المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصص قصيرة بقلمي


محمد مشعل
22-05-2013, 09:25 AM
قصص قصيرة بقلمي

ضجيج ودخــان
(ق.ق.ج)

إماطة الأذى عن الطريق سنة محمودة أحرص على مداومتها وأحث عليها قولا وفعلا فاليوم وحينما قصدت عملي صباحا وجدت بعض أعواد متناثرة في وسط الطريق جمعتها فركمتها فوق بعضها حطبا أزلت بذلك عثرتها تمهيدا لحرقها حتى لا يبقى منها شيء يُعاد إلى حيث كان.
في جيبي زناد ورثته عن عمي الذي رباني في بيت أبي، كان زنادا رائعا لونه الفضي يزداد بريقا كلما مر عليه الزمان، فتيلته الغضة البيضاء المنقوعة بالنفط تعلو منها لهبة النار المزقة.
لقد حان الوقت لحرق تلك الأعواد..
مددت يدي فتراءى لي عضن أخضر اقتطعه أحدهم من زيتونة خضراء ، لم أنتبه لوجوده بين الأعواد، خلته ينظر إليّ وكأنه يرغب في قول شئ ما، أشعر أنه يرغب بالصراخ، يحاصرني صوته يضج في مسامعي، مددت يدي واستللته من بين الأعواد.
"حتى وإن كنت ترى أنك مازلت فتيا، ولكنك ستصبح بعد حين خشبة يابسة فلم تعد متصلا بفرعك الندي ولا أراك إلا تسبب الضرر لو بقيت على ما أنت عليه الآن"، ثم اعدته حيث كان.
أشحتُ بوجهي عنه واقتدحت زنادي فلحظته يتلوى بين الأعواد وله دمع يتعصر بالتواء قوامه الغض.
دنت النار منه أكثر فشاهدت نزف دم أبيض يتقاطر من أطرافه وهو يحتضر بين بقية الأعواد.
وضعت زنادي في جيبي وسرت حيث وجهتي ، ومن ورائي رائحة دخان تملأ المكان وصوت خافت يصل مسامعي من عود أخضر يقول لي إنها نهاية الضجيج.



خرنوب
(ق.ق.ج)

يعزق كتف الساقية بمنجله؛ يزيل بعض الأدغال التي زاحمت شتلات الباذنجان وقد أزهر حملها..
التفت الى الجهة الأخرى فشاهد نبتة شوك تدلت أطرافها بثمارها ، اقتطفهن جميها وحملهن الى زوجته التي فرحت بهن كثيرا.
وضعتهن في أبريق شاي ، لما غلى ما فيه سكبته في كوبين لها ولزوجها..
"أتمنى أن تكون وصفة ناحجة ونُرزق بطفل " قالها وهو يتجرع طعم مايلقي في جوفه.
تبسمت وفي يدها قدحها " لقد قال لنا إنها مجربة ".
في المساء لم تكن أنوار المنزل مضاءة!
في الصباح سلموا للجار شهادة الوفاة.


تحتضرك روحي
(ق.ق.ج)

يعتلي صهوة السفينة يمخر بها والصحب عباب البحر.
كان قد استل من جديلتها شعرة خبأها في محفظته ؛ حين يجذبه الحنين لها يستخرجها يلثمها ويعيدها حيث كانت.
هي تقف إلى جنب النافذة تمشط شعرها في الشمس والهواء، تطير منه بعض الخصلات ، تسقط في موقدٍ للفحم ، يمتلئ الجو برائحة خانقة ، ويسقط في الجوار صرعى النظرات على وجوههم..
تزفها الضحكات نحو الباب ومن خلفه تأتي طرقات هادئة ؛ جندي يحمل بيده علماً ومحفظة نقود خضراء موشحة بخيط أخضر ؛ هذه لك سيدتي!
لم تجد فيها سوى خصلة شعر لفت بقطعة قماش بيضاء كدرها بعض السخام؛ اخترقتها رصاصة.


أمي مجرمة
(ق.ق.ج)

أحست بوجودي في ساعة متأخرة من الليل، كحقيقة شاخصة للعيان، كان شبه الحلم بالنسبة لها حين لكزتُ خاصرتها؛ لقد أصبحتُ حقيقة لا مفر منها.
لم تكن مسرورة بوجودي؛ تأزم وضعها النفسي، فكرت بالخلاص مني! ولكن كيف؟ سألت نفسها مرارا ، كل الحلول لبقائنا معا ستفضي بالفضيحة.
"لست عملا قبيحا فلماذا تريدين الخلاص مني" ؟ لم تجبني.
طال الليل بنا معا على الفراش نفسه -في غرفتنا- الشاهد على بداية تكويني.
حين توسط النهار..
تأبطت حقيبتها وفيها بعض النقود دفعتها للطبيبة التي قتلتني.


السدرة
(ق.ق.ج)


الأبواب الموصدة لا تستجيب لطرقاتهم؛ يمنون النفس بجني ثمر دراستهم، دحرجهم الضياع من شارع لآخر، ختلوا خلف ثلاثينيات مضت من أعمارهم متداركين ما تبقى منها بثياب فضفاضة.
حياتهم كدروبهم متصحرة، يقتاتون على فاضل غيرهم، ويعملون بقوت يومهم، ومن ورائهم وطن يبحث عنهم.

انزاح بهم المسير حتى وقفوا تحت شجرة (سدر) كبيرة وارفة الظلال توسطت ساحة عامة ، تناثرت حولها بعض حباتها والحجارة جمعوها وفكروا بالمزيد منها ، فتلقفوا بعض الحجارة كصبية صغار وصاروا يقذفونها وهي تغدق عليهم بثمر السدر اللذيذ.
حل المساء وقد تحلقوا حول بعضهم قال كبيرهم "سنتخذها وطنا لنا"، وقال الآخر "ستكون مقرنا الدائم ننطلق منه لعملنا"، وقال آخر "سنرسم عليها أفكارنا"
استمر حديثهم وتمدد معهم حتى سادهم الصمت وداهمهم النعاس ، ناموا على الأرض ، ونامت أحلامهم معهم.
في الصباح فزعوا على صراخ بعضهم ؛ أدمتهم حجارة مبعثرة تناثرت فوق رؤوسهم حين هبت العاصفة.



الشبح
(ق.ق.ج)


التقيا بعد الفراق في مكانهما المفضل ،حيث العتمة والضوء الخافت كوخ يتنفس دخان كراهية تنفثها أنفوهم مع الزفرات .
كلاهما يزعم أنه المنتصر يتفاخران بذبح النور على أعتاب الفجر ومصافحة الشيطان بلا أجر ، يحدق كل في وجه الاخر؛ كلانا قبيحان قال الأول ، رد عليه الثاني ولكني أبدو أكثر قبحا منك..
- كيف وكلانا يغتال الفضيلة ويفتض بكارة الصدق ؟
- أنا أقبح منك لأني كنت أنسج خيوط الشمس قلائد، وأنثر عبق الورد في الحقول ، وأسقي البراءة للطفولة وأعلمها معنى الحب، استبدلت الدقيق الأبيض بالرخيص الأسود..
- تستحق الأفضل فعلا، أما أنا فكنت أمثل دور البلبل ولما فشلت دخلت أمتحان الغراب ونجحت.
لما حل الفجر نهض الإثنان احتضنا بعضهما ، خرجا من كوخهما دخلا شق الأرض، شبحان أسودان.


قبلة حارقة
(ق.ق.ج)

الواحدة بعد الظهر .. طريق القرية يمر قرب النهر خالياً ، سواي أنا وظلي ، تناصف الطريق بي ، كم كنتُ أرغبُ في صحبة تُشاركني دربي ، أو سيارة مارقة تقلني إلى حيثُ منزلي، اقتربتْ نحوي فتصببَ العرق من جبهتي ولم تعد قدماي تقويان على حملي ، أشاحتْ بسترتي ، بان لها نحري ، أرخت محزمي وألبستني شفتيها وتهادت في الطريق نحو المغيب ، مع إطلالة الربيع الجديد بان في وجهي أثر للسمرة من تلك القبلات الحارقة ..




عطر الشاي
(ق.ق.ج)

رغيفان من الخبز وثلاثُ قطعٍ من الجبن، وكوبان ، وأبريق شاي ساخن على مائدة إفطارها ، تداعبها خيوط الشمس في أول الصباح حين أماطت اللثام عن وجه النافذة لتطل بمن حولها على مطبخها الصغير ، سكبت الشاي في كوبين..!
وضعتْ أمام كرسيه واحداً ، ورغيفاً عليه قطعتان من الجبن ..!
جلستْ على كرسيها تنظر الى مكانه وبيدها كسرة خبز صغيرة تقضم طرفها ، يبتلُ ماتبقى منها بدمعة حارقة ، تلعثمت في فمها ؛ فطعمها والدمع مالحان ، ومرارة الشاي ؛ نسيت ان تضع فيه حبات السكر...
نظرتْ في ساعتها تتأهب للخروج ، أطلتْ بوجه مرآتها الصغيرة نظرة خاطفة تتفقد بقية الحزن في عينيها ، حملتْ حقيبتها وماتبقى لها من أمل شدتْ به رحلها ،وساقتْ به خطواتها نحو شارع المدينة يوصلها حيثُ تزهر من تحت أناملها الأنامل..
هبَ النسيم يُداعب أذيالها ليعبق الطريق بعطر عباءتها وفيها عطر تبقى من شفاه لثمت كوب الشاي الذي لم يشرب بعد..



الهدف
بين عينيه مرمى لطائرين جميلين يصوب بندقيته نحوهما...
يمعن النظر من خلال المنظار ؛ سأقتنص الذي على اليمين ...
لالا..الذي على اليسار يبدو أسمن ...
أحكم التسديد والتصويب ، أخذ نفسا عميقا ...
ضغط على الزناد ؛ طارت الطيور...

صوت الرصاص
(ق.ق.ج)
في ساعة السحر...
صوتُ الرصاصِ يقضُ مضاجعَ الرجال ..
النساءُ تبقى في البيوتِ تطمئنُ الأطفال ، الرجالُ صوبَ صوت الرصاص يهرعون ...
يتراصون صفاً كساترٍ يحمونَ بأجسادهم العارية ساترَ الترابِ الذي تشيدهُ السواعدُ خلفَ ظهورهم ...
يُستَبدلُ صوت الرصاصِ بالأهازيج التي تشحذُ الهمم ...
يعودون إلى ديارهم يحفلون بالنصر ، النساءُ والشمسُ يزغردان ...

لقد حمى الله قريتهم من الفيضان...



الطريدة
(ق.ق.ج)
في ظهيرة يوم قائظ تلاحق مجموعة من رجال الحزب الحاكم المجرم أحد الفارين من نار القهر والذل تعدو خلفه ، تطلق الرصاص عليه ، قد أعياه التعب ، يبتعدُ عنهم فيتقاطرون خلفه واحداً تلو الآخر ، يلاحقونه من أطراف المدينة حتى مشارف القرية ...
باب من أبوابها كان مفتوحا يقف أمامه شيخ كبير يناديه الشاب : يا حاج أدركني ويدخل باب داره ، فينقض خلفه من تلك الزمرة أسرعهم وصولا ويدخل بيت الشيخ عنوة ...
يمسك الشيخ بطريدته يوثقه ويكمم فاه ويلف رأسه بيشماغه ...
ينادي أمسكت الهارب حتى أن وصل بقيتهم يركلون الطريدة ، يشتمونه ،ويتباشرون فرحا فيرفعون عن رأسه اللثام ..
صعقوا لما شاهدوا ان الرجل العجوز
أطلق طريدتهم وأمسك بصاحبهم ...


غيمة قاتمة
تحب قراءة القصص العاطفية وتحلم بفارس يُردفها خلفهُ ينطلق بها فوق السحاب ..
تنتظره عند كل سطر ، وفي رواية جديدة تقرؤها ؛ حتى هوى في قلبها ما قد هوى ..
تعشَّق الحبُ في قلبها فزاد شغفا بها..
و في ليل بهيم إشتعلتْ مواقد الهوى بنار العشق فطفقا يطفئان لهيب حبهما فأذنت لعشيقها أن يسبح في ماء قدسها و يغوصَ في الأعماق كي يسقي عطشها الطويل ويطفئَ الحريق ..
ليلة تبادلا فيها الحب حتى دنا فجر يوم جديد ..نامتْ وهي تحلم به زوجا لها...
حين إستفاقتْ من نومها بحثت عنه في كل إتجاه .. في كل مكان ..فكأنه كان طيفا سكن وجدانها سويعات ثم رحل ،ولم يبقَ له أي أثر ..
توشح الحزن أرجاءَها وهي تنوء بحِملها..فكانت الثمرة..
غريبة داهمتْ عالم الخديعة من أحضان نزوة عابرة ...
مازالت الأم تقرأ لها نفس القصص وعند كل سطر جديد يبل قطرها الصفحات...
تحكي لها والشجو يسجر في قلبها نارا لن تبرد أبدا..
تبكي و تزعم أن أباها في سفر طويل ..


عسل
يتناول العسل صباحا كل يوم ؛ هذه هي وصفة طبيبه..
ذات مرة نسى ان يشتري العسل فعاد الى منزلهِ دون شئ
جلسَ كعادتهِ في الصباح ولكنه لم يجد العسل...
عاد الى هاتفه المحمول
فقال لها:
لقد اوصاني الطبيب بك كل صباح....

في الروحْ تَسكنْ
22-05-2013, 09:57 AM
وهنا يكتمل الألق .. بحروف من وجع وألم وحنين .. وأشجانُ لاتعدّ ولاتحصى .. لنقرأ كل حرف بعين قلب .. لا بقلب عين .. مُبادرة رائعة وموفقة منك أيها النقي ..

سَأكون هُنا دائماً ..
لأتعلم منك .. كيف ينطق الحرف ..
بقصصٍ ذات حياة .. !

محمد مشعل
22-05-2013, 01:17 PM
شكرا لكم مشرفتنا العزيزة ( في الروح تسكن) وجزاك الله خيرا على تواصك ومرورك العابق بالورد والريحان ..احترامي ومودتي دائما