مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة البحوث المنبرية : علي والقرآن
ابو مصطفى البهادلي
19-07-2013, 04:20 PM
سلسلة البحوث المنبرية: علي والقرآن
ملاحظة: عناوين المواضيع وضعت بعد إتمام كتابة البحث من أجل التبويب
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي اللعين الرجيم
توكلت على الله رب العالمين
اللهم صل على محمد وآله الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
قال النبي صلى الله عليه وآله: «إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفـترقا حتى يردا عليّ الحوض، فإنظروا كيف تـخـلفوني فيـهما»([1] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=10#_ftn1))
[توطئة]
نقل شيخنا الصدوق قدس سره الشريف في كتابه معاني الأخبار حديثاً عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام بخصوص علاقة شهر رمضان المبارك بالقرآن الكريم، فيقول عليه السلام: «لكل شئ ربيع؛ وربيع القرآن شهر رمضان».([2] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=10#_ftn2))
ولـمّا يقترن هذا الربيع بذكر علي عليه السلام وفي شهر شهادته في ساعات صيامه؛ فهذا له دلالات كبيرة وعميقة للمتتبع المحقق عن علاقة شهيد شهر الصيام بالقرآن في ربيعه.. كيف لا! وقد أخرج القاصي والداني حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإنه قال: «عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض».([3] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=10#_ftn3))
ولما تقترن ليلة الإعتداء على علي عليه السلام وليلة شهادته بذات الليال التي يعتقد المسلمون أنها - مما تدور عليها الآراء بما يسمى مجموعها بــ- ليال القدر حيث أُنزل القرآن الكريم: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}([4] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=10#_ftn4)) في ليلة عظّمها الله تعالى ومنحها الزكاة والنمو فكانت خيراً من ألف شهر.. عندئذٍ؛ أعني مع هذا الإقتران نعلم أيضاً عظيم العلاقة بين القرآن الكريم وأمير المؤمنين عليه السلام.. كيف لا! والقرآن الكريم كتاب حق لا يمسه الباطل أبداً كما قال تبارك وتعالى في قرآنه الموحى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وعلي عليه السلام إنسان حق لا يمسه الباطل أبداً كما قال الله تبارك وتعالى على لسان نبيه الموحى الذي لا ينطق عن الهوى: «علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار».([5] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=10#_ftn5))
------------------
هوامش
([1]) سنن الترمذي: ج5 ص664، الحديث: 3786.
([2])معاني الأخبار: 228.
([3]) ممن أخرجه من علماء القوم الحاكم في مستدركه : 3 - 124 عن أُمّ سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. وأورده الذهبي في تلخيصه مصرّحاً بصحته. ورواه ابن عساكر في تاريخه. مختصر تاريخ دمشق لابن منظور: 18 - 45 ترجمة علي بن أبي طالب .
([4]) سورة القدر.
([5]) في هامش كتاب الشافي في الإمامة للشريف المرتضى قدس سره، ج1 ص202: هذا الحديث أخرجه جمع من الحفاظ والأعلام منهم الخطيب في تاريخ بغداد 14/321، والهيثمي في مجمع الزوائد 7/236، والرازي في تفسيره 1/111 عند كلامه على الجهر بالبسملة، والكنجي في الكفاية ص 135، وانظر الغدير للأميني ج3 من ص177 فما بعدها، والعجب من ابن تيمية يقول في هذا الحديث: "حديث إن رسول الله قال: علي مع الحق، والحق يدور معه حيث دار ...الحديث" فإن هذا الحديث من أعظم الكلام كذبا وجهلا، ولم يروه أحد عن النبي صلى الله عليه وآله لا بإسناد صحيح ولا ضعيف" إلى أن قال "ولو قيل رواه بعضهم وكان يمكن صحته لكان ممكنا وهو كذب قطعا على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كلام ينزه عنه رسول الله، منهاج السنة ج 2 / 167 ! .
يتبع..
ابو مصطفى البهادلي
19-07-2013, 04:20 PM
[علي والقرآن]
فـ « عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ » علي والقرآن يسند أحدهما الآخر، وبمجموعهما تتحقق الهداية وتنتفي الضلالة، فهم الكتاب والعترة التي أوصى بهما رسول الله صلى الله عليه وآله وجعلهما بمجموعهما طريق الهداية الأوحد، فلا التمسك بالكتاب من دونهم ينفع، ولا التمسك بهم من دون القرآن يغني، يقول تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}([1] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn1))، ويقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق»([2] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn2))
ومن يتتبع كلمات أمير المؤمنين عليه السلام يقف على عظيم نُصحه للأمة وإلزامه بالتمسك بحليف العترة وصنوها؛ أعني القرآن الكريم.. من ذلك قوله عليه السلام:
وَاعْلَمُوا أَنَّ هذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لاَ يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لاَ يُضِلُّ، وَالْمُحَدِّثُ الَّذِي لاَ يَكْذِبُ، وَمَا جَالَسَ هذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ: زِيَادَةٍ فِي هُدىً، أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمىً، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ، وَلاَ لِأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنىً؛ فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ، وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ.
ثم يقول عليه السلام:
وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَقَائِلٌ مُصَدَّقٌ، وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ، وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْه، فَإنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامةِ: أَلاَ إنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلىً فِي حَرْثِهِ وَعَاقِبَةِ عَمَلِهِ، غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرآنِ فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَاسْتَدِلُّوهُ عَلى رِّبِّكُمْ، وَاسْتَنْصِحُوهُ عَلى أَنْفُسِكُمْ، وَاتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ، وَاسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ.
وفي نفس الخطبة يقول:
وَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ (حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ)، وَسَبَبُهُ الْأَمِينُ، وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ، وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ، وَمَا لِلْقَلْبِ جَلاَءٌ غَيْرُهُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ الْمُتَذَكِّرُونَ، وَبَقِيَ النَّاسُونَ أَوِ الْمُتَنَاسُونَ.([3] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn3))
وغير ذلك كثير وكثير من كلماته بحق القرآن الكريم، وفي الجانب الآخر فإن المقتفي لآيات القرآن الكريم إقتفاء تعقل ورعاية؛ يقف على عظيم نُصح القرآن وإلزامه البشرية للتمسك بمنهاج العترة، فجعل مفتاحه بيدهم: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ* لّا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}([4] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn4)) ومن هم الـمُطهرون الذين يمسونه ويعقلون دقائق معانيه؟ يُـجيب القرآن فيقول: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.([5] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn5))
فمحمد وعلي وذريتهما صلوات الله عليهما هم المطهرون، وهم الراسخون في العلم الذين يعلمون تفسير المحكات وتأويل المتشابهات من آيته: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌهُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}.([6] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn6))
وقد روى الشيخ المجلسي طيب الله ثراه في كتابه بحار الأنوار عن الإمام ابي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: «إن رسول الله أفضل الراسخين في العلم، فقد علم جميع ما أنزل الله عليه من التأويل والتنزيل، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه التأويل وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله».([7] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn7))
وروى الشيخ الكليني طيب الله ثراه في كتابه الكافي عن أبي الصباح قال: «والله لقد قال لي جعفر بن محمد عليه السلام: إن الله عَلَّم نبيه التنزيل والتأويل فعَلَّمه رسول الله صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام قال : وعَلَّمنا».([8] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn8))
------------------
هوامش
([1]) سورة الأسراء: الآية 9.
([2]) الحاكم النيسابوري. المستدرك: ج2 ص343. وقال الحاكم بعد إدراج الحديث: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه.
([3] ) نهج البلاغة: الخطبة 176.
([4]) سورة الواقعة: الآيات 77-79
([5]) سورة الأحزاب: الآية 33.
([6]) سورة آل عمران: الآية 7.
([7]) المجلسي. بحار الأنوار: ج89 ص81.
([8]) الكليني. الكافي: ج7 ص442.
يتبع..
ابو مصطفى البهادلي
19-07-2013, 04:22 PM
[أواصر العلاقة بين علي والقرآن]
فالعلاقة بين أمير المؤمنين وكتاب رب العالمين هي علاقة راسخة متجذرة، والإرتباط بينهما إرتباط موضوعي حقيقي، حيث طرق سمع علي حروف القرآن الكريم من أولها إلى أخراها من لسان أخيه وخليله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
فحيدرة:
هو الرفيق الدائم لمصدر الوحي في كل وقت وحال – ما استطاع إلى ذلك سبيلاً- وهو القائل: «ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه –أي النبي- اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه».. ويقول عليه السلام عن أول نداء سماوي حيث كان رفيق النبي صلى الله عليه وآله في غار حراء: «أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه صلى الله عليه وآله؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ ».([1] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn1))
وقد بذل أمير المؤمنين عليه السلام نفسه وكل حياته فداءً للقرآن مدافعاً عنه.. يدافع عن الوحي ومصدره، عن القرآن الكريم ومصدره إلى الإنسانية وهو خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وآله، -ولا نتناول في بحثنا هذا تضحيات وصمود علي الولي عليه السلام في حفظ وحماية محمد النبي صلى الله عليه وآله وإلا فهذا مما يحتاج إلى بحث مستقل ينطق فيه القلم وينطلق ناقلاً من كتب الخاصة والعامة ما يشفي به قلوب آمنت بعلي وذابت عشقاً في إسمه ومعناه- وإنما عن حيدرة والقرآن.
وحيدرة:
الذي قال بحقه الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى بإن خاصف النعل – أمير المؤمنين- يقاتل على تأويل القرآن حين تنحرف الأمة عن المعاني الإلهية لكلام الله تعالى، فقد روى الحاكم النيسابوري في المستدرك بطريقين صحيحين عن أبي سعيد قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فانقطعت نعله، فتخلف علي يخصفها، فمشى قليلاً ثم قال صلى الله عليه [وآله] وسلم: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله، فاستشرف لها القوم، وفيهم أبو بكر وعمر، قال أبو بكر: أنا هو؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو؟ قال: لا، ولكن خاصف النعل -يعني علياً-، فأتيناه فبشرناه فلم يرفع به رأسه كأنه قد كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم».. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه!([2] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn2))
وحيدرة:
هو حبل الله تعالى الذي أُمرنا بالإعتصام به، وهو جَنب الله الذي تقول النفس لأجله في يوم الحساب وآحسرتاه، وفي ذلك الموقف يعضُّ الظالم على يديه لانه لم يتخذ علياً سبيلاً، وهو الذي تهواه القلوب وتهوي إليه.. وغير ذلك كثير مما جاء في أمهات الكتب ومصادر المسلمين، الموالي منها والمعادي، والمحب من رواتها والناصبي.. فعن محمد بن عبد الله بن المعمر الطبراني الذي يقول عنه المحدثون بأنه من موالي يزيد بن معاوية ومن النصاب، روى بسنده([3] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn3)) عن جابر بن عبد الله الأنصاري: « قال: وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله أهل اليمن، فقال النبي صلى الله عليه وآله: جاءكم أهل اليمن يبسون بسيساً، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله قال: قوم رقيقة قلوبهم، راسخ إيمانهم، منهم المنصور، يخرج في سبعين ألفاً ينصر خلفي وخلف وصيي، حمائل سيوفهم المسك. فقالوا: يا رسول الله ، ومَنْ وصيك؟
فقال: هو الذي أمركم الله بالاعتصام به، فقال عز وجل: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}.([4] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn4))
فقالوا: يا رسول الله، بَيّن لنا ما هذا الحبل؟
فقال: هو قول الله: {إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ}([5] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn5))فالحبل من الله كتابه، والحبل من الناس وصيي.
فقالوا: يا رسول الله، مَنْ وصيك؟
فقال: هو الذي أنزل الله فيه: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ}.([6] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn6))
فقالوا: يا رسول الله، وما جنب الله هذا؟
فقال:هو الذي يقول الله فيه: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا}([7] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn7))هو وصيي، والسبيل إلي من بعدي.
فقالوا: يا رسول الله، بالذي بعثك بالحق نبياً أرناه فقد اشتقنا إليه .
فقال: هو الذي جعله الله آية للمؤمنين المتوسمين، فإن نظرتم إليه نَظَر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عرفتم أنه وصيي كما عرفتم أني نبيكم.. فتَخَللوا الصفوف وتَصَفَحوا الوجوه، فمن أهوتْ إليه قلوبُكم فإنه هو، لأن الله عز وجل يقول في كتابه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}([8] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn8)) أي: إليه وإلى ذريته عليهم السلام.
ثم قال –الراوي-: فقام أبو عامر الأشعري في الأشعريين، وأبو غرة الخولاني في الخولانيين وظبيان وعثمان بن قيس في بني قيس، وعرنة الدوسي في الدوسيين، ولاحق بن علاقة، فتخللوا الصفوف وتصفحوا الوجوه وأخذوا بيد الأصلع البطين، وقالوا: إلى هذا أهوت أفئدتنا، يا رسول الله.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: أنتم نجبة الله حين عرفتم وصي رسول الله قبل أن تعرفوه، فبم عرفتم أنه هو؟
فرفعوا أصواتهم يبكون ويقولون: يا رسول الله، نظرنا إلى القوم فلم تحن لهم قلوبنا، ولما رأيناه رجفت قلوبنا ثم اطمأنت نفوسنا، وانجاشت أكبادنا، وهملت أعيننا، وانثلجت صدورنا، حتى كأنه لنا أب ونحن له بنون.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: {وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}([9] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn9))أنتم منهم بالمنزلة التي سبقت لكم بها الحسنى ، وأنتم عن النار مبعدون.
قال –الراوي-: فبقي هؤلاء القوم المسمون حتى شهدوا مع أمير المؤمنين عليه السلام الجمل وصفين، فَقُتِلوا في صفين رحمهم الله، وكان النبي صلى الله عليه وآله بشرهم بالجنة وأخبرهم أنهم يستشهدون مع علي بن أبي طالب عليه السلام».
وحيدرة:
الذي قال بحقه العام والخاص أن ما من آية ابتدأها الله بيا أيها الذين آمنوا إلا وكان علي رأسها وأميرها وشريفها([10] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn10))، وقال بحقه العام والخاص ان أكثر من ربع القرآن قد نزل بحقه، يُغنينا في المقام ما نقله الحاكم الحسكاني وهو من مفسري القرآن الكريم من الجمهور، -نقل- في كتابه شواهد التنزيل عن ابن عباس؛ قال: أخذ النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم يدي ويد علي بن أبي طالب وخلا بنا على ثبير، ثم صلى ركعات ثم رفع يديه إلى السماء فقال:اللهم إن موسى بن عمران سألك، وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري وتيسر لي أمري وتحلل عقدة من لساني ليفقه به قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي علي بن أبي طالب أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري.
قال ابن عباس: سمعت مناديا ينادي: يا أحمد قد أوتيتَ ما سألت.
فقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لعلي: يا أبا الحسن ارفع يدك إلى السماء فادع ربك وسل يعطك، فرفع علي يده إلى السماء وهو يقول: اللهم اجعل لي عندك عهداً ، واجعل لي عندك وداً،فأنزل الله على نبيه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}([11] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn11)) فتلاها النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم على أصحابه فتعجبوا من ذلك تعجباً شديداً، فقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: مما تتعجبون، إن القرآن أربعة أرباع فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام، وإن الله أنزل في علي كرائم القرآن.([12] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn12))
والخلاصة: فإن بين علي امير المؤمنين والقرآن الكريم أواصر ووشائج لا تُحصى، فهو حبل الله المتين وجنبه وسبيله، وهو الذي يمس روح القرآن ودقائق معانيه، وهو الذي يفسر محكماته ويأول متشابهاته، وهو العالم بكل آية فيما نزلت وأين نزلت، وهو .. وهو.. وبعد كل هذا هل يشك العاقل بأنه صلوات الله عليه حقاً القرآن الناطق وترجمان وحي الله؟!
هذه الأواصر والوشائج التي طرحناها –وأخرى لم نذكرها روماً للإختصار- إنما تُشير بشكل جلي واضح على وحدة الأصل والمنبع فكلاهما من الله تعالى، ووحدة الهدف والغاية فكلاهما يدعوان إلى الله تعالى؛ كما قرر النبي صلى الله عليه وآله وصدح مراراً وتكراراً.. وفي مواضع وأوقات شتى من سني حياته المقدسة، حينما يُشير إلى الكتاب والعترة وأنهما سبيل الهداية؛ والمتمسك بهما –حقاً- لن تمسه يد الضلالة والإنحراف أبداً، فقال صلى الله عليه وآله: «إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فإنظروا كيف تخلفوني فيهما»([13] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn13))هذا الحديث الذي (رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أكثر من ثلاثين صحابياً، وما لا يقل عن ثلاثمائة عالم من كبار علماء أهل السنة، في مختلف العلوم والفنون، وفي جميع الأعصار والقرون، بألفاظ مختلفة وأسانيد متعددة، وفيهم أرباب الصحاح والمسانيد وأئمة الحديث والتفسير والتاريخ.. فهو حديث صحيح متواترة بين المسلمين). ([14] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn14))
------------------
هوامش
([1]) نهج البلاغة: الخطبة:192
([2] ) الحاكم النيسابوري. المستدرك: ج3 ص123
([3]) النعماني. الغيبة: 46. قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن المعمر الطبراني بطبرية سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة -وكان هذا الرجل من موالي يزيد بن معاوية ومن النصاب-، قال: حدثني أبي، قال: حدثني علي بن هاشم والحسين بن السكن معاً، قالا: حدثنا عبد الرزاق بن همام، قال: أخبرني أبي عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف، عن جابر بن عبد الله الأنصاري.. الحديث.
([4]) سورة آل عمران: الآية 103.
([5]) سورة آل عمران: الآية 112.
([6]) سورة الزمر: الآية 39.
([7]) سورة الفرقان: الآية 25.
([8]) سورة إبراهيم: الآية 14.
([9]) سورة آل عمران: الآية 7.
([10]) القندوري. ينابيع المودة: ج2 ص 177.
([11] ) سورة مريم: الآية 96.
([12] ) الحاكم الحسكاني. شواهد التنزيل: ج1 ص57.
([13]) سنن الترمذي: ج5 ص664، الحديث: 3786.
([14]) السيد حامد النقوي. خلاصة عبقات الأنوار: ج1 ص3.
يتبع...
ابو مصطفى البهادلي
19-07-2013, 04:23 PM
[الأهتمام بالعلم]
واحاديث وصية رسول الله وتَرِكَته –كتاب الله والعترة- جاء في كثير منها لفظ (الثقلين) فُعبِّر عنها بــ(حديث الثقلين) وقد ورد أيضاً في ألفاظ مختلفة وأسانيد متعددة، منها: قال رسول الله صلى الله عليه وآله «ألا أيها الناس، إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».([1] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn1))
وقد أفرد السيد علي الحسيني الميلاني بحوثاً حول حديث الثقلين، تولى مركز البحوث العقائدية([2] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn2)) طبعها على شكل كراس صغير بعنوان (حديث الثقلين) متوفر على صفحات شبكة الإنترنت.. وهو بحث مختصر، موضوع بإسلوب علمي شيق، يجذب القارئ بعذوبة صياغته، ويضيف له المعلومة بجزيل مصادره، ننصح الأخوة بقرائته.
وإن كُنّا نأسف شديد الأسف على بعض شبابنا –الأغلب منهم- الذين لا نجد في قلوبهم لذة المطالعة والقراءة، ولا رغبة في التزود من علوم أهل البيت عليهم السلام، فساعاتهم – أي شبابنا- تائهة بما لا يستفيدون، وضائعة بما لا ينفعهم عند السؤال بين يدي الله تبارك وتعالى.. فيستيقظ احدنا صباحاً ويضع رأسه على الوسادة ليلاً وحينها يسأل نفسه: هل بالفعل إنتهى اليوم بتمامه؟ اربعة وعشرون ساعة بتمامها غادرتني؟ ام ان هذا كله مجرد حلم لا أكثر؟ ماذا قدمتُ لنفسي اليوم؟ هل قمتُ بعمل صالح؟ علم مفيد؟ وفي مقابل هذه الأسئلة يوجد سؤال حقيق بالفطن أن يُسلب لذة الراحة والنوم حينما يقدمه بين يدي نفسه: وكم أقترفتُ من الآثام اليوم؟ كبائر الذنوب وصغائرها، من غيبة وبهتان وكذب وحسد و..الخ، وكم ضاعتْ من الساعات لا أعرف كيف وأين انقضت؟ هذا إن اعتاد الفرد منا على سؤال نفسه ومحاسبتها قبل أن تُحاسَب!!
وفي عبارات جميلة وصياغة فنية رائعة وبحروف من ذهب يكتب شيخنا المقدس الكفعمي رحمه الله تعالى واصفاً ساعات اليوم وكيف تتجسم للإنسان في يوم الحساب، فيقول قدس سره: (يُنشر للعبد –عن- كل يوم أربع وعشرون خزانة، بعضها فارغة وبعضها ملآنة: فإذا فُتحت له خزانة الحسنات والمراضي والمثوبات، ناله من الفرح والسرور والبهجة والحبور، بمشاهدة تلك الأنوار، التي هي وسيلة عند الملك الجبار، ما لو وزع على أهل النار، لأدهشهم ذلك الفرح عن ألم السعار([3] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn3)) وإن فتحت له خزانة العصيان، والغيبة والبهتان، غشاه من نتنها وظلامها، وأصابه من شرها وآلامها، ما لو قسم على أهل النعيم، لنغص عليهم التنعيم، وإن فتحت الفارغة من الأعمال، الموصوفة بالتكاسل والاهمال، لِـحقه الحزن العظيم، على خلوها من الثواب الدائم المقيم).([4] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn4)) وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
إذ كنت أعلم علماً يقينا *فَلِمَ لا أكون ضنيناً بها
بأن جميع حياتي كساعة* واجعلها في صلاح وطاعة
وفي إطار الدعوة إلى العلم والتعلم؛ يقول صاحب الذكرى علي أمير المؤمنين عليه السلام: «يا كُمَيلَ بنَ زياد، إنّ هذه القلوبَ أوعيَة، فخَيرُها أوعاها، فاحفَظْ عنّي ما أقول لك: الناسُ ثلاثة: فعالِمٌ ربّانيّ، ومُتعلِّمٌ على سبيلِ نجاة، وهَمَجٌ رَعاع، أتباعُ كلِّ ناعِق، يَميلُون مع كلِّ ريح، لم يستضيئوا بنورِ العِلم، ولم يَلجأوا إلى ركنٍ وثيق»([5] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn5)) فإن دققنا النظر في هذا الحديث وأخذ منا وقتاً يسيراً في التأمل والتفكير؛ سنقف على حقيقة (الهمج الرعاع) نستعيذ بالله تعالى مِنْ أن نُدرج تحت صنفهم.
فَمَنْ هم الهمج الرعاع؟ هم: أتباعُ كلِّ ناعِق، يَميلُون مع كلِّ ريح.
كيف وصل بهم الأمر هكذا؟ لم يستضيئوا بنورِ العِلم، ولم يَلجأوا إلى ركنٍ وثيق.
أولاً: لم يستضيئوا بنورِ العِلم، فلم يكونوا من الصنف الأول (فعالِمٌ ربّانيّ) فالعلماء الربانيون هم الذين أستضائوا بنور العلم الذي ينير الطريق إلى الله تبارك وتعالى.. ثانياً: ولم يَلجأوا إلى ركنٍ وثيق، فلم يكونوا من الصنف الثاني: (ومُتعلِّمٌ على سبيلِ نجاة) لإن المتعلم يلجأ إلى ركنٍ وثيق أي الى العلماء فيقتفي أثرهم.. فيجلس المتعلم في مجالس درسهم وتحت منابر نُصحهم ووعظهم ويقرأ ما تخطه أناملهم.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: «الناس يغدون على ثلاثة: عالم ومتعلم وغثاء، فنحن العلماء، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء»([6] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn6))والغثاء هو الهشيم الجاف الذي تراه فوق السيل، بمعنى المجتمع من هنا وهناك بلا علاقة وارتباط ومشابهة([7] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn7))، فشيعة علي عليه السلام حليفهم العلم إقتداءً بإمامهم أمير المؤمنين وسيد الموحدين الذي كان متعلماً وتلميذاً منذ أيام حياته الأولى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتزود من عِلْم النبي المرتبط بالعليم الأعلى، لم يفارق عليٌ منبرَ النبي وخطبه، ولم يتغيب عن مجالس درسه، وله مع النبي خلوات علمية ذكرها المؤرخون في كتبهم وأحصوها في مواضع شتى؛ فلم يترك علياً صلوات الله تعالى عليه الإرتواء من منهل الصفاء والنقاء حتى اليوم الآخر من حياة المعلم الأول رسول الله صلى الله عليه وآله، فعن عبد الله بن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه: ادعوا لي أخي،قال: فأرسلوا إلى علي عليه السلام فدخل فوليا وجوههما إلى الحايط وردا عليهما ثوبا فأسرَّ إليه والناس محتوشون وراء الباب فخرج علي عليه السلام، فقال له رجل من الناس: أسرَّ إليك نبي الله شيئاً؟ قال: نعم أسرَّ إلي ألف باب في كل باب ألف باب،فقال: وعيته؟ قال عليه السلام: نعم وعقلتُ».([8] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn8))
وكما كان متعلماً فهو العالِم الذي يدعو الناس للتزود من علمه، وقد تناقلت الأجيال كلمته الخالدة «سلوني قبل أن تفقدوني» التي لطالما كررها هنا وهناك، وفي هذا الموقف وذاك، وكان عليه السلام يتأوه بحثاً عن المتعلمين! ففي حديث طويل للإمام الصادق عن الإمام الباقر عليهما السلام يقول فيه: «.. ولم يجد جدي أميرُ المؤمنين عليه السلام حَمَلَة لِعِلمه حتى كان يَتَنفس الصُعداء ويقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين الجَوانح مني علماً جماً، هاه هاه، ألا لا أجد من يحمله، ألا وإني عليكم من الله الحجة البالغة».([9] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn9))
------------------
هوامش
([1] ) صحيح مسلم. باب من فضائل علي رضي الله عنه: ج7 ص123.
([2]) بادر مركز الأبحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني - مد ظله – إلى اتخاذ منهج ينتظم على عدة محاور بهدف طرح الفكر الإسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن، ومن هذه المحاور: عقد الندوات العقائدية المختصة، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكريها المرموقين، التي تقوم نوعا على الموضوعات الهامة، ولأجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الإنترنت العالمية صوتاً وكتابة، وأخذت طريقها للطبع والنشر على شكل كراريس تحت عنوان سلسلة الندوات العقائدية بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنية اللازمة عليها.(من مقدمة الكراس-بتصرف).
([3] ) السعار بالضم: حر النار وشدة الجوع أيضا، وسعرناهم بالنبل: أحرقناهم، قاله الجوهري
([4] ) الشيخ الكفعمي. محاسبة النفس: 39
([5] ) نهج البلاغة: الحكمة 147.
([6])المجلسي. بحار الأنوار: ج1 ص187.
([7]) السيد الشيرازي. تقريب القرآن: ج5 ص659. في تفسير قوله تعالى: { فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} سورة الأعلى: 5.
([8])المجلسي. بحار الأنوار: ج55 ص157.
([9])المجلسي. بحار الأنوار: ج3 ص225.
يتبع..
ابو مصطفى البهادلي
19-07-2013, 04:24 PM
[حديث الثقلين والوحدة الإسلامية]
والكلام عن عِلم أمير المؤمنين عليه السلام وتعلمه وحديثه عن العِلم وفضل العلماء والمتعلمين يحتاج إلى بحث مستقل منفرد، لا تكفيه هذه الكلمات التي ما طرحناها إلا مِنْ باب –الشيء بالشيء يُذكر- ومِنْ باب النصيحة والموعظة في ذكرى تلميذ رسول الله ومعجزته العلمية علي بن ابي طالب صلوات الله عليهما وآلهما.
عودة- إلى كراس السيد الميلاني: (حديث الثقلين)- فكما قلنا هو بحث مختصر لا تتجاوز صفحاته الأربعين، ناقش فيه سماحته أربعة جهات: تحقيق ألفاظ الثقلين، رواة حديث الثقلين، دلالات حديث الثقلين، المناقشات والمعارضات في حديث الثقلين.. وأتمَّ سماحته البحث بمطالب مهمة جداً تناول فيها: إقتران حديث الثقلين بأحاديث أخرى كإقترانه من ضمن إعلان الغدير، وتكرار الوصية بالكتاب والعترة في عدة مواطن، وناقش مسألة الدعوة إلى الوحدة الإسلامية على ضوء حديث الثقلين.
وفي إطار الكلام عن الوحدة الإسلامية نقل سماحته حكاية عن جده؛ قال: كان جدنا السيد الميلاني رحمة الله عليه يحدثنا عن مبادرة بعض أعلام النجف الأشرف([1] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn1)) إلى التفاهم والتقارب مع بعض علماء السنة في ذلك الزمان، كان يقول رحمة الله عليه: كنا نقترح عليه وعلى غيره: إن السبيل الصحيح السليم للتقارب بين المذاهب الإسلامية، هو الأخذ بحديث الثقلين، لأن المفروض أنه حديث صحيح عند الطرفين إن لم يكن متواتراً وهو متواتر قطعاً، حديث مقبول عند الطرفين ودلالته واضحة، فحينئذ إذا كان هناك شئ عن رسول الله نفسه وهو صحيح سنداً ودلالته تامة ويصلح لأن يكون جامعاً بيننا؛ لماذا نتركه ونتوجه إلى نظريات واقتراحات ومشاريع أخرى قد لا تفيدنا ولا نصل عن طريقها إلى الهدف.
كان رحمة الله عليه يقول: كنا نصر على هذا المعنى وكان بعض أعلام النجف الأشرف الذي كان يقود فكرة التقريب له اقتراح آخر، حتى أنه عاد واعترف بأن الطريقة الصحيحة ليست إلا هذه الطريقة، ولا علاج لهذه المشكلة إلا الرجوع إلى هذا الحديث وأمثاله.([2] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn2))
[التعايش السلمي والأيمان بالثقلين]
نعم.. لا علاج إلا بدواء وصفه النبي صلى الله عليه وآله لأمته مُرشداً أياهم طريق الهداية وطريق الإتحاد على الحق والوحدة ضد مشاريع تقسيم الأمة وتفتيتها، والمتابع للبيانات الختامية التي تصدر عن ندوات التقريب ومشاريع الوحدة يجد أنها تهدف إلى أحد هدفين:
الأول: تلك المشاريع والندوات التي تهدف إلى خصوص حفظ الدماء والأموال والأعراض، بأن يتعايش المسلمون فيما بينهم حياة كريمة على أسس الإحترام المتبادل، ويتعايش المسلمون مع أقرانهم من ابناء باقي الشرائع السماوية وغيرها على ذات الأسسس.
الثاني: المشاريع والندوات التي تضع من ضمن أهدافها هداية الناس إلى طريق الحق والنجاة بهم من ضلال الإنحراف والعمى.
وكلا هذين الصنفين من المشاريع والندوات لا تكون منتجة إلا بالأخذ بهدي الثقلين كتاب الله وعترة نبيه، فلا هداية إلا بالتمسك بمنهج الكتاب والعترة، ولا حقن للدماء وأحتراماً للإنسان بما هو إلا بالتمسك بمنهج الكتاب والعترة.
فالقرآن يقول عن حرية المعتقد: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}([3] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn3)) وعن أسلوب التعايش: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.([4] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn4))
وأما الثقل الآخر – أُدباء القرآن- فقد ذكر التأريخ في مدوناته حكايات جمة عن أدبهم القرآني في وضعهم لأهم مرتكزات الدولة الحديثة وبما تبتني عليه من أهم قواعدها وأصولها ألا وهو أصل العيش المشترك وأحياء منظومة حقوق الإنسان بكل مفاصلها، الإقتصادية والإجتماعية والعقائدية والفكرية ونحوها.
أديب القرآن علي بن ابي طالب كيف تعامل مع الإنسان؟ الإنسان وفقط بغض النظر عن صفاته وموصوفاته، بغض النظر عن كونه عربياً او أعجمياً، اسود اللون او ابيضه، سيداً في قومه او مولى لهم، في صف الموالاة للحاكم او المعارضة، الإشتراك بالدين أو لا..الخ.. هذا التعامل الفريد الذي لا يذكر التأريخ له نظيراً مطلقاً، مما دفع جورج جرداق –النصراني- إلى البحث في حياة أمير المؤمنين عليه السلام وإستلهام الدروس في مفهوم الإنسان ليقف على حقوقه في شريعة الإسلام ومن خلال وصي رسول رب العالمين، فكتب –جورج جرداق- رائعته (علي صوت العدالة الإنسانية) في أجزاء خمسة.
فأمير المؤمنين عليه السلام يُعلَّم واضعي دستور كل دولة ويُرشدهم إلى أهم مادة حقوقية من مواد دستورهم من خلال عهده لمالك الأشتر رضوان الله عليه حين ولاه مصر؛ وفيها المسلم وغيره والمحب وغيره والصديق وغيره، قال عليه السلام: وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ.([5] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn5))
هذه المادة القانونية التي استوقفت عقول اهل القانون حتى قال عنها الأمين العام السابق للأممالمتحدة كوفي عنان: هذه العبارة يجب أن تُعلَّق على كلّ المنظمات، وهيعبارة يجب أن تنشدها البشرية، وبعد أشهر اقترح (عنان) أن تكون هناك مداولةقانونية في اللجنة القانونية في الأممالمتحدة، وبعد مدارسات طويلة وبحوث وجلسات رُشِّحت العبارة للتصويت؛ وصوّت عليها الدول بأنها أحد مصادر التشريع الدولي.
وفي نموذج آخر من نماذج إدارة الدولة وحقوق مواطينها بغض النظر عن أنتمائاتهم الفكرية والسياسية والدينية.. في أيام حكومته عليه السلام مر شيخ مكفوف كبير يسأل – يستجدي- في الكوفة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين: نصراني، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه؟! أنفقوا عليه من بيت المال.([6] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn6))
والجدير بالذكر أن الإمام عليه السلام لم يقل: (مَنْ هذا؟) وإنما قال: (ما هذا؟) وفي اللغة الفرق شاسع كبير، (مَنْ) للعاقل، و(ما) لغير العاقل، فكأن الإمام عليه السلام يقول: أنني لا اسأل عن الشخص وإنما عن الحالة والوضع، كيف يستجدي رجل في ظل حكومتي؟ بغض النظر عن إعتقاده وإنتماءه! ولذلك لما قيل له أنه نصراني لم يتغير الموقف إلى التعامل معه على أساس أنه مواطن من الدرجة الثانية وبالتالي فلا بأس أن يستجدي ويسأل الناس، ولا بأس أن تُنتزَع منه كرامة الإنسان لأنه ليس بمسلم! أو لأنه لا يعتقد بالقائد العام والرئيس!
لا.. فهذه القياسات والمحاباة وأضرابها ليست لها في قاموس علي عليه السلام مِنْ وجود يُذكر..
ويذكر التأريخ عن أدب القرآن في شخص علي عليه السلام في معاركه مع خصومه وأعداءه، مثلا: كان صلوات الله عليه يوصي أصحابه قبل الحرب في معركة الجمل: «لا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَءوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى حُجَّةٍ وتَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَءوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ -بِإِذْنِ اللَّهِ-ـ فَلا تَقْتُلُوا مُدْبِراً، ولا تُصِيبُوا مُعْوِراً، ولا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، ولا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى وإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ».([7] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn7))
هذا خُلق علي قبل معركة الجمل، وبعد المعركة وما حصدته من أرواح؛ كيف تَصرَّف؟ هل يتصرف بنحو من العصبية والإنتقام؟ حاشاه فهو القرآن بهيئة الإنسان – القرآن الناطق بتعبير الروايات- فما أن أُلقي السلاح حتى نادى الإمام عليه السلام بالعفو العام عن كل شخص يُلقي السلاح ولا يهدد الأمن العام للمواطنين، حتى عن اشد الأعداء خصومة كمروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير ونحوهما.
وأما قائد الجيش أم المؤمنين عائشة.. هل مارس امير المؤمنين معها أسلوب أمراء الحرب وسجية السلاطين؟ أم مارس أخلاق الصالحين وسجية دعاة السلام وقادة الإنسان؟ يقول المؤرخون: شملها العفو العام، وما أكتفى!! بل وجهّزها عليه السلام أحسن الجهاز، ودفع لها مالا كثيراً، وبعث معها أخاها عبد الرحمن بثلاثين رجلاً وعشرين امرأة من أشراف البصرة وذوات الدين من همدان وعبد القيس، وألبسهنّ العمائم وقلّدهنّ السيوف بزيّ الرجال؛ وقال لهنّ: لاَ تعلمنها أنكنّ نسوة، وتلثّمن وكنّ حولها ولا يقربنَّها رجل وسُرن معها على هذا الوصف، فلمّا وصلت إلى المدينة قيل لها: كيف كان مسيرك؟ فقالت: بخير، والله لقد أعطى فأكثر ولكنه بعث رجالاً معي أنكرتهم، فبلغ ذلك النسوة فجئن إليها وعرفنها أنّهنّ نسوة فسجدت؛ وقالت: والله يا ابن أبي طالب ما إزددت إلاّ كرماً، وودت انّي لم أخرج هذا المخرج، وأن أصابني كيت وكيت.([8] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn8))
ومثلاً: في معركة صفين والحرب مع معاوية، وما ادراك ما معاوية! لما وصل اللعين إلى مكان المعركة (وأحتلَّه وملك الشريعة وحصَّنها بالخيل والرجال ليمنع علياً ومن معه من الماء، ولمّا وصل الإمام إلى صفين ورأى ما فعل معاوية؛ أرسل إليه أن يُخلي بين الناس والماء، فأبى، فقال له أبن العاص: خَل الماء فلن يعطش علي وأنت ريَّان، فلم يأخذ برأيه.
فطرد جيش الإمام أهل الشام وغلبوهم على الماء، وعندها قال معاوية لابن العاص: ما ظنك أيمنعنا علي من الماء كما منعناه؟ فقال: أنَّ علياً لا يستحل منك ما استحللت منه، وبعث الإمام إلى معاوية من يقول له: نحن لا نُكافيك بصُنعك، هلم إلى الماء فنحن وأنت فيه سواء).([9] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn9)) وألح جماعة من الأصحاب أن يمنع الماء عن معاوية وجنده، فأبى وقال: لا، خلوا بينهم وبينه، لا أفعل ما فعله الجاهلون، سنعرض عليهم كتاب الله، وندعوهم إلى الهدى، فإن أجابوا، وإلا ففي حد السيف ما يغنى إن شاء الله، يقول الرواي: فوالله ما أمسى الناس حتى رأوا سقاتهم وسقاة أهل الشام ورواياهم وروايا أهل الشام يزدحمون على الماء، ما يؤذى إنسان إنساناً. ([10] (http://www.ansarwlaya.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=1444#_ftn10))
------------------
هوامش
([1]) هو الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس سره؛ كما في هامش الكراس.
([2] ) السيد الميلاني. حديث الثقلين: ص33.
([3]) سورة البقرة: الآية 256.
([4]) سورة الممتحنة: الآية 8.
([5] ) نهج البلاغة: الرسالة 52.
([6] ) محمد الريشهري. ميزان الحكمة: ج2 ص1228.
([7] ) نهج البلاغة. الرسالة 14.
([8] ) عن هامش الفصول المهمة في معرفة الأئمة. نحقيق : سامي الغريري: ج1 ص443.
([9] ) العلامة الشيخ محمد جواد مغنية. فضائل الإمام علي ع: ص262.
([10]) حبيب الله الهاشمي الخوئي. منهاج البراعة: ج4 ص310.
يتبع..
ابو مصطفى البهادلي
19-07-2013, 04:26 PM
[الخاتمة]
لا تعجب .. نعم لا تعجب من خُلق علي بن أبي طالب عليه السلام، فكثير منّا لا يتصور –أو لا يستطيع ان يدرك- هذه الآداب القرآنية، في حال الحرب، والعدو يبادر مبتدأً بمنع الماء، فتغلب عدوك ثم تبادر فتبعث إليه: هلم إلى الماء فنحن وأنت فيه سواء!! قال ابن خلكان([1] (http://www.ansarwlaya.com/vb/editpost.php?do=editpost&p=2043#_ftn1)): قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن -وكان من ثقات أهل السنة-: رأيت في المنام علي بن أبي طالب عليه السلام؛ فقلت له: يا أمير المؤمنين تفتحون مكة فتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم يتم على ولدك الحسين عليه السلام يوم الطف مَا تَمَّ؟ فقال: اما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا؟ فقلت: لا ، فقال: إسمعها منه، ثم استيقظت فبادرت إلى دار حيص بيص([2] (http://www.ansarwlaya.com/vb/editpost.php?do=editpost&p=2043#_ftn2)) فخرج إلي فذكرت له الرؤيا، فشهق وأجهش بالبكاء وحلف بالله إن كانت خرجت من فمي أو خطي إلى أحد، وإن كنتُ نظمتها إلا في ليلتي هذه ثم أنشدني:
ملكنا فكان العفو منا سجية* وحللتم قتل الأسارى وطالما
فحسبكم هذا التفاوت بيننا* فلما ملكتم سال بالدم أبطح
غدونا على الأسرى نمن ونصفح*وكل إناء بالذي فيه ينضح
وهكذا كان علي عليه السلام حتى مع قاتله عبد الرحمن بن ملجم يوصي به خيراً .. في ذات اللحظات إلى أُصيب فيها، وحرارة السيف السيف ما بردت، وشدة الألم وقسوته ما هدأت، وبعد أن أمكن الله من ابن ملجم وقد أُحضر بين يديه، ففتح أمير المؤمنين عليه السلام عينيه ونظر إليه وهو مكتوف وسيفه معلق في عنقه، فقال له بضعف وانكسار صوت ورأفة ورحمة: يا هذا لقد جئت عظيماً، وارتكبتَ أمراً عظيماً، وخطباً جسيماً، أبئس الامام كنت لك حتى جازيتني بهذا الجزاء؟ ألم أكن شفيقاً عليك، وآثرتك على غيرك، وأحسنت إليك، وزدت في إعطائك؟
ثم التفت عليه السلام إلى ولده الحسن عليه السلام وقال له: ارفق يا ولدي بأسيرك وأارحمه، وأحسن إليه وأشفق عليه، ألا ترى إلى عينيه قد طارتا في أم رأسه، وقلبه يرجف خوفاً ورعباً وفزعاً، فقال له الحسن عليه السلام: يا أباه قد قتلك هذا اللعين الفاجر وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به؟! فقال له: نعم يا بني نحن أهل بيت لا نزداد على الذنب إلينا إلا كرماً وعفواً، والرحمة والشفقة من شيمتنا لا من شيمته، بحقي عليك فأطعمه يا بني مما تأكله، واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدماً ، ولا تغل له يداً.([3] (http://www.ansarwlaya.com/vb/editpost.php?do=editpost&p=2043#_ftn3))
--------------------------
هوامش
([1]) أنظر: الكنى والألقاب للشيخ القمي قدس سره: ج1ص 338.
([2]) هو الأمير شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي البغدادي المتوفى سنة 574 ه، وإنما قيل له: (حيص بيص) لأنه رأى الناس يوما في حركة مزعجة وأمر شديد، فقال: ما للناس في حيص بيص؟ فبقي عليه هذا اللقب، ومعنى هاتين الكلمتين الشدة والاختلاط، تقول العرب: وقع الناس في حيص بيص، أي: في ضيق وشدة، وهما اسمان جعلا واحداً، وبنيا على الفتح مثل جاري بيت بيت. (هامش سير أعلام النبلاء للذهبي: ج19 ص563، تحقيق وتخريج وتعليق: شعيب الأرنؤوط).
([3]) المجلسي. بحار الأنوار: ج42 ص288.
ابو مصطفى البهادلي
19-07-2013, 04:28 PM
والحمد لله أولا وآخرا.
كُتِبتْ آخر حروف هذا البحث بعد صلاة الفجر في التاسع من شهر رمضان المبارك لعام 1434 هـ، بقلم الفقير إلى الله تعالى والراجي ثوابه محمد البهادلي، وإن كَتَبَ الله تعالى لي في ذلك ثواباً فهو مُهدى إلى إبي وأمي حفظهما الله «وحق أبيك أن تعلم أنه أصلك، وإنه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه» «فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً، وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة فرحة»
حسين ال دخيل
20-07-2013, 01:35 AM
احسنت اخي الكريم
في ميزان حسناتك
صفاء العامري
22-07-2013, 09:23 PM
احسنـــــــــــــــــــــــــــت
ابو مصطفى البهادلي
23-07-2013, 04:03 AM
جزاكم الله خيرا،، ونسأله تعالى التوفيق لنا ولكم
بحق أمير المؤمنين عليه السلام
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
Jannat Alhusain Network © 2024