المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رؤية جديدة إلى موضوع الحجاب، للأستاذ بناهيان


الرحيق المختوم
10-10-2013, 12:01 PM
هذا الذي بين يديك أيها القارئ العزيز هو ملخص لأبحاث طرحها سماحة الأستاذ بناهيان في موضوع الحجاب. ترجمته إحدى الأخوات الفاضلات لكي يساهم هذا الإنتاج ولو قليلا في صدّ الغزو الثقافي الهدّام الذي بات يسلب الحجاب من بناتنا ونسائنا.

المقدمة

العالم حولنا مليء بالأشخاص والأشياء، وبتفاعل هذه الأشياء فيما بينها وبتعامل الأشخاص مع باقي المخلوقات؛ يتم بنوع ما إيجاد الوضع العام لعالم الوجود والحقائق الموجودة فيه. وبهذه النظرة يمكن تقسيم حقائق العالم بصورة عامة إلى مجموعتين، المجموعة الأولى: الحقائق الثابتة. ويضم هذا القسم كل الموجودات أعم من الحية وغيرها، إضافة إلى كل الأشياء التي لها وجود مستقل، المجموعة الثانية هي الحقائق الهلامية (السيالة). وتنضم العلاقات ضمن حقائق المجموعة الأولى.
فطريقة الارتباط ونوع العلاقة التي تدخل ضمن الحقائق الثابتة، تعتبر الذات النوعية للحقيقة. وتشمل هذه العلاقات دائرة واسعة جدا. مثل علاقة الانسان بربه، وعلاقته بالإنسان، وعلاقته بالأشياء المحيطة به، وعلاقته بالحيوانات، وعلاقة الحيوان بالطبيعة، والعلاقة بين الشمس والقمر، والعلاقة بين الشمس والأرض وغيرها من العلاقات. فكل هذه العلاقات تدخل في هذه الدائرة. والحقائق الثابتة لا يكون لها معنى معين منذ الأساس دون الأخذ بنظر الاعتبار "العلاقات" فيما بينها.
ولهذا السبب يمكن اعتبار الحقائق الهلامية: العنصر الأساسي وعامل التفاعل الخَلقي بين الظواهر الكونية.
ومما لا شك فيه يمكن عدّ العلاقات والروابط التي يشكل الإنسان إحد طرفيها، علاقات أكثر تكاملا (طبعا بصرف النظر عن علاقة الانسان بربه). كالمقايسة بين علاقة الخروف بسنابل الشعير وعلاقة الإنسان بها. فماذا لو كان الإنسان يشكل طرفي هذه العلاقة (أي العلاقة بين إنسانين)، فمن الطبيعي تكون هذه العلاقة جديرة بالتحري والدراسة أكثر من غيرها.
تحظى العلاقة بين الرجل والمرأة بأهمية بالغة من بين العلاقات الحاكمة بين النوع الإنساني. فأول علاقة وجدت بين إنسانين على وجه الأرض (بين آدم عليه السلام وحواء) كانت بين رجل وإمرأة، وولادة كل إنسان منوطة بهذه العلاقة بين والديه.
وعليه يمكن القول، إن حياة الإنسان لايكون لها معنى بدون هذه العلاقة فيما بينهم، وتعد العلاقة بين الرجل والمرأة من العلاقات الأولية والرئيسية فيها.
فكما أن بداية حياة كل شخص تتم بالعلاقة بين المرأة وارجل، كذلك استمرار حياته الاجتماعية والتناسل أيضا لا يتم إلا بتشكيل الأسرة (بالعلاقة بين المرأة والرجل). وعليه فالشاب وفي بداية سن بلوغه تبدأ عنده النزعة للابتعاد عن العائلة والفئوية والتحزب للجنس الموافق، ثم وبعد طيّ هذه المرحلة، يبدأ عنده الشعور الباطني بنوع من الجاذبية والرغبة للجنس المخالف.
أهم حقيقة موجودة في حياة الإنسان هي، علاقته بربه والرابطة الموجودة بينه وبين هذه الحقيقة المطلقة. وهذه الرابطة لا يمكن أن يكون لبعضها دلالة إلا ضمن العلاقات بين الإنسا وسائر الظواهر الأخرى. وأهم ظرف لإقامة العلاقة بين الإنسان وربه وتعزيزها، هي العلاقة بينه وبين أسرته. فمن يسعى وراء تهذيب نفسه وبنائها، فلا مجال أفضل من مجال ارتباطه بأبيه وأمه وزوجته وأولاده؛ يمكن أن يلبي عنده هذه الرغبة. فهذه العلاقة مما تساعد على، تنظيم علاقته بربه وتعزيزها يوما بعد يوم.
وبشكل عام، لا عامل مؤثر في مصير الإنسان وعاقبته أكثر من علاقاته بالآخرين. فعلة كون المرء من أهل جهنم أو من أهل الجنة لابد أن نبحث عنها في علاقاته بالآخرين. وبعبارة أخرى؛ إن العبادات والذنوب الفردية، أقل تأثيرا على مصيره بكثير من العبادات والذنوب الاجتماعية التي تتم في مجال علاقة المرء بغيره.
وكما قلنا سابقا، إن العلاقة بين المرأة والرجل محاطة بأهمية وحساسية خاصة من بين العلاقات الأخرى، فقد أودع الله سبحانه فيها أسرار كثيرة وجعلها من الآيات التي تدلّ على وجوده عزوجل حيث يقول: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ...". فعليه، إن هذه العلاقة تعد من الموارد التي يباهي الله بها خلقه، ومن جهة أخرى، إنها أهم علاقة جعلها الله لكل إنسان لكي يتحقق بها مجال الإمتحان الإلهي وفي النتيجة تتهيأ الأرضية المساعدة على رقي المرء وتشكيل شخصيته.

نجيب الآن على عدة أسئلة حول هذه العلاقة الرئيسية الحساسة:

السؤال الأول: هل تحتاج العلاقات التي لها دور فعال في تهذيب الروحي للإنسان إلى مديرية أم لا؟
يظهر أن وجود المديرية لعلاقات البشر ضرورية ولا أحد ينكر ذك، خصوصا لو سلمنا بأن هذه العلاقات هي مجال تحقق مصير الإنسان وتكوّن شخصيته. لهذا نجد النبي محمد صلى الله عليه وآله يقول ما معناه: لوكنتم في سفر فامروا أحدكم حتى لو كنتم شخصين. فهذه الرواية كأنما تريد بيان هذه الحقيقة، وهي إن تحقق العلاقات الصحيحة للبشر لايمكن أن تتم بدون إدارة وإذا حصلت بدونها فستكون علاقة جافة وهشّة. فعليه لابد لهذه العلاقة التي تحظى بأهمية وحساسية بالغة، من مديرية دقيقة ومدروسة.
السؤال الآخر: إذا كانت العلاقة بين المرأة والرجل تحتاج إلى مديرية، فمن الذي يجب أن يديرها؟ هل يجب على أحدما (المرأة أو الرجل) أخذ هذه الإدارة على عاتقه أو أن الإثنين يمكنهم -بنحو ما- أن يكون لهم دور في هذه المديرية؟
فلابد أن نعيد السؤال بهذه الصيغة: هل عهد الله سبحانه بهذه المديرية لأحد من الناس؟ وبعبارة أخرى، ما هو رأي الدين بأسلوب إدارة العلاقة بين المرأة والرجل؟
فموضوع إدارة العلاقات بين المرأة والرجل والمسؤولية الخطيرة التي تقع على عاتق الإثنين في هذه الإدارة، بحث مهم وأساسي وفي نفس الوقت واسع وله آثار عملية واسعة. وسنتناول هذا البحث بجزئياته ومسائله المتعلقة به في وقته. أما الآن فسنركّز البحث على مسألة اللباس والحجاب الذي هو أحد جوانب الإدارة في هذه العلاقة، رغم أننا سنتطرق من خلال البحث إلى بعض ما يتعلق بسائر جوانب هذه الإدارة، في أثناء الجواب على الأسئلة التي تطرح في البين.

يتبع إن شاء الله...

الرحيق المختوم
13-10-2013, 09:07 AM
الفصل الأول: تعريف الحجاب

أول قدم للدخول في مسألة الحجاب وترشيده وتثقيف الناس عليه، هو تقديم تعريف مقنع لمفهوم الحجاب في حين كونه واقعيا، لا يترك مجال المخالفة للمخاطب من أول خطواته. لذلك نبتدأ هذا الفصل بالتعريف المشهور للحجاب ودراسته وبيان نقاط الضعف والقوة فيه، وكفاءته لزمننا الحاضر، ثم نذكر بعج ذلك ثلاثة تعاريف أو بالأحرى ثلاثة رؤى حول مقولة الحجاب يمكن عدّها البديل عن التعريف المشهور له؛ ولغاية ستر نقاط ضعفه.طبعا، من المحتمل أن نذكر بعض السلبيات الواردة على هذه التعاريف في مقام النقد، رغم أنه مبرّء من السلبيات الواردة على التعريف المشهور.

التعريف الأول: الحجاب حصانة وليس قيد

لا شك في أن الحجاب (سواء للمرأة أو للرجل) يتبعه بعض الحدود والقيود. وبما أن طبيعة الإنسان تفرّ من القيود، نجد بعض الناس يلجأ إلى الإسفار والابتعاد عنه ليتخلص من هذه القيود التي يتحفهم الحجاب بها. ولقد حاول الشهيد المطهري مع علمه بخاصية الإنسان وطبعه (الفرار من القيود) أن يمحو من ذهن المخاطب هذا المرتكز في الأذهان عن الحجاب وأنه قيد، فعبر عنه بأنه حصانة ليمحو عنه هذه الصفة السلبية أي (القيد) وآثارها النفسية.

سلبيات تعريف الحجاب بالحصانة

1- إن هذا التعريف انفعالي

لتوضيح هذا الإشكال يلزم أولا في البداية توضيح معنى الحصانة. فعندما نقول بأن الحجاب يأتي بالحصانة للمرأة، يعني أنه يحفظها من الأخظار. وهذا يعني أن المجتمع مليء بالأخطار التي تحيط المرأة، والحجاب يعتبر حصن ووقاية لها من هذه الأخطار. وبعبارة أخرى، تعريف الحجاب بالحصانة يعني أيتها المرأة! هناك أخطار كثيرة تهددك في المجتمع وإذا التزمت بالحجاب سيصونك من كثير منها. فهذا التعريف وإن كان تعريف صحيح لكنه انفعالي. وللأسف إن نظرتنا بصورة عامة للحجاب، نظرة انفعالية. فهل إن هذه النظرة الإنفعالية لمسألة الحجاب وتعريف الحجاب على أساسها يمكنه أن يُدخل مفهوم الحجاب في أعماق عقولنا وسويداء أرواحنا؟ فعلى الرغم أن الحجاب يأتي معه بالحصانة لكن ينبغي أن نرى هل تعريف الحجاب على أساس هذا الأثر الطبيعي (الحصانة) له استهلاك شامل وواسع أم لا؟ وبعبارة أخرى، هل أن هذا التعريف مفيد لجميع طبقات المجتمع أم لا؟ فلهذا التعريف للحجاب إشكالين أساسيين: الأول إيجاد هذه الرؤية الخاصة وهي إن الإسلام يريد من المسلمين أن يكونوا دائما منفعلين أمام جميع الظواهر. الإشكال الثاني هو عدم انسجام هذا الحكم الإسلامي مع روحية الناس الفعالين الذي يفرون من كل شيء انفعالي. أفلا يصيب هؤلاء الأشخاص الخيبة واليأس من الإسلام عندما يسمعون بهذه الرؤية عن الأحكام الإسلامية؟
فالشباب يسعون دائما وراء الإثارة والنشاط والحماس. لذلك لا ينجذب للدين الإنفعالي. والشاهد على ذلك هو عندما يقال لبعض الفتيات: "إلزمي حجابك حتى يصونك من الأخطار"، تجيب بكل شجاعة: "ليخسأ كل من يحاول أن ينظر لي بنظرة سيئة". أو عندما يقال لها: " إلزمي حجابك حتى لا يتهيج الشباب"، تقول بأسلوب هجومي: "إن هذه مشكلتهم، وليست مشكلتي، حسنا ليغضوا أبصارهم".
فهؤلاء الفتيات يضعن الحجاب جانبا لأنهن لا يحببن أن يكن انفعاليات. فهم قد وقفوا أمام الحجاب باستحكام ويملكون الدافع القوي لإبراز شجاعتهم في ترك الحجاب والإسفار. فوجود شخص واحد من هؤلاء يكفي لإسفار جمع كبير من النساء. لأن من لا يملك الشجاعة لترك الحجاب، يتأثر عندما يرى العقيدة الراسخة في ترك الحجاب لهؤلاء الأفراد، وتحصل لديه الشجاعة على ترك الحجاب أيضا.
وبالطبع، فإن جميع النساء حتى اللاتي يشعرن بالشجاعة، يوجد في باطنهن نوع من الخوف الأنثوي، الذي يمكن أن يدخلهم القلق بسببه. إذ يوجد عندهم الأرضية لهذا القلق ويخافون من الاشتباك بالرجال بسبب ضعفهم الجسمي بالنسبة للرجال. وهذا الخوف يشكل أحد عوامل الحجاب للمرأة ولا يعد نقصا لها. فالمرأة تلجأ للحجاب للتخلص من الثقل الروحي الذي يجره عليها ضعف جسمها بالنسبة للرجل لتشعر بالأمن. نجد الغرب الآن يسعى لكي يجرّد المرأة من هذا الخوف الطبيعي ويخرجها من هذا القلق. لذلك نجد الأفلام التي تعرض في الغرب طالما تحتل المرأة فيه دور رجولي ماما وتحضر فيه بصف الرجال في المشاهد البوليسية الخشنة التي لاتطاق. فهم يلقنون المرأة بعلمهم هذا أن لا تخافي، وأن حياءك بسبب هذا الخوف. فلو كنت تتحجبين بسبب الخوف، ولو كنت تتحاشين مصادقة الرجال بسبب الخوف أيضا، فاطردي عنك الخوف يسهل لك ذلك. في الغرب طالما يدعون المرأة لعرض شجاعتها وإبرازها. فتحاول بعض النساء -على أثر هذه الدعايات- أن تبدي بعض الشجاعات التي يصيبها الضرر على أثرها في النهاية. إذ لا يمكن تغيير هذا الواقع وهو أن المرأة بخلقتها الإلهية أضعف جسما من الرجل. ومن ناحية أخرى، إن الله سبحانه أعطى للرجال إمكانات أخرى يمكنه بها أن يضغط على المرأة من جهات مختلفة. فخوف النساء من الرجال طبيعي ومنطقي ومعقول، ويمكنه أن يشكل دافعا ومحفزا لمن يختار الحجاب للحصانة. مع كل هذا، نحن نحتاج لتعريف فعال عن الحجاب نقدمه لمن لا ترغب بالانفعال، وتسعى اتغطية هذا الخوف الطبيعي.
لذا، فإن تعريف الحجاب بالحصانة، على رغم كونه تعريف صحيح، لكنه ينبغي أن نفتش عن تعريف أفضل منه لوجود حالة الانفعال فيه ولعدم شموليته.

2- وجود الأمثلة النقيضة لهذا التعريف

تعريف الحجاب بالحصانة تعريف جميل، لكنه يفقد الدليل المحكم عليه، لذلك فمن السهولة إمكان عرض الأمثلة النقيضة عليه. فمثلا يذكرون إلى جانب هذا التعريف مثالا وهو، إن المرأة كالوردة، فلو كان الورد في معرض القطف، فمن الطبيعي سيقطفها ظالم ويفرق أوراقها ويتلفها. فهل برأيكم إن هذا المثال مُقنع لمجتمعاتنا في العصر الحاضر؟
كانت هناك مشكلة كبيرة تواجه أمانة العاصمة في طهران مدة من الزمن وهي كيف يمكنهم منع الناس من قطف الزهور المزروعة في الأماكن العامة من العاصمة؟ وأخيرا وصلوا إلى النتيجة وهي أن يزيلوا كل سياج وحصار وضعوه حول أماكن زرع الزهور. ودليلهم هو لنترك الناس يقطفوا ما يشاءون حتى يملّوا من هذا العمل. وحدث ما كان المتوقع، وهو عدم قطف الزهور من قبل الناس. فلو أتى شخص بهذا الاستدلال في مقابل الاستدلال بالحصانة للحجاب ومثال الورد، فهل بإمكان أحد أن يجيبه بجواب مقنع؟

الرحيق المختوم
19-10-2013, 01:51 PM
في سفري مع مجموعة من الأصدقاء لإحدى الدول الأفريقية، دخلنا إلى مطعم لمسلم من لبنان، لكنّا فوجئنا عندما رأينا زوجته غير محجبة. فسأله أحد الأصدقاء الذي كان معنا عن ذلك بكل متانة وبشاشة قائلا: "لماذا لا ترتدي زوجتك الحجاب الإسلامي مع كونك مسلم؟". فأجاب صاحب المطعم: "لأني لم أقتنع لحد الآن بضرورة الحجاب". فذكر له هذا الصديق ضمن عرضه لبعض المطالب عن الحجاب، مثال الورد. فتبسم هذا الرجل اللبناني وقال: "أنا أيضا -لحسن الاتفاق- أعتقد بأن المرأة كالوردة، والورد يستخدم للتزيين والتجميل. لذلك أنا أستغل جمال زوجتي لتزيين المطعم وجلب الزبائن. فبرأيي أن المرأة ليست هي كالوردة فحسب بل هي كالعطر الذي يضعه الناس ليشم عطره الآخرون ويستمتعوا به".
فالدليل الضعيف لهذا الصديق على ضرورة الحجاب، تبدل إلى دليل هذا الشخص اللبناني على ضرورة نزع الحجاب بالنسبة لزوجته. لهذا يقال: "الدفاع السيئ عن شيء، أسوء من عدم الدفاع عنه". فلو تحجبت المرأة على اثر استدلال ضعيف غير مقنع، ستكره الحجاب بعد مدة وتضعه جانبا.
فهذه الأمثلة والأدلة على الحجاب بوسعها أن ترضي من هم من أهل الحجاب ويهمهم كسب رضا الله تبارك وتعالى. لكنه هل يقنع الذين يرون الحجاب ففاقدا لأي توجيه عقلائي؟
ومن جهة أخرى، إن هذا الاستدلال لا يقنع مجتمعاتنا الحاضرة، لأن نساءنا الآن يعيشون باحترام. فحتى لو خرجت بدون حجاب لا يجرأ أحد على التعرض لها. نعم، لو ظهرت المرأة في المجتمعات الغربية بحجاب سيئ (طبعا الحجاب السيئ بالمعنى الغربي له؛ لا المصطلح عليه في وطننا) لا يرحمها الآخرون وستكون بمعرض التعرض بنحو ما. فهنا يمكن القول بأن "الحجاب حصانة"، لكن ليس لهذا التعريف فاعلية في مجتمعاتنا التي للمرأة فيه مكانة عالية.


3- هل المرأة وحدها تحتاج إلى حصانة؟


الاشكال الآخر الذي يتجه لهذا التعريف، هو التقييم الخطأ للحصانة. فللأسف هناك تقييم خاطئ في مجتمعاتنا للمشاكل الموجودة في مجال العلاقات بين المرأة والرجل. فالنظرة المتعارفة في مجتمعنا هي أن المقصر الأصلي في المشكلة التي تظهر في العلاقة بين المرأة والرجل، هو الرجل لا غير. فلماذا نتصور أن كل الأخطار تأتي من الرجال، ونريد من المرأة أن تحفظ نفسها منها؟
قبل عدة سنوات أجري حكم الإعدام على شابين في محلة من مدينة طهران بجرم إقامة الارتباط المحرم مع بنت واحدة. أجري بعد الإعدام مقابلة مع هذه البنت أذيعت في الإذاعة والتلفزيون. كانت البنت ترتدي أثناء المقابلة حجاب شنيع جدا. فليس من المعلوم كيف كان لباسها في الشارع عند ابتعادها عن قيد جهاز تصوير الإذاعة والتلفزيون، حيث طمع فيها هذين الشابين!؟ صحيح أن هذين الشابين كانا متجاوزين وينبغي إعدامهما، لكن إين يذهب ذنب هذه البنت؟ فللأسف لا أحد ينظر لهذه البنت بنظرة المقصر.
يحب الجميع حتى النساء غير المحجبات أن تكون مجتمعاتنا مصونة من الأخظار. لذلك لا أحد يوجه اتهامه للنساء غير المحجبات، لكن بمجرد أن يرتكب الرجل جرما معينا أو يسلك سلوكا غير صحيح، ينهال عليه سيل التهم من كل حدب وصوب. فلا أحد يشك في أن الرجل لابد أن يؤاخذ لو ارتكب معصية كهذه، لكن الكلام هو لماذا لا تُرى إلا معصية الرجل، ولا أحد يلتفت إلى جرم المرأة في هذا المجال؟ إن السفور جريمة. والرجال في اشتباكهم مع غير المحجبات، قد وقعوا في الحقيقة في مواجهة لسلوك إجرامي. فمن الممكن أن يقول أحد: "على الرجل أن يكون عصاميّ" فلو سألناه: "ألا ينبغي على المرأة أن تكون عصامية أيضا؟" فهل المرأة مجازة في أن تفعل ما تشاء؟ هذه هي ثقافتنا الخاطئة الرائجة في مجتمعنا.
فنساءنا مصونات في مجتمعنا أكثر من اللازم. وهذا مما يساعد على إشاعة ثقافة السفور واللاحجاب.
فلو كان الرجال يؤاخذون على سلوكهم الإجرامي، ألا تؤاخذ المرأة أيضا على بعض تصرفاتها كالوسوسة والتريك والخداع وإيقاع الشباب في شراك صيدها؟ نحن لا نريد أن نتحزب للذكورية، وأن نوجه ثقافتنا للدفاع عن الرجل. لكن ثقافة التحزب للأنثوية الخاطئة، والدفاع عن المرأة على كل حال والغض عن تقصيرها خطأ أيضا.


قيود الحجاب


عندما نقول: "الحجاب حصانة لا قيد"، ففي الحقيقة نحن نسعى وراء رفع القيود التي يأتي بها الحجاب والتي لها ثقل سلبي على النفس. لكن هل في الحقيقة إن الحجاب لا يحد من حرية المرأة؟ إن الجواب المنصف لهذا السؤال هو إن الحجاب قد يحد حرية المرأة نوعا ما. وليس من الصحيح أن نعتبر الحجاب لاحد فيه لحرية المرأة. فالمرأة التي تختار الحجاب الإسلامي تتحمل هذه القيود التي تكون المرأة السافرة في غنىً عنها.
ويمكن أن نشبه حجاب المرأة من حيث القيود التي يأتي بها بلباس الرجل الروحاني (العمة والجبة و...) فلباس الرجل الروحاني أيضا فيه نوع من القيود. فمن لبس الزي الروحاني عليه ترك كثير من الأفعال التي يفعلها الآخرون بسهولة.
بعد أن نتقبل القيود التي يفرضها الحجاب على المرأة، لابد أن ندخل في مسألة أخرى وهي كيف يمكن أ، نعرف هذا الحكم الذي يأتي معه بالقيود للناس بحيث ليس يقبلون به ولا يرفضونه فحسب، بل يحبونه بكل قلوبهم؟
أولا، ينبغي القول، إن فرار الناس من الحدود ليست قاعدة كلية وعامة لجميع البشر، بل نجد كثيرا من الناس يستقبل بعض الحدود بسواعد مفتوحة لكي تكون وسيلة لرشده وتكامله المتزايدين. فيمكن القول بأن عامة الناس يفرون من الحدود والقيود، بيد أن الخواص ليسوا كذلك. فكثيرا ما نرى أن الخواص قد يتحمل كثيرا من الحدود في حياته. فعليه لا يلزم أن نقول للخواص: "ليس الحجاب قيد" حتى ينجذب له ويحبه.
ومن جهة أخرى على رغم الحدود والقيود التي يأتي بها الحجاب، لابد من تبيين فلسفة تقبل بعض القيود والحدود وفائدتها. فجميع الناس يستقبلون كثيرا من الحدود المختلفة في حياتهم ويواجهون كثيرا منها في جميع أرجاء حياتهم شاءوا أم أبوا. أليس في السياقة حدود خاصة؟ فهل يمكن لكل أحد أن يسوق في الجانب الذي يرتضيه من الشارع أو بالسرعة التي يريدها؟ أوليس للأكل حدود؟ فهل يمكن للذي يحب الموز أن يأكل علبة كبيرة كاملة في وقت واحد؟ أوليس للملابس حدود؟ فهل يمكن لكل أحد أن يلبس كل مايحب في كل وقت وأوان وفي كل مكان؟ فحياة الإنسان المادية مليئة منذ الأساس بكثير من الحدود التي يرتضيها جميع البشر ولا يعترض عليها أحد. وبعض هذه الحدود يصعب العيش أو لا يمكن بدون تحملها. فعلى سبيل المثال فالإنسان ولأجل صيانة نفسه من الحر والبرد يحد نفسه ببناء مؤلف من أربعة جدران باسم البيت. فهل تجد أحدا يفر من هذا الحد؟ فالبشر يواجهون دائما في حياتهم أشكالا مختلفة من الحدود التي لايمكن العيش بدون التسليم لها. لذلك لايمكن الفرار من الحجاب وعدم القبول به لمجرد كونه يحد الحريات.وبالطبع لو استخدمت كلمة أخرى غير "القيد" حيث تحمل ثقلا أقل على النفس لكان ذلك أفضل. لذلك كان الشهيد المطهري يواجه الذين كانوا يبالغون في وصف حدود الحجاب، بقوله إنه ليس (قيد) حتى لا يترك ذريعة للمغرضين أن يشجعوا الحجاب وضرورته باستغلالهم لهذه الكلمة. لذلك استخدم الشهيد المطهري كلمة أخرى أقل ثقلا على النفس من القيد وهي "الحصانة".