هامة التطبير
06-05-2013, 04:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشهيد الشيرازي .. فكر إنسان وحياة
لم يبعده نبوغه الفقهي، ودراساته التاريخية، وتنقيباته التراثية، واهتمامه التوثيقي الحديثي الموسوعي عن ولوج فضاءات الفكر الإنساني المترامية الأطراف، فانطلقت رسالته من العقيدة، وتمحورت حول الإنسان، راسماً طريق الخلاص (الإيمان – الحرية – العلم – الأخلاق - الإتقان)، فحمل رسالته من أجل الإنسان والحياة، حتى مضى إلى الله شهيداً
يرى المفكر الشهيد السيد حسن الشيرازي أن ليس للإنسان تحقيق وجوده إلا من خلال العقيدة، فإن الرسالات السماوية التي أنزلها الله إنما جاءت لإحياء النفوس والعقول، وإن الإيمان بالله حقيقة جارية في طبائع الموجودات كلَّها بما فيها الجمادات، فما من مخلوق إلاَّ وقد اهتدى إلى الله ((ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)). وإن العقيدة بالله أهم المعارف الإنسانية عامة، وأعظم النعم بعد الوجود، وإن نكسة البشرية كانت ومازالت نتيجة تبنّيها ثقافات معادية للعقيدة ومنهجيات مخالفة للفطرة التي خلق الله الناس عليها. يقول(قده): (الإنسان الذي يحمل معرفة العقيدة إنسان خالد، لا يُنسى ولا يتضاءل، لأن العقيدة كشفت له أبعاد نفسه وأغوارها وطاقاتها وصلاتها، وتربط كيانه مع موجودات الكون). مشيراً إلى أن (الأمة الناهضة التي تريد أن تعيش بكرامة وسيادة وحرية، لا بد لها من الالتزام بالعقيدة التي تعصمها من الوقوع في مهاوي الضلال وقبضة الاستعباد، ولا بد لثقافتها من أن تكون مرتكزة على القرآن ليضيء لها سبل الحياة).
كان(قده) يرى أن الصراع أمر محتوم على الإنسان، سواء أكان صراع الإنسان مع نفسه أو مع قوى الشر والظلام، وأن لابد للإنسان أن يكتوي بلهيب هذا الصراع حتى يظهر معدنه، فإما أن يحترق بنار الصراع فلا يكون أكثر من وقود ابتداءً ومآلاً، وإما أن يكون حراً في دنياه ليكون سعيداً في أخراه، ولن يكون حراً في دنياه إلا إذا أدرك حقيقة إقرار النبي بما حكم به العقل، وإقرار العقل بما حكم به النبي. يقول(قده) :
(الإنسان لم يُخلق في هذا الكون للراحة، غداً سنموت ونخلد إلى الراحة الأبدية، أما اليوم فعمل، وعلينا أن نتغلب بوعينا وبمعرفتنا على كل الأشياء كي تنتصر فينا تجربة الروح المدفونة في هذا الجسد على المادة). من هنا فقد بذل(قده) جهداً كبيراً في تنمية قدرة المؤمنين على ضبط سلوكياتهم على (تقوى الله)، ونفع الإنسانية جمعاء، فـ((من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب)). وإن (خير الناس من نفع الناس).
اهتم(قده) بتاريخ الفكر البشري، وما حمله هذا الفكر من تساؤلات كبرى، ومحاولات عديدة (فاشلة وناجحة) للإجابة عن تلك التساؤلات، ومن خضم صراعات الفكر وتناقضاته، وأزمات الواقع وانحرافاته، رسم(قده) خط الخلاص، الذي يبدأ بتشخيص الأزمات ومواجهتها بحلول جذرية، مبيناً أولويات الحلول التي تبدأ من إعادة إنتاج الإنسان، وإصلاح بنائه الإيماني، وتقويم أفكاره والارتقاء بها، فلفت الأنظار في دروسه ومحاضراته إلى قضية الأخلاق التي هي جوهر الإسلام، والتي يقول عنها (صلى الله عليه وآله) :
(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، مبيناً ضرورة وضع آليات علمية لتحويل مكارم الأخلاق إلى تطبيقات عملية تتجلى في جوارح الإنسان وواقع المجتمع، لاسيما أن الأخلاق ليست فقط دينية، بل هي قناعات عقلية، وشكل من أشكال الوعي الإنساني الذي يحرك سلوك الأفراد والمجتمعات، وخاصة الجوانب المطلقة والثابتة فيها، كالعدل والحرية والمساواة، والتي هي قيم إنسانية عليا تمثل المرجعية الثقافية العامة للشعوب، والتي من الممكن أن تكون سنداً قانونياً تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين، من أجل بناء الإنسان الصالح وإنتاج الدولة العادلة، مشيراً(قده) إلى أنه وكما أن ثقافات الشعوب مستمدة من قيمها ووعيها الأخلاقي، فإن الدين هو المنبع الرئيس للأخلاق، وبالتالي فإن الدين أساس قيم الشعوب وثقافاتها.
وفي سياق إعادة إنتاج الإنسان، يرى(قده) أن الإنسان لن يكون صالحاً إلا بالعلم والحرية، فـ(عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد).
(لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً)، يقول(قده):
(وضع النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) حرية الفرد ورسالته في كفتي ميزان، ثم رجح كفة حرية الفرد إلى حيث تكون رسالته داخلة في مجال حرية الفرد فـ((لا إكراه في الدين))). وبين(قده) أن الأمة المهزومة هي (أمة فاتها التفكير، فاندفعت بلا هدف ولا اتجاه، حيث إنها رأت الأمم المتحررة تندفع، ولم ترها تفكر، فحسبت أن عليها أن تندفع فحسب).
مبيناً(قده) أن الإيمان والحراك الاجتماعي الحر الفاعل هما اللذان يوفران الفرصة للكفوئين من رجال ونساء لتقدم الصفوف والمشاركة بفاعلية في خدمة العباد وإعمار البلاد، حيث إن تصدر الكفوئين يرسخ ثقافة (إتقان العمل)، وهذا إنجاز إيماني وأخلاقي يتماهى مع قوله(صلى الله عليه وآله): (إذا عملت عملاً فأتقنه).
فضلاً عن أنه إنجاز تنموي وخدمي له أهمية كبرى.
على النقيض من ذلك، فإن المجتمعات التي تبتعد عن أحكام الله، ولا تسمح بالحراك الاجتماعي الحر، فإنها تفتح المجال لغير الكفوئين ليأخذوا مواقع عليا (لا يستحقونها) في مؤسسات الدولة والمجتمع، وهو ما ينتج واقعاً يعيق بناء الإنسان والدولة، فإن (أنصاف: الفقهاء أو المثقفين أو المتعلمين أو الرجال) يسعون إلى تهميش أهل الحكمة وأصحاب الكفاءات، فضلاً عن أنهم يشوهون قيم الإيمان والعدالة والفضيلة والمساواة، وهم بهذا المناخ يبررون بقاءهم وبقاء أمثالهم في مواقع مؤثرة في الدولة والمجتمع، وفي هذا خطر داهم، يقول الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله): (من استعمل رجلاً على عشرة، وفي تلك العشرة من هو أفضل منه، فقد خان الله، وخان رسوله، وخان المؤمنين).
إن مشكلة عموم المسلمين تكمن في إخفاء الأزمات ورفض الاعتراف بالواقع المرير، حتى أصبح التسويف هو سيد الموقف، والتجميد هو سيد القرارات، بذريعة أن الزمن يحل المشاكل من دون جهد يُبذل، أو أن عامل الوقت يتكفل بطيها في عالم النسيان. إن السبيل إلى إخراج المسلمين من أزماتهم الحالية يتوقف على إعادة قراءة التاريخ قراءة واقعية، بعيدة عن اليأس القاتل والتفاؤل الحالم، وإن من أولويات الإصلاح، الاطلاع على سير العظماء، وتأمل مواقفهم، وقراءة منهجياتهم في بناء ذواتهم والارتقاء بأنفسهم، وبهذا فإن حركة الإصلاح ستنطلق - كما ينبغي - من إنسان صالح، يمتلك علماً وافراً وخبرة واعدة، ويضيء طريقه بتجربة مباركة.
في أمان الله وحفظه.
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشهيد الشيرازي .. فكر إنسان وحياة
لم يبعده نبوغه الفقهي، ودراساته التاريخية، وتنقيباته التراثية، واهتمامه التوثيقي الحديثي الموسوعي عن ولوج فضاءات الفكر الإنساني المترامية الأطراف، فانطلقت رسالته من العقيدة، وتمحورت حول الإنسان، راسماً طريق الخلاص (الإيمان – الحرية – العلم – الأخلاق - الإتقان)، فحمل رسالته من أجل الإنسان والحياة، حتى مضى إلى الله شهيداً
يرى المفكر الشهيد السيد حسن الشيرازي أن ليس للإنسان تحقيق وجوده إلا من خلال العقيدة، فإن الرسالات السماوية التي أنزلها الله إنما جاءت لإحياء النفوس والعقول، وإن الإيمان بالله حقيقة جارية في طبائع الموجودات كلَّها بما فيها الجمادات، فما من مخلوق إلاَّ وقد اهتدى إلى الله ((ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)). وإن العقيدة بالله أهم المعارف الإنسانية عامة، وأعظم النعم بعد الوجود، وإن نكسة البشرية كانت ومازالت نتيجة تبنّيها ثقافات معادية للعقيدة ومنهجيات مخالفة للفطرة التي خلق الله الناس عليها. يقول(قده): (الإنسان الذي يحمل معرفة العقيدة إنسان خالد، لا يُنسى ولا يتضاءل، لأن العقيدة كشفت له أبعاد نفسه وأغوارها وطاقاتها وصلاتها، وتربط كيانه مع موجودات الكون). مشيراً إلى أن (الأمة الناهضة التي تريد أن تعيش بكرامة وسيادة وحرية، لا بد لها من الالتزام بالعقيدة التي تعصمها من الوقوع في مهاوي الضلال وقبضة الاستعباد، ولا بد لثقافتها من أن تكون مرتكزة على القرآن ليضيء لها سبل الحياة).
كان(قده) يرى أن الصراع أمر محتوم على الإنسان، سواء أكان صراع الإنسان مع نفسه أو مع قوى الشر والظلام، وأن لابد للإنسان أن يكتوي بلهيب هذا الصراع حتى يظهر معدنه، فإما أن يحترق بنار الصراع فلا يكون أكثر من وقود ابتداءً ومآلاً، وإما أن يكون حراً في دنياه ليكون سعيداً في أخراه، ولن يكون حراً في دنياه إلا إذا أدرك حقيقة إقرار النبي بما حكم به العقل، وإقرار العقل بما حكم به النبي. يقول(قده) :
(الإنسان لم يُخلق في هذا الكون للراحة، غداً سنموت ونخلد إلى الراحة الأبدية، أما اليوم فعمل، وعلينا أن نتغلب بوعينا وبمعرفتنا على كل الأشياء كي تنتصر فينا تجربة الروح المدفونة في هذا الجسد على المادة). من هنا فقد بذل(قده) جهداً كبيراً في تنمية قدرة المؤمنين على ضبط سلوكياتهم على (تقوى الله)، ونفع الإنسانية جمعاء، فـ((من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب)). وإن (خير الناس من نفع الناس).
اهتم(قده) بتاريخ الفكر البشري، وما حمله هذا الفكر من تساؤلات كبرى، ومحاولات عديدة (فاشلة وناجحة) للإجابة عن تلك التساؤلات، ومن خضم صراعات الفكر وتناقضاته، وأزمات الواقع وانحرافاته، رسم(قده) خط الخلاص، الذي يبدأ بتشخيص الأزمات ومواجهتها بحلول جذرية، مبيناً أولويات الحلول التي تبدأ من إعادة إنتاج الإنسان، وإصلاح بنائه الإيماني، وتقويم أفكاره والارتقاء بها، فلفت الأنظار في دروسه ومحاضراته إلى قضية الأخلاق التي هي جوهر الإسلام، والتي يقول عنها (صلى الله عليه وآله) :
(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، مبيناً ضرورة وضع آليات علمية لتحويل مكارم الأخلاق إلى تطبيقات عملية تتجلى في جوارح الإنسان وواقع المجتمع، لاسيما أن الأخلاق ليست فقط دينية، بل هي قناعات عقلية، وشكل من أشكال الوعي الإنساني الذي يحرك سلوك الأفراد والمجتمعات، وخاصة الجوانب المطلقة والثابتة فيها، كالعدل والحرية والمساواة، والتي هي قيم إنسانية عليا تمثل المرجعية الثقافية العامة للشعوب، والتي من الممكن أن تكون سنداً قانونياً تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين، من أجل بناء الإنسان الصالح وإنتاج الدولة العادلة، مشيراً(قده) إلى أنه وكما أن ثقافات الشعوب مستمدة من قيمها ووعيها الأخلاقي، فإن الدين هو المنبع الرئيس للأخلاق، وبالتالي فإن الدين أساس قيم الشعوب وثقافاتها.
وفي سياق إعادة إنتاج الإنسان، يرى(قده) أن الإنسان لن يكون صالحاً إلا بالعلم والحرية، فـ(عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد).
(لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً)، يقول(قده):
(وضع النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) حرية الفرد ورسالته في كفتي ميزان، ثم رجح كفة حرية الفرد إلى حيث تكون رسالته داخلة في مجال حرية الفرد فـ((لا إكراه في الدين))). وبين(قده) أن الأمة المهزومة هي (أمة فاتها التفكير، فاندفعت بلا هدف ولا اتجاه، حيث إنها رأت الأمم المتحررة تندفع، ولم ترها تفكر، فحسبت أن عليها أن تندفع فحسب).
مبيناً(قده) أن الإيمان والحراك الاجتماعي الحر الفاعل هما اللذان يوفران الفرصة للكفوئين من رجال ونساء لتقدم الصفوف والمشاركة بفاعلية في خدمة العباد وإعمار البلاد، حيث إن تصدر الكفوئين يرسخ ثقافة (إتقان العمل)، وهذا إنجاز إيماني وأخلاقي يتماهى مع قوله(صلى الله عليه وآله): (إذا عملت عملاً فأتقنه).
فضلاً عن أنه إنجاز تنموي وخدمي له أهمية كبرى.
على النقيض من ذلك، فإن المجتمعات التي تبتعد عن أحكام الله، ولا تسمح بالحراك الاجتماعي الحر، فإنها تفتح المجال لغير الكفوئين ليأخذوا مواقع عليا (لا يستحقونها) في مؤسسات الدولة والمجتمع، وهو ما ينتج واقعاً يعيق بناء الإنسان والدولة، فإن (أنصاف: الفقهاء أو المثقفين أو المتعلمين أو الرجال) يسعون إلى تهميش أهل الحكمة وأصحاب الكفاءات، فضلاً عن أنهم يشوهون قيم الإيمان والعدالة والفضيلة والمساواة، وهم بهذا المناخ يبررون بقاءهم وبقاء أمثالهم في مواقع مؤثرة في الدولة والمجتمع، وفي هذا خطر داهم، يقول الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله): (من استعمل رجلاً على عشرة، وفي تلك العشرة من هو أفضل منه، فقد خان الله، وخان رسوله، وخان المؤمنين).
إن مشكلة عموم المسلمين تكمن في إخفاء الأزمات ورفض الاعتراف بالواقع المرير، حتى أصبح التسويف هو سيد الموقف، والتجميد هو سيد القرارات، بذريعة أن الزمن يحل المشاكل من دون جهد يُبذل، أو أن عامل الوقت يتكفل بطيها في عالم النسيان. إن السبيل إلى إخراج المسلمين من أزماتهم الحالية يتوقف على إعادة قراءة التاريخ قراءة واقعية، بعيدة عن اليأس القاتل والتفاؤل الحالم، وإن من أولويات الإصلاح، الاطلاع على سير العظماء، وتأمل مواقفهم، وقراءة منهجياتهم في بناء ذواتهم والارتقاء بأنفسهم، وبهذا فإن حركة الإصلاح ستنطلق - كما ينبغي - من إنسان صالح، يمتلك علماً وافراً وخبرة واعدة، ويضيء طريقه بتجربة مباركة.
في أمان الله وحفظه.