجعت الى ارض الوطن لأجد بيتي يسكنه الغرباء وعندما طالبتهم بالرحيل قالوا لي انهم اشتروا العقار من الحكومة, وعندما لجئت للحكومة قالوا لي وكلي محامي ليتابع المسألة, والمحامي طلب اجوراً كبيرة لا استطيع تسديدها, والمشكلة الاخرى انه لم تثبت بالوثائق استشهاد زوجي ما يعني انني لن استلم اي حقوق او راتب لحين اثبات ذلك ولم استلم اي شيء الى اليوم. وتطالب خديجة الحكومة الحالية الموقرة الالتفات الى وضعها وحالتها وايجاد الحل لها ولعشرات الالاف مثلها من ابناء الشريحة الفيلية فنحن جزء من ارض العراق سواء شاءت الحكومات الجائرة ذلك ام ابت, ورجعت على امل ان تجد الراحة بعد سنين الغربة والعذاب والى اليوم لم يتحقق ذلك, على حد تعبيرها. ..... منقولة ..... لا حول ولا قوة الابالله العلي العظيم .اللهم فرج عن كل مكروب {اخوكم لبيك}.....