مرتضى علي الحلي
22-06-2013, 12:17 AM
الوهابيَّةُ يُخالفون اللهَ تعالى وشيخهم أبن تيميَّة
في مشروعيَّة التوسل بالنبي :صلى الله عليه وآله وسلّم :
=============================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
: مَدخلٌ مَفاهيمي :
==========
إنَّ مفهوم الوسيلة أو التوسل بالسبب للوصول إلى تحقيق المطلوب في علاقة الإنسان المسلم والمؤمن
بالله تعالى
قد عرِضَ إليه القرآن الكريم في موردين
هما قوله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة35
{أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً }الإسراء57
حتى أنَّ القرآن الكريم قد قرن إرشاده إلى طلب الوسيلة بلفظة شديدة الإيقاع وعميقة المعنى
وهي
كلمة (ابتغوا ) وابتغاء الشيء لغة : هو الاجتهاد في طلبه .
في الآية الأولى والتي جاءت بصورة الأمر الإرشادي إلى ما يدركه العقل العملي عند بني الإنسان
إدراكاً يضع التوسل بالسبب إلى مُسبب الأسباب (الله تعالى) في المُحسّنات العقلية
ولايرى إستقباحاً في إعمال التوسل سببا وطريقاً للتقرب إلى الله تعالى وبوسيلة مشروعة دينيا وعقليا .
وأما ما جاء في الآية الثانية من صيغة الفعل المضارع (يبتغون )
حكايةً عن صنفٍ من الناس
قد أبتغوا الوسيلة سبيلاً مُقرِّباً ومُؤمِّناً من الوقوع في ما يوجب العقاب الآخروي .
فهو الآخر فيه من البيان الناجع بحقيقة نزوع الإنسان في جميع شؤوناته الحياتية
وعلى رأسها العقدية إلى كل مايُقرِّب من الله تعالى وسيلة صالحة وموصولة ومُحققة لأغراض العبد في طلبه المشروع دينيا وعقليا.
ولو طالعنا معاجم اللغة العربية لوجدنا الإطلاق
قد أُخِذَ في مدلول لفظة الوسيلة إستعمالا
فالوسيلة لغة : فعيلة بمعنى ما يُتوسّل به مُطلقا
وشرعاً :هي كل ما يُتقرّب به إلى الله عزّ وجلّ
من فعل الطاعات وترك المعاصي والتوسل بالمعصومين :عليهم السلام:
وقال الراغب الأصفهاني في المفردات
في مادة وسُل:
الوسيلة : هي التوسّل إلى الشيء برغبة
وهي أخصّ من الوصيلة لتضمنها معنى الرغبة
قال تعالى : وابتغوا إليه الوسيلة
وحقيقة الوسيلة إلى الله مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحرّي مكارم الشريعة ، وهي كالقربة.
وقال أبن تيميَّة
: وَالْوَسِيلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَبْتَغِيَهَا إلَيْهِ هِيَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ بِطَاعَتِهِ وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ .
وَهَذِهِ الْوَسِيلَةُ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَيْهَا إلَّا بِاتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ
وَهَذَا التَّوَسُّلُ بِهِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ .
وَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ - كَمَا يَسْأَلُهُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ
وَكَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَوَسَّلُونَ بِشَفَاعَتِهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَغَيْرِهِ مِثْلُ تَوَسُّلِ الْأَعْمَى بِدُعَائِهِ حَتَّى رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ –
فَهَذَا نَوْعٌ ثَالِثٌ هُوَ وَمِنْ بَابِ قَبُولِ اللَّهِ دُعَاءَهُ وَشَفَاعَتَهُ لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ
فَمَنْ شَفَعَ لَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ فَهُوَ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَدْعُ لَهُ وَلَا يَشْفَعْ لَهُ :
:مجموع الفتاوى:أبن تيمية:ج1:ص247:
وقال أبن تيميَّة أيضا :
فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِه
ِ { أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ : إنَّا نَسْتَشْفِعُ بِك عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاَللَّهِ عَلَيْك .
فَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ وَقَالَ وَيْحَك أَتَدْرِي مَا اللَّهُ ؟ إنَّ اللَّهَ لَا يُسْتَشْفَعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ } .
وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِشْفَاعِ بِالشَّخْصِ - فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ - هُوَ اسْتِشْفَاعٌ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ لَيْسَ هُوَ السُّؤَالُ بِذَاتِهِ
فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا السُّؤَالُ بِذَاتِهِ لَكَانَ سُؤَالُ الْخَلْقِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ بِالْخَلْقِ
وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ هُوَ الْأَوَّلُ أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ : نَسْتَشْفِعُ بِاَللَّهِ عَلَيْك :
وَلَمْ يُنْكِرْ قَوْلَهُ نَسْتَشْفِعُ بِك عَلَى اللَّهِ
لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَسْأَلُ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَةَ الطَّالِبِ
وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَسْأَلُ أَحَداً مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ خَلْقِهِ
وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ ذَكَرَ اسْتِشْفَاعَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : - شَفِيعِي إلَيْك اللَّهُ لَا رَبَّ غَيْرَهُ وَلَيْسَ إلَى رَدِّ الشَّفِيعِ سَبِيلُ
فَهَذَا كَلَامٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ عَالِمٌ :
:مجموع الفتاوى:أبن تيمية:ج1:ص316:
وفي هذين القولين أعلاه إقرارٌ صريحٌ
من أبن تيمية بمشروعية التوسل بالنبي محمد
:صلى اللهُ عليه وآله وسلّم :
والتشفع به في الدنيا والآخرة
والتشفع هو أيضاً سببٌ مشروعٌ دينيا من أسباب الوسيلة في تحقيق ما يطلبه الطالب .
وإنَّ أبن تيمية رغم إقراره الصريح بمشروعية الوسيلة وسبلها ومنها الإستشفاع بالنبي:ص:
إلاَّ أنه حاول أن يدسَّ مايعتقده هو من عقيدة فاسدة
بأنكار واقعيَّة مقام النبي محمد:ص: ذاتيا وشأنيا ومقاميا خاصة بعد رحيله إلى الرفيق الأعلى.
فقال في طيات النص الثاني
: وشفاعته لَيْسَ هُوَ السُّؤَالُ بِذَاتِهِ
فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا السُّؤَالُ بِذَاتِهِ
لَكَانَ سُؤَالُ الْخَلْقِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ بِالْخَلْقِ :
بمعنى أنَّ أبن تيمية يُريدُ أن يحصر التوسل بالنبي :ص: في حياته الشريفة وفي صورة دعاء النبي :ص: وإستشفاعه للطالبين .
فقط دون أن يتوسع إلى ما بعد حياته الشريفة .
مُنكراً بذلك ما أقره القرآن الكريم من واقعية المقام النبوي المحمدي الخاتم مطلقا
في حياته وبعدها بما فيها الدار الآخرة.
قال اللهُ تعالى
مُفصحاً عن القدر الكبير والمقام الجليل الذي أكرم به نبيه الخاتم محمد:ص:
{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }التوبة103
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }النساء64
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }الضحى5
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى{8}
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى{9}النجم
ودنو النبي محمد:ص: هنا هو دنو واقعي
ونفس أمري قد تحقق في مراحليَّة الكمال النبوي الشريف
في قربيته الوجودية من الله تعالى .
وقال تعالى أيضا
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }الإسراء79
وهذه الآية الشريفة هي شهادة بواقعيَّة مقام
و علو قدر ورفعة درجة النبي محمد:ص:
خاصة وأنَّ عسى هنا المُسندة إلى الله تعالى
قد أفادت معنى الإيجاب واليقين .
بلاشك .
بمعنى أنَّ الله تعالى يقيناً قد أعطى نبيه الأكرم محمد:ص: طبقاً للإستحقاق
مقاماً محمودا عند ه وعند جميع الخلائق
وهو مقام الشفاعة الكبرى له:ص: يوم القيامة على ما جاء في تفاسير المسلمين كافة .
وعلى أساسٍ من الذي تقدَّمَ أعلاه لايحق لأحدٍ أن ينكر قدر ومقام ورفعة شخص وذات النبي محمد:ص: بالفعل حتى بعد مماته
ذلك إنَّ مقام وقدر النبي الخاتم هو مُنحفظٌ له شأنيا وذاتيا حتى وهو في قبره الشريف
ليكون بذلك الإختصاص مؤئلا يعودُ إليه كلَّ مسلم ومؤمن في صلاته ودعائه وزيارته
من هنا ينكشف عمق الترابط التعبدي بين الإنسان المسلم ونبيه الخاتم
سيما في صورة التسليم على شخص النبي الكريم محمد:ص: في الصلاة اليومية
ودائبيَّة الصلوات الربانية والملائكية وصلوات المؤمنين قاطبة ومطلقا.
قال تعالى
{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56
والسلامُ عليكمُ ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
في مشروعيَّة التوسل بالنبي :صلى الله عليه وآله وسلّم :
=============================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
: مَدخلٌ مَفاهيمي :
==========
إنَّ مفهوم الوسيلة أو التوسل بالسبب للوصول إلى تحقيق المطلوب في علاقة الإنسان المسلم والمؤمن
بالله تعالى
قد عرِضَ إليه القرآن الكريم في موردين
هما قوله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة35
{أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً }الإسراء57
حتى أنَّ القرآن الكريم قد قرن إرشاده إلى طلب الوسيلة بلفظة شديدة الإيقاع وعميقة المعنى
وهي
كلمة (ابتغوا ) وابتغاء الشيء لغة : هو الاجتهاد في طلبه .
في الآية الأولى والتي جاءت بصورة الأمر الإرشادي إلى ما يدركه العقل العملي عند بني الإنسان
إدراكاً يضع التوسل بالسبب إلى مُسبب الأسباب (الله تعالى) في المُحسّنات العقلية
ولايرى إستقباحاً في إعمال التوسل سببا وطريقاً للتقرب إلى الله تعالى وبوسيلة مشروعة دينيا وعقليا .
وأما ما جاء في الآية الثانية من صيغة الفعل المضارع (يبتغون )
حكايةً عن صنفٍ من الناس
قد أبتغوا الوسيلة سبيلاً مُقرِّباً ومُؤمِّناً من الوقوع في ما يوجب العقاب الآخروي .
فهو الآخر فيه من البيان الناجع بحقيقة نزوع الإنسان في جميع شؤوناته الحياتية
وعلى رأسها العقدية إلى كل مايُقرِّب من الله تعالى وسيلة صالحة وموصولة ومُحققة لأغراض العبد في طلبه المشروع دينيا وعقليا.
ولو طالعنا معاجم اللغة العربية لوجدنا الإطلاق
قد أُخِذَ في مدلول لفظة الوسيلة إستعمالا
فالوسيلة لغة : فعيلة بمعنى ما يُتوسّل به مُطلقا
وشرعاً :هي كل ما يُتقرّب به إلى الله عزّ وجلّ
من فعل الطاعات وترك المعاصي والتوسل بالمعصومين :عليهم السلام:
وقال الراغب الأصفهاني في المفردات
في مادة وسُل:
الوسيلة : هي التوسّل إلى الشيء برغبة
وهي أخصّ من الوصيلة لتضمنها معنى الرغبة
قال تعالى : وابتغوا إليه الوسيلة
وحقيقة الوسيلة إلى الله مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحرّي مكارم الشريعة ، وهي كالقربة.
وقال أبن تيميَّة
: وَالْوَسِيلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَبْتَغِيَهَا إلَيْهِ هِيَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ بِطَاعَتِهِ وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ .
وَهَذِهِ الْوَسِيلَةُ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَيْهَا إلَّا بِاتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ
وَهَذَا التَّوَسُّلُ بِهِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ .
وَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ - كَمَا يَسْأَلُهُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ
وَكَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَوَسَّلُونَ بِشَفَاعَتِهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَغَيْرِهِ مِثْلُ تَوَسُّلِ الْأَعْمَى بِدُعَائِهِ حَتَّى رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ –
فَهَذَا نَوْعٌ ثَالِثٌ هُوَ وَمِنْ بَابِ قَبُولِ اللَّهِ دُعَاءَهُ وَشَفَاعَتَهُ لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ
فَمَنْ شَفَعَ لَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ فَهُوَ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَدْعُ لَهُ وَلَا يَشْفَعْ لَهُ :
:مجموع الفتاوى:أبن تيمية:ج1:ص247:
وقال أبن تيميَّة أيضا :
فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِه
ِ { أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ : إنَّا نَسْتَشْفِعُ بِك عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاَللَّهِ عَلَيْك .
فَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ وَقَالَ وَيْحَك أَتَدْرِي مَا اللَّهُ ؟ إنَّ اللَّهَ لَا يُسْتَشْفَعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ } .
وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِشْفَاعِ بِالشَّخْصِ - فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ - هُوَ اسْتِشْفَاعٌ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ لَيْسَ هُوَ السُّؤَالُ بِذَاتِهِ
فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا السُّؤَالُ بِذَاتِهِ لَكَانَ سُؤَالُ الْخَلْقِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ بِالْخَلْقِ
وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ هُوَ الْأَوَّلُ أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ : نَسْتَشْفِعُ بِاَللَّهِ عَلَيْك :
وَلَمْ يُنْكِرْ قَوْلَهُ نَسْتَشْفِعُ بِك عَلَى اللَّهِ
لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَسْأَلُ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَةَ الطَّالِبِ
وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَسْأَلُ أَحَداً مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ خَلْقِهِ
وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ ذَكَرَ اسْتِشْفَاعَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : - شَفِيعِي إلَيْك اللَّهُ لَا رَبَّ غَيْرَهُ وَلَيْسَ إلَى رَدِّ الشَّفِيعِ سَبِيلُ
فَهَذَا كَلَامٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ عَالِمٌ :
:مجموع الفتاوى:أبن تيمية:ج1:ص316:
وفي هذين القولين أعلاه إقرارٌ صريحٌ
من أبن تيمية بمشروعية التوسل بالنبي محمد
:صلى اللهُ عليه وآله وسلّم :
والتشفع به في الدنيا والآخرة
والتشفع هو أيضاً سببٌ مشروعٌ دينيا من أسباب الوسيلة في تحقيق ما يطلبه الطالب .
وإنَّ أبن تيمية رغم إقراره الصريح بمشروعية الوسيلة وسبلها ومنها الإستشفاع بالنبي:ص:
إلاَّ أنه حاول أن يدسَّ مايعتقده هو من عقيدة فاسدة
بأنكار واقعيَّة مقام النبي محمد:ص: ذاتيا وشأنيا ومقاميا خاصة بعد رحيله إلى الرفيق الأعلى.
فقال في طيات النص الثاني
: وشفاعته لَيْسَ هُوَ السُّؤَالُ بِذَاتِهِ
فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا السُّؤَالُ بِذَاتِهِ
لَكَانَ سُؤَالُ الْخَلْقِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ بِالْخَلْقِ :
بمعنى أنَّ أبن تيمية يُريدُ أن يحصر التوسل بالنبي :ص: في حياته الشريفة وفي صورة دعاء النبي :ص: وإستشفاعه للطالبين .
فقط دون أن يتوسع إلى ما بعد حياته الشريفة .
مُنكراً بذلك ما أقره القرآن الكريم من واقعية المقام النبوي المحمدي الخاتم مطلقا
في حياته وبعدها بما فيها الدار الآخرة.
قال اللهُ تعالى
مُفصحاً عن القدر الكبير والمقام الجليل الذي أكرم به نبيه الخاتم محمد:ص:
{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }التوبة103
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }النساء64
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }الضحى5
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى{8}
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى{9}النجم
ودنو النبي محمد:ص: هنا هو دنو واقعي
ونفس أمري قد تحقق في مراحليَّة الكمال النبوي الشريف
في قربيته الوجودية من الله تعالى .
وقال تعالى أيضا
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }الإسراء79
وهذه الآية الشريفة هي شهادة بواقعيَّة مقام
و علو قدر ورفعة درجة النبي محمد:ص:
خاصة وأنَّ عسى هنا المُسندة إلى الله تعالى
قد أفادت معنى الإيجاب واليقين .
بلاشك .
بمعنى أنَّ الله تعالى يقيناً قد أعطى نبيه الأكرم محمد:ص: طبقاً للإستحقاق
مقاماً محمودا عند ه وعند جميع الخلائق
وهو مقام الشفاعة الكبرى له:ص: يوم القيامة على ما جاء في تفاسير المسلمين كافة .
وعلى أساسٍ من الذي تقدَّمَ أعلاه لايحق لأحدٍ أن ينكر قدر ومقام ورفعة شخص وذات النبي محمد:ص: بالفعل حتى بعد مماته
ذلك إنَّ مقام وقدر النبي الخاتم هو مُنحفظٌ له شأنيا وذاتيا حتى وهو في قبره الشريف
ليكون بذلك الإختصاص مؤئلا يعودُ إليه كلَّ مسلم ومؤمن في صلاته ودعائه وزيارته
من هنا ينكشف عمق الترابط التعبدي بين الإنسان المسلم ونبيه الخاتم
سيما في صورة التسليم على شخص النبي الكريم محمد:ص: في الصلاة اليومية
ودائبيَّة الصلوات الربانية والملائكية وصلوات المؤمنين قاطبة ومطلقا.
قال تعالى
{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56
والسلامُ عليكمُ ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :