عصر الشيعة
02-06-2013, 12:16 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم -وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=1833&idto=1835&bk_no=46&ID=1827#docu)
اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف والعن اعدائهم اجمعين
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مقدمة :- ذو القرنين عبدا صالح قتله قومه مرتين المرة الاولى ضربوه قومه في قرنه الايمن واماته الله مائة عام او خمسمائة عام ثم بعثه ثم ضربه قومه في قرنه الايسر فاماته الله مائة عام او خمسمائة ثم بعثه ومكن الله له في الارض ليملك المشرق والمغرب
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
79 ـ عن الاصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: سئل عن ذى القرنين قال: كان عبدا صالحا واسمه عياش واختاره الله وابتعثه إلى قرن من القرون الاولى في ناحية المغرب، وذلك بعد طوفان نوح، فضربوه على قرن رأسه الايمن فمات منها، ثم احياه الله بعد مأة عام، ثم بعثه إلى قرن من القرون الاولى في ناحية المشرق فكذبوه
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) في نسخة (افضل) وفى اخرى (آثر) مكان (اشد).
(2) اى دخل فيه.
(3 ـ 4) البرهان ج 2: 483. البحار ج 5: 165.
===============
(342)
فضربوه ضربة على قرنه الايسر فمات منها، ثم أحياه الله بعد مأة عام وعوضه الله من الضربتين اللتين على رأسه قرنين في موضع الضربتين أجوفين وجعل عز ملكه وآية نبوته في قرنه.
ثم رفعه الله إلى السماء الدنيا فكشط له عن الارض (1) كلها جبالها وسهولها وفجاجها حتى أبصر ما بين المشرق والمغرب، وآتاه الله من كل شئ علما يعرف به الحق والباطل، وأيده في قرنيه بكسف من السماء، فيه ظلمات ورعد وبرق، ثم أهبط إلى الارض وأوحى الله اليه: ان سر في ناحية غرب الارض وشرقها فقد طويت لك البلاد، وذللت لك العباد، فأرهبتهم منك، فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب فكان اذا مر بقرية زأر فيها (2) كما يزأر الاسد المغضب، فينبعث من قرنيه ظلمات ورعد وبرق وصواعق، ويهلك من ناواه وخالفه، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق والمغرب، قال: وذلك قول الله (انا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شئ سببا) فسار (حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) إلى قوله (اما من ظلم ولم يؤمن بربه فسوف نغذبه) في الدنيا بعذاب الدنيا (ثم يرد إلى ربه) في مرجعه (فيعذبه عذابا نكرا) إلى قوله: (وسنقول له من أمرنا يسرا ثم أتبع سببا) ذو القرنين من الشمس سببا.
ثم قال أمير المؤمنين: ان ذا القرنين لما انتهى مع الشمس إلى العين الحامية وجد الشمس تغرب فيها ومعها سبعون الف ملك يجرونها بسلاسل الحديد، والكلاليب يجرونها من قعر البحر في قطر الارض الايمن، كما تجرى السفينة على ظهر الماء، فلما انتهى معها إلى مطلع الشمس سببا (وجدها تطلع على قوم) إلى قوله (بما لديه خبرا) فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ان ذا القرنين ورد على قوم قد أحرقتهم الشمس وغيرت أجسادهم وألوانهم حتى صيرتهم كالظلمة (ثم اتبع) ذو القرنين (سببا) في ناحية الظلمة، (حتى اذا بلغ بين السدين وجد
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) كشط عن الشئ: كشفه عنه.
(2) زأر الاسد: صات من صدره.
===============
(343)
من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قولوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج خلف هذين الجبلين وهم يفسدون في الارض، اذا كان أبان زروعنا وثمارنا خرجوا علينا من هذين السدين، فرعوا من ثمارنا وزروعنا حتى لا يبقون منها شيئا، (فهل نجعل لك خرجا) نؤديه اليك في كل عام (على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) إلى قوله: (زبر الحديد) قال: فاحتفر له جبل حديد فقلعوا له امثال اللبن، فطرح بعضه على بعض فيما بين الصدفين، وكان ذو القرنين هو أول من بنى ردما على الارض، ثم جمع عليه الحطب وألهب فيه النار، ووضع عليه المنافيخ فنفخوا عليه، فلما ذاب قال: آتونى بقسر وهو المس الاحمر.
قال: فاحتفروا له جبلا من مس فطرحوه على الحديد فذاب معه واختلط به، قال: (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا) يعنى يأجوج ومأجوج، (قال هذا رحمة من ربى فاذا جاء وعده ربى جعله دكا وكان وعد ربى حقا) إلى ها هنا رواية على بن الحسن (الحسين خ) ورواية محمد بن نصير.
وزاد جبرئيل بن أحمد في حديثه بأسانيد عن الاصبغ بن نباته عن على بن ابيطالب (صلى الله عليه وآله) (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) يعنى يوم القيمة، وكان ذو القرنين عبدا صالحا وكان من الله بمكان نصح الله فنصح له، وأحب الله فأحبه، وكان قد سبب له في البلاد ومكن له فيها حتى ملك ما بين المشرق والمغرب وكان له خليلا من الملئكة يقال له رفائيل (1) ينزل اليه فيحدثه ويناجيه، فبينا هو ذات يوم عنده اذ قال له ذو القرنين: يا رفائيل كيف عبادة اهل السماء وأين هى من عبادة أهل الارض؟ قال رفائيل: يا ذا القرنين وما عبادة أهل الارض؟ (2) فقال: اما عبادة أهل السماء ما في السموات موضع قدم الا وعليه ملك قائم لا يقعد أبدا أو راكع لا يسجد أبدا او ساجد لا يرفع رأسه أبدا، فبكى ذو القرنين بكاءا شديدا وقال: يا رفائيل انى احب ان أعيش حتى أبلغ من عبادة ربي وحق طاعته بما هو أهله، قال رفائيل: ياذا القرنين
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) وفى نسخة (رفات ئيل) وكذا في الموضع الاتية وفى البحار (روفائيل) و في المنقول عن العرائس (روفائيل).
(2) وفى المحكى عن العرائس (يا ذا القرنين وما عبادتكم عند عبادتنا اه).
===============
(344)
ان لله في الارض عينا تدعى عين الحيوة، فيها عزيمة من الله انه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذى يسئل الله الموت، فان ظفرت بها تعيش ما شئت، قال: و اين تلك العين وهل تعرفها؟ قال: لا، غير انا نتحدث في السماء ان لله في الارض ظلمة لم يطأها انس ولا جان (1)، فقال ذو القرنين: وأين تلك الظلمة؟ قال رفائيل: ما أدرى، ثم صعد رفائيل.
فدخل ذو القرنين حزن طويل من قول رفائيل ومما أخبره عن العين والظلمة ولم يخبره بعلم ينتفع به منهما، فجمع ذو القرنين فقهاء اهل مملكته وعلمائهم و أهل دراسة الكتب وآثار النبوة، فلما اجتمعوا عنده قال ذو القرنين: يا معشر الفقهاء وأهل الكتب وآثار النبوة هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله أو في كتب من كان قبلكم من الملوك ان لله عينا تدعى عين الحيوة؟ فيها من الله عزيمة انه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذى يسئل الله الموت؟ قالوا: لا يا أيها الملك قال:
فهل وجدتم فيما قرأتم من الكتب ان لله في الارض ظلمة لم يطأها انس ولا جان؟ قالوا: لا يا ايها الملك فحزن عليه ذو القرنين حزنا شديدا وبكى، اذ لم يخبر عن العين والظلمة بما يحب.
وكان فيمن حضره غلام من الغلمان من أولاد الاوصياء أوصياء الانبياء وكان ساكتا لا يتكلم حتى اذا آيس ذو القرنين منهم قال له الغلام: ايها الملك انك تسئل هؤلاء عن امر ليس لهم به علم، وعلم ما تريد عندى، ففرح ذو القرنين فرحا شديدا حتى نزل عن فراشه، وقال له: ادن منى، فدنا منه فقال: اخبرنى فقال: نعم ايها الملك انى وجدت في كتاب آدم الذى كتب يوم سمى له ما في الارض من عين أو شجر، فوجدت فيه ان لله عينا تدعى عين الحيوة، فيها من الله عزيمة انه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذى يسئل الله الموت بظلمة لم يطأها انس ولا جان، ففرح ذو القرنين وقال: ادن منى يا ايها الغلام تدرى أين موضعها؟ قال: نعم، وجدت
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) وفى المحكى عن العرائس زيادة وهى: (فنحن نظن ان تلك العين في تلك الظلمة).
===============
(345)
في كتاب آدم انها على قرن الشمس يعنى مطلعها.
ففرح ذو القرنين وبعث إلى أهل مملكته فجمع اشرافهم وفقهائهم وعلمائهم واهل الحكم منهم، فاجتمع اليه ألف حكيم وعالم وفقيه، فلما اجتمعوا اليه تهيأ للمسير وتأهب له بأعد العدة، واقوى القوة، فسار بهم يريد مطلع الشمس يخوض البحار (1) ويقطع الجبال والفيا في (2) والارضين والمفاوز، فسار اثنا عشر سنة حتى انتهى إلى طرف الظلمة، فاذا هى ليست بظلمة ليل ولا دخان ولكنها هواء يفور فسد ما بين الافقين، فنزل بطرفها وعسكر عليها وجمع علماء اهل عسكره وفقهائهم وأهل الفضل منهم فقال: يا معشر الفقهاء والعلماء انى اريد ان اسلك هذه الظلمة فخروا له سجدا فقالوا: ايها الملك انك لتطلب أمرا ما طلبه ولا سلكه أحد من كان قبلك من النبيين والمرسلين، ولا من الملوك، قال: انه لابد لى من طلبها، قالوا:
يا ايها الملك انا لنعلم انك اذا سلكتها ظفرت بحاجتك منها بغير عنت عليك لامرنا ولكنا نخاف ان يعلق بك (3) منها أمر يكون فيه هلاك ملكك وزوال سلطانك، و فساد من في الارض، فقال: لابد من ان اسلكها فخروا سجدا لله وقالوا: انا نتبرء اليك مما يريد ذو القرنين.
فقال ذو القرنين: يا معشر العلماء أخبرونى بأبصر الدواب؟ قالوا: الخيل الاناث البكارة ابصر الدواب، فانتخب من عسكره فأصاب ستة آلاف فرس اناثا أبكارا وانتخب من اهل العلم والفضل والحكمة ستة آلاف رجل، فدفع إلى كل رجل فرسا وعقد (4) لافسحر ـ وهو الخضر ـ على ألف فرس، فجعلهم على مقدمته وأمرهم ان يدخلوا الظلمة وسار ذو القرنين في أربعة آلاف، وامر أهل عسكره ان يلزموا معسكره اثنا عشر سنة، فان رجع هو اليهم إلى ذلك الوقت والا تفرقوا في البلاد، ولحقوا
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) خاض الماء: دخله.
(2) الفيا في كصحارى لفظا ومعنى.
(3) وفى نسخة (يتفق عليك).
(4) وفى نسخة (يتفق عليك) (وولى).
===============
(346)
ببلادهم أو حيث شاؤا.
فقال الخضر: أيها الملك انا نسلك في الظلمة لا يرى بعضنا بعضا كيف نصنع بالضلال اذا أصابنا فأعطاه ذو القرنين خرزة حمرا (1) كأنها مشعلة لها ضوء فقال خذ هذه الخرزة فاذا أصابكم الضلال فارم بها إلى الارض، فانها تصيح، فاذا صاحت رجع اهل الضلال إلى صوتها، فأخذها الخضر ومضى في الظلمة وكان الخضر يرتحل وينزل ذو القرنين فبينا الخضر يسير ذات يوم اذ عرض له واد في الظلمة، فقال لاصحابه: قفوا في هذا الموضع لا يتحركن أحد منكم عن موضعه، ونزل عن فرسه فتناول الخرزة فرمى بها في الوادى فأبطأت عنه بالاجابة حتى ساء ظنه وخاف ان لا يجيبه ثم أجابته، فخرج إلى صوتها فاذا هى على جانب العين ـ يقفوها ـ واذا ماؤها أشد بياضا من اللبن واصفى من الياقوت، وأحلى من العسل، فشرب منه ثم خلع ثيابه فاغتسل منها، ثم لبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه فأجابته، فخرج إلى اصحابه وركب وامرهم بالمسير فساروا.
ومر ذو القرنين بعده فاخطأوا الوادى فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما و اربعين ليلة ثم خرجوا بضوء ليس بضوء نهار ولا شمس ولا قمر ولكنه نور فخرجوا إلى الارض حمراء ورملة خشخاشة فركة (2) كان حصاها اللؤلؤ، فاذا هو بقصر مبنى على طول فرسخ فجاء ذو القرنين إلى الباب فعسكر عليه ثم توجه بوجهه وحده الي القصر فاذا طائر واذا حديدة طويلة قد وضع طرفاها على جانبى القصر، والطير الاسود معلق بأنفه في تلك الحديدة بين السماء والارض مزموم كأنه الخطاف او صورة الخطاف
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) الخرزة: ـ واحدة الخرز محركة ـ الحب المثقوب من الزجاج ونحوه تنظم منه المسابح والقلائد ونحوها. فصوص من حجارة كالماس والياقوت.
(2) قال الفيروز آبادى: الخشخشة: صوت السلاح، وكل شئ يابس اذا حل بعضه ببعض والدخول في الشئ. وقوله (عليه السلام): (فركة) اى كانت لينة بحيث كان يمكن فركها باليد (بحار الانوار).
===============
(347)
او شبيه بالخطاف او هو خطاف، فلما سمع خشخشة ذى القرنين، قال: من هذا؟ قال أنا ذو القرنين، فقال الطائر: يا ذا القرنين اما كفاك ما ورائك حتى وصلت إلى حد بابى هذا؟ ففرق ذو القرنين فرقا شديدا (1) فقال: يا ذا القرنين لا تخف وأخبرنى، قال: سل، قال: هل كثر بنيان الآجر والجص في الارض؟ قال: نعم، قال: فانتفض الطير وامتلا حتى ملا من الحديدة ثلثها، ففرق ذو القرنين فقال:
لا تخف، فأخبرنى قال: سل، قال: هل كثر المعازف؟ (2) قال: نعم، قال فانتفض الطير وامتلاء حتى امتلاء من الحديدة ثلثيها، ففرق ذو القرنين فقال: لا تخف و أخبرنى، قال: سل قال: هل ارتكب الناس شهادة الزور في الارض؟ قال: نعم، فانتفض انتفاضة وانتفخ، فسد ما بين جدارى القصر قال: فامتلاء ذو القرنين عند ذلك فرقا منه، فقال له: لا تخف وأخبرنى قال: سل قال: هل ترك الناس شهادة ان لا اله الا الله؟ قال: لا، فانضم ثلثه ثم قال: يا ذا الققرنين لا تخف وأخبرنى، قال: سل، قال: هل ترك الناس الصلوة المفروضة؟ قال: لا، قال: فانضم ثلث آخر، ثم قال: يا ذو القرنين لا تخف وأخبرنى، قال: سل، قال: هل ترك الناس الغسل من الجنابة؟ قال: لا، قال: فانضم حتى عاد إلى الحالة الاولى.
واذا هو بدرجة مدرجة إلى اعلى القصر فقال الطير: يا ذا القرنين اسلك هذه الدرجة، فسلكها وهو خائف لا يدرى ما يهجم عليه حتى استوى على ظهرها، فاذا هو بسطح ممدود مد البصر واذا رجل شاب أبيض مضئ الوجه، عليه ثياب بيض حتى كانه رجل او في صورة رجل او شبيه بالرجل أو هو رجل، واذا هو رافع رأسه إلى السماء ينظر اليها، واضع يده على فيه، فلما سمع خشخشة ذى القرنين قال: من هذا؟ قال: انا ذو القرنين قال: يا ذا القرنين ما كفاك ما وراك حتى وصلت إلى؟ قال ذو القرنين: مالى أراك واضعا يدك على فيك؟ قال: يا ذا القرنين أنا صاحب الصور، وان الساعة قد اقتربت، وانا أنتظر ان اؤمر بالنفخ فأنفخ، ثم ضرب بيده
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) فرق ـ كعلم ـ: فزع.
(2) المعازف: الملاهى كالعود والطنبور.
===============
(348)
فتناول حجرا فرمى به إلى ذى القرنين، كأنه حجر أو شبه حجر او هو حجر، فقال يا ذا القرنين خذها فان جاع جعت، وان شبع شبعت فارجع، فرجع ذو القرنين بذلك الحجر حتى خرج به إلى أصحابه، فأخبرهم بالطير وما سأله عنه وما قال له، وما كان من أمره واخبرهم بصاحب السطح وما قال له وما أعطاه.
ثم قال لهم: انه اعطانى هذا الحجر وقال لي ان جاع جعت، وان شبع شبعت، وقال: أخبرونى بأمر هذا الحجر، فوضع الحجر في احدى الكفتين ووضع حجرا مثله في الكفة الاخرى، ثم رفعوا الميزان فاذا الحجر الذى جاء به أرجح بمثل الآخر، فوضعوا آخر فمال به حتى وضعوا ألف حجر كلها مثله، ثم رفعوا الميزان فمال بها ولم يستمل به الالف حجر، وقالوا: يا ايها الملك لا علم لنا بهذا، فقال له الخضر: ايها الملك انك تسئل هؤلاء عما لا علم لهم به، وقد اوتيت علم هذا الحجر فقال ذو القرنين: فأخبرنا به وبينه لنا فتناول الخضر الميزان فوضع الحجر الذى جاء به ذو القرنين في كفة الميزان، ثم وضع حجرا آخر في كفة أخرى ثم وضع كفة تراب (1) على حجر ذى القرنين يزيده ثقلا، ثم رفع الميزان فاعتدل وعجبوا وخروا سجدا لله، وقالوا: ايها الملك هذا أمر لم يبلغه علمنا، وانا لنعلم ان الخضر ليس بساحر فكيف هذا؟ وقد وضعنا معه ألف حجر كلها مثله فمال بها، وهذا قد اعتدل به وزاده ترابا قال ذو القرنين: بين يا خضر لنا أمر هذا الحجر.
قال الخضر: ايها الملك ان أمر الله نافذ في عباده، وسلطانه قاهر، وحكمه فاصل، وان الله ابتلى عباده بعضهم ببعض، وابتلى العالم بالعالم، والجاهل بالجاهل، والعالم بالجاهل، والجاهل بالعالم، وانه ابتلانى بك وابتلاك بى، فقال ذو القرنين: يرحمك الله يا خضر انما تقول ابتلانى بك حين جعلت أعلم منى، وجعلت تحت يدى، أخبرنى يرحمك الله عن أمر هذا الحجر، فقال الخضر: ايها الملك ان هذا الحجر مثل ضربه لك صاحب الصور، يقول: ان مثل بنى آدم مثل هذا الحجر الذى وضع ووضع معه ألف حجر فمال بها، ثم اذا وضع عليه التراب شبع
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) في نسخة (كفا من تراب).
===============
(349)
وعاد حجرا مثله، فيقول: كذلك مثلك، أعطاك الله من الملك ما أعطاك فلم ترض به حتى طلبت أمرا لم يطلبه احد كان قبلك، ودخلت مدخلا لم يدخله انس ولا جان، يقول: كذلك ابن آدم لا يشبع حتى يحثى عليه التراب (1) قال: فبكى ذو القرنين بكاءا شديدا وقال: صدقت يا خضر يضرب لى هذا المثل، لا جرم انى لا أطلب اثرا في البلاد بعد مسلكى هذا ثم انصرف راجعا في الظلمة، فبينا هم يسيرون اذا سمعوا خشخشة تحت سنابك خيلهم (2) فقالوا: ايها الملك ما هذا؟ فقال: خذوا منه، فمن أخذ منه ندم ومن تركه ندم، فأخذ بعض وترك بعض، فلما خرجوا من الظلمة اذا هم بالزبرجد، فندم الآخذ والتارك، ورجع ذو القرنين إلى دومة الجندل (3) وكان بها منزله، فلم يزل بها حتى قبضه الله اليه.
قال: وكان (صلى الله عليه وآله) اذا حدث بهذا الحديث قال: رحم الله أخى ذو القرنين ما كان مخطئا اذا سلك ما سلك، وطلب ما طلب، ولو ظفر بواد الزبرجد في مذهبه لما ترك فيه شيئا الا أخرجه للناس، لانه كان راغبا ولكنه ظفر به بعد ما رجع، فقد زهد (4)
قوله تعالى : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم -وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=1833&idto=1835&bk_no=46&ID=1827#docu)
اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف والعن اعدائهم اجمعين
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مقدمة :- ذو القرنين عبدا صالح قتله قومه مرتين المرة الاولى ضربوه قومه في قرنه الايمن واماته الله مائة عام او خمسمائة عام ثم بعثه ثم ضربه قومه في قرنه الايسر فاماته الله مائة عام او خمسمائة ثم بعثه ومكن الله له في الارض ليملك المشرق والمغرب
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
79 ـ عن الاصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: سئل عن ذى القرنين قال: كان عبدا صالحا واسمه عياش واختاره الله وابتعثه إلى قرن من القرون الاولى في ناحية المغرب، وذلك بعد طوفان نوح، فضربوه على قرن رأسه الايمن فمات منها، ثم احياه الله بعد مأة عام، ثم بعثه إلى قرن من القرون الاولى في ناحية المشرق فكذبوه
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) في نسخة (افضل) وفى اخرى (آثر) مكان (اشد).
(2) اى دخل فيه.
(3 ـ 4) البرهان ج 2: 483. البحار ج 5: 165.
===============
(342)
فضربوه ضربة على قرنه الايسر فمات منها، ثم أحياه الله بعد مأة عام وعوضه الله من الضربتين اللتين على رأسه قرنين في موضع الضربتين أجوفين وجعل عز ملكه وآية نبوته في قرنه.
ثم رفعه الله إلى السماء الدنيا فكشط له عن الارض (1) كلها جبالها وسهولها وفجاجها حتى أبصر ما بين المشرق والمغرب، وآتاه الله من كل شئ علما يعرف به الحق والباطل، وأيده في قرنيه بكسف من السماء، فيه ظلمات ورعد وبرق، ثم أهبط إلى الارض وأوحى الله اليه: ان سر في ناحية غرب الارض وشرقها فقد طويت لك البلاد، وذللت لك العباد، فأرهبتهم منك، فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب فكان اذا مر بقرية زأر فيها (2) كما يزأر الاسد المغضب، فينبعث من قرنيه ظلمات ورعد وبرق وصواعق، ويهلك من ناواه وخالفه، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق والمغرب، قال: وذلك قول الله (انا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شئ سببا) فسار (حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) إلى قوله (اما من ظلم ولم يؤمن بربه فسوف نغذبه) في الدنيا بعذاب الدنيا (ثم يرد إلى ربه) في مرجعه (فيعذبه عذابا نكرا) إلى قوله: (وسنقول له من أمرنا يسرا ثم أتبع سببا) ذو القرنين من الشمس سببا.
ثم قال أمير المؤمنين: ان ذا القرنين لما انتهى مع الشمس إلى العين الحامية وجد الشمس تغرب فيها ومعها سبعون الف ملك يجرونها بسلاسل الحديد، والكلاليب يجرونها من قعر البحر في قطر الارض الايمن، كما تجرى السفينة على ظهر الماء، فلما انتهى معها إلى مطلع الشمس سببا (وجدها تطلع على قوم) إلى قوله (بما لديه خبرا) فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ان ذا القرنين ورد على قوم قد أحرقتهم الشمس وغيرت أجسادهم وألوانهم حتى صيرتهم كالظلمة (ثم اتبع) ذو القرنين (سببا) في ناحية الظلمة، (حتى اذا بلغ بين السدين وجد
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) كشط عن الشئ: كشفه عنه.
(2) زأر الاسد: صات من صدره.
===============
(343)
من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قولوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج خلف هذين الجبلين وهم يفسدون في الارض، اذا كان أبان زروعنا وثمارنا خرجوا علينا من هذين السدين، فرعوا من ثمارنا وزروعنا حتى لا يبقون منها شيئا، (فهل نجعل لك خرجا) نؤديه اليك في كل عام (على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) إلى قوله: (زبر الحديد) قال: فاحتفر له جبل حديد فقلعوا له امثال اللبن، فطرح بعضه على بعض فيما بين الصدفين، وكان ذو القرنين هو أول من بنى ردما على الارض، ثم جمع عليه الحطب وألهب فيه النار، ووضع عليه المنافيخ فنفخوا عليه، فلما ذاب قال: آتونى بقسر وهو المس الاحمر.
قال: فاحتفروا له جبلا من مس فطرحوه على الحديد فذاب معه واختلط به، قال: (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا) يعنى يأجوج ومأجوج، (قال هذا رحمة من ربى فاذا جاء وعده ربى جعله دكا وكان وعد ربى حقا) إلى ها هنا رواية على بن الحسن (الحسين خ) ورواية محمد بن نصير.
وزاد جبرئيل بن أحمد في حديثه بأسانيد عن الاصبغ بن نباته عن على بن ابيطالب (صلى الله عليه وآله) (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) يعنى يوم القيمة، وكان ذو القرنين عبدا صالحا وكان من الله بمكان نصح الله فنصح له، وأحب الله فأحبه، وكان قد سبب له في البلاد ومكن له فيها حتى ملك ما بين المشرق والمغرب وكان له خليلا من الملئكة يقال له رفائيل (1) ينزل اليه فيحدثه ويناجيه، فبينا هو ذات يوم عنده اذ قال له ذو القرنين: يا رفائيل كيف عبادة اهل السماء وأين هى من عبادة أهل الارض؟ قال رفائيل: يا ذا القرنين وما عبادة أهل الارض؟ (2) فقال: اما عبادة أهل السماء ما في السموات موضع قدم الا وعليه ملك قائم لا يقعد أبدا أو راكع لا يسجد أبدا او ساجد لا يرفع رأسه أبدا، فبكى ذو القرنين بكاءا شديدا وقال: يا رفائيل انى احب ان أعيش حتى أبلغ من عبادة ربي وحق طاعته بما هو أهله، قال رفائيل: ياذا القرنين
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) وفى نسخة (رفات ئيل) وكذا في الموضع الاتية وفى البحار (روفائيل) و في المنقول عن العرائس (روفائيل).
(2) وفى المحكى عن العرائس (يا ذا القرنين وما عبادتكم عند عبادتنا اه).
===============
(344)
ان لله في الارض عينا تدعى عين الحيوة، فيها عزيمة من الله انه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذى يسئل الله الموت، فان ظفرت بها تعيش ما شئت، قال: و اين تلك العين وهل تعرفها؟ قال: لا، غير انا نتحدث في السماء ان لله في الارض ظلمة لم يطأها انس ولا جان (1)، فقال ذو القرنين: وأين تلك الظلمة؟ قال رفائيل: ما أدرى، ثم صعد رفائيل.
فدخل ذو القرنين حزن طويل من قول رفائيل ومما أخبره عن العين والظلمة ولم يخبره بعلم ينتفع به منهما، فجمع ذو القرنين فقهاء اهل مملكته وعلمائهم و أهل دراسة الكتب وآثار النبوة، فلما اجتمعوا عنده قال ذو القرنين: يا معشر الفقهاء وأهل الكتب وآثار النبوة هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله أو في كتب من كان قبلكم من الملوك ان لله عينا تدعى عين الحيوة؟ فيها من الله عزيمة انه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذى يسئل الله الموت؟ قالوا: لا يا أيها الملك قال:
فهل وجدتم فيما قرأتم من الكتب ان لله في الارض ظلمة لم يطأها انس ولا جان؟ قالوا: لا يا ايها الملك فحزن عليه ذو القرنين حزنا شديدا وبكى، اذ لم يخبر عن العين والظلمة بما يحب.
وكان فيمن حضره غلام من الغلمان من أولاد الاوصياء أوصياء الانبياء وكان ساكتا لا يتكلم حتى اذا آيس ذو القرنين منهم قال له الغلام: ايها الملك انك تسئل هؤلاء عن امر ليس لهم به علم، وعلم ما تريد عندى، ففرح ذو القرنين فرحا شديدا حتى نزل عن فراشه، وقال له: ادن منى، فدنا منه فقال: اخبرنى فقال: نعم ايها الملك انى وجدت في كتاب آدم الذى كتب يوم سمى له ما في الارض من عين أو شجر، فوجدت فيه ان لله عينا تدعى عين الحيوة، فيها من الله عزيمة انه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذى يسئل الله الموت بظلمة لم يطأها انس ولا جان، ففرح ذو القرنين وقال: ادن منى يا ايها الغلام تدرى أين موضعها؟ قال: نعم، وجدت
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) وفى المحكى عن العرائس زيادة وهى: (فنحن نظن ان تلك العين في تلك الظلمة).
===============
(345)
في كتاب آدم انها على قرن الشمس يعنى مطلعها.
ففرح ذو القرنين وبعث إلى أهل مملكته فجمع اشرافهم وفقهائهم وعلمائهم واهل الحكم منهم، فاجتمع اليه ألف حكيم وعالم وفقيه، فلما اجتمعوا اليه تهيأ للمسير وتأهب له بأعد العدة، واقوى القوة، فسار بهم يريد مطلع الشمس يخوض البحار (1) ويقطع الجبال والفيا في (2) والارضين والمفاوز، فسار اثنا عشر سنة حتى انتهى إلى طرف الظلمة، فاذا هى ليست بظلمة ليل ولا دخان ولكنها هواء يفور فسد ما بين الافقين، فنزل بطرفها وعسكر عليها وجمع علماء اهل عسكره وفقهائهم وأهل الفضل منهم فقال: يا معشر الفقهاء والعلماء انى اريد ان اسلك هذه الظلمة فخروا له سجدا فقالوا: ايها الملك انك لتطلب أمرا ما طلبه ولا سلكه أحد من كان قبلك من النبيين والمرسلين، ولا من الملوك، قال: انه لابد لى من طلبها، قالوا:
يا ايها الملك انا لنعلم انك اذا سلكتها ظفرت بحاجتك منها بغير عنت عليك لامرنا ولكنا نخاف ان يعلق بك (3) منها أمر يكون فيه هلاك ملكك وزوال سلطانك، و فساد من في الارض، فقال: لابد من ان اسلكها فخروا سجدا لله وقالوا: انا نتبرء اليك مما يريد ذو القرنين.
فقال ذو القرنين: يا معشر العلماء أخبرونى بأبصر الدواب؟ قالوا: الخيل الاناث البكارة ابصر الدواب، فانتخب من عسكره فأصاب ستة آلاف فرس اناثا أبكارا وانتخب من اهل العلم والفضل والحكمة ستة آلاف رجل، فدفع إلى كل رجل فرسا وعقد (4) لافسحر ـ وهو الخضر ـ على ألف فرس، فجعلهم على مقدمته وأمرهم ان يدخلوا الظلمة وسار ذو القرنين في أربعة آلاف، وامر أهل عسكره ان يلزموا معسكره اثنا عشر سنة، فان رجع هو اليهم إلى ذلك الوقت والا تفرقوا في البلاد، ولحقوا
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) خاض الماء: دخله.
(2) الفيا في كصحارى لفظا ومعنى.
(3) وفى نسخة (يتفق عليك).
(4) وفى نسخة (يتفق عليك) (وولى).
===============
(346)
ببلادهم أو حيث شاؤا.
فقال الخضر: أيها الملك انا نسلك في الظلمة لا يرى بعضنا بعضا كيف نصنع بالضلال اذا أصابنا فأعطاه ذو القرنين خرزة حمرا (1) كأنها مشعلة لها ضوء فقال خذ هذه الخرزة فاذا أصابكم الضلال فارم بها إلى الارض، فانها تصيح، فاذا صاحت رجع اهل الضلال إلى صوتها، فأخذها الخضر ومضى في الظلمة وكان الخضر يرتحل وينزل ذو القرنين فبينا الخضر يسير ذات يوم اذ عرض له واد في الظلمة، فقال لاصحابه: قفوا في هذا الموضع لا يتحركن أحد منكم عن موضعه، ونزل عن فرسه فتناول الخرزة فرمى بها في الوادى فأبطأت عنه بالاجابة حتى ساء ظنه وخاف ان لا يجيبه ثم أجابته، فخرج إلى صوتها فاذا هى على جانب العين ـ يقفوها ـ واذا ماؤها أشد بياضا من اللبن واصفى من الياقوت، وأحلى من العسل، فشرب منه ثم خلع ثيابه فاغتسل منها، ثم لبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه فأجابته، فخرج إلى اصحابه وركب وامرهم بالمسير فساروا.
ومر ذو القرنين بعده فاخطأوا الوادى فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما و اربعين ليلة ثم خرجوا بضوء ليس بضوء نهار ولا شمس ولا قمر ولكنه نور فخرجوا إلى الارض حمراء ورملة خشخاشة فركة (2) كان حصاها اللؤلؤ، فاذا هو بقصر مبنى على طول فرسخ فجاء ذو القرنين إلى الباب فعسكر عليه ثم توجه بوجهه وحده الي القصر فاذا طائر واذا حديدة طويلة قد وضع طرفاها على جانبى القصر، والطير الاسود معلق بأنفه في تلك الحديدة بين السماء والارض مزموم كأنه الخطاف او صورة الخطاف
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) الخرزة: ـ واحدة الخرز محركة ـ الحب المثقوب من الزجاج ونحوه تنظم منه المسابح والقلائد ونحوها. فصوص من حجارة كالماس والياقوت.
(2) قال الفيروز آبادى: الخشخشة: صوت السلاح، وكل شئ يابس اذا حل بعضه ببعض والدخول في الشئ. وقوله (عليه السلام): (فركة) اى كانت لينة بحيث كان يمكن فركها باليد (بحار الانوار).
===============
(347)
او شبيه بالخطاف او هو خطاف، فلما سمع خشخشة ذى القرنين، قال: من هذا؟ قال أنا ذو القرنين، فقال الطائر: يا ذا القرنين اما كفاك ما ورائك حتى وصلت إلى حد بابى هذا؟ ففرق ذو القرنين فرقا شديدا (1) فقال: يا ذا القرنين لا تخف وأخبرنى، قال: سل، قال: هل كثر بنيان الآجر والجص في الارض؟ قال: نعم، قال: فانتفض الطير وامتلا حتى ملا من الحديدة ثلثها، ففرق ذو القرنين فقال:
لا تخف، فأخبرنى قال: سل، قال: هل كثر المعازف؟ (2) قال: نعم، قال فانتفض الطير وامتلاء حتى امتلاء من الحديدة ثلثيها، ففرق ذو القرنين فقال: لا تخف و أخبرنى، قال: سل قال: هل ارتكب الناس شهادة الزور في الارض؟ قال: نعم، فانتفض انتفاضة وانتفخ، فسد ما بين جدارى القصر قال: فامتلاء ذو القرنين عند ذلك فرقا منه، فقال له: لا تخف وأخبرنى قال: سل قال: هل ترك الناس شهادة ان لا اله الا الله؟ قال: لا، فانضم ثلثه ثم قال: يا ذا الققرنين لا تخف وأخبرنى، قال: سل، قال: هل ترك الناس الصلوة المفروضة؟ قال: لا، قال: فانضم ثلث آخر، ثم قال: يا ذو القرنين لا تخف وأخبرنى، قال: سل، قال: هل ترك الناس الغسل من الجنابة؟ قال: لا، قال: فانضم حتى عاد إلى الحالة الاولى.
واذا هو بدرجة مدرجة إلى اعلى القصر فقال الطير: يا ذا القرنين اسلك هذه الدرجة، فسلكها وهو خائف لا يدرى ما يهجم عليه حتى استوى على ظهرها، فاذا هو بسطح ممدود مد البصر واذا رجل شاب أبيض مضئ الوجه، عليه ثياب بيض حتى كانه رجل او في صورة رجل او شبيه بالرجل أو هو رجل، واذا هو رافع رأسه إلى السماء ينظر اليها، واضع يده على فيه، فلما سمع خشخشة ذى القرنين قال: من هذا؟ قال: انا ذو القرنين قال: يا ذا القرنين ما كفاك ما وراك حتى وصلت إلى؟ قال ذو القرنين: مالى أراك واضعا يدك على فيك؟ قال: يا ذا القرنين أنا صاحب الصور، وان الساعة قد اقتربت، وانا أنتظر ان اؤمر بالنفخ فأنفخ، ثم ضرب بيده
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) فرق ـ كعلم ـ: فزع.
(2) المعازف: الملاهى كالعود والطنبور.
===============
(348)
فتناول حجرا فرمى به إلى ذى القرنين، كأنه حجر أو شبه حجر او هو حجر، فقال يا ذا القرنين خذها فان جاع جعت، وان شبع شبعت فارجع، فرجع ذو القرنين بذلك الحجر حتى خرج به إلى أصحابه، فأخبرهم بالطير وما سأله عنه وما قال له، وما كان من أمره واخبرهم بصاحب السطح وما قال له وما أعطاه.
ثم قال لهم: انه اعطانى هذا الحجر وقال لي ان جاع جعت، وان شبع شبعت، وقال: أخبرونى بأمر هذا الحجر، فوضع الحجر في احدى الكفتين ووضع حجرا مثله في الكفة الاخرى، ثم رفعوا الميزان فاذا الحجر الذى جاء به أرجح بمثل الآخر، فوضعوا آخر فمال به حتى وضعوا ألف حجر كلها مثله، ثم رفعوا الميزان فمال بها ولم يستمل به الالف حجر، وقالوا: يا ايها الملك لا علم لنا بهذا، فقال له الخضر: ايها الملك انك تسئل هؤلاء عما لا علم لهم به، وقد اوتيت علم هذا الحجر فقال ذو القرنين: فأخبرنا به وبينه لنا فتناول الخضر الميزان فوضع الحجر الذى جاء به ذو القرنين في كفة الميزان، ثم وضع حجرا آخر في كفة أخرى ثم وضع كفة تراب (1) على حجر ذى القرنين يزيده ثقلا، ثم رفع الميزان فاعتدل وعجبوا وخروا سجدا لله، وقالوا: ايها الملك هذا أمر لم يبلغه علمنا، وانا لنعلم ان الخضر ليس بساحر فكيف هذا؟ وقد وضعنا معه ألف حجر كلها مثله فمال بها، وهذا قد اعتدل به وزاده ترابا قال ذو القرنين: بين يا خضر لنا أمر هذا الحجر.
قال الخضر: ايها الملك ان أمر الله نافذ في عباده، وسلطانه قاهر، وحكمه فاصل، وان الله ابتلى عباده بعضهم ببعض، وابتلى العالم بالعالم، والجاهل بالجاهل، والعالم بالجاهل، والجاهل بالعالم، وانه ابتلانى بك وابتلاك بى، فقال ذو القرنين: يرحمك الله يا خضر انما تقول ابتلانى بك حين جعلت أعلم منى، وجعلت تحت يدى، أخبرنى يرحمك الله عن أمر هذا الحجر، فقال الخضر: ايها الملك ان هذا الحجر مثل ضربه لك صاحب الصور، يقول: ان مثل بنى آدم مثل هذا الحجر الذى وضع ووضع معه ألف حجر فمال بها، ثم اذا وضع عليه التراب شبع
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) في نسخة (كفا من تراب).
===============
(349)
وعاد حجرا مثله، فيقول: كذلك مثلك، أعطاك الله من الملك ما أعطاك فلم ترض به حتى طلبت أمرا لم يطلبه احد كان قبلك، ودخلت مدخلا لم يدخله انس ولا جان، يقول: كذلك ابن آدم لا يشبع حتى يحثى عليه التراب (1) قال: فبكى ذو القرنين بكاءا شديدا وقال: صدقت يا خضر يضرب لى هذا المثل، لا جرم انى لا أطلب اثرا في البلاد بعد مسلكى هذا ثم انصرف راجعا في الظلمة، فبينا هم يسيرون اذا سمعوا خشخشة تحت سنابك خيلهم (2) فقالوا: ايها الملك ما هذا؟ فقال: خذوا منه، فمن أخذ منه ندم ومن تركه ندم، فأخذ بعض وترك بعض، فلما خرجوا من الظلمة اذا هم بالزبرجد، فندم الآخذ والتارك، ورجع ذو القرنين إلى دومة الجندل (3) وكان بها منزله، فلم يزل بها حتى قبضه الله اليه.
قال: وكان (صلى الله عليه وآله) اذا حدث بهذا الحديث قال: رحم الله أخى ذو القرنين ما كان مخطئا اذا سلك ما سلك، وطلب ما طلب، ولو ظفر بواد الزبرجد في مذهبه لما ترك فيه شيئا الا أخرجه للناس، لانه كان راغبا ولكنه ظفر به بعد ما رجع، فقد زهد (4)