مولى أبي تراب
30-04-2013, 02:46 PM
بِسمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
الحَمّدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصلّى اللهُ عَلى مُحَمّدٍ وَآلهِ الطّاهِرِيْن
------------------------
سجود السهو
من المسائل الابتلائية المهمة وكثيرة البلوى مسائل سجود السهو وأحكامه ، وتيسيراً للتعرف عليها نحاول بتوفيق الله تعالى عرض أهم هذه الأحكام بأسلوب مبسط يكون في متناول الأخوة المؤمنين الراغبين في التفقه في الدين ، وتعلم أحكام شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين
والكلام في أمور أربعة :
1. المقصود بسجود السهو . 2. كيفية أداء سجود السهو . 3. موارد وجوب سجود السهو . 4. أحكام سجود السهو .
الأمر الأول / المقصود بسجود السهو
وهو عبارة عن سجدتين بتشهد وتسليم ، يجب الإتيان بهما بعد الصلاة الواجبة في بعض موارد حصول السهو فيها بالزيادة أو النقصان ونحوهما ، كما لو تكلم في الصلاة بكلام الآدميين سهواً أو سلّم سهواً في غير محل السلام ، فلا تبطل الصلاة بهذا السهو بل يتم الصلاة ويأتي بسجود السهو بعد الفراغ منها .
فالسهو وكذا النسيان الحاصل في الصلاة على نحوين :
النحو الأول : السهو والنسيان الذي تبطل معه الصلاة كما لو سها وزاد ركناً فحينئذٍ تبطل صلاته كما لو ركع مرتين في ركعة واحدة سهواً ، أو كبّر تكبيرة الإحرام مرتين سهواً (1) ، وكذا لو أنقص من صلاته ركناً سهواً أو نسياناً ولم يمكنه تداركه فحينئذٍ تبطل الصلاة ولا ينفع معه سجود السهو بل تجب إعادتها ، كما لو نسي أن يركع ولم يتذكر الا بعد إتمام السجدتين فحينئذٍ صلاته باطلة لنقصانها ركناً ولو سهواً أو نسياناً وهو معنى قولهم أن الصلاة تبطل بالإخلال بالركن مطلقاً أي وإن كان الإخلال سهواً أو نسياناً ولا يختص بالعمد . ونؤكد هنا أن نقصان الصلاة لأحد أركانها سهواً إنما يكون لو لم يمكن تدارك ذلك الركن ولا تبطل الصلاة بمجرد حصول السهو والنقيصة فلو أمكن التدارك لم تبطل الصلاة فلو نسي الركوع وذكره بعد السجدة الأولى وقبل الثانية فهنا لا تبطل الصلاة بل يرجع للركوع ثم يتم صلاته ، وهذا بخلاف الزيادة الركنية فإن الصلاة تبطل معها بمجرد حصولها ، والمقصود من إمكان تدارك الركن المنقوص سهواً أو نسياناً عدم الدخول في الركن التالي فمن لم يأتِ بركن سهواً أو نسياناً ثم التفت أو تذكر قبل الدخول في الركن التالي له ولو بعد فعل واجب غير ركني فحينئذٍ يمكنه التدارك والرجوع على الركن الفائت أما إذا لم يلتفت الا بعد الركن التالي فحينئذٍ لا يمكنه التدراك فتبطل الصلاة كما إذا التفت الى فوات الركوع بعد الإتيان بالسجدتين .
النحو الثاني : السهو والنسيان الذي لا تبطل معه الصلاة وهو عبارة عن السهو والنسيان في غير الأركان أو في نقصان الأركان مع إمكان التدارك فحينئذٍ لا تبطل الصلاة ولا يكون هذا السهو أو النسيان مضراً بصحتها ، كما لو سها وترك القراءة أو تشهد في غير موضع التشهد أو أتى بالتسليم بعد التشهد الأوسط أو أتى بشيء من نواقض الصلاة كالأكل أو القهقهة أو الكلام الآدمي سهواً ففي جميع ذلك لا تبطل الصلاة لأنه من السهو الذي لا تبطل معه الصلاة ، وكذلك إذا أنقص من صلاته ركناً سهواً وتدراكه كما تقدم في النحو الأول فلا تبطل الصلاة حينئذٍ لأنه تدراك الركن .
إذا عرفت ذلك - وهو أن السهو في الصلاة منه ما هو مبطل للصلاة ومنه ما هو غير مبطل - فاعلم أنه في النحو الأول فالصلاة باطلة وتجب إعادتها ولا تصل النوبة الى الكلام عن وجوب سجود السهو لأنه إنما يكون مع صحة الصلاة لا مع بطلانها ، وأما في النحو الثاني وهو السهو الذي لا تبطل معه الصلاة فحينئذٍ يتم المكلف صلاته وتكون صحيحة ولا يضر بها السهو الحاصل وحينئذٍ قد يجب عليه سجود السهو في بعض حالات النحو الثاني .
إذن لا يجب سجود السهو مع بطلان الصلاة بل يختص بالسهو الذي تصح معه الصلاة ، وحتى هذا السهو وهو النحو الثاني لا يجب معه سجود السهو دائماً بل في بعض حالاته ، فليس كل سهو غير مبطل ومن النحو الثاني يجب له سجود السهو بل في بعض حالات النحو الثاني ، أما ما هي هذه الحالات فنبين ذلك في الأمر الثالث إن شاء الله تعالى .
الأمر الثاني / كيفية أداء سجود السهو
إذا حصل السهو الموجب لسجود السهو كما لو سلّم بعد التشهد الأوسط سهواً لم تبطل الصلاة بذلك بل يستمر المكلف عليها ويتمها الى آخرها فإذا سلّم وفرغ من الصلاة أتى بسجود السهو مباشرة قبل أن يفعل أي فعل ينافي الصلاة ، فينوي في قلبه أنه يسجد سجود السهو قربة الى الله تعالى من دون أن يتلفظ بالنية ثم يسجد ويقول في سجوده ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ثم يرفع رأسه من السجود ويجلس ثم يسجد مرة ثانية يكرر ما قاله في السجدة الأولى ثم يرفع رأسه ويجلس ويتشهد ويسلّم وبذلك يكون قد أتى بسجود السهو .
ويكفي في التسليم أن يقول ( السلام عليكم ) وأما التشهد فهل يكون بنفس طريقة التشهد في الصلاة أم له كيفية أخرى ؟
ذكر بعض الفقهاء أنه يكفي في سجود السهو التشهد الخفيف وهو ( أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، اللهم صل على محمد وآل محمد ) الا أن المعروف الاحتياط الوجوبي بأن يكون بنفس طريقة التشهد في الصلاة .
وعليه فصورة سجود السهو بعد أن ينوي فعله من دون تلفظ بالنية :
أن يسجد ويقول ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ثم يستوي جالساً ثم يسجد ويقول ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ثم يستوي جالساً ويقول ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وآل محمد ) ثم يقول ( السلام عليكم )
واختلف الفقهاء في أنه هل يجب عليه الذكر أثناء السجود أو لا ؟ وإذا كان واجباً فهل يجب أن يكون ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) أم يمكن أن يكون بصيغة أخرى ؟ نتعرض لذلك في الأمر الرابع وهو أحكام سجود السهو إن شاء الله تعالى ، وبقطع النظر عن هذا الاختلاف فالكل متفق على أنه لو قال في سجوده ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) فسجوده صحيح لذا هذه الصورة التي ذكرناها لكيفية أداء سجود السهو تكون أحوط الكيفيات والكل متفق على إجزائها وصحتها .
ثم إنهم ذكروا أنه يستحب التكبير لسجود السهو فيكبّر بعد نية السجود ثم يأتي به . وإنما قلنا يأتي به بعد الفراغ من الصلاة مباشرة لأن وجوبه فوري فلا يجوز تأخيره عمداً ، كما لا يجوز فعل المنافي قبل الإتيان به والمراد من المنافي كل ما لا يصح فعله في الصلاة ككلام الآدميين والالتفات عن القبلة فالمعروف الاحتياط الوجوبي بعدم الفصل بين الصلاة وسجود السهو بفعل المنافي ، ولذا قلنا لا يتلفظ بنية سجود السهو لأن التلفظ بها من فعل المنافي ويأتي مزيد بيان لذلك في الأمر الرابع في أحكام سجود السهو إن شاء الله تعالى .
الأمر الثالث / موارد وجوب سجود السهو
قلنا في الأمر الأول أنه ليس كل سهو حاصل في الصلاة يجب معه سجود السهو ، فهناك السهو المبطل للصلاة وحينئذٍ تجب إعادة الصلاة ولا يجب سجود السهو كما إذا سها وزاد ركناً أو سها وترك ركناً ولم يمكنه التدارك ، وهناك السهو الذي لا يبطل الصلاة ولكن لا يوجب سجود السهو أيضاً ، وهناك السهو الذي لا يبطل الصلاة أيضاً لكن يجب معه سجود السهو بعد الصلاة .
إذن بعض السهو غير موجب لسجود السهو سواء كان مبطلاً للصلاة أو لا ، وبعض السهو غير المبطل موجب لسجود السهو وكلامنا في هذا ، فما هي الموارد التي إن حصل السهو فيها أثناء الصلاة وجب سجود السهو بعد الصلاة ؟ أو قل ما هي موجبات سجود السهو ؟
ذكر الفقهاء عدة موارد لذلك ، وقد اتفقوا في بعضها أنه موجب لسجود السهو واختلفوا في البعض الآخر نذكرها مع الإشارة الى ذلك :
المورد الأول / أن يتكلم المصلي سهواً بكلام ليس هو من الصلاة ولا مما يصح التكلم به في الصلاة كالقرآن ولا يصدق عليه أنه دعاء أو ذكر أو تسبيح ونحو ذلك ، أي بكلام ينافي الصلاة وهو ما يسمى بكلام الآدميين أي يتكلم بالكلام الاعتيادي الذي يتحدث به الناس فيما بينهم كما إذا رأى شخصاً يبحث عن شيء ويسأل عن مكانه فسها عن صلاته وقال له ( هناك أو على الرف ونحو ذلك ) فإذا صدر منه ذلك سهواً لم تبطل صلاته بل يتمها ويجب عليه سجود السهو بعد الصلاة ، ولا خلاف (2) في أن هذا المورد من موجبات سجود السهو فتوى أو احتياطاً .
المورد الثاني / عند الشك في عدد الركعات بين الأربع والخمس بعد السجدتين ، فقد ذكروا أن المصلي إذا شك بعد السجدتين أنه في الركعة الرابعة أو الخامسة يبني على أنه في الرابعة ويتم الصلاة ثم يسجد سجدتي السهو ، وهذا المورد لا خلاف فيه أيضاً .
المورد الثالث / عند الشك في عدد الركعات بين الخمس والست حال القيام فحينئذٍ يبني على أنه في الركعة الرابعة فيجلس للتشهد والسلام ثم يأتي بسجود السهو ، وهذا المورد لا خلاف فيه أيضاً .
المورد الرابع / لنسيان التشهد ، فإذا نسي المصلي التشهد وجب عليه أن يقضيه بعد الصلاة مع سجود السهو ، فلو نسي التشهد الأوسط ولم يتذكره الا بعد ركوع الركعة الثالثة مضى في صلاته فإذا سلّم قضى التشهد بأن يأتي بالتشهد بعد الصلاة بنية قضاء التشهد الذي فاته في الصلاة ثم يسجد سجدتي السهو ، هذا إذا لم يتذكر الا بعد ركوع الركعة الثالثة ، أما إذا تذكر التشهد قبل أن يركع سواء حال القيام أو أثناء التسبيحات الأربع أو بعدها فحينئذٍ يرجع ويجلس ويأتي بالتشهد المنسي ثم يتم صلاته ولا حاجة لقضاء التشهد حينئذٍ ولا سجود السهو لعدم فوات التشهد لأنه رجع وأتى به نعم قد يجب سجود السهو للزيادة الحاصلة من القيام والتسبيحات على كلام في ذلك يأتي إن شاء الله بيانه في الموارد القادمة .
هذا بالنسبة الى التشهد الأوسط وكذا التشهد الأخير فإذا نسي التشهد حتى سلّم وفعل ما ينافي الصلاة ككلام الآدميين أو الالتفات عن القبلة ثم تذكر أنه لم يتشهد فحينئذٍ يقضي التشهد ويسجد سجدتي السهو ، أما إذا تذكره بعد السلام وقبل فعل المنافي فحينئذٍ يرجع ويتشهد ويعيد السلام ، ولا يجب عليه قضاء التشهد ولا سجود السهو لنسيان التشهد لأنه تداركه وأتى به نعم يجب عليه سجود السهو لزيادة السلام على الأحوط وجوباً .
والخلاصة يجب سجود السهو لنسيان التشهد وعدم تداركه أثناء الصلاة ويتحقق ذلك بعدم تذكر التشهد الأوسط الا بعد ركوع الركعة الثالثة وعدم تذكر التشهد الأخير الا بعد فعل المنافي .
ولا خلاف في وجوب سجود السهو لنسيان التشهد ، نعم اختلفوا في وجوب قضاء التشهد والمعروف وجوب قضائه ولو على نحو الاحتياط الوجوبي وخالف السيد السيستاني والشيخ الخراساني فاحتاطا استحباباً بقضائه ، ولا خلاف في قضاء التشهد أولاً - على كلا القولين - ثم الإتيان بسجود السهو .
المورد الخامس / لنسيان السجدة الواحدة ، فإذا نسي المصلي سجدتين من ركعة واحدة بطلت صلاته لأن السجدتين من ركعة واحدة ركن والركن تبطل الصلاة بفواته ولو نسياناً ، أما إذا نسي سجدة واحدة بأن أتى بسجدة ونسي أن يسجد مرة أخرى فقام للركعة التالية ولم يلتفت الا بعد ركوع الركعة التالية فحينئذٍ يأتي نفس الكلام في التشهد فيمضي في صلاته فإذا سلّم قضى السجدة المنسية وأتى بسجود السهو لنسيانها ، أما إذا تذكر السجدة قبل أن يركع للركعة التالية كما إذا نسي سجدة من الركعة الأولى وتذكر أثناء القراءة أو القنوت من الركعة الثانية فحينئذٍ يرجع ويأتي بالسجدة ثم يتم صلاته ولا يجب عليه قضاء السجدة ولا سجود السهو لها لأنه تداركها ، نعم قد يجب سجود السهو للزيادة الحاصلة من القيام للركعة الثانية على كلام في ذلك يأتي إن شاء الله بيانه في الموارد القادمة .
وإذا كانت السجدة المنسية من الركعة الأخيرة فيأتي فيها نفس الكلام في نسيان التشهد الأخير فإن لم يتذكرها الا بعد التسليم وفعل المنافي وجب قضاؤها مع سجود السهو وإن تذكرها قبل فعل المنافي سواء أثناء التشهد الأخير أو بعده وقبل السلام أو بعد السلام وقبل فعل المنافي فحينئذٍ يرجع ويسجد ويعيد التشهد والسلام ولا يجب عليه قضاء السجدة ولا سجود السهو لها لأنه تداركها ، نعم يجب سجود السهو لإعادة السلام وزيادته .
والخلاصة يجب سجود السهو لنسيان السجدة الواحدة وعدم تداركها أثناء الصلاة ويتحقق ذلك بعدم تذكرها الا بعد ركوع الركعة التالية وعدم تذكر السجدة من الركعة الأخيرة الا بعد السلام وفعل المنافي
ووجوب سجود السهو لنسيان السجدة الواحدة هو المعروف خلافاً للسيد السيستاني فاحتاط به استحباباً ووافقه في عدم الوجوب السيد الروحاني ، نعم لا خلاف في قضاء السجدة فهو محل اتفاق هنا وإن اختلفوا في وجوب قضاء التشهد في المورد السابق ، وعليه فالمعروف وجوب قضاء التشهد والسجدة ووجوب سجود السهو لنسيانهما الا أن السيد السيستاني لم يوجب قضاء التشهد وأوجب سجود السهو هناك وهنا عكس فأوجب قضاء السجدة ولم يوجب سجود السهو .
المورد السادس / للسلام الزائد فيما إذا نسي التشهد الأخير أو السجدة من الركعة الأخيرة وتذكرهما بعد السلام وقبل فعل المنافي فيتداركهما ثم يعيد السلام ويسجد سجدتي السهو للزيادة الحاصلة في السلام كما تقدم في الموردين السابقين ولا خلاف في ذلك ولو على نحو الاحتياط الوجوبي .
المورد السابع / أن يسهو ويأتي بالسلام الذي هو آخر جزء من الصلاة في غير محله ، مثلاً في صلاة الظهر بعد أن يتم التشهد في الركعة الثانية يسهو فيأتي بالسلام ، فإذا التفت مباشرة قبل فعل ما يبطل الصلاة فحينئذٍ لا تبطل بل ينهض للركعة الثالثة ويتم الصلاة ثم يسجد سجود السهو للسلام الزائد ، والمقصود من السلام إحدى صيغتيه الواجبتين وهما ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) و ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) (3) أما لو سها فقال ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ثم التفت فذلك لا يوجب سجود السهو فهو مستحب وليس من صيغ السلام ، كما أنه لو أتى بجزء الصيغة الواجبة لا تمامها كما لو قال ( السلام ) والتفت الى سهوه لم يجب عليه سجود السهو أيضاً .
والمعروف أن هذا المورد من موجبات سجود السهو أيضاً خلافاً للسيد محمد صادق الروحاني .
المورد الثامن / للقيام في موضع الجلوس أو الجلوس في موضع القيام سهواً كما إذا نسي جلسة الاستراحة بعد السجدة الثانية في الركعة الاُولى أو الركعة الثالثة - بناء على القول بوجوبها (4) - وتفطَّن بعد إكمال الصلاة أنَّه لم يأتِ بها بل قام من السجدة الثانية مباشرة فهذا قيام في موضع كان يجب عليه الجلوس فيه فإذا حصل ذلك سهواً وجب عليه سجود السهو لنسيان الجلوس الواجب ، وكذا لو جلس في موضع القيام ، كما إذا غفل عن القيام الواجب - الذي ليس بركن - بعد الركوع وهوى إلى السجود رأساً من دون أن يقوم منتصباً ، فهويه الى السجود من الركوع مباشرة يعني فوات القيام الواجب فإذا كان ذلك عن سهو وغفلة ولم يلتفت الا بعد السجود سجد سجود السهو بعد الصلاة .
ووجوب سجود السهو في هذا المورد هو المعروف ولو على نحو الاحتياط الوجوبي ، خلافاً للسيد السيستاني والشيخ الخراساني والسيد محمد صادق الروحاني فاحتاطوا بذلك استحباباً .
المورد الثامن / المعروف اختصاص وجوب سجود السهو عند الشك في عدد الركعات بما إذا كان الشك بين الأربع والخمس بعد السجدتين والخمس والست حال القيام كما تقدم في الموردين الثاني والثالث ، الا أن السيد السيستاني عمّمه - وجوب سجود السهو - الى كل حالةِ شكٍ تكون الركعة الرابعة طرفها الأقل كالشك بين الأربع والست (5) .
المورد التاسع / إذا شك (بين الأربع والخمس) أو (بين الثلاث والخمس) أو (بين الثلاث والأربع والخمس) أو (بين الخمس والست) حال القيام ، ففي جميع هذه الصور الأربع يهدم قيامه ويتبع علاجاً معيناً لكل صورة ، والأحوط وجوباً أن يسجد سجدتي السهو للقيام الزائد الذي هدمه في كل واحدة من هذه الصور وهو المعروف بين الفقهاء ، وخالف السيد السيستاني والشيخ الخراساني والسيد محمد صادق الروحاني فاحتاطوا بسجود السهو هنا استحباباً .
المورد العاشر / إذا عَلم المصلي إجمالاً بعد الصلاة أنه زاد فيها أو نقص مع كون صلاته محكومة بالصحة ، بمعنى أنه بعد أن فرغ من الصلاة يعلم أكيداً أنه قد حدثت في صلاته زيادة أو نقصان ولكن لا يعلم ما هي هذه الزيادة أوالنقصان تحديداً فهل زاد سلاماً أو نقص تشهداً أو سجدة أو غير ذلك ؟ لا يعلم ، نعم يعلم أنها زيادة أو نقصان غير مبطلة للصلاة فهو متأكد أنها ليست زيادة أو نقيصة ركنية بل زيادة أو نقصان تصح معهما الصلاة أي في غير الأركان بل في الواجبات غير الركنية ولكن لا يعلم أيها بالتحديد فحينئذٍ يحكم بصحة الصلاة لأن الزيادة أو النقيصة الحاصلة غير مبطلة ويسجد سجود السهو لهذه الزيادة أو النقيصة المعلومة الحدوث ، ذكر ذلك السيد السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم دون غيرهما من الفقهاء .
المورد الحادي عشر / لكل زيادة أو نقيصة في الصلاة ، بمعنى عدم اختصاص وجوب سجود السهو بنقصان الصلاة من التشهد والسجدة وبزيادة السلام بل كل ما يحصل في الصلاة من زيادة أو نقصان يجب له سجود السهو ما لم يكن ذلك مبطلاً للصلاة كالزيادة والنقصان في الأركان ، احتاط بذلك وجوباً السيد الصدر والشيخ الفياض والشيخ الخراساني والمعروف الاحتياط الاستحبابي بذلك ، وقال السيد الصدر ( والمراد بالزيادة والنقيصة ، الجزء الكامل لا جزء الجزء كالآية من السورة والطمأنينة من الركوع وبعض الذكر من السجود مثلا ، فان الاحتياط بسجود السهو في كل ذلك استحبابي ) . (6)
المورد الثاني عشر / عند الشك في الركعات بين الثلاث والأربع شريطة أن يذهب وهمه الى الأربع فحينئذٍ يجب عليه سجود السهو ، ذهب الى ذلك الشيخ الفياض ولم يتعرض له معظم الفقهاء نعم ذكره السيد محمد سعيد الحكيم لكن ذهب الى الاستحباب فيه لا الوجوب (7) .
المورد الثالث عشر / من قرأ بدل التسبيح أو سبح بدل القراءة ، كما لو سبح في الركعتين الأوليين ، أو قرأ حال الركوع والسجود بدل التسبيح ، ذكر ذلك السيد محمد سعيد الحكيم (8) دون غيره .
هذا ما وقفت عليه من موارد وجوب سجود السهو وقد تبين الاتفاق على وجوب السجود في خمسة موارد وهي الأول والثاني والثالث والرابع والسادس والاختلاف في باقي الموارد .
الأمر الرابع / أحكام سجود السهو
يمكن استخلاص أحكام سجود السهو من كلام الفقهاء في هذا الصدد وتلخيصها في نقاط :
1. يجب الإتيان بسجود السهو بمجرد الفراغ من الصلاة فوراً فلو أخره عمداً أثم ووجب فعله فوراً ففوراً وإذا نسيه فعله متى ذكره ولا يسقط بتركه أو نسيانه ولا خلاف في ذلك فتوى أو احتياطاً وجوبياً .
2. يجب الإتيان بسجود السهو - مضافاً الى عدم تأخيره - قبل فعل أي منافي ، والمقصود من المنافي كل ما يبطل الصلاة وينافيها ولا يصح فعله أثنائها ككلام الآدميين أو الالتفات عن القبلة ، ولا خلاف في ذلك فتوى أو احتياطاً وجوبياً الا من السيد محمد صادق الروحاني حيث اختار عدم البأس بالفصل بالمنافي ما دام لا يلزم التأخير .
3. يجب التوالي بين السجدتين وعدم الفصل الطويل بينهما ، كما يجب الجلوس بينهما مع الاطمئنان كما في الصلاة ولا يكفي رفع الجبهة ثم السجود ثانية .
4. لا تتوقف صحة الصلاة على الإتيان بسجدتي السهو فلو تركهما عمداً أو سهواً لم يضر ذلك بصحة الصلاة على الرأي المعروف بين الفقهاء .
5. يتعدد السجود بتعدد موجبه أي إذا اجتمع أكثر من سبب لسجود السهو وجب عليه لكل واحد سجود مستقل ، فإذا تكلم ساهياً وسلم في غير محل السلام وجب عليه سجودان وإذا نسي التشهد مضافاً اليهما وجبت عليه ثلاثة سجودات وهكذا .
6. إذا وجب عليه أكثر من سجود لاجتماع أكثر من سبب لم يجب عليه الترتيب بين السجودات بحسب ترتيب الأسباب فلو تكلم ساهياً أولاً ثم سلم في غير محل التسليم وجب عليه سجودان ولا يشترط أن يأتي بالسجود الأول عن الكلام ساهياً وبالثاني عن السلام في غير محله بل يجوز له مخالفة الترتيب فيقصد بالسجود الأول عن السلام في غير محله وبالثاني عن الكلام ساهياً .
7. بل لا يجب عليه أن يعيّن كل سجود عن أحد الأسباب فيكفي أن يأتي بسجود السهو بعدد أسبابه ولو لم يقصد في كل واحد أنه لهذا السبب أو ذاك ، ففي المثال السابق يكفي أن يأتي بسجود السهو مرتين ولو لم يقصد بأحدهما أنه للكلام ساهياً وبالآخر أنه للسلام في غير محله ، فليس لا يجب الترتيب في سجود السهو حسب ترتيب أسبابه فقط بل لا يجب عليه تعيين السبب في كل سجود أصلاً ، لذا لو علم بعد الصلاة أن عليه سجود السهو من دون أن يتذكر سببه لم يضر ذلك ويكفي الإتيان بسجود السهو ولو مع الجهل بموجبه .
8. إذا اجتمع سجود السهو مع واجب آخر بعد الصلاة كصلاة الاحتياط أو الأجزاء التي تقضى بعد الصلاة وهما التشهد والسجدة المنسيين ففي جميع ذلك يجب تأخير سجود السهو ، فيجب تأخيره عن صلاة الاحتياط كما يجب تأخيره عن قضاء التشهد المنسي والسجدة المنسية ، ولو قدم سجود السهو عمداً أعاد الصلاة احتياطاً ، بلا خلاف في ذلك الا من السيد محمد صادق الروحاني فاختار الاحتياط الاستحبابي بتأخير سجود السهو عن غيره وفصل السيد محمد سعيد الحكيم بين صلاة الاحتياط فالأحوط وجوباً تأخير سجود السهو عنها وبين الأجزاء المقضية فالأولى تأخيره عنها .
9. يجب فيه النية بأن ينوي في نفسه أن يأتي بسجدتي السهو ولا يتلفظ بالنية لأنها من فعل المنافي وقلنا يجب الإتيان بسجود السهو قبل فعل المنافي .
10. يجب السجود في سجود السهو على ما يصح السجود عليه كما في الصلاة .
11. المعروف - فتوى أو احتياطاً وجوبياً - اعتبار وضع سائر المساجد الستة أيضاً مضافاً الى الجبهة وهي باطن الكفين والركبتان وطرفا إبهامي القدمين وخالف السيد السيستاني فاختار أن ذلك هو الأحوط الأولى وليس بلازم وإنما اللازم وضع الجبهة فقط .
12. هل يشترط في سجود السهو ما يشترط في سجود الصلاة من الطهارة والاستقبال والستر وغيرها ؟
الجواب / المعروف الاحتياط الاستحبابي بذلك فلو فقد الطهارة بعد الصلاة مباشرة لم يمنع ذلك من الإتيان بسجود السهو ، واحتاط وجوباً بعض الفقهاء منهم السيد الصدر والسيد محمد صادق الروحاني باعتبار كل ما يعتبر في سجود الصلاة في سجود السهو ، وفصل الشيخ الخراساني بينما إذا كان سجود السهو لنسيان التشهد فيعتبر ذلك وبينما إذا كان لنسيان غيره فالأحوط استحباباً اعتبار ذلك .
13. هل الذكر أثناء سجدتي السهو واجب ؟ وإذا كان واجباً فهل يشترط ذكر مخصوص ؟
الجواب / فيه ثلاثة آراء : الأول / يجب الذكر في كل واحدة من سجدتي السهو والأحوط وجوباً في صورته أن يقول ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) وهذا رأي السيد الخوئي والشيخ الخراساني (9) .
الثاني / لا يجب الذكر في السجدتين فلو اقتصر على السجود من دون أن يذكر شيئاً كفى ، نعم الأحوط استحباباً الإتيان بالذكر ، ولا يشترط ذكر مخصوص لكن الأولى أن يقول ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) وهو رأي السيد السيستاني والشيخ الفياض .
الثالث / وجوب الذكر ولو على نحو الاحتياط الوجوبي ، لكن لا يشترط فيه ذكر مخصوص نعم يستحب أن يقول : ( بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته ) أو ( بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآله ) أو ( بسم الله وبالله اللَّهم صلّ على محمّد وآل محمّد ) وهذا الرأي للسيد الصدر والسيد محمد سعيد الحكيم وغيرهما ، وذكر السيد الصدر أنه إن لم يختر إحدى الصيغتين الأوليتين فالأحوط وجوباً أن يقول ما يجزئ في سجود الصلاة .
14. لا يختص وجوب سجود السهو بالفرائض اليومية بل يشمل غيرها من الصلوات الواجبة كصلاة الآيات عدا صلاة الميت ، دون النوافل والصلوات المستحبة فلا يجب فيها .
15. لا يجب سجود السهو عند حصول السهو في المستحبات كالقنوت بل يختص بالأجزاء الواجبة كالتشهد والتسليم والتروك اللازمة كالقهقهة وكلام الآدميين .
16. اذا شك أنه هل فعل ما يوجب سجود السهو أو لا ؟ أي هل حصل له السهو في صلاته أو لا ؟ لم يجب عليه سجود السهو بعد الصلاة .
17. إذا علم بحصول السهو ووجوب السجود عليه وشك في أدائه وأنه هل سجد سجود السهو أو لا ؟ بنى على عدم السجود ووجب عليه الإتيان به .
18. إذا علم أنه سها أكثر من مرة ولكن شك في عدد مرات السهو اكتفى بالأقل فلو شك أنه سها مرتين في صلاته أو ثلاث مرات كفاه السجود مرتين .
هذه أهم أحكام سجود السهو وهناك غيرها مما لم نتطرق إليه روماً للاختصار
هذا وفي بعض ما ذكرنا من أحكام قد تكون هناك بعض التفصيلات الطفيفة لبعض الفقهاء أعرضت عنها أيضاًً خوفاً من لزوم الإطالة من دون أن يكون في هذا الإعراض أي إيهام أو ضير إن شاء الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
-------------------------
(1) لا خلاف بين الفقهاء - فتوىً أو احتياطاً - في أن الزيادة السهوية في الأركان مبطلة للصلاة كالزيادة العمدية ، لكن اختلفوا في شمول ذلك لتكبيرة الإحرام فهل تبطل بزيادتها سهواً كما تبطل بزيادتها عمداً أو قل كما تبطل الأركان الأخرى بزيادتها سهواً ؟ اختار السادة الخوئي والسيستاني والحكيم والروحاني والشيخان الفياض والخراساني وغيرهم عدم البطلان ، واختار السادة الخميني والكلبايكاني والصدر وغيرهم البطلان وهو المشهور بين علماء المذهب .
(2) في كل مورد ننفي فيه الخلاف فلحاظنا فيه على الفقهاء المعاصرين المعروفين بالتقليد ولا نعني عدم الخلاف بين كل فقهاء المذهب بل خصوص الرسائل العملية المعروفة في زماننا .
(3) ذكر الفقهاء أن السلام له صيغتان : الأولى السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، واختلفوا في الثانية فالمعروف أنها ( السلام عليكم ) والأحوط استحباباً إضافة ( ورحمة الله وبركاته ) وذهب بعض الفقهاء الى الاحتياط الوجوبي بإضافتها كالسيد الصدر ، ويترتب على هذا الخلاف أنه لو سها فقال السلام عليكم فقط والتفت الى سهوه وجب عليه سجود السهو على الرأي الأول المعروف لأنه أتى بسلام كامل وعدم وجوبه على الرأي الثاني لأنه أتى بجزء من السلام لا بتمامه .
(4) الأحوط وجوباً الإتيان بجلسة الاستراحة عند جملة من الفقهاء كالسيد الخميني والسيد الكلبايكاني والسيد السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم ، فيما ذهب بعضهم كالسيد الخوئي والسيد محمد الصدر والشيخ الفياض والشيخ الخراساني والسيد محمد صادق الروحاني الى الاحتياط الاستحبابي بالإتيان بها .
(5) منهاج الصالحين ج1 ص281 الصورة الخامسة ، ولاحظ تعليقة على العروة الوثقى ج2 ص295 هامش رقم940 .
(6) منهج الصالحين ج1 مسألة 982 .
(7) منهاج الصالحين / السيد محمد سعيد الحكيم : ج1 مسألة 485 .
(8) منهاج الصالحين / السيد محمد سعيد الحكيم : ج1 ص 289 .
(9) وهو رأي السيد محمد صادق الروحاني أيضاً لكن الأحوط لزوماً عنده الجمع بين السلام بدون واو ( السلام ) وبينه معها ( والسلام ) في كل سجدة .
الحَمّدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصلّى اللهُ عَلى مُحَمّدٍ وَآلهِ الطّاهِرِيْن
------------------------
سجود السهو
من المسائل الابتلائية المهمة وكثيرة البلوى مسائل سجود السهو وأحكامه ، وتيسيراً للتعرف عليها نحاول بتوفيق الله تعالى عرض أهم هذه الأحكام بأسلوب مبسط يكون في متناول الأخوة المؤمنين الراغبين في التفقه في الدين ، وتعلم أحكام شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين
والكلام في أمور أربعة :
1. المقصود بسجود السهو . 2. كيفية أداء سجود السهو . 3. موارد وجوب سجود السهو . 4. أحكام سجود السهو .
الأمر الأول / المقصود بسجود السهو
وهو عبارة عن سجدتين بتشهد وتسليم ، يجب الإتيان بهما بعد الصلاة الواجبة في بعض موارد حصول السهو فيها بالزيادة أو النقصان ونحوهما ، كما لو تكلم في الصلاة بكلام الآدميين سهواً أو سلّم سهواً في غير محل السلام ، فلا تبطل الصلاة بهذا السهو بل يتم الصلاة ويأتي بسجود السهو بعد الفراغ منها .
فالسهو وكذا النسيان الحاصل في الصلاة على نحوين :
النحو الأول : السهو والنسيان الذي تبطل معه الصلاة كما لو سها وزاد ركناً فحينئذٍ تبطل صلاته كما لو ركع مرتين في ركعة واحدة سهواً ، أو كبّر تكبيرة الإحرام مرتين سهواً (1) ، وكذا لو أنقص من صلاته ركناً سهواً أو نسياناً ولم يمكنه تداركه فحينئذٍ تبطل الصلاة ولا ينفع معه سجود السهو بل تجب إعادتها ، كما لو نسي أن يركع ولم يتذكر الا بعد إتمام السجدتين فحينئذٍ صلاته باطلة لنقصانها ركناً ولو سهواً أو نسياناً وهو معنى قولهم أن الصلاة تبطل بالإخلال بالركن مطلقاً أي وإن كان الإخلال سهواً أو نسياناً ولا يختص بالعمد . ونؤكد هنا أن نقصان الصلاة لأحد أركانها سهواً إنما يكون لو لم يمكن تدارك ذلك الركن ولا تبطل الصلاة بمجرد حصول السهو والنقيصة فلو أمكن التدارك لم تبطل الصلاة فلو نسي الركوع وذكره بعد السجدة الأولى وقبل الثانية فهنا لا تبطل الصلاة بل يرجع للركوع ثم يتم صلاته ، وهذا بخلاف الزيادة الركنية فإن الصلاة تبطل معها بمجرد حصولها ، والمقصود من إمكان تدارك الركن المنقوص سهواً أو نسياناً عدم الدخول في الركن التالي فمن لم يأتِ بركن سهواً أو نسياناً ثم التفت أو تذكر قبل الدخول في الركن التالي له ولو بعد فعل واجب غير ركني فحينئذٍ يمكنه التدارك والرجوع على الركن الفائت أما إذا لم يلتفت الا بعد الركن التالي فحينئذٍ لا يمكنه التدراك فتبطل الصلاة كما إذا التفت الى فوات الركوع بعد الإتيان بالسجدتين .
النحو الثاني : السهو والنسيان الذي لا تبطل معه الصلاة وهو عبارة عن السهو والنسيان في غير الأركان أو في نقصان الأركان مع إمكان التدارك فحينئذٍ لا تبطل الصلاة ولا يكون هذا السهو أو النسيان مضراً بصحتها ، كما لو سها وترك القراءة أو تشهد في غير موضع التشهد أو أتى بالتسليم بعد التشهد الأوسط أو أتى بشيء من نواقض الصلاة كالأكل أو القهقهة أو الكلام الآدمي سهواً ففي جميع ذلك لا تبطل الصلاة لأنه من السهو الذي لا تبطل معه الصلاة ، وكذلك إذا أنقص من صلاته ركناً سهواً وتدراكه كما تقدم في النحو الأول فلا تبطل الصلاة حينئذٍ لأنه تدراك الركن .
إذا عرفت ذلك - وهو أن السهو في الصلاة منه ما هو مبطل للصلاة ومنه ما هو غير مبطل - فاعلم أنه في النحو الأول فالصلاة باطلة وتجب إعادتها ولا تصل النوبة الى الكلام عن وجوب سجود السهو لأنه إنما يكون مع صحة الصلاة لا مع بطلانها ، وأما في النحو الثاني وهو السهو الذي لا تبطل معه الصلاة فحينئذٍ يتم المكلف صلاته وتكون صحيحة ولا يضر بها السهو الحاصل وحينئذٍ قد يجب عليه سجود السهو في بعض حالات النحو الثاني .
إذن لا يجب سجود السهو مع بطلان الصلاة بل يختص بالسهو الذي تصح معه الصلاة ، وحتى هذا السهو وهو النحو الثاني لا يجب معه سجود السهو دائماً بل في بعض حالاته ، فليس كل سهو غير مبطل ومن النحو الثاني يجب له سجود السهو بل في بعض حالات النحو الثاني ، أما ما هي هذه الحالات فنبين ذلك في الأمر الثالث إن شاء الله تعالى .
الأمر الثاني / كيفية أداء سجود السهو
إذا حصل السهو الموجب لسجود السهو كما لو سلّم بعد التشهد الأوسط سهواً لم تبطل الصلاة بذلك بل يستمر المكلف عليها ويتمها الى آخرها فإذا سلّم وفرغ من الصلاة أتى بسجود السهو مباشرة قبل أن يفعل أي فعل ينافي الصلاة ، فينوي في قلبه أنه يسجد سجود السهو قربة الى الله تعالى من دون أن يتلفظ بالنية ثم يسجد ويقول في سجوده ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ثم يرفع رأسه من السجود ويجلس ثم يسجد مرة ثانية يكرر ما قاله في السجدة الأولى ثم يرفع رأسه ويجلس ويتشهد ويسلّم وبذلك يكون قد أتى بسجود السهو .
ويكفي في التسليم أن يقول ( السلام عليكم ) وأما التشهد فهل يكون بنفس طريقة التشهد في الصلاة أم له كيفية أخرى ؟
ذكر بعض الفقهاء أنه يكفي في سجود السهو التشهد الخفيف وهو ( أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، اللهم صل على محمد وآل محمد ) الا أن المعروف الاحتياط الوجوبي بأن يكون بنفس طريقة التشهد في الصلاة .
وعليه فصورة سجود السهو بعد أن ينوي فعله من دون تلفظ بالنية :
أن يسجد ويقول ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ثم يستوي جالساً ثم يسجد ويقول ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ثم يستوي جالساً ويقول ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وآل محمد ) ثم يقول ( السلام عليكم )
واختلف الفقهاء في أنه هل يجب عليه الذكر أثناء السجود أو لا ؟ وإذا كان واجباً فهل يجب أن يكون ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) أم يمكن أن يكون بصيغة أخرى ؟ نتعرض لذلك في الأمر الرابع وهو أحكام سجود السهو إن شاء الله تعالى ، وبقطع النظر عن هذا الاختلاف فالكل متفق على أنه لو قال في سجوده ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) فسجوده صحيح لذا هذه الصورة التي ذكرناها لكيفية أداء سجود السهو تكون أحوط الكيفيات والكل متفق على إجزائها وصحتها .
ثم إنهم ذكروا أنه يستحب التكبير لسجود السهو فيكبّر بعد نية السجود ثم يأتي به . وإنما قلنا يأتي به بعد الفراغ من الصلاة مباشرة لأن وجوبه فوري فلا يجوز تأخيره عمداً ، كما لا يجوز فعل المنافي قبل الإتيان به والمراد من المنافي كل ما لا يصح فعله في الصلاة ككلام الآدميين والالتفات عن القبلة فالمعروف الاحتياط الوجوبي بعدم الفصل بين الصلاة وسجود السهو بفعل المنافي ، ولذا قلنا لا يتلفظ بنية سجود السهو لأن التلفظ بها من فعل المنافي ويأتي مزيد بيان لذلك في الأمر الرابع في أحكام سجود السهو إن شاء الله تعالى .
الأمر الثالث / موارد وجوب سجود السهو
قلنا في الأمر الأول أنه ليس كل سهو حاصل في الصلاة يجب معه سجود السهو ، فهناك السهو المبطل للصلاة وحينئذٍ تجب إعادة الصلاة ولا يجب سجود السهو كما إذا سها وزاد ركناً أو سها وترك ركناً ولم يمكنه التدارك ، وهناك السهو الذي لا يبطل الصلاة ولكن لا يوجب سجود السهو أيضاً ، وهناك السهو الذي لا يبطل الصلاة أيضاً لكن يجب معه سجود السهو بعد الصلاة .
إذن بعض السهو غير موجب لسجود السهو سواء كان مبطلاً للصلاة أو لا ، وبعض السهو غير المبطل موجب لسجود السهو وكلامنا في هذا ، فما هي الموارد التي إن حصل السهو فيها أثناء الصلاة وجب سجود السهو بعد الصلاة ؟ أو قل ما هي موجبات سجود السهو ؟
ذكر الفقهاء عدة موارد لذلك ، وقد اتفقوا في بعضها أنه موجب لسجود السهو واختلفوا في البعض الآخر نذكرها مع الإشارة الى ذلك :
المورد الأول / أن يتكلم المصلي سهواً بكلام ليس هو من الصلاة ولا مما يصح التكلم به في الصلاة كالقرآن ولا يصدق عليه أنه دعاء أو ذكر أو تسبيح ونحو ذلك ، أي بكلام ينافي الصلاة وهو ما يسمى بكلام الآدميين أي يتكلم بالكلام الاعتيادي الذي يتحدث به الناس فيما بينهم كما إذا رأى شخصاً يبحث عن شيء ويسأل عن مكانه فسها عن صلاته وقال له ( هناك أو على الرف ونحو ذلك ) فإذا صدر منه ذلك سهواً لم تبطل صلاته بل يتمها ويجب عليه سجود السهو بعد الصلاة ، ولا خلاف (2) في أن هذا المورد من موجبات سجود السهو فتوى أو احتياطاً .
المورد الثاني / عند الشك في عدد الركعات بين الأربع والخمس بعد السجدتين ، فقد ذكروا أن المصلي إذا شك بعد السجدتين أنه في الركعة الرابعة أو الخامسة يبني على أنه في الرابعة ويتم الصلاة ثم يسجد سجدتي السهو ، وهذا المورد لا خلاف فيه أيضاً .
المورد الثالث / عند الشك في عدد الركعات بين الخمس والست حال القيام فحينئذٍ يبني على أنه في الركعة الرابعة فيجلس للتشهد والسلام ثم يأتي بسجود السهو ، وهذا المورد لا خلاف فيه أيضاً .
المورد الرابع / لنسيان التشهد ، فإذا نسي المصلي التشهد وجب عليه أن يقضيه بعد الصلاة مع سجود السهو ، فلو نسي التشهد الأوسط ولم يتذكره الا بعد ركوع الركعة الثالثة مضى في صلاته فإذا سلّم قضى التشهد بأن يأتي بالتشهد بعد الصلاة بنية قضاء التشهد الذي فاته في الصلاة ثم يسجد سجدتي السهو ، هذا إذا لم يتذكر الا بعد ركوع الركعة الثالثة ، أما إذا تذكر التشهد قبل أن يركع سواء حال القيام أو أثناء التسبيحات الأربع أو بعدها فحينئذٍ يرجع ويجلس ويأتي بالتشهد المنسي ثم يتم صلاته ولا حاجة لقضاء التشهد حينئذٍ ولا سجود السهو لعدم فوات التشهد لأنه رجع وأتى به نعم قد يجب سجود السهو للزيادة الحاصلة من القيام والتسبيحات على كلام في ذلك يأتي إن شاء الله بيانه في الموارد القادمة .
هذا بالنسبة الى التشهد الأوسط وكذا التشهد الأخير فإذا نسي التشهد حتى سلّم وفعل ما ينافي الصلاة ككلام الآدميين أو الالتفات عن القبلة ثم تذكر أنه لم يتشهد فحينئذٍ يقضي التشهد ويسجد سجدتي السهو ، أما إذا تذكره بعد السلام وقبل فعل المنافي فحينئذٍ يرجع ويتشهد ويعيد السلام ، ولا يجب عليه قضاء التشهد ولا سجود السهو لنسيان التشهد لأنه تداركه وأتى به نعم يجب عليه سجود السهو لزيادة السلام على الأحوط وجوباً .
والخلاصة يجب سجود السهو لنسيان التشهد وعدم تداركه أثناء الصلاة ويتحقق ذلك بعدم تذكر التشهد الأوسط الا بعد ركوع الركعة الثالثة وعدم تذكر التشهد الأخير الا بعد فعل المنافي .
ولا خلاف في وجوب سجود السهو لنسيان التشهد ، نعم اختلفوا في وجوب قضاء التشهد والمعروف وجوب قضائه ولو على نحو الاحتياط الوجوبي وخالف السيد السيستاني والشيخ الخراساني فاحتاطا استحباباً بقضائه ، ولا خلاف في قضاء التشهد أولاً - على كلا القولين - ثم الإتيان بسجود السهو .
المورد الخامس / لنسيان السجدة الواحدة ، فإذا نسي المصلي سجدتين من ركعة واحدة بطلت صلاته لأن السجدتين من ركعة واحدة ركن والركن تبطل الصلاة بفواته ولو نسياناً ، أما إذا نسي سجدة واحدة بأن أتى بسجدة ونسي أن يسجد مرة أخرى فقام للركعة التالية ولم يلتفت الا بعد ركوع الركعة التالية فحينئذٍ يأتي نفس الكلام في التشهد فيمضي في صلاته فإذا سلّم قضى السجدة المنسية وأتى بسجود السهو لنسيانها ، أما إذا تذكر السجدة قبل أن يركع للركعة التالية كما إذا نسي سجدة من الركعة الأولى وتذكر أثناء القراءة أو القنوت من الركعة الثانية فحينئذٍ يرجع ويأتي بالسجدة ثم يتم صلاته ولا يجب عليه قضاء السجدة ولا سجود السهو لها لأنه تداركها ، نعم قد يجب سجود السهو للزيادة الحاصلة من القيام للركعة الثانية على كلام في ذلك يأتي إن شاء الله بيانه في الموارد القادمة .
وإذا كانت السجدة المنسية من الركعة الأخيرة فيأتي فيها نفس الكلام في نسيان التشهد الأخير فإن لم يتذكرها الا بعد التسليم وفعل المنافي وجب قضاؤها مع سجود السهو وإن تذكرها قبل فعل المنافي سواء أثناء التشهد الأخير أو بعده وقبل السلام أو بعد السلام وقبل فعل المنافي فحينئذٍ يرجع ويسجد ويعيد التشهد والسلام ولا يجب عليه قضاء السجدة ولا سجود السهو لها لأنه تداركها ، نعم يجب سجود السهو لإعادة السلام وزيادته .
والخلاصة يجب سجود السهو لنسيان السجدة الواحدة وعدم تداركها أثناء الصلاة ويتحقق ذلك بعدم تذكرها الا بعد ركوع الركعة التالية وعدم تذكر السجدة من الركعة الأخيرة الا بعد السلام وفعل المنافي
ووجوب سجود السهو لنسيان السجدة الواحدة هو المعروف خلافاً للسيد السيستاني فاحتاط به استحباباً ووافقه في عدم الوجوب السيد الروحاني ، نعم لا خلاف في قضاء السجدة فهو محل اتفاق هنا وإن اختلفوا في وجوب قضاء التشهد في المورد السابق ، وعليه فالمعروف وجوب قضاء التشهد والسجدة ووجوب سجود السهو لنسيانهما الا أن السيد السيستاني لم يوجب قضاء التشهد وأوجب سجود السهو هناك وهنا عكس فأوجب قضاء السجدة ولم يوجب سجود السهو .
المورد السادس / للسلام الزائد فيما إذا نسي التشهد الأخير أو السجدة من الركعة الأخيرة وتذكرهما بعد السلام وقبل فعل المنافي فيتداركهما ثم يعيد السلام ويسجد سجدتي السهو للزيادة الحاصلة في السلام كما تقدم في الموردين السابقين ولا خلاف في ذلك ولو على نحو الاحتياط الوجوبي .
المورد السابع / أن يسهو ويأتي بالسلام الذي هو آخر جزء من الصلاة في غير محله ، مثلاً في صلاة الظهر بعد أن يتم التشهد في الركعة الثانية يسهو فيأتي بالسلام ، فإذا التفت مباشرة قبل فعل ما يبطل الصلاة فحينئذٍ لا تبطل بل ينهض للركعة الثالثة ويتم الصلاة ثم يسجد سجود السهو للسلام الزائد ، والمقصود من السلام إحدى صيغتيه الواجبتين وهما ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) و ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) (3) أما لو سها فقال ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ثم التفت فذلك لا يوجب سجود السهو فهو مستحب وليس من صيغ السلام ، كما أنه لو أتى بجزء الصيغة الواجبة لا تمامها كما لو قال ( السلام ) والتفت الى سهوه لم يجب عليه سجود السهو أيضاً .
والمعروف أن هذا المورد من موجبات سجود السهو أيضاً خلافاً للسيد محمد صادق الروحاني .
المورد الثامن / للقيام في موضع الجلوس أو الجلوس في موضع القيام سهواً كما إذا نسي جلسة الاستراحة بعد السجدة الثانية في الركعة الاُولى أو الركعة الثالثة - بناء على القول بوجوبها (4) - وتفطَّن بعد إكمال الصلاة أنَّه لم يأتِ بها بل قام من السجدة الثانية مباشرة فهذا قيام في موضع كان يجب عليه الجلوس فيه فإذا حصل ذلك سهواً وجب عليه سجود السهو لنسيان الجلوس الواجب ، وكذا لو جلس في موضع القيام ، كما إذا غفل عن القيام الواجب - الذي ليس بركن - بعد الركوع وهوى إلى السجود رأساً من دون أن يقوم منتصباً ، فهويه الى السجود من الركوع مباشرة يعني فوات القيام الواجب فإذا كان ذلك عن سهو وغفلة ولم يلتفت الا بعد السجود سجد سجود السهو بعد الصلاة .
ووجوب سجود السهو في هذا المورد هو المعروف ولو على نحو الاحتياط الوجوبي ، خلافاً للسيد السيستاني والشيخ الخراساني والسيد محمد صادق الروحاني فاحتاطوا بذلك استحباباً .
المورد الثامن / المعروف اختصاص وجوب سجود السهو عند الشك في عدد الركعات بما إذا كان الشك بين الأربع والخمس بعد السجدتين والخمس والست حال القيام كما تقدم في الموردين الثاني والثالث ، الا أن السيد السيستاني عمّمه - وجوب سجود السهو - الى كل حالةِ شكٍ تكون الركعة الرابعة طرفها الأقل كالشك بين الأربع والست (5) .
المورد التاسع / إذا شك (بين الأربع والخمس) أو (بين الثلاث والخمس) أو (بين الثلاث والأربع والخمس) أو (بين الخمس والست) حال القيام ، ففي جميع هذه الصور الأربع يهدم قيامه ويتبع علاجاً معيناً لكل صورة ، والأحوط وجوباً أن يسجد سجدتي السهو للقيام الزائد الذي هدمه في كل واحدة من هذه الصور وهو المعروف بين الفقهاء ، وخالف السيد السيستاني والشيخ الخراساني والسيد محمد صادق الروحاني فاحتاطوا بسجود السهو هنا استحباباً .
المورد العاشر / إذا عَلم المصلي إجمالاً بعد الصلاة أنه زاد فيها أو نقص مع كون صلاته محكومة بالصحة ، بمعنى أنه بعد أن فرغ من الصلاة يعلم أكيداً أنه قد حدثت في صلاته زيادة أو نقصان ولكن لا يعلم ما هي هذه الزيادة أوالنقصان تحديداً فهل زاد سلاماً أو نقص تشهداً أو سجدة أو غير ذلك ؟ لا يعلم ، نعم يعلم أنها زيادة أو نقصان غير مبطلة للصلاة فهو متأكد أنها ليست زيادة أو نقيصة ركنية بل زيادة أو نقصان تصح معهما الصلاة أي في غير الأركان بل في الواجبات غير الركنية ولكن لا يعلم أيها بالتحديد فحينئذٍ يحكم بصحة الصلاة لأن الزيادة أو النقيصة الحاصلة غير مبطلة ويسجد سجود السهو لهذه الزيادة أو النقيصة المعلومة الحدوث ، ذكر ذلك السيد السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم دون غيرهما من الفقهاء .
المورد الحادي عشر / لكل زيادة أو نقيصة في الصلاة ، بمعنى عدم اختصاص وجوب سجود السهو بنقصان الصلاة من التشهد والسجدة وبزيادة السلام بل كل ما يحصل في الصلاة من زيادة أو نقصان يجب له سجود السهو ما لم يكن ذلك مبطلاً للصلاة كالزيادة والنقصان في الأركان ، احتاط بذلك وجوباً السيد الصدر والشيخ الفياض والشيخ الخراساني والمعروف الاحتياط الاستحبابي بذلك ، وقال السيد الصدر ( والمراد بالزيادة والنقيصة ، الجزء الكامل لا جزء الجزء كالآية من السورة والطمأنينة من الركوع وبعض الذكر من السجود مثلا ، فان الاحتياط بسجود السهو في كل ذلك استحبابي ) . (6)
المورد الثاني عشر / عند الشك في الركعات بين الثلاث والأربع شريطة أن يذهب وهمه الى الأربع فحينئذٍ يجب عليه سجود السهو ، ذهب الى ذلك الشيخ الفياض ولم يتعرض له معظم الفقهاء نعم ذكره السيد محمد سعيد الحكيم لكن ذهب الى الاستحباب فيه لا الوجوب (7) .
المورد الثالث عشر / من قرأ بدل التسبيح أو سبح بدل القراءة ، كما لو سبح في الركعتين الأوليين ، أو قرأ حال الركوع والسجود بدل التسبيح ، ذكر ذلك السيد محمد سعيد الحكيم (8) دون غيره .
هذا ما وقفت عليه من موارد وجوب سجود السهو وقد تبين الاتفاق على وجوب السجود في خمسة موارد وهي الأول والثاني والثالث والرابع والسادس والاختلاف في باقي الموارد .
الأمر الرابع / أحكام سجود السهو
يمكن استخلاص أحكام سجود السهو من كلام الفقهاء في هذا الصدد وتلخيصها في نقاط :
1. يجب الإتيان بسجود السهو بمجرد الفراغ من الصلاة فوراً فلو أخره عمداً أثم ووجب فعله فوراً ففوراً وإذا نسيه فعله متى ذكره ولا يسقط بتركه أو نسيانه ولا خلاف في ذلك فتوى أو احتياطاً وجوبياً .
2. يجب الإتيان بسجود السهو - مضافاً الى عدم تأخيره - قبل فعل أي منافي ، والمقصود من المنافي كل ما يبطل الصلاة وينافيها ولا يصح فعله أثنائها ككلام الآدميين أو الالتفات عن القبلة ، ولا خلاف في ذلك فتوى أو احتياطاً وجوبياً الا من السيد محمد صادق الروحاني حيث اختار عدم البأس بالفصل بالمنافي ما دام لا يلزم التأخير .
3. يجب التوالي بين السجدتين وعدم الفصل الطويل بينهما ، كما يجب الجلوس بينهما مع الاطمئنان كما في الصلاة ولا يكفي رفع الجبهة ثم السجود ثانية .
4. لا تتوقف صحة الصلاة على الإتيان بسجدتي السهو فلو تركهما عمداً أو سهواً لم يضر ذلك بصحة الصلاة على الرأي المعروف بين الفقهاء .
5. يتعدد السجود بتعدد موجبه أي إذا اجتمع أكثر من سبب لسجود السهو وجب عليه لكل واحد سجود مستقل ، فإذا تكلم ساهياً وسلم في غير محل السلام وجب عليه سجودان وإذا نسي التشهد مضافاً اليهما وجبت عليه ثلاثة سجودات وهكذا .
6. إذا وجب عليه أكثر من سجود لاجتماع أكثر من سبب لم يجب عليه الترتيب بين السجودات بحسب ترتيب الأسباب فلو تكلم ساهياً أولاً ثم سلم في غير محل التسليم وجب عليه سجودان ولا يشترط أن يأتي بالسجود الأول عن الكلام ساهياً وبالثاني عن السلام في غير محله بل يجوز له مخالفة الترتيب فيقصد بالسجود الأول عن السلام في غير محله وبالثاني عن الكلام ساهياً .
7. بل لا يجب عليه أن يعيّن كل سجود عن أحد الأسباب فيكفي أن يأتي بسجود السهو بعدد أسبابه ولو لم يقصد في كل واحد أنه لهذا السبب أو ذاك ، ففي المثال السابق يكفي أن يأتي بسجود السهو مرتين ولو لم يقصد بأحدهما أنه للكلام ساهياً وبالآخر أنه للسلام في غير محله ، فليس لا يجب الترتيب في سجود السهو حسب ترتيب أسبابه فقط بل لا يجب عليه تعيين السبب في كل سجود أصلاً ، لذا لو علم بعد الصلاة أن عليه سجود السهو من دون أن يتذكر سببه لم يضر ذلك ويكفي الإتيان بسجود السهو ولو مع الجهل بموجبه .
8. إذا اجتمع سجود السهو مع واجب آخر بعد الصلاة كصلاة الاحتياط أو الأجزاء التي تقضى بعد الصلاة وهما التشهد والسجدة المنسيين ففي جميع ذلك يجب تأخير سجود السهو ، فيجب تأخيره عن صلاة الاحتياط كما يجب تأخيره عن قضاء التشهد المنسي والسجدة المنسية ، ولو قدم سجود السهو عمداً أعاد الصلاة احتياطاً ، بلا خلاف في ذلك الا من السيد محمد صادق الروحاني فاختار الاحتياط الاستحبابي بتأخير سجود السهو عن غيره وفصل السيد محمد سعيد الحكيم بين صلاة الاحتياط فالأحوط وجوباً تأخير سجود السهو عنها وبين الأجزاء المقضية فالأولى تأخيره عنها .
9. يجب فيه النية بأن ينوي في نفسه أن يأتي بسجدتي السهو ولا يتلفظ بالنية لأنها من فعل المنافي وقلنا يجب الإتيان بسجود السهو قبل فعل المنافي .
10. يجب السجود في سجود السهو على ما يصح السجود عليه كما في الصلاة .
11. المعروف - فتوى أو احتياطاً وجوبياً - اعتبار وضع سائر المساجد الستة أيضاً مضافاً الى الجبهة وهي باطن الكفين والركبتان وطرفا إبهامي القدمين وخالف السيد السيستاني فاختار أن ذلك هو الأحوط الأولى وليس بلازم وإنما اللازم وضع الجبهة فقط .
12. هل يشترط في سجود السهو ما يشترط في سجود الصلاة من الطهارة والاستقبال والستر وغيرها ؟
الجواب / المعروف الاحتياط الاستحبابي بذلك فلو فقد الطهارة بعد الصلاة مباشرة لم يمنع ذلك من الإتيان بسجود السهو ، واحتاط وجوباً بعض الفقهاء منهم السيد الصدر والسيد محمد صادق الروحاني باعتبار كل ما يعتبر في سجود الصلاة في سجود السهو ، وفصل الشيخ الخراساني بينما إذا كان سجود السهو لنسيان التشهد فيعتبر ذلك وبينما إذا كان لنسيان غيره فالأحوط استحباباً اعتبار ذلك .
13. هل الذكر أثناء سجدتي السهو واجب ؟ وإذا كان واجباً فهل يشترط ذكر مخصوص ؟
الجواب / فيه ثلاثة آراء : الأول / يجب الذكر في كل واحدة من سجدتي السهو والأحوط وجوباً في صورته أن يقول ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) وهذا رأي السيد الخوئي والشيخ الخراساني (9) .
الثاني / لا يجب الذكر في السجدتين فلو اقتصر على السجود من دون أن يذكر شيئاً كفى ، نعم الأحوط استحباباً الإتيان بالذكر ، ولا يشترط ذكر مخصوص لكن الأولى أن يقول ( بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) وهو رأي السيد السيستاني والشيخ الفياض .
الثالث / وجوب الذكر ولو على نحو الاحتياط الوجوبي ، لكن لا يشترط فيه ذكر مخصوص نعم يستحب أن يقول : ( بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته ) أو ( بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآله ) أو ( بسم الله وبالله اللَّهم صلّ على محمّد وآل محمّد ) وهذا الرأي للسيد الصدر والسيد محمد سعيد الحكيم وغيرهما ، وذكر السيد الصدر أنه إن لم يختر إحدى الصيغتين الأوليتين فالأحوط وجوباً أن يقول ما يجزئ في سجود الصلاة .
14. لا يختص وجوب سجود السهو بالفرائض اليومية بل يشمل غيرها من الصلوات الواجبة كصلاة الآيات عدا صلاة الميت ، دون النوافل والصلوات المستحبة فلا يجب فيها .
15. لا يجب سجود السهو عند حصول السهو في المستحبات كالقنوت بل يختص بالأجزاء الواجبة كالتشهد والتسليم والتروك اللازمة كالقهقهة وكلام الآدميين .
16. اذا شك أنه هل فعل ما يوجب سجود السهو أو لا ؟ أي هل حصل له السهو في صلاته أو لا ؟ لم يجب عليه سجود السهو بعد الصلاة .
17. إذا علم بحصول السهو ووجوب السجود عليه وشك في أدائه وأنه هل سجد سجود السهو أو لا ؟ بنى على عدم السجود ووجب عليه الإتيان به .
18. إذا علم أنه سها أكثر من مرة ولكن شك في عدد مرات السهو اكتفى بالأقل فلو شك أنه سها مرتين في صلاته أو ثلاث مرات كفاه السجود مرتين .
هذه أهم أحكام سجود السهو وهناك غيرها مما لم نتطرق إليه روماً للاختصار
هذا وفي بعض ما ذكرنا من أحكام قد تكون هناك بعض التفصيلات الطفيفة لبعض الفقهاء أعرضت عنها أيضاًً خوفاً من لزوم الإطالة من دون أن يكون في هذا الإعراض أي إيهام أو ضير إن شاء الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
-------------------------
(1) لا خلاف بين الفقهاء - فتوىً أو احتياطاً - في أن الزيادة السهوية في الأركان مبطلة للصلاة كالزيادة العمدية ، لكن اختلفوا في شمول ذلك لتكبيرة الإحرام فهل تبطل بزيادتها سهواً كما تبطل بزيادتها عمداً أو قل كما تبطل الأركان الأخرى بزيادتها سهواً ؟ اختار السادة الخوئي والسيستاني والحكيم والروحاني والشيخان الفياض والخراساني وغيرهم عدم البطلان ، واختار السادة الخميني والكلبايكاني والصدر وغيرهم البطلان وهو المشهور بين علماء المذهب .
(2) في كل مورد ننفي فيه الخلاف فلحاظنا فيه على الفقهاء المعاصرين المعروفين بالتقليد ولا نعني عدم الخلاف بين كل فقهاء المذهب بل خصوص الرسائل العملية المعروفة في زماننا .
(3) ذكر الفقهاء أن السلام له صيغتان : الأولى السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، واختلفوا في الثانية فالمعروف أنها ( السلام عليكم ) والأحوط استحباباً إضافة ( ورحمة الله وبركاته ) وذهب بعض الفقهاء الى الاحتياط الوجوبي بإضافتها كالسيد الصدر ، ويترتب على هذا الخلاف أنه لو سها فقال السلام عليكم فقط والتفت الى سهوه وجب عليه سجود السهو على الرأي الأول المعروف لأنه أتى بسلام كامل وعدم وجوبه على الرأي الثاني لأنه أتى بجزء من السلام لا بتمامه .
(4) الأحوط وجوباً الإتيان بجلسة الاستراحة عند جملة من الفقهاء كالسيد الخميني والسيد الكلبايكاني والسيد السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم ، فيما ذهب بعضهم كالسيد الخوئي والسيد محمد الصدر والشيخ الفياض والشيخ الخراساني والسيد محمد صادق الروحاني الى الاحتياط الاستحبابي بالإتيان بها .
(5) منهاج الصالحين ج1 ص281 الصورة الخامسة ، ولاحظ تعليقة على العروة الوثقى ج2 ص295 هامش رقم940 .
(6) منهج الصالحين ج1 مسألة 982 .
(7) منهاج الصالحين / السيد محمد سعيد الحكيم : ج1 مسألة 485 .
(8) منهاج الصالحين / السيد محمد سعيد الحكيم : ج1 ص 289 .
(9) وهو رأي السيد محمد صادق الروحاني أيضاً لكن الأحوط لزوماً عنده الجمع بين السلام بدون واو ( السلام ) وبينه معها ( والسلام ) في كل سجدة .