سلام امين تامول
12-10-2007, 02:40 PM
الوهابية والتوحيد بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة
وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
نعمة سعة الصدر -
من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان ، نعمة سعة الصدر والتحمل . .
سعة الصدر على من يخالفك في الرأي والمذهب والمعتقد . . والقدرة على أن تسمع منه وتَفْهَمَ عليه ، وتَفْهَمَهُ . والتحمل منه عندما يصدر عليك أحكامه الخاطئة ، أو يؤذيك ويظلمك .
وهي نعمة نادرة في الناس ، حتى في العلماء . . وأكثر ندرة في الحكام وزعماء القوميات والفئات .
والظاهر أن وجودها في الشيعة أكثر من غيرهم ، فالشيعي يتحمل منك أن تخالفه في الرأي والمذهب تحملاً جيداً . . وقد يتحمل أن تضطهده !
ذلك أنه يتربى مع
عقائد مذهبه ومفاهيمه ، على سعة الصدر والإستعداد للإضطهاد .
الشيعي يتعلم أنه موالٍ لأهل بيت النبي(ص) ، الذين جسدوا قيم الإسلام ومُثُلَهُ ، وتحملوا من أجلها الظلم ويتحملونه ، حتى يظهر مهديهم الموعود . . (ع) . وهو يتعلم أن من أحبنا أهل البيت فليتخذ للبلاء جلباباً . . ويتعلم أن أمرنا صعبٌ مستصعب . .
فالمسألة عنده طويلةٌ بطول هذا العالم . . وطول الخطة الإلهية فيه ، والحلم الإلهي عليه . .
والمسألة عنده أن عقائده وأفكاره صعبة التحمل على الآخرين ، ليس لصعوبتها الفكرية فهي من السهل الممتنع . . بل لصعوبتها النفسية
( السيكولوجية ) .
وبسبب هذه التربية ترى الشيعي يبحث عن العذر لمخالفيه وظالميه ، لأنه يريد أن يتعايش معهم ويسحب منهم كل عذر لظلمه .
لقد تأقلم الشيعة مع الأذى والظلم حتى صار لهم جلباباً ، وحتى تعجب ظالموهم من تحمّلهم !
نعمة سعة الصدر عند إخواننا -
يتفاوت حال خصوم الشيعة في سعة الصدر وضيقه ، ولكن الظاهر أن أكثرهم ضيقاً بنا إخواننا الوهابيون، ظالمونا الجدد من داخل البيت الإسلامي ، الذين كانوا يتهموننا بالشرك ، وبأننا عملاء الشيوعية واليهود . .
ثم دارت الأيام ورأوا أن الغرب وإسرائيل يكرهوننا أكثر مما يكرهونهم ، فلم يشفع لنا ذلك عندهم !
ثم دارت الأيام ورأوا أننا تركنا الصراعات مع أحدٍ من فئات الأمة ، وتخصصنا في مقاومة إسرائيل . . فلم يشفع ذلك لنا عندهم !
لقد تعجب العالم من مقاومة أبناء الشيعة وصمودهم في جنوب لبنان ، وافتخر بهم العرب والمسلمون . . ولكن إخواننا الوهابيين لم يعجبهم ذلك ! فإذا ذكروهم لا يعبرون عن قتلاهم بالشهداء ، لأنهم بزعمهم مشركون لا يعملون لله تعالى ، ولا يجاهدون في سبيله !
إنهم يرون شاباً في الثامنة عشرة من عمره ، نشأ على التقوى ، ورفض مغريات الدنيا ، ولم يأنس إلا بالإيمان والمسجد والقرآن ، والشوق إلى لقاء الله تعالى والشهادة في سبيله . . يرونه يقتحم تحصينات بني يهود ، حاملاً روحه على كفه ، تالياً ذكر ربه ، مدوياً صوته بالتكبير ، ثابت الجنان ، قوي الضربة ، ناثراً أشلاءه قرباناً لله تعالى ، محطماً أسطورة الخوف من قلوب المسلمين، تاركاً لهم وصيته بالجهاد في سبيل الله . . فلا يُعْجِبْ ذلك إخواننا ، ولا يهتز لهم حِسّ ! !
إنهم لا يعجبهم منا العجب ، ولا الصيام في رجب !
لكن تعجبهم أحكامهم على خالفهم بالكفر والشرك !
ويعجبهم أنهم لا يتحملون البحث العلمي الهادئ !
لقد نشروا في هذه السنوات أكثر من 500 كتاباً وكتيباً ضد الشيعة ، وفيها الكثير من الأحكام القاسية ، والألفاظ السوقية ، والقليل من العلم . .
فهل يتحملون كتيباً علمياً ينقد أفكارهم في الإيمان والتوحيد ؟
آمل أن يكون لعلمائهم من سعة الصدر ما لعلماء الجامعات الغربية الذين يأنس بعضهم بالنقد الفكري .. بل آمل أن يكون عندهم سعة صدر علماء السلف الصالح ، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب .
هدف هذا البحث -
لم يكن هذا البحث من قصدي ، فقد كنت مستغرقاً في بحث آخر ، ووجدت في أثنائه أن عقيدة الوهابيين في آيات الصفات وأحاديثها تحتاج إلى معرفة جذورها . . ولما راجعت ما تيسر لي من مصادر ، هالني الأمر . . وقلت في نفسي : لو عرف إخواننا الوهابيون حقيقة التوحيد الذي يقدمه لهم علماؤهم ويطلبون منهم أن يسوقوا المسلمين بعصاه . . لأعادوا النظر في بناء عقيدتهم بالله تعالى ، وخففوا من غلوائهم علينا .
لو عرف المثقف الوهابي أن إمامه المفتي الأكبر عبد العزيز بن باز يقول إن الله تعالى جسم موجود في مكان معين من الكون ، وله وجه ويد ورجل وأعضاء وجوارح . . وأنه على صورة إنسان . .
وأن الحيوانات تحمل عرشه . . !
لو عرف أن علماءه يقولون إن هذا ( الإله ) يفنى ويهلك كله ما عدا وجهه ، بدليل قوله تعالى ( كل شئ هالك إلا وجهه ) ! !
وأنهم يقولون يجب على علماء الوهابية أن يكتموا مادية الله تعالى عن جمهور المسلمين ويستعملوا معهم التقية ) لأن عقائد الإسلام منها ما هو خاص برجال الدين من الدرجة الأولى . . فمادية الله تعالى بزعمهم خاصة بهذه الطبقة فقط ! !
لو اطلع هذا المثقف على هذا الضعف العلمي والتناقضات في نظريات علمائه عن التوحيد لهاله الأمر ! ولأعاد النظر في تصوره الذي علموه إياه عن الله تعالى . . ثم لعذر الجمهور الأعظم من المسلمين في نفرتهم من الوهابية .
من أجل هذا الهدف كتبت هذا البحث . . لعل إخواننا الوهابيين يلتفتون إلى أن مشكلتهم في التوحيد أعظم من جميع مشكلات المسلمين ، فينشغلوا بحلها ويخففوا عنا شدتهم ، خاصةً في موسم الحج الذي صار المسلم يحسب له قبل مشقاته البدنية والمالية ، مشقته المعنوية على كرامته ، بسبب فتاوى الكفر والشرك التي يتأبطها المتطوعون الوهابيون في موسم الحج ويصفعون بها وجوه حجاج بيت الله تعالى وزوار قبر نبيه وآله(ص)! !
لقد كثر هؤلاء المتبرعون لخدمة ضيوف الرحمن في السنوات الأخيرة وعدلوا في توزيع جوائزهم على الجميع ، حتى لا تكاد تجد حاجاً يرجع إلى بلاده من أي بلد أو قومية إلا ويتحدث عن معاملتهم الحسنة وفتاواهم ونبراتهم التي صفعوه بها ! لمجرد أنه تقرب إلى الله تعالى بزيارة قبر نبيه أو وليه !
ينبغي أن يعرف إخواننا الوهابيون أن مسائل الشرك العملي كلها متأخرة رتبةً عن مسألة الإعتقاد النظري ، وأنه لا بد للمسلم أولاً أن يصحح عقيدته بربه عز وجل وتصوره عنه ، حتى يملك الأساس الذي يقيس به توحيد الآخرين النظري والعملي ، ويعرف ما هو الشرك الأكبر والأصغر والمتوسط..
أما إذا كان عنده مشكلة في أصل اعتقاده بالله تعالى ، فإن عليه أن يعالج مشكلته ويبني بيته أولاً . .
ثم إذا جاز له أن يطرح اجتهاده على المسلمين . . فبالحسنى ، والمنطق العلمي ، والكلمة الجميلة .
في الرابع عشر من شهر صفر المظفر سنة 1419
علي الكوراني العاملي
الفصل الأول:
خلاصة مسألة الرؤية -
معنى مسألة الرؤية : هل يمكن أن نرى الله تعالى بأعيننا في الدنيا أو في الآخرة ؟
وقد نفى ذلك نفياً مطلقاً أهل البيت وعائشة وجمهور من الصحابة ، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم ، مستدلين بقوله تعالى : ليس كمثله شئ ، لن تراني ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار . وبحكم العقل بأن ما يمكن رؤيته بالعين يلزم أن يكون وجوداً مادياً داخل المكان والزمان .
وقال الحنابلة وأتباع المذهب الأشعري من الحنفية والمالكية والشافعية : إن الله تعالى يرى بالعين في الدنيا أو في الآخرة . واستدلوا بآيات يبدو منها ذلك بالنظرة الأولى كقوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة . وبروايات رووها عن رؤية الله تعالى في الآخرة . كما حاولوا أن يؤولوا الآيات والأحاديث النافية لإمكان الرؤية بالعين .
متى ظهرت أحاديث الرؤية والتشبيه ؟ -
تدل نصوص الحديث والتاريخ على أن الجو الذي كان سائداً في صحابة النبي في عهده(ص) وعهد الخليفة أبي بكر ، أن الله تعالى ليس من نوع ما يرى بالعين أو يحس بالحواس الخمس . .
لأنه وجود أعلى من الأشياء المادية فلا تناله الأبصار، بل ولاتدركه الأوهام وإنما يدرك بالعقل ويرى بالبصيرة.. ورؤيتها أرقى وأعمق من رؤية البصر .
ثم ظهرت أفكار الرؤية والتشبيه وشاعت في المسلمين في عهد الخليفة عمر وما بعده ، فنهض أهل البيت وبعض الصحابة لردها وتكذيبها . وقد فوجئت أم المؤمنين عائشة كغيرها بهذه المقولات الغريبة عن عقائد الإسلام، المناقضة لما بلغه النبي(ص) عن ربه تعالى ! فأعلنت أن هذه الأحاديث مكذوبة على رسول الله، بل هي فِرْيَةٌ عظيمة علىالله تعالى وعلى رسوله(ص) ، ومن واجب المسلمين ردها وتكذيبها .
* روى البخاري في صحيحه : 6/50 :
( عن مسروق قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أُمَّتَاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟ فقالت : لقد قَفَّ شعري مما قلت ! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ، ومن حدثك أنه يعلم ما في غدٍ فقد كذب ، ثم قرأت : وما تدري نفس ماذا تكسب غداً ، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية ، ولكنه رأى جبرئيل(ع) في صورته مرتين ) .
* وروى البخاري : 8/166 :
( عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب ، وهو يقول : لا تدركه الأبصار ، ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب ، وهو يقول : لا يعلم الغيب إلا الله ) .
وروى نحوه في مجلد 2 جزء 4 ص 83 و مجلد 3 جزء 6 ص 50 وج 4 ص 83 .
* وفي صحيح مسلم : 1/110 :
( عن عائشة : من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ) .
* وروى نحوه النسائي في تفسيره : 2/339 وفي ص 245 : ( عن أبي ذر أن النبي رأى ربه بقلبه لا ببصره ) . وذكره في إرشاد الساري : 5/276 و 7/359 و 10/356 ، والرازي في المطالب العالية ، مجلد 1 / جزء 1 / 87 .
* وروى الترمذي في سننه : 4/328 :
( عن مسروق قال كنت متكئاً عند عائشة فقالت : يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم الفرية على الله : من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله والله يقول : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب . وكنت متكئاً فجلست فقلت : يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني أليس الله تعالى يقول: ولقد رآه نزلة أخرى . ولقد رآه بالأفق المبين ؟ قالت : أنا والله أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا ، قال : إنما ذلك جبريل ، ما رأيته في الصورة التي خلق فيها غير هاتين المرتين ، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عِظَمُ خلقه ما بين السماء والأرض ، ومن زعم أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل الله عليه فقد أعظم الفرية على الله ، يقول الله : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك . ومن زعم أنه يعلم ما في غدٍ فقد أعظم الفرية على الله ، والله يقول : لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله . هذا حديث حسن صحيح ، ومسروق بن الأجدع يكنى أبا عائشة ). انتهى .
* ورواه الطبري في تفسيره : 27/30 وروى نحوه في ص 200 وقال في ص 20 :
( عن الشعبي قال قالت عائشة : من قال إن أحداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله ، قال الله : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار . فقال قائلو هذه المقالة : معنى الإدراك في هذا الموضع الرؤية ، وأنكروا أن يكون الله يرى بالأبصار في الدنيا والآخرة ، تأولوا قوله : وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة بمعنى انتظارها رحمة الله ) . انتهى .
* وروى نحوه أحمد في مسنده : 6/49 وفيه : ( قالت سبحان الله لقد قَفَّ شعري لما قلت ). وروى نحوه البغوي في مصابيحه : 4/30. ورواه السهيلي في الروض الآنف : 2/156 . والنويري في نهاية الإرب مجلد 8 جزء 16 ص 295 وفيه : ( فقالت : لقد وقف شعري . . ) . وروى نحوه الثعالبي في الجواهر الحسان : 3/252 وقال : ( ذهب البيهقي إلى ترجيح ما روي عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة ، ومن حملهم هذه الآيات : ثم دنى فتدلى . . . عن رؤية جبرئيل ، ورواية شريك تنقضها رواية أبي ذر الصحيحة قال يا رسول الله هل رأيت ربك ؟ قال : نور ، أني أراه ! . . . قوله سبحانه : ما كذب الفؤاد ما رأى ، قال ابن عباس فيما روي : إن محمداً ( ص ) رأى ربه بعيني رأسه ، وأنكرت ذلك عائشة وقالت : أنا سألت رسول الله ( ص ) عن هذه الآيات فقال لي : هو جبرئيل فيها كلها ! )
* وقال ابن جزي في التسهيل : 2/381 :
( وقيل الذي رآه هو الله تعالى ، وقد أنكرت ذلك عائشة ) .
* وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : 2/166
( عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله تعالى ، ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته وخلقه ساداً ما بين الأفق . ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله تعالى بعينيه وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها ، فأمّا رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة ، وأما رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص . جمع أحاديثها الدار قطني والبيهقي وغيرهما ) . انتهى .
وقال في هامشه : ( وأخرجه أحمد 6/241 من طريق ابن أبي عدي ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : كنت عند عائشة قال قلت : أليس الله يقول: ولقد رآه بالأفق المبين ، ولقد رآه نزلة أخرى ، قالت : أنا أول هذه الأمة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فقال : إنما ذاك جبريل لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين رآه منهبطاً من السماء إلى الأرض ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض . وأخرجه مسلم ( 177) في الإيمان باب معنى قوله عز وجل : ولقد رآه نزلة أخرى ، من طريق الشعبي به . وأخرجه البخاري 8/466 من طريق الشعبي عن مسروق . . وأخرجه الترمذي ( 3278 ) في التفسير من طريق سفيان عن مجالد عن الشعبي . هذا حديث صحيح الإسناد ) . انتهى .
ولكن نفي عائشة يشمل الرؤية في الآخرة أيضاً كما أشار إليه الطبري ، ولذلك اضطر الذهبي وغيره إلى ارتكاب التأويل في حديث عائشة ، وفي آيات نفي الرؤية وأحاديثها ، مع أنهم حرموا التأويل في أحاديث إثبات الرؤية وصفات الله تعالى ، واستنكروه واعتبروه ضلالاً وإلحاداً ، كما سيأتي !
* وقال الدميري في حياة الحيوان : 2/71 : ( نفت عائشة دلالة سورة النجم على رؤية النبي ( ص ) لربه وجواز الرؤية مطلقاً . . . وهو سبحانه أجل وأعظم من أن يوصف بالجهات ، أو يحد بالصفات ، أو تحصيه الأوقات أو تحويه الأماكن والأقطار ،ولما كان جل وعلا كذلك استحال أن توصف ذاته بأنها مختصة بجهة ، أو منتقلة من مكان إلى مكان ، أو حَالَّةً في مكان . روي أن موسى(ع) لما كلمه الله تعالى سمع الكلام من سائر الجهات . . . وإذا ثبت هذا لم يجز أن يوصف تعالى بأنه يحل موضعاً أو ينزل مكاناً ، ولا يوصف كلامه بحرف ولا صوت ، خلافاً للحنابلة الحشوية . . . )
معنى الفرية على الله تعالى ومصدرها -
الفرية : البدعة العظيمة والكذب المتعمد في دين الله تعالى .
* قال الخليل في العين : 8 /280 : ( الفري : الشق . . . وفريت الشيء بالسيف وبالشفرة قطعته وشققته . وفرى يفري فلان الكذب ، إذا اختلقه . . . الفَرِيُّ : الأمر العظيم ، في قوله عز وجل : لقد جئت شيئاً فرياً ) .
* وقال الجوهري في الصحاح : 6/24 : ( وفرى فلان كذباً إذا خلقه . وافتراه : اختلقه ، والإسم الفرية . وفلان يفري الفرى : إذا كان يأتي بالعجب في عمل . قوله تعالى : لقد جئت شيئاً فرياً ، أي مصنوعاً مختلقاً ، وقيل عظيماً ) .
* وقال الراغب في المفردات ص 379 : ( وقوله : لقد جئت شيئاً فرياً ، قيل معناه عظيماً وقيل عجيباً وقيل مصنوعاً . وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد) .
ولا يبعد أن يكون أصل تعبير ( الفرية على الله ) نبوياً ، وأن تكون عائشة وأهل البيت أخذوه منه(ص) .
* وقد روى أحمد شبيهاً له في مسنده 3/491 عن واثلة بن الأسقع قال :
( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أعظم الفرية ثلاث ... إلخ ) .
كما لا يبعد أن يكون في أصله وصفاً لليهود .
* وقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد : 4/122 أن عبدالله بن رواحة قاله ليهود خيبر : ( فلما طاف في نخلهم فنظر إليه قال : والله ما أعلم من خلق الله أحداً أعظم فرية عند الله وعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم منكم ) . انتهى .
وأوضح من ذلك الرواية التالية التي تدل على أن اليهود منبع ( الفِرَى ) على الله تعالى .
* وروى المجلسي في بحار الأنوار 36/194 :
( عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر .
إذ قال ( عمر ) : يا كعب أحافظ أنت للتوراة ؟
قال كعب : إني لأحفظ منها كثيراً .
فقال رجل من جنبة المجلس : يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه ، ومِمَّ خلق الماء الذي جعل عليه عرشه ؟
فقال عمر : يا كعب هل عندك من هذا علم ؟
فقال كعب : نعم يا أمير المؤمنين ، نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديماً قبل خلق العرش وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء ، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة ، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته ، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه !
قال ابن عباس : وكان علي بن أبي طالب(ع) حاضراً ، فَعَظَّمَ عَلِيٌّ ربه ، وقام على قدميه ، ونفض ثيابه ! فأقسم عليه عمر لمَاَ عاد إلى مجلسه ، ففعله.
قال عمر : غص عليها يا غواص ، ما تقول يا أبا الحسن ، فما علمتك إلا مفرجاً للغم .
فالتفت علي(ع) إلى كعب فقال :
غلط أصحابك ، وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه ! !
يا كعب ويحك! إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره ، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته ، وعزّ الله وجل أن يقال له مكان يومي إليه ، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون ، ولكن كان ولا مكان ، بحيث لا تبلغه الأذهان ، وقولي ( كان ) عجز عن كونه وهو مما عَلَّمَ من البيان يقول الله عز وجل ( خلق الإنسان علمه البيان ) فقولي له ( كان ) ما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته ، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً على ما يشاء محيطاً بكل الأشياء ، ثم كَوَّنَ ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب ، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد ، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شئ ، ثم خلق منه ظلمة ، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شئ كما خلق النور من غير شئ ، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين ، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماءً مرتعداً ولا يزال مرتعداً إلى يوم القيامة ، ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء ، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخرى ، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب ، وذلك قوله: وكان عرشه على الماء ليبلوكم .
يا كعب ويحك ، إن من كانت البحار تفلته على قولك ، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه !
فضحك عمر بن الخطاب وقال : هذا هو الأمر ، وهكذا يكون العلم ، لا كعلمك يا كعب . لا عشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن ) . انتهى .
فهذه النصوص القوية وغيرها تجعل الباحث يطمئن إلى أن وجود إصبع الثقافة اليهودية في المسألة هو الذي أوجب كل هذا الإستنفار والموقف الحاسم!
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة
وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
نعمة سعة الصدر -
من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان ، نعمة سعة الصدر والتحمل . .
سعة الصدر على من يخالفك في الرأي والمذهب والمعتقد . . والقدرة على أن تسمع منه وتَفْهَمَ عليه ، وتَفْهَمَهُ . والتحمل منه عندما يصدر عليك أحكامه الخاطئة ، أو يؤذيك ويظلمك .
وهي نعمة نادرة في الناس ، حتى في العلماء . . وأكثر ندرة في الحكام وزعماء القوميات والفئات .
والظاهر أن وجودها في الشيعة أكثر من غيرهم ، فالشيعي يتحمل منك أن تخالفه في الرأي والمذهب تحملاً جيداً . . وقد يتحمل أن تضطهده !
ذلك أنه يتربى مع
عقائد مذهبه ومفاهيمه ، على سعة الصدر والإستعداد للإضطهاد .
الشيعي يتعلم أنه موالٍ لأهل بيت النبي(ص) ، الذين جسدوا قيم الإسلام ومُثُلَهُ ، وتحملوا من أجلها الظلم ويتحملونه ، حتى يظهر مهديهم الموعود . . (ع) . وهو يتعلم أن من أحبنا أهل البيت فليتخذ للبلاء جلباباً . . ويتعلم أن أمرنا صعبٌ مستصعب . .
فالمسألة عنده طويلةٌ بطول هذا العالم . . وطول الخطة الإلهية فيه ، والحلم الإلهي عليه . .
والمسألة عنده أن عقائده وأفكاره صعبة التحمل على الآخرين ، ليس لصعوبتها الفكرية فهي من السهل الممتنع . . بل لصعوبتها النفسية
( السيكولوجية ) .
وبسبب هذه التربية ترى الشيعي يبحث عن العذر لمخالفيه وظالميه ، لأنه يريد أن يتعايش معهم ويسحب منهم كل عذر لظلمه .
لقد تأقلم الشيعة مع الأذى والظلم حتى صار لهم جلباباً ، وحتى تعجب ظالموهم من تحمّلهم !
نعمة سعة الصدر عند إخواننا -
يتفاوت حال خصوم الشيعة في سعة الصدر وضيقه ، ولكن الظاهر أن أكثرهم ضيقاً بنا إخواننا الوهابيون، ظالمونا الجدد من داخل البيت الإسلامي ، الذين كانوا يتهموننا بالشرك ، وبأننا عملاء الشيوعية واليهود . .
ثم دارت الأيام ورأوا أن الغرب وإسرائيل يكرهوننا أكثر مما يكرهونهم ، فلم يشفع لنا ذلك عندهم !
ثم دارت الأيام ورأوا أننا تركنا الصراعات مع أحدٍ من فئات الأمة ، وتخصصنا في مقاومة إسرائيل . . فلم يشفع ذلك لنا عندهم !
لقد تعجب العالم من مقاومة أبناء الشيعة وصمودهم في جنوب لبنان ، وافتخر بهم العرب والمسلمون . . ولكن إخواننا الوهابيين لم يعجبهم ذلك ! فإذا ذكروهم لا يعبرون عن قتلاهم بالشهداء ، لأنهم بزعمهم مشركون لا يعملون لله تعالى ، ولا يجاهدون في سبيله !
إنهم يرون شاباً في الثامنة عشرة من عمره ، نشأ على التقوى ، ورفض مغريات الدنيا ، ولم يأنس إلا بالإيمان والمسجد والقرآن ، والشوق إلى لقاء الله تعالى والشهادة في سبيله . . يرونه يقتحم تحصينات بني يهود ، حاملاً روحه على كفه ، تالياً ذكر ربه ، مدوياً صوته بالتكبير ، ثابت الجنان ، قوي الضربة ، ناثراً أشلاءه قرباناً لله تعالى ، محطماً أسطورة الخوف من قلوب المسلمين، تاركاً لهم وصيته بالجهاد في سبيل الله . . فلا يُعْجِبْ ذلك إخواننا ، ولا يهتز لهم حِسّ ! !
إنهم لا يعجبهم منا العجب ، ولا الصيام في رجب !
لكن تعجبهم أحكامهم على خالفهم بالكفر والشرك !
ويعجبهم أنهم لا يتحملون البحث العلمي الهادئ !
لقد نشروا في هذه السنوات أكثر من 500 كتاباً وكتيباً ضد الشيعة ، وفيها الكثير من الأحكام القاسية ، والألفاظ السوقية ، والقليل من العلم . .
فهل يتحملون كتيباً علمياً ينقد أفكارهم في الإيمان والتوحيد ؟
آمل أن يكون لعلمائهم من سعة الصدر ما لعلماء الجامعات الغربية الذين يأنس بعضهم بالنقد الفكري .. بل آمل أن يكون عندهم سعة صدر علماء السلف الصالح ، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب .
هدف هذا البحث -
لم يكن هذا البحث من قصدي ، فقد كنت مستغرقاً في بحث آخر ، ووجدت في أثنائه أن عقيدة الوهابيين في آيات الصفات وأحاديثها تحتاج إلى معرفة جذورها . . ولما راجعت ما تيسر لي من مصادر ، هالني الأمر . . وقلت في نفسي : لو عرف إخواننا الوهابيون حقيقة التوحيد الذي يقدمه لهم علماؤهم ويطلبون منهم أن يسوقوا المسلمين بعصاه . . لأعادوا النظر في بناء عقيدتهم بالله تعالى ، وخففوا من غلوائهم علينا .
لو عرف المثقف الوهابي أن إمامه المفتي الأكبر عبد العزيز بن باز يقول إن الله تعالى جسم موجود في مكان معين من الكون ، وله وجه ويد ورجل وأعضاء وجوارح . . وأنه على صورة إنسان . .
وأن الحيوانات تحمل عرشه . . !
لو عرف أن علماءه يقولون إن هذا ( الإله ) يفنى ويهلك كله ما عدا وجهه ، بدليل قوله تعالى ( كل شئ هالك إلا وجهه ) ! !
وأنهم يقولون يجب على علماء الوهابية أن يكتموا مادية الله تعالى عن جمهور المسلمين ويستعملوا معهم التقية ) لأن عقائد الإسلام منها ما هو خاص برجال الدين من الدرجة الأولى . . فمادية الله تعالى بزعمهم خاصة بهذه الطبقة فقط ! !
لو اطلع هذا المثقف على هذا الضعف العلمي والتناقضات في نظريات علمائه عن التوحيد لهاله الأمر ! ولأعاد النظر في تصوره الذي علموه إياه عن الله تعالى . . ثم لعذر الجمهور الأعظم من المسلمين في نفرتهم من الوهابية .
من أجل هذا الهدف كتبت هذا البحث . . لعل إخواننا الوهابيين يلتفتون إلى أن مشكلتهم في التوحيد أعظم من جميع مشكلات المسلمين ، فينشغلوا بحلها ويخففوا عنا شدتهم ، خاصةً في موسم الحج الذي صار المسلم يحسب له قبل مشقاته البدنية والمالية ، مشقته المعنوية على كرامته ، بسبب فتاوى الكفر والشرك التي يتأبطها المتطوعون الوهابيون في موسم الحج ويصفعون بها وجوه حجاج بيت الله تعالى وزوار قبر نبيه وآله(ص)! !
لقد كثر هؤلاء المتبرعون لخدمة ضيوف الرحمن في السنوات الأخيرة وعدلوا في توزيع جوائزهم على الجميع ، حتى لا تكاد تجد حاجاً يرجع إلى بلاده من أي بلد أو قومية إلا ويتحدث عن معاملتهم الحسنة وفتاواهم ونبراتهم التي صفعوه بها ! لمجرد أنه تقرب إلى الله تعالى بزيارة قبر نبيه أو وليه !
ينبغي أن يعرف إخواننا الوهابيون أن مسائل الشرك العملي كلها متأخرة رتبةً عن مسألة الإعتقاد النظري ، وأنه لا بد للمسلم أولاً أن يصحح عقيدته بربه عز وجل وتصوره عنه ، حتى يملك الأساس الذي يقيس به توحيد الآخرين النظري والعملي ، ويعرف ما هو الشرك الأكبر والأصغر والمتوسط..
أما إذا كان عنده مشكلة في أصل اعتقاده بالله تعالى ، فإن عليه أن يعالج مشكلته ويبني بيته أولاً . .
ثم إذا جاز له أن يطرح اجتهاده على المسلمين . . فبالحسنى ، والمنطق العلمي ، والكلمة الجميلة .
في الرابع عشر من شهر صفر المظفر سنة 1419
علي الكوراني العاملي
الفصل الأول:
خلاصة مسألة الرؤية -
معنى مسألة الرؤية : هل يمكن أن نرى الله تعالى بأعيننا في الدنيا أو في الآخرة ؟
وقد نفى ذلك نفياً مطلقاً أهل البيت وعائشة وجمهور من الصحابة ، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم ، مستدلين بقوله تعالى : ليس كمثله شئ ، لن تراني ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار . وبحكم العقل بأن ما يمكن رؤيته بالعين يلزم أن يكون وجوداً مادياً داخل المكان والزمان .
وقال الحنابلة وأتباع المذهب الأشعري من الحنفية والمالكية والشافعية : إن الله تعالى يرى بالعين في الدنيا أو في الآخرة . واستدلوا بآيات يبدو منها ذلك بالنظرة الأولى كقوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة . وبروايات رووها عن رؤية الله تعالى في الآخرة . كما حاولوا أن يؤولوا الآيات والأحاديث النافية لإمكان الرؤية بالعين .
متى ظهرت أحاديث الرؤية والتشبيه ؟ -
تدل نصوص الحديث والتاريخ على أن الجو الذي كان سائداً في صحابة النبي في عهده(ص) وعهد الخليفة أبي بكر ، أن الله تعالى ليس من نوع ما يرى بالعين أو يحس بالحواس الخمس . .
لأنه وجود أعلى من الأشياء المادية فلا تناله الأبصار، بل ولاتدركه الأوهام وإنما يدرك بالعقل ويرى بالبصيرة.. ورؤيتها أرقى وأعمق من رؤية البصر .
ثم ظهرت أفكار الرؤية والتشبيه وشاعت في المسلمين في عهد الخليفة عمر وما بعده ، فنهض أهل البيت وبعض الصحابة لردها وتكذيبها . وقد فوجئت أم المؤمنين عائشة كغيرها بهذه المقولات الغريبة عن عقائد الإسلام، المناقضة لما بلغه النبي(ص) عن ربه تعالى ! فأعلنت أن هذه الأحاديث مكذوبة على رسول الله، بل هي فِرْيَةٌ عظيمة علىالله تعالى وعلى رسوله(ص) ، ومن واجب المسلمين ردها وتكذيبها .
* روى البخاري في صحيحه : 6/50 :
( عن مسروق قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أُمَّتَاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟ فقالت : لقد قَفَّ شعري مما قلت ! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ، ومن حدثك أنه يعلم ما في غدٍ فقد كذب ، ثم قرأت : وما تدري نفس ماذا تكسب غداً ، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية ، ولكنه رأى جبرئيل(ع) في صورته مرتين ) .
* وروى البخاري : 8/166 :
( عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب ، وهو يقول : لا تدركه الأبصار ، ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب ، وهو يقول : لا يعلم الغيب إلا الله ) .
وروى نحوه في مجلد 2 جزء 4 ص 83 و مجلد 3 جزء 6 ص 50 وج 4 ص 83 .
* وفي صحيح مسلم : 1/110 :
( عن عائشة : من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ) .
* وروى نحوه النسائي في تفسيره : 2/339 وفي ص 245 : ( عن أبي ذر أن النبي رأى ربه بقلبه لا ببصره ) . وذكره في إرشاد الساري : 5/276 و 7/359 و 10/356 ، والرازي في المطالب العالية ، مجلد 1 / جزء 1 / 87 .
* وروى الترمذي في سننه : 4/328 :
( عن مسروق قال كنت متكئاً عند عائشة فقالت : يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم الفرية على الله : من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله والله يقول : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب . وكنت متكئاً فجلست فقلت : يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني أليس الله تعالى يقول: ولقد رآه نزلة أخرى . ولقد رآه بالأفق المبين ؟ قالت : أنا والله أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا ، قال : إنما ذلك جبريل ، ما رأيته في الصورة التي خلق فيها غير هاتين المرتين ، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عِظَمُ خلقه ما بين السماء والأرض ، ومن زعم أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل الله عليه فقد أعظم الفرية على الله ، يقول الله : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك . ومن زعم أنه يعلم ما في غدٍ فقد أعظم الفرية على الله ، والله يقول : لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله . هذا حديث حسن صحيح ، ومسروق بن الأجدع يكنى أبا عائشة ). انتهى .
* ورواه الطبري في تفسيره : 27/30 وروى نحوه في ص 200 وقال في ص 20 :
( عن الشعبي قال قالت عائشة : من قال إن أحداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله ، قال الله : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار . فقال قائلو هذه المقالة : معنى الإدراك في هذا الموضع الرؤية ، وأنكروا أن يكون الله يرى بالأبصار في الدنيا والآخرة ، تأولوا قوله : وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة بمعنى انتظارها رحمة الله ) . انتهى .
* وروى نحوه أحمد في مسنده : 6/49 وفيه : ( قالت سبحان الله لقد قَفَّ شعري لما قلت ). وروى نحوه البغوي في مصابيحه : 4/30. ورواه السهيلي في الروض الآنف : 2/156 . والنويري في نهاية الإرب مجلد 8 جزء 16 ص 295 وفيه : ( فقالت : لقد وقف شعري . . ) . وروى نحوه الثعالبي في الجواهر الحسان : 3/252 وقال : ( ذهب البيهقي إلى ترجيح ما روي عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة ، ومن حملهم هذه الآيات : ثم دنى فتدلى . . . عن رؤية جبرئيل ، ورواية شريك تنقضها رواية أبي ذر الصحيحة قال يا رسول الله هل رأيت ربك ؟ قال : نور ، أني أراه ! . . . قوله سبحانه : ما كذب الفؤاد ما رأى ، قال ابن عباس فيما روي : إن محمداً ( ص ) رأى ربه بعيني رأسه ، وأنكرت ذلك عائشة وقالت : أنا سألت رسول الله ( ص ) عن هذه الآيات فقال لي : هو جبرئيل فيها كلها ! )
* وقال ابن جزي في التسهيل : 2/381 :
( وقيل الذي رآه هو الله تعالى ، وقد أنكرت ذلك عائشة ) .
* وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : 2/166
( عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله تعالى ، ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته وخلقه ساداً ما بين الأفق . ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله تعالى بعينيه وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها ، فأمّا رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة ، وأما رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص . جمع أحاديثها الدار قطني والبيهقي وغيرهما ) . انتهى .
وقال في هامشه : ( وأخرجه أحمد 6/241 من طريق ابن أبي عدي ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : كنت عند عائشة قال قلت : أليس الله يقول: ولقد رآه بالأفق المبين ، ولقد رآه نزلة أخرى ، قالت : أنا أول هذه الأمة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فقال : إنما ذاك جبريل لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين رآه منهبطاً من السماء إلى الأرض ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض . وأخرجه مسلم ( 177) في الإيمان باب معنى قوله عز وجل : ولقد رآه نزلة أخرى ، من طريق الشعبي به . وأخرجه البخاري 8/466 من طريق الشعبي عن مسروق . . وأخرجه الترمذي ( 3278 ) في التفسير من طريق سفيان عن مجالد عن الشعبي . هذا حديث صحيح الإسناد ) . انتهى .
ولكن نفي عائشة يشمل الرؤية في الآخرة أيضاً كما أشار إليه الطبري ، ولذلك اضطر الذهبي وغيره إلى ارتكاب التأويل في حديث عائشة ، وفي آيات نفي الرؤية وأحاديثها ، مع أنهم حرموا التأويل في أحاديث إثبات الرؤية وصفات الله تعالى ، واستنكروه واعتبروه ضلالاً وإلحاداً ، كما سيأتي !
* وقال الدميري في حياة الحيوان : 2/71 : ( نفت عائشة دلالة سورة النجم على رؤية النبي ( ص ) لربه وجواز الرؤية مطلقاً . . . وهو سبحانه أجل وأعظم من أن يوصف بالجهات ، أو يحد بالصفات ، أو تحصيه الأوقات أو تحويه الأماكن والأقطار ،ولما كان جل وعلا كذلك استحال أن توصف ذاته بأنها مختصة بجهة ، أو منتقلة من مكان إلى مكان ، أو حَالَّةً في مكان . روي أن موسى(ع) لما كلمه الله تعالى سمع الكلام من سائر الجهات . . . وإذا ثبت هذا لم يجز أن يوصف تعالى بأنه يحل موضعاً أو ينزل مكاناً ، ولا يوصف كلامه بحرف ولا صوت ، خلافاً للحنابلة الحشوية . . . )
معنى الفرية على الله تعالى ومصدرها -
الفرية : البدعة العظيمة والكذب المتعمد في دين الله تعالى .
* قال الخليل في العين : 8 /280 : ( الفري : الشق . . . وفريت الشيء بالسيف وبالشفرة قطعته وشققته . وفرى يفري فلان الكذب ، إذا اختلقه . . . الفَرِيُّ : الأمر العظيم ، في قوله عز وجل : لقد جئت شيئاً فرياً ) .
* وقال الجوهري في الصحاح : 6/24 : ( وفرى فلان كذباً إذا خلقه . وافتراه : اختلقه ، والإسم الفرية . وفلان يفري الفرى : إذا كان يأتي بالعجب في عمل . قوله تعالى : لقد جئت شيئاً فرياً ، أي مصنوعاً مختلقاً ، وقيل عظيماً ) .
* وقال الراغب في المفردات ص 379 : ( وقوله : لقد جئت شيئاً فرياً ، قيل معناه عظيماً وقيل عجيباً وقيل مصنوعاً . وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد) .
ولا يبعد أن يكون أصل تعبير ( الفرية على الله ) نبوياً ، وأن تكون عائشة وأهل البيت أخذوه منه(ص) .
* وقد روى أحمد شبيهاً له في مسنده 3/491 عن واثلة بن الأسقع قال :
( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أعظم الفرية ثلاث ... إلخ ) .
كما لا يبعد أن يكون في أصله وصفاً لليهود .
* وقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد : 4/122 أن عبدالله بن رواحة قاله ليهود خيبر : ( فلما طاف في نخلهم فنظر إليه قال : والله ما أعلم من خلق الله أحداً أعظم فرية عند الله وعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم منكم ) . انتهى .
وأوضح من ذلك الرواية التالية التي تدل على أن اليهود منبع ( الفِرَى ) على الله تعالى .
* وروى المجلسي في بحار الأنوار 36/194 :
( عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر .
إذ قال ( عمر ) : يا كعب أحافظ أنت للتوراة ؟
قال كعب : إني لأحفظ منها كثيراً .
فقال رجل من جنبة المجلس : يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه ، ومِمَّ خلق الماء الذي جعل عليه عرشه ؟
فقال عمر : يا كعب هل عندك من هذا علم ؟
فقال كعب : نعم يا أمير المؤمنين ، نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديماً قبل خلق العرش وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء ، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة ، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته ، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه !
قال ابن عباس : وكان علي بن أبي طالب(ع) حاضراً ، فَعَظَّمَ عَلِيٌّ ربه ، وقام على قدميه ، ونفض ثيابه ! فأقسم عليه عمر لمَاَ عاد إلى مجلسه ، ففعله.
قال عمر : غص عليها يا غواص ، ما تقول يا أبا الحسن ، فما علمتك إلا مفرجاً للغم .
فالتفت علي(ع) إلى كعب فقال :
غلط أصحابك ، وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه ! !
يا كعب ويحك! إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره ، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته ، وعزّ الله وجل أن يقال له مكان يومي إليه ، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون ، ولكن كان ولا مكان ، بحيث لا تبلغه الأذهان ، وقولي ( كان ) عجز عن كونه وهو مما عَلَّمَ من البيان يقول الله عز وجل ( خلق الإنسان علمه البيان ) فقولي له ( كان ) ما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته ، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً على ما يشاء محيطاً بكل الأشياء ، ثم كَوَّنَ ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب ، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد ، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شئ ، ثم خلق منه ظلمة ، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شئ كما خلق النور من غير شئ ، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين ، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماءً مرتعداً ولا يزال مرتعداً إلى يوم القيامة ، ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء ، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخرى ، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب ، وذلك قوله: وكان عرشه على الماء ليبلوكم .
يا كعب ويحك ، إن من كانت البحار تفلته على قولك ، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه !
فضحك عمر بن الخطاب وقال : هذا هو الأمر ، وهكذا يكون العلم ، لا كعلمك يا كعب . لا عشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن ) . انتهى .
فهذه النصوص القوية وغيرها تجعل الباحث يطمئن إلى أن وجود إصبع الثقافة اليهودية في المسألة هو الذي أوجب كل هذا الإستنفار والموقف الحاسم!