المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستقاق في اللغة العربية


محمد الباقر
26-04-2013, 11:40 PM
الاشتقاق في
اللـــــغة العـــربية


أبو محمد الباقر العامري




المقــــــــدِّمــــة
الحمد لله ربِّ العالمين بارئ الخلائق أجمعين ديّان يوم الدين والصلاة والسلام على سيد الرسل الأغر والقمر الأزهر أبي الزهراء الأطهر رسول الله الأكبر محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين الى قيام يوم الدين واللعن الدائم بلا توهين على أعدائهم أجمعين.
أما بعـــــــــــــــــــــــــــــــد...
لقد تناولت موضوعاً من موضوعات اللغة العربية، الذي يستوقف كل باحثٍ يريد النظر في سعة هذه اللغة وديمومتها ألا وهو موضوع الاشتقاق حيث يعد هذا الموضوع مزية فارقة للغة العربية عن كثير من اللغات الأخوات والغريبات، فضلاً عن كونه موضع خلافٍ في جوانبه المتعددة من أصل وفرع وأنواع فكان تقسيم البحث على مبحثين بعد المقدمة.
جاء في المبحث الأول تعريف الاشتقاق لغةً واصطلاحاً، وما فائدة الاشتقاق؟ والخلاف في أصل الاشتقاق بين مدرستي الكوفة والبصرة، مع ذكر أدلة كلٍ من الفريقين والآراء التي طرحت في الاشتقاق، وكان ختام هذا المبحث في رؤية جديدة للاشتقاق متمثلة برأيي الدكتور تمام حسان والدكتور عبد الصبور شاهين.
أما المبحث الثاني فجاء مبحثاً كلاسيكياً في أنواع الاشتقاق التي تألف منها وهي الاشتقاق الأصغر والاشتقاق الكبير والاشتقاق الأكبر، والنوع المختلف فيه أهو من الاشتقاق أم لا؟ وهو الاشتقاق الكُبَّار أو (النحت) مع الإشارة الى الآراء في هذا النوع. منتهياً بالخاتمة وفهرس المصادر والمراجع وفهرس الموضوعات.
والحمد لله ربِّ العالمين أولاً وآخراً
الباحث
 الاشتقاق لغةً:
جاء في لسان العرب: (( واشتقاق الشيء بنيانه من المرتجل. واشتقاق الكلام:الأخذ فيه يميناً وشمالاً.واشتقاق الحرف من الحرف أخذه منه، ويقال: شقّق الكلام إذا أخرجه أحسن مَخرج)).
الاشتقاق في الاصطلاح:
للاشتقاق تعريفات كثير نقصر الذكر على تعريفين منهما الأول للقدماء والثاني للمحدثين أما تعريف القدماء فما ذكر صاحب المزهر بقوله:(( أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنى ومادة أصلية، وهيئة تركيب لها، ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة لأجلها اختلفا حروفاً أو هيئة، كضارب من ضرب، وحَذِرٌ من حَذِرَ)) . أما تعريف المحدثين فما ذكر الدكتور صبحي الصالح بقوله:(( توليد لبعض الألفاظ من بعض، والرجوع بها إلى أصل واحد، يحدد مادتها، ويوحي بمعناها المشترك الأصيل، مثلما يوحي بمعناها الخاص الجديد)).
 فائدة الاشتقاق:
ذكر علماء اللغة فوائد كثيرة للاشتقاق ومنها ما ذكره ابن السراج (316هـ) حيث قال: ((الغرض في الاشتقاق أن به اتسع الكلام وتُسلِّط على القوافي، والسجع في الخطب، وتصرف في دقيق المعاني وقد بان بعض ذلك، ولو جمدت المصادر وارتفع الاشتقاق في كل الكلام لم يوجد في الكلام صفة لموصوف، ولا فعل لفاعل، وفضل لغة العرب على سائر هذه اللغات بهذه التصاريف وكثرتها وإن بالحركة من الحركات التي هي الضمة والفتحة والكسرة، وبالحروف تفرق بين معانٍ لولا هذه الأبنية لاحتيج إلى كلامٍ كثير)) وكذلك من فوائد الاشتقاق: أنّ المنفعة عظيمة فيه؛ لأن من تعاطى عمله سهُل عليه حفظ كثير من اللغة؛ لأن أكثر كلام العرب بعضه من بعض فإذا مرت ألفاظ منتشرة بأبنية مختلفة تجمعها، جعل ذلك رباطاً لها فلم تعجزه، وحفظ الكثير بالقليل. كما ذكر الدكتور رمضان عبد التواب فائدة الاشتقاق فقال: (( والاشتقاق بهذه الصورة، هو إحدى الوسائل، الرائعة التي تنمو عن طرقها اللغات وتتسع ويزداد ثراؤها في المفردات، فتتمكن به من التعبير عن الجديد من الأفكار، والمستحدث من وسائل الحياة))
 الخلاف في أصل الاشتقاق:
تعد مسألة الاختلاف في أصل الاشتقاق من المسائل التي لم يُتوصل فيها الى حل أو رأي قطعيٍّ، وأصل الخلاف فيها بين نحاة البصرة ونحاة الكوفة، حيث أنّ كلا الفريقين تعصب لرأيه الذي قادته إليه أدلته، فأدلة نحاة البصرة تذهب بهم إلى أنّ المصدر هو الأصل والفعل مشتق منه، والكوفيون ذهبوا إلى أن الفعل هو الأصل والمصدر مشتق منه وقد ذكر هذا الخلاف الأنباري مفصلاً في كتابه الإنصاف حيث يقول: (ذهب الكوفيون الى أن المصدر مشتقٌ من الفعل وفرعٌ عليه، نحو"ضَرَبَ ضَرْبَاً، وقَامَ قِيَامَاً" وذهب البصريون الى أن الفعل مشتق من المصدر وهو فرعٌ عليه)) وقد فصّل القول في أدلة الفريقين على النحو الآتي.
 أدلة أهل البصرة:
1- استدل البصريون على ما ذهبوا إليه من أنّ المصدر أصلٌ للفعل، بأنّ المصدر يدلّ
على زمن مطلق والفعل يدل على زمن مقيد وما كان مطلقاً أصل للمقيد، فكذلك المصدر اصل للفعل.
2- وكذلك استدلوا بان المصدر أصلٌ للفعل هو أنّ المصدر اسم و الاسم يقوم بنفسه ويستغني عن الفعل والفعل لا يقوم بنفسه ويفتقر الى الاسم، وما يستغني بنفسه ولا يفتقر الى غيره أولى أن يكون أصلاً مما لا يقوم بنفسه ويفتقر الى غيره.
3- واستدلوا أيضاً على أنّ المصدر هو الأصل والفعل فرعٌ عليه، أن الفعل يدل بصيغته على شيئين هما الحدث والزمان والمصدر يدل على شيء واحد هو الحدث وبما أنّ الواحد أصلٌ للاثنين فالمصدر أصل للفعل.
4- وكذلك على أن المصدر أصل الفعل، أنّ المصدر له مثال واحد نحو: الضَرْبُ والقَتْلُ، والفعل له أمثلة متعددة.
5- وكذلك استدلوا على أن المصدر أصل الفعل، أن الفعل بصيغته يدل على ما يدل عليه المصدر والمصدر لا يدل على ما يدل عليه الفعل ألا ترى أن ضَرَبَ يدل على ما يدل عليه الضَرْبُ والضَرْبُ لا يدل على ما يدل عليه ضَرَبَ وإذا كان كذلك دلّ على أن المصدر أصل والفعل فرع لأن الفرع لا بد أن يكون فيه الأصل وصار هذا كما تقول في الآنية المصنوعة من الفضة فإنها تدل على الفضة والفضة لا تدل على الآنية.
6- واستدلوا أيضاً على ان المصدر أصل الفعل، أن المصدر ليس مشتقاً من الفعل ولو كان مشتقاً منه لكان يجب أن يجري على سَنَن في القياس ولم يختلف كما لم يختلف اسماء الفاعلين والمفعولين فلمّا اختلف المصدر اختلاف الأجناس كالرجل والثوب والتراب والماء وسائر الأجناس دلّ على أنه غير مشتق.
7- وكذلك استدلوا بأن المصدر أصل الفعل، إذ لو كان المصدر مشتقاً من الفعل لدلّ على معنى ثالث كما دلت أسماء الفاعلين والمفعولين على الحذف وذات الفاعل والمفعول به فلمّا لم يكن كذلك دلّ على أنه ليس مشتقاً من الفعل.
8- واستدلوا ايضاً على أن المصدر هو أصل للفعل، وأنه ليس مشتقاً منه، قولهم (أكرم إكراماً) بإثبات الهمزة ولو كان مشتقاً من الفعل لوجب أن تحذف منه الهمزة كما حذفت من اسم الفاعل واسم المفعول نحو (مُكْرِم، مُكْرَم).
9- وكذلك دليلهم بأن المصدر هو أصل الفعل، تسميته مصدراً فإن المصدر هو الموضع الذي يُصْدَرُ عنه، ولهذا قيل للموضع الذي تصدر عنه الإبل مصدراً، فلما سُمي مصدراً دلَّ على أن الفعل صدر عنه.
 أدلة أهل الكوفة:
1- استدلّ الكوفيون فيما ذهبوا إليه على أن الفعل أصل والمصدر مشتقٌ منه وفرعٌ عليه، أن المصدر يصح لصحة الفعل ويعتل لاعتلاله نحو: قَاوَمَ- قِوَاماً، فيصح المصدر فيه، أما قولك: قَامَ- قِياما،ً فالمصدر يعتل لاعتلال الفعل.
2- وكذلك استدلوا بأن الفعل أصلٌ المصدر فرعٌ عليه،أن الفعل يعمل في المصدر فتقول: ضَرَبْتُ ضَرْبَاً، فوجب أن يكون فرعاً عليه؛ لأن رتبة العمل قبل رتبة المعمول.
3- واستدلوا أيضاً على الفعل أصل للمصدر، أن المصدر يذكر توكيداً للفعل ورتبة المؤكَّد قبل رتبة المؤكِّد، وما يؤيد ذلك هو وجود أفعال لا مصادر لها أمثال: نعم، وبئس، حبّذا، وهذا مما يجعل استحالة وجود الفرع من دون أصل.
4- واستدلوا كذلك بأن المصدر لا يُتَصوّر معناه ما لم يكن فعلَ فاعلٍ، والفاعل وضع له فَعَل- يَفْعَل فينبغي أن يكون الفعل الذي يعرف به المصدر أصلاً.
5- لا يجوز أن يقال المصدر سمي مصدراً لأنه مصدور عن الفعل، كما يقال للموضع الذي تصدر عنه الإبل مصدراً لصدورها عنه، بل سمي مصدرا لصدوره عن الفعل. كما قالوا في ( مرْكَبٌ فاره ) أي: مركوب فاره.
6- توجد أفعال جامدة لا مصدر لها نحو: ( بئس، نِعْم، ليس، عسى).
 أراء العلماء في الاشتقاق:
ذكر الدكتور رمضان عبد التواب رأي علماء الغرب في الاشتقاق بقوله: ((الاشتقاق "Etymology" عند علماء الغرب، أحد فروع علم اللغة، التي تدرس المفردات، وينحصر مجاله في أخذ ألفاظ القاموس كلمة كلمة، وتزويدها كل واحدة منها، بما يشبه أن يكون بطاقة شخصية، يُذكر فيها: من أين جاءت؟ ومتى وكيف صِغتْ؟ والتقليبات التي مرت بها،فهو علم تاريخي يحدد صيغة كل كلمة، في أقد عصر تسمح المعلومات التاريخية بالوصول إليه، ويدرس الطريق الذي مرتْ به
الكلمة، مع التغيرات التي أصابتها من جهة المعنى أو من جهة الاستعمال))
فهو عندهم علم نظري يتتبع الكلمة تاريخياً عبر العصور مع بيان ما يعتريها من تغير بنيوي ودلالي منذ النشأة الى أخر تطور دلاليٍّ حصل لها، إذن هو دراسة وصفية للمفردات.
أما الاشتقاق عند العرب فهو علم عملي تطبيقي؛ لأنه كما قلنا:((توليد لبعض الألفاظ من بعض، والرجوع بها الى أصل واحد، يحدد مادتها، ويوحي بمعناها المشترك الأصل، مثلما يوحي بمعناها الخاص الجديد)) ، فكانت آراؤهم فيه على ثلاثة مذاهب هي:
المذهب الأول: من يرى وجود الاشتقاق في اللغة العربية وحتى أنه وصل الى مرحلة الغلو فيه فقال أن (كل الكلم مشتق) وقد نسب هذا المذهب الى الزجاج.
أما المذهب الثاني: فينسب لبعض أهل النظر حيث ينكرون وقوع الاشتقاق في اللغة العربية، بأنهم يذهبون الى أن( كل الكلم أصل).
أما المذهب الثالث: وهو أكثر المذاهب اتزاناً وأقرب إلى الرأي العلمي والأكثر قبولاً والذي ذهب أصحابه إلى أن ( الكلم بعضه أصل وبعضه مشتق) وهذا الرأي يُنسب إلى الخليل وسيبويه وقطرب والمازني والكسائي والفراء والمبرِّد.
 نظرة جديدة في الاشتقاق:
وهذه النظرة نراها عند الدكتور تمام حسان حيث يرى أن الخلاف في أصل الاشتقاق أهو المصدر كما يرى البصريون أم الفعل كما يرى الكوفيون؟ هو خلاف لم يصل فيه أحد الى أن أحد الطرفين هو الأصح. والذي يجب أن يكون من جهة الصيغ ولكن المعجميون يدرسونها من جهة الكلمات نفسها لا صيغها وحيث يعبر المعجميون عن الصلة بين الكلمات لا يقنعون بالمباني الصرفية بل يلجئون في إيجاد العلاقة بين هذه الكلمات الى الجذر الذي يجمع بينها.
وهذا الرأي يراه صحيحاً بقوله: (( والذي أراه أجدى على دراسة هذه المشكلة (مشكلة الاشتقاق) أن يعدل الصرفيون بها عن طريقتهم الى طريقة المعجميين بل أن يجعلوا دراستها في إطار علم الصرف حسبه لوجه علم المعجم مبتعدين بها عن شكلية الصيغ والزوائد والملحقات ذات المعاني الوظيفية جانحين بها اتجاه المعجم بحيث يكون الاشتقاق حدود مشتركة بين المنهجين ...ويصبح الاشتقاق مع ذلك الفهم دراسة صرفية مسوقة لخدمة المعجم كما كانت المباني والزيادات والملحقات دراسة صرفية مسوقة لخدمة النحو. ويتبع هذا الفهم الجديد للاشتقاق أمر آخر هو تقسيم الكلمات المشتقة بحسب هذا الفهم الى متصرفة وجامدة فأما الأولى فهي التي تتضح الصلات بين بعضها وبعض بواسطة تقليب حروف مادتها على صيغ مختلفة
كالأفعال والصفات وأما الثانية فهي التي لا يمكن فيها ذلك كرجل وفرس وكتاب))
اما الدكتور عبد الصبور شاهين فيرى: (( أن أساس الكلمة العربية التي تؤخذ منه كل صورها هو (المادة)، التي هي عبارة عن الصوامت المجردة من الحركات دون ما زيادة، أدركنا أن كل كلمة في اللغة (مأخوذة) من هذه المادة سواء أكانت جامدة أم مشتقة بمقياس الصرفيين. وهذا ما يحتم ضرورة وضع تعريف للجامد، على أنه: "ما يؤخذ من مادته على غير قياس" والمشتق:"ما يؤخذ من مادته على قياس")) . وأعطى أمثلة على هذين التصريفين، فالأول (الجامد) كمادة (ر.ج.ل.) فيقول أنها لا تأتي منها سوى كلمتين ( رَجُل – رِجْل) وكذلك مادة (ل.ي.س) لا يأتي منها سوى (ليس) فهي كلمة جامدة أُخذت من مادة غير مخصبة. أما التعريف الآخر (المشتق) فمثَّل له بمادة (ك.ت.ب) التي يمكن أن يؤخذ منها صور كثيرة قياسية مثل: كتب، يكتب، كاتب، مكتوب، كتاب، مكاتبة، كتابة،...الخ، ويقول: ((وبذلك يعتبر الفعل والمصدر مثل باقي المشتقات التي تبسل من المادة المخصبة؛ لأن كلاً منهما نتيجة إقحام الحركات بين صوامت المادة، وكل منهما ذو صورة مختلفة ومردها جميعاً الى هذه المادة التي يختلف الحكم عليها مهما اختلف تكوينها))
 أنواع الاشتقاق:
اختلف العلماء في أنواع الاشتقاق كاختلافهم في أصل الاشتقاق، فمنهم من قال إنهما نوعان،حيث يقول الدكتور صبحي الصالح: ((وهناك نوعان من الاشتقاق، دار الحديث حولهما في مؤلفات القدامى من اللغويين العرب، الاشتقاق الأصغر، والاشتقاق الكبير)) ومنهم من قال إنها ثلاثة أقسام حيث ذكر الدكتور محمد ياسين الفاداني ذلك بقوله: (( س:الى كم قسم ينقسم الاشتقاق العملي؟ ج: ينقسم إلى ثلاثة أقسام: اشتقاق صغير، واشتقاق كبير، واشتقاق أكبر)) . وهناك من جعله أربعة أقسام هي: الاشتقاق الصغير، والاشتقاق الكبير، والاشتقاق الأكبر، والاشتقاق الكُّبار، وهو ما ينقله الدكتور صبحي الصالح حيث يقول: ((...وفي النوع الرابع الملحق بها وهو النحت الذي يؤثر بعض الباحثين أن يسميه "الاشتقاق الكبَّار"
1- الاشتقاق الأصغر :
هو أول أنواع الاشتقاق وأكثرها وروداً في في العربية، وهو محتج به لدى أكثر علماء اللغة، فقد ذكره ابن جني بقوله: (( ...فالصغير مافيا يدي الناس وكتبهم، كأن تأخذ أصلاً فتتقراه فتجمع بين معانيه، وإن اختلفت صِيَغه ومبانيه. وذلك كترتيب (س. ل.م) فإنك تأخذ معنى السلامة في تصرفه، نحو: سلم، ويسلم، وسالم، وسلمان، وسلمى، والسلامة، والسليم:اللديغ؛ أطلق عليه تفاؤلاً بالسلامة. وعلى ذلك بقية الباب إذا تأولته، وبقية الأصول غيره، كترتيب (ض.ر.ب)و(ج.ل.س)و(ز.ب.ل) على ما في أيدي الناس من ذلك. فهذا هو الاشتقاق الأصغر)) وهذا ما ذكره الدكتور علي عبد الواحد وافي بـ( الاشتقاق العام) بقوله:(( الاشتقاق: يربط كل أصل ثلاثي في اللغة بمعنى عام وضع له، فيحقق هذا المعنى في كل كلمة توجد فيها الأصوات الثلاثة مرتبة حسب ترتبها في الأصل الذي أخذت منه. فالمعنى العام للعلم مثلاً:هو إدراك الشيء وظهوره ووضوحه يرتبط لأصوات العين واللام والميم، فيتحقق في كل كلمة توجد فيها هذه الأصوات الثلاثة مرتبة على هذه الصورة مهما تخللها أو سبقها أو لحقها من أصوات أخرى لينة أو ساكنة، فتتحقق في الكلمات عَلِمَ، عَلِمْنا، أعْلَم ، نَعْلَم، إعْلَم، إعْلَمِي، ...عَلَّمَ، عَلَّموا...، يُعَلِّم نُعَلِّم...، تَعَلَّمَ تَعَلَّموا...، تَعَالَمَ تَعَالموا...، عَلَّامَة مَعَالِم، أعْلام، عَلامَات...))
2- الاشتقاق الكبير:
قال ابن جني عن هذا النوع من الاشتقاق بأنه الاشتقاق الأكبر فيقول: ((أما الاشتقاق الأكبر فهو أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية، فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنىً واحداً، تجتمع التراكيب الستة ما يتصرف من كل واحد منها عليه، وإن تباعد شيء من ذلك عنه رُدَّ بلطف الصنعة والتأويل إليه، كما يفعل الاشتقاقيون ذلك في التركيب الواحد)) وقد ذكر ابن جني بعض الأمثلة على قوله السابق منها تقليب الجذر( ج.ب.ر) فهي اين ما تقع تدل على القوة والشدة ومنها جبرتُ العظم وجبرت الفقير إذا قوَّيتُهما وشدد منهما، والجبر: الملك لقوته وتقويته لغيره. منها (رجل مجرَّب) إذا جرسته الأمور ونجذته، فقويت مُنَّته، واشتدت شكيمته ومنه الجراب لأنه يحفظ ما فيه، إذا حُفِظ الشيء وروعي اشتدَّ وقوي وقد علق الدكتور ناصر حسين علي على ما ذكره ابن جني من اتحاد التقليبات الستة في معنى عام مشترك بينهما بقوله: ((ولكن ما ذهب إليه ابن جني لا يتفق مع أغلب مفردات العربية، لأن أمثلته قليلة جداً من جهة، ولامتناع تحقيق المعنى المشترك بين التقاليب الستة من جهة أخرى، وإن حدث شيء من ذلك فإنماء جاء عرضاً فقط، في تقاليب معينة اختيرت اختياراً للقول بهذا الاشتقاق، وقد تراجع عنه ابن جني نفسه)) . كما ذكر الدكتور صبحي الصالح بانه (( ارتباط مطلق غير مقيد بترتيب بين مجموعات ثلاثية صوتية ترجع تقالبيها الستة وما يتصرف من كل منها الى مدلول واحد مهما يتغاير ترتيبها الصوتي. وقد أولع بهذا النوع من الاشتقاق ابن جني، وسمّاه(الاشتقاق الأكبر) وعقد له فصلاً خاصاً...))
3- الاشتقاق الأكبر:
لقد وقف ابن جني على هذا النوع من الاشتقاق ولكنه لم يضع له اسماً بل تناوله تحت عنوان ( باب في تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني ) حيث قال: ((هذا غور من العربية لا يُنتصف منه ولا يكاد يحاط به. وأكثر كلام العرب عليه، وإن كان غُفلاً مسهوّاً عنه. وهو على ضربين: منها ما اقترب الأصلين الثلاثيين؛ كضياط وضيطار، ولوقة وألوقة، ورخودٍّ وودرخود، وقد مضى ذكر ذلك.
ومنها اقتراب الأصلين، ثلاثياً أحدهما ورباعياً صاحبه، أو رباعياً أحدهما وخماسياً صاحبه؛ كدمث ودمثر، وسبط وسبطر، والضبغطي الضبغطري. ومنه قول الشاعر: *قد دَرْدَبَتْ والشَّيخُ دَرْدَبِيْسُ*
والاشتقاق الأكبر كما يقول الدكتور الضامن: (( هو الإبدال اللغوي: وهو رتباط قسم من المجموعات الثلاثية الصوتية ببعض المعاني ارتباطاً عاماً لا يتقيد بالأصوات نفسها بل بترتيبها الأصلي والنوع الذي تندرج تحته، فمتى وردت تلك المجموعات على ترتيبها الأصلي فلا بد أن تفيد الرابطة المعنوية المشتركة، سواء احتفظت بأصواتها أم استعاضت عن هذه الأصوات أو بعضها بحروف أخر تقارب مخرجها الصوتي أو تتحد معها في جميع الصفات. من ذلك تناوب اللام والراء في: هديل الحمام وهديره، والقاف والكاف في: كشط الجلد وقشطه، والباء والميم في: كبخت الفرس وكمحت الفرس. وهذه الأمثلة كلها في تقارب المخرج الصوتي. ومن الأمثلة على الاتفاق في الصفات: تناوب الصاد والسين في: سقر وصقر، وسراط وصراط، وساطع وصاطع)). ويُرجِع الدكتور علي عبد الواحد وافي هذا التناوب الى اختلاف القبائل في النطق بأصوات الكلمة فمادة كشط مثلاً كانت تنطقها قريش بالكاف في حين كانت تنطقها تميم وأسد بالقاف.
4- الاشتقاق الكبّار ( النحت ):
لقد عرفه القدماء : (( ...ومعنى النحت أن تؤخذ كلمتان وتُنحت منهما كلمة واحدة تكون آخذة منهما جميعاً بحظ. والأصل من ذلك ما ذكره الخليل من قولهم حَيْعَلَ الرَّجلُ، إذا قال حَيَّ على)).
أما المحدثون فقد عرَّفوه بأن: (( بناء كلمة جديدة من كلمتين، أو اكثر، أو من جملة، بحيث تكون الكلمتان أو الكلمات متباينتين في المعنى أو الصورة، وبحيث تكون الكلمة الجديدة آخذه منهما جميعاً بحظٍ في اللفظ، دالة عليهما جميعاً في المعنى))
وهذا النوع من الاشتقاق حصل فيه خلاف بين النحاة فمنهم من عده من الاشتقاق ومنهم من أخرجه من دائرة الاشتقاق وقسم آخر توسط بين هذين الرأيين، فمن رأى أنه جزء من الاشتقاق مراعياً بذلك معنى الاشتقاق في أنهما (الاشتقاق والنحت ) هما توليد لفظ من لفظ وفي كل منهما فرع وأصل.
والقسم الأخر يرى بأنه ليس من الاشتقاق ودليلهم بأنه لم يذكر في كتب القدماء عند حديثهم عن الاشتقاق فلم يعدّوه قسماً منه، فقد أهمله ابن جني في بحوثه ولم يذكره السيوطي في الباب الذي خصه للاشتقاق بل افرد له باباً خاصاً به.
أما القسم الثالث الذي توسط بين هذين الرأيين فيرى أنه من قبيل الاشتقاق وليس اشتقاقاً بالفعل.
الخــــــــــــــــــاتمــة
بعد الاطلاع على موضوع الاشتقاق في اللغة العربية الذي يعد من الموضوعات الرئيسة فيها والمهمة توصلت الى النتائج الآتية:
1- يعد هذا الموضوع من الروافد الأساسية في المساهمة في سعة اللغة وتطورها وقدرتها على التوليد والتكاثر.
2- تعد هذه الظاهرة من أبرز الظواهر التي انمازت بها اللغة العربية عن غيرها من اللغات وإن وجدت في غير العربية فهي ليست كوجودها في العربية ودورها فيها.
3- تعد هذه الظاهرة من الظواهر الخلافة بين العلماء، التي لم يصل فيها طرف من أطراف الخلاف الى قول باتٍ بصواب رأيه وغلبته على الآراء الأخرى.
4- تعد هذه الظاهرة سبباً من اسباب حيوية اللغة العربية وديمومتها كونها تمدُّ اللغة بالمفردات الغوية الجديدة التي تساعدها في مواكبة تطور الحياة في جميع مجالاتها.
5- تعد ظاهرة الاشتقاق من الظواهر الحية التي يمكن أن يكون لها تفسير جديد كلما تقدم الوقت بحسب الواقع اللغوي الجديد أي أنها ليست من الموضوعات الجامدة كما هو الحال في الفاعل؛ فالفاعل لايكون إلا مرفوعاً فلا يُنصَب أو يُجَر، في حين أننا نجد لهذه الظاهرة تفسيرات وآراء جديدة تحاول تفسيرها، كما هو الحال عند د.تمام حسان و د.عبد الصبور شاهين .

مصادر والمراجع
 الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين الكوفيين والبصريين، لكمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري (577ه)،تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل 1982.
 بلغة المشتاق في علم الاشتقاق، محمد ياسين الفاداني، دار مصير للطباعة، القاهرة-مصر، د.ت.
 تاج العروس، للسيد مرتضى الحسيني الزبيدي، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، د.ط، 1965، مادة (شقق)
 الخصائص، لأبي الفتح عثمان ابن جني(392ه)، تحقيق عبد الحكيم بن محمد، المكتبة التوقيفية، د.ط، د.ت.
 دراسات في فقه اللغة، صبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت –لبنان، الطبعة السادسة عشرة، 2004.
 رسالة الاشتقاق،لأبي بكر محمد بن السراج (316ه)، تحقيق محمد علي الدرويش ومصطفى الحداي، د.ط، د.ت.
 الصحاح(تاج اللغة وصحاح العربية)، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، لبروت – لبنان ،الطبعة الرابعة، 1990، مادة (شقق).
 فصول في فقه اللغة، الدكتور رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي، مصر- القاهرة، الطبعة الثالثة، 1994.
 فقه اللغة، حاتم صالح الضامن،منشورات جامعة بغداد، 1990.
 فقه اللغة، علي عبد الواحد وافي، نهضة مصر، مصر-القاهرة، الطبعة الثالثة، 2004
 قضايا نحوية وصرفيه، علي حسين ناصر،المطبعة التعاونية، دمشق-سوريا، 1989.
 لسان العرب، ابن منظور،بيروت –لبنان، دار صادر، مادة(شقق)
 اللغة العربية معناها ومبناها، تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة – مصر، الطبعة الخامسة، 2006.
 المزهر في علوم اللغة جلال الدين السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم وآخرون، بيروت-لبنان، المكتبة العصرية،2011.
 مقاييس اللغة، أحمد ابن فارس، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للنشر والتوزيع والطباعة، د.ط، 1979.
 المنهج الصوتي للبنية العربية رؤية جديدة في الصرف العربي، عبد الصبور شاهين،مطبعة الرسالة، بيروت– لبنان، 1980.
 همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، لجلال الدين السيوطي، تحقيق أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية، 2006.
 اللغة، جوزيف فندريس، ترجمة عبد الحميد الدواخلى، مكتبة الأنجلو المصرية،1950







فهرس المحتوى

الموضوعات الصفحة
العنوان
المقدمة........................................... .................... أ
الاشتقاق لغة واصطلاحاً......................................... ..... 1
فائدة الاشتقاق.......................................... .............. 1
الخلاف في أصل الاشتقاق.......................................... .. 2
أدلة أهل البصرة............................................ .......... 2-3
أدلة أهل الكوفة............................................ ........... 3-4
آراء العلماء في الاشتقاق.......................................... ... 5
نظرة جديدة في الاشتقاق.......................................... .... 6
أنواع الاشتقاق .................................................. .... 7
الاشتقاق الأصغر............................................ ......... 8
الاشتقاق الكبير............................................ ........... 9
الاشتقاق الأكبر............................................ ........... 10
الاشتقاق الكبّار........................................... ............ 11
الخاتمة........................................... .................... 13
المصادر والمراجع.......................................... ........... 13-14
فهرس المحتوى........................................... ............ 15

نرجس*
27-04-2013, 10:45 PM
موضوع قيم و مفيد انها لغتي..!
..!
أستمتعتٌ و أستفدت كثيراًبوجوديٌ هنآآ ..~
تسلم الايادي في أنتظار جديك

صادق العارضي
07-05-2013, 10:42 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد
احسنت