فارس اللواء
09-05-2013, 10:10 PM
بقلم:سامح عسكر
صلاة التراويح بدعة أم سُنّة؟
تحت عنوان..(صلاة التراويح جماعة بدعة وليست سُنّة)..قرأت خبراً في جريدة البشاير المصرية، طرحت فيه الجريدة روايات في صحيح البخاري ينهى فيها الرسول عن صلاة التراويح في المسجد..وهذا خبر غريب على أسماعنا في مجتمعاتنا السنية والتي اعتادت على أداء صلاة التراويح كل عام دون إنكار، صلاة التراويح -كما هو معلوم -هي صلاة ليلية بعد عِشاء يوم رمضان، أي أنها صلاة موسمية، وقد اختلف الفقهاء في عدد ركعاتها ما بين العشر ركعات إلى الأربعين ركعة..ومن الفقهاء من قال باستحباب صلاتها في البيت ومنهم من قال باستحباب صلاتها في المسجد.
أشير قبل الخوض في هذه المسألة أنني متحفظ بالكلية عن الحديث في فضل الذكر أو صلاة النوافل والسنن...ففي تقديري أن أي صلاة هي خير، وأن الصلة بين العبد والرب تستلزم وجود روابط سواء من حيث الاعتقاد أو العمل.
ولكن ما جعلني أبحث في هذه القضية أنه وفي زماننا كثيراً ما نرى تشدداً في فضل صلاة التراويح، حتى حمل ذلك البعض إلى الاعتداد بها ضمن الواجبات الرمضانية والتي يؤثَم صاحبها بتركها، وإن كنت أَعِز هذا الشعور إلى الغلو السلفي الذي تمدد في المجتمعات العربية مؤخراً..حتى أنني أتذكر جيداً أن صلاة التراويح منذ 20 عاماً لم يكن يُصليها إلا عدد قليل جداً في قريتي، ولم تكن ذات أهمية كما هي عليه الآن، أما اليوم فبسم الله ما شاء الله زاد العدد حتى أنك إذا صليت العِشاء لا تجد من ينصرف من المسجد إلا القليل، والباقي يمكث لأداء التراويح..
هو سلوك في العموم يُحاكي الرغبة في الاستزادة من الفضائل والعبادات، وهي رغبة محمودة بلا شك..ولكنها لا تُصبح محمودة إذا استأسدت على الناس وأصبحت بمقام الواجب أو أقل قليلا...خاصةً إذا علمنا بأن صلاة التراويح هي من الصلوات التي تتطلب جُهداً عالياً وصبراً في المواظبة عليها...
سنبدأ البحث كالعادة باستعراض الروايات الدالة.
أولاً:الروايات في صحيح البخاري:
1-حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان.انتهى
2- حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها..قال أبو عبد الله تابعه يونس .انتهى
ثانياً:الروايات في صحيح مسلم
1- حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس يتحدثون بذلك فاجتمع أكثر منهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق رجال منهم يقولون الصلاة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر فلما قضى الفجر أقبل على الناس ثم تشهد فقال أما بعد فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها.انتهى
2-حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم قال وذلك في رمضان.انتهى
الملاحظات:
1- الرسول صلى في المسجد المجاور لحُجرات زوجاته في جوف الليل، بدليل أن السيدة عائشة-رضي الله عنها-هي التي تحكي ثم تقول وهي تصف فعل النبي.." خَرَج"..أي خَرج من الحُجرات.
2- النبي صلى صلاته في رمضان ، وهذا يعني أن هذه القصة كانت في السنة الثانية من الهجرة أو ما بعدها.
3-عندما شعر الرسول بالناس لم يُكمل صلاته وخرج ثم دخل بيته، وهذا يعني أن الرسول لا يريد أن يصلي أحد هذه الصلاة.
4-يُفترض وبناءً على هذا الفِعل يكون كبار الصحابة على علمٍ بصلاة التراويح، فقد ذاع الأمر بين الناس وانتشر خبر هذه الصلاة التي لم يكن يُصلّها أحد بعد.
ثالثاً:رواية مُخالفة في صحيح البخاري
-عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله.
ملاحظات
1-الحديث هذه المرة عن عروة عن عبدالرحمن...وكأن عروة هو الوحيد الذي كان يعلم بأمر صلاة التراويح!
2-يظهر من الحديث أن اجتماع الناس على إمامٍ واحد في التراويح لم يحدث إلا في عهد عمر، وإلا لو كان الرسول لأمر به أو استأذنه عمر.
3-يظهر أيضاً من الحديث أن عمر لم يؤدي التراويح من قبل ، فالحكاية عنه تعني عدم اشتراكه في الفِعل، وإلا لو فعل لذَكر الراوي ذلك، أو أن يُشير عمر إلى سبقه للفعل...فعمر كان الخليفة وكان في مقدوره أن يأمرهم بالإمام الواحد فور تقلده للخلافة.
4-وكذا فقد كان عمر هو الخليفة أي هو الإمام المُفترض أن يؤم الناس في كل صلاة، وتكليف الناس لأبي بن كعب يعني أن زمان الرواية لم يكن فيه الخليفة هو إمام الناس في المسجد...مما يقوّي الرأي بأن الرواية موضوعة عن عُمر.
5-على افتراض صحة الرواية فهي تعني أن صلاة التراويح صلاها المسلمون منذ عهد عمر ولم يصليها أحد في زمان الرسول وفترة أبي بكر الصديق...والسُنة هي سُنة الرسول وليست سُنّة الصحابي.
رابعاً: راوي الحديث
الحديث مداره على راوٍ واحد فقط وهو ابن شهاب الزهري وهو من نقل كافة أخبار صلاة التراويح في كافة كُتب الصحاح والمسانيد والسُنن، وهذا أمر غريب أن يصدر من فقهائنا بأن يسنوا صلاةً عن النبي بمجرد نقلها من راوٍ واحد، فلو نقلوها عن اثنان أو ثلاثة لقلنا أن في ذلك شك بأن الصحابة لم يروا فعل الرسول، ولم ينقلوا عنه في رمضان ما سنّه لأصحابه أو لنفسه..
كان الزهري أول من دون الحديث ..وكان غزير الرواية، وعلماء الحديث يكنون لهذا الرجل تقديراً مبالغ فيها، حتى أنهم يصفونه بأنه .."أبو الحديث"..وعلى فرض أنه أبو الحديث فهل كان معصوماً لا يُخطئ؟..ففي ترجمة الرجل شعرت أن له ثقةً عمياء تصل إلى حد التنزيه..
ومع ذلك فابن شهاب مذكور في مرتبة المدلسين والمُرسلِين..(جامع التحصيل في أحكام المراسيل-الحافظ العلائي)..ولم يذكر أحد ما قاله العلائي أو تعرض له بالشرح والرد.
ليس هذا فحسب ...فقد وصفه الشافعي والدراقطني بالتدليس..(طبقات المدلسين –ابن حجر)..
في النهاية راوي الحديث مُدلّس...والتدليس قرين الكذب.
وعلى فرض أنه ثقة ثبت فهل يجوز أن أنقل سنة الرسول من راوٍ واحد دون شاهد أو متابعة واحدة؟..قد يجوز ذلك في القول أو العمل الغير مشهور، أما الصلاة في المسجد فهي أشهر عمل فعله الرسول في حياته، وعليه فنقل أخبار الصلوات عنه –وخاصةً في المسجد-يقتضي التعدد لا الإفراد.
صلاة التراويح بدعة أم سُنّة؟
تحت عنوان..(صلاة التراويح جماعة بدعة وليست سُنّة)..قرأت خبراً في جريدة البشاير المصرية، طرحت فيه الجريدة روايات في صحيح البخاري ينهى فيها الرسول عن صلاة التراويح في المسجد..وهذا خبر غريب على أسماعنا في مجتمعاتنا السنية والتي اعتادت على أداء صلاة التراويح كل عام دون إنكار، صلاة التراويح -كما هو معلوم -هي صلاة ليلية بعد عِشاء يوم رمضان، أي أنها صلاة موسمية، وقد اختلف الفقهاء في عدد ركعاتها ما بين العشر ركعات إلى الأربعين ركعة..ومن الفقهاء من قال باستحباب صلاتها في البيت ومنهم من قال باستحباب صلاتها في المسجد.
أشير قبل الخوض في هذه المسألة أنني متحفظ بالكلية عن الحديث في فضل الذكر أو صلاة النوافل والسنن...ففي تقديري أن أي صلاة هي خير، وأن الصلة بين العبد والرب تستلزم وجود روابط سواء من حيث الاعتقاد أو العمل.
ولكن ما جعلني أبحث في هذه القضية أنه وفي زماننا كثيراً ما نرى تشدداً في فضل صلاة التراويح، حتى حمل ذلك البعض إلى الاعتداد بها ضمن الواجبات الرمضانية والتي يؤثَم صاحبها بتركها، وإن كنت أَعِز هذا الشعور إلى الغلو السلفي الذي تمدد في المجتمعات العربية مؤخراً..حتى أنني أتذكر جيداً أن صلاة التراويح منذ 20 عاماً لم يكن يُصليها إلا عدد قليل جداً في قريتي، ولم تكن ذات أهمية كما هي عليه الآن، أما اليوم فبسم الله ما شاء الله زاد العدد حتى أنك إذا صليت العِشاء لا تجد من ينصرف من المسجد إلا القليل، والباقي يمكث لأداء التراويح..
هو سلوك في العموم يُحاكي الرغبة في الاستزادة من الفضائل والعبادات، وهي رغبة محمودة بلا شك..ولكنها لا تُصبح محمودة إذا استأسدت على الناس وأصبحت بمقام الواجب أو أقل قليلا...خاصةً إذا علمنا بأن صلاة التراويح هي من الصلوات التي تتطلب جُهداً عالياً وصبراً في المواظبة عليها...
سنبدأ البحث كالعادة باستعراض الروايات الدالة.
أولاً:الروايات في صحيح البخاري:
1-حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان.انتهى
2- حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها..قال أبو عبد الله تابعه يونس .انتهى
ثانياً:الروايات في صحيح مسلم
1- حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس يتحدثون بذلك فاجتمع أكثر منهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق رجال منهم يقولون الصلاة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر فلما قضى الفجر أقبل على الناس ثم تشهد فقال أما بعد فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها.انتهى
2-حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم قال وذلك في رمضان.انتهى
الملاحظات:
1- الرسول صلى في المسجد المجاور لحُجرات زوجاته في جوف الليل، بدليل أن السيدة عائشة-رضي الله عنها-هي التي تحكي ثم تقول وهي تصف فعل النبي.." خَرَج"..أي خَرج من الحُجرات.
2- النبي صلى صلاته في رمضان ، وهذا يعني أن هذه القصة كانت في السنة الثانية من الهجرة أو ما بعدها.
3-عندما شعر الرسول بالناس لم يُكمل صلاته وخرج ثم دخل بيته، وهذا يعني أن الرسول لا يريد أن يصلي أحد هذه الصلاة.
4-يُفترض وبناءً على هذا الفِعل يكون كبار الصحابة على علمٍ بصلاة التراويح، فقد ذاع الأمر بين الناس وانتشر خبر هذه الصلاة التي لم يكن يُصلّها أحد بعد.
ثالثاً:رواية مُخالفة في صحيح البخاري
-عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله.
ملاحظات
1-الحديث هذه المرة عن عروة عن عبدالرحمن...وكأن عروة هو الوحيد الذي كان يعلم بأمر صلاة التراويح!
2-يظهر من الحديث أن اجتماع الناس على إمامٍ واحد في التراويح لم يحدث إلا في عهد عمر، وإلا لو كان الرسول لأمر به أو استأذنه عمر.
3-يظهر أيضاً من الحديث أن عمر لم يؤدي التراويح من قبل ، فالحكاية عنه تعني عدم اشتراكه في الفِعل، وإلا لو فعل لذَكر الراوي ذلك، أو أن يُشير عمر إلى سبقه للفعل...فعمر كان الخليفة وكان في مقدوره أن يأمرهم بالإمام الواحد فور تقلده للخلافة.
4-وكذا فقد كان عمر هو الخليفة أي هو الإمام المُفترض أن يؤم الناس في كل صلاة، وتكليف الناس لأبي بن كعب يعني أن زمان الرواية لم يكن فيه الخليفة هو إمام الناس في المسجد...مما يقوّي الرأي بأن الرواية موضوعة عن عُمر.
5-على افتراض صحة الرواية فهي تعني أن صلاة التراويح صلاها المسلمون منذ عهد عمر ولم يصليها أحد في زمان الرسول وفترة أبي بكر الصديق...والسُنة هي سُنة الرسول وليست سُنّة الصحابي.
رابعاً: راوي الحديث
الحديث مداره على راوٍ واحد فقط وهو ابن شهاب الزهري وهو من نقل كافة أخبار صلاة التراويح في كافة كُتب الصحاح والمسانيد والسُنن، وهذا أمر غريب أن يصدر من فقهائنا بأن يسنوا صلاةً عن النبي بمجرد نقلها من راوٍ واحد، فلو نقلوها عن اثنان أو ثلاثة لقلنا أن في ذلك شك بأن الصحابة لم يروا فعل الرسول، ولم ينقلوا عنه في رمضان ما سنّه لأصحابه أو لنفسه..
كان الزهري أول من دون الحديث ..وكان غزير الرواية، وعلماء الحديث يكنون لهذا الرجل تقديراً مبالغ فيها، حتى أنهم يصفونه بأنه .."أبو الحديث"..وعلى فرض أنه أبو الحديث فهل كان معصوماً لا يُخطئ؟..ففي ترجمة الرجل شعرت أن له ثقةً عمياء تصل إلى حد التنزيه..
ومع ذلك فابن شهاب مذكور في مرتبة المدلسين والمُرسلِين..(جامع التحصيل في أحكام المراسيل-الحافظ العلائي)..ولم يذكر أحد ما قاله العلائي أو تعرض له بالشرح والرد.
ليس هذا فحسب ...فقد وصفه الشافعي والدراقطني بالتدليس..(طبقات المدلسين –ابن حجر)..
في النهاية راوي الحديث مُدلّس...والتدليس قرين الكذب.
وعلى فرض أنه ثقة ثبت فهل يجوز أن أنقل سنة الرسول من راوٍ واحد دون شاهد أو متابعة واحدة؟..قد يجوز ذلك في القول أو العمل الغير مشهور، أما الصلاة في المسجد فهي أشهر عمل فعله الرسول في حياته، وعليه فنقل أخبار الصلوات عنه –وخاصةً في المسجد-يقتضي التعدد لا الإفراد.