المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مرجعيــة السيستانــي


عبدالله الجزائري
15-05-2013, 11:21 PM
السيد هاني فحص

مرجعيــة السيستانــي
لا يشكو المرجع الديني الإسلامي الشيعي في النجف السيد علي السيستاني، من قلة إنصاف أو منصفين ومقدرين لحكمته وتوجهاته وتوجيهاته الوازنة، في المفصل العراقي الصعب وما تبعه من تداعيات واستحقاقات، وهناك قلة من أهل الثورية الشكلانية والفارغة أو من أهل العصبية المقيتة والنابذة والمنبوذة... لا تنصفه، بل، ربما كانت تكره صوابه الواضح أكثر من خطئه المفترض ولو جدلاً أو من بعض مواقفه التي لا تروق لأهل الشعارات والتسرعات . هناك اذاً مواقف سلبية مضمرة ومعلنة من السيد وموقعه وأدائه هي بقايا من الماضي القريب، الماضي الصدامي، وحتى لو استعادها بعض الإسلاميين الحزبيين في العراق وغيره، فإنها تبقى طرازاً مسجلا على ذمة اليسار الطفولي العربي... وان كان الإسلاميون يدهنونها بدهان من مستودعات الطفولية الإسلامية، فإنهم كمن يذكي ويطهر جلد الميتة بالدباغ أو قراءة البسملة .
والمهم هو أن يستمر ويتنامى هذا الاتصاف وأن يتحول الى منهج وسلوك مرجعي ديني وحوزوي ثابت ومتطور، يضع الدين في موقعه الإرشادي القيمي الفاعل بعيداً عن السياسة، بمعنى الاحتراف اليومي والكيدي والذرائعي، قريباً من السياسة بمعناه الريادي والتدبيري الوطني والإنساني .
ولا يختلف المنصفون، على اعتبار السيد السيستاني مصلحاً من نوع خاص، لا في كتاب مكتوب، بل في كتاب مفتوح، ولعل أهم علامات خصوصيته هي انه لا يحمل مشروعاً خاصاً ولا فئوياً، بل هو جزء من سياق الحوزة وتاريخها الفكري والسلوكي والسياسي المركب، الذي تجد فيه ما لا يعجبك إن شئت، لكنك لا بد أن تقر له بسلامة خطه العام وخياراته ... ويرى السيستاني مشروعه في الناس وبالناس ومن أجل الناس، الذين هم أصحاب حقوق تماماً كما هم مكلفون بتكاليف شرعية، وان الإصغاء الى حقوقهم يشجعهم على الالتزام بتكاليفهم تجاه الدين والدولة، ومن دون تعريض الدين والدولة للتعارض أو التناقض مع احترام الاختلاف... وهو السيستاني يرى الوطن كله والمواطنين كلهم ويرى كلاً منهم شرطاً للآخر والآخرين، ويدعو الى الاندماج من دون مجاملات خادعة، أي انه لا يتنصل من تشيعه أو شيعيته أو من إسلامه كي يحرز قبولا لدى السني أو لدى المسيحي... إنه يقدم نفسه كما هو .
لكن... ومن أجل أن يتحول هذا المسلك الإصلاحي الى نهج يتعدى صاحبه ويستمر في التاريخ، لا بد من مأسسته، أي تحويله الى مؤسسة تحفظه وتنميه وتراكم فيه إنجازات متوالية، حتى لا يتعرض للاستهلاك والمصادرة لاحقاً أو التشويه... أو يتحول الى غطاء أو ذريعة لأمزجة وأطروحات سياسية متناقضة لكنها تدعي وصلا به، أو تدعي أنها تتحدر منه وتمثله. وهذا ما لاحظنا مؤشرات عليه في سلوك القوى السياسية المختلفة في لحظات أزماتها ومحاولتها وضع نفسها تحت مظلة السيد من دون أن تكون فعلاً كذلك .
وهذا يذكرنا بالمصلح الكبير، الذي لم تعتره أوهام ايديولوجية، بل كان تجريبياً محكوماً بثقافة ورؤية وأهداف نبيلة وحيوية شخصية أو تعددية في صداقاته وعلاقاته ومستشاريه وتلامذته ومريديه، أعني السيد جمال الدين الأفغاني، الذي تحول سياقه بعده الى سياقات متعددة، من حزب الوفد، الى حركة عرابي، الى الحزب الوطني... في مصر مثلاً، وهي قد أنجزت ما أنجزت من دون أن تكون إنجازاتها تراكمات نوعية ولا كمية في تراث السيد بل خارجه وعلى حسابه أحياناً .
وقد يعترض معترض بأن السيد (كما نعلم يقيناً) قد بدأ حياته المرجعية بالمؤسسات التي تعددت كثيرا، وأنجزت وتنجز كثيراً، وفي كثير من الأقطار والمجالات، هذا صحيح، لكن المؤسسة التي نتكلم عنها تختلف، وهي المؤسسة التي تؤسسها نفسها على منهج الفكر العام والسياسي والإرشادي الجامع للسيد، من دون أن يكون السيد رئيسها أو ممولها... بل هي التي تختار مرجعيته الآن... وغداً، وتبحث دائماً عن مرجعية تشبهه. هذه المؤسسة ذات طابع سياسي فكري، تتأسس على النهج لا الشخص، وتتسع لتضم أمزجة متعددة قد يكون فيها غير المسلم أو غير الشيعي أو غير المطبق لكل الأحكام الدينية من دون كفر. مؤسسة تحول في العمق منهج السيد في التمييز بين الدين والدولة الى مسلك دائم يعزز الدين والدولة معاً .