مهدي الجصاني
23-06-2013, 02:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ * وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُـمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الاَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (النور / 54-57 )
من المناسبات والأحداث العظيمة التي يجب على كل مؤمن ومسلم، وعلى وجه الخصوص الاخوة المؤمنون الرساليون الذين يشكلون طليعة المجتمع والأمة، الاستفادة القصوى منها واستخلاص الدروس والعبر والوعي المسؤول من وحيها؛ مناسبة ليلة النصف من شعبان، حيث ولادة النور الإلهي المحمدي، ولادة إمامنا الحجة بن الحسن عجل الله فرجه، فزاد هذه الليلة كرامة الى كرامتها، وهذا الشهر شرفا وعظمة إلى شرفه وعظمته .
بصائر المعرفة بالامامة والإمام
فمناسبة شريفة كريمة تتمثل بميلاد خاتم الأوصياء وإمام العصر والشفيع الذي لا يزال ناظرا ورقيباً، سيدنا وإمامنا المهدي المنتظر عجل الله فرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه؛ مناسبة كهذه لابد أن تكون محطة تزود وانطلاق للمؤمنين الرساليين ، وحافزا قويا للتقدم والقفز الى الأمام على طريق التطور الإيجابي، والانبعاث المتواصل من عمق الأمل والطموح الرسالي المستمد من وجود الإمام عجل الله فرجه، ونبذ السكون والانفلات من قوقعة الجمود .. وذلك عن طريق أكثر من رؤية وبصيرة إيمانية يجب أن نستفيدها من هذا البحر الزاخر ، والفيض الإلهي المتدفق .
فلو عرف الإنسان مستوى درجة الإمامة ، والمقام الأرفع والأسمى لها؛ ولو عرف أن الإمام والامامة هي الدرجة التي تسبق والتي تلحق درجة النبوة. فإبراهيم عليه السلام كان نبياً ورسولاً من أولي العزم حينما امتحنه الله سبحانه بأشد الامتحانات؛ بالنيران التي القي فيها فصبر وسلم لله تعالى. بالهجرة، حيث ترك زوجته وطفله الرضيع عند البيت الحرام اذ لا ماء ولا زرع وسكن، وبأمره أن يذبح ابنه بيده ، وغيرها من الابتلاءات العظيمة. هنالك فقط وبعد أن اجتاز إبراهيم عليه السلام كل الامتحانات، جعله الله سبحانه إماما ( وإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَاَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ) .
فإذا عرفنا هذه الحقيقة، وعرفنا أن مولانا المهدي عجل الله فرجه هو إمام، أي انه في هذا المستوى العظيم والدرجة الرفيعة، وأنه حي يتعايـش معنــا ويرانا من حيث لا نراه، وأنه مطلع على أحوالنا ويراقب صفحات أعمالنا التي تعرض عليه يومياً، وأننا بحاجة ماسة إليه، لبركاته ونوره وحبه و.. ليشفع لنا ذنوبنا ولنهتدي به جادة الحق والصواب ويوحدنا وينقذنا من صحراء التيه والضياع، من الانكسار والذلة، إذا عرفنا ذلك، فلابد ان نستفيد من هذه المعرفة عدة بصائر، ولنتساءل عن كيفية إقامة علاقة حقيقية تربطنا بالإمام عجل الله فرجه، وكيف نمتن هذه العلاقة؟ وهل أن الحجة عليه السلام هو الذي لا يريد إقامة مثل هذه العلاقة معنا أم أننا نحن الذين لا نريد ولا نسعى إليها ؟
في هذا الجانب ينقل أحد العلماء أنه وبينما كان يشتغل بالتدريس في النجف الاشرف إذ جاءه رجل من أهل القرى البعيدة وطلب الدراسة من اليوم التالي. وفي أحد الأيام صادف أن فقد العالم خاتمه، ففتش كل زوايا بيته فلم يعثر عليه، فأصبح مغموما لأنه كان متعلقا بهذا الخاتم، ولكنه عندما حضر لإلقاء أحد الدروس على طلبته قام ذلك الطالب الجديد فقال لـه: ياسيدنا، إن خاتمك موجود في غرفتك، وفي الموضع الفلاني بالتحديد فتعجب العالم من معرفة الطالب بأمر خاتمه ، ومعرفته بالمكان الموجود فيه بالتحديد،. الا أنه كتم عجبه وذهب إلى بيته فرأى الخاتم هنالك في الغرفة كما أخبره الطالب ومرت الأيام والليالي فحدث أن أضاع العالم شيئاً معيناً في بيته أيضاً، فحدثت مشادة بينه وبين زوجته بسبب ذلك ، وكما في المرة الأولى جاء السيد العالم الى مكان الدرس ، فإذا بنفس الطالب يقول لـه: بأن الشيء الذي فقدته هو في المكان الكذائي من بيتك. وبعد انتهاء الدرس ذهب العالم إلى البيت فوجد ما أضاعه في نفس المكان الذي أخبره عنه ذلك الرجل. يقول هذا الفقيه: بأنني كنت في غاية العجب من أمر هذا الرجل ، فأنا متأكد بان لا أحد يعلم بأنني أضعت ما أضعت ، كما أني فتشت بيتي مراراً فلم أعثر على ما فقدته قبل أن يخبرني هو بذلك ، فذهبت اليه وقلت: يا أخي من أين تأتي بهذه الأخبار العجيبة ؟ فقال لي: أنا أيضا لا أعرف، ولكنه أحد أصحابي أراه في الشارع واسلم عليه ، هو الذي أخبرني بذلك. يقول العالم : فشكرته وطلبت منه إذا ما رأى ذلك الشخص ثانية أن يقول له بأن السيد ( العالم ) يريد أن يصل بخدمتك، فجاءني في اليوم التالي وقال: بانه نقل رغبة السيد لصاحبه فرد عليه بالقول : قل للسيد أن يصبح آدميا حتى أصل أنا بخدمته !
وينقل السيد الفقيه أنه سأل الطالب عمن يكون وما هي قصته وأعماله وسلوكه الذي أوصله الى هذه الدرجة، بحيث أصبح يلتقي بالإمام الحجة عجل الله فرجه، فذكر لـه بأنه أحد أبناء شيوخ العشائر ، وأن والده رجل يفعل المنكرات من قتل ونهب و ..، وأنه ( أي الابن ) ينكر أفعال والده ولكنه لا يملك القدرة على مقاومته. وبعد أن مات والده في إحدى الليالي كان منصب رئاسة العشيرة سينتقل إليه حسب العادات والتقاليد العشائرية في مثل هذه الحالة ، ولأنه يخشى أن يكون مثل والده إن هو تسلم المنصب فيقوم بفعل المنكرات والمحرمات ، بقي تلك الليلة يفكر حتى الصباح ويخير نفسه بين الدنيا والآخرة ، فقرر في نهاية الأمر أن يترك عشيرته وبيته ويهرب من هذه المسؤولية الى النجف الأشرف ليكون طالباً للعلم عند هذا العالم. لقد فرّ هذا الرجل الصالح من الرئاسة المنكرة، ومن حطام الدنيا الفاني؛ فر بدينه وأخذ يرى الإمام المهدي عجل الله فرجه ( تِلْكَ الدَّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً)
توثيق عرى العلاقة بالإمام المنتظر
نعم؛ إن الإمام موجود معنا وقريب منا، ولكن الأعمال السيئة والمنكرات هي التي تحجب أبصارنا عن رؤيته، وتسد أسماعنا عن سماع كلامه ، وسماع جوابه عندما نزوره ونسلم عليه مثلاً ، وكذلك جميع الأئمة الأطهار عليهم السلام. وإن الله سبحانه قريب منا، أقرب مما نتصوره بعقولنا الغافلة وأحاسيسنا المحدودة. ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ، وكما يقول الإمام السجاد عليه السلام في دعائه. "وإنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال دونك "(1) (http://gadir.free.fr/Ar/Mahdi/Mahdi/book10/2.htm#1). فهو تعالى ليس ببعيد عنا ، ولكننا نحن البعيدون عنه سبحانه نتيجة لسوء أعمالنا ..
إذن؛ فالإمام عجل الله فرجه موجود معنا، والواجب أن نصلح أنفسنا لنشعر بوجوده ونعمق علاقتنا به ، بل قد نحظى بشرف رؤيته واللقاء به في بعض الأوقات والأماكن، فذلك شيء ممكن بإذن الله تعالى . ولكن كيف يمكننا أن نصلح أنفسنا ونزيد من ارتباطنا وحرارة علاقتنا به عجل الله فرجه ؟
هناك عدة خطوات يمكن أن نقوم بها في هذا السبيل، وهي خطوات بإمكان كل شخص منا القيام بها بتوفيق الله له، وبلا صعوبات وتعقيد، إذا ما صمّمنا وامتلكنا الإرادة الإيمانية لذلك، منها:
1- زيارة الإمام عجل الله فرجه والسلام عليه بعد الانتهاء من أداء صلاة الصبح ، ولو بجملة واحدة هي: السلام عليك يا مولاي يا صاحب الزمان .
2- كذلك وبعد الفراغ من كل صلاة، وكما ندعوا لأنفسنا وآبائنا وأمهاتنا وإخواننا المؤمنين، لابد من الدعاء للإمام عليه السلام ولو بقدر قليل من الأدعية الكثيرة المعروفة في هذا الخصوص .
3- وحتى عند تجمعنا وجلوسنا للحديث والتشاور و..، يجب أن يكون دعاؤنا للإمام والتطرق الى ذكره ولو بعد الانتهاء من أحاديثنا الخاصة؛ فهو أيضا عجل الله فرجه ذاكر من يذكره، وداع لمن دعا له.
4- تخصيص يوم واحد في الأسبوع، وبالذات يوم الجمعة لقراءة الأدعية والزيارات الخاصة بالإمام، كدعاء الندبة، ودعاء العهد ، وإحدى الزيارات الخاصة به .
5- وحتى في مشاكلنا والأزمات التي نواجهها يوميا، والأحداث المفاجئة التي قد نتعرض لها فنتضايق منها.. فإن من الجميل والواجب أن ندعو الله سبحانه ببركة الإمام الحجة أن ييسر لنا أمورنا ويقضي حوائجنا .
إن كل ذلك وغيره من الخطوات الإيجابية المطلوبة، يجعلنا نعايش حضور الإمام عجل الله فرجه ونكوّن معه علاقة صميمية. ومرحلة بعد مرحلة، ودرجة بعد أخرى، سنجد أن نورانية الإمام الشريفة المباركة ستجذبنا إليها وتأخذ بأيدينا وتدفعنا الى الإمام ، وقد نحظى في يوم ما بلقائه والتزود من فيض نور وجوده وبركته. فنحن كما ندعو له ونسلم عليه ونزوره و..، فهو أيضا يفعل ذلك تجاهنا، وبذلك نبني علاقتنا به وتستمر هذه العلاقة وتنمو وتتكامل .
الإمام المهـدي (عجل الله فرجه) قدوة الصديقين
آية الله السيد محمد تقي المدرسي
( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ * وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُـمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الاَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (النور / 54-57 )
من المناسبات والأحداث العظيمة التي يجب على كل مؤمن ومسلم، وعلى وجه الخصوص الاخوة المؤمنون الرساليون الذين يشكلون طليعة المجتمع والأمة، الاستفادة القصوى منها واستخلاص الدروس والعبر والوعي المسؤول من وحيها؛ مناسبة ليلة النصف من شعبان، حيث ولادة النور الإلهي المحمدي، ولادة إمامنا الحجة بن الحسن عجل الله فرجه، فزاد هذه الليلة كرامة الى كرامتها، وهذا الشهر شرفا وعظمة إلى شرفه وعظمته .
بصائر المعرفة بالامامة والإمام
فمناسبة شريفة كريمة تتمثل بميلاد خاتم الأوصياء وإمام العصر والشفيع الذي لا يزال ناظرا ورقيباً، سيدنا وإمامنا المهدي المنتظر عجل الله فرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه؛ مناسبة كهذه لابد أن تكون محطة تزود وانطلاق للمؤمنين الرساليين ، وحافزا قويا للتقدم والقفز الى الأمام على طريق التطور الإيجابي، والانبعاث المتواصل من عمق الأمل والطموح الرسالي المستمد من وجود الإمام عجل الله فرجه، ونبذ السكون والانفلات من قوقعة الجمود .. وذلك عن طريق أكثر من رؤية وبصيرة إيمانية يجب أن نستفيدها من هذا البحر الزاخر ، والفيض الإلهي المتدفق .
فلو عرف الإنسان مستوى درجة الإمامة ، والمقام الأرفع والأسمى لها؛ ولو عرف أن الإمام والامامة هي الدرجة التي تسبق والتي تلحق درجة النبوة. فإبراهيم عليه السلام كان نبياً ورسولاً من أولي العزم حينما امتحنه الله سبحانه بأشد الامتحانات؛ بالنيران التي القي فيها فصبر وسلم لله تعالى. بالهجرة، حيث ترك زوجته وطفله الرضيع عند البيت الحرام اذ لا ماء ولا زرع وسكن، وبأمره أن يذبح ابنه بيده ، وغيرها من الابتلاءات العظيمة. هنالك فقط وبعد أن اجتاز إبراهيم عليه السلام كل الامتحانات، جعله الله سبحانه إماما ( وإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَاَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ) .
فإذا عرفنا هذه الحقيقة، وعرفنا أن مولانا المهدي عجل الله فرجه هو إمام، أي انه في هذا المستوى العظيم والدرجة الرفيعة، وأنه حي يتعايـش معنــا ويرانا من حيث لا نراه، وأنه مطلع على أحوالنا ويراقب صفحات أعمالنا التي تعرض عليه يومياً، وأننا بحاجة ماسة إليه، لبركاته ونوره وحبه و.. ليشفع لنا ذنوبنا ولنهتدي به جادة الحق والصواب ويوحدنا وينقذنا من صحراء التيه والضياع، من الانكسار والذلة، إذا عرفنا ذلك، فلابد ان نستفيد من هذه المعرفة عدة بصائر، ولنتساءل عن كيفية إقامة علاقة حقيقية تربطنا بالإمام عجل الله فرجه، وكيف نمتن هذه العلاقة؟ وهل أن الحجة عليه السلام هو الذي لا يريد إقامة مثل هذه العلاقة معنا أم أننا نحن الذين لا نريد ولا نسعى إليها ؟
في هذا الجانب ينقل أحد العلماء أنه وبينما كان يشتغل بالتدريس في النجف الاشرف إذ جاءه رجل من أهل القرى البعيدة وطلب الدراسة من اليوم التالي. وفي أحد الأيام صادف أن فقد العالم خاتمه، ففتش كل زوايا بيته فلم يعثر عليه، فأصبح مغموما لأنه كان متعلقا بهذا الخاتم، ولكنه عندما حضر لإلقاء أحد الدروس على طلبته قام ذلك الطالب الجديد فقال لـه: ياسيدنا، إن خاتمك موجود في غرفتك، وفي الموضع الفلاني بالتحديد فتعجب العالم من معرفة الطالب بأمر خاتمه ، ومعرفته بالمكان الموجود فيه بالتحديد،. الا أنه كتم عجبه وذهب إلى بيته فرأى الخاتم هنالك في الغرفة كما أخبره الطالب ومرت الأيام والليالي فحدث أن أضاع العالم شيئاً معيناً في بيته أيضاً، فحدثت مشادة بينه وبين زوجته بسبب ذلك ، وكما في المرة الأولى جاء السيد العالم الى مكان الدرس ، فإذا بنفس الطالب يقول لـه: بأن الشيء الذي فقدته هو في المكان الكذائي من بيتك. وبعد انتهاء الدرس ذهب العالم إلى البيت فوجد ما أضاعه في نفس المكان الذي أخبره عنه ذلك الرجل. يقول هذا الفقيه: بأنني كنت في غاية العجب من أمر هذا الرجل ، فأنا متأكد بان لا أحد يعلم بأنني أضعت ما أضعت ، كما أني فتشت بيتي مراراً فلم أعثر على ما فقدته قبل أن يخبرني هو بذلك ، فذهبت اليه وقلت: يا أخي من أين تأتي بهذه الأخبار العجيبة ؟ فقال لي: أنا أيضا لا أعرف، ولكنه أحد أصحابي أراه في الشارع واسلم عليه ، هو الذي أخبرني بذلك. يقول العالم : فشكرته وطلبت منه إذا ما رأى ذلك الشخص ثانية أن يقول له بأن السيد ( العالم ) يريد أن يصل بخدمتك، فجاءني في اليوم التالي وقال: بانه نقل رغبة السيد لصاحبه فرد عليه بالقول : قل للسيد أن يصبح آدميا حتى أصل أنا بخدمته !
وينقل السيد الفقيه أنه سأل الطالب عمن يكون وما هي قصته وأعماله وسلوكه الذي أوصله الى هذه الدرجة، بحيث أصبح يلتقي بالإمام الحجة عجل الله فرجه، فذكر لـه بأنه أحد أبناء شيوخ العشائر ، وأن والده رجل يفعل المنكرات من قتل ونهب و ..، وأنه ( أي الابن ) ينكر أفعال والده ولكنه لا يملك القدرة على مقاومته. وبعد أن مات والده في إحدى الليالي كان منصب رئاسة العشيرة سينتقل إليه حسب العادات والتقاليد العشائرية في مثل هذه الحالة ، ولأنه يخشى أن يكون مثل والده إن هو تسلم المنصب فيقوم بفعل المنكرات والمحرمات ، بقي تلك الليلة يفكر حتى الصباح ويخير نفسه بين الدنيا والآخرة ، فقرر في نهاية الأمر أن يترك عشيرته وبيته ويهرب من هذه المسؤولية الى النجف الأشرف ليكون طالباً للعلم عند هذا العالم. لقد فرّ هذا الرجل الصالح من الرئاسة المنكرة، ومن حطام الدنيا الفاني؛ فر بدينه وأخذ يرى الإمام المهدي عجل الله فرجه ( تِلْكَ الدَّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً)
توثيق عرى العلاقة بالإمام المنتظر
نعم؛ إن الإمام موجود معنا وقريب منا، ولكن الأعمال السيئة والمنكرات هي التي تحجب أبصارنا عن رؤيته، وتسد أسماعنا عن سماع كلامه ، وسماع جوابه عندما نزوره ونسلم عليه مثلاً ، وكذلك جميع الأئمة الأطهار عليهم السلام. وإن الله سبحانه قريب منا، أقرب مما نتصوره بعقولنا الغافلة وأحاسيسنا المحدودة. ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ، وكما يقول الإمام السجاد عليه السلام في دعائه. "وإنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال دونك "(1) (http://gadir.free.fr/Ar/Mahdi/Mahdi/book10/2.htm#1). فهو تعالى ليس ببعيد عنا ، ولكننا نحن البعيدون عنه سبحانه نتيجة لسوء أعمالنا ..
إذن؛ فالإمام عجل الله فرجه موجود معنا، والواجب أن نصلح أنفسنا لنشعر بوجوده ونعمق علاقتنا به ، بل قد نحظى بشرف رؤيته واللقاء به في بعض الأوقات والأماكن، فذلك شيء ممكن بإذن الله تعالى . ولكن كيف يمكننا أن نصلح أنفسنا ونزيد من ارتباطنا وحرارة علاقتنا به عجل الله فرجه ؟
هناك عدة خطوات يمكن أن نقوم بها في هذا السبيل، وهي خطوات بإمكان كل شخص منا القيام بها بتوفيق الله له، وبلا صعوبات وتعقيد، إذا ما صمّمنا وامتلكنا الإرادة الإيمانية لذلك، منها:
1- زيارة الإمام عجل الله فرجه والسلام عليه بعد الانتهاء من أداء صلاة الصبح ، ولو بجملة واحدة هي: السلام عليك يا مولاي يا صاحب الزمان .
2- كذلك وبعد الفراغ من كل صلاة، وكما ندعوا لأنفسنا وآبائنا وأمهاتنا وإخواننا المؤمنين، لابد من الدعاء للإمام عليه السلام ولو بقدر قليل من الأدعية الكثيرة المعروفة في هذا الخصوص .
3- وحتى عند تجمعنا وجلوسنا للحديث والتشاور و..، يجب أن يكون دعاؤنا للإمام والتطرق الى ذكره ولو بعد الانتهاء من أحاديثنا الخاصة؛ فهو أيضا عجل الله فرجه ذاكر من يذكره، وداع لمن دعا له.
4- تخصيص يوم واحد في الأسبوع، وبالذات يوم الجمعة لقراءة الأدعية والزيارات الخاصة بالإمام، كدعاء الندبة، ودعاء العهد ، وإحدى الزيارات الخاصة به .
5- وحتى في مشاكلنا والأزمات التي نواجهها يوميا، والأحداث المفاجئة التي قد نتعرض لها فنتضايق منها.. فإن من الجميل والواجب أن ندعو الله سبحانه ببركة الإمام الحجة أن ييسر لنا أمورنا ويقضي حوائجنا .
إن كل ذلك وغيره من الخطوات الإيجابية المطلوبة، يجعلنا نعايش حضور الإمام عجل الله فرجه ونكوّن معه علاقة صميمية. ومرحلة بعد مرحلة، ودرجة بعد أخرى، سنجد أن نورانية الإمام الشريفة المباركة ستجذبنا إليها وتأخذ بأيدينا وتدفعنا الى الإمام ، وقد نحظى في يوم ما بلقائه والتزود من فيض نور وجوده وبركته. فنحن كما ندعو له ونسلم عليه ونزوره و..، فهو أيضا يفعل ذلك تجاهنا، وبذلك نبني علاقتنا به وتستمر هذه العلاقة وتنمو وتتكامل .
الإمام المهـدي (عجل الله فرجه) قدوة الصديقين
آية الله السيد محمد تقي المدرسي