أحلى بحراني
12-08-2013, 04:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
ما هي قصة النبي إدريس عليه الصلاة والسلام؟
هي قصة عجيبة مطوّلة فيها كثير من العبر رُويت عن سيدنا ومولانا الإمام الباقر عليه السلام، قال: ” كان بدو نبوة ادريس عليه السلام أنه كان في زمانه ملك جبار، وانه ركب ذات يوم في بعض نزهه فمر بارض خضرة نضرة لعبد مؤمن من الرافضة فأعجبته فسأل وزرائه لمن هذه الأرض؟ قالوا: لعبد مؤمن من عبيد الملك فلان الرافضي، فدعا به فقال له: أمتعني بأرضك هذه، فقال له: عيالى أحوج اليها منك، قال: فسمنى بها اثمن لك قال: لا أمتعك بها ولا أسومك دع عنك ذكرها فغضب الملك عند ذلك واسف وانصرف إلى أهله وهو مغموم متفكر في أمره، وكانت له امرأة من الازارقة وكان بها معجبا يشاورها في الامر اذا نزل به، فلما استقر في مجلسه بعث اليها يشاورها في أمر صاحب الارض، فخرجت اليه فرأت في وجهه الغضب فقالت: ايها الملك ما الذى دهاك حتى بدا الغضب في وجهك قبل فعلك؟ فأخبرها بخبر الارض وما كان من قوله لصاحبها ومن قول صاحبها له، فقالت: ايها الملك انما يغتم ويهتم ويأسف من لا يقدر على التغيير والانتقام، فان كنت تكره ان تقتله بغير حجة فانا أكفيك امره وأصير ارضه اليك بحجة، لك فيها العذر عند أهل مملكتك، قال: وما هى؟ قالت: أبعث اليه أقواما من أصحابى ازارقة حتى يأتوك به، فيشهدون عليه عندك انه قد برأ من دينك، فيجوز لك قتله وأخذ أرضه. قال: فافعلى.
قال: وكان لها أصحاب من الازارقة على دينها يرون قتل الرافصة من المؤمنين، فبعث إلى قوم من الازارقة فأتوها فأمرتهم أن يشهدوا على فلان الرافضى عند الملك انه قد برأ من دين الملك فشهدوا عليه انه قد برئ من دين الملك فقتله واستخلص أرضه، فغضب الله تعالى للمؤمن عند ذلك، فأوحى إلى ادريس: أن ائت عبدى هذا الجبار فقل له: أما رضيت أن قتلت عبدى المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه خالصة لك، فاحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتى لانتقمن له منك في الآجل، ولاصلبنك ملكك في العاجل، ولاخربن مدينتك ولاذلن عزك، ولاطعمن الكلاب لحم امرأتك، فقد غرك يا مبتلى حلمى عنك؟ فأتاه ادريس (عليه السلام) برسالة ربه وهو في مجلسه وحوله أصحابه، فقال: أيها الجبار انى رسول الله اليك وهو يقول لك: أما رضيت ان قتلت عبدى المؤمن حتى استخلصت أرضه خالصة لك، وأحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتى لانتقمن له منك في الآجل، ولاسلبنك ملكك في العاجل ولاخربن مدينتك ولاذلن عزك ولاطعمن الكلاب لحم امرأتك، فقال الجبار: اخرج عنى يا ادريس فلن تسبقنى بنفسك ثم ارسل إلى امرأته فأخبرها بما جاء به ادريس فقالت: لا يهولنك رسالة اله ادريس انا اكفيك أمر ادريس، انا ارسل اليه من يقتله فتبطل رسالة الهه وكلما جاء به، قال: فافعلى قال: وكان لادريس أصحاب من الروافض مؤمنون يجتمعون اليه في مجلس له فيأنسون به ويأنس بهم، فأخبرهم ادريس بما كان من وحى الله عزوجل اليه ورسالته إلى الجبار وما كان من تبليغه رسالة الله عز ـ وجل إلى الجبار، فأشفقوا على ادريس وأصحابه وخافوا عليه القتل وبعثت امرأة الجبار اليه أربعين رجلا من الازارقة ليقتلوه. فأتوه في مجلسه الذى كان يجتمع اليه فيه أصحابه فلم يجدوه، فانصرفوا وقد رآهم أصحاب ادريس فحسبوا أنهم أتوا ادريس ليقتلوه فتفرقوا في طلبه فلقوه فقالوا له: خذ حذرك يا ادريس فان الجبار قاتلك، قد بعث اليوم اربعين رجلا من الازارقة ليقتلوك فاخرج من هذه القرية.
فتنحى ادريس عن القرية من يومه ذلك، ومعه نفر من أصحابه، فلما كان في السحر ناجى ادريس ربه فقال: يا رب بعثتنى إلى جبار فبلغت رسالتك وقد توعدنى هذا الجبار بالقتل بل هو قاتلى ان ظفر بى؟ فأوحى الله عزوجل اليه: أن تنح عنه واخرج من قريته، وخلنى واياه فوعزتى لانفذن فيه أمرى، ولاصدقن قولك فيه، وما ارسلتك به اليه، فقال ادريس: يا رب ان لى حاجة، قال الله عزوجل: سل تعطها.
قال: اسألك ان لا تمطر السماء على هذه القرية وما حولها وما حوت عليه حتى اسألك ذلك، قال الله عزوجل: يا ادريس اذا تخرب القرية ويشتد جهد أهلها ويجوعون! قال ادريس: وان خربت وجهدوا وجاعوا؟ قال الله عزوجل: قد اعطيتك ما سألت ولن أمطر السماء عليهم حتى تسألنى ذلك، وأنا أحق من وفى بوعده.
فأخبر ادريس أصحابه بما سأل الله من حبس المطر عنهم وبما أوحى الله اليه ووعده أن لا يمطر السماء على قريتهم حتى يسأله ذلك فاخرجوا أيها المؤمنون من هذه القرية إلى غيرها من القرى، فخرجوا منها وعدتهم يومئذ عشرون رجلا، فتفرقوا في القرى وشاع خبر ادريس في القرى بما سأل ربه، وتنحى ادريس إلى كهف من الجبل شاهق فلجأ اليه ووكل الله عزوجل به ملكا يأتيه بطعامه عند كل مساء وكان يصوم النهار فيأتيه الملك بطعامه عند كل مساء، وسلب الله عزوجل عند ذلك ملك الجبار و قتله واخرب مدينته وأطعم الكلاب لحم امرأته غضبا للمؤمن، فظهر في المدينة جبار آخر عاص، فمكثوا بذلك بعد خروج ادريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم قطرة من مائها فجهد القوم واشتدت حالهم وصاروا يمتارون الاطعمة من القرى من بعد، فلما جهدوا مشى بعضهم إلى بعض، فقالوا: ان الذى نزل بنا مما ترون لسؤال ادريس ربه أن لا يمطر السماء علينا حتى يسأله هو، وقد تنحى ادريس عنا ولا علم لنا بموضعه والله أرحم بنا منه، فأجمع امرهم على ان يتوبوا إلى الله ويدعوه ويفزعوا اليه ويسألوه أن يمطر السماء عليهم وعلى ما حوت قريتهم، فقاموا على الرماد و لبسوا المسوح وحثوا على رؤوسهم التراب وعجوا إلى الله بالتوبة والاستغفار و البكاء والتضرع اليه فأوحى الله عزوجل إلى ادريس: يا ادريس ان أهل قريتك قد عجوا إلى بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع، وانا الله الرحمن الرحيم اقبل التوبة واعفو عن السيئة وقد رحمتهم ولم يمنعنى من اجابتهم إلى ما سألونى من المطر الا مناظرتك فيما سألتنى أن لا أمطر السماء عليهم حتى تسألنى، فاسألنى يا ادريس حتى أغيثهم وامطر السماء عليهم. قال ادريس: اللهم انى لا اسئلك ذلك. قال الله عزوجل: ألم تسألنى يا ادريس فأجبتك إلى ما سألت، وأنا اسألك ان تسألنى فلم لا يجيب مسألتى؟ قال ادريس: اللهم لا اسألك، قال: فأوحى الله عزوجل إلى الملك الذى أمره أن يأتى ادريس بطعامه كل مساء أن احبس عن ادريس طعامه ولا تأته به، فلما أمسى ادريس في ليلة يومه ذلك فلم يؤت بطعامه حزن وجاع، فصبر فلما كان في ليلة اليوم الثانى فلم يؤت بطعامه اشتد حزنه وجوعه، فلما كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتد جهده وجوعه وحزنه و قل صبره، فنادى ربه: يا رب حبست عنى رزقى من قبل أن تقبض روحى؟ فأوحى الله عزوجل اليه: يا ادريس جزعت ان حبست عنك طعامك ثلثة أيام ولياليها، ولم تجزع و تذكر جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة، ثم سالتك عند جهدهم ورحمتى اياهم ان تسألنى فأمطر عليهم فلم تسألنى وبخلت عليهم بمسألتك اياى! فأدبتك بالجوع، فقل عند ذلك وظهر جزعك فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى جبلتك.
فهبط ادريس (عليه السلام) من موضعه إلى قرية يطلب أكله من جوع، فلما دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه، فهجم على عجوز كبيرة وهى ترفق قرصتين لها على مقلاة فقال لها: ايتها المرأة أطعمينى فانى مجهود من الجوع، فقالت له: يا عبدالله ما تركت لنا دعوة ادريس فضلا نطعمه أحدا ـ وحلفت انها ما تملك غيره شيئا ـ فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية، فقال لها: اطعمينى ما أمسك به روحى وتحملنى به رجلى إلى أن أطلب، قالت: انهما قرصتان واحدة لى والاخرى لابنى فان اطعمتك قوتى مت، وان أطعمتك قوت ابنى مات، وما هيهنا فضل اطعمك، فقال لها: " ان ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيى به، ويجزينى النصف الاخر فأحيى به وفى ذلك بلغة لى وله، فأكلت المرئة قرصتها وكسرت الاخرى بين ادريس وبين ابنها، فلما راى ابنها ادريس يأكل من قرصته اضطرب حتى مات، قالت امه: يا عبدالله قتلت على ابنى جزعا على قوته، فقال لها ادريس: فأنا احييه باذن الله فلا تجزعى، ثم أخذ ادريس بعضدى الصبى ثم قال: أيتها الروح الخارجة عن بدن هذا الغلام بأمر الله ارجعى إلى بدنه بإذن الله وأنا ادريس النبي، فرجعت روح الغلام اليه باذن الله، فلما سمعت امه كلام ادريس وقوله: أنا ادريس، ونظرت إلى ابنها قد عاش بعد الموت، قالت: اشهد انك ادريس النبي وخرجت تنادى بأعلى صوتها في القرية: ابشروا بالفرج قد دخل ادريس في قريتكم، ومضى ادريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الاول فوجدها وهى تل، فاجتمع اليه اناس من أهل قريته فقالوا له: يا ادريس أما رحمتنا في هذه العشرين سنة التى جهدنا فيها ومسنا الجوع والجهد فيها؟! فادع الله ان يمطر السماء علينا، قال: لا، حتى يأتينى جباركم هذا وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة فيسألونى ذلك، فبلغ الجبار قوله، فبعث اليه أربعين رجلا يأتوه بادريس فأتوه فقالوا له: إن الجبار بعثنا اليك لنذهب بك اليه فدعا عليهم فماتوا، فبلغ ذلك الجبار فبعث اليه خمسمئة رجل ليأتوه به فأتوه فقالوا له: يا ادريس ان الجبار بعثنا اليك لنذهب بك اليه، فقال لهم ادريس: انظروا إلى مصارع أصحابكم فقالوا له: يا ادريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد أن تدعو علينا بالموت؟ أما لك رحمة؟ فقال: ما أنا بذاهب اليه وما انا بسائل الله أن يمطر السماء عليكم حتى يأتينى جباركم ماشيا حافيا وأهل قريتكم، فانطلقوا إلى الجبار فأخبروه بقول ادريس وسألوه أن يمضى معهم وجميع أهل قريتهم إلى ادريس مشاة حفاة، فأتوه حتى وقفوا بين يديه خاضعين له طالبين اليه أن يسأل الله عزوجل أن يمطر السماء عليهم، فقال لهم ادريس: اما الان فنعم فسأل الله عزوجل ادريس عند ذلك ان يمطر السماء عليهم وعلى قريتهم و نواحيها، فأظلتهم سحابة من السماء وأرعدت وأبرقت وهطلت عليهم من ساعتهم حتى ظنوا انه الغرق، فما رجعوا إلى منازلهم حتى أهمتهم أنفسهم من الماء“. (كمال الدين للصدوق ص127).
وفي القصة فوائد كثيرة، منها أن لقب (الرافضة) كان قديما جدا وهو يرمز إلى المؤمنين الذين يرفضون الباطل وحكّام الجور، وكذا لقب (الأزارقة) الذي يرمز إلى الخوارج الذين يستحلون قتل المؤمنين من الروافض. ومن الفوائد أن للنبي ولاية تكوينية ليست من قبيل الدعاء المستتبع للاستجابة كما يتوهّم بعض القاصرين، وإنما ولاية تكوينية حقيقتها أمر النبي أو المعصوم وإرادته المستتبعة للتحقق، فإن إدريس (عليه السلام) قد أمر مباشرة روح الصبي بالعودة فعادت. ومن الفوائد أن هذا الخبر يدعم ما نذهب إليه من امتناع صدور ترك الأولى من المعصوم، وأن الصادر هو من باب الاضطرار والتزاحم، فإن عزيمة الله تعالى كانت بالأصل في أن يمضي إدريس (عليه السلام) بتأديب قومه وإخضاعهم حتى لا يعودوا للطغيان، فما كان يتأتى له - والحال هذه - أن يسأل الله تعالى بأن يهطل المطر عليهم إذ لا بد من أن يأتي الجبار وأهل القرية إلى نبيّهم مشاة حافين خاضعين نادمين، وهذه هي الحكمة من نزول البلاء عليهم. وأما ما ورد مما ظاهره عتاب الله تعالى لنبيّه إدريس (عليه السلام) فقد ورد لغايات الإفهام والتأديب للغير ومن باب إياك أعني فاسمعي يا جارة. وأما حرمانه من الطعام الذي كان يأتيه فلحكمة بيانية هي أن يجدّ الإنسان في طلب الرزق، لا أنه عقاب على ذنب أو حتى ترك للأولى.
ومع السلامة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
ما هي قصة النبي إدريس عليه الصلاة والسلام؟
هي قصة عجيبة مطوّلة فيها كثير من العبر رُويت عن سيدنا ومولانا الإمام الباقر عليه السلام، قال: ” كان بدو نبوة ادريس عليه السلام أنه كان في زمانه ملك جبار، وانه ركب ذات يوم في بعض نزهه فمر بارض خضرة نضرة لعبد مؤمن من الرافضة فأعجبته فسأل وزرائه لمن هذه الأرض؟ قالوا: لعبد مؤمن من عبيد الملك فلان الرافضي، فدعا به فقال له: أمتعني بأرضك هذه، فقال له: عيالى أحوج اليها منك، قال: فسمنى بها اثمن لك قال: لا أمتعك بها ولا أسومك دع عنك ذكرها فغضب الملك عند ذلك واسف وانصرف إلى أهله وهو مغموم متفكر في أمره، وكانت له امرأة من الازارقة وكان بها معجبا يشاورها في الامر اذا نزل به، فلما استقر في مجلسه بعث اليها يشاورها في أمر صاحب الارض، فخرجت اليه فرأت في وجهه الغضب فقالت: ايها الملك ما الذى دهاك حتى بدا الغضب في وجهك قبل فعلك؟ فأخبرها بخبر الارض وما كان من قوله لصاحبها ومن قول صاحبها له، فقالت: ايها الملك انما يغتم ويهتم ويأسف من لا يقدر على التغيير والانتقام، فان كنت تكره ان تقتله بغير حجة فانا أكفيك امره وأصير ارضه اليك بحجة، لك فيها العذر عند أهل مملكتك، قال: وما هى؟ قالت: أبعث اليه أقواما من أصحابى ازارقة حتى يأتوك به، فيشهدون عليه عندك انه قد برأ من دينك، فيجوز لك قتله وأخذ أرضه. قال: فافعلى.
قال: وكان لها أصحاب من الازارقة على دينها يرون قتل الرافصة من المؤمنين، فبعث إلى قوم من الازارقة فأتوها فأمرتهم أن يشهدوا على فلان الرافضى عند الملك انه قد برأ من دين الملك فشهدوا عليه انه قد برئ من دين الملك فقتله واستخلص أرضه، فغضب الله تعالى للمؤمن عند ذلك، فأوحى إلى ادريس: أن ائت عبدى هذا الجبار فقل له: أما رضيت أن قتلت عبدى المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه خالصة لك، فاحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتى لانتقمن له منك في الآجل، ولاصلبنك ملكك في العاجل، ولاخربن مدينتك ولاذلن عزك، ولاطعمن الكلاب لحم امرأتك، فقد غرك يا مبتلى حلمى عنك؟ فأتاه ادريس (عليه السلام) برسالة ربه وهو في مجلسه وحوله أصحابه، فقال: أيها الجبار انى رسول الله اليك وهو يقول لك: أما رضيت ان قتلت عبدى المؤمن حتى استخلصت أرضه خالصة لك، وأحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتى لانتقمن له منك في الآجل، ولاسلبنك ملكك في العاجل ولاخربن مدينتك ولاذلن عزك ولاطعمن الكلاب لحم امرأتك، فقال الجبار: اخرج عنى يا ادريس فلن تسبقنى بنفسك ثم ارسل إلى امرأته فأخبرها بما جاء به ادريس فقالت: لا يهولنك رسالة اله ادريس انا اكفيك أمر ادريس، انا ارسل اليه من يقتله فتبطل رسالة الهه وكلما جاء به، قال: فافعلى قال: وكان لادريس أصحاب من الروافض مؤمنون يجتمعون اليه في مجلس له فيأنسون به ويأنس بهم، فأخبرهم ادريس بما كان من وحى الله عزوجل اليه ورسالته إلى الجبار وما كان من تبليغه رسالة الله عز ـ وجل إلى الجبار، فأشفقوا على ادريس وأصحابه وخافوا عليه القتل وبعثت امرأة الجبار اليه أربعين رجلا من الازارقة ليقتلوه. فأتوه في مجلسه الذى كان يجتمع اليه فيه أصحابه فلم يجدوه، فانصرفوا وقد رآهم أصحاب ادريس فحسبوا أنهم أتوا ادريس ليقتلوه فتفرقوا في طلبه فلقوه فقالوا له: خذ حذرك يا ادريس فان الجبار قاتلك، قد بعث اليوم اربعين رجلا من الازارقة ليقتلوك فاخرج من هذه القرية.
فتنحى ادريس عن القرية من يومه ذلك، ومعه نفر من أصحابه، فلما كان في السحر ناجى ادريس ربه فقال: يا رب بعثتنى إلى جبار فبلغت رسالتك وقد توعدنى هذا الجبار بالقتل بل هو قاتلى ان ظفر بى؟ فأوحى الله عزوجل اليه: أن تنح عنه واخرج من قريته، وخلنى واياه فوعزتى لانفذن فيه أمرى، ولاصدقن قولك فيه، وما ارسلتك به اليه، فقال ادريس: يا رب ان لى حاجة، قال الله عزوجل: سل تعطها.
قال: اسألك ان لا تمطر السماء على هذه القرية وما حولها وما حوت عليه حتى اسألك ذلك، قال الله عزوجل: يا ادريس اذا تخرب القرية ويشتد جهد أهلها ويجوعون! قال ادريس: وان خربت وجهدوا وجاعوا؟ قال الله عزوجل: قد اعطيتك ما سألت ولن أمطر السماء عليهم حتى تسألنى ذلك، وأنا أحق من وفى بوعده.
فأخبر ادريس أصحابه بما سأل الله من حبس المطر عنهم وبما أوحى الله اليه ووعده أن لا يمطر السماء على قريتهم حتى يسأله ذلك فاخرجوا أيها المؤمنون من هذه القرية إلى غيرها من القرى، فخرجوا منها وعدتهم يومئذ عشرون رجلا، فتفرقوا في القرى وشاع خبر ادريس في القرى بما سأل ربه، وتنحى ادريس إلى كهف من الجبل شاهق فلجأ اليه ووكل الله عزوجل به ملكا يأتيه بطعامه عند كل مساء وكان يصوم النهار فيأتيه الملك بطعامه عند كل مساء، وسلب الله عزوجل عند ذلك ملك الجبار و قتله واخرب مدينته وأطعم الكلاب لحم امرأته غضبا للمؤمن، فظهر في المدينة جبار آخر عاص، فمكثوا بذلك بعد خروج ادريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم قطرة من مائها فجهد القوم واشتدت حالهم وصاروا يمتارون الاطعمة من القرى من بعد، فلما جهدوا مشى بعضهم إلى بعض، فقالوا: ان الذى نزل بنا مما ترون لسؤال ادريس ربه أن لا يمطر السماء علينا حتى يسأله هو، وقد تنحى ادريس عنا ولا علم لنا بموضعه والله أرحم بنا منه، فأجمع امرهم على ان يتوبوا إلى الله ويدعوه ويفزعوا اليه ويسألوه أن يمطر السماء عليهم وعلى ما حوت قريتهم، فقاموا على الرماد و لبسوا المسوح وحثوا على رؤوسهم التراب وعجوا إلى الله بالتوبة والاستغفار و البكاء والتضرع اليه فأوحى الله عزوجل إلى ادريس: يا ادريس ان أهل قريتك قد عجوا إلى بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع، وانا الله الرحمن الرحيم اقبل التوبة واعفو عن السيئة وقد رحمتهم ولم يمنعنى من اجابتهم إلى ما سألونى من المطر الا مناظرتك فيما سألتنى أن لا أمطر السماء عليهم حتى تسألنى، فاسألنى يا ادريس حتى أغيثهم وامطر السماء عليهم. قال ادريس: اللهم انى لا اسئلك ذلك. قال الله عزوجل: ألم تسألنى يا ادريس فأجبتك إلى ما سألت، وأنا اسألك ان تسألنى فلم لا يجيب مسألتى؟ قال ادريس: اللهم لا اسألك، قال: فأوحى الله عزوجل إلى الملك الذى أمره أن يأتى ادريس بطعامه كل مساء أن احبس عن ادريس طعامه ولا تأته به، فلما أمسى ادريس في ليلة يومه ذلك فلم يؤت بطعامه حزن وجاع، فصبر فلما كان في ليلة اليوم الثانى فلم يؤت بطعامه اشتد حزنه وجوعه، فلما كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتد جهده وجوعه وحزنه و قل صبره، فنادى ربه: يا رب حبست عنى رزقى من قبل أن تقبض روحى؟ فأوحى الله عزوجل اليه: يا ادريس جزعت ان حبست عنك طعامك ثلثة أيام ولياليها، ولم تجزع و تذكر جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة، ثم سالتك عند جهدهم ورحمتى اياهم ان تسألنى فأمطر عليهم فلم تسألنى وبخلت عليهم بمسألتك اياى! فأدبتك بالجوع، فقل عند ذلك وظهر جزعك فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى جبلتك.
فهبط ادريس (عليه السلام) من موضعه إلى قرية يطلب أكله من جوع، فلما دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه، فهجم على عجوز كبيرة وهى ترفق قرصتين لها على مقلاة فقال لها: ايتها المرأة أطعمينى فانى مجهود من الجوع، فقالت له: يا عبدالله ما تركت لنا دعوة ادريس فضلا نطعمه أحدا ـ وحلفت انها ما تملك غيره شيئا ـ فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية، فقال لها: اطعمينى ما أمسك به روحى وتحملنى به رجلى إلى أن أطلب، قالت: انهما قرصتان واحدة لى والاخرى لابنى فان اطعمتك قوتى مت، وان أطعمتك قوت ابنى مات، وما هيهنا فضل اطعمك، فقال لها: " ان ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيى به، ويجزينى النصف الاخر فأحيى به وفى ذلك بلغة لى وله، فأكلت المرئة قرصتها وكسرت الاخرى بين ادريس وبين ابنها، فلما راى ابنها ادريس يأكل من قرصته اضطرب حتى مات، قالت امه: يا عبدالله قتلت على ابنى جزعا على قوته، فقال لها ادريس: فأنا احييه باذن الله فلا تجزعى، ثم أخذ ادريس بعضدى الصبى ثم قال: أيتها الروح الخارجة عن بدن هذا الغلام بأمر الله ارجعى إلى بدنه بإذن الله وأنا ادريس النبي، فرجعت روح الغلام اليه باذن الله، فلما سمعت امه كلام ادريس وقوله: أنا ادريس، ونظرت إلى ابنها قد عاش بعد الموت، قالت: اشهد انك ادريس النبي وخرجت تنادى بأعلى صوتها في القرية: ابشروا بالفرج قد دخل ادريس في قريتكم، ومضى ادريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الاول فوجدها وهى تل، فاجتمع اليه اناس من أهل قريته فقالوا له: يا ادريس أما رحمتنا في هذه العشرين سنة التى جهدنا فيها ومسنا الجوع والجهد فيها؟! فادع الله ان يمطر السماء علينا، قال: لا، حتى يأتينى جباركم هذا وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة فيسألونى ذلك، فبلغ الجبار قوله، فبعث اليه أربعين رجلا يأتوه بادريس فأتوه فقالوا له: إن الجبار بعثنا اليك لنذهب بك اليه فدعا عليهم فماتوا، فبلغ ذلك الجبار فبعث اليه خمسمئة رجل ليأتوه به فأتوه فقالوا له: يا ادريس ان الجبار بعثنا اليك لنذهب بك اليه، فقال لهم ادريس: انظروا إلى مصارع أصحابكم فقالوا له: يا ادريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد أن تدعو علينا بالموت؟ أما لك رحمة؟ فقال: ما أنا بذاهب اليه وما انا بسائل الله أن يمطر السماء عليكم حتى يأتينى جباركم ماشيا حافيا وأهل قريتكم، فانطلقوا إلى الجبار فأخبروه بقول ادريس وسألوه أن يمضى معهم وجميع أهل قريتهم إلى ادريس مشاة حفاة، فأتوه حتى وقفوا بين يديه خاضعين له طالبين اليه أن يسأل الله عزوجل أن يمطر السماء عليهم، فقال لهم ادريس: اما الان فنعم فسأل الله عزوجل ادريس عند ذلك ان يمطر السماء عليهم وعلى قريتهم و نواحيها، فأظلتهم سحابة من السماء وأرعدت وأبرقت وهطلت عليهم من ساعتهم حتى ظنوا انه الغرق، فما رجعوا إلى منازلهم حتى أهمتهم أنفسهم من الماء“. (كمال الدين للصدوق ص127).
وفي القصة فوائد كثيرة، منها أن لقب (الرافضة) كان قديما جدا وهو يرمز إلى المؤمنين الذين يرفضون الباطل وحكّام الجور، وكذا لقب (الأزارقة) الذي يرمز إلى الخوارج الذين يستحلون قتل المؤمنين من الروافض. ومن الفوائد أن للنبي ولاية تكوينية ليست من قبيل الدعاء المستتبع للاستجابة كما يتوهّم بعض القاصرين، وإنما ولاية تكوينية حقيقتها أمر النبي أو المعصوم وإرادته المستتبعة للتحقق، فإن إدريس (عليه السلام) قد أمر مباشرة روح الصبي بالعودة فعادت. ومن الفوائد أن هذا الخبر يدعم ما نذهب إليه من امتناع صدور ترك الأولى من المعصوم، وأن الصادر هو من باب الاضطرار والتزاحم، فإن عزيمة الله تعالى كانت بالأصل في أن يمضي إدريس (عليه السلام) بتأديب قومه وإخضاعهم حتى لا يعودوا للطغيان، فما كان يتأتى له - والحال هذه - أن يسأل الله تعالى بأن يهطل المطر عليهم إذ لا بد من أن يأتي الجبار وأهل القرية إلى نبيّهم مشاة حافين خاضعين نادمين، وهذه هي الحكمة من نزول البلاء عليهم. وأما ما ورد مما ظاهره عتاب الله تعالى لنبيّه إدريس (عليه السلام) فقد ورد لغايات الإفهام والتأديب للغير ومن باب إياك أعني فاسمعي يا جارة. وأما حرمانه من الطعام الذي كان يأتيه فلحكمة بيانية هي أن يجدّ الإنسان في طلب الرزق، لا أنه عقاب على ذنب أو حتى ترك للأولى.
ومع السلامة.