أحلى بحراني
29-05-2013, 09:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
http://c.shia4up.net/uploads/12893814951.jpg (http://c.shia4up.net/)
الإمام المهدي عليه السلام في أحاديث رسول الله (ص) بطرق أهل السنة
مقدمة: الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عليه السلام):
يخطئ من يتصور بأن قضيّة الإمام المهدي (عج) والاعتقاد به قضية شيعية فقط، أو حتى قضية إسلامية فقط، كلاّ! فهي ضرورة عالمية بشّرت بها الأديان كلّها، وهذا أمرٌ لا يحتاج لأن نقيم عليه الدليل.
ورسوخ هذه الفكرة تابع من أن المهدي (عج) سيكون المستثمر لجهود الأنبياء جميعاً حيث يكون الدين كلّه لله في زمانه، فيحقّ لكل دين أن يبشّر أتباعه بذلك (اليوم الموعود) الذي يشكّل هو إحدى حلقاته.
والملاحظ أن الأديان الأخرى لم تصرّح باسم المنتظر، وإنما أشارت إليه، حتى إذا بلغ الدور للرسالة الخاتمة، أعلم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأحاديث ونصوص لا تقبل الشك والريب عنه، وصرّح باسمه وكنيته، وأنه من أهل البيت من ذرّية علي وفاطمة (عليه السلام)، وأنه الثاني عشر من خلفائه الكرام كما سيأتي فيما يلي.
أما على الصعيد الإسلامي فالمتتبع لما ورد من أحاديث نبوية شريفة حول المهدي (عج) في كتب الصحاح والمساند وطرق كبار الأئمة من جميع الفرق المعتدلة والمستقري لما ألّف حول هذه القضيّة، بل والناظر إلى تاريخ الأمة الإسلامية بدقة، يخرج بنتيجة مهمة، هي أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر ما هو إلاّ ضرورة إسلامية قد تلقاها المسلمون من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليست نابعة من وضع اجتماعي أو سياسي معيّن لطائفة إسلامية معينة، فهي على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الاثني عشر فرداً فرداً، تماماً كما هي على لسان الصحابة الأجلّة والتابعين والأئمة والحفاظ.
ولا يضرّ قضية المهدي (عج) وضرورتها أن يحاول بعض الناس تطبيقها على أنفسهم، أو الانحراف بها عن واقعها تماماً، كما لا يضرّ النبوّات أن يدّعيها مدّع كذّاب، إذن فلا يعتبر هذا محلاً للنقض في قضيّة الإمام المهدي (عج)، كما نجد ذلك عند بعض الكتّاب السطحيين اليوم.
المهدي (عج) عند أهل البيت عليهم السلام:
ولا نجد أننا بحاجة لأن نقيم الدليل على أن كل الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) قد بشروا بالمهدي الثاني عشر منهم، وركّزوا عليه، وجعلوا الاعتقاد به مسبقاً من علائم الإيمان، ومن أراد الوقوف على ذلك فليراجع كتب الأحاديث الواردة عنهم (عليهم السلام) وهي تؤكّد كلّها على ذلك.
وأهل البيت (عليهم السلام) عندما يؤكّدون على ذلك فلا يعني أن ذلك مجرّد رأي شخصي، وإنما يعني أنهم يؤكّدون قضية إسلامية أصلية، وذلك لأن أقوالهم ليست إلاّ أقوالاً للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أكدوا هم على ذلك.
ويتوضح ذلك أكثر عندما نأخذ بعين الاعتبار كل الأدلة التي تثبت إمامتهم (عليهم السلام). وأنهم لا يقولون إلاّ الحق.
المهدي (عج) في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بطرق أهل السنّة:
وفي هذا المجال بحوث مفصّلة، لكننا نختصرها مستعرضين الخطوط العامة لها ضمن نقاط:
أ - الصحابة الذين رووا عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث المهدي، وهم كثيرون منهم:
1 - الإمام علي (عليه السلام).
2 - الإمام الحسين بن علي (عليه السلام).
3 - عثمان بن عفان.
4 - اُم سلمة.
5 - طلحة بن عبد الله.
6 - اُم حبيبة.
7 - عبد الله بن عباس.
8 - عبد الله بن مسعود.
9 - عبد الله بن عمر.
10 - أبو سعيد الخدري.
11 - أبو هريرة.
12 - جابر بن عبد الله.
13 - عمار بن ياسر.
14 - انس بن مالك.
15 - عوف بن مالك.
16 - عبد الرحمن بن عوف.
وغيرهم...
ب - أئمة المذاهب والرواة الذين خرّجوا الأحاديث، وهم كثيرون أيضاً منهم:
1 - ابن سعد، في الطبقات.
2 - أحمد بن حنبل، في مسنده.
3 - ابن ماجة، في سننه.
4 - أبو داود في سننه.
5 - الترمذي، في جامعه.
6 - البزّاز، في مسنده.
7 - أبو يعلى الموصلي في مسنده.
8 - أبو بكر محمد بن هارون البروياني، في مسنده.
9 - الحاكم، في المستدرك.
10 - الحارث بن أبي أسامة، في مسنده.
11 - ابن عساكر في تاريخه.
12 - ابن الجوزي، في تاريخه.
13 - ابن حبّان، في صحيحه.
14 - أبو بكر الإسكافي في فوائد الأخبار.
15 - الخطيب، في تخليص المتشابه.
16 - البيهقي في دلائل النبوة.
17 - النسائي ذكره السفاريني في لوامع الأنوار البهيّة.
18 - المنّاوي في فيض القدير.
19 - الدارقطني، في الإفراد.
20 - الباوردي، في معرفة الصحابة.
21 - أبو بكر بن أبي شيبة، في المصنّف.
22 - نعيم بن حمّاد، في كتاب الفتن.
23 - الحافظ أبو نعيم، في كتاب المهدي، وفي الحلية.
24 - الطبراني، في الكبير، والأوسط، والصغير.
25 - أبو عمرو المقري في سننه.
26 - أبو حسين بن المنّاوي في كتاب الملاحم.
27 - أبو عمرو المقري، في سننه.
28 - يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده.
29 - أبو بكر بن المقري في معجمه.
30 - أبو غانم الكوفي في كتاب الفتن.
31 - الديلمي في مسند فردوس الأخبار.
وغيرهم من الائمة والحفاظ والمؤلّفين.
ج - من ألّف كتاباً في شأن المهدي (عج):
وهذا إما أن يكون ضمن الكتب الحديثية المشهورة، كما في السنن والمساند وغيرها وأصحابها كثيرون. ومنهم من أفرد مؤلّفاً في ذلك مثل:
1 - أبوبكر بن أبي حيثمة - زهير بن حرب - قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه: ]ولقد توغّل أبو بكر بن أبي خيثمة على ما نقل السهيلي عنه، في جمعه للأحاديث الواردة في المهدي].
2 - الحافظ أبو نعيم ذكره السيوطي في الجامع الصغير.
3 - جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي وسمّى كتابه ب[العرف الوردي في أخبار المهدي]، وتزيد الأحاديث التي أوردها فيه على المئتين.
4 - الحافظ عماد الدين ابن كثير، فقد صرّح في كتابه [الفتن والملاحم] بأنه قد أفرد جزءاً مستقلاً في ذكر المهدي (عج).
5 - الفقيه ابن حجر المكي، كما نقله البرزنجي في الإشاعة وسمّى الكتاب ب[القول المختصر في علامات المهدي المنتظر].
6 - علي المتقي الهندي، صاحب كنز العمال، له رسالة في شأن المهدي (عج) حسب نقل ملاّ علي القاري الحنفي في [المرقاة في شرح المشكاة] والبرزنجي في الإشاعة.
7 - ملا علي القاري وسمّى مؤلّفه ب[المشرب الوردي في مذهب المهدي]. وقد نقل عنه البرزنجي في (الإشاعة) طائفة كبيرة من الروايات.
8 - مرعي بن يوسف الحنبلي في [فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر] ذكره الشيخ صديق حسن القنوجي في كتابه [الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة].
9 - العلاّمة القاضي محمد بن علي الشوكاني في [التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجّال والمسيح].
10 - الأمير محمد بن إسماعيل الصغاني صاحب [سبل السلام] كما نقل عنه في (الإذاعة ص 114).
11 - محمد البرزنجي في [الإشاعة]، وتكلّم عن المهدي (عج) في الباب الثالث في أكثر من مقام:
الأول: في اسمه ونسبه ومولده ومبايعته ومهاجره وحليته وسيرته.
الثاني: في العلامات التي يعرف بها والأمارات الدالّة على قرب خروجه (عج).
الثالث: في الفتن الواقعة قبل خروجه.
12 - السيد محمد صديق حسن القنوجي البخاري في [الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة]. فذكر أحاديث المهدي (عج) في باب مستقل، وأكّد تواترها، وإن من الأمور التي تعقبها الساعة هو ظهور المهدي (عليه السلام) والدجّال والمسيح.
إلى غير ذلك من المؤلّفات الكثيرة.
ذكر بعض من صرّح بتواتر أحاديث المهدي (عج):
1 - الحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الآمدي السجستاني، صاحب كتاب [مناقب الشافعي] (المتوفى 363 ه)، حيث قال: وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً وأن عيسى (عليه السلام) يصلّي خلفه.
2 - محمد البرزنجي في [الإشاعة] قال: تنبيه: قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان، وأنه من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ولد فاطمة، بلغت حدّ التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها.
وقال أيضاً في ختام كتابه المذكور: وغاية ما ثبت بالأخبار الصحيحة الكثيرة الشهيرة، التي بلغت التواتر المعنوي، وجود الآيات العظام التي فيها بل (أوّلها) - خروج المهدي، وأنه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً - .
3 - الشيخ محمد السفاريني في [لوامع الأنوار البهية] قال: بلغت الروايات حدّ التواتر المعنوي...، ثم قال: وقد روي ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرّر عند أهل العلم، ومدّون في عقائد أهل السنّة والجماعة.
4 - القاضي محمد بن علي الشوكاني قال في [التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح]: الأحاديث الواردة في المهدي متواترة بلا شك ولا شبهة.
5 - الشيخ صدّيق حسن القنوجي البخاري قال في [الإذاعة] (ص 112) ما لفظه: منها أي - من الأمور التي تعقبها الساعة - المهدي الموعود المنتظر الفاطمي وهو أولها والأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حد التواتر.
وقال أيضاً في (ص 146) اعتراضاً على ما قاله ابن خلدون في كتاب [العبر]، ما لفظه: فلا معنىً للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر المدلول عليه بالأدلّة، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابل النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر.
6 - الشيخ محمد بن جعفر الكتاني، قال في كتابه [نظم المتناثر في الحديث المتواتر ]ما لفظه: والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة.
ذكر بعض ما ورد في الصحيحين والمسانيد مما له تعلّق بشأن المهدي (عليه السلام):
1 - روى البخاري في باب نزول عيسى بن مريم (عليه السلام): عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم"؟(1)
2 - روى مسلم في صحيحه عن جابر أنه سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة". قال: فينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمّة.(2)
وفي هذه الرواية والتي سبقتها وإن لم يكن تصريح باسم المهدي (عليه السلام)، ولكن يتضح المقصود منهما بعد ملاحظة سائر الروايات الواردة في هذا الباب.
3 - عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي".(3) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.
4 - وعنه أيضاً بلفظ: "يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي".(4)
5 - وعن أم سلمة (رض) قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة".
رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم في المستدرك(5). ورمز السيوطي لصحته، وقال الألباني: إسناده جيّد.
6 - وعن أبي هريرة قال: ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي فقال: "يكون في أمّتي المهدي إن قصر فسبع، وإلاّ فتسع. فتنعم فيه امتي نعمة لم ينعموا مثلها قط".(6)
رواه البزاز ورجاله ثقات - قاله الشوكاني -.
7 - وعنه أيضاً بلفظ: "لو لم يبق من الدنيا إلاّ ليلة لطوّل الله تلك الليلة حتى يلي رجل من أهل بيتي".(7)
8 - وقد عقد أبو داود في سننه كتاباً أفرد فيه روايات المهدي، وأورد فيه ثلاثة عشر حديثاً. صدّرها بحديث جابر بن سمرة قال: "سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة".(8)
وقال السيوطي في آخر جزء [العرف الوردي في اخبار المهدي]: في ذلك إشارة إلى ما قاله العلماء أن المهدي أحد الاثني عشر.
9 - وعن سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "المهدي منّي أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين".(9)
10 - وعنه أيضاً، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "أبشّركم بالمهدي يُبعث في أمّتي على اختلاف من الناس، وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً". أي بالسوية - رواه أحمد في مسنده.(10)
11 - ما في الجامع الصغير عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "المهدي رجل من ولدي، وجهه كالكوكب الدرّي".(11)
12 - أبو داود في سننه: "لا تذهب [أو لا تنقضي] الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي".(12)
13 - أحمد بن حنبل في مسنده عن زر بن حبيش عن عبدالله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي"(13).
إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي لا مجال لنقلها كلها. والنتيجة التي لابدّ وأن يخرج بها الناظر لمجموع أحاديث المهدي (عج) هي أنه (عج) لابدّ وأن يكون مطابقاً لما يقوله أهل البيت (عليهم السلام) من أنه هو محمد بن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بالخصوص، وذلك يتّضح باختصار من ملاحظة مايلي:
أ - أحاديث (اثنا عشر أميراً) التي تواترت بما لا يقبل الشك، بعد أن رواها البخاري ومسلم وباقي الأئمة (عليهم السلام)، وقد جاء في بعضها (اثنا عشر خليفة) وصرّحت بأنهم - من قريش -.
وهذه الأحاديث لا يمكن أن تطبّق واقعاً على غير الأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام)، وإلاّ لزم أن يدخل في خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمثال يزيد والوليد.
ب - يمكننا أن نأخذ مقياس التطابق من روايات متواترة اُخرى، هي أحاديث الثقلين: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".
فهذه الروايات تعيّن المشار إليه في أحاديث الاثنا عشر أميراً أولاً، وتعطي مقياساً لانطباقها على الأئمة (عليهم السلام) ثانياً: وهو عدم الافتراق عن القرآن. وهذا تاريخ أهل البيت (عليهم السلام) وتلكم رواياتهم الصحيحة، والمقبولة لدى أئمة المذاهب جميعاً، سوى بعض السلفية، الذين لم يستطيعوا أن يطعنوا رغم ذلك في نزاهتهم. كل تلك شاهدة على أن المقياس لا ينطبق إلاّ عليهم (عليهم السلام)، مع ضمّ الإمام المهدي (عج) إليهم تماماً كما أخبروا هم (عليهم السلام).
ج - التصريح في الروايات الكثيرة باسمه (عج)، فقد جاء فيها: وأما نسبه فإنه من أهل بيت رسول الله.
وعن ابن مسعود أن اسمه محمد. وفي روايات كثيرة أنه من ولد فاطمة البتول (عليها السلام). وقد ردّ ابن حجر على الأخبار الدالة على أنه من ولد العباس. وغير ذلك مما لا يمكن أن ينطبق إلاّ على ما تقوله الشيعة الاثنا عشرية.
المنكرون والمشكّكون:
أما بالنسبة للمنكرين والمشكّكين فلم نقف على أحد من الماضين ممّن أنكر أحاديث المهدي (عج) أو تردّد فيها سوى رجلين:
1 - أبو محمد بن الوليد البغدادي، كما نقل عنه ابن تيميّة في كتابه [منهاج السنّة]. وذكر أنه قد اعتمد في ذلك على حديث: لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم. ثم قال: وليس مما يعتمد عليه لضعفه.
2 - عبد الرحمن بن خلدون المغربي المؤرّخ المشهور، وهو الذي اشتهر بين الناس بتضعيفه لأحاديث المهدي، ويبدو للمتأمّل في كلامه في [المقدمة] التهافت والتناقض، حيث يعترف أولاً بظهور المهدي (عج) وأنه لابدّ منه. قال ما لفظه: اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الأعصار أنه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيّد الدين، ويظهر العدل، ويتّبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمّى بالمهدي. ويكون خروج الدجّال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده، فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتمّ بالمهدي في صلاته.... إلخ.
ثم ذكر ثانياً ما يفيد تردّده في أمر المهدي (عج) وكأنه نسي ما شهد به أولاً من أن الاعتقاد بخروج المهدي (عج) هو المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممرّ الأعصار.
وهل هذا إلاّ الشذوذ في الرأي واللامبالاة في القول، بعد العلم بأن المسلمين كافة على ممرّ العصور على خلافه؟ وهل يمكن دعوى اتّفاق الجميع على الخطأ وأن المصيب هو ابن خلدون فحسب؟! وخاصة بعد أن لم يكن الأمر اجتهادياً، وإنما هو أمر غيبي - كما أسلفناه - لا يسوّغ لأحد إثباته إلاّ بدليل من كتاب أو سنّة، وقد ذكرنا بعض الأحاديث، ومن ادّعى التواتر فيها.
الأحاديث التي ربما يتوّهم تعارضها مع الروايات الواردة في المهدي (عليه السلام):
أ - ما أخرجه محمد بن خالد الجندي عن أنس بلفظ: لا مهدي إلاّ عيسى. قال الشوكاني: سنده مختلف عليه، وفيه راو مجهول، وضعّفه الحفّاظ، وفيه اضطراب وانقطاع - كما قال الحافظ ابن القيّم - وأحاديث المهدي أصحّ اسناداً منه.
وقال السفاريني: الصواب الذي عليه أهل الحق: أن المهدي غير عيسى، وأنه يخرج قبل نزوله (عليه السلام).
وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنّة حتى عُدّ من معتقداتهم.
ب - ما أخرجه الدارقطني في الإفراد والخطيب وابن عساكر، عن عمار بن ياسر بلفظ: يا عباس إن الله بدأ بي هذا الأمر، وسيختمه بغلام من ولدك يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وهو الذي يصلّي بعيسى بن مريم.
وأخرج أيضاً بلفظ: المهدي من ولد عباس عمّي.
وعن أبي هريرة بلفظ: يا عم إن الله ابتدأ الإسلام بي، وسيختمه بغلام من ولدك، وهو الذي يتقدم عيسى بن مريم. أخرجه أبو نعيم في الحلية.
وقد جمع الشوكاني في التوضيح بين هذه الروايات الثلاث الدالّة على أن المهدي من ولد العباس عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وما تقدم من الروايات الصحيحة الدالّة على أن المهدي من عترته (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ذرية فاطمة (عليها السلام) (إن المهدي من ولد العباس من جهة أمّه). فإن أمكن الجمع فبهذا، وإلاّ فالأحاديث أنه من ولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرجح.
وفي الختام فإن أحاديث الإمام المهدي (عج) الكثيرة التي ألّف فيها المؤلّفون، وحكى تواترها الكثيرون، واعتقد بموجبها أهل السنّة والجماعة كما اعتقد بها الشيعة، تدلّ على حقيقة ثابتة بلا شك، ولا ينكر خروجه (عليه السلام) إلاّ جاهل أو مكابر، وهذا هو الذي حاولنا إثباته.
====
المصادر:
1 - كنزل العمال: 14: 334، ح 38845، عن صحيح مسلم والبخاري.
2 - مسند أحمد 3: 345، وبنفس اللفظ 3: 384 و 4: 217. وصحيح مسلم، كتاب الإيمان: 247.
3 - مسند أحمد: 1: 432 و 376 و 377 و 448. والترمذي، كتاب الفتن باب 52. وسنن أبو داود 4: 107.
4 - الترمذي، باب الفتن 52: 438، ح 2331. }
5 - سنن أبي داود 2: 107، ح 4284. وسنن ابن ماجة 2، ح 4086. ومستدرك الحاكم 4: 557. كتاب الفتن والملاحم.
6 - كنز العمال 14، ح 38706. بلفظ مقارب. والحاكم في المستدرك 4: 557. وسنن ابن ماجة في كتاب الفتن: ح 4083.
7 - كنز العمال 14، ح 38684.
8 - سنن أبي داود 4: 106.
9 - كنز العمال 14، ح 38665. وسنن أبو داود 4: 107.
10 - مسند أحمد 3: 52. والدر المنثور للسيوطي 6: 57.
11 - كنز العمال: 14، ح 38666. وأخرجه البروياني في مسنده عن حذيفة.
12 - سنن أبو داود، كتاب الفتن 4: 107، ح 4382.
13 - مسند أحمد 1: 488 و 14، ح 38707.
بقلم: السيد جعفر الحسيني.
ومع السلامة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
http://c.shia4up.net/uploads/12893814951.jpg (http://c.shia4up.net/)
الإمام المهدي عليه السلام في أحاديث رسول الله (ص) بطرق أهل السنة
مقدمة: الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عليه السلام):
يخطئ من يتصور بأن قضيّة الإمام المهدي (عج) والاعتقاد به قضية شيعية فقط، أو حتى قضية إسلامية فقط، كلاّ! فهي ضرورة عالمية بشّرت بها الأديان كلّها، وهذا أمرٌ لا يحتاج لأن نقيم عليه الدليل.
ورسوخ هذه الفكرة تابع من أن المهدي (عج) سيكون المستثمر لجهود الأنبياء جميعاً حيث يكون الدين كلّه لله في زمانه، فيحقّ لكل دين أن يبشّر أتباعه بذلك (اليوم الموعود) الذي يشكّل هو إحدى حلقاته.
والملاحظ أن الأديان الأخرى لم تصرّح باسم المنتظر، وإنما أشارت إليه، حتى إذا بلغ الدور للرسالة الخاتمة، أعلم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأحاديث ونصوص لا تقبل الشك والريب عنه، وصرّح باسمه وكنيته، وأنه من أهل البيت من ذرّية علي وفاطمة (عليه السلام)، وأنه الثاني عشر من خلفائه الكرام كما سيأتي فيما يلي.
أما على الصعيد الإسلامي فالمتتبع لما ورد من أحاديث نبوية شريفة حول المهدي (عج) في كتب الصحاح والمساند وطرق كبار الأئمة من جميع الفرق المعتدلة والمستقري لما ألّف حول هذه القضيّة، بل والناظر إلى تاريخ الأمة الإسلامية بدقة، يخرج بنتيجة مهمة، هي أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر ما هو إلاّ ضرورة إسلامية قد تلقاها المسلمون من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليست نابعة من وضع اجتماعي أو سياسي معيّن لطائفة إسلامية معينة، فهي على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الاثني عشر فرداً فرداً، تماماً كما هي على لسان الصحابة الأجلّة والتابعين والأئمة والحفاظ.
ولا يضرّ قضية المهدي (عج) وضرورتها أن يحاول بعض الناس تطبيقها على أنفسهم، أو الانحراف بها عن واقعها تماماً، كما لا يضرّ النبوّات أن يدّعيها مدّع كذّاب، إذن فلا يعتبر هذا محلاً للنقض في قضيّة الإمام المهدي (عج)، كما نجد ذلك عند بعض الكتّاب السطحيين اليوم.
المهدي (عج) عند أهل البيت عليهم السلام:
ولا نجد أننا بحاجة لأن نقيم الدليل على أن كل الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) قد بشروا بالمهدي الثاني عشر منهم، وركّزوا عليه، وجعلوا الاعتقاد به مسبقاً من علائم الإيمان، ومن أراد الوقوف على ذلك فليراجع كتب الأحاديث الواردة عنهم (عليهم السلام) وهي تؤكّد كلّها على ذلك.
وأهل البيت (عليهم السلام) عندما يؤكّدون على ذلك فلا يعني أن ذلك مجرّد رأي شخصي، وإنما يعني أنهم يؤكّدون قضية إسلامية أصلية، وذلك لأن أقوالهم ليست إلاّ أقوالاً للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أكدوا هم على ذلك.
ويتوضح ذلك أكثر عندما نأخذ بعين الاعتبار كل الأدلة التي تثبت إمامتهم (عليهم السلام). وأنهم لا يقولون إلاّ الحق.
المهدي (عج) في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بطرق أهل السنّة:
وفي هذا المجال بحوث مفصّلة، لكننا نختصرها مستعرضين الخطوط العامة لها ضمن نقاط:
أ - الصحابة الذين رووا عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث المهدي، وهم كثيرون منهم:
1 - الإمام علي (عليه السلام).
2 - الإمام الحسين بن علي (عليه السلام).
3 - عثمان بن عفان.
4 - اُم سلمة.
5 - طلحة بن عبد الله.
6 - اُم حبيبة.
7 - عبد الله بن عباس.
8 - عبد الله بن مسعود.
9 - عبد الله بن عمر.
10 - أبو سعيد الخدري.
11 - أبو هريرة.
12 - جابر بن عبد الله.
13 - عمار بن ياسر.
14 - انس بن مالك.
15 - عوف بن مالك.
16 - عبد الرحمن بن عوف.
وغيرهم...
ب - أئمة المذاهب والرواة الذين خرّجوا الأحاديث، وهم كثيرون أيضاً منهم:
1 - ابن سعد، في الطبقات.
2 - أحمد بن حنبل، في مسنده.
3 - ابن ماجة، في سننه.
4 - أبو داود في سننه.
5 - الترمذي، في جامعه.
6 - البزّاز، في مسنده.
7 - أبو يعلى الموصلي في مسنده.
8 - أبو بكر محمد بن هارون البروياني، في مسنده.
9 - الحاكم، في المستدرك.
10 - الحارث بن أبي أسامة، في مسنده.
11 - ابن عساكر في تاريخه.
12 - ابن الجوزي، في تاريخه.
13 - ابن حبّان، في صحيحه.
14 - أبو بكر الإسكافي في فوائد الأخبار.
15 - الخطيب، في تخليص المتشابه.
16 - البيهقي في دلائل النبوة.
17 - النسائي ذكره السفاريني في لوامع الأنوار البهيّة.
18 - المنّاوي في فيض القدير.
19 - الدارقطني، في الإفراد.
20 - الباوردي، في معرفة الصحابة.
21 - أبو بكر بن أبي شيبة، في المصنّف.
22 - نعيم بن حمّاد، في كتاب الفتن.
23 - الحافظ أبو نعيم، في كتاب المهدي، وفي الحلية.
24 - الطبراني، في الكبير، والأوسط، والصغير.
25 - أبو عمرو المقري في سننه.
26 - أبو حسين بن المنّاوي في كتاب الملاحم.
27 - أبو عمرو المقري، في سننه.
28 - يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده.
29 - أبو بكر بن المقري في معجمه.
30 - أبو غانم الكوفي في كتاب الفتن.
31 - الديلمي في مسند فردوس الأخبار.
وغيرهم من الائمة والحفاظ والمؤلّفين.
ج - من ألّف كتاباً في شأن المهدي (عج):
وهذا إما أن يكون ضمن الكتب الحديثية المشهورة، كما في السنن والمساند وغيرها وأصحابها كثيرون. ومنهم من أفرد مؤلّفاً في ذلك مثل:
1 - أبوبكر بن أبي حيثمة - زهير بن حرب - قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه: ]ولقد توغّل أبو بكر بن أبي خيثمة على ما نقل السهيلي عنه، في جمعه للأحاديث الواردة في المهدي].
2 - الحافظ أبو نعيم ذكره السيوطي في الجامع الصغير.
3 - جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي وسمّى كتابه ب[العرف الوردي في أخبار المهدي]، وتزيد الأحاديث التي أوردها فيه على المئتين.
4 - الحافظ عماد الدين ابن كثير، فقد صرّح في كتابه [الفتن والملاحم] بأنه قد أفرد جزءاً مستقلاً في ذكر المهدي (عج).
5 - الفقيه ابن حجر المكي، كما نقله البرزنجي في الإشاعة وسمّى الكتاب ب[القول المختصر في علامات المهدي المنتظر].
6 - علي المتقي الهندي، صاحب كنز العمال، له رسالة في شأن المهدي (عج) حسب نقل ملاّ علي القاري الحنفي في [المرقاة في شرح المشكاة] والبرزنجي في الإشاعة.
7 - ملا علي القاري وسمّى مؤلّفه ب[المشرب الوردي في مذهب المهدي]. وقد نقل عنه البرزنجي في (الإشاعة) طائفة كبيرة من الروايات.
8 - مرعي بن يوسف الحنبلي في [فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر] ذكره الشيخ صديق حسن القنوجي في كتابه [الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة].
9 - العلاّمة القاضي محمد بن علي الشوكاني في [التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجّال والمسيح].
10 - الأمير محمد بن إسماعيل الصغاني صاحب [سبل السلام] كما نقل عنه في (الإذاعة ص 114).
11 - محمد البرزنجي في [الإشاعة]، وتكلّم عن المهدي (عج) في الباب الثالث في أكثر من مقام:
الأول: في اسمه ونسبه ومولده ومبايعته ومهاجره وحليته وسيرته.
الثاني: في العلامات التي يعرف بها والأمارات الدالّة على قرب خروجه (عج).
الثالث: في الفتن الواقعة قبل خروجه.
12 - السيد محمد صديق حسن القنوجي البخاري في [الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة]. فذكر أحاديث المهدي (عج) في باب مستقل، وأكّد تواترها، وإن من الأمور التي تعقبها الساعة هو ظهور المهدي (عليه السلام) والدجّال والمسيح.
إلى غير ذلك من المؤلّفات الكثيرة.
ذكر بعض من صرّح بتواتر أحاديث المهدي (عج):
1 - الحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الآمدي السجستاني، صاحب كتاب [مناقب الشافعي] (المتوفى 363 ه)، حيث قال: وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً وأن عيسى (عليه السلام) يصلّي خلفه.
2 - محمد البرزنجي في [الإشاعة] قال: تنبيه: قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان، وأنه من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ولد فاطمة، بلغت حدّ التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها.
وقال أيضاً في ختام كتابه المذكور: وغاية ما ثبت بالأخبار الصحيحة الكثيرة الشهيرة، التي بلغت التواتر المعنوي، وجود الآيات العظام التي فيها بل (أوّلها) - خروج المهدي، وأنه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً - .
3 - الشيخ محمد السفاريني في [لوامع الأنوار البهية] قال: بلغت الروايات حدّ التواتر المعنوي...، ثم قال: وقد روي ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرّر عند أهل العلم، ومدّون في عقائد أهل السنّة والجماعة.
4 - القاضي محمد بن علي الشوكاني قال في [التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح]: الأحاديث الواردة في المهدي متواترة بلا شك ولا شبهة.
5 - الشيخ صدّيق حسن القنوجي البخاري قال في [الإذاعة] (ص 112) ما لفظه: منها أي - من الأمور التي تعقبها الساعة - المهدي الموعود المنتظر الفاطمي وهو أولها والأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حد التواتر.
وقال أيضاً في (ص 146) اعتراضاً على ما قاله ابن خلدون في كتاب [العبر]، ما لفظه: فلا معنىً للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر المدلول عليه بالأدلّة، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابل النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر.
6 - الشيخ محمد بن جعفر الكتاني، قال في كتابه [نظم المتناثر في الحديث المتواتر ]ما لفظه: والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة.
ذكر بعض ما ورد في الصحيحين والمسانيد مما له تعلّق بشأن المهدي (عليه السلام):
1 - روى البخاري في باب نزول عيسى بن مريم (عليه السلام): عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم"؟(1)
2 - روى مسلم في صحيحه عن جابر أنه سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة". قال: فينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمّة.(2)
وفي هذه الرواية والتي سبقتها وإن لم يكن تصريح باسم المهدي (عليه السلام)، ولكن يتضح المقصود منهما بعد ملاحظة سائر الروايات الواردة في هذا الباب.
3 - عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي".(3) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.
4 - وعنه أيضاً بلفظ: "يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي".(4)
5 - وعن أم سلمة (رض) قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة".
رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم في المستدرك(5). ورمز السيوطي لصحته، وقال الألباني: إسناده جيّد.
6 - وعن أبي هريرة قال: ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي فقال: "يكون في أمّتي المهدي إن قصر فسبع، وإلاّ فتسع. فتنعم فيه امتي نعمة لم ينعموا مثلها قط".(6)
رواه البزاز ورجاله ثقات - قاله الشوكاني -.
7 - وعنه أيضاً بلفظ: "لو لم يبق من الدنيا إلاّ ليلة لطوّل الله تلك الليلة حتى يلي رجل من أهل بيتي".(7)
8 - وقد عقد أبو داود في سننه كتاباً أفرد فيه روايات المهدي، وأورد فيه ثلاثة عشر حديثاً. صدّرها بحديث جابر بن سمرة قال: "سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة".(8)
وقال السيوطي في آخر جزء [العرف الوردي في اخبار المهدي]: في ذلك إشارة إلى ما قاله العلماء أن المهدي أحد الاثني عشر.
9 - وعن سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "المهدي منّي أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين".(9)
10 - وعنه أيضاً، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "أبشّركم بالمهدي يُبعث في أمّتي على اختلاف من الناس، وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً". أي بالسوية - رواه أحمد في مسنده.(10)
11 - ما في الجامع الصغير عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "المهدي رجل من ولدي، وجهه كالكوكب الدرّي".(11)
12 - أبو داود في سننه: "لا تذهب [أو لا تنقضي] الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي".(12)
13 - أحمد بن حنبل في مسنده عن زر بن حبيش عن عبدالله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي"(13).
إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي لا مجال لنقلها كلها. والنتيجة التي لابدّ وأن يخرج بها الناظر لمجموع أحاديث المهدي (عج) هي أنه (عج) لابدّ وأن يكون مطابقاً لما يقوله أهل البيت (عليهم السلام) من أنه هو محمد بن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بالخصوص، وذلك يتّضح باختصار من ملاحظة مايلي:
أ - أحاديث (اثنا عشر أميراً) التي تواترت بما لا يقبل الشك، بعد أن رواها البخاري ومسلم وباقي الأئمة (عليهم السلام)، وقد جاء في بعضها (اثنا عشر خليفة) وصرّحت بأنهم - من قريش -.
وهذه الأحاديث لا يمكن أن تطبّق واقعاً على غير الأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام)، وإلاّ لزم أن يدخل في خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمثال يزيد والوليد.
ب - يمكننا أن نأخذ مقياس التطابق من روايات متواترة اُخرى، هي أحاديث الثقلين: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".
فهذه الروايات تعيّن المشار إليه في أحاديث الاثنا عشر أميراً أولاً، وتعطي مقياساً لانطباقها على الأئمة (عليهم السلام) ثانياً: وهو عدم الافتراق عن القرآن. وهذا تاريخ أهل البيت (عليهم السلام) وتلكم رواياتهم الصحيحة، والمقبولة لدى أئمة المذاهب جميعاً، سوى بعض السلفية، الذين لم يستطيعوا أن يطعنوا رغم ذلك في نزاهتهم. كل تلك شاهدة على أن المقياس لا ينطبق إلاّ عليهم (عليهم السلام)، مع ضمّ الإمام المهدي (عج) إليهم تماماً كما أخبروا هم (عليهم السلام).
ج - التصريح في الروايات الكثيرة باسمه (عج)، فقد جاء فيها: وأما نسبه فإنه من أهل بيت رسول الله.
وعن ابن مسعود أن اسمه محمد. وفي روايات كثيرة أنه من ولد فاطمة البتول (عليها السلام). وقد ردّ ابن حجر على الأخبار الدالة على أنه من ولد العباس. وغير ذلك مما لا يمكن أن ينطبق إلاّ على ما تقوله الشيعة الاثنا عشرية.
المنكرون والمشكّكون:
أما بالنسبة للمنكرين والمشكّكين فلم نقف على أحد من الماضين ممّن أنكر أحاديث المهدي (عج) أو تردّد فيها سوى رجلين:
1 - أبو محمد بن الوليد البغدادي، كما نقل عنه ابن تيميّة في كتابه [منهاج السنّة]. وذكر أنه قد اعتمد في ذلك على حديث: لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم. ثم قال: وليس مما يعتمد عليه لضعفه.
2 - عبد الرحمن بن خلدون المغربي المؤرّخ المشهور، وهو الذي اشتهر بين الناس بتضعيفه لأحاديث المهدي، ويبدو للمتأمّل في كلامه في [المقدمة] التهافت والتناقض، حيث يعترف أولاً بظهور المهدي (عج) وأنه لابدّ منه. قال ما لفظه: اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الأعصار أنه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيّد الدين، ويظهر العدل، ويتّبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمّى بالمهدي. ويكون خروج الدجّال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده، فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتمّ بالمهدي في صلاته.... إلخ.
ثم ذكر ثانياً ما يفيد تردّده في أمر المهدي (عج) وكأنه نسي ما شهد به أولاً من أن الاعتقاد بخروج المهدي (عج) هو المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممرّ الأعصار.
وهل هذا إلاّ الشذوذ في الرأي واللامبالاة في القول، بعد العلم بأن المسلمين كافة على ممرّ العصور على خلافه؟ وهل يمكن دعوى اتّفاق الجميع على الخطأ وأن المصيب هو ابن خلدون فحسب؟! وخاصة بعد أن لم يكن الأمر اجتهادياً، وإنما هو أمر غيبي - كما أسلفناه - لا يسوّغ لأحد إثباته إلاّ بدليل من كتاب أو سنّة، وقد ذكرنا بعض الأحاديث، ومن ادّعى التواتر فيها.
الأحاديث التي ربما يتوّهم تعارضها مع الروايات الواردة في المهدي (عليه السلام):
أ - ما أخرجه محمد بن خالد الجندي عن أنس بلفظ: لا مهدي إلاّ عيسى. قال الشوكاني: سنده مختلف عليه، وفيه راو مجهول، وضعّفه الحفّاظ، وفيه اضطراب وانقطاع - كما قال الحافظ ابن القيّم - وأحاديث المهدي أصحّ اسناداً منه.
وقال السفاريني: الصواب الذي عليه أهل الحق: أن المهدي غير عيسى، وأنه يخرج قبل نزوله (عليه السلام).
وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنّة حتى عُدّ من معتقداتهم.
ب - ما أخرجه الدارقطني في الإفراد والخطيب وابن عساكر، عن عمار بن ياسر بلفظ: يا عباس إن الله بدأ بي هذا الأمر، وسيختمه بغلام من ولدك يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وهو الذي يصلّي بعيسى بن مريم.
وأخرج أيضاً بلفظ: المهدي من ولد عباس عمّي.
وعن أبي هريرة بلفظ: يا عم إن الله ابتدأ الإسلام بي، وسيختمه بغلام من ولدك، وهو الذي يتقدم عيسى بن مريم. أخرجه أبو نعيم في الحلية.
وقد جمع الشوكاني في التوضيح بين هذه الروايات الثلاث الدالّة على أن المهدي من ولد العباس عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وما تقدم من الروايات الصحيحة الدالّة على أن المهدي من عترته (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ذرية فاطمة (عليها السلام) (إن المهدي من ولد العباس من جهة أمّه). فإن أمكن الجمع فبهذا، وإلاّ فالأحاديث أنه من ولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرجح.
وفي الختام فإن أحاديث الإمام المهدي (عج) الكثيرة التي ألّف فيها المؤلّفون، وحكى تواترها الكثيرون، واعتقد بموجبها أهل السنّة والجماعة كما اعتقد بها الشيعة، تدلّ على حقيقة ثابتة بلا شك، ولا ينكر خروجه (عليه السلام) إلاّ جاهل أو مكابر، وهذا هو الذي حاولنا إثباته.
====
المصادر:
1 - كنزل العمال: 14: 334، ح 38845، عن صحيح مسلم والبخاري.
2 - مسند أحمد 3: 345، وبنفس اللفظ 3: 384 و 4: 217. وصحيح مسلم، كتاب الإيمان: 247.
3 - مسند أحمد: 1: 432 و 376 و 377 و 448. والترمذي، كتاب الفتن باب 52. وسنن أبو داود 4: 107.
4 - الترمذي، باب الفتن 52: 438، ح 2331. }
5 - سنن أبي داود 2: 107، ح 4284. وسنن ابن ماجة 2، ح 4086. ومستدرك الحاكم 4: 557. كتاب الفتن والملاحم.
6 - كنز العمال 14، ح 38706. بلفظ مقارب. والحاكم في المستدرك 4: 557. وسنن ابن ماجة في كتاب الفتن: ح 4083.
7 - كنز العمال 14، ح 38684.
8 - سنن أبي داود 4: 106.
9 - كنز العمال 14، ح 38665. وسنن أبو داود 4: 107.
10 - مسند أحمد 3: 52. والدر المنثور للسيوطي 6: 57.
11 - كنز العمال: 14، ح 38666. وأخرجه البروياني في مسنده عن حذيفة.
12 - سنن أبو داود، كتاب الفتن 4: 107، ح 4382.
13 - مسند أحمد 1: 488 و 14، ح 38707.
بقلم: السيد جعفر الحسيني.
ومع السلامة.