حسين ال دخيل
05-07-2013, 12:56 AM
! هل كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه ينظر للزهراء صلوات الله عليها وهي تضرب وتعصر خلف الباب ولا يعمل شيئاً؟ وهل شخصٌ بمثل شجاعته يكون موقفه هكذا؟
لنا هذه النقاط المهمة للإجابة على هذه الشبهة:
أولاً: الهجوم على بيت بضعة رسول الله صلوات الله عليه ما كان متوقعاً من قبل هؤلاء الظلم! ة، وهل يجرؤ أحدٌ على دخول هذا البيت الطاهر دون إذن؟ وقد قال الله تعالى في آية عامة في سورة النور آية 27-28: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ! بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ!
هذا وقد أوصى رسول الله صلوات الله عليه وآله أمته بأهل بيته مراراً وتكراراً، فجاء في صحيح مسلم ج: 4 ص: 1873: ح2408، من قول حديث زيد بن أرقم عندما جاءه يزيد بن حيان وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم، فسألاه عن حديث من أحاديث رسول الله صلوات الله عليه وآله، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي!
فهل يمكن أن يتوقع هذا من هؤلاء الظلمة وهذه الوصايا تتلى على مسامعهم؟
ثانياً: الهجوم حصل فجأة، أي أن كسر الباب وضرب الزهراء صلوات الله عليه حدث في ثوانٍ معدودة، أي أن الإمام علي عليه السلام لم يكن كما يقول الخطباء بعفوية أو للتنفيس عن قلوبهم المجروحة بعتابهم لمولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه أو كما يقول الوهابية بحقد وحماقة من أنه كان يتفرج وهم يفعلون ما يفعلون وهو لا يحرك ساكناً!
قد يقول أحدهم بأن الإمام يعلم الغيب؟
نقول بأن المعصوم لا يتعامل إلا بالظاهر، إلا ما كان بأمر من الله جلّ وعلا وأمره أن يقوم بأمر غيبي، وهذا إعتقاد العامة أيضاً، فهم يعتقدون بأن النبي صلوات الله عليه وآله يعلم المنافقين، لكنه لا يتعامل معهم إلا بالظاهر، يقول الطبري في تفسير في ج: 10 ص: 184: فإن قال قائل فكيف تركهم ( يعني المنافقين ) صلى الله عليه (وآله) وسلم مقيمين بين أظهر أصحابه مع علمه بهم؟ قيل إن الله تعالى ذكره إنما أمر بقتال من أظهر منهم كلمة الكفر ثم أقام على إظهاره ما أظهر من ذلك وأما م! ن إذا يتحقق عليه منهم أنه تكلم بكلمة الكفر وأخذ بها أنكرها ورجع عنها وقال إني مسلم فإن حكم الله في كل من أظهر الإسلام بلسانه أن يحقن بذلك له دمه وماله وإن كان ذلك وتوكل هو جل ثناؤه بسرائرهم ولم يجعل للخلق البحث عن السرائر، فلذلك كان النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم مع علمه بهم وإطلاع الله إياه على ضمائرهم واعتقاد صدورهم كان يقرهم بين أظهر الصحابة ولا يسلك بجهادهم مسلك جهاد من قد ناصبه الحرب على الشرك بالله لأن أحدهم كان إذا يتحقق عليه أنه قد قال قولا كفر فيه بالله ثم أخذ به أنكره وأظهر الإسلام بلسانه فلم يكن صلى الله عليه (وآله) وسلم يأخذه إلا بما أظهر له من قوله ثم حضوره إياه وعزمه على إمضاء الحكم فيه دون ما سلف من قول كان نطق به قبل ذلك ودون اعتقاد ضميره الذي لم يبح الله لأحد الأخذ به في الحكم وتولى الأخذ به هو دون خلقه..إنتهى!
ثالثاً: وقد يطرح أحدهم إشكالاً وهو: كيف كان الهجوم مفاجئاً مع التهديد بالإحراق، بل بإحراق باب البيت العلوي؟
أقول، وهو دليلٌ آخر على أن الأمر كان فجأة، وأمراً لم يكن متوقعاً، وهو أن مولاتنا الزهراء صلوات الله عليها كانت حاسرة، وليس عليها خمارٌ تستر وجهها به!
قال العلامة المجلسي قدس : روي بأسانيد معتبرة عن سليم بن قيس الهلالي ، وغيره ، عن سلمان والعباس قالا : - والنص لكتاب سليم: قال سليم بن قيس :
فلما رأى علي عليه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم إياه لزم بيته فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة... إلى أن قال سليم بن قيس:
ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة عليه السلام :
والله لتخرجن يا علي ، ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك بالنار ؟ !
فقالت فاطمة عليها السلام ، يا عمر ، ما لنا ولك ؟
فقال : افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم.
فقالت : " يا عمر ، أما تتقي الله تدخل علي بيتي ؟، فأبى أن ينصرف . ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه ، فدخل ، فاستقبلته فاطمة عليه السلام وصاحت :
يا أبتاه يا رسول الله !
فرفع عمر السيف وهو في غمده ، فوجأ به جنبها ، فصرخت : يا أبتاه !
فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت :
يا رسول الله ، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر ..
إلى أن يقول سليم:
قلت لسلمان : أدخلوا على فاطمة عليه السلام بغير إذن ؟ !
قال : إي والله ، وما عليها من خمار . فنادت :
وا أبتاه ، وا رسول الله ! يا أبتاه فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر وعيناك لم تتفقا في قبرك " - تنادي بأع! لى صوتها -!؟
إذاً يتبين لنا، بأن الزهراء صلوات الله عليها قد فوجئت بالأمر الذي لم يكن تتوقعه، فأضرموا النار وهجموا مباشرة، وهذا الأمر وكما! أسلفنا، كان كله في ثوانٍ معدودة، حتى أن مولاتنا الزهراء صلوات الله عليها، أسرعت لتستر نفسها خلف الباب وحاولت إغلاقه، لكن ماذا صنعوا؟ ضربوها وأسقطوا جنينها بأبي هي وأمي ونفسي لها الفداء الوقاء والحمى!
وقد نظم العلامة الفقيه السيد محمد بن السيد مهدي القزويني المتوفى 1335ه ، هذا الموضع من! حديث سليم في أرجوزته حيث يقول:
يا عجبا يستأذن الأمين *** عليهم ويهجم الخؤون
قال سليم : قلت يا سلمان *** هل هجموا ولم يك استيذان
فقال : إي وعزة الجبار *** وما على الزهراء من خمار
لكن! ها لاذت وراء الباب *** رعاية للستر والحجاب
فمذ رأوها عصروها عصرة *** كادت بنفسي أن تموت حسرة
تصيح يا فضة سنديني *** فقد وربي قتلوا جنيني
فأسقطت بنت الهدى وا حزنا *** جنينها ذاك المسمى محسنا
رابعاً: الإمام بعد أن حصل ذلك، هجم عليهم (لكنه لم يحرك سيفه فيهم لأن الرسول صلوات الله عليه وآله كان قد أوصاه بعدم رفعه) وقد ذكرت الروايات بأنه قد قبض على عمر وطرحه أرضا وجثى على صدره، لكنه لم يقتله لأنه موصى، فتكاثروا عليه وهو على تلك الحالة وقيدوه وأخذوها ملبباً!
فعندما دخل عمر بن الخطاب البيت الطاهر ماذا حصل؟
فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره (أي جذبه بشدة) فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله ، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوصاه به ، فقال : ( والذي كرم محمدا بالنبوة - يا بن صهاك - لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وآله لعلمت إنك لا تدخل بيتي )!
فأرسل عمر يستغيث ، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي عليه السلام إلى سيفه . فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي عليه السلام إليه بسيفه ، لما قد عرف من بأسه وشدته . فقال أبو بكر لقنفذ: ( إرجع ، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته ، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم النار )
فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وثار علي عليه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون ، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه فألقوا في عنقه حبلا!
وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت ، فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته ، لعنه الله ولعن من بعث به، ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلا حتى انتهي به إلى أبي بكر ، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن ج! بل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد وسائر الناس جلوس حول أبي بكر عليهم السلاح!
راجع كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري ص 150 ، وأيضاً كتاب الإحتجاج!
إذاً أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يكن يتفرج وهو يدخلون عليه الدار أبداً، بل حامى عن حرم بيته وبضعة رسول الله صلوات الله عليه وآله، لكن الوصية قيدته بعدم سفك دمهم!
فيتضح لنا أن ضرب الزهراء صلوات الله عليها كان في هذه الأحوال:
أ- الهجوم المفاجئ من قبل القوم الظالمين في بادئ الأمر!
ب- بعد تقييد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه!
إذاً أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله لم يكن متفرجأً كما يظن البعض!
خامساً: الوصية أمر جدير بأن نلتفت إليه: وهو أن نبي الله هارون عليه السلام قد كان موصىً من قبل نبي الله موسى عليه السلام، ولم يحرك ساكنا ولم يحمل السيف بالرغم من أن بنو إسرائيل عبدوا العجل، فأيهما أعظم أن تنقلب الأمة ، فتشرك وتكفر بالله، أم أن أصبر ولو ظلمت زوجتي بل وتضرب على أن لا يكفر الناس أو يعودوا كفاراً..؟؟
بلى قد أوصاه رسول الله صلوات الله عليه وآله بالجهاد إذا ما وجد الأنصار ، ولكن ذلك لم يكن، يقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه لابن قيس بشأن وجود الأنصار (كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري ص 217 ) : ولو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم (يعني أبي بكر) تتمة أربعين رجلا مطيعين لي لجاهدتهم!
ماذا لو جاهدهم من دون وجود الأنصار؟
يعني بأنهم سيقتلون ، وسيؤول الإسلام وما بناه رسول الله صلوات الله عليه وآله إلى الخراب والدمار والشتات، أي أن جهاد الرسول صلوات الله عليه وآله وتحمله هذه المشقة وهذا العناء في سبيل رفع راية لا إله إلا الله قد ذهب هباءً منثوراً!
وعندما تراجع التاريخ، ستجد بأن الفتوحات الإسلامية، ما كانت إلا بسيوف القلة الباقية من أتباع أمير المؤمنين صلوات الله عليه!
النتيجة
فيتضح مما ذكرت أعلاه، بأن الإمام عليه السلام لم يحرك ساكنا بعد ذلك لكي يحافظ على الإسلام، فأي أمر يكون بعد وفاة رسول الله صلوات الله عليه وآله من الشقاق سوف يكون الكفر لا محال، ولذلك صبر على ذلك سيدي ومولاي، كما صبر نبي الله هارون عليه السلام في القصة القرآنية المشهورة، قال تعالى في سورة طه آية 92-94: قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي؟ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟، يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي...آية 94 من سورة طـه!
والكلمة (َلاَّ تَتَّبِعَنِي؟ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟) والكلمة (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) تدلان على أنه كان موصى من قبل نبي الله موسى عليه السلام، ولذلك لم يجاهدهم على أنهم قد أشركوا وعبدوا العجل!
الخلاصة نقول بأنه من اللامعقول بأن لا يرفع السيف حينما ضربوا الزهراء عليها السلام، وقد قاوم ذلك الظلم بما يستطيع حتى أخذوه كتافا!
وسؤال أسأله كل مؤمن، أيهما أعظم ضرب الزهراء عليها السلام أم أن يرتد الناس على أدبارهم.؟؟
ما دام أمير المؤمنين عليه السلام يقول لو جاهد بالسيف لارتد الناس كلهم (فأيهما أفضل، أن يرتد كل الناس، أم أن يبقى ثلة مؤمنة صابرة تنشر الإسلام، وهذا ما حصل فعلاً..؟؟)
وصبر الإمام عليه السلام، لا يقاس بصبر الناس، فهو إمام معصوم مربوط على قلبه، أنا وأنت لا نتحمل هذا الأمور فتكون ردة فعلنا ليس كما يريدها الله سبحانه وتعالى، فصبر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وصل إلى مراحل عظيمة لا يدانيه فيها أحدٌ أبداً، وكل ذلك لله وفي سبيل الله!
سادساً: وبجدر بنا الإشارة إلى أن هناك أموراً أخرى، لم تكن في حدود الوصية، كنبش القبور التي علم عليها أمير المؤمنين صلوات الله عليه لكي لا يعلمون مكان دفن الزهراء صلوات الله عليها،،
فجاء في بحارالأنوار ج : 43 ص : 171: قال محمد بن همام و روي أنها قبضت لعشر بقين من جمادى الآخرة و قد كمل عمرها يوم قبضت ثماني عشرة سنة و خمسا و ثمانين يوما بعد وفاة أبيها فغسلها أمير المؤمنين ع و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس و أخرجها إلى البقيع في الليل و معه الحسن و الحسين و صلى عليها و لم يعلم بها و لا حضر وفاتها و لا صلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم و دفنها بالروضة و عمي موضع قبرها و أصبح البقيع ليلة دفنت و فيه أربعون قبرا جددا و إن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبرا فأشكل علي! هم قبرها من سائر القبور فضج الناس و لام بعضهم بعضا و قالوا لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة تموت و تدفن و لم تحضروا وفاتها و الصلاة عليها و لا تعرفوا قبرها ثم قال ولاة الأمر منهم هاتم من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها و نزور قبرها فبلغ ذلك أمير المؤمنين صلوات الله عليه فخرج مغضبا قد احمرت عيناه و درت أوداجه و عليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة و هو متوكئ على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع فسار إلى الناس النذير و قالوا هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآخر فتلقاه عمر و من معه من أصحابه و قال له ما لك يا أبا الحسن و الله لننبشن قبرها و لنصلين عليها فضرب علي ع بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض و قال له يا ابن السوداء أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم و أما قبر فاطمة فو الذي نفس علي بيده لئن رمت و أصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فأعرض يا عمر فتلقاه أبو بكر فقال يا أبا الحسن بحق رسول الله و بحق من فوق العرش إلا خليت عنه فإنا غير فاعلين شيئا تكرهه قال فخلى عنه و تفرق الناس و لم يعودوا إلى ذلك..إنتهى!
ويقول بن أبي الحديد : روى أنه عفى قبرها و علم عليه و رش أربعين قبرا في البقيع و لم يرش قبرها حتى لا يهتدى إليه و أنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها و إحضارهما الصلاة عليها فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلا و لو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه و ما تأخر عنه لم يكن فيه حجة..إنتهى!
وهذا في حد ذاته دليل على أن الإمام صلوات الله عليه كان موصىً من قبل رسول الله صلوات الله عليه وآله، وإلا لجاهدهم في مثل تلك المواقف السابقة!
سابعاً وأخيراً: الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه إمامٌ معصوم حكيم ذو علم، فإذا رأى الحكمة والمصلحة في السكوت، فيجب التسليم له بهذا الأمر على أنه هو الحق وهو الأمر الذي يرضي الله عزّ وجل حتى وإن لم يكن موصى، يقول الله عزّ وجل في قصة يعقوب وبعد أن أمرهم أن يدخلوا من عدة أبواب متفرقة، في سورة يوسف عليه السلام الآية 68: وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ!
وأمير المؤمنين صلوات الله عليه ينطبق عليه هذا أيضاً، وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ!
والحمد لله رب العالمين
لنا هذه النقاط المهمة للإجابة على هذه الشبهة:
أولاً: الهجوم على بيت بضعة رسول الله صلوات الله عليه ما كان متوقعاً من قبل هؤلاء الظلم! ة، وهل يجرؤ أحدٌ على دخول هذا البيت الطاهر دون إذن؟ وقد قال الله تعالى في آية عامة في سورة النور آية 27-28: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ! بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ!
هذا وقد أوصى رسول الله صلوات الله عليه وآله أمته بأهل بيته مراراً وتكراراً، فجاء في صحيح مسلم ج: 4 ص: 1873: ح2408، من قول حديث زيد بن أرقم عندما جاءه يزيد بن حيان وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم، فسألاه عن حديث من أحاديث رسول الله صلوات الله عليه وآله، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي!
فهل يمكن أن يتوقع هذا من هؤلاء الظلمة وهذه الوصايا تتلى على مسامعهم؟
ثانياً: الهجوم حصل فجأة، أي أن كسر الباب وضرب الزهراء صلوات الله عليه حدث في ثوانٍ معدودة، أي أن الإمام علي عليه السلام لم يكن كما يقول الخطباء بعفوية أو للتنفيس عن قلوبهم المجروحة بعتابهم لمولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه أو كما يقول الوهابية بحقد وحماقة من أنه كان يتفرج وهم يفعلون ما يفعلون وهو لا يحرك ساكناً!
قد يقول أحدهم بأن الإمام يعلم الغيب؟
نقول بأن المعصوم لا يتعامل إلا بالظاهر، إلا ما كان بأمر من الله جلّ وعلا وأمره أن يقوم بأمر غيبي، وهذا إعتقاد العامة أيضاً، فهم يعتقدون بأن النبي صلوات الله عليه وآله يعلم المنافقين، لكنه لا يتعامل معهم إلا بالظاهر، يقول الطبري في تفسير في ج: 10 ص: 184: فإن قال قائل فكيف تركهم ( يعني المنافقين ) صلى الله عليه (وآله) وسلم مقيمين بين أظهر أصحابه مع علمه بهم؟ قيل إن الله تعالى ذكره إنما أمر بقتال من أظهر منهم كلمة الكفر ثم أقام على إظهاره ما أظهر من ذلك وأما م! ن إذا يتحقق عليه منهم أنه تكلم بكلمة الكفر وأخذ بها أنكرها ورجع عنها وقال إني مسلم فإن حكم الله في كل من أظهر الإسلام بلسانه أن يحقن بذلك له دمه وماله وإن كان ذلك وتوكل هو جل ثناؤه بسرائرهم ولم يجعل للخلق البحث عن السرائر، فلذلك كان النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم مع علمه بهم وإطلاع الله إياه على ضمائرهم واعتقاد صدورهم كان يقرهم بين أظهر الصحابة ولا يسلك بجهادهم مسلك جهاد من قد ناصبه الحرب على الشرك بالله لأن أحدهم كان إذا يتحقق عليه أنه قد قال قولا كفر فيه بالله ثم أخذ به أنكره وأظهر الإسلام بلسانه فلم يكن صلى الله عليه (وآله) وسلم يأخذه إلا بما أظهر له من قوله ثم حضوره إياه وعزمه على إمضاء الحكم فيه دون ما سلف من قول كان نطق به قبل ذلك ودون اعتقاد ضميره الذي لم يبح الله لأحد الأخذ به في الحكم وتولى الأخذ به هو دون خلقه..إنتهى!
ثالثاً: وقد يطرح أحدهم إشكالاً وهو: كيف كان الهجوم مفاجئاً مع التهديد بالإحراق، بل بإحراق باب البيت العلوي؟
أقول، وهو دليلٌ آخر على أن الأمر كان فجأة، وأمراً لم يكن متوقعاً، وهو أن مولاتنا الزهراء صلوات الله عليها كانت حاسرة، وليس عليها خمارٌ تستر وجهها به!
قال العلامة المجلسي قدس : روي بأسانيد معتبرة عن سليم بن قيس الهلالي ، وغيره ، عن سلمان والعباس قالا : - والنص لكتاب سليم: قال سليم بن قيس :
فلما رأى علي عليه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم إياه لزم بيته فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة... إلى أن قال سليم بن قيس:
ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة عليه السلام :
والله لتخرجن يا علي ، ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك بالنار ؟ !
فقالت فاطمة عليها السلام ، يا عمر ، ما لنا ولك ؟
فقال : افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم.
فقالت : " يا عمر ، أما تتقي الله تدخل علي بيتي ؟، فأبى أن ينصرف . ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه ، فدخل ، فاستقبلته فاطمة عليه السلام وصاحت :
يا أبتاه يا رسول الله !
فرفع عمر السيف وهو في غمده ، فوجأ به جنبها ، فصرخت : يا أبتاه !
فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت :
يا رسول الله ، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر ..
إلى أن يقول سليم:
قلت لسلمان : أدخلوا على فاطمة عليه السلام بغير إذن ؟ !
قال : إي والله ، وما عليها من خمار . فنادت :
وا أبتاه ، وا رسول الله ! يا أبتاه فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر وعيناك لم تتفقا في قبرك " - تنادي بأع! لى صوتها -!؟
إذاً يتبين لنا، بأن الزهراء صلوات الله عليها قد فوجئت بالأمر الذي لم يكن تتوقعه، فأضرموا النار وهجموا مباشرة، وهذا الأمر وكما! أسلفنا، كان كله في ثوانٍ معدودة، حتى أن مولاتنا الزهراء صلوات الله عليها، أسرعت لتستر نفسها خلف الباب وحاولت إغلاقه، لكن ماذا صنعوا؟ ضربوها وأسقطوا جنينها بأبي هي وأمي ونفسي لها الفداء الوقاء والحمى!
وقد نظم العلامة الفقيه السيد محمد بن السيد مهدي القزويني المتوفى 1335ه ، هذا الموضع من! حديث سليم في أرجوزته حيث يقول:
يا عجبا يستأذن الأمين *** عليهم ويهجم الخؤون
قال سليم : قلت يا سلمان *** هل هجموا ولم يك استيذان
فقال : إي وعزة الجبار *** وما على الزهراء من خمار
لكن! ها لاذت وراء الباب *** رعاية للستر والحجاب
فمذ رأوها عصروها عصرة *** كادت بنفسي أن تموت حسرة
تصيح يا فضة سنديني *** فقد وربي قتلوا جنيني
فأسقطت بنت الهدى وا حزنا *** جنينها ذاك المسمى محسنا
رابعاً: الإمام بعد أن حصل ذلك، هجم عليهم (لكنه لم يحرك سيفه فيهم لأن الرسول صلوات الله عليه وآله كان قد أوصاه بعدم رفعه) وقد ذكرت الروايات بأنه قد قبض على عمر وطرحه أرضا وجثى على صدره، لكنه لم يقتله لأنه موصى، فتكاثروا عليه وهو على تلك الحالة وقيدوه وأخذوها ملبباً!
فعندما دخل عمر بن الخطاب البيت الطاهر ماذا حصل؟
فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره (أي جذبه بشدة) فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله ، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوصاه به ، فقال : ( والذي كرم محمدا بالنبوة - يا بن صهاك - لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وآله لعلمت إنك لا تدخل بيتي )!
فأرسل عمر يستغيث ، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي عليه السلام إلى سيفه . فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي عليه السلام إليه بسيفه ، لما قد عرف من بأسه وشدته . فقال أبو بكر لقنفذ: ( إرجع ، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته ، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم النار )
فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وثار علي عليه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون ، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه فألقوا في عنقه حبلا!
وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت ، فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته ، لعنه الله ولعن من بعث به، ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلا حتى انتهي به إلى أبي بكر ، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن ج! بل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد وسائر الناس جلوس حول أبي بكر عليهم السلاح!
راجع كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري ص 150 ، وأيضاً كتاب الإحتجاج!
إذاً أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يكن يتفرج وهو يدخلون عليه الدار أبداً، بل حامى عن حرم بيته وبضعة رسول الله صلوات الله عليه وآله، لكن الوصية قيدته بعدم سفك دمهم!
فيتضح لنا أن ضرب الزهراء صلوات الله عليها كان في هذه الأحوال:
أ- الهجوم المفاجئ من قبل القوم الظالمين في بادئ الأمر!
ب- بعد تقييد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه!
إذاً أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله لم يكن متفرجأً كما يظن البعض!
خامساً: الوصية أمر جدير بأن نلتفت إليه: وهو أن نبي الله هارون عليه السلام قد كان موصىً من قبل نبي الله موسى عليه السلام، ولم يحرك ساكنا ولم يحمل السيف بالرغم من أن بنو إسرائيل عبدوا العجل، فأيهما أعظم أن تنقلب الأمة ، فتشرك وتكفر بالله، أم أن أصبر ولو ظلمت زوجتي بل وتضرب على أن لا يكفر الناس أو يعودوا كفاراً..؟؟
بلى قد أوصاه رسول الله صلوات الله عليه وآله بالجهاد إذا ما وجد الأنصار ، ولكن ذلك لم يكن، يقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه لابن قيس بشأن وجود الأنصار (كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري ص 217 ) : ولو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم (يعني أبي بكر) تتمة أربعين رجلا مطيعين لي لجاهدتهم!
ماذا لو جاهدهم من دون وجود الأنصار؟
يعني بأنهم سيقتلون ، وسيؤول الإسلام وما بناه رسول الله صلوات الله عليه وآله إلى الخراب والدمار والشتات، أي أن جهاد الرسول صلوات الله عليه وآله وتحمله هذه المشقة وهذا العناء في سبيل رفع راية لا إله إلا الله قد ذهب هباءً منثوراً!
وعندما تراجع التاريخ، ستجد بأن الفتوحات الإسلامية، ما كانت إلا بسيوف القلة الباقية من أتباع أمير المؤمنين صلوات الله عليه!
النتيجة
فيتضح مما ذكرت أعلاه، بأن الإمام عليه السلام لم يحرك ساكنا بعد ذلك لكي يحافظ على الإسلام، فأي أمر يكون بعد وفاة رسول الله صلوات الله عليه وآله من الشقاق سوف يكون الكفر لا محال، ولذلك صبر على ذلك سيدي ومولاي، كما صبر نبي الله هارون عليه السلام في القصة القرآنية المشهورة، قال تعالى في سورة طه آية 92-94: قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي؟ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟، يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي...آية 94 من سورة طـه!
والكلمة (َلاَّ تَتَّبِعَنِي؟ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟) والكلمة (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) تدلان على أنه كان موصى من قبل نبي الله موسى عليه السلام، ولذلك لم يجاهدهم على أنهم قد أشركوا وعبدوا العجل!
الخلاصة نقول بأنه من اللامعقول بأن لا يرفع السيف حينما ضربوا الزهراء عليها السلام، وقد قاوم ذلك الظلم بما يستطيع حتى أخذوه كتافا!
وسؤال أسأله كل مؤمن، أيهما أعظم ضرب الزهراء عليها السلام أم أن يرتد الناس على أدبارهم.؟؟
ما دام أمير المؤمنين عليه السلام يقول لو جاهد بالسيف لارتد الناس كلهم (فأيهما أفضل، أن يرتد كل الناس، أم أن يبقى ثلة مؤمنة صابرة تنشر الإسلام، وهذا ما حصل فعلاً..؟؟)
وصبر الإمام عليه السلام، لا يقاس بصبر الناس، فهو إمام معصوم مربوط على قلبه، أنا وأنت لا نتحمل هذا الأمور فتكون ردة فعلنا ليس كما يريدها الله سبحانه وتعالى، فصبر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وصل إلى مراحل عظيمة لا يدانيه فيها أحدٌ أبداً، وكل ذلك لله وفي سبيل الله!
سادساً: وبجدر بنا الإشارة إلى أن هناك أموراً أخرى، لم تكن في حدود الوصية، كنبش القبور التي علم عليها أمير المؤمنين صلوات الله عليه لكي لا يعلمون مكان دفن الزهراء صلوات الله عليها،،
فجاء في بحارالأنوار ج : 43 ص : 171: قال محمد بن همام و روي أنها قبضت لعشر بقين من جمادى الآخرة و قد كمل عمرها يوم قبضت ثماني عشرة سنة و خمسا و ثمانين يوما بعد وفاة أبيها فغسلها أمير المؤمنين ع و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس و أخرجها إلى البقيع في الليل و معه الحسن و الحسين و صلى عليها و لم يعلم بها و لا حضر وفاتها و لا صلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم و دفنها بالروضة و عمي موضع قبرها و أصبح البقيع ليلة دفنت و فيه أربعون قبرا جددا و إن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبرا فأشكل علي! هم قبرها من سائر القبور فضج الناس و لام بعضهم بعضا و قالوا لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة تموت و تدفن و لم تحضروا وفاتها و الصلاة عليها و لا تعرفوا قبرها ثم قال ولاة الأمر منهم هاتم من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها و نزور قبرها فبلغ ذلك أمير المؤمنين صلوات الله عليه فخرج مغضبا قد احمرت عيناه و درت أوداجه و عليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة و هو متوكئ على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع فسار إلى الناس النذير و قالوا هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآخر فتلقاه عمر و من معه من أصحابه و قال له ما لك يا أبا الحسن و الله لننبشن قبرها و لنصلين عليها فضرب علي ع بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض و قال له يا ابن السوداء أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم و أما قبر فاطمة فو الذي نفس علي بيده لئن رمت و أصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فأعرض يا عمر فتلقاه أبو بكر فقال يا أبا الحسن بحق رسول الله و بحق من فوق العرش إلا خليت عنه فإنا غير فاعلين شيئا تكرهه قال فخلى عنه و تفرق الناس و لم يعودوا إلى ذلك..إنتهى!
ويقول بن أبي الحديد : روى أنه عفى قبرها و علم عليه و رش أربعين قبرا في البقيع و لم يرش قبرها حتى لا يهتدى إليه و أنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها و إحضارهما الصلاة عليها فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلا و لو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه و ما تأخر عنه لم يكن فيه حجة..إنتهى!
وهذا في حد ذاته دليل على أن الإمام صلوات الله عليه كان موصىً من قبل رسول الله صلوات الله عليه وآله، وإلا لجاهدهم في مثل تلك المواقف السابقة!
سابعاً وأخيراً: الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه إمامٌ معصوم حكيم ذو علم، فإذا رأى الحكمة والمصلحة في السكوت، فيجب التسليم له بهذا الأمر على أنه هو الحق وهو الأمر الذي يرضي الله عزّ وجل حتى وإن لم يكن موصى، يقول الله عزّ وجل في قصة يعقوب وبعد أن أمرهم أن يدخلوا من عدة أبواب متفرقة، في سورة يوسف عليه السلام الآية 68: وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ!
وأمير المؤمنين صلوات الله عليه ينطبق عليه هذا أيضاً، وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ!
والحمد لله رب العالمين