أحلى بحراني
02-07-2013, 04:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
http://www.7-bh.net/up/uploads/images/7bh-6a3c2c2bea.jpg (http://www.7-bh.net/up)
شذرات من وصايا المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله)
هذا التقرير يمثل مجموعة مقتطفات من توجيهات وإرشادات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الوارف لمجموعات العلماء والزوّار والمقلدين خلال شهر شعبان المعظّم 1428 للهجرة.
التسابق بالصالحات والإحسان في شهر رمضان المبارك
إن المؤمنين تتفاوت درجاتهم ومراتبهم في الجنة، فقد قال الله تعالى: «هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون»، وقال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: «عدد درج الجنة عدد آي القرآن». وفي القرآن 6666 آية، إذن وعلى هذا الأساس فإن درجات المؤمنين في الجنة ليست بمستوى واحد.
في شهر رمضان المبارك ـ ونحن على أعتابه ـ تتفاوت أيضاً أعمال المؤمنين ومراتبهم. فبعضهم يكون سبّاقاً في طاعة الله وفي عمل الخير والصالحات، وبعضهم يكون على مستوى أدنى. وهذا الأمر يرتبط بتصميم المؤمن وعزمه وسعيه.
من أفضل الأمور التي أكدتها الروايات والأحاديث الشريفة في شهر رمضان المبارك:
1. طاعة الله، وذكره دائماً، والتوسّل إليه جلّ شأنه.
2. الإخلاص في العمل.
3. حُسن الخُلق.
4. قضاء حوائج الناس.
فيجدر بالمؤمنين والمؤمنات أن يسعوا للالتزام بهذه الأمور أكثر وأكثر، وخصوصاً في شهر الصيام الفضيل. فكلما يلتزم المرء بهذه الأمور، ترتفع درجاته ويزداد أجراً. والقرآن الكريم يقول: «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون».
اعزموا على أن تكونوا من السبّاقين في عمل الخير والإحسان، ولكي تتوفقون في هذا المجال أكثر اطلبوا العون من مولانا الإمام بقية الله المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
سيبقى نور أهل البيت وهاجاً ونبراساً رغم كل ممارسات ومحاولات الأعداء
إذا كان المرء صاحب قوة بدنية، وثروة، وعلم، ولم يكن يعاني من أية مشكلة، وكان سليم البدن وفي راحة بال وكان في الوقت نفسه فاقداً للهمة، فهذا إنسان غير موفق. وفي هذا الصدد قال مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «ما رفع امرءاً كهمّته» .
صحيح إن الزمان الذي نعيش فيه الآن هو ليس كزمن العثمانيين الذين كانوا يصبّون أذاهم على الشيعي لمجرد لعنه ليزيد بن معاوية مثلاً، لكن أعداء الإسلام اليوم قد جنّدوا إمكانات هائلة وضخمة جداً في ممارسة الإعلام الضال والمنحرف لمحاربة مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم. ومع ذلك سيبقى نور أهل البيت سلام الله عليهم وهاجاً ونبراساً لطلاب الحق والحقيقة والسعادة ورغم كل ما مارسه ويمارسه الأعداء. فقد ذكر لنا التاريخ أن الكثير من علماء الأديان والمذاهب الأخرى استبصروا بنور أهل البيت سلام الله عليهم، ولم يذكر حتى عالماً واحداً من علماء التشيّع أنه قد ارتدّ عن مذهب أهل البيت سلام الله عليهم.
نعم كانت هنالك حالات نادرة وشاذة وهذه اختصت بأفراد عاديين ولم يكونوا علماء، بل ممن كان من أساسه خاوياً من الإيمان ومنقاداً لشهوات نفسه ولمكائد الشيطان وحيله.
كل ما قام به العلماء الأجلاء من السلف الصالح في إرشاد الناس وهدايتهم إلى نور أهل البيت سلام الله عليهم كان في زمن كانت الشيعة فيه أقلية وكانوا معرّضين دوماً للقمع والاضطهاد والتعذيب والقتل، لكنهم بهممهم العالية استطاعوا أن يوصلوا لنا أمانة التشيّع ونهج أئمة الهدى الأطهار صلوات الله عليهم.
لذا يجدر بالمؤمنين جميعاً أن يكونوا كالسيد مهدي القزويني أصحاب همم عالية ويعملوا على تعريف فكر أهل البيت سلام الله عليهم وثقافتهم وتعاليمهم للبشرية جمعاء، كل حسب طاقته وإمكانه، «فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا» كما قال مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه.
حبّ الخير للآخرين من أرقى درجات الإيمان
ورد في الحديث الشريف عن سيدنا ومولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»، إن للإيمان درجات، ونفي الإيمان في هذا الحديث الشريف هو نفي للدرجة الراقية والعالية منه. فيجدر بالمؤمن، سواء كان رجلاً أو امرأة، أن يحبّ لغيره ما يحبّه لنفسه. فالذي يحبّ الاحترام من الناس عليه أن يحترم الآخرين، والذي يحبّ أن لا يعرف أحد من هفواته شيئاً فعليه أيضاً أن يلتزم بهذا تجاه الآخرين، والذي يحبّ العطاء دون سؤال من غيره عليه أن يكون هو كذلك تجاه غيره، وما تحبّه الزوجة من زوجها من تعامل حسن وودّ واحترام عليها أن تعامل زوجها بالحسن والود والاحترام، وهكذا يجدر العمل به بالنسبة للأرحام والأصدقاء وغيرهم بعضهم تجاه بعض، فالمؤمنون كلهم كالجسد الواحد، كما صرّح بذلك القرآن الكريم والروايات الشريفة.
إن العمل بهذا الحديث الشريف المرويّ عن مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله نتيجته الرقي إلى الدرجات العالية من الإيمان، ومن ثم نيل المنازل الرفيعة في الجنة. فيجدر بالمؤمنين والمؤمنات كافة أن يعزموا ويصمموا على الالتزام بذلك، ومن يعزم ينل التوفيق.
عمارة قلب الإنسان بطاعة الله تبارك وتعالى
كل شيء له عمران وله خراب، فالدار مثلاً قد تكون معمورة وقد تكون خربة، والأرض قد تكون معمورة بالبساتين والمزارع والأنهار وقد تكون جرداء خربة، وعمار بدن الإنسان بالسلامة والصحّة وخرابه بإصابته بالأمراض. والشيء الخرب يكون ضرّه كثيراً أحياناً، فالعين التي لا تبصر تضر الإنسان بأن تجعله يعثر أو يسقط في حفرة. وهكذا ينطبق الشيء ذاته على اليد والرجل واللسان. وقلب الإنسان له أيضاً عمار وخراب، وعمارة القلب هي طاعة الله سبحانه وتعالى، كما يقول مولانا الإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه في الصلاة الشعبانية التي تُقرأ عند الزوال في كل يوم: «اللهم صلّ على محمد وآل محمد واعمر قلبي بطاعتك».
إن الله تبارك وتعالى أمر بأوامر ونهى عن أمور، وهي كلها تصبّ في مصلحة البشر في الدنيا والآخرة، سواء على مستوى الفرد أو العائلة أو المجتمع. فالذي يعرف أصول الدين وأحكامه وواجباته ومحرّماته وأخلاقه وآدابه ويلتزم بها يكون قلبه معموراً، والذي لايعرف هذه الأمور، أو يعرفها ولا يلتزم بها يكون قلبه خرباً.
إن من أسهل الطرق التي تضمن عمارة القلب محاسبة النفس كل يوم ولو لدقائق. فيجدر بالمؤمنين والمؤمنات كافة أن يصمموا على الالتزام بمحاسبة أنفسهم كل يوم، فإن وجدوا ما عملوه حسناً يشكرون الله عليه ويطلبون منه تعالى الاستزادة، وإن كان سوءاً استغفروا الله وعزموا على عدم تكراره، وكل من يواظب على هذا الأمر يصبح قلبه عامراً بطاعة الباري جلّ وعلا.
إحياء سنن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله عبادة
جاء في الصلوات المروية عن سيدنا ومولانا الإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه والتي تُقرأ عند الزوال في كل يوم من شهر شعبان المعظّم: «اللهم فأعنّا على الاستنان بسنّته فيه، ونيل الشفاعة لديه». في هذا المقطع من الصلوات يطلب الإمام السجاد سلام الله عليه من الله تبارك وتعالى أن يعينه على الاستنان بسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله والعمل بها ونشرها والدعوة إليها.
لقد سنّ مولانا رسول الله صلى الله عليه سنناً يجدر بالمؤمنين والمسلمين والناس أن يستنّوا بها ويعملوا بها ويدعو لها وأن يشجعوا الآخرين على العمل بها، فإن العمل بهذه السنن، سواء كانت الواجبة أو المستحبّة، نوع من العبادة وله آثار حسنة في الدنيا وثواب في الآخرة.
من سنن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله المنسية والضائعة بين غالب المسلمين ـ مع شديد الأسف ـ هي مهر السنّة. فقد سنّ صلى الله عليه وآله للزواج الدائم سنّة بأن جعل مهره خمسمئة درهم فضة خالصة أي ما يعادل الكيلو و262 غراماً ونصف الغرام من الفضة، فجعل هذا المهر مهراً لمولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وعمل به الأئمة الأطهار وذريتهم. بل إنه صلى الله عليه وآله لما أراد أن يتزوّج من مولاتنا خديجة الكبرى سلام الله عليها لم يكن يملك شيئاً من المال ليجعله مهراً لها. فبعثت سيدتنا خديجة سلام الله عليها إليه أربعة آلاف دينار ليجعله مهراً لها، لكنه صلى الله عليه وآله لم يصنع ذلك، بل أخذ منه خمسمئة درهم فضّة وجعله مهراً لمولاتنا خديجة سلام الله عليها وصرف الباقي في إصلاح شؤون المسلمين.
صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أجاز ـ تبعاً للقرآن الكريم ـ أن يكون المهر حتى قنطاراً من الذهب، لكنه صلى الله عليه وآله أراد من جعله مهر سيدتنا خديجة ومولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليهما خمسمئة درهم فضة أن يكون هذا الأمر سنّة يستنّ بها الناس. يجدر بأفراد المجتمع وخصوصاً المؤمنين أن يشجع بعضهم بعضاً على الالتزام بسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله هذه. فعلى الآباء والأمهات أن لا يطلبوا مهراً أكثر من مهر السنّة، وهكذا يجدر أن تعمل البنت، وحتى إن أعطى الزوج الثري مبلغاً كثيراً للمهر فيجدر جعل مقدار خمسمئة درهم فضة منه مهراً للزواج والباقي يحسب هبة أو هدية.
إن سفرة زيارة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين هي سفرة طاعة وتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، استفيدوا من هذه الفرصة الثمينة بأن تعزموا وتصمموا على إحياء هذه السنّة في أنفسكم وبين أقربائكم وأصدقائكم وباقي الناس، وافشوا هذه السنّة لتكونوا من المساهمين في إحيائها؛ فإنّ يحيي سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله ينال حسناً في الدنيا، وفي الآخرة له أجر عظيم.
من يواظب على التوبة يحظى بخير كثير
إن الإنسان غير المعصوم يلم به ما لا ينبغي منه على شتى الدرجات، وفي شتى المستويات، فيصدر منه تضييع لحكم الله ولحقّ الله سبحانه وتعالى، وتضييع لحقوق الناس، وتضييع لحقوق نفسه التي فرضها الله عليه. فإذا عجّل بالتوبة فسيحصل على فائدتين:
الأولى: لاينسى المعاصي، أي يتذكرها فيستغفر.
الثانية: يموت وهو تائباً.
يقول مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيّته لأبي ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه: «يا أبا ذر إنّ حقوق الله جلّ ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد، وإن نِعَم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أمسوا وأصبحوا تائبين» .
إنّ التوبة هي ندم الإنسان على ما صدر منه في الماضي مما لايصحّ، والعزم على ترك تكراره، وتأديته ما كان عليه من تقصير كأداء حقوق الله تعالى وحقوق الناس. فالذنوب مثلها كمثل القاذورات الظاهرية، والتوبة مثلها كمثل غسل القاذورات والتخلّص منها.
أنتم أيها الزوّار الكرام في سفرة طاعة وعبادة وهي زيارة مراقد أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، استفيدوا منها بأن تصمموا على العمل بهذه الوصية الصادرة من مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، واعزموا على مواصلة العمل بها إلى آخر عمركم، فإنه خير لكم في الدنيا والآخرة.
المؤمن الحقيقي لا يتأثّر بزلة غيره
لو أنّ قلوبنا ارتبطت حقّاً بالله تعالى فهي لا تتغيّر بتغيّر القلوب الأخرى وإن كانت أحسن حالاً منّا سابقاً. ولئن قيل: «إذا زلّ العالِم يزلّ بزلّته العالَم»، فنرجو أن لا نكون ممّن يتأثّرون بزلّة العالِم، لأنّ ذلك دليل على خلل في كيفية ارتباطنا بالله تعالى.
فلو كان شخص ما بنظرنا أكبر قدّيس أو عابداً ثم زلّ أكبر زلّة فيجب أن لا يتغيّر إيماننا أيضاً، إلاّ أن يكون إيماناً في الاسم فقط، ولنعرف أنّ الله ينظر إلى قلوبنا، وأنّه بمقدار لياقتنا يعطينا توفيقاً وقابلية وسعادة، إذ ليس من الحكمة ـ والله أحكم الحاكمين ـ أن يعطي إنساناً فوق لياقته واستحقاقه.
وصايا للشباب والآباء والمسؤولين
وصيتي لكم أيها الشباب الأعزّة أن تطالعوا بأنفسكم سيرة مولانا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، وأن تتأسّوا بهما، لكي تسعدوا في دنياكم وأخراكم.
كما على المسؤولين وذوي المال والثروة وكذا الآباء أن يساعدوا في إعداد الأجواء الصالحة للشباب وإبعادهم عن الأجواء الملوثة والمستنقعات الروحية والفكرية، فهي أخطر من المستنقعات التي تغرق جسم الإنسان وتقضي على حياته المادية لانها تقضي على روح الانسان وتخلده في جهنم لا سمح الله. أسأل الله أن يوفّقنا جميعاً لتهيئة الاجواء الصالحة للشباب لتربيتهم كما أراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله.
ومع السلامة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
http://www.7-bh.net/up/uploads/images/7bh-6a3c2c2bea.jpg (http://www.7-bh.net/up)
شذرات من وصايا المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله)
هذا التقرير يمثل مجموعة مقتطفات من توجيهات وإرشادات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الوارف لمجموعات العلماء والزوّار والمقلدين خلال شهر شعبان المعظّم 1428 للهجرة.
التسابق بالصالحات والإحسان في شهر رمضان المبارك
إن المؤمنين تتفاوت درجاتهم ومراتبهم في الجنة، فقد قال الله تعالى: «هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون»، وقال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: «عدد درج الجنة عدد آي القرآن». وفي القرآن 6666 آية، إذن وعلى هذا الأساس فإن درجات المؤمنين في الجنة ليست بمستوى واحد.
في شهر رمضان المبارك ـ ونحن على أعتابه ـ تتفاوت أيضاً أعمال المؤمنين ومراتبهم. فبعضهم يكون سبّاقاً في طاعة الله وفي عمل الخير والصالحات، وبعضهم يكون على مستوى أدنى. وهذا الأمر يرتبط بتصميم المؤمن وعزمه وسعيه.
من أفضل الأمور التي أكدتها الروايات والأحاديث الشريفة في شهر رمضان المبارك:
1. طاعة الله، وذكره دائماً، والتوسّل إليه جلّ شأنه.
2. الإخلاص في العمل.
3. حُسن الخُلق.
4. قضاء حوائج الناس.
فيجدر بالمؤمنين والمؤمنات أن يسعوا للالتزام بهذه الأمور أكثر وأكثر، وخصوصاً في شهر الصيام الفضيل. فكلما يلتزم المرء بهذه الأمور، ترتفع درجاته ويزداد أجراً. والقرآن الكريم يقول: «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون».
اعزموا على أن تكونوا من السبّاقين في عمل الخير والإحسان، ولكي تتوفقون في هذا المجال أكثر اطلبوا العون من مولانا الإمام بقية الله المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
سيبقى نور أهل البيت وهاجاً ونبراساً رغم كل ممارسات ومحاولات الأعداء
إذا كان المرء صاحب قوة بدنية، وثروة، وعلم، ولم يكن يعاني من أية مشكلة، وكان سليم البدن وفي راحة بال وكان في الوقت نفسه فاقداً للهمة، فهذا إنسان غير موفق. وفي هذا الصدد قال مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «ما رفع امرءاً كهمّته» .
صحيح إن الزمان الذي نعيش فيه الآن هو ليس كزمن العثمانيين الذين كانوا يصبّون أذاهم على الشيعي لمجرد لعنه ليزيد بن معاوية مثلاً، لكن أعداء الإسلام اليوم قد جنّدوا إمكانات هائلة وضخمة جداً في ممارسة الإعلام الضال والمنحرف لمحاربة مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم. ومع ذلك سيبقى نور أهل البيت سلام الله عليهم وهاجاً ونبراساً لطلاب الحق والحقيقة والسعادة ورغم كل ما مارسه ويمارسه الأعداء. فقد ذكر لنا التاريخ أن الكثير من علماء الأديان والمذاهب الأخرى استبصروا بنور أهل البيت سلام الله عليهم، ولم يذكر حتى عالماً واحداً من علماء التشيّع أنه قد ارتدّ عن مذهب أهل البيت سلام الله عليهم.
نعم كانت هنالك حالات نادرة وشاذة وهذه اختصت بأفراد عاديين ولم يكونوا علماء، بل ممن كان من أساسه خاوياً من الإيمان ومنقاداً لشهوات نفسه ولمكائد الشيطان وحيله.
كل ما قام به العلماء الأجلاء من السلف الصالح في إرشاد الناس وهدايتهم إلى نور أهل البيت سلام الله عليهم كان في زمن كانت الشيعة فيه أقلية وكانوا معرّضين دوماً للقمع والاضطهاد والتعذيب والقتل، لكنهم بهممهم العالية استطاعوا أن يوصلوا لنا أمانة التشيّع ونهج أئمة الهدى الأطهار صلوات الله عليهم.
لذا يجدر بالمؤمنين جميعاً أن يكونوا كالسيد مهدي القزويني أصحاب همم عالية ويعملوا على تعريف فكر أهل البيت سلام الله عليهم وثقافتهم وتعاليمهم للبشرية جمعاء، كل حسب طاقته وإمكانه، «فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا» كما قال مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه.
حبّ الخير للآخرين من أرقى درجات الإيمان
ورد في الحديث الشريف عن سيدنا ومولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»، إن للإيمان درجات، ونفي الإيمان في هذا الحديث الشريف هو نفي للدرجة الراقية والعالية منه. فيجدر بالمؤمن، سواء كان رجلاً أو امرأة، أن يحبّ لغيره ما يحبّه لنفسه. فالذي يحبّ الاحترام من الناس عليه أن يحترم الآخرين، والذي يحبّ أن لا يعرف أحد من هفواته شيئاً فعليه أيضاً أن يلتزم بهذا تجاه الآخرين، والذي يحبّ العطاء دون سؤال من غيره عليه أن يكون هو كذلك تجاه غيره، وما تحبّه الزوجة من زوجها من تعامل حسن وودّ واحترام عليها أن تعامل زوجها بالحسن والود والاحترام، وهكذا يجدر العمل به بالنسبة للأرحام والأصدقاء وغيرهم بعضهم تجاه بعض، فالمؤمنون كلهم كالجسد الواحد، كما صرّح بذلك القرآن الكريم والروايات الشريفة.
إن العمل بهذا الحديث الشريف المرويّ عن مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله نتيجته الرقي إلى الدرجات العالية من الإيمان، ومن ثم نيل المنازل الرفيعة في الجنة. فيجدر بالمؤمنين والمؤمنات كافة أن يعزموا ويصمموا على الالتزام بذلك، ومن يعزم ينل التوفيق.
عمارة قلب الإنسان بطاعة الله تبارك وتعالى
كل شيء له عمران وله خراب، فالدار مثلاً قد تكون معمورة وقد تكون خربة، والأرض قد تكون معمورة بالبساتين والمزارع والأنهار وقد تكون جرداء خربة، وعمار بدن الإنسان بالسلامة والصحّة وخرابه بإصابته بالأمراض. والشيء الخرب يكون ضرّه كثيراً أحياناً، فالعين التي لا تبصر تضر الإنسان بأن تجعله يعثر أو يسقط في حفرة. وهكذا ينطبق الشيء ذاته على اليد والرجل واللسان. وقلب الإنسان له أيضاً عمار وخراب، وعمارة القلب هي طاعة الله سبحانه وتعالى، كما يقول مولانا الإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه في الصلاة الشعبانية التي تُقرأ عند الزوال في كل يوم: «اللهم صلّ على محمد وآل محمد واعمر قلبي بطاعتك».
إن الله تبارك وتعالى أمر بأوامر ونهى عن أمور، وهي كلها تصبّ في مصلحة البشر في الدنيا والآخرة، سواء على مستوى الفرد أو العائلة أو المجتمع. فالذي يعرف أصول الدين وأحكامه وواجباته ومحرّماته وأخلاقه وآدابه ويلتزم بها يكون قلبه معموراً، والذي لايعرف هذه الأمور، أو يعرفها ولا يلتزم بها يكون قلبه خرباً.
إن من أسهل الطرق التي تضمن عمارة القلب محاسبة النفس كل يوم ولو لدقائق. فيجدر بالمؤمنين والمؤمنات كافة أن يصمموا على الالتزام بمحاسبة أنفسهم كل يوم، فإن وجدوا ما عملوه حسناً يشكرون الله عليه ويطلبون منه تعالى الاستزادة، وإن كان سوءاً استغفروا الله وعزموا على عدم تكراره، وكل من يواظب على هذا الأمر يصبح قلبه عامراً بطاعة الباري جلّ وعلا.
إحياء سنن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله عبادة
جاء في الصلوات المروية عن سيدنا ومولانا الإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه والتي تُقرأ عند الزوال في كل يوم من شهر شعبان المعظّم: «اللهم فأعنّا على الاستنان بسنّته فيه، ونيل الشفاعة لديه». في هذا المقطع من الصلوات يطلب الإمام السجاد سلام الله عليه من الله تبارك وتعالى أن يعينه على الاستنان بسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله والعمل بها ونشرها والدعوة إليها.
لقد سنّ مولانا رسول الله صلى الله عليه سنناً يجدر بالمؤمنين والمسلمين والناس أن يستنّوا بها ويعملوا بها ويدعو لها وأن يشجعوا الآخرين على العمل بها، فإن العمل بهذه السنن، سواء كانت الواجبة أو المستحبّة، نوع من العبادة وله آثار حسنة في الدنيا وثواب في الآخرة.
من سنن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله المنسية والضائعة بين غالب المسلمين ـ مع شديد الأسف ـ هي مهر السنّة. فقد سنّ صلى الله عليه وآله للزواج الدائم سنّة بأن جعل مهره خمسمئة درهم فضة خالصة أي ما يعادل الكيلو و262 غراماً ونصف الغرام من الفضة، فجعل هذا المهر مهراً لمولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وعمل به الأئمة الأطهار وذريتهم. بل إنه صلى الله عليه وآله لما أراد أن يتزوّج من مولاتنا خديجة الكبرى سلام الله عليها لم يكن يملك شيئاً من المال ليجعله مهراً لها. فبعثت سيدتنا خديجة سلام الله عليها إليه أربعة آلاف دينار ليجعله مهراً لها، لكنه صلى الله عليه وآله لم يصنع ذلك، بل أخذ منه خمسمئة درهم فضّة وجعله مهراً لمولاتنا خديجة سلام الله عليها وصرف الباقي في إصلاح شؤون المسلمين.
صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أجاز ـ تبعاً للقرآن الكريم ـ أن يكون المهر حتى قنطاراً من الذهب، لكنه صلى الله عليه وآله أراد من جعله مهر سيدتنا خديجة ومولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليهما خمسمئة درهم فضة أن يكون هذا الأمر سنّة يستنّ بها الناس. يجدر بأفراد المجتمع وخصوصاً المؤمنين أن يشجع بعضهم بعضاً على الالتزام بسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله هذه. فعلى الآباء والأمهات أن لا يطلبوا مهراً أكثر من مهر السنّة، وهكذا يجدر أن تعمل البنت، وحتى إن أعطى الزوج الثري مبلغاً كثيراً للمهر فيجدر جعل مقدار خمسمئة درهم فضة منه مهراً للزواج والباقي يحسب هبة أو هدية.
إن سفرة زيارة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين هي سفرة طاعة وتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، استفيدوا من هذه الفرصة الثمينة بأن تعزموا وتصمموا على إحياء هذه السنّة في أنفسكم وبين أقربائكم وأصدقائكم وباقي الناس، وافشوا هذه السنّة لتكونوا من المساهمين في إحيائها؛ فإنّ يحيي سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله ينال حسناً في الدنيا، وفي الآخرة له أجر عظيم.
من يواظب على التوبة يحظى بخير كثير
إن الإنسان غير المعصوم يلم به ما لا ينبغي منه على شتى الدرجات، وفي شتى المستويات، فيصدر منه تضييع لحكم الله ولحقّ الله سبحانه وتعالى، وتضييع لحقوق الناس، وتضييع لحقوق نفسه التي فرضها الله عليه. فإذا عجّل بالتوبة فسيحصل على فائدتين:
الأولى: لاينسى المعاصي، أي يتذكرها فيستغفر.
الثانية: يموت وهو تائباً.
يقول مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيّته لأبي ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه: «يا أبا ذر إنّ حقوق الله جلّ ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد، وإن نِعَم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أمسوا وأصبحوا تائبين» .
إنّ التوبة هي ندم الإنسان على ما صدر منه في الماضي مما لايصحّ، والعزم على ترك تكراره، وتأديته ما كان عليه من تقصير كأداء حقوق الله تعالى وحقوق الناس. فالذنوب مثلها كمثل القاذورات الظاهرية، والتوبة مثلها كمثل غسل القاذورات والتخلّص منها.
أنتم أيها الزوّار الكرام في سفرة طاعة وعبادة وهي زيارة مراقد أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، استفيدوا منها بأن تصمموا على العمل بهذه الوصية الصادرة من مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، واعزموا على مواصلة العمل بها إلى آخر عمركم، فإنه خير لكم في الدنيا والآخرة.
المؤمن الحقيقي لا يتأثّر بزلة غيره
لو أنّ قلوبنا ارتبطت حقّاً بالله تعالى فهي لا تتغيّر بتغيّر القلوب الأخرى وإن كانت أحسن حالاً منّا سابقاً. ولئن قيل: «إذا زلّ العالِم يزلّ بزلّته العالَم»، فنرجو أن لا نكون ممّن يتأثّرون بزلّة العالِم، لأنّ ذلك دليل على خلل في كيفية ارتباطنا بالله تعالى.
فلو كان شخص ما بنظرنا أكبر قدّيس أو عابداً ثم زلّ أكبر زلّة فيجب أن لا يتغيّر إيماننا أيضاً، إلاّ أن يكون إيماناً في الاسم فقط، ولنعرف أنّ الله ينظر إلى قلوبنا، وأنّه بمقدار لياقتنا يعطينا توفيقاً وقابلية وسعادة، إذ ليس من الحكمة ـ والله أحكم الحاكمين ـ أن يعطي إنساناً فوق لياقته واستحقاقه.
وصايا للشباب والآباء والمسؤولين
وصيتي لكم أيها الشباب الأعزّة أن تطالعوا بأنفسكم سيرة مولانا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، وأن تتأسّوا بهما، لكي تسعدوا في دنياكم وأخراكم.
كما على المسؤولين وذوي المال والثروة وكذا الآباء أن يساعدوا في إعداد الأجواء الصالحة للشباب وإبعادهم عن الأجواء الملوثة والمستنقعات الروحية والفكرية، فهي أخطر من المستنقعات التي تغرق جسم الإنسان وتقضي على حياته المادية لانها تقضي على روح الانسان وتخلده في جهنم لا سمح الله. أسأل الله أن يوفّقنا جميعاً لتهيئة الاجواء الصالحة للشباب لتربيتهم كما أراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله.
ومع السلامة.