المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ ابو تقى البهبهاني يسأل والعلامة الشيخ الاصفي يجيب


حسين البهبهاني
07-07-2013, 12:33 PM
بسمه تعالى

بمناسبة قرب شهر الله الكريم سوف انشر بعض الاسئلة التي حاورة بها استاذي

المفكر الاسلامي المعروف اية الله الشيخ محمد مهدي الاصفي (( حفظه الله ))

وفي الواقع انشاء الله يرى هذا الحوار على شكل كتاب ببركات دعاء الاخوة والاخوات المؤمنين

ولكم سؤالي وجواب شيخي الاصفي (( حفظه الله تعالى ))

أبو تقى :

لماذا جعل الرسول الاعظم ( صلوات الله عليه ) الدعاء مخ العبادة ...؟

ولماذا لايهلك مع الدعاء أحد , كما تقول الرواية الشريفة ...؟

الشيخ الآصفي :

الدعاء إقبال على الله , والإقبال على الله روح العبادة , والعبادة هي الغاية من خلق الانسان .

هذه ثلاثة معادلات متصلات مترابطات , سوف أحاول أنشاء الله توضيحها واحدة ًبعد الأخرى .

أبدء بالمعادلة الأولى : الدعاء إقبال على الله , لانّ الانسان لايُقبل على الله في حال كما يُقبل على الله

إذا مسه الضر , وإذا مسته الحاجة والفاقة .

لإنّ الدعاء فقرٌ وحاجة ٌ, ووعيٌ للفقر والحاجة , وعرض للفقرعلى الله تعالى , فالانسان في حالة الدعاء

يرفع فقره وحاجته وبؤسه الى الله عزّوجل , ولايتمكن الانسان من الإقبال على الله في حال , كما هو في

حالة الضّروالبؤس , التي تلجاء الانسان الى الله سبحانه .

والعكس صحيح بنفس المقياس , ما يبتعد الانسان عن الله تعالى , وما ينأى عنه في

حال كما ينأى ويبتعد عن الله إذا شعر بالاستغناء عنه سبحانه ,

وهذا الشعور والإحساس بالإستغناء عن الله , شعورٌ وإحساسٌ كاذب ,

لأنّ الانسان بطبيعته فقيرٌ الى الله ومحتاجٌ إليه , إنظر الى قوله تبارك و تعالى

{ كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى‏ (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى‏ (7) } سورة العلق .

إذن الدعاء إقبال على الله , وخلافه إعراضٌ عن الله , يقول تعالى

{ وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني‏ أَسْتَجِبْ‏ لَكُمْ إِنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي‏ سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرين ‏}
( الأية 60 سورة غافر) .

هناك علاقة بين الدعاء والإقبال على الله سبحانه , وهناك علاقة بين الاستغناء عن الدعاء ,

والإستكبار على الله جل شأنه , فالذين يستغنون عن الدعاء ويُعْرِضون عن الله

ولايطلبون منه ولايسألونه تعالى , يدخلون في عداد المستكبرين على الله ,

وتكون نتيجتهم الحتميّة كما تقدم في الأية الشريفة ( سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرين ) أي أذلاء .

المنأهل الأربعة للإقبال على الله :

صحيح إنّ الطرق الى الله سبحانه بعدد أنفاس الخلائق , كما تقول الرواية ,

ولكن أرى من الضروري ان أبيّن هذه المنأهل الاربعة ,

التي من خلالها ندخل رحاب الله سبحانه وتعالى ,

فنسلط الضوء على الدعاء باعتباره واحداً من أهم الطرق الموصلة لله تعالى , هذه الأبواب التي ندخل من خلالها على الله سبحانه أربعة هي :
) الإيمان ) و ( الشكر ) و ( الإستغفار ) و ( الدعاء )

عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام انه قال :‏

{ أربعٌ للمرء لا عليه : الإيمان و الشكر , فإن الله تعالى يقول :

( ما يَفْعَلُ اللَّهُ‏ بِعَذابِكُمْ‏ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُم‏ ‏)

والإستغفار فإنه قال :‏ ( وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ‏ وَأنت فيهِم‏ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون‏ )

‏والدعاء فإنه قال تعالى :‏ ( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُم‏ ) } ( بحارالانوارج90ص292)

فالإيمان والشكر يحفظان الانسان ويحميانه ويمنعان العذاب عنه ,

ثم الإستغفار هو الباب الثالث الذي ندخل منه الى رحاب رحمة الله ,

یقول تعالى { وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ‏ وَأنت فيهِم‏ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون } ( الأية 33 سورة الانفال ) ,

والذي يدخل الى رحاب الله من باب الإستغفار لايمسّه العذاب إن شاء الله تعالى .

والمنهل الرابع هو الدعاء { قلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ } ( الأية 77 سورة الفرقان )

, فلولا الدعاء لا يبقى للإنسان قيمة ًأو وزن عند الله سبحانه .

عن أمير المؤمنين علي عليه السلام

{ من أعطي أربعالم‏ يحرم‏ أربعا : من أعطي الإستغفارلم‏ يحرم‏ المغفرة , ومن أعطي الشكرلم‏ يحرم‏ الزيادة , ومن أعطي التوبةلم‏ يحرم‏ القبول , و من أعطي الدعاء لم‏ يحرم‏ الإجابة } ( تحف العقول ص 381 ) , وكل ذلك مذكور في كتاب الله سبحانه وتعالى .

إذن الدعاء منهل ٌمن أهم المنأهل للورود على الله تعالى ,

ذلك لإنّ الدعاء كما أسلفت وعيٌ الفقر والحاجة , وكلما وعى الانسان

فقره وحاجته الى الله , يكون بذلك قد أقبل عليه سبحانه , وهكذا كلما

يُقبل الانسان على الله تبارك وتعالى , يُقبل الله سبحانه عليه ,

وهذا الإقبال يكون بإستجابة الله لعبده حينما يدعوه ,

وهاتان معادلتان متصلتان .
كلما وعى الانسان حاجته الى الله أكثر , كلما تمكّن من أن

يقبل على الله أكثر وأفضل وأحسن , فيستجيب تبارك وتعالى له ,

ولذلك يؤكّد القران الكريم هذه الحقيقة , حينما يقول تعالى

{ أَمَّنْ يُجيبُ‏ الْمُضْطَرَّ إذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } ( الأية 62 سورة النمل ) ,

ومن يكشف السوء عن العبد غير الله ؟ إذا حمل العبد الى الله إضطراره وفقره ,

ورفع يديه إليه سبحانه , يقول أمير المؤمنين علي ( عليه السلام )

في دعاء كميل : { وإليك يارب نصبت وجهي , وإليك يارب مددت يدي }

وبهذا الشكل يرفع العبد الى الله فقره وحاجته وضعفه ,

وينظر الله لحالة عبده في حالة الفقروالإضطرار والحاجة إليه سبحانه ,

فيستجيب لدعاء عبده .
إنّ الله تعالى إستجاب لدعاء عبده الصالح ,

ونبيه ذي النون يونس عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ,

وهوفي ظلمات ثلاثة , ظلمة الليل , وظلمة البحر , وظلمة بطن الحوت , يقول تعالى

{ وَذَا النُّونِ‏ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ

فَنادى‏ فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنت سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ } ( الأية 87 سورة الانبياء )

, ثم يقول تعالى في الأية الثانية : إنه سبحانه قد إستجاب لدعاء عبده ورسوله يونس (عليه السلام )

ونجّاه من الغم , وكذلك ينجي سائر المؤمنين , إنظر الى قوله تعالى { فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنينَ }( الأية 88 سورة الانبياء ) .

متى إستجاب الله سبحانه لدعاء ذي النون ( عليه السلام ) , عندما تقطعت الأسباب مابينه

وبين كل الأسباب المادية في الحياة الدنيا , تصوروا إحساسه وحالته ( عليه السلام )

وهو في بطن الحوت , في أعماق البحر , في ظلمات الليل , نرى أنّ العبد الصالح

ذوالنون لجاء الى الله تعالى لجوءً حقيقياً , ومن هذا نفهم أنّ واحدة من

أهم السبل لإستجابة الدعاء , هو أن يقطع الداعي الأمل عن جميع الأسباب الماديّة مابينه

وبين خالقه , وهذا هو سر إستجابة الدعاء , كل ما كان إضطرار الانسان الى الله أكثر

و فقره وحاجته أشد , كان إقبال الله سبحانه عليه أكثر يقول تعالى

{ وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَريبٌ مِنَ الْمُحْسِنينَ } ( الأية 56 سورة الاعراف )

إنّ رحمة الله قريبة ًمنّا , ولكنّ العباد هم الذين يبتعدون عنها , فإذا رفعنا الى الله سبحانه خوفنا منه وطمعنا إليه , تكون النتيجة أنّ رحمة الله قريبة ًمنا .


وليس معنى ما تقدّم أن نُعرض عن الأسباب المادّية ونقاطعها لنلجاء الى الله , فهذا مما لايجوزولايصح , ولكن معنى ذلك أن نعد هذه الأسباب ضمن مشيئة الله ورحمته , وفي إمتداد رحمته وفضله , وإنها إذا لم ييسرها الله تعالى لم تتيسّر .

ما تقدم هوالمعادلة الأولى , التي قلناعنها إنّ الدعاء إقبال على الله سبحانه .

والان أتحدث لكم عن المعادلة الثانية , وهي أنّ الإقبال على الله روح العبادة ,

لان مهمة العبادة هي إتصال العبد بالله سبحانه , ولاشيء يشد الانسان بربه كالعبادة .

عن حنّان بن سدير عن أبيه قال‏ : قلت للباقر عليه السلام

{ أيُّ العبادة أفضل .. ؟ فقال : ما من شي‏ء أحب إلى الله عزّوجل من‏ أن‏ يسأل‏ ويطلب مما عنده و ما أحد أبغض إلى الله عزّوجل ممن يستكبر عن عبادته و لا يسأل مما عنده‏ } ( مكارم الاخلاق ص 268) .
هذه الرواية فيها بعدان البعد الأول : الدعاء أفضل العبادة .
البعد الثاني : الإعراض عن الدعاء إستكبارعن العبادة .
وهذاالمعنى مقتبسٌ من القران الكريم يقول تعالى

:{ إِنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ‏ عَنْ عِبادَتي‏ سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرينَ } ( الأية 60 سورة غافر ) .

فمن هاتين المقدمتين يمكن أن نؤلف صغرى وكبرى ونتيجة ,

كما يقول المناطقة فتكون المعادلة كالتالي : ( الدعاء إقبال على الله ) و ( الإقبال على الله روح العبادة ) فتكون النتيجة ( الدعاء روح العبادة ) وهذه هي الإجابة على سؤالكم لماذا الدعاء مخ العبادة , مخ العبادة يعني روح العبادة وجوهرها .

وأما المعادلة الثالثة وهي ( العبادة غاية خلق الانسان )

يقول تعالى { وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ‏ }

( الأية 56 سورة الذاريات ) ,

فالانسان من دون العبادة , ومن دون الاتصال بالله سبحانه وتعالى , ومن دون أن يشد حبله بحبل الله القوي المتين , خاسر وهالك و ساقط , ويكون دائما ًفي خسرٍ لامحالة , وصدق الله العلي العظيم حينما يقول : { وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفي‏ خُسْرٍ (2) } سورة العصر .

والانسان الخاسر , هوالذي لايتصل بالله , ولايشد نفسه بحبل الله , والذي يفصل حوله وقوته عن حول الله وقوته , فهو هالك لامحالة , والذي لاحول له ولاقوة الابالله , يكون قلبه عامراً بالله ومتعلقا ًبه , ولسانه يلهج بذكر الله , يكون من المفلحين والمطمئنين .

يقول تعالى : { الَّذينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }( الأية 28 سورة الرعد ) , فحينما يتمسّك الانسان بالله , ينمو ويتكامل ويعرج إليه تعالى , وحينما يقطع حبله عن حبل الله سبحانه , يسقط و يخسرو يهلك .
د
إما الشق الثاني من السؤال , لماذا لا يهلك مع الدعاء أحد.. ؟
فقد إتضحت الإجابة عليه بما أجبنا على الشق الأول منه , نسأله تعالى أن يجعل وجهنا متجها ًدائما ًوابدا ًالى وجهه الكريم , وحبلنا متصلا ً أبدا ًودائما ًبحبله القويّ المتين .

الراجي دعائكم

ابو تقى البهبهاني الكوفي

صفاء العامري
07-07-2013, 06:28 PM
احسنت بارك الله بيك

حسين ال دخيل
07-07-2013, 06:32 PM
الله تعالى يحفظ شيخنا الكبير الاصفي
ويحفظك ويسدد خطاكم لنشر علوم محمد وال محمد