مولى أبي تراب
30-08-2013, 03:42 PM
بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحَمّْدُ للهِ رَبِّ العَاْلَمِيْنَ .. عَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ وَبِهِ نَسْتَعِيْن
وَصَلَّى اللهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْن
-------------------
« العقيقة وأحكامها »
من المستحبات المؤكدة العقيقة ، وهي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه (1) ، أي في اليوم السابع من مولده ، والعقيقة لغةً من العَقّ أي الشق والقطع وقيل للذبيحة عقيقة لأنها يُشق حلقها (2) أي يُقطع حلقومها عند الذبح ، وقيل : سميت عقيقة باسم الشعر الذي على رأس الغلام (3) لأن العقيقة لغةً شعر كل مولود من الناس والبهائم الذي يولد عليه يسمى عقيقة (4) ، وإنما سمي الشعر بالعقيقة لأنه يَشق الجلد (5) ، وقيل : إِنما سميت تلك الشاةُ التي تذبح في اليوم السابع عَقِيقةً لأَنه يُحْلق عن المولود ذلك الشعر الذي يسمى عقيقة عند الذبح (6) .
وأياً كان منشأ التسمية فالعقيقة اصطلاحاً هي أن يُذبح عن المولود ذكراً كان أو أنثى في اليوم السابع من ولادته خروفٌ أو بقرة مثلاً (7) ، وهي من المستحبات وقد ذكر الفقهاء لها عدة أحكام نذكر أهمها ضمن نقاط :
أهم أحكام العقيقة
1. العقيقة من المستحبات والسنن الأكيدة ، حيث يستحب للإنسان أن يعق عن وَلَده في اليوم السابع من ولادته ، وقال بعض الفقهاء بوجوبها كالسيد المرتضى قدس سره (8) ، لكن المعروف والمشهور الاستحباب ، والأخبار وإن صرحت بوجوب العقيقة مثل ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( سألته عن العقيقة أواجبة هي ؟ قال : نعم واجبة ) (9) . الا أن المقصود شدة الاستحباب فكثيراً ما يُعبّر في الأخبار عن بعض المستحبات بالوجوب للتأكيد على شدة استحبابها كما في غسل الجمعة ، قال الشيخ الطوسي قدس سره ( فأما ما روي من أن غسل الجمعة واجب وأطلق عليه لفظ الوجوب فالمعنى فيه تأكيد السنة وشدة الاستحباب فيه وذلك يعبر عنه بلفظ الوجوب فمن ذلك : ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الغسل يوم الجمعة فقال : واجب على كل ذكر وأنثى من عبد وحر ) (10) .
2. العقيقة غير الأُضحيّة ، فالأضحية هي أن يذبح الإنسانُ عن نفسه حيواناً في عيد الأضحى ، وهذه غير الهدي الواجب في الحج والذي يسمى أُضحيّة أيضاً حيث يجب على من يحج حج التمتع الهديُّ في اليوم العاشر من ذي الحجة ، أما الأضحيّة فهي عمل مستحب يشمل الحاج وغيره ، فكل مكلف إذا جاء يوم العاشر من ذي الحجة يستحب له أن يذبح ذبيحة عن نفسه سواء كان حاجاً أو لا ، فإن كان حاجاً استمر الاستحباب له الى اليوم الرابع من عيد الأضحى فتكون ذبيحة أخرى غير الذبيحة الواجبة في الحج ، نعم ذكر الفقهاء إجزاء الهدي الواجب عن الأضحيّة المستحبة وفيه رواية ، ولكن ذكروا أيضاً أن الجمع بينهما أفضل واستشكل فيه بعضهم ويمكن التخلص من الإشكال بالإتيان بالأضحيّة رجاء المطلوبية أو يؤتى بها قبل ذبح الهدي الواجب في الحج . وإن لم يكن حاجاً استمر الاستحباب له الى اليوم الثالث من عيد الأضحى . ويستحب تكرار ذلك في كل سنة . وكما يستحب أن يضحّي الإنسان عن نفسه يستحب أن يضحّي عن غيره أحياءً وأمواتاً ، فقد ضحّى رسول الله صلى الله عليه وآله عن نسائه ، وضحّى عمن لم يضحِّ من أهل بيته ، وضحّى عمن لم يضحِّ من أمته ، كما كان أمير المؤمنين عليه السلام يضحّي كل سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ويقول : اللهم هذا عن نبيك ، ويذبح كبشاً آخر عن نفسه . وهي سنة مؤكدة واستحبابها أكيد ، فعن أبي الحسن موسى عليه السلام قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأم سلمة وقد قالت له يا رسول الله يحضر الأضحى وليس عندي ما أضحّي به فأستقرض وأضحّي ؟ قال فاستقرضي فإنه دَيْنٌ مَقْضِيّ ) (11) ، وعن علي عليه السلام أنه قال ( لو علم الناس ما في الأضحيّة لاستدانوا وضحّوا ، إنه ليُغفر لصاحب الأضحيّة عند أول قطرة تقطر من دمها ) (12) ، وعن الإمام الصادق عليه السّلام وقد سأله رجلٌ عن الأضحى فقال ( هو واجب على كل مسلم إلا من لم يجد ، فقال له السائل : فما ترى في العيال ؟ قال : إن شئت فعلت وإن شئت لم تفعل ، وأما أنت فلا تدعه ) (13) ، والتعبير بالوجوب إشارة إلى تأكيد الاستحباب كما تقدم . ومن لم يجد الأضحيّة استُحب له التصدق بثمنها بخلاف العقيقة لا يجزئ عنها التصدق بثمنها ، ويشترط في الأضحيّة بعض الشروط لا تشترط في العقيقة ككونها سليمة من العيوب وأن تكون بعُمرٍ معين بحسب نوع الحيوان وهي نفس الشروط في الهدي الواجب في الحج .
إذن العقيقة غير الأضحية ، نعم ذكر الفقهاء أنّ من لم يُعَق عنه في صغره استحب له إذا كبُر أن يَعق عن نفسه لكن إذا ضحّى عن نفسه أجزأته الأضحية عن العقيقة وكذلك إذا ضحّى عنه غيره .
3. لا بد أن تكون العقيقة من أحد الأنعام الثلاثة : الغنم - ضأناً كان أو معزاً - والبقر والإبل ، ولا يشترط فيها شيء من حيث العمر أو المواصفات فيجزئ فيها مطلق ما يسمى غنماً أو بقراً أو إبلاً ، نعم ذكر بعض الفقهاء استحباب أن تجتمع فيها شروط الأضحية من كونها سليمة من العيوب وعدم كون سنها أقل من خمس سنين كاملة في الإبل وأقل من سنتين في البقر والمعز ، وأقل من سبعة أشهر في الضأن ، لكن المعروف بين الفقهاء عدم ثبوت ذلك بل يجزي في العقيقة أي شيء من الغنم أو البقر أو الإبل ، لما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام : ( إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية يجزئ منها كل شئ ) (14) ، نعم ذكروا استحباب أن تكون سمينة لما عن أبي عبد الله عليه السلام : ( العقيقة ليست بمنزلة الهدي خيرها أسمنها ) (15) .
4. لا فرق في الولد بين الذكر والأنثى فيستحب أن يُعق عن كل منهما ، ويستحب أن يُعقّ عن الذّكر بحيوان ذكر وعن الأُنثى بأُنثى .
5. إذا لم يُعق عن المولود يوم السابع لعذر أو لغير عذر لم يسقط استحباب العقيقة بذلك ، فيستحب أن يُعَق عنه بعد ذلك ، وإذا لم يُعَق عنه حتى كبر وبلغ استحب له أن يَعِق عن نفسه ، وإذا لم يفعل حتى مات استحب لورثته أن يعقوا عنه بعد موته .
6. إذا بلغ الإنسان وشكّ هل عُقّ عنه في صغره أم لا ؟ بَنى على العدم واستحب له أن يَعق عن نفسه مهما بلغ من العمر ، فقد روي عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ( أني والله ما أدري كان أبي عقّ عني أم لا ؟ قال : فأمرني أبو عبد الله عليه السلام فعققت عن نفسي وأنا شيخ ) (16) ، الا أن يكون قد ضحّى عن نفسه فذلك يجزأه عن العقيقة .
7. يستحب في اليوم السابع من الولادة مضافاً الى العقيقة عن المولود حلق شعر رأسه والتصدق بوزنه فضة أو ذهباً ، وذكر الفقهاء استحباب أن يكون حلق شعر الرأس والعقيقة بموضع واحد ، وأن يُقدّم الحلق على العقيقة .
8. استحباب العقيقـة إنما هو لمرة واحـدة للفرد الواحد ، ولا يتكرر فمن عُـق له أو عَق عن نفسه لم يستحب له ذلك مرة أخرى سواء كان في الحياة أو بعد الوفاة ، بخلاف الأضحيّة التي يستحب تكرارها كل عام .
9. إذا كان يملك ثمن العقيقة ولم يجد ما يذبحه لقلة الماشية مثلاً أو عدم وجودها في بلده أو لوجود ما يمنع من شرائها ونحو ذلك لم يجزئ أن يتصدق بثمنها عوض شرائها وذبحها ، بل ينتظر الى زمان التمكن من شرائها وذبحها ، وتقدم أن الأضحيّة تجزي عن العقيقة فمن ضحّى عن نفسه أو ضحّى عنه غيره أجزأه ذلك عن العقيقة .
10. يجوز تفريق لحم العقيقة وتوزيعه على الفقراء مطبوخاً أو غير مطبوخ ، لكن يستحب طبخ العقيقة وأن تصنع وليمة ويدعى لها جماعة من المؤمنين الفقراء أقلهم عشرة ، وكلما كثر عددهم كان أفضل ، يأكلون ويدعون للولد .
11. يكره للأب أن يأكل من عقيقة ولده ، بل ويكره أن يأكل منها أحد من عيال الأب ، وأما الأم فالمشهور أنه يكره لها الأكل من العقيقة وأن الكراهة فيها أشد لتأكيد الأخبار على عدم أكلها من العقيقة ، وذهب السيد الخوئي قدس سره الى الاحتياط الوجوبي بأن لا تأكل الأم من العقيقة ، والمعروف الاحتياط الاستحبابي بترك الأكل وتأكد الكراهة بالنسبة اليها .
12. يستحب أن يعطى للقابلة ربع العقيقة وفي بعض النصوص أنها تعطى الرجل والورك ، ويمكن الجمع بين الاستحبابين بأن تعطى الربع الذي فيه الرجل والورك فيكون عملاً بالاستحبابين معاً ، ويُقسّم الباقي من لحمها على المحتاجين من المؤمنين . ولو كانت القابلة ذميّة أعطيت ثَمَنه أي قيمة ربع العقيقة ولا تعطى اللحم . ولو كانت القابلة أم الأب أو من عياله ، لم تعطَ شيئاً ، لما تقدم من كراهة أكل الأب أو أحد من عياله من العقيقة .
13. الأفضل عدم تكسير عظام العقيقة ، بل تفصل أعضاءها ويُقطّع لحمها من دون تكسير العظام تفألاً بسلامة الولد ، وذكر الفقهاء أن ( ما اشتهر بين بعض السواد من استحباب لف العظام بخرقة بيضاء ودفنها فلم نعثر على مستنده ) (17) .
14. يستحبّ الدعاء بالمأثور عند ذبح العقيقة ، وقد وردت في ذلك عدة روايات ( 18 ) منها :
أ / عن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( إذا ذبحت فقل : " بسم الله وبالله والحمد لله والله أكبر إيماناً بالله وثناءً على رسول الله صلى الله عليه وآله والعصمة لأمره والشكر لرزقه والمعرفة بفضله علينا أهل البيت " فإن كان ذكراً فقل : " اللهم إنك وهبت لنا ذكراً وأنت أعلم بما وهبت ، ومنك ما أعطيت ، وكل ما صنعنا فتقبله منا على سنتك وسنة نبيك ورسولك صلى الله عليه وآله ، واخسأ عنا الشيطان الرجيم ، لك سفكت الدماء لا شريك لك والحمد لله رب العالمين " ) .
قال صاحب الحدائق رحمه الله : ( قوله " بفضله علينا أهل البيت " المراد به أهل بيت نفسه كما نبه عليه بعض المحدثين ) الحدائق الناضرة : 25 / 70 ، أي ليس أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله بل أهل بيت الرجل صاحب العقيقة .
وفي هامش كتاب الكافي (19) وتعليقاً على الرواية جاء : ( "ايمانا" مفعول لأجله وكذا قوله : " ثناء" ، وقوله "والعصمة" منصوب معطوف على قوله "إيمانا" وكذا الشكر والمعرفة أي أحمده وأكبره لايماني بالله ، أو اذبح هذه الذبيحة لايماني بالله وثنائي على رسول الله ، فان الانقياد لامره بمنزلة الثناء عليه وللاعتصام بأمره والتمسك والشكر لرزقه ولمعرفتنا بما تفضل علينا من الولد ، ويحتمل أن يكون ايمانا وثناء مفعولين مطلقين أي أؤمن أو آمنت ايمانا واثنى ثناء ، والعصمة مرفوع بالابتداء خبره لأمره أي الاعتصام إنما يكون لأمره وكذا ما بعد من الفقرتين ويحتمل أن يكون المعرفة مجرورا ومعطوفا على قوله "رزقه" ، والمراد بأهل البيت أهل بيت نفسه . كما في الوافي ) .
ب / وعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : ( تقول : على العقيقة إذا عققت : " بسم الله وبالله اللهم عقيقة عن فلان لحمها بلحمه ودمها بدمه وعظمها بعظمه اللهم اجعله وقاءً لآل محمد صلى الله عليه وعليهم ) .
والضمير في " اجعله " يحتمل أن يكون راجعاً الى " فلان " فيكون المقصود به الولد والمعنى ( اللهم اجعل الولد وقاءً لآل محمد ) ، قال في روضة المتقين ( أي اجعله فداءً لإمام الزمان أو اجعله بحيث يفدي نفسه في رضاهم ) (20) .
ويحتمل أن الضمير راجع الى المذبوح أي العقيقة والمعنى ( اللهم اجعل هذا المذبوح - العقيقة - وقاءً لآل محمد ) ، وفي هامش كتاب الكافي (21) وتعليقاً على الرواية جاء : ( إنما عدل من افتدائها بولدها إلى افتدائها بأئمته عليهم السلام ليكون أدخل في صيانة ولده ) أي كان المفترض أن يًقال ( اللهم اجعله - المذبوح - وقاءً للولد ) لكن عدل عن ذلك فقال ( اللهم اجعله - المذبوح - وقاءً لآل محمد ) ليكون أبلغ في صيانة الولد وسلامته بذكرهم صلوات الله عليهم .
ج / وعنه عليه السلام قال : ( إذا أردت أن تذبح العقيقة قلت : " يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك بسم الله والله أكبر ، اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل من فلان بن فلان " وتسمى المولود باسمه ، ثم تذبح ) .
د / وعنه عليه السلام أيضاً قال : ( في العقيقة إذا ذبحت تقول " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، اللهم منك ولك اللهم هذا عن فلان بن فلان " ) .
هذه أهم أحكام العقيقة مما ذكره الفقهاء أعلى الله تعالى مقامهم ونفعنا بهم وجزاهم عنا خيراً
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
.
.
.
----------------------
(1) مجمع البحرين 3 / 222 .
(2) النهاية في غريب الحديث والأثر : 3 / 276 .
(3) معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : 2 / 527 .
(4) الصحاح للجوهري : 4 / 1527 .
(5) لسان العرب : 10 / 257 .
(6) المصدر ص 258 .
(7) الفتاوى الميسرة للسيد السيستاني : 326 .
(8) الانتصار : 406 ، المسألة 233 .
(9) الكافي : 6 / 25 .
(10) الاستبصار : 1 / 103 .
(11) علل الشرائع : 2 / 440 .
(12) المصدر .
(13) من لا يحضره الفقيه : 2 / 488 .
(14) الكافي : 6 / 30 .
(15) المصدر .
(16) الكافي : 6 / 25 .
(17) لاحظ مثلاً منهاج الصالحين للسيد الخوئي 2 / 285 مسألة 1383 .
(18) لاحظ الكافي : 6 / 30 - 31 .
(19) الكافي : 6 / 30 هامش رقم 2 .
(20) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه : محمد تقي المجلسي : 8 / 614 .
(21) الكافي : 6 / 30 هامش رقم 1 .
الحَمّْدُ للهِ رَبِّ العَاْلَمِيْنَ .. عَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ وَبِهِ نَسْتَعِيْن
وَصَلَّى اللهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْن
-------------------
« العقيقة وأحكامها »
من المستحبات المؤكدة العقيقة ، وهي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه (1) ، أي في اليوم السابع من مولده ، والعقيقة لغةً من العَقّ أي الشق والقطع وقيل للذبيحة عقيقة لأنها يُشق حلقها (2) أي يُقطع حلقومها عند الذبح ، وقيل : سميت عقيقة باسم الشعر الذي على رأس الغلام (3) لأن العقيقة لغةً شعر كل مولود من الناس والبهائم الذي يولد عليه يسمى عقيقة (4) ، وإنما سمي الشعر بالعقيقة لأنه يَشق الجلد (5) ، وقيل : إِنما سميت تلك الشاةُ التي تذبح في اليوم السابع عَقِيقةً لأَنه يُحْلق عن المولود ذلك الشعر الذي يسمى عقيقة عند الذبح (6) .
وأياً كان منشأ التسمية فالعقيقة اصطلاحاً هي أن يُذبح عن المولود ذكراً كان أو أنثى في اليوم السابع من ولادته خروفٌ أو بقرة مثلاً (7) ، وهي من المستحبات وقد ذكر الفقهاء لها عدة أحكام نذكر أهمها ضمن نقاط :
أهم أحكام العقيقة
1. العقيقة من المستحبات والسنن الأكيدة ، حيث يستحب للإنسان أن يعق عن وَلَده في اليوم السابع من ولادته ، وقال بعض الفقهاء بوجوبها كالسيد المرتضى قدس سره (8) ، لكن المعروف والمشهور الاستحباب ، والأخبار وإن صرحت بوجوب العقيقة مثل ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( سألته عن العقيقة أواجبة هي ؟ قال : نعم واجبة ) (9) . الا أن المقصود شدة الاستحباب فكثيراً ما يُعبّر في الأخبار عن بعض المستحبات بالوجوب للتأكيد على شدة استحبابها كما في غسل الجمعة ، قال الشيخ الطوسي قدس سره ( فأما ما روي من أن غسل الجمعة واجب وأطلق عليه لفظ الوجوب فالمعنى فيه تأكيد السنة وشدة الاستحباب فيه وذلك يعبر عنه بلفظ الوجوب فمن ذلك : ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الغسل يوم الجمعة فقال : واجب على كل ذكر وأنثى من عبد وحر ) (10) .
2. العقيقة غير الأُضحيّة ، فالأضحية هي أن يذبح الإنسانُ عن نفسه حيواناً في عيد الأضحى ، وهذه غير الهدي الواجب في الحج والذي يسمى أُضحيّة أيضاً حيث يجب على من يحج حج التمتع الهديُّ في اليوم العاشر من ذي الحجة ، أما الأضحيّة فهي عمل مستحب يشمل الحاج وغيره ، فكل مكلف إذا جاء يوم العاشر من ذي الحجة يستحب له أن يذبح ذبيحة عن نفسه سواء كان حاجاً أو لا ، فإن كان حاجاً استمر الاستحباب له الى اليوم الرابع من عيد الأضحى فتكون ذبيحة أخرى غير الذبيحة الواجبة في الحج ، نعم ذكر الفقهاء إجزاء الهدي الواجب عن الأضحيّة المستحبة وفيه رواية ، ولكن ذكروا أيضاً أن الجمع بينهما أفضل واستشكل فيه بعضهم ويمكن التخلص من الإشكال بالإتيان بالأضحيّة رجاء المطلوبية أو يؤتى بها قبل ذبح الهدي الواجب في الحج . وإن لم يكن حاجاً استمر الاستحباب له الى اليوم الثالث من عيد الأضحى . ويستحب تكرار ذلك في كل سنة . وكما يستحب أن يضحّي الإنسان عن نفسه يستحب أن يضحّي عن غيره أحياءً وأمواتاً ، فقد ضحّى رسول الله صلى الله عليه وآله عن نسائه ، وضحّى عمن لم يضحِّ من أهل بيته ، وضحّى عمن لم يضحِّ من أمته ، كما كان أمير المؤمنين عليه السلام يضحّي كل سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ويقول : اللهم هذا عن نبيك ، ويذبح كبشاً آخر عن نفسه . وهي سنة مؤكدة واستحبابها أكيد ، فعن أبي الحسن موسى عليه السلام قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأم سلمة وقد قالت له يا رسول الله يحضر الأضحى وليس عندي ما أضحّي به فأستقرض وأضحّي ؟ قال فاستقرضي فإنه دَيْنٌ مَقْضِيّ ) (11) ، وعن علي عليه السلام أنه قال ( لو علم الناس ما في الأضحيّة لاستدانوا وضحّوا ، إنه ليُغفر لصاحب الأضحيّة عند أول قطرة تقطر من دمها ) (12) ، وعن الإمام الصادق عليه السّلام وقد سأله رجلٌ عن الأضحى فقال ( هو واجب على كل مسلم إلا من لم يجد ، فقال له السائل : فما ترى في العيال ؟ قال : إن شئت فعلت وإن شئت لم تفعل ، وأما أنت فلا تدعه ) (13) ، والتعبير بالوجوب إشارة إلى تأكيد الاستحباب كما تقدم . ومن لم يجد الأضحيّة استُحب له التصدق بثمنها بخلاف العقيقة لا يجزئ عنها التصدق بثمنها ، ويشترط في الأضحيّة بعض الشروط لا تشترط في العقيقة ككونها سليمة من العيوب وأن تكون بعُمرٍ معين بحسب نوع الحيوان وهي نفس الشروط في الهدي الواجب في الحج .
إذن العقيقة غير الأضحية ، نعم ذكر الفقهاء أنّ من لم يُعَق عنه في صغره استحب له إذا كبُر أن يَعق عن نفسه لكن إذا ضحّى عن نفسه أجزأته الأضحية عن العقيقة وكذلك إذا ضحّى عنه غيره .
3. لا بد أن تكون العقيقة من أحد الأنعام الثلاثة : الغنم - ضأناً كان أو معزاً - والبقر والإبل ، ولا يشترط فيها شيء من حيث العمر أو المواصفات فيجزئ فيها مطلق ما يسمى غنماً أو بقراً أو إبلاً ، نعم ذكر بعض الفقهاء استحباب أن تجتمع فيها شروط الأضحية من كونها سليمة من العيوب وعدم كون سنها أقل من خمس سنين كاملة في الإبل وأقل من سنتين في البقر والمعز ، وأقل من سبعة أشهر في الضأن ، لكن المعروف بين الفقهاء عدم ثبوت ذلك بل يجزي في العقيقة أي شيء من الغنم أو البقر أو الإبل ، لما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام : ( إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية يجزئ منها كل شئ ) (14) ، نعم ذكروا استحباب أن تكون سمينة لما عن أبي عبد الله عليه السلام : ( العقيقة ليست بمنزلة الهدي خيرها أسمنها ) (15) .
4. لا فرق في الولد بين الذكر والأنثى فيستحب أن يُعق عن كل منهما ، ويستحب أن يُعقّ عن الذّكر بحيوان ذكر وعن الأُنثى بأُنثى .
5. إذا لم يُعق عن المولود يوم السابع لعذر أو لغير عذر لم يسقط استحباب العقيقة بذلك ، فيستحب أن يُعَق عنه بعد ذلك ، وإذا لم يُعَق عنه حتى كبر وبلغ استحب له أن يَعِق عن نفسه ، وإذا لم يفعل حتى مات استحب لورثته أن يعقوا عنه بعد موته .
6. إذا بلغ الإنسان وشكّ هل عُقّ عنه في صغره أم لا ؟ بَنى على العدم واستحب له أن يَعق عن نفسه مهما بلغ من العمر ، فقد روي عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ( أني والله ما أدري كان أبي عقّ عني أم لا ؟ قال : فأمرني أبو عبد الله عليه السلام فعققت عن نفسي وأنا شيخ ) (16) ، الا أن يكون قد ضحّى عن نفسه فذلك يجزأه عن العقيقة .
7. يستحب في اليوم السابع من الولادة مضافاً الى العقيقة عن المولود حلق شعر رأسه والتصدق بوزنه فضة أو ذهباً ، وذكر الفقهاء استحباب أن يكون حلق شعر الرأس والعقيقة بموضع واحد ، وأن يُقدّم الحلق على العقيقة .
8. استحباب العقيقـة إنما هو لمرة واحـدة للفرد الواحد ، ولا يتكرر فمن عُـق له أو عَق عن نفسه لم يستحب له ذلك مرة أخرى سواء كان في الحياة أو بعد الوفاة ، بخلاف الأضحيّة التي يستحب تكرارها كل عام .
9. إذا كان يملك ثمن العقيقة ولم يجد ما يذبحه لقلة الماشية مثلاً أو عدم وجودها في بلده أو لوجود ما يمنع من شرائها ونحو ذلك لم يجزئ أن يتصدق بثمنها عوض شرائها وذبحها ، بل ينتظر الى زمان التمكن من شرائها وذبحها ، وتقدم أن الأضحيّة تجزي عن العقيقة فمن ضحّى عن نفسه أو ضحّى عنه غيره أجزأه ذلك عن العقيقة .
10. يجوز تفريق لحم العقيقة وتوزيعه على الفقراء مطبوخاً أو غير مطبوخ ، لكن يستحب طبخ العقيقة وأن تصنع وليمة ويدعى لها جماعة من المؤمنين الفقراء أقلهم عشرة ، وكلما كثر عددهم كان أفضل ، يأكلون ويدعون للولد .
11. يكره للأب أن يأكل من عقيقة ولده ، بل ويكره أن يأكل منها أحد من عيال الأب ، وأما الأم فالمشهور أنه يكره لها الأكل من العقيقة وأن الكراهة فيها أشد لتأكيد الأخبار على عدم أكلها من العقيقة ، وذهب السيد الخوئي قدس سره الى الاحتياط الوجوبي بأن لا تأكل الأم من العقيقة ، والمعروف الاحتياط الاستحبابي بترك الأكل وتأكد الكراهة بالنسبة اليها .
12. يستحب أن يعطى للقابلة ربع العقيقة وفي بعض النصوص أنها تعطى الرجل والورك ، ويمكن الجمع بين الاستحبابين بأن تعطى الربع الذي فيه الرجل والورك فيكون عملاً بالاستحبابين معاً ، ويُقسّم الباقي من لحمها على المحتاجين من المؤمنين . ولو كانت القابلة ذميّة أعطيت ثَمَنه أي قيمة ربع العقيقة ولا تعطى اللحم . ولو كانت القابلة أم الأب أو من عياله ، لم تعطَ شيئاً ، لما تقدم من كراهة أكل الأب أو أحد من عياله من العقيقة .
13. الأفضل عدم تكسير عظام العقيقة ، بل تفصل أعضاءها ويُقطّع لحمها من دون تكسير العظام تفألاً بسلامة الولد ، وذكر الفقهاء أن ( ما اشتهر بين بعض السواد من استحباب لف العظام بخرقة بيضاء ودفنها فلم نعثر على مستنده ) (17) .
14. يستحبّ الدعاء بالمأثور عند ذبح العقيقة ، وقد وردت في ذلك عدة روايات ( 18 ) منها :
أ / عن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( إذا ذبحت فقل : " بسم الله وبالله والحمد لله والله أكبر إيماناً بالله وثناءً على رسول الله صلى الله عليه وآله والعصمة لأمره والشكر لرزقه والمعرفة بفضله علينا أهل البيت " فإن كان ذكراً فقل : " اللهم إنك وهبت لنا ذكراً وأنت أعلم بما وهبت ، ومنك ما أعطيت ، وكل ما صنعنا فتقبله منا على سنتك وسنة نبيك ورسولك صلى الله عليه وآله ، واخسأ عنا الشيطان الرجيم ، لك سفكت الدماء لا شريك لك والحمد لله رب العالمين " ) .
قال صاحب الحدائق رحمه الله : ( قوله " بفضله علينا أهل البيت " المراد به أهل بيت نفسه كما نبه عليه بعض المحدثين ) الحدائق الناضرة : 25 / 70 ، أي ليس أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله بل أهل بيت الرجل صاحب العقيقة .
وفي هامش كتاب الكافي (19) وتعليقاً على الرواية جاء : ( "ايمانا" مفعول لأجله وكذا قوله : " ثناء" ، وقوله "والعصمة" منصوب معطوف على قوله "إيمانا" وكذا الشكر والمعرفة أي أحمده وأكبره لايماني بالله ، أو اذبح هذه الذبيحة لايماني بالله وثنائي على رسول الله ، فان الانقياد لامره بمنزلة الثناء عليه وللاعتصام بأمره والتمسك والشكر لرزقه ولمعرفتنا بما تفضل علينا من الولد ، ويحتمل أن يكون ايمانا وثناء مفعولين مطلقين أي أؤمن أو آمنت ايمانا واثنى ثناء ، والعصمة مرفوع بالابتداء خبره لأمره أي الاعتصام إنما يكون لأمره وكذا ما بعد من الفقرتين ويحتمل أن يكون المعرفة مجرورا ومعطوفا على قوله "رزقه" ، والمراد بأهل البيت أهل بيت نفسه . كما في الوافي ) .
ب / وعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : ( تقول : على العقيقة إذا عققت : " بسم الله وبالله اللهم عقيقة عن فلان لحمها بلحمه ودمها بدمه وعظمها بعظمه اللهم اجعله وقاءً لآل محمد صلى الله عليه وعليهم ) .
والضمير في " اجعله " يحتمل أن يكون راجعاً الى " فلان " فيكون المقصود به الولد والمعنى ( اللهم اجعل الولد وقاءً لآل محمد ) ، قال في روضة المتقين ( أي اجعله فداءً لإمام الزمان أو اجعله بحيث يفدي نفسه في رضاهم ) (20) .
ويحتمل أن الضمير راجع الى المذبوح أي العقيقة والمعنى ( اللهم اجعل هذا المذبوح - العقيقة - وقاءً لآل محمد ) ، وفي هامش كتاب الكافي (21) وتعليقاً على الرواية جاء : ( إنما عدل من افتدائها بولدها إلى افتدائها بأئمته عليهم السلام ليكون أدخل في صيانة ولده ) أي كان المفترض أن يًقال ( اللهم اجعله - المذبوح - وقاءً للولد ) لكن عدل عن ذلك فقال ( اللهم اجعله - المذبوح - وقاءً لآل محمد ) ليكون أبلغ في صيانة الولد وسلامته بذكرهم صلوات الله عليهم .
ج / وعنه عليه السلام قال : ( إذا أردت أن تذبح العقيقة قلت : " يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك بسم الله والله أكبر ، اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل من فلان بن فلان " وتسمى المولود باسمه ، ثم تذبح ) .
د / وعنه عليه السلام أيضاً قال : ( في العقيقة إذا ذبحت تقول " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، اللهم منك ولك اللهم هذا عن فلان بن فلان " ) .
هذه أهم أحكام العقيقة مما ذكره الفقهاء أعلى الله تعالى مقامهم ونفعنا بهم وجزاهم عنا خيراً
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
.
.
.
----------------------
(1) مجمع البحرين 3 / 222 .
(2) النهاية في غريب الحديث والأثر : 3 / 276 .
(3) معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : 2 / 527 .
(4) الصحاح للجوهري : 4 / 1527 .
(5) لسان العرب : 10 / 257 .
(6) المصدر ص 258 .
(7) الفتاوى الميسرة للسيد السيستاني : 326 .
(8) الانتصار : 406 ، المسألة 233 .
(9) الكافي : 6 / 25 .
(10) الاستبصار : 1 / 103 .
(11) علل الشرائع : 2 / 440 .
(12) المصدر .
(13) من لا يحضره الفقيه : 2 / 488 .
(14) الكافي : 6 / 30 .
(15) المصدر .
(16) الكافي : 6 / 25 .
(17) لاحظ مثلاً منهاج الصالحين للسيد الخوئي 2 / 285 مسألة 1383 .
(18) لاحظ الكافي : 6 / 30 - 31 .
(19) الكافي : 6 / 30 هامش رقم 2 .
(20) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه : محمد تقي المجلسي : 8 / 614 .
(21) الكافي : 6 / 30 هامش رقم 1 .