alyatem
29-04-2013, 07:33 AM
معاوية وشيعة الإمام علي (عليه السلام)
لم يبرح معاوية مستصغرا كل كبيرة في توطيد سلطانه، مستسهلا دونه كل صعب، فكان من الهين عنده في ذلك كل بائقة، ومن ذلك دأبه على سفك دماء الشيعة - شيعة الإمام الطاهر - في أقطار حكومته، وفي جميع مناطق نفوذه، واستباحة أموالهم وأعراضهم، وقطع أصولهم بقتل ذراريهم وأطفالهم، ولم يستثن النساء، وهم المعنيون بثناء صاحب الرسالة (صلى الله عليه وآله) عليهم.
وهب أن هذا الثناء لم يصدر من مصدر النبوة، أو أن روايته لم تبلغ ابن آكلة الأكباد، فهل هم خارجون عن ربقة الاسلام المحرّم للنفوس والأموال والحرمات بكتابه وسنة نبيه؟
وهل اقترفوا إثما لا يغفر أو عثروا عثرة لا تقال غير ولايتهم لإمامٍ أجمع المسلمون على خلافته وحثّ النبي (صلى الله عليه وآله) أمته على اتباعه وولاءه إثر ما نزل في كتاب الله من ولايته؟
أو أن ابن صخر حصل على حكم لم يعرفه المسلمون يعارض كل تلكم الأحكام الواردة في الكتاب والسنة؟
أو إنه لا يتحوب بارتكاب الموبقات فيلغ في الدماء ولوغا؟!
بعث (بسر بن أرطاة) بعد تحكيم الحكمين، وعلي بن أبي طالب عليه السلاميومئذ حي، وبعث معه جيشا آخر، وتوجّه برجل من عامر ضم إليه جيشا آخر، ووجه الضحاك بن قيس الفهري في جيش آخر، وأمرهم أن يسيروا في البلاد فيقتلوا كل من وجدوه من شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأصحابه، وأن يغيروا على سائر أعماله، ويقتلوا أصحابه، ولا يكفوا أيديهم عن النساء والصبيان.
فمرّ (بسر) لذلك على وجهه حتى انتهى إلى المدينة فقتل بها ناسا من أصحاب علي (عليه السلام) وأهل هواه، وهدم بها دورا، ومضى إلى مكة فقتل نفرا من آل أبي لهب، ثم أتى السراة فقتل من بها من أصحابه، وأتى نجران فقتل عبد الله بن عبد المدان الحارثي وابنه، وكانا من أصهار بني العباس عامل علي (عليه السلام)، ثم أتى اليمن وعليها عبيد الله بن العباس عامل علي بن أبي طالب وكان غائبا، وقيل: بل هرب لما بلغه خبر (بسر) فلم يصادفه (بسر) ووجد ابنين له صبيين فأخذهما (بسر) لعنه الله (1) وذبحهما بيده بمدية كانت معه، ثم انكفأ راجعا إلى معاوية.
وفعل مثل ذلك سائر من بعث به، فقصد العامري إلى الأنبار فقتل ابن حسان البكري وقتل رجالا ونساء من الشيعة قال أبو صادقة (2) أغارت خيل لمعاوية على الأنبار فقتلوا عاملا لعلي (عليه السلام) يقال له: حسان بن حسان، وقتلوا رجالا كثيرا ونساء، فبلغ ذلك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فخرج حتى أتى المنبر فرقيه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال:
إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذلة، وشمله البلاء، وريب بالصغار، وسيم الخسف، وقد قلت لكم: أغزوهم قبل أن يغزوكم فإنه لم يغز قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا. فتواكلتم وتخاذلتم وتركتم قولي ورائكم ظهريا، حتى شنت عليكم الغارات، هذا أخو عامر قد جاء الأنبار فقتل عاملها حسان بن حسان وقتل رجالا كثيرا ونساء، والله بلغني إنه كان يأتي المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينزع حجلها ورعاثها ثم ينصرفون موفورين لم يكلم أحد منهم كلما، فلو أن امرءا مسلما مات دون هذا أسفا لم يكن عليه ملوما بل كان به جديرا. الحديث.
أصاب أم حكيم بنت قارظ - زوجة عبيد الله - ولَهٌ على ابنيها فكانت لا تعقل ولا تصغي إلا إلى قول من أعلمها أنهما قد قتلا، ولا تزال تطوف في المواسم تنشد الناس ابنيها بهذه الأبيات:
يا من أحس بابني اللذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف
يا من أحس بابني اللذين هما * سمعي وقلبي فقلبي اليوم مردهف
يا من أحس بابني اللذين هما * مخ العظام فمخي اليوم مختطف
نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا * من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا
أنحى على ودجي ابني مرهفة * مشحوذة وكذاك الإفك يقترف
حتى لقيت رجالا من أرومته * شم الأنوف لهم في قومهم شرف
فالآن ألعن بسرا حق لعنته * هذا لعمر أبي بسر هو السرف
من دل والهة حرى مولهة * على صبيين ضلا إذ غدا السلف
قالوا: ولما بلغ علي بن أبي طالب (عليه السلام) قتل (بسر) الصبيين جزع لذلك جزعا شديدا، ودعا على (بسر) لعنه الله فقال: اللهم اسلبه دينه، ولا تخرجه من الدنيا حتى تسلبه عقله. فأصابه ذلك وفقد عقله، وكان يهذي بالسيف ويطلبه فيؤتى بسيف من خشب ويجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه حتى يسأم (3).
صورة مفصلة:
لقد أشن الغارة معاوية على شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة 39 وفرّق جيوشه في أصقاع حكومته واختار أناسا ممن لا خلاق لهم لقتل أولئك الأبرياء أينما كانوا وحيثما وجدوا، فوجّه النعمان بن بشير في ألف رجل إلى عين التمر.
ووجّه سفيان بن عوف في ستة آلاف وأمره أن يأتي (هيت) فيقطعها ثم يأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها فأتى (هيت) ثم أتى الأنبار وطمع في أصحاب علي (عليه السلام) لقتلهم فقاتلهم فصبر أصحاب علي ثم قتل صاحبهم أشرس بن حسان البكري وثلاثون رجلا، واحتملوا ما في الأنبار من أموال أهلها ورجعوا إلى معاوية.
ووجّه عبد الله بن مسعدة بن حكمة الفزاري (وكان أشد الناس على علي) في ألف وسبعمائة إلى ثيماء، وأمره أن يصدق من مر به من أهل البوادي ويقتل من امتنع، ففعل ذلك وبلغ مكة والمدينة وفعل ذلك.
ووجّه الضحاك بن قيس وأمره أن يمر بأسفل واقصة ويغير على كل من مرَّ به ممن هو في طاعة علي (عليه السلام) من الأعراب، وأرسل ثلاثة آلاف رجل معه فسار الناس وأخذ الأموال، ومضى إلى الثعلبية وقتل وأغار على مسلحة علي، وانتهى إلى القطقطانة، فلما بلغ عليا عليه السلام أرسل إليه حجر بن عدي في أربعة آلاف فلحق الضحاك بتدمر فقتل منهم تسعة عشر رجلا، وقتل من أصحابه رجلان، وحجز بينهما الليل فهرب الضحاك وأصحابه ورجع حجر ومن معه.
ووجّه عبد الرحمن بن قباث بن أشيم إلى بلاد الجزيرة وفيها شيب بن عامر جد الكرماني الذي كان بخراسان، فكتب إلى كميل بن زياد وهو بهيت يعلمه خبرهم، فقاتله كميل وهزمه وغلب على عسكره، وأكثر القتل في أهل الشام وأمر أن لا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح.
ووجّه الحرث بن نمر التنوخي إلى الجزيرة ليأتيه بمن كان في طاعة علي، فأخذ من أهل دارا سبعة نفر من بني تغلب فوقع هناك من المقتلة ما وقع.
ووجّه زهير بن مكحول العامري إلى السماوة، وأمره أن يأخذ صدقات الناس فبلغ ذلك عليا فبعث ثلاثة منهم جعفر بن عبد الله الأشجعي ليصدقوا من في طاعته من كلب وبكر، فوافوا زهيرا فاقتتلوا فانهزم أصحاب علي وقتل جعفر بن عبد الله.
وبعث سنة 40 (بسر بن أرطاة) في جيش فسار حتى قدم المدينة وبها أبو أيوب الأنصاري عامل علي عليها، فهرب أبو أيوب فأتى عليا بالكوفة، ودخل (بسر) المدينة ولم يقاتله أحد فصعد منبرها فنادى عليه: يا دينار! ويا نجار! ويا زريق! (4) شيخي شيخي عهدي به بالأمس فأين هو؟ يعني عثمان - ثم قال: يا أهل المدينة! والله لولا ما عهد إلي معاوية ما تركت بها محتلما إلا قتلته.
فأرسل إلى بني سلمة فقال: والله ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله. فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لها: ماذا ترين؟ إن هذه بيعة ضلالة وقد خشيت أن اقتل. قالت: أرى أن تبايع فإني قد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة وختني عبد الله بن زمعة أن يبايعا، فأتاه جابر فبايعه، وهدم (بسر) دورا بالمدينة، ثم سار إلى مكة فخاف أبو موسى أن يقتله فهرب، وكتب أبو موسى إلى اليمن: إن خيلا مبعوثة من عند معاوية تقتل الناس، تقتل من أبى أن يقر بالحكومة.
ثم مضى (بسر) إلى اليمن وكان عليها عبيد الله بن عباس عاملا لعلي فهرب منه إلى علي بالكوفة، واستخلف عبد الله بن عبد المدان الحارثي فأتاه (بسر) فقلته وقتل ابنه، ولقي (بسر) ثقل عبيد الله بن عباس وفيه ابنان له صغيران فذبحهما وهما: عبد الرحمن وقثم، وقال بعض: إنه وجدهما عند رجل من بني كنانه بالبادية فلما أراد قتلهما قال له الكناني: لم تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما، قال: أفعل. فبدأ بالكناني فقتله ثم قتلهما. فخرجت نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن: يا هذا! قتلت الرجال، فعلام تقتل هذين؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية والاسلام، والله يا بن أرطاة إن سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير، والشيخ الكبير، ونزع الرحمة، وعقوق الأرحام، لسلطان سوء، وقتل (بسر) في مسيره ذلك جماعة من شيعة على باليمن وبلغ عليا الخبر(5).
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب 1: 65: كان يحيى بن معين يقول: كان (بسر بن أرطاة) رجل سوء.
قال أبو عمر: ذلك لأمور عظام ركبها في الاسلام فيما نقل أهل الأخبار وأهل الحديث أيضا منها: ذبحه ابني عبد الله بن العباس وهما صغيران بين يدي أمهما.
وقال الدارقطني: لم تكن له استقامة بعد النبي عليه الصلاة والسلام وهو الذي قتل طفلين لعبيد الله بن العباس.
وقال أبو عمرو الشيباني: لما وجه معاوية بن أبي سفيان (بسر بن أرطاة الفهري) لقتل شيعة علي رضي الله عنه قام إليه معن أو عمرو بن يزيد السلمي وزياد بن الأشهب الجعدي فقال: يا أميرالمؤمنين! نسألك بالله والرحم أن تجعل لـ(بسر) على قيس سلطانا فيقتل قيسا بما قتلت به بنو سليم من بني فهر وكنانة يوم دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة. فقال معاوية: يا (بسر) لا إمرة لك على قيس فسار حتى أتى المدينة فقتل ابني عبيد الله وفر أهل المدينة ودخلوا الحرة حرة بني سليم. (قال أبو عمرو) : وفي هذه الخرجة التي ذكر أبو عمرو الشيباني أغار (بسر بن أرطاة) على همدان وسبى نسائهم، فكن أول مسلمات سبين في الاسلام، وقتل أحياء من بني سعد (ثم أخرج أبو عمرو بإسناده من طريق رجلين عن أبي ذر) : إنه دعا وتعوذ في صلاة صلاها أطال قيامها وركوعها وسجودها قال: فسئلاه مم تعوذت؟ وفيم دعوت؟ قال تعوذت بالله من يوم البلاء يدركني، ويوم العورة أن أدركه. فقالا: وما ذاك؟ فقال: أما يوم البلاء فتلقى فئتان من المسلمين فيقتل بعضهم بعضا، وأما يوم العورة فإن نساءا من المسلمات يسبين فيكشف عن سوقهن فأيتهن كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها، فدعوت الله أن لا يدركني هذا الزمان ولعلكما تدركانه. فقتل عثمان ثم أرسل معاوية (بسر بن أرطاة) إلى اليمن فسبى نساء مسلمات فأقمن في السوق.
وفي تاريخ ابن عساكر 3: 220 - 224: كان (بسر) من شيعة معاوية بن أبي سفيان وشهد معه صفين، وكان معاوية وجّهه إلى اليمن والحجاز في أول سنة أربعين، وأمره أن يستقرأ من كان في طاعة علي فيوقع بهم، ففعل بمكة والمدينة واليمن أفعالا قبيحة وقد ولي البحر لمعاوية.
وقتل باليمن ابني عبيد الله بن العباس.
وقال الدارقطني: إن (بسرا) كانت له صحبة ولم يكن له استقامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم (يعني: أنه كان من أهل الردة).
قال: وروى البخاري في التاريخ: إن معاوية بعث (بسرا) سنة سبع وثلاثين فقدم المدينة فبايع ثم انطلق إلى مكة واليمن فقتل عبدالرحمن وقثم ابني عبيد الله بن عباس وفي رواية الزهري: أن معاوية بعثه سنة تسع وثلاثين فقدم المدينة ليبلغ الناس فأحرق دار زرارة (6) بن خيرون أخي بني عمرو بن عوف بالسوق، ودار رفاعة (7) ابن رافع، ودار عبد الله (8) بن سعد من بني الأشهل، ثم استمر إلى مكة واليمن فقتل عبد الرحمن بن عبيد، وعمرو (9) بن أم إدراكة الثقفي، وذلك أن معاوية بعثه على ما حكاه ابن سعد ليستعرض الناس فيقتل من كان في طاعة علي بن أبي طالب فأقام في المدينة شهرا فما قيل له في أحد: إن هذا ممن أعان على عثمان إلا قتله، وقتل قوما من بني كعب على مائهم فيما بين مكة والمدينة وألقاهم في البئر ومضى إلى اليمن.
وقتل من همدان بالجرف من كان مع علي بصفين فقتل أكثر من مأتين، وقتل من الأبناء كثيرا وهذا كله بعد قتل علي بن أبي طالب.
قال ابن يونس: كان عبيد الله بن العباس قد جعل ابنيه عبد الرحمن وقثم عند رجل من بني كنانة وكانا صغيرين فلما انتهى بسر إلى بني كنانة بعث إليهما ليقتلهما، فلما رأى ذلك الكناني دخل بيته فأخذ السيف واشتد عليهم بسيفه حاسرا وهو يقول:
الليث من يمنع حافات الدار * ولا يزال مصلتا دون الدار (10)
إلا فتى أروع غير غدار
فقال له (بسر) : ثكلتك أمك والله ما أردنا قتلك فلم عرضت نفسك للقتل؟ فقال: اقتل دون جاري فعسى أعذر عند الله وعند الناس. فضرب بسيفه حتى قتل، وقدم (بسر) الغلامين فذبحهما ذبحا، فخرج نسوة من بني كنانة فقالت قائلة منهن: يا هذا هؤلاء الرجال قتلت فعلام تقتل الولدان؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية ولا الإسلام والله إن سلطانا لا يقوم إلا بقتل الرضع الصغيرة والمدره الكبير، وبرفع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء فقال لها (بسر) : والله لقد هممت أن أضع فيكن السيف. فقالت : تالله إنها لأخت التي صنعت، وما أنا بها منك بآمنة. ثم قالت للنساء اللواتي حولها: ويحكن تفرقن.
وفي الإصابة 3: 9: عمرو بن عميس قتله (بسر بن أرطاة) لما أرسله معاوية للغارة على عمال علي فقتل كثيرا من عماله من أهل الحجاز واليمن
لم يبرح معاوية مستصغرا كل كبيرة في توطيد سلطانه، مستسهلا دونه كل صعب، فكان من الهين عنده في ذلك كل بائقة، ومن ذلك دأبه على سفك دماء الشيعة - شيعة الإمام الطاهر - في أقطار حكومته، وفي جميع مناطق نفوذه، واستباحة أموالهم وأعراضهم، وقطع أصولهم بقتل ذراريهم وأطفالهم، ولم يستثن النساء، وهم المعنيون بثناء صاحب الرسالة (صلى الله عليه وآله) عليهم.
وهب أن هذا الثناء لم يصدر من مصدر النبوة، أو أن روايته لم تبلغ ابن آكلة الأكباد، فهل هم خارجون عن ربقة الاسلام المحرّم للنفوس والأموال والحرمات بكتابه وسنة نبيه؟
وهل اقترفوا إثما لا يغفر أو عثروا عثرة لا تقال غير ولايتهم لإمامٍ أجمع المسلمون على خلافته وحثّ النبي (صلى الله عليه وآله) أمته على اتباعه وولاءه إثر ما نزل في كتاب الله من ولايته؟
أو أن ابن صخر حصل على حكم لم يعرفه المسلمون يعارض كل تلكم الأحكام الواردة في الكتاب والسنة؟
أو إنه لا يتحوب بارتكاب الموبقات فيلغ في الدماء ولوغا؟!
بعث (بسر بن أرطاة) بعد تحكيم الحكمين، وعلي بن أبي طالب عليه السلاميومئذ حي، وبعث معه جيشا آخر، وتوجّه برجل من عامر ضم إليه جيشا آخر، ووجه الضحاك بن قيس الفهري في جيش آخر، وأمرهم أن يسيروا في البلاد فيقتلوا كل من وجدوه من شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأصحابه، وأن يغيروا على سائر أعماله، ويقتلوا أصحابه، ولا يكفوا أيديهم عن النساء والصبيان.
فمرّ (بسر) لذلك على وجهه حتى انتهى إلى المدينة فقتل بها ناسا من أصحاب علي (عليه السلام) وأهل هواه، وهدم بها دورا، ومضى إلى مكة فقتل نفرا من آل أبي لهب، ثم أتى السراة فقتل من بها من أصحابه، وأتى نجران فقتل عبد الله بن عبد المدان الحارثي وابنه، وكانا من أصهار بني العباس عامل علي (عليه السلام)، ثم أتى اليمن وعليها عبيد الله بن العباس عامل علي بن أبي طالب وكان غائبا، وقيل: بل هرب لما بلغه خبر (بسر) فلم يصادفه (بسر) ووجد ابنين له صبيين فأخذهما (بسر) لعنه الله (1) وذبحهما بيده بمدية كانت معه، ثم انكفأ راجعا إلى معاوية.
وفعل مثل ذلك سائر من بعث به، فقصد العامري إلى الأنبار فقتل ابن حسان البكري وقتل رجالا ونساء من الشيعة قال أبو صادقة (2) أغارت خيل لمعاوية على الأنبار فقتلوا عاملا لعلي (عليه السلام) يقال له: حسان بن حسان، وقتلوا رجالا كثيرا ونساء، فبلغ ذلك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فخرج حتى أتى المنبر فرقيه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال:
إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذلة، وشمله البلاء، وريب بالصغار، وسيم الخسف، وقد قلت لكم: أغزوهم قبل أن يغزوكم فإنه لم يغز قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا. فتواكلتم وتخاذلتم وتركتم قولي ورائكم ظهريا، حتى شنت عليكم الغارات، هذا أخو عامر قد جاء الأنبار فقتل عاملها حسان بن حسان وقتل رجالا كثيرا ونساء، والله بلغني إنه كان يأتي المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينزع حجلها ورعاثها ثم ينصرفون موفورين لم يكلم أحد منهم كلما، فلو أن امرءا مسلما مات دون هذا أسفا لم يكن عليه ملوما بل كان به جديرا. الحديث.
أصاب أم حكيم بنت قارظ - زوجة عبيد الله - ولَهٌ على ابنيها فكانت لا تعقل ولا تصغي إلا إلى قول من أعلمها أنهما قد قتلا، ولا تزال تطوف في المواسم تنشد الناس ابنيها بهذه الأبيات:
يا من أحس بابني اللذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف
يا من أحس بابني اللذين هما * سمعي وقلبي فقلبي اليوم مردهف
يا من أحس بابني اللذين هما * مخ العظام فمخي اليوم مختطف
نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا * من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا
أنحى على ودجي ابني مرهفة * مشحوذة وكذاك الإفك يقترف
حتى لقيت رجالا من أرومته * شم الأنوف لهم في قومهم شرف
فالآن ألعن بسرا حق لعنته * هذا لعمر أبي بسر هو السرف
من دل والهة حرى مولهة * على صبيين ضلا إذ غدا السلف
قالوا: ولما بلغ علي بن أبي طالب (عليه السلام) قتل (بسر) الصبيين جزع لذلك جزعا شديدا، ودعا على (بسر) لعنه الله فقال: اللهم اسلبه دينه، ولا تخرجه من الدنيا حتى تسلبه عقله. فأصابه ذلك وفقد عقله، وكان يهذي بالسيف ويطلبه فيؤتى بسيف من خشب ويجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه حتى يسأم (3).
صورة مفصلة:
لقد أشن الغارة معاوية على شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة 39 وفرّق جيوشه في أصقاع حكومته واختار أناسا ممن لا خلاق لهم لقتل أولئك الأبرياء أينما كانوا وحيثما وجدوا، فوجّه النعمان بن بشير في ألف رجل إلى عين التمر.
ووجّه سفيان بن عوف في ستة آلاف وأمره أن يأتي (هيت) فيقطعها ثم يأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها فأتى (هيت) ثم أتى الأنبار وطمع في أصحاب علي (عليه السلام) لقتلهم فقاتلهم فصبر أصحاب علي ثم قتل صاحبهم أشرس بن حسان البكري وثلاثون رجلا، واحتملوا ما في الأنبار من أموال أهلها ورجعوا إلى معاوية.
ووجّه عبد الله بن مسعدة بن حكمة الفزاري (وكان أشد الناس على علي) في ألف وسبعمائة إلى ثيماء، وأمره أن يصدق من مر به من أهل البوادي ويقتل من امتنع، ففعل ذلك وبلغ مكة والمدينة وفعل ذلك.
ووجّه الضحاك بن قيس وأمره أن يمر بأسفل واقصة ويغير على كل من مرَّ به ممن هو في طاعة علي (عليه السلام) من الأعراب، وأرسل ثلاثة آلاف رجل معه فسار الناس وأخذ الأموال، ومضى إلى الثعلبية وقتل وأغار على مسلحة علي، وانتهى إلى القطقطانة، فلما بلغ عليا عليه السلام أرسل إليه حجر بن عدي في أربعة آلاف فلحق الضحاك بتدمر فقتل منهم تسعة عشر رجلا، وقتل من أصحابه رجلان، وحجز بينهما الليل فهرب الضحاك وأصحابه ورجع حجر ومن معه.
ووجّه عبد الرحمن بن قباث بن أشيم إلى بلاد الجزيرة وفيها شيب بن عامر جد الكرماني الذي كان بخراسان، فكتب إلى كميل بن زياد وهو بهيت يعلمه خبرهم، فقاتله كميل وهزمه وغلب على عسكره، وأكثر القتل في أهل الشام وأمر أن لا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح.
ووجّه الحرث بن نمر التنوخي إلى الجزيرة ليأتيه بمن كان في طاعة علي، فأخذ من أهل دارا سبعة نفر من بني تغلب فوقع هناك من المقتلة ما وقع.
ووجّه زهير بن مكحول العامري إلى السماوة، وأمره أن يأخذ صدقات الناس فبلغ ذلك عليا فبعث ثلاثة منهم جعفر بن عبد الله الأشجعي ليصدقوا من في طاعته من كلب وبكر، فوافوا زهيرا فاقتتلوا فانهزم أصحاب علي وقتل جعفر بن عبد الله.
وبعث سنة 40 (بسر بن أرطاة) في جيش فسار حتى قدم المدينة وبها أبو أيوب الأنصاري عامل علي عليها، فهرب أبو أيوب فأتى عليا بالكوفة، ودخل (بسر) المدينة ولم يقاتله أحد فصعد منبرها فنادى عليه: يا دينار! ويا نجار! ويا زريق! (4) شيخي شيخي عهدي به بالأمس فأين هو؟ يعني عثمان - ثم قال: يا أهل المدينة! والله لولا ما عهد إلي معاوية ما تركت بها محتلما إلا قتلته.
فأرسل إلى بني سلمة فقال: والله ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله. فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لها: ماذا ترين؟ إن هذه بيعة ضلالة وقد خشيت أن اقتل. قالت: أرى أن تبايع فإني قد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة وختني عبد الله بن زمعة أن يبايعا، فأتاه جابر فبايعه، وهدم (بسر) دورا بالمدينة، ثم سار إلى مكة فخاف أبو موسى أن يقتله فهرب، وكتب أبو موسى إلى اليمن: إن خيلا مبعوثة من عند معاوية تقتل الناس، تقتل من أبى أن يقر بالحكومة.
ثم مضى (بسر) إلى اليمن وكان عليها عبيد الله بن عباس عاملا لعلي فهرب منه إلى علي بالكوفة، واستخلف عبد الله بن عبد المدان الحارثي فأتاه (بسر) فقلته وقتل ابنه، ولقي (بسر) ثقل عبيد الله بن عباس وفيه ابنان له صغيران فذبحهما وهما: عبد الرحمن وقثم، وقال بعض: إنه وجدهما عند رجل من بني كنانه بالبادية فلما أراد قتلهما قال له الكناني: لم تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما، قال: أفعل. فبدأ بالكناني فقتله ثم قتلهما. فخرجت نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن: يا هذا! قتلت الرجال، فعلام تقتل هذين؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية والاسلام، والله يا بن أرطاة إن سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير، والشيخ الكبير، ونزع الرحمة، وعقوق الأرحام، لسلطان سوء، وقتل (بسر) في مسيره ذلك جماعة من شيعة على باليمن وبلغ عليا الخبر(5).
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب 1: 65: كان يحيى بن معين يقول: كان (بسر بن أرطاة) رجل سوء.
قال أبو عمر: ذلك لأمور عظام ركبها في الاسلام فيما نقل أهل الأخبار وأهل الحديث أيضا منها: ذبحه ابني عبد الله بن العباس وهما صغيران بين يدي أمهما.
وقال الدارقطني: لم تكن له استقامة بعد النبي عليه الصلاة والسلام وهو الذي قتل طفلين لعبيد الله بن العباس.
وقال أبو عمرو الشيباني: لما وجه معاوية بن أبي سفيان (بسر بن أرطاة الفهري) لقتل شيعة علي رضي الله عنه قام إليه معن أو عمرو بن يزيد السلمي وزياد بن الأشهب الجعدي فقال: يا أميرالمؤمنين! نسألك بالله والرحم أن تجعل لـ(بسر) على قيس سلطانا فيقتل قيسا بما قتلت به بنو سليم من بني فهر وكنانة يوم دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة. فقال معاوية: يا (بسر) لا إمرة لك على قيس فسار حتى أتى المدينة فقتل ابني عبيد الله وفر أهل المدينة ودخلوا الحرة حرة بني سليم. (قال أبو عمرو) : وفي هذه الخرجة التي ذكر أبو عمرو الشيباني أغار (بسر بن أرطاة) على همدان وسبى نسائهم، فكن أول مسلمات سبين في الاسلام، وقتل أحياء من بني سعد (ثم أخرج أبو عمرو بإسناده من طريق رجلين عن أبي ذر) : إنه دعا وتعوذ في صلاة صلاها أطال قيامها وركوعها وسجودها قال: فسئلاه مم تعوذت؟ وفيم دعوت؟ قال تعوذت بالله من يوم البلاء يدركني، ويوم العورة أن أدركه. فقالا: وما ذاك؟ فقال: أما يوم البلاء فتلقى فئتان من المسلمين فيقتل بعضهم بعضا، وأما يوم العورة فإن نساءا من المسلمات يسبين فيكشف عن سوقهن فأيتهن كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها، فدعوت الله أن لا يدركني هذا الزمان ولعلكما تدركانه. فقتل عثمان ثم أرسل معاوية (بسر بن أرطاة) إلى اليمن فسبى نساء مسلمات فأقمن في السوق.
وفي تاريخ ابن عساكر 3: 220 - 224: كان (بسر) من شيعة معاوية بن أبي سفيان وشهد معه صفين، وكان معاوية وجّهه إلى اليمن والحجاز في أول سنة أربعين، وأمره أن يستقرأ من كان في طاعة علي فيوقع بهم، ففعل بمكة والمدينة واليمن أفعالا قبيحة وقد ولي البحر لمعاوية.
وقتل باليمن ابني عبيد الله بن العباس.
وقال الدارقطني: إن (بسرا) كانت له صحبة ولم يكن له استقامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم (يعني: أنه كان من أهل الردة).
قال: وروى البخاري في التاريخ: إن معاوية بعث (بسرا) سنة سبع وثلاثين فقدم المدينة فبايع ثم انطلق إلى مكة واليمن فقتل عبدالرحمن وقثم ابني عبيد الله بن عباس وفي رواية الزهري: أن معاوية بعثه سنة تسع وثلاثين فقدم المدينة ليبلغ الناس فأحرق دار زرارة (6) بن خيرون أخي بني عمرو بن عوف بالسوق، ودار رفاعة (7) ابن رافع، ودار عبد الله (8) بن سعد من بني الأشهل، ثم استمر إلى مكة واليمن فقتل عبد الرحمن بن عبيد، وعمرو (9) بن أم إدراكة الثقفي، وذلك أن معاوية بعثه على ما حكاه ابن سعد ليستعرض الناس فيقتل من كان في طاعة علي بن أبي طالب فأقام في المدينة شهرا فما قيل له في أحد: إن هذا ممن أعان على عثمان إلا قتله، وقتل قوما من بني كعب على مائهم فيما بين مكة والمدينة وألقاهم في البئر ومضى إلى اليمن.
وقتل من همدان بالجرف من كان مع علي بصفين فقتل أكثر من مأتين، وقتل من الأبناء كثيرا وهذا كله بعد قتل علي بن أبي طالب.
قال ابن يونس: كان عبيد الله بن العباس قد جعل ابنيه عبد الرحمن وقثم عند رجل من بني كنانة وكانا صغيرين فلما انتهى بسر إلى بني كنانة بعث إليهما ليقتلهما، فلما رأى ذلك الكناني دخل بيته فأخذ السيف واشتد عليهم بسيفه حاسرا وهو يقول:
الليث من يمنع حافات الدار * ولا يزال مصلتا دون الدار (10)
إلا فتى أروع غير غدار
فقال له (بسر) : ثكلتك أمك والله ما أردنا قتلك فلم عرضت نفسك للقتل؟ فقال: اقتل دون جاري فعسى أعذر عند الله وعند الناس. فضرب بسيفه حتى قتل، وقدم (بسر) الغلامين فذبحهما ذبحا، فخرج نسوة من بني كنانة فقالت قائلة منهن: يا هذا هؤلاء الرجال قتلت فعلام تقتل الولدان؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية ولا الإسلام والله إن سلطانا لا يقوم إلا بقتل الرضع الصغيرة والمدره الكبير، وبرفع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء فقال لها (بسر) : والله لقد هممت أن أضع فيكن السيف. فقالت : تالله إنها لأخت التي صنعت، وما أنا بها منك بآمنة. ثم قالت للنساء اللواتي حولها: ويحكن تفرقن.
وفي الإصابة 3: 9: عمرو بن عميس قتله (بسر بن أرطاة) لما أرسله معاوية للغارة على عمال علي فقتل كثيرا من عماله من أهل الحجاز واليمن