حيدر القرشي
27-09-2013, 08:22 PM
رد على مدعي العرفان الشيعي
جرت السنة التكوينية في كل دعوة حق وجود دجالين ومضللين يتنكرون بزي الصالحين واصحاب الدعوة الحقة ليلبسوا الحقيقة على البسطاء ولوجود معضلة النقص فيهم وعدم وصولهم الى الكمال المطلوب يحيكون باوهامهم خيوط العلم والكمال ليتزعموا على العوام
من ضمنهم صاحب برنامج المطارحات في العقيدة المدعي كذبا وزورا العرفان والكمال المطلق غافلا عن ان العرفان لا ينال بالدرس والتدريس والمطالعة بل هو سير وسلوك عملي
وتهذيب النفس عن كل الكدورات والظلمات وهو نادر الحصول
قد تبجح كثيرا بتاليفاته وتدريساته ولكن لم يبصر مناداة العرفاء في جميع كتبهم ان هذا الامر لا ينال بالدرس والتدريس وطرح نظريات فلسفية بل هو ينال بمحض التقوى والخلوص في العبودية
ويطول الشرح ان اردت التفصيل ولكن النقطة الجديرة بالذكر : ان ظهور اصحاب الدعاوي الكاذبة لا يختص بالعرفان بل يشمل جميع مجالات العلمية والعملية في الحياة الانسانية وحتى الفقه والاصول الذي يعلو به الفرد الى المرجعية ما اكثر المدعين والدجالين فيه ويمكن الاشارة الى نموذجين في عصرنا مثل الصرخي وحسين المؤيد
على كل حال من ضمن الترهات التي طرحها الحيدري قوله في حديث حب علي حسنة لا تضر معه سيئة واستهزا بالحديث من دون ذكر ادلة علمية على بطلان الحديث
ونحن ابناء الدليل اينما مال نميل
وفي هذه العجالة اطرح قبسات من نور العلامة العارف الكامل سيد محمد حسين الطهراني في تفسيره العلمي لهذا الحديث الشريف ليتبين الفرق بين العارف الحقيقي والكاذب
وهذا الحديث يسبقه مقدمة اثبت فيها العلامة الطهراني ان المراد من الصراط المستقيم هو نفس الانسانية فليراجع
قال العلامة الطهراني في معرفة المعاد ج8 ص 50 :
فإن شئنا أن نعثر على أحد من الموجودات سائر على الصراط المستقيم و النهج القويم في جميع خصوصيّاته في هذه الأسفار الأربعة، بحيث يفوق الجميع في أفكاره و عقائده و ملكاته و كيفيّة طيّه منازل فنائه في ذات الحضرة الأحديّة، و يمتلك سيراً في كلّ ذلك- بلحاظ عبور مراحل النفس- دون أن ينحرف أدنى انحراف، فإنّه سيجسّد حقيقة الصراط المستقيم، و يجسّد الإمام الذي ينبغي أن يكون قدوة و مثالًا يُحتذى. فهو أ وّلًا في مقام التكوين حقيقة الصراط، و السبيل للوصول إلى مدارج الكمال. و هو ثانياً في مقام التشريع الهادي و المقتدي. و هذا هو المعنى الوارد في الرواية من أنّ الصورة الإنسانيّة هي الصراط المستقيم. و قد ورد
في الرواية في تفسير الآية الشريفة: وَ أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُّسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ، أ نّ المراد به صراط عليّ بن أبي طالب عليهالسلام؛ و ذلك لأنّ المراد بالصورة الإنسانيّة، مرحلة الفعليّة المحضة التي تتواجد في أعلى صورها و أتقنها في عليّ بن أبي طالب عليهالسلام. أمّا عامّة الناس فليس لهم صورة إنسانيّة فعليّة، بل يمتلكون مجرّد قابليّة تحقّقها، هذا إن لم يكونوا قد بدّلوا صورة الإنسانيّة من خلال ارتكابهم الذنوب الكبيرة.
و على أيّة حال فإنّ أفراد البشر هم في مقام التكامل، إلّا أنّهم ليسوا كاملين، أمّا الصورة الإنسانيّة فمختصّة بالإنسان الكامل. لأن الإنسان لم يمتلك صورة إنسانيّة حين كان نطفة، لأنّه- إذ ذاك- في مرحلة تكامل.
ثمّ إنّ الإنسان ينمو فيكون كذا و كذا، فلا يمتلك تلك الصورة بعدُ. ثمّ يأتي إلى الدنيا فلا يحوز صورتها الفعليّة، إذ يولد طفلًا يلهو و يلعب.
ثمّ يصبح شابّاً، إلّا أنّه يمتلك في جميع أحواله صورة حيوانيّة، لأنّه لم يدرك بعدُ ذلك المقصد الذي خُلق الإنسان و هُيّئ للوصول إليه. فإن هو بلغ ذلك المقصد، تحقّقت فيه آنذاك فقط الصورة الإنسانيّة.
و من هنا فإنّ الشخص المنساق وراء الشهوات لا يمتلك صورة إنسانيّة، بل يمتلك الصورة الحيوانيّة للحيوان الذي له هذه الخصوصيّة من الشهوة.
أمّا لو سار الإنسان باتّجاه الفعليّة في جميع مراحل القوّة و القابليّة، و أوصل جميع القوى التي منّ الله بها عليه إلى مرحلة الفعليّة و في سبيل التقرّب إلى الله تعالى، فإنّه سيصبح إنساناً كاملًا له صورة إنسانيّة؛ الحِكْمَةُ صَيْرُورَةُ الإنْسَانِ عَالَماً عَقْلِيَّاً مُضَاهِياً لِلْعَالَمِ العَيْنِيّ.
و الحكيم هو الذي أكمل الصورة الإنسانيّة و جعل نفسه عالماً عقليّاً.
و كما أنّ لدينا عالماً طبعيّاً في الخارج، فإنّ الحكمة العلميّة و العمليّة التي تمثّل السير في الآفاق و الأنفس، تجعل الإنسان- علماً و عملًا- عالَماً عقليّاً.
و ذلك الإنسان هو الإنسان المجرّد، كما أنّه يمثّل الإنسان الخارج عن الزمان و المكان الذي لا تحدّه الجهات. و الإنسان الذي يمثّل أقرب الحجب إلى الله تعالى، و الإنسان الذي يمثّل اسم الله الأعظم، و الإنسان الأفضل من الملائكة، الذي لا يمكن لأيّ مَلك مقرّب أو نبيّ مرسل أن يفصل بينه و بين الحضرة الأحديّة.
يصل هذا الإنسان إلى المقام الذي هو أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ، و يفنى في العقل الكلّيّ و النور الكلّيّ، فيُعبَّر عنه بالإنسان المقرّب و المخلَص، إلّا أنّه بعد فنائه يجد البقاء بعالم البقاء و يصبح جامعاً لجميع صفات الحقّ المتعال و أسمائه الحسنى، فتظهر فيه و تتجلّى جميع أسماء الحقّ و صفاته- و ليس ذاته فقط- و تلك الصورة هي الصورة الإنسانيّة. فإن شئنا حقّاً أن نعثر في الخارج على مصداق أتمّ و أكمل لمثل هذه الصورة الفعليّة، فإنّه لن يكون غير أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
أي أنّ وجود ذلك الإمام و سرّه و عقيدته و حركته و فعله و ظاهره و باطنه و دنياه و آخرته و جسمه و روحه على ذلك الصراط المستقيم الهادي إلى الجنّة، و هو الصراط بين الجنّة و النار.
أي أنّ على مَن يريد الذهاب إلى الجنّة أن يجتاز هذا الصراط، لأنّ سعة و قدرة و جاذبيّة تلك النفس المقدّسة تدعو الناس إلى ذلك المقصد الرفيع بتلك الكيفيّة.
ما بدان مقصد عالى نتوانيم رسيد هم مگر پيش نهد لطف شما گامى چند [1]
[1]- يقول: «لن نستطيع بلوغ ذلك الهدف الرفيع إلّا إذا خطا أمامنا لطفُك عدّة خطوات».
لذا فقد جاء في الروايات أنّ أميرالمؤمنين عليهالسلام هو الصراط المستقيم، و أنّ الولاية و الإمامة هما الصراط المستقيم.
و بطبيعة الحال فقد ذكرنا ما ذكرنا عرضاً للمطلب، إلّا أنّنا سنذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى أنّ الصراط المستقيم الذي هو النفس الخارجيّة للإمام، له شمول آخر و جامعيّة اخرى أسمى من هذا المعنى و أعلى.
في العبور من العوالم السبعة لاكتساب الكمال الإنسانيّ
و على كلّ تقدير، فقد وردت روايات جمّة عن طريق الخاصّة و العامّة في أنّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام هو الصراط المستقيم.
يروي البحرانيّ في كتابه النفيس «غاية المرام» رواية واحدة عن العامّة، و عشر روايات عن الخاصّة في تفسير الآية المباركة:
وَ أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. [1]
ورد فيها أنّ عليّ بن أبي طالب هو المراد بالصراط المستقيم في هذه الآية.
أمّا الرواية التي نقلها عن العامّة، فحديث نقله عن الشيرازيّ- أحد أعيان علماء العامّة، له كتاب في المناقب- عن قتادة، عن الحسن البصريّ، في الآية الشريفة: وَ أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ، قَالَ: يَقُولُ: هَذَا طَرِيقُ عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ وَ ذُرِّيَّتِهِ طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ وَ دِينٌ مُسْتَقِيمٌ فَاتَّبِعُوهُ وَ تَمَسَّكُوا بِهِ فَإنَّهُ وَاضِحٌ لَا عِوَجَ فِيهِ.
و أمّا الروايات العشر التي نقلها عن الخاصّة فننقل منها ثلاث روايات:الاولى: حديث جاء عن عليّ بن إبراهيم القمّيّ في تفسيره عن الإمام الصادق عليهالسلام في معنى الآية: «وَ أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ»؛ قَالَ: الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ الإمَامُ. وَ «لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ». قَالَ: يَعْنِي غَيْرَ الإمَامِ. «فَتَفَّرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ». يَعْنِي تَفَرَّقُوا وَ تَخْتَلِفُوا في الإمَامِ. [1]
الثانية: حديث يرويه محمّد بن الحسن الصفّار في «بصائر الدرجات» بإسناده عن أبي حمزة الثماليّ، عن الإمام الصادق عليهالسلام؛ قَالَ: سَألْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: «أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ»؟ فَقَالَ: هُوَ وَ اللهِ عَلِيّ، هُوَ وَ اللهِ الصِّرَاطُ وَ المِيزَانُ. [2]
الثالثة: حديث يرويه محمّد بن مسعود العيّايّش بإسناده عن بُريد العجليّ، عن الإمام الصادق عليهالسلام؛ قَالَ:
«وَ أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ».
قَالَ: تَدْرِي مَا يَعْنِي ب- «صِرَاطِي مُسْتَقِيماً»؟! قُلْتُ: لَا.
قَالَ: وَلَايَةُ عَلِيّ وَ الأوْصِيَاءِ.
قَالَ: وَ تَدْرِي مَا يَعْنِي «فَاتَّبِعُوهُ»؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: يَعْنِي عَلِيّ بْنَ أبي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَ تَدْرِي مَا يَعْنِي: «وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ»؟
قُلْتُ: لَا! قَالَ: وَ اللهِ وَلَايَةُ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.
قَالَ: وَ تَدْرِي مَا يَعْنِي: «وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ»؟
قَالَ: يَعْنِي سَبِيلَ عَلِيّ عَلَيْهِالسَّلَامُ. [1]
أمّا في تفسير الآية الشريفة: أفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أهْدَى أمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ؛ [2] فقد وردت في «غاية المرام» رواية واحدة عن طريق العامّة و ثلاث روايات عن طريق الخاصّة جاء فيها أنّ المراد بالصراط المستقيم في الآية هو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
و نورد هنا رواية عن الخاصّة.
يروي محمّد بن يعقوب الكلينيّ بإسناده عن محمّد بن الفضيل، عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام؛ قَالَ: قُلْتُ: «أفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أهْدَى أمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»؟ قَالَ: إنَّ اللهَ ضَرَبَ مَثَلًا: مَنْ حَادَ عَنْ وَلَايَةِ عَلِيّ كَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ لَا يَهْتَدِي لأمْرِهِ، وَ جَعَلَ مَنِ اتَّبَعَهُ سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ أمِيرُالمُؤْمِنِينَ. [3]
أمّا الرواية الواردة عن طريق العامّة، فيقول الراوي عن عبدالله بن عمر إنَّهُ قَالَ لي: إنِّي أتَّبِعُ هَذَا الأصْلَعَ [4] فَإنَّهُ أوَّلُ النَّاسِ إسْلَاماً وَ الحَقُّ مَعَهُ، فَإنِّي سَمِعْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ في قَوْلِهِ تَعَالَى: «أفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أهْدَى أمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»: فَالنَّاسُ مُكِبُّونَ عَلَى الوَجْهِ غَيْرَهُ. [5]
كما أورد في «غاية المرام» ثلاثة أحاديث عن طريق العامّة و أربعة عن طريق الخاصّة في شأن الآية المباركة: وَ أنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ، [1] جاء فيها أنّ المراد بالصراط هو ولاية أهل البيت عليهم السلام. و ننقل هنا رواية واحدة من كلٍّ من الطريقين.
أمّا عن طريق العامّة فيروي إبراهيم بن محمّد الحموينيّ بإسناده عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة، عن أميرالمؤمنين عليهالسلام في قوله تعالى: «وَ إنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ عَنِ الصّرَاطِ لَنَاكِبُونَ»، قَالَ: عَنْ وَلَايَتِنَا. [2]
و أمّا عن طريق الخاصّة فيروي محمّد بن العبّاس بن ماهيار في تفسيره «فيما نزل في أهل البيت» بإسناده عن الإمام عليّ بن أبي طالب في تفسير قوله تعالى: «وَ إنَّ الَّذِينَ لَا يُوْمِنُونَ بِالأخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ»، قَالَ: عَنْ وَلَايَتِنَا أهْلَ البَيْتِ. [3]
و في الحديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم قال: لَا يَجُوزُ أحَدٌ عَنِ الصِّرَاطِ إلَّا وَ كَتَبَ لَهُ عَلِيّ الجَوَازَ.
و قد أوردنا هذه الروايات بأسانيدها المختلفة عن طريق الشيعة و العامّة في الجزء الأوّل من مجموعة «معرفة الإمام». و ممّا يثير العجب أنّ أبابكر هو أحد الذين رووا هذه الرواية عن رسول الله بلا واسطة، حيث تُعدّ سلسلة سند هذه الرواية إلى أبي بكر صحيحة في نظر العامّة؛ كما أنّ من الذين رووا هذا الحديث دونما واسطة ابن عبّاس و ابن مسعود، إلّا أنّ معظم أعيان علماء العامّة نقلوا هذا الحديث في كتبهم المعتبرة بإسنادهم إلى أبي بكر، و قد نقل المرحوم آية الله الشيخ نجم الدين الشريف العسكريّ ذلك مفصّلًا. [1] كما نُقلت هذه الرواية في «غاية المرام» الباب الرابع و الخمسين، ص 262 في عشرة أحاديث عن طريق العامّة، و في الباب الخامس و الخمسين ص 262 في سبعة أحاديث عن طريق الخاصّة.
و نشرع الآن ببحث إجماليّ في مضمون هذا الحديث الشريف، إذ يقول الحديث بأنّ عليّاً هو صراط الحقّ، و إنّ مَن سيتمكّن من عبور هذا الصراط هو الذي يمتلك تقارباً مع عليّ عليهالسلام في جميع الجوانب، سواءً من جانب العقيدة أم المَلَكة و الأخلاق و الصفات و السيرة. فإن لم يكن كالإمام استقامةً، فعليه- على الأقلّ- أن لا يبتعد عنه و لا يُخالفه في النهج.
ثمّ إنّ الإنسان يمرّ خلال اجتيازه الصراط بجملة من العقبات منها عقبة الصلاة، عقبة الأمانة، عقبة الرَّحِم، عقبة الولاية، عقبة التوحيد؛ و ينبغي على المرء أن يحصل على تصريح بالعبور في كلّ واحدة من هذه العقبات التي يعسر تخطّيها و اجتيازها. أي أنّه ينبغي أن يكون هناك تشابهاً- على أقلّ تقدير- بين صلاته و صيامه و جهاده و حجّه و زكاته مع أعمال ذلك الإمام.
فإن شاء امرؤ- و الحال هذه- أن يتحرّك على هذا الصراط دون أن يكون له معرفة به، و دون أن يكون منخرطاً في طريق الولاية و نهج التوحيد، فإنّه سيحتاج إلى تصريح بالعبور، و سيكون ممّن يُلقى بهم في نار جهنّم فيصدق عليهم أنّهم عَنِ الصّرَاطِ لَنَاكِبُونَ.
و من هنا فقد جاء في الروايات المتواترة للشيعة و العامّة: عَلِيّ قَسِيمُ الجَنَّةِ وَ النَّارِ، أي أنّ عليّاً هو صراط الحقّ الذي عيّنه الباري المتعال و قال في شأنه: إن شئتم السير باتّجاهي و الخلود في حَرَمي و التنعّم برضواني فينبغي أن تكون جميع اموركم سويّة صحيحة، و أن تكونوا قد أعطيتم لنفسكم حقّها و للآخرين حقوقهم وللّه تعالى حقّه، و أن تكونوا قد اجتنبتم الظلم و التعدّي. أنتم بشر، فعليكم أن تجعلوا لأنفسكم صورةً إنسانيّة، و أن تتخطّوا الصفات البهيميّة.
و حقّ الله هو أن تعرفوه، فتعبروا- من خلال ورودكم هذا الصراط و انسكم بالأنوار القدسيّة الإلهيّة و استجلابكم لها- من ظلمات عالم النفس و كدورات الشهوة.
و هذا المعنى محال و متعذّر بدون الورود في صراط الولاية المستقيم.
و على هذا الأساس، فسيكون الوارد في هذا الصراط وارداً في الجنّة، أمّا غير الوارد فيه فسيهوي في النار. و البغض و العداوة و الحسد و الحقد و البخل و الطمع و الجشع، و الاعتداء على الحقوق، و الجحود، و إنكار الحقّ، و الاستكبار هي النار؛ أمّا العطف و المحبّة و الحنان و الإيثار و العفو و العدل و التواضع و الخضوع و الخشوع و التسليم و الانقياد للحقّ تعالى فهي الجنّة. و حبّ عليّ الذي يمثل انموذج هذه الصفات و مَثَلَها الأعلى هو طريق الجنّة؛ أمّا بغضه و نصب العداوة له فيستلزمان الخشونة و الاستكبار الباطنيّ، و يستلزمان جهنّم في نهاية المطاف.
قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم: حُبُّ عَلِيّ حَسَنَةٌ وَ بُغْضُ عَلِيّ سَيِّئَةٌ. [1]
1- وردت روايات متضافرة بهذا المضمون من قبل الشيعة و العامّة، منها ما أورده القندوزيّ في «ينابيع المودّة» ص 125 طبعة إسلامبول: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله: حُبُّ عَلِيّ حسنةٌ لا تضرُّ معها سيّئةٌ؛ و بُغضُ عليّ سَيّئةٌ لا تنفع معها حسنةٌ.
حبّ عليّ حسنة، و الحسنة- كما هو بيّن- طريق الجنّة. و بغض عليّ سيئة، و السيّئة- كما هو جليّ- طريق النار. فعليّ- إذاً- قسيم الجنّة و النار.
هذا من جهة.
و من جهة اخرى فإنّ الصراط الذي يفصل بين الإنسان و بين الحقّ هو طريق يبلغ بالإنسان إلى مقام العرفان و يجعله فانياً في ذات الحقّ تعالى، و ينفي عنه جميع شؤون عالم الوجود و عالم الاستكبار و التفرعن، و يدخله في عالم التوحيد، ثمّ يجعله- عند العودة إلى عالم البقاء- متّصفاً بصفات الحقّ عزّ و جلّ.
و أميرالمؤمنين عليهالسلام هو الجامع لكلّ هذه الصفات و المقامات أي أنّه هو الوليّ الذي بلغ مقام الفناء في الله عزّ و جلّ، و صار- فوق ذلك- باقياً بمقام البقاء بالله؛ كما أنّه حامل لواء الحمد و الإمامة، و ذو سعة و شمول يكتنفان جميع عالم الوجود، و هو الجامع لجميع أسماء الحقّ و صفاته. فمن شاء عندئذٍ اجتياز مرحلة من هذه المراحل، فينبغي أن يكون عبوره و عمله منطبقاً مع الإمام، سواءً في الصلاة، أم في الأمانة أم في صلة الرحم أم في الجهاد، أم في إعانة الفقراء و المساكين أم في الإنفاق في سبيل الله أم في الإيثار أم في المحبّة و الولاية أم في اتّباع كتاب الله و سُنّة رسوله أم في مراحل تزكية النفس و تهذيبها.
فكلّما كان المرء أقرب إلى هذا الصراط، سهل عليه العبور عندئذٍ، و زادت سرعة طيّه للصراط فصار يجتازه كالبرق الخاطف. أمّا إذا أبطأ في سرعته قليلًا، عبر بسرعة الريح، فإن أبطأ و ثقُل مرّ كالراكب، فإن ثقل مر كالراجل، فإن ثقل و أبطأ مرّ يجرّ أقدامه جرّاً. أمّا إذا كان الأمر لا سمح الله أعسر من ذلك، فستتعلّق إحدى قدميه في النار و ينال منها لفحة. فإن ثقل أكثر، هوى في النار ليطهّره الله بذلك. فإن كان من الأشقياء و المنكرين خُلِّد في عذاب الله نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ الحَلِيمِ.
جرت السنة التكوينية في كل دعوة حق وجود دجالين ومضللين يتنكرون بزي الصالحين واصحاب الدعوة الحقة ليلبسوا الحقيقة على البسطاء ولوجود معضلة النقص فيهم وعدم وصولهم الى الكمال المطلوب يحيكون باوهامهم خيوط العلم والكمال ليتزعموا على العوام
من ضمنهم صاحب برنامج المطارحات في العقيدة المدعي كذبا وزورا العرفان والكمال المطلق غافلا عن ان العرفان لا ينال بالدرس والتدريس والمطالعة بل هو سير وسلوك عملي
وتهذيب النفس عن كل الكدورات والظلمات وهو نادر الحصول
قد تبجح كثيرا بتاليفاته وتدريساته ولكن لم يبصر مناداة العرفاء في جميع كتبهم ان هذا الامر لا ينال بالدرس والتدريس وطرح نظريات فلسفية بل هو ينال بمحض التقوى والخلوص في العبودية
ويطول الشرح ان اردت التفصيل ولكن النقطة الجديرة بالذكر : ان ظهور اصحاب الدعاوي الكاذبة لا يختص بالعرفان بل يشمل جميع مجالات العلمية والعملية في الحياة الانسانية وحتى الفقه والاصول الذي يعلو به الفرد الى المرجعية ما اكثر المدعين والدجالين فيه ويمكن الاشارة الى نموذجين في عصرنا مثل الصرخي وحسين المؤيد
على كل حال من ضمن الترهات التي طرحها الحيدري قوله في حديث حب علي حسنة لا تضر معه سيئة واستهزا بالحديث من دون ذكر ادلة علمية على بطلان الحديث
ونحن ابناء الدليل اينما مال نميل
وفي هذه العجالة اطرح قبسات من نور العلامة العارف الكامل سيد محمد حسين الطهراني في تفسيره العلمي لهذا الحديث الشريف ليتبين الفرق بين العارف الحقيقي والكاذب
وهذا الحديث يسبقه مقدمة اثبت فيها العلامة الطهراني ان المراد من الصراط المستقيم هو نفس الانسانية فليراجع
قال العلامة الطهراني في معرفة المعاد ج8 ص 50 :
فإن شئنا أن نعثر على أحد من الموجودات سائر على الصراط المستقيم و النهج القويم في جميع خصوصيّاته في هذه الأسفار الأربعة، بحيث يفوق الجميع في أفكاره و عقائده و ملكاته و كيفيّة طيّه منازل فنائه في ذات الحضرة الأحديّة، و يمتلك سيراً في كلّ ذلك- بلحاظ عبور مراحل النفس- دون أن ينحرف أدنى انحراف، فإنّه سيجسّد حقيقة الصراط المستقيم، و يجسّد الإمام الذي ينبغي أن يكون قدوة و مثالًا يُحتذى. فهو أ وّلًا في مقام التكوين حقيقة الصراط، و السبيل للوصول إلى مدارج الكمال. و هو ثانياً في مقام التشريع الهادي و المقتدي. و هذا هو المعنى الوارد في الرواية من أنّ الصورة الإنسانيّة هي الصراط المستقيم. و قد ورد
في الرواية في تفسير الآية الشريفة: وَ أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُّسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ، أ نّ المراد به صراط عليّ بن أبي طالب عليهالسلام؛ و ذلك لأنّ المراد بالصورة الإنسانيّة، مرحلة الفعليّة المحضة التي تتواجد في أعلى صورها و أتقنها في عليّ بن أبي طالب عليهالسلام. أمّا عامّة الناس فليس لهم صورة إنسانيّة فعليّة، بل يمتلكون مجرّد قابليّة تحقّقها، هذا إن لم يكونوا قد بدّلوا صورة الإنسانيّة من خلال ارتكابهم الذنوب الكبيرة.
و على أيّة حال فإنّ أفراد البشر هم في مقام التكامل، إلّا أنّهم ليسوا كاملين، أمّا الصورة الإنسانيّة فمختصّة بالإنسان الكامل. لأن الإنسان لم يمتلك صورة إنسانيّة حين كان نطفة، لأنّه- إذ ذاك- في مرحلة تكامل.
ثمّ إنّ الإنسان ينمو فيكون كذا و كذا، فلا يمتلك تلك الصورة بعدُ. ثمّ يأتي إلى الدنيا فلا يحوز صورتها الفعليّة، إذ يولد طفلًا يلهو و يلعب.
ثمّ يصبح شابّاً، إلّا أنّه يمتلك في جميع أحواله صورة حيوانيّة، لأنّه لم يدرك بعدُ ذلك المقصد الذي خُلق الإنسان و هُيّئ للوصول إليه. فإن هو بلغ ذلك المقصد، تحقّقت فيه آنذاك فقط الصورة الإنسانيّة.
و من هنا فإنّ الشخص المنساق وراء الشهوات لا يمتلك صورة إنسانيّة، بل يمتلك الصورة الحيوانيّة للحيوان الذي له هذه الخصوصيّة من الشهوة.
أمّا لو سار الإنسان باتّجاه الفعليّة في جميع مراحل القوّة و القابليّة، و أوصل جميع القوى التي منّ الله بها عليه إلى مرحلة الفعليّة و في سبيل التقرّب إلى الله تعالى، فإنّه سيصبح إنساناً كاملًا له صورة إنسانيّة؛ الحِكْمَةُ صَيْرُورَةُ الإنْسَانِ عَالَماً عَقْلِيَّاً مُضَاهِياً لِلْعَالَمِ العَيْنِيّ.
و الحكيم هو الذي أكمل الصورة الإنسانيّة و جعل نفسه عالماً عقليّاً.
و كما أنّ لدينا عالماً طبعيّاً في الخارج، فإنّ الحكمة العلميّة و العمليّة التي تمثّل السير في الآفاق و الأنفس، تجعل الإنسان- علماً و عملًا- عالَماً عقليّاً.
و ذلك الإنسان هو الإنسان المجرّد، كما أنّه يمثّل الإنسان الخارج عن الزمان و المكان الذي لا تحدّه الجهات. و الإنسان الذي يمثّل أقرب الحجب إلى الله تعالى، و الإنسان الذي يمثّل اسم الله الأعظم، و الإنسان الأفضل من الملائكة، الذي لا يمكن لأيّ مَلك مقرّب أو نبيّ مرسل أن يفصل بينه و بين الحضرة الأحديّة.
يصل هذا الإنسان إلى المقام الذي هو أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ، و يفنى في العقل الكلّيّ و النور الكلّيّ، فيُعبَّر عنه بالإنسان المقرّب و المخلَص، إلّا أنّه بعد فنائه يجد البقاء بعالم البقاء و يصبح جامعاً لجميع صفات الحقّ المتعال و أسمائه الحسنى، فتظهر فيه و تتجلّى جميع أسماء الحقّ و صفاته- و ليس ذاته فقط- و تلك الصورة هي الصورة الإنسانيّة. فإن شئنا حقّاً أن نعثر في الخارج على مصداق أتمّ و أكمل لمثل هذه الصورة الفعليّة، فإنّه لن يكون غير أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
أي أنّ وجود ذلك الإمام و سرّه و عقيدته و حركته و فعله و ظاهره و باطنه و دنياه و آخرته و جسمه و روحه على ذلك الصراط المستقيم الهادي إلى الجنّة، و هو الصراط بين الجنّة و النار.
أي أنّ على مَن يريد الذهاب إلى الجنّة أن يجتاز هذا الصراط، لأنّ سعة و قدرة و جاذبيّة تلك النفس المقدّسة تدعو الناس إلى ذلك المقصد الرفيع بتلك الكيفيّة.
ما بدان مقصد عالى نتوانيم رسيد هم مگر پيش نهد لطف شما گامى چند [1]
[1]- يقول: «لن نستطيع بلوغ ذلك الهدف الرفيع إلّا إذا خطا أمامنا لطفُك عدّة خطوات».
لذا فقد جاء في الروايات أنّ أميرالمؤمنين عليهالسلام هو الصراط المستقيم، و أنّ الولاية و الإمامة هما الصراط المستقيم.
و بطبيعة الحال فقد ذكرنا ما ذكرنا عرضاً للمطلب، إلّا أنّنا سنذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى أنّ الصراط المستقيم الذي هو النفس الخارجيّة للإمام، له شمول آخر و جامعيّة اخرى أسمى من هذا المعنى و أعلى.
في العبور من العوالم السبعة لاكتساب الكمال الإنسانيّ
و على كلّ تقدير، فقد وردت روايات جمّة عن طريق الخاصّة و العامّة في أنّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام هو الصراط المستقيم.
يروي البحرانيّ في كتابه النفيس «غاية المرام» رواية واحدة عن العامّة، و عشر روايات عن الخاصّة في تفسير الآية المباركة:
وَ أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. [1]
ورد فيها أنّ عليّ بن أبي طالب هو المراد بالصراط المستقيم في هذه الآية.
أمّا الرواية التي نقلها عن العامّة، فحديث نقله عن الشيرازيّ- أحد أعيان علماء العامّة، له كتاب في المناقب- عن قتادة، عن الحسن البصريّ، في الآية الشريفة: وَ أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ، قَالَ: يَقُولُ: هَذَا طَرِيقُ عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ وَ ذُرِّيَّتِهِ طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ وَ دِينٌ مُسْتَقِيمٌ فَاتَّبِعُوهُ وَ تَمَسَّكُوا بِهِ فَإنَّهُ وَاضِحٌ لَا عِوَجَ فِيهِ.
و أمّا الروايات العشر التي نقلها عن الخاصّة فننقل منها ثلاث روايات:الاولى: حديث جاء عن عليّ بن إبراهيم القمّيّ في تفسيره عن الإمام الصادق عليهالسلام في معنى الآية: «وَ أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ»؛ قَالَ: الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ الإمَامُ. وَ «لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ». قَالَ: يَعْنِي غَيْرَ الإمَامِ. «فَتَفَّرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ». يَعْنِي تَفَرَّقُوا وَ تَخْتَلِفُوا في الإمَامِ. [1]
الثانية: حديث يرويه محمّد بن الحسن الصفّار في «بصائر الدرجات» بإسناده عن أبي حمزة الثماليّ، عن الإمام الصادق عليهالسلام؛ قَالَ: سَألْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: «أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ»؟ فَقَالَ: هُوَ وَ اللهِ عَلِيّ، هُوَ وَ اللهِ الصِّرَاطُ وَ المِيزَانُ. [2]
الثالثة: حديث يرويه محمّد بن مسعود العيّايّش بإسناده عن بُريد العجليّ، عن الإمام الصادق عليهالسلام؛ قَالَ:
«وَ أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ».
قَالَ: تَدْرِي مَا يَعْنِي ب- «صِرَاطِي مُسْتَقِيماً»؟! قُلْتُ: لَا.
قَالَ: وَلَايَةُ عَلِيّ وَ الأوْصِيَاءِ.
قَالَ: وَ تَدْرِي مَا يَعْنِي «فَاتَّبِعُوهُ»؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: يَعْنِي عَلِيّ بْنَ أبي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَ تَدْرِي مَا يَعْنِي: «وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ»؟
قُلْتُ: لَا! قَالَ: وَ اللهِ وَلَايَةُ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.
قَالَ: وَ تَدْرِي مَا يَعْنِي: «وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ»؟
قَالَ: يَعْنِي سَبِيلَ عَلِيّ عَلَيْهِالسَّلَامُ. [1]
أمّا في تفسير الآية الشريفة: أفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أهْدَى أمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ؛ [2] فقد وردت في «غاية المرام» رواية واحدة عن طريق العامّة و ثلاث روايات عن طريق الخاصّة جاء فيها أنّ المراد بالصراط المستقيم في الآية هو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
و نورد هنا رواية عن الخاصّة.
يروي محمّد بن يعقوب الكلينيّ بإسناده عن محمّد بن الفضيل، عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام؛ قَالَ: قُلْتُ: «أفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أهْدَى أمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»؟ قَالَ: إنَّ اللهَ ضَرَبَ مَثَلًا: مَنْ حَادَ عَنْ وَلَايَةِ عَلِيّ كَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ لَا يَهْتَدِي لأمْرِهِ، وَ جَعَلَ مَنِ اتَّبَعَهُ سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ أمِيرُالمُؤْمِنِينَ. [3]
أمّا الرواية الواردة عن طريق العامّة، فيقول الراوي عن عبدالله بن عمر إنَّهُ قَالَ لي: إنِّي أتَّبِعُ هَذَا الأصْلَعَ [4] فَإنَّهُ أوَّلُ النَّاسِ إسْلَاماً وَ الحَقُّ مَعَهُ، فَإنِّي سَمِعْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ في قَوْلِهِ تَعَالَى: «أفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أهْدَى أمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»: فَالنَّاسُ مُكِبُّونَ عَلَى الوَجْهِ غَيْرَهُ. [5]
كما أورد في «غاية المرام» ثلاثة أحاديث عن طريق العامّة و أربعة عن طريق الخاصّة في شأن الآية المباركة: وَ أنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ، [1] جاء فيها أنّ المراد بالصراط هو ولاية أهل البيت عليهم السلام. و ننقل هنا رواية واحدة من كلٍّ من الطريقين.
أمّا عن طريق العامّة فيروي إبراهيم بن محمّد الحموينيّ بإسناده عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة، عن أميرالمؤمنين عليهالسلام في قوله تعالى: «وَ إنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ عَنِ الصّرَاطِ لَنَاكِبُونَ»، قَالَ: عَنْ وَلَايَتِنَا. [2]
و أمّا عن طريق الخاصّة فيروي محمّد بن العبّاس بن ماهيار في تفسيره «فيما نزل في أهل البيت» بإسناده عن الإمام عليّ بن أبي طالب في تفسير قوله تعالى: «وَ إنَّ الَّذِينَ لَا يُوْمِنُونَ بِالأخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ»، قَالَ: عَنْ وَلَايَتِنَا أهْلَ البَيْتِ. [3]
و في الحديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم قال: لَا يَجُوزُ أحَدٌ عَنِ الصِّرَاطِ إلَّا وَ كَتَبَ لَهُ عَلِيّ الجَوَازَ.
و قد أوردنا هذه الروايات بأسانيدها المختلفة عن طريق الشيعة و العامّة في الجزء الأوّل من مجموعة «معرفة الإمام». و ممّا يثير العجب أنّ أبابكر هو أحد الذين رووا هذه الرواية عن رسول الله بلا واسطة، حيث تُعدّ سلسلة سند هذه الرواية إلى أبي بكر صحيحة في نظر العامّة؛ كما أنّ من الذين رووا هذا الحديث دونما واسطة ابن عبّاس و ابن مسعود، إلّا أنّ معظم أعيان علماء العامّة نقلوا هذا الحديث في كتبهم المعتبرة بإسنادهم إلى أبي بكر، و قد نقل المرحوم آية الله الشيخ نجم الدين الشريف العسكريّ ذلك مفصّلًا. [1] كما نُقلت هذه الرواية في «غاية المرام» الباب الرابع و الخمسين، ص 262 في عشرة أحاديث عن طريق العامّة، و في الباب الخامس و الخمسين ص 262 في سبعة أحاديث عن طريق الخاصّة.
و نشرع الآن ببحث إجماليّ في مضمون هذا الحديث الشريف، إذ يقول الحديث بأنّ عليّاً هو صراط الحقّ، و إنّ مَن سيتمكّن من عبور هذا الصراط هو الذي يمتلك تقارباً مع عليّ عليهالسلام في جميع الجوانب، سواءً من جانب العقيدة أم المَلَكة و الأخلاق و الصفات و السيرة. فإن لم يكن كالإمام استقامةً، فعليه- على الأقلّ- أن لا يبتعد عنه و لا يُخالفه في النهج.
ثمّ إنّ الإنسان يمرّ خلال اجتيازه الصراط بجملة من العقبات منها عقبة الصلاة، عقبة الأمانة، عقبة الرَّحِم، عقبة الولاية، عقبة التوحيد؛ و ينبغي على المرء أن يحصل على تصريح بالعبور في كلّ واحدة من هذه العقبات التي يعسر تخطّيها و اجتيازها. أي أنّه ينبغي أن يكون هناك تشابهاً- على أقلّ تقدير- بين صلاته و صيامه و جهاده و حجّه و زكاته مع أعمال ذلك الإمام.
فإن شاء امرؤ- و الحال هذه- أن يتحرّك على هذا الصراط دون أن يكون له معرفة به، و دون أن يكون منخرطاً في طريق الولاية و نهج التوحيد، فإنّه سيحتاج إلى تصريح بالعبور، و سيكون ممّن يُلقى بهم في نار جهنّم فيصدق عليهم أنّهم عَنِ الصّرَاطِ لَنَاكِبُونَ.
و من هنا فقد جاء في الروايات المتواترة للشيعة و العامّة: عَلِيّ قَسِيمُ الجَنَّةِ وَ النَّارِ، أي أنّ عليّاً هو صراط الحقّ الذي عيّنه الباري المتعال و قال في شأنه: إن شئتم السير باتّجاهي و الخلود في حَرَمي و التنعّم برضواني فينبغي أن تكون جميع اموركم سويّة صحيحة، و أن تكونوا قد أعطيتم لنفسكم حقّها و للآخرين حقوقهم وللّه تعالى حقّه، و أن تكونوا قد اجتنبتم الظلم و التعدّي. أنتم بشر، فعليكم أن تجعلوا لأنفسكم صورةً إنسانيّة، و أن تتخطّوا الصفات البهيميّة.
و حقّ الله هو أن تعرفوه، فتعبروا- من خلال ورودكم هذا الصراط و انسكم بالأنوار القدسيّة الإلهيّة و استجلابكم لها- من ظلمات عالم النفس و كدورات الشهوة.
و هذا المعنى محال و متعذّر بدون الورود في صراط الولاية المستقيم.
و على هذا الأساس، فسيكون الوارد في هذا الصراط وارداً في الجنّة، أمّا غير الوارد فيه فسيهوي في النار. و البغض و العداوة و الحسد و الحقد و البخل و الطمع و الجشع، و الاعتداء على الحقوق، و الجحود، و إنكار الحقّ، و الاستكبار هي النار؛ أمّا العطف و المحبّة و الحنان و الإيثار و العفو و العدل و التواضع و الخضوع و الخشوع و التسليم و الانقياد للحقّ تعالى فهي الجنّة. و حبّ عليّ الذي يمثل انموذج هذه الصفات و مَثَلَها الأعلى هو طريق الجنّة؛ أمّا بغضه و نصب العداوة له فيستلزمان الخشونة و الاستكبار الباطنيّ، و يستلزمان جهنّم في نهاية المطاف.
قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم: حُبُّ عَلِيّ حَسَنَةٌ وَ بُغْضُ عَلِيّ سَيِّئَةٌ. [1]
1- وردت روايات متضافرة بهذا المضمون من قبل الشيعة و العامّة، منها ما أورده القندوزيّ في «ينابيع المودّة» ص 125 طبعة إسلامبول: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله: حُبُّ عَلِيّ حسنةٌ لا تضرُّ معها سيّئةٌ؛ و بُغضُ عليّ سَيّئةٌ لا تنفع معها حسنةٌ.
حبّ عليّ حسنة، و الحسنة- كما هو بيّن- طريق الجنّة. و بغض عليّ سيئة، و السيّئة- كما هو جليّ- طريق النار. فعليّ- إذاً- قسيم الجنّة و النار.
هذا من جهة.
و من جهة اخرى فإنّ الصراط الذي يفصل بين الإنسان و بين الحقّ هو طريق يبلغ بالإنسان إلى مقام العرفان و يجعله فانياً في ذات الحقّ تعالى، و ينفي عنه جميع شؤون عالم الوجود و عالم الاستكبار و التفرعن، و يدخله في عالم التوحيد، ثمّ يجعله- عند العودة إلى عالم البقاء- متّصفاً بصفات الحقّ عزّ و جلّ.
و أميرالمؤمنين عليهالسلام هو الجامع لكلّ هذه الصفات و المقامات أي أنّه هو الوليّ الذي بلغ مقام الفناء في الله عزّ و جلّ، و صار- فوق ذلك- باقياً بمقام البقاء بالله؛ كما أنّه حامل لواء الحمد و الإمامة، و ذو سعة و شمول يكتنفان جميع عالم الوجود، و هو الجامع لجميع أسماء الحقّ و صفاته. فمن شاء عندئذٍ اجتياز مرحلة من هذه المراحل، فينبغي أن يكون عبوره و عمله منطبقاً مع الإمام، سواءً في الصلاة، أم في الأمانة أم في صلة الرحم أم في الجهاد، أم في إعانة الفقراء و المساكين أم في الإنفاق في سبيل الله أم في الإيثار أم في المحبّة و الولاية أم في اتّباع كتاب الله و سُنّة رسوله أم في مراحل تزكية النفس و تهذيبها.
فكلّما كان المرء أقرب إلى هذا الصراط، سهل عليه العبور عندئذٍ، و زادت سرعة طيّه للصراط فصار يجتازه كالبرق الخاطف. أمّا إذا أبطأ في سرعته قليلًا، عبر بسرعة الريح، فإن أبطأ و ثقُل مرّ كالراكب، فإن ثقل مر كالراجل، فإن ثقل و أبطأ مرّ يجرّ أقدامه جرّاً. أمّا إذا كان الأمر لا سمح الله أعسر من ذلك، فستتعلّق إحدى قدميه في النار و ينال منها لفحة. فإن ثقل أكثر، هوى في النار ليطهّره الله بذلك. فإن كان من الأشقياء و المنكرين خُلِّد في عذاب الله نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ الحَلِيمِ.