مرتضى علي الحلي
30-04-2013, 10:49 PM
السلامُ عليكَ يا داعيَّ اللهِ وربّانِّي آياته
--------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
في مقطع من زيارة آل ياسين التي وردت في كتاب الإحتجاج للطبرسي
أنَّ صاحب الأمر :عليه السلام:
قال في توقيعه الشريف إلى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري
أنه إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا فقولوا
كما قال الله
({سَلَامٌ عَلَى آلْ يَاسِينَ }الصافات130
السلامُ عليك يا داعي الله و ربّاني آياته إلى
آخر فقرات الزيارة الشريفة )
:بحار الأنوار:المجلسي:ج91:ص3.
: السلامُ عليك يا داعيَّ اللهِ وربّانِّي آياته :
لقد أخذ هذا المقطع الأول في مُفتَتح زيارة آل ياسين الشريفة
منحىً كنائياً بليغا ليرمز إلى أنَّ الإمام المهدي :عليه السلام:
هو مَن سيتمكّن من إزاحة الكفر والشرك والجهل والظلم والفساد والضلال نهائياً .
ذلك بإقامة البرهان الساطع على وجود الله تعالى ووحدانيته بالعلم والبيِّنة والهدى
و ببركة وجوده الفعلي :عليه السلام: وظهور وغلبة دين الله الحق الإسلام العزيز .
ولِما في توصيف الإمام المهدي:عليه السلام:
بداعي الله تعالى حصراً وتشريفاً
من مزيد بيانٍ وإهتمام بضرورة وجود الداعي المعصوم
وإرتباطه بالله تعالى
وإستمرار الدعوة الحقة ظهورا وإقتدارا
وهذا يعني أنَّ الإمام المهدي :عليه السلام:
الداعي والمُنادي إلى التغيير الصالح والعادل
قد توفرت دعوته على غرض مشروعٍ و واضح وبيِّن
مع وجود رؤية علميّة ومعرفية قادرة على الدفاع عن غرضه في حركة الدعوة والتحقق والنتيجة .
لذا إختزنَ هذا المقطع الرئيس في صورته اللفظية (داعي الله )
الترتب المنطقي والواقعي في ضرورة وجود وبقاء الدعوة الحقة وإضافتها إلى الله تعالى صدوراً
وتلبس الإمام المعصوم بها حجةً وتطبيقا
لتأتِ فقرة :ورباني آياته :
معطوفةً على التلبس الفعلي للإمام المهدي:عليه السلام: بوصف الدعوة ومُشترِكةً في حكمها وغرضها ومنهجها
: والرِّبِّـيُّ والرَّبَّانِـيُّ: هو الـحَبْرُ، ورَبُّ العِلْم
وقيل: الرَّبَّانِـيُّ الذي يَعْبُد الرَّبَّ، زِيدت الأَلف والنون للمبالغة في النسب
:و الموصوف بعلم الرَّبِّ
وقال أبن الأَعرابي: الرَّبَّانِـيُّ العالم الـمُعَلِّم، الذي يَغْذُو الناسَ بِصغارِ العلم قبلَ كِـبارها:.
:لسان العرب:أبن منظور:مادة ربب :
والملحَظُ الرئيس هنا هو واقعيّة توفر الأمرين معاً في شخص
الإمام المهدي:عليه السلام:
الدعوة إلى الله تعالى حصراً (داعي الله )
والمنهج والرؤية العلمية ( ورباني آياته )
وهذا الملحَظُ قد أشار إليه القرآن الكريم
في قوله تعالى
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125
إذاً يتضح أنَّ الدعوة المهدوية التغييرية والإصلاحية ستكون
واضحٌة وظاهرةٌ واقعاً ومقترنة بفن الحكمة والتعاطي مع المتلقي أو المدعو بصورة متزنة وبرهانية ومقنعة ومقبولة عقلائيا .
وهذا يفرض علينا لزوم إجابة داعي الله في دعوته وتغييره فعلاً
كما يظهر ذلك في قوله تعالى إرشاداً إلى هذا المعنى الشأني والقيمي في حُكم التعاطي مع الداعي إلى الله تعالى حصرا في واقعه الفعلي إيجاباً أو سلبا .
قال تعالى:
{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }الأحقاف31
{وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الأحقاف32
ثمََّ إنَّ التحديد والتوصيف للإمام المهدي:عليه السلام:
بكونه داعيا إلى الله تعالى ورباني آياته
يحكي عن أمرين رئيسيين موجودَين في شخصية
الإمام المعصوم :عليه السلام:
وهما كمال العقل النظري أو الحكمة النظرية في مستوى المُساوقة المفهومية
و وكمال العقل العملي أو الحكمة العملية في المساوقة المفهومية أيضا
واللذين بهما تنوجد العدالة المُطلقة مفهوما وتطبيقا
في شخصيَّة الإمام المعصوم
وهو ما يُسمى عندنا إعتقاداً بالعصمة الإختيارية والمنصوصة إلهيّا
فالعقل النظري أو الحكمة النظرية عند الإمام المعصوم
تظهر في صورة دعوته الحقة حصراً إلى الله تعالى
إذ أنه :عليه السلام: قد أدرك عقلا وواقعا وجود الله تعالى وتوحيده الخالص
بحيث عرفَ حق المولوية الإلهيّة المُستلزمة لطاعته سبحانه وتعالى
ليستلزم ذلك منه أن يُيلِّغ الناس ما أدركه واقعا ووجودا
وأما العقل العملي عنده :عليه السلام:
فهو ما يدرك به
حسن وقبح الأشياء وخيرها وشرها
وفضائل الأمور ورذائلها .
ليكون بواسطة عقله العملي مُدرِكاً تماماً لما ينبغي فعله وإيقاعه
أو ما ينبغي تركه وتجنبه
حتى يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما مُلِئتْ ظلما وجورا
كما هو الحال في إدراك العقل البشري لحسن العدل ولقبح الظلم وترتب الأثر العملي عليهما فعلاً.
وفي النتيجة يحصل عندنا قطع عقدي وعقلي
بعصمة الداعي إلى الله واقعاً
ولشهادة الله تعالى له بذلك نصاً .
مما يمدنا بمزيد وعي ومعرفة بضرورة الوقوف عند دعوة
الإمام المهدي:عليه السلام: وأهدافه وغاياته الموعودة
المُنتَظرُ تحققها مُستقبلاً .
وممكن أن يرتسم لنا هذا الوعي والتعرف في ضرورته الحياتية
بالتحرك الناضج في نطاق العقل النظري والعقل العملي
بعد إدارك مفهوميهما ذهنيا والعمل على تطبيق أثريهما عمليا
وتثقيف الناس على هذا الأساس طلباً لسرعة التغيير ونوعيته المُنتجة والفاعلة مجتمعيا
على مستوى تعديل وتحسين العلاقة مع الله تعالى عموديا
بصورة صالحة ومؤدِّية لحق الهو عز وجل في مولويته الحقيقية على العباد ووجوب طاعته عقلا .
وعلى مستوى القضاء على الظلم والفساد في المجتمع ونشر العدل والصلاح فعلا.
وقد حذرََّ الله تعالى من سوء عاقبة التخلي عن منهج المعصوم :عليه السلام: وأهدافه
حتى أّنها تجعل صاحبها في ضلال مبين
قال تعالى
{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران164
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }النحل36
وكيف ما كان ينبغي بنا أن ندرك أيضاً أنَّ دعوة الإمام المهدي
:عليه السلام:
إلى الله تعالى لم تقف في حركتها عند بدء الغيبة الكبرى
لا بل تحوَّلتْ إلى واقعها الشأني ونفس أمر وواقع الإمام المهدي
ليتمثّل وجوداً
بإبقاء وحفظ عنوان أهل البيت المعصومين :عليهم السلام:
وإمامتهم المجعولة ربانيا في مصداقها الفعلي المهدوي
قال تعالى
{بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ }هود86
{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً }مريم76
إلى أن تعود حركة الدعوة الأصل ببركة داعي الله ورباني آياته الإمام المهدي الموعود:عليه السلام:
لتظهر بالفعل والحس والعيان ظاهرةً على الدين كله .
قال تعالى
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }التوبة33
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً }الفتح28
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }الصف9
ومعلومٌ أنَّ الدين الإسلامي إلى آلان لم يكتمل ظهورا وعلوا
على غيره
مما تطلّب ذلك وجود بقيّة معصومة تتمثل بالأئمة المعصومين :ع:
إكمالاً وإظهاراً للدين كله
ببركة بقاء القرآن الكريم حجةً ونفوذا
وببركة بقاء الإمام المعصوم:عليه السلام:
وعدم خلو الأرض من حجة لله تعالى قائم .
وهذا هو عين ما نص عليه :صلى اللهُ عليه وآله وسلّم :
بياناً وإبلاغا للناس أجمعين
فقال :ص:
: إنيِّ قد تركتُ فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي
فإنَّ اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنهما لن يفترقا حتى يردا
علي الحوض كهاتين - وجمع بين مسبحتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين المسبحة
والوسطى - فتسبق إحداهما الأخرى
فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلوا :
:الكافي : الكليني :ج2:ص415:
وهذا الحديثُ مشهورٌ ومتواتر ومتفقٌ عليه وصحيح متناً وسندا .
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف
19/جمادى الثاني/1434هجري قمري :
--------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
في مقطع من زيارة آل ياسين التي وردت في كتاب الإحتجاج للطبرسي
أنَّ صاحب الأمر :عليه السلام:
قال في توقيعه الشريف إلى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري
أنه إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا فقولوا
كما قال الله
({سَلَامٌ عَلَى آلْ يَاسِينَ }الصافات130
السلامُ عليك يا داعي الله و ربّاني آياته إلى
آخر فقرات الزيارة الشريفة )
:بحار الأنوار:المجلسي:ج91:ص3.
: السلامُ عليك يا داعيَّ اللهِ وربّانِّي آياته :
لقد أخذ هذا المقطع الأول في مُفتَتح زيارة آل ياسين الشريفة
منحىً كنائياً بليغا ليرمز إلى أنَّ الإمام المهدي :عليه السلام:
هو مَن سيتمكّن من إزاحة الكفر والشرك والجهل والظلم والفساد والضلال نهائياً .
ذلك بإقامة البرهان الساطع على وجود الله تعالى ووحدانيته بالعلم والبيِّنة والهدى
و ببركة وجوده الفعلي :عليه السلام: وظهور وغلبة دين الله الحق الإسلام العزيز .
ولِما في توصيف الإمام المهدي:عليه السلام:
بداعي الله تعالى حصراً وتشريفاً
من مزيد بيانٍ وإهتمام بضرورة وجود الداعي المعصوم
وإرتباطه بالله تعالى
وإستمرار الدعوة الحقة ظهورا وإقتدارا
وهذا يعني أنَّ الإمام المهدي :عليه السلام:
الداعي والمُنادي إلى التغيير الصالح والعادل
قد توفرت دعوته على غرض مشروعٍ و واضح وبيِّن
مع وجود رؤية علميّة ومعرفية قادرة على الدفاع عن غرضه في حركة الدعوة والتحقق والنتيجة .
لذا إختزنَ هذا المقطع الرئيس في صورته اللفظية (داعي الله )
الترتب المنطقي والواقعي في ضرورة وجود وبقاء الدعوة الحقة وإضافتها إلى الله تعالى صدوراً
وتلبس الإمام المعصوم بها حجةً وتطبيقا
لتأتِ فقرة :ورباني آياته :
معطوفةً على التلبس الفعلي للإمام المهدي:عليه السلام: بوصف الدعوة ومُشترِكةً في حكمها وغرضها ومنهجها
: والرِّبِّـيُّ والرَّبَّانِـيُّ: هو الـحَبْرُ، ورَبُّ العِلْم
وقيل: الرَّبَّانِـيُّ الذي يَعْبُد الرَّبَّ، زِيدت الأَلف والنون للمبالغة في النسب
:و الموصوف بعلم الرَّبِّ
وقال أبن الأَعرابي: الرَّبَّانِـيُّ العالم الـمُعَلِّم، الذي يَغْذُو الناسَ بِصغارِ العلم قبلَ كِـبارها:.
:لسان العرب:أبن منظور:مادة ربب :
والملحَظُ الرئيس هنا هو واقعيّة توفر الأمرين معاً في شخص
الإمام المهدي:عليه السلام:
الدعوة إلى الله تعالى حصراً (داعي الله )
والمنهج والرؤية العلمية ( ورباني آياته )
وهذا الملحَظُ قد أشار إليه القرآن الكريم
في قوله تعالى
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125
إذاً يتضح أنَّ الدعوة المهدوية التغييرية والإصلاحية ستكون
واضحٌة وظاهرةٌ واقعاً ومقترنة بفن الحكمة والتعاطي مع المتلقي أو المدعو بصورة متزنة وبرهانية ومقنعة ومقبولة عقلائيا .
وهذا يفرض علينا لزوم إجابة داعي الله في دعوته وتغييره فعلاً
كما يظهر ذلك في قوله تعالى إرشاداً إلى هذا المعنى الشأني والقيمي في حُكم التعاطي مع الداعي إلى الله تعالى حصرا في واقعه الفعلي إيجاباً أو سلبا .
قال تعالى:
{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }الأحقاف31
{وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الأحقاف32
ثمََّ إنَّ التحديد والتوصيف للإمام المهدي:عليه السلام:
بكونه داعيا إلى الله تعالى ورباني آياته
يحكي عن أمرين رئيسيين موجودَين في شخصية
الإمام المعصوم :عليه السلام:
وهما كمال العقل النظري أو الحكمة النظرية في مستوى المُساوقة المفهومية
و وكمال العقل العملي أو الحكمة العملية في المساوقة المفهومية أيضا
واللذين بهما تنوجد العدالة المُطلقة مفهوما وتطبيقا
في شخصيَّة الإمام المعصوم
وهو ما يُسمى عندنا إعتقاداً بالعصمة الإختيارية والمنصوصة إلهيّا
فالعقل النظري أو الحكمة النظرية عند الإمام المعصوم
تظهر في صورة دعوته الحقة حصراً إلى الله تعالى
إذ أنه :عليه السلام: قد أدرك عقلا وواقعا وجود الله تعالى وتوحيده الخالص
بحيث عرفَ حق المولوية الإلهيّة المُستلزمة لطاعته سبحانه وتعالى
ليستلزم ذلك منه أن يُيلِّغ الناس ما أدركه واقعا ووجودا
وأما العقل العملي عنده :عليه السلام:
فهو ما يدرك به
حسن وقبح الأشياء وخيرها وشرها
وفضائل الأمور ورذائلها .
ليكون بواسطة عقله العملي مُدرِكاً تماماً لما ينبغي فعله وإيقاعه
أو ما ينبغي تركه وتجنبه
حتى يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما مُلِئتْ ظلما وجورا
كما هو الحال في إدراك العقل البشري لحسن العدل ولقبح الظلم وترتب الأثر العملي عليهما فعلاً.
وفي النتيجة يحصل عندنا قطع عقدي وعقلي
بعصمة الداعي إلى الله واقعاً
ولشهادة الله تعالى له بذلك نصاً .
مما يمدنا بمزيد وعي ومعرفة بضرورة الوقوف عند دعوة
الإمام المهدي:عليه السلام: وأهدافه وغاياته الموعودة
المُنتَظرُ تحققها مُستقبلاً .
وممكن أن يرتسم لنا هذا الوعي والتعرف في ضرورته الحياتية
بالتحرك الناضج في نطاق العقل النظري والعقل العملي
بعد إدارك مفهوميهما ذهنيا والعمل على تطبيق أثريهما عمليا
وتثقيف الناس على هذا الأساس طلباً لسرعة التغيير ونوعيته المُنتجة والفاعلة مجتمعيا
على مستوى تعديل وتحسين العلاقة مع الله تعالى عموديا
بصورة صالحة ومؤدِّية لحق الهو عز وجل في مولويته الحقيقية على العباد ووجوب طاعته عقلا .
وعلى مستوى القضاء على الظلم والفساد في المجتمع ونشر العدل والصلاح فعلا.
وقد حذرََّ الله تعالى من سوء عاقبة التخلي عن منهج المعصوم :عليه السلام: وأهدافه
حتى أّنها تجعل صاحبها في ضلال مبين
قال تعالى
{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران164
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }النحل36
وكيف ما كان ينبغي بنا أن ندرك أيضاً أنَّ دعوة الإمام المهدي
:عليه السلام:
إلى الله تعالى لم تقف في حركتها عند بدء الغيبة الكبرى
لا بل تحوَّلتْ إلى واقعها الشأني ونفس أمر وواقع الإمام المهدي
ليتمثّل وجوداً
بإبقاء وحفظ عنوان أهل البيت المعصومين :عليهم السلام:
وإمامتهم المجعولة ربانيا في مصداقها الفعلي المهدوي
قال تعالى
{بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ }هود86
{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً }مريم76
إلى أن تعود حركة الدعوة الأصل ببركة داعي الله ورباني آياته الإمام المهدي الموعود:عليه السلام:
لتظهر بالفعل والحس والعيان ظاهرةً على الدين كله .
قال تعالى
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }التوبة33
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً }الفتح28
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }الصف9
ومعلومٌ أنَّ الدين الإسلامي إلى آلان لم يكتمل ظهورا وعلوا
على غيره
مما تطلّب ذلك وجود بقيّة معصومة تتمثل بالأئمة المعصومين :ع:
إكمالاً وإظهاراً للدين كله
ببركة بقاء القرآن الكريم حجةً ونفوذا
وببركة بقاء الإمام المعصوم:عليه السلام:
وعدم خلو الأرض من حجة لله تعالى قائم .
وهذا هو عين ما نص عليه :صلى اللهُ عليه وآله وسلّم :
بياناً وإبلاغا للناس أجمعين
فقال :ص:
: إنيِّ قد تركتُ فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي
فإنَّ اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنهما لن يفترقا حتى يردا
علي الحوض كهاتين - وجمع بين مسبحتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين المسبحة
والوسطى - فتسبق إحداهما الأخرى
فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلوا :
:الكافي : الكليني :ج2:ص415:
وهذا الحديثُ مشهورٌ ومتواتر ومتفقٌ عليه وصحيح متناً وسندا .
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف
19/جمادى الثاني/1434هجري قمري :