مولى أبي تراب
13-10-2013, 12:56 PM
بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحَمّْدُ للهِ رَبِّ العَاْلَمِيْنَ .. عَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ وَبِهِ نَسْتَعِيْن
وَصَلَّى اللهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْن
-------------------
« قاعدة سوق المسلمين »
من القواعد الفقهية المهمة قاعدة ( سوق المسلمين ) لما لها من ارتباط بحياة المسلمين وواقعهم المعيشي ، لأن نتيجتها الحكم بحلية ما يُشك في حرمته
من اللحوم الموجودة في الأسواق وجواز الأكل منها حتى مع احتمال عدم تذكيتها كما سنوضح إن شاء الله تعالى
معنى القاعدة
طبقاً للشريعة الإسلامية المقدّسة فإنه لا يجوز تناول لحوم الحيوانات المحلّلةِ الأكل الا إذا كانت مذكاة أي ذبحت بطريقة شرعية ، ولا يكفي في ذلك مجرد
الاحتمال بل لابد من الجزم بتذكيتها واليقين من ذبحها بالطريقة الشرعية ، فإن شككنا في حيوانٍ أنه مذكّى أو لا أي ذبح بالطريقة الشرعية أو لا فان
الأصل عدم كونه مذكّى ويُحكم بحرمته ، فلا يجوز أكل لحمه ولا الصلاة بجلده .
وهذه قاعدة فقهية بحد ذاتها تسمى ( أصالة عدم التذكية ) أي عند الشك في التذكية - أي الذبح على الطريقة الشرعية - فان الأصل عدم التذكية
وبالتالي لا يجوز تناول لحم ذلك الحيوان المشكوك التذكية ولا الصلاة بجلده .
لكن يستثنى من ذلك ما لو كان اللحم المشكوك التذكية معروضاً في سوق المسلمين فإنه يُحكم عليه بالتذكية حينئذٍ ويجوز أكل لحمه والصلاة بجلده
فكون أجزاء الحيوان من لحمٍ وجلدٍ مطروحة في سوق المسلمين فهذا يشكّل أمارة وعلامة وقرينة على أن ذلك الحيوان قد جرت عليه التذكية وذبح بطريقة
شرعية وبالتالي فهو حلال وطاهر .
والحاصل : أن كل حيوان قابل للتذكية إذا شككنا في تذكيته وحلّيته فالأصل أنه ليس حلالاً ويعتبر غير مذكى طبقاً لقاعدة أن الأصل عدم التذكية
الا إذا كان موجوداً في سوق المسلمين فإنه حلال وطاهر وذلك طبقاً لقاعدة سوق المسلمين التي تعتبر استثاءاً من قاعدة أصالة عدم التذكية .
وأوضح مثال لذلك محلات القصابين الموجودة في أسواقنا الذين يبيعون لحوم الأغنام والأبقار ونحوها ، فالمشتري يذهب إليهم لشراء اللحم فيجد اللحم
مذبوحاً ومعروضاً للبيع ولم يشهد الذبح ولم يشاهد طريقة الذبح ، فما يدرينا لعل هذه اللحوم لم تذبح بالطريقة الشرعية فحينئذٍ نشك في تذكيتها ، والقاعدة
تقول الأصل عدم التذكية فيما شككنا في تذكيته ، فالمفروض حرمة هذه اللحوم المعروضة في محلات القصابين للشك في تذكيتها ، ولكن نقول بما أنها
موجودة في أسواق المسلمين والبائع لها مسلم فهي مستثناة من قاعدة أصالة عدم التذكية وتدخل في قاعدة سوق المسلمين فيُحكم بحلّيتها وطهارتها لأجل ذلك .
والكلام كله إنما هو في حالة الشك في التذكية أما مع العلم بحالةِ حيوانٍ معين فلا إشكال في حجية ذلك العلم ولا تصل النوبة الى القاعدتين المذكورتين
أعني قاعدة أصالة عدم التذكية وقاعدة سوق المسلمين ، فلو علمنا بأن هذا الحيوان مذكى فهو حلال حتى لو لم يكن في سوق المسلمين ، ولو علمنا
بأنه غير مذكى أي تأكدنا من عدم ذبحه بطريقة شرعية فهو حرام حتى لو كان في سوق المسلمين ، وإنما الكلام كله في حالة الشك .
الروايات الواردة في القاعدة
وقد وردت في هذه القاعدة عدة روايات عن المعصومين عليهم السلام منها :
صحيحة فضيل وزرارة ومحمد بن مسلم وتعرف بصحيحة الفضلاء حيث سألوا أبا جعفر عليه السلام عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يُدرى ما صنع
القصابون ، فقال عليه السلام : ( كُلْ إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه ) الكافي : ج6 ص237 .
و موثقة إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السلام : ( لا بأس بالصلاة في الفِراء اليماني وفيما صُنع في أرض الإسلام ، قلت : فإن كان فيها غير
أهل الإسلام ؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس ) تهذيب الأحكام : ج2 ص368 .
معنى سوق المسلمين
ليس المقصود من سوق المسلمين المعنى العرفي للسوق وهو مجموعة المحلات والدكاكين ، وإنما هذا من باب المثال إذ المقصود أن ما شككنا في تذكيته
فالأصل أنه غير مذكى الا إذا أُخذ من المسلمين ، فإنّ أخْذَه منهم يحصل معه الاطمئنان بالتذكية ، إذن المقصود هو الأخذ من المسلمين ولما كان الغالب
في الأخذ من المسلمين هو الأخذ من السوق الذي يتواجد فيه المسلمون عبر عن المسلمين بسوق المسلمين ولا خصوصية للسوق .
وعلى هذا معنى القاعدة كل حيوان مشكوك التذكية فهو غير مذكى الا إذا أخذ من مسلم سواء كان في الأسواق المتعارفة أو لا كالقصاب الذي محله خارج
السوق فإن اللحم المأخوذ منه محكوم بالتذكية لأنه مأخوذ من مسلم وإن لم يكن في السوق ، وكما لو أهدى لي مسلمٌ لحماً وهكذا .
وعلى هذا فالأخذ من البائع غير المسلم لا يحكم معه بالتذكية وإن كان في سوق المسلمين اذ لا اعتبار لنفس السوق بل الاعتبار للأخذ من المسلم .
اليد المسلمة
وعلى هذا نصل الى نتيجة أوسع مما تقدم وهي كل ما أُخذ من يدِ مسلمٍ فهو محكوم بالتذكية سواء كان بائعاً أو لم يكن ، في سوق المسلمين أو لا ، في
البلاد المسلمة أو لا ، كما لو أهدى مسلمٌ لحماً الى آخر في غير بلاد المسلمين فإنه يحكم بتذكيته ، أو كشراء المسلمين اللحم من بائع مسلم في سوق
الكفار ، فإنه يحكم بالتذكية أيضاً لأنه أُخذ من يدٍ مسلمة وهذا كافٍ للحكم بالتذكية والحلية وإن لم يكن البائع المسلم في سوق المسلمين
بل لو أُخذ الحيوان من كافر قد أخذه من مسلم فإن هذا كاف للحكم بالتذكية أيضاً كما لو استوردت إحدى البلاد غير المسلمة اللحوم أو الجلود من دولة
مسلمة ، لأن سبق يد المسلم عليها يجعلنا نطمئن معه بالتذكية ، وبعبارة أخرى هو لحم مأخوذ من مسلم غاية الأمر أن الأخذ منه لم يكن بشكل مباشر بل
بتوسط الكافر وهو غير ضائر .
كما أنه لو أُخذ من يدِ مسلم قد أخذه من كافر لم يحكم معه بالتذكية كما في استيراد المسلمين اللحوم والجلود من غير المسلمين ، فنذهب الى سوق
المسلمين لنشتري من بائع مسلم لحماً مستورداً من بلاد كافرة فحينئذٍ لا يكفي الأخذ المباشر من المسلم في الحكم بالتذكية ، لأن الأخذ في الحقيقة كان من
كافر غاية الأمر أنه بتوسط المسلم .
وعليه فالحكم بالحلية يدور مدار صدق الأخذ من يد المسلم سواء كان الأخذ منها بشكل مباشر أو لا .
ما المقصود من المسلم ؟
قلنا أن المقصود من سوق المسلمين المسلمون أنفسهم ، وعليه فالمعنى أن الأصل عدم التذكية الا ما أُخذ من مسلم ، ولكن ليس المقصود كل مسلم
كيفما اتفق ، وبعبارة أخرى ليس كل من شهد الشهادتين كان الأخذ منه كافياً للحكم بالتذكية ، بل المقصود المسلم المتشرع الملتزم بتطبيق شرائط التذكية ،
المهتم بحلية الذبائح وإن لم يكن ملتزماً بالواجبات الأخرى
وعليه فلا يكفي في حلية ما شُك في تذكيته أن يؤخذ من مسلم لا يبالي بحلية الذبائح ولا يهتم بشرائط التذكية ، فلو علمنا أن هذا القصاب ممن لا يلتزم
بالذبح الشرعي ، أو ثبت ذلك عليه ولو في مرة فحينئذٍ لا نحكم بحلية ما بيده في كل مرة ، ولو ثبت أن مطعماً مثلاً قدّم لزبائنه لحماً غير مذكى ولو في
مرة كان ذلك سبباً لعدم الحكم بتذكية كل ما يقدمه في كل مرة الا أن ترتفع حالة الشك .
والسر في ذلك أن الشريعة الإسلامية إنما استثنت الأخذ من المسلم من الحكم بعدم التذكية عند الشك فيها باعتبار أن المسلم ملتزم بالتذكية ومهتم بها
وهذا يورث الاطمئنان بتذكية ما أُخذ من يده ، وكأن الشارع يقول لنا لا داعي للشك في التذكية إذا أخذتم اللحوم من المسلمين واشتريتموها من أسواقهم
لأن المسلمين ملتزمون غالباً بالتذكية ومهتمون بحلية الذبائح بحيث يحصل الاطمئنان النوعي بالتذكية عند التعامل معهم
إذن الكلام عن المسلمين الملتزمين فإذا أخذت اللحوم من المسلمين غير الملتزمين الذين لا يبالون بتذكية الذبائح وحليتها وطهارتها فضلاً عما إذا ثبت
ذلك عنهم ولو في مرة ، فحينئذٍ لا يحصل الاطمئنان بتذكية ما يؤخذ منهم ويبقى الشك في التذكية موجوداً ، وقلنا كل ما كان الشك في التذكية موجوداً
فالأصل عدم التذكية ولم يحصل الاطمئنان بالتذكية بحيث يمكن الخروج معه من هذا الأصل ، وبعبارة أخرى لا فرق بين المسلم غير الملتزم بالتذكية
وغير المبالي بها وبين الكافر من هذه الناحية فكما لا نطمئن بتذكية الكافر لأنه لا يهتم بها فكذا لا نطمئن بتذكية هذا المسلم غير المبالي .
وإذا شككنا في مسلم أنه ممن يلتزم بشرائط التذكية أو هو ممن لا يبالون بها فحينئذٍ نبني على أنه ممن يهتم بذلك لأن غالب المسلمين كذلك ، إذن يختص
الكلام بما إذا علمنا عدم مبالاة المسلم أو حصل لنا الاطمئنان بذلك فحينئذٍ لا نطبق في حقه قاعدة سوق المسلمين ويد المسلم وأما مع الشك في حال
مسلم فالقاعدة سارية المفعول ولا مانع من تطبيقها ، بل هذا هو موردها .
إذن : كل ما شك في تذكيته فالأصل أنه غير مذكى الا إذا أُخذ من يدِ مسلم ، ما لم يُعلم بعدم مبالاته بشرائط التذكية ، وبعبارة أخرى : لا بد أن نفترض في
المسلم الالتزام والتقيّد بالتعاليم الشرعية وكون المسلمين الموجودين في السوق مبالين بالتعاليم الإلهية حتى نطبق هذه القاعدة ، لأن ذلك هو مقتضى
نكتة استثناء الأخذ من يد المسلم وسوق المسلمين من قاعدة أصالة عدم التذكية .
ويترتب على ذلك :
1. لا يكفي للحكم بالتذكية كون السوق في بلاد المسلمين ما لم يكن كل أو أغلب مَن في السوق من المسلمين وأن الطابع العام هو الإسلام ، فلو دخلنا
الى سوق في إحدى البلاد المسلمة وكان أكثر من فيه من غير المسلمين لم يحكم بتذكية ما يؤخذ من أيديهم من اللحوم والجلود ، لما قلنا بأن المناط هو
الأخذ من يد المسلم ولم يذكر السوق بما هو سوق بل لما فيه من مسلمين فإذا لم يكن من فيه مسلمين لم يكفِ ذلك للحكم بالتذكية .
2. إن الأخذ من يد المسلم أو من سوق المسلمين إنما يكون مجدياً في الحكم بالتذكية حيث لا يُعلم عدم مبالاتهم بها ، وأما إذا علمنا أنهم لا يبالون
بأحكام الذبائح والتذكية فلا يصح الحكم بالتذكية وإن كانوا مسلمين ، كما لو علمنا أن قصاباً معيناً في السوق لا يهتم للذبح الشرعي ولا يمانع من بيع ما
مات مثلاً قبل إدراك ذبحه فإنه لا يجوز الشراء منه لمجرد أنه مسلم ، ومن ذلك التجار المسلمون الذين يستوردون اللحوم والجلود من البلاد غير المسلمة
من غير مبالاة بتذكيتها وكلُّ همّهم الربح المادي ، كأكثر المحلات التي تبيع اللحوم والأسماك والدجاج المستورد من غير المسلمين فلا يجوز الشراء منهم
بحجة يد المسلم ، وذلك للعلم بعدم اهتمام هؤلاء بالتذكية ، ولذا يقال إن اللحوم المستوردة من البلاد غير المسلمة لا يجوز شراؤها مع أن البائع لها مسلم
وذلك لأنها في الحقيقة مأخوذة من كافر والمسلم مجرد واسطة ومستورد كما تقدم ، الا أن يُعلم بأن المستورد اهتم بالتذكية وتفحّص حال البضاعة وحصل
له الجزم أو الاطمئنان بالتذكية وأن الجهة الكافرة التي استورد منها تراعي المسلمين وتذبح لهم بالطريقة الشرعية فعلاً كما يدّعون ويكتبون على منتجاتهم
بأنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية فإذا تفحّص المستورد ووقف على صدق دعواهم هذه ثم استورد منهم البضاعة جاز لنا الاعتماد عليه ويجوز الشراء
منه ، لكن هذا فرض نادر إن لم يكن منعدماً .
شرط آخر في المسلم
قلنا إن مشكوك التذكية إذا أخذ من يد المسلم يحكم بتذكيته ولكن بشرط أن يكون المسلم ممن يهتم بالتذكية لا ممن لا يبالي بها ، وهناك شرط آخر وهو
أن ما بيد المسلم يحكم بتذكيته إذا كان المسلم يريد التصرف فيه تصرفاً مشروط بالتذكية شرعاً لا مطلقاً ، ولتوضيح هذا الشرط نقول هناك حالتان : فاللحم
مثلاً تارة يوجد في يد المسلم ويريد أكله أو بيعه مثلاً لمن يأكله من المسلمين ، وتارة يوجد في يده لأجل أن يطعمه للحيوان مثلاً ، فإنما نحكم بتذكية اللحم
الذي في يده باعتباره مسلماً في الحالة الأولى دون الثانية ، لأن الحالة الأولى يشترط التذكية فيها شرعاً فيقال هذا المسلم ما أخذ هذا اللحم ليأكله أو
يبيعه من مسلم الا لإنه مذكى شرعاً لأنه مسلم لا يأكل غير المذكى فيحصل عندنا اطمئنان بتذكية اللحم الذي في يده ، أما في الحالة الثانية فلا نحكم
بالتذكية لأنه لا يشترط شرعاً تذكية اللحم عند إطعامه للحيوان فلا نستطيع أن نقول هذا المسلم لم يأخذ اللحم ليطعمه الحيوان الا بعد أن أحرز التذكية
فهنا نحتمل أنه أطعمه الحيوان لأنه غير مذكى وهذا لا يخالف إسلامه ، بخلاف ما لو أراد أكله أو بيعه للمسلمين فإن كونه غير مذكى يخالف إسلامه
فنبني على أنه مذكى لأن المفروض أنه مسلم ملتزم بالذبح الشرعي .
ومثال آخر / إذا كان بيد مسلم حزام من جلد حيوان فتارة يريد الصلاة به وأخرى يريد أن يربط به شيئاً مثلاً ، فإنما نحكم بأن الحزام من جلد حيوان مذكى
في الحالة الأولى دون الحالة الثانية ، لأنه في الأولى يصح أن نقول ما أراد الصلاة به الا بعد أن أحرز تذكيته لأنه مسلم والصلاة به من دون تذكية
مخالف لإسلامه ، أما في حالة الربط به فيمكن أن يكون أراد الربط به وإن لم يحرز تذكيته لعدم اشتراط التذكية في الربط بالحزام ، فافتراض استعماله الحزام
للربط وهو غير مذكى لا يخالف إسلامه والتزامه بالتذكية ، فلا نستطيع أن نقول لو لم يكن مذكى لما استعمله في الربط به مثلاً .
والخلاصة / قاعدة سوق المسلمين تقول هذا اللحم أو الجلد في يد المسلم مذكى لأنه لو لم يكن مذكى لما استعمله المسلم ، لكن هذا إذا أراد استعماله
فيما يشترط فيه التذكية شرعاً كالأكل ، أما إذا أراد استعماله فيما لا يشترط فيه الشارع التذكية كإطعام الحيوان أو كوقود أو غير ذلك فهنا لا تجري القاعدة
ولا يقال أنه ما دام مسلماً فما بيده مذكى .
لا فرق بين فرق المسلمين
لا تختص أماريّة سوق المسلمين على تحقق التذكية الشرعية بما إذا كان الموجودون في السوق خصوص الشيعة الإمامية ، بل تعم جميع مذاهب
المسلمين حتى مع قولهم بطهارة الميتة بالدبغ وحلية ذبائح أهل الكتاب فسواء كان بائع اللحم أو الجلد إماميّاً أم مخالفاً فما يشترى منه محكوم بالتذكية
لكفاية كونه مسلماً ما دام الشرط المتقدم متحققاً وهو أنه ليس ممن لا يبالي بأحكام التذكية .
ما صنع في أرض الإسلام
ما يصنع من الجلود الطبيعية الحيوانية كالأحزمة والأحذية والحقائب والملابس إذا تيقنّا بتذكية الحيوان الذي صُنعت من جلده حكمنا عليها بالطهارة لطهارة
الجلد التي صنعت منه بالتذكية وبالتالي تجوز الصلاة فيها ، وإذا تأكدنا أن الحيوان غير مذكى فهو ميتة فجلده نجس وبالتالي يحكم بنجاسة كل ما صنع
منه فلا تجوز الصلاة فيه ، أما إذا شككنا في التذكية فهل يحكم بالتذكية وبالتالي طهارة هذه الأمور أم يحكم بعدم التذكية وبالتالي نجاسة الجلد وما صنع منه ؟
الجواب / القاعدة هي أن الأصل عدم التذكية في كل مورد نشك فيه بالتذكية كما تقدم ، الا أنه يستثنى من ذلك ما إذا كانت هذه الأمور قد صنعت في بلاد
مسلمة فإنه يحكم بطهارتها للحكم بتذكية الحيوان وطهارة جلده حينئذ ، وهو معنى ما يقال إذا كانت مستوردة من بلاد مسلمة فهي حلال وإذا كانت
مستوردة من بلاد كافرة فهي حرام ، وذلك لأن الأصل عدم التذكية ، استثني من ذلك ما صُنع في بلاد الإسلام للنكتة السابقة وهي الاطمئنان باهتمام
المسلمين بذبح الحيوان بالطريقة الشرعية فيرتفع الشك بالتذكية ، والدليل على هذا الاستثناء الروايات منها ما تقدم وهي موثقة إسحاق بن عمار عن العبد
الصالح عليه السلام : ( لا بأس بالصلاة في الفِراء اليماني وفيما صُنع في أرض الإسلام ، قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام ؟ قال : إذا كان الغالب
عليها المسلمين فلا بأس ) تهذيب الأحكام : ج2 ص368 .
ويلحق بما صنع في أرض الإسلام ما وجد مطروحاً في أرض الإسلام وبلاد المسلمين فإنه يحكم بتذكيته إذا لم يعلم محل صنعه .
الحَمّْدُ للهِ رَبِّ العَاْلَمِيْنَ .. عَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ وَبِهِ نَسْتَعِيْن
وَصَلَّى اللهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْن
-------------------
« قاعدة سوق المسلمين »
من القواعد الفقهية المهمة قاعدة ( سوق المسلمين ) لما لها من ارتباط بحياة المسلمين وواقعهم المعيشي ، لأن نتيجتها الحكم بحلية ما يُشك في حرمته
من اللحوم الموجودة في الأسواق وجواز الأكل منها حتى مع احتمال عدم تذكيتها كما سنوضح إن شاء الله تعالى
معنى القاعدة
طبقاً للشريعة الإسلامية المقدّسة فإنه لا يجوز تناول لحوم الحيوانات المحلّلةِ الأكل الا إذا كانت مذكاة أي ذبحت بطريقة شرعية ، ولا يكفي في ذلك مجرد
الاحتمال بل لابد من الجزم بتذكيتها واليقين من ذبحها بالطريقة الشرعية ، فإن شككنا في حيوانٍ أنه مذكّى أو لا أي ذبح بالطريقة الشرعية أو لا فان
الأصل عدم كونه مذكّى ويُحكم بحرمته ، فلا يجوز أكل لحمه ولا الصلاة بجلده .
وهذه قاعدة فقهية بحد ذاتها تسمى ( أصالة عدم التذكية ) أي عند الشك في التذكية - أي الذبح على الطريقة الشرعية - فان الأصل عدم التذكية
وبالتالي لا يجوز تناول لحم ذلك الحيوان المشكوك التذكية ولا الصلاة بجلده .
لكن يستثنى من ذلك ما لو كان اللحم المشكوك التذكية معروضاً في سوق المسلمين فإنه يُحكم عليه بالتذكية حينئذٍ ويجوز أكل لحمه والصلاة بجلده
فكون أجزاء الحيوان من لحمٍ وجلدٍ مطروحة في سوق المسلمين فهذا يشكّل أمارة وعلامة وقرينة على أن ذلك الحيوان قد جرت عليه التذكية وذبح بطريقة
شرعية وبالتالي فهو حلال وطاهر .
والحاصل : أن كل حيوان قابل للتذكية إذا شككنا في تذكيته وحلّيته فالأصل أنه ليس حلالاً ويعتبر غير مذكى طبقاً لقاعدة أن الأصل عدم التذكية
الا إذا كان موجوداً في سوق المسلمين فإنه حلال وطاهر وذلك طبقاً لقاعدة سوق المسلمين التي تعتبر استثاءاً من قاعدة أصالة عدم التذكية .
وأوضح مثال لذلك محلات القصابين الموجودة في أسواقنا الذين يبيعون لحوم الأغنام والأبقار ونحوها ، فالمشتري يذهب إليهم لشراء اللحم فيجد اللحم
مذبوحاً ومعروضاً للبيع ولم يشهد الذبح ولم يشاهد طريقة الذبح ، فما يدرينا لعل هذه اللحوم لم تذبح بالطريقة الشرعية فحينئذٍ نشك في تذكيتها ، والقاعدة
تقول الأصل عدم التذكية فيما شككنا في تذكيته ، فالمفروض حرمة هذه اللحوم المعروضة في محلات القصابين للشك في تذكيتها ، ولكن نقول بما أنها
موجودة في أسواق المسلمين والبائع لها مسلم فهي مستثناة من قاعدة أصالة عدم التذكية وتدخل في قاعدة سوق المسلمين فيُحكم بحلّيتها وطهارتها لأجل ذلك .
والكلام كله إنما هو في حالة الشك في التذكية أما مع العلم بحالةِ حيوانٍ معين فلا إشكال في حجية ذلك العلم ولا تصل النوبة الى القاعدتين المذكورتين
أعني قاعدة أصالة عدم التذكية وقاعدة سوق المسلمين ، فلو علمنا بأن هذا الحيوان مذكى فهو حلال حتى لو لم يكن في سوق المسلمين ، ولو علمنا
بأنه غير مذكى أي تأكدنا من عدم ذبحه بطريقة شرعية فهو حرام حتى لو كان في سوق المسلمين ، وإنما الكلام كله في حالة الشك .
الروايات الواردة في القاعدة
وقد وردت في هذه القاعدة عدة روايات عن المعصومين عليهم السلام منها :
صحيحة فضيل وزرارة ومحمد بن مسلم وتعرف بصحيحة الفضلاء حيث سألوا أبا جعفر عليه السلام عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يُدرى ما صنع
القصابون ، فقال عليه السلام : ( كُلْ إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه ) الكافي : ج6 ص237 .
و موثقة إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السلام : ( لا بأس بالصلاة في الفِراء اليماني وفيما صُنع في أرض الإسلام ، قلت : فإن كان فيها غير
أهل الإسلام ؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس ) تهذيب الأحكام : ج2 ص368 .
معنى سوق المسلمين
ليس المقصود من سوق المسلمين المعنى العرفي للسوق وهو مجموعة المحلات والدكاكين ، وإنما هذا من باب المثال إذ المقصود أن ما شككنا في تذكيته
فالأصل أنه غير مذكى الا إذا أُخذ من المسلمين ، فإنّ أخْذَه منهم يحصل معه الاطمئنان بالتذكية ، إذن المقصود هو الأخذ من المسلمين ولما كان الغالب
في الأخذ من المسلمين هو الأخذ من السوق الذي يتواجد فيه المسلمون عبر عن المسلمين بسوق المسلمين ولا خصوصية للسوق .
وعلى هذا معنى القاعدة كل حيوان مشكوك التذكية فهو غير مذكى الا إذا أخذ من مسلم سواء كان في الأسواق المتعارفة أو لا كالقصاب الذي محله خارج
السوق فإن اللحم المأخوذ منه محكوم بالتذكية لأنه مأخوذ من مسلم وإن لم يكن في السوق ، وكما لو أهدى لي مسلمٌ لحماً وهكذا .
وعلى هذا فالأخذ من البائع غير المسلم لا يحكم معه بالتذكية وإن كان في سوق المسلمين اذ لا اعتبار لنفس السوق بل الاعتبار للأخذ من المسلم .
اليد المسلمة
وعلى هذا نصل الى نتيجة أوسع مما تقدم وهي كل ما أُخذ من يدِ مسلمٍ فهو محكوم بالتذكية سواء كان بائعاً أو لم يكن ، في سوق المسلمين أو لا ، في
البلاد المسلمة أو لا ، كما لو أهدى مسلمٌ لحماً الى آخر في غير بلاد المسلمين فإنه يحكم بتذكيته ، أو كشراء المسلمين اللحم من بائع مسلم في سوق
الكفار ، فإنه يحكم بالتذكية أيضاً لأنه أُخذ من يدٍ مسلمة وهذا كافٍ للحكم بالتذكية والحلية وإن لم يكن البائع المسلم في سوق المسلمين
بل لو أُخذ الحيوان من كافر قد أخذه من مسلم فإن هذا كاف للحكم بالتذكية أيضاً كما لو استوردت إحدى البلاد غير المسلمة اللحوم أو الجلود من دولة
مسلمة ، لأن سبق يد المسلم عليها يجعلنا نطمئن معه بالتذكية ، وبعبارة أخرى هو لحم مأخوذ من مسلم غاية الأمر أن الأخذ منه لم يكن بشكل مباشر بل
بتوسط الكافر وهو غير ضائر .
كما أنه لو أُخذ من يدِ مسلم قد أخذه من كافر لم يحكم معه بالتذكية كما في استيراد المسلمين اللحوم والجلود من غير المسلمين ، فنذهب الى سوق
المسلمين لنشتري من بائع مسلم لحماً مستورداً من بلاد كافرة فحينئذٍ لا يكفي الأخذ المباشر من المسلم في الحكم بالتذكية ، لأن الأخذ في الحقيقة كان من
كافر غاية الأمر أنه بتوسط المسلم .
وعليه فالحكم بالحلية يدور مدار صدق الأخذ من يد المسلم سواء كان الأخذ منها بشكل مباشر أو لا .
ما المقصود من المسلم ؟
قلنا أن المقصود من سوق المسلمين المسلمون أنفسهم ، وعليه فالمعنى أن الأصل عدم التذكية الا ما أُخذ من مسلم ، ولكن ليس المقصود كل مسلم
كيفما اتفق ، وبعبارة أخرى ليس كل من شهد الشهادتين كان الأخذ منه كافياً للحكم بالتذكية ، بل المقصود المسلم المتشرع الملتزم بتطبيق شرائط التذكية ،
المهتم بحلية الذبائح وإن لم يكن ملتزماً بالواجبات الأخرى
وعليه فلا يكفي في حلية ما شُك في تذكيته أن يؤخذ من مسلم لا يبالي بحلية الذبائح ولا يهتم بشرائط التذكية ، فلو علمنا أن هذا القصاب ممن لا يلتزم
بالذبح الشرعي ، أو ثبت ذلك عليه ولو في مرة فحينئذٍ لا نحكم بحلية ما بيده في كل مرة ، ولو ثبت أن مطعماً مثلاً قدّم لزبائنه لحماً غير مذكى ولو في
مرة كان ذلك سبباً لعدم الحكم بتذكية كل ما يقدمه في كل مرة الا أن ترتفع حالة الشك .
والسر في ذلك أن الشريعة الإسلامية إنما استثنت الأخذ من المسلم من الحكم بعدم التذكية عند الشك فيها باعتبار أن المسلم ملتزم بالتذكية ومهتم بها
وهذا يورث الاطمئنان بتذكية ما أُخذ من يده ، وكأن الشارع يقول لنا لا داعي للشك في التذكية إذا أخذتم اللحوم من المسلمين واشتريتموها من أسواقهم
لأن المسلمين ملتزمون غالباً بالتذكية ومهتمون بحلية الذبائح بحيث يحصل الاطمئنان النوعي بالتذكية عند التعامل معهم
إذن الكلام عن المسلمين الملتزمين فإذا أخذت اللحوم من المسلمين غير الملتزمين الذين لا يبالون بتذكية الذبائح وحليتها وطهارتها فضلاً عما إذا ثبت
ذلك عنهم ولو في مرة ، فحينئذٍ لا يحصل الاطمئنان بتذكية ما يؤخذ منهم ويبقى الشك في التذكية موجوداً ، وقلنا كل ما كان الشك في التذكية موجوداً
فالأصل عدم التذكية ولم يحصل الاطمئنان بالتذكية بحيث يمكن الخروج معه من هذا الأصل ، وبعبارة أخرى لا فرق بين المسلم غير الملتزم بالتذكية
وغير المبالي بها وبين الكافر من هذه الناحية فكما لا نطمئن بتذكية الكافر لأنه لا يهتم بها فكذا لا نطمئن بتذكية هذا المسلم غير المبالي .
وإذا شككنا في مسلم أنه ممن يلتزم بشرائط التذكية أو هو ممن لا يبالون بها فحينئذٍ نبني على أنه ممن يهتم بذلك لأن غالب المسلمين كذلك ، إذن يختص
الكلام بما إذا علمنا عدم مبالاة المسلم أو حصل لنا الاطمئنان بذلك فحينئذٍ لا نطبق في حقه قاعدة سوق المسلمين ويد المسلم وأما مع الشك في حال
مسلم فالقاعدة سارية المفعول ولا مانع من تطبيقها ، بل هذا هو موردها .
إذن : كل ما شك في تذكيته فالأصل أنه غير مذكى الا إذا أُخذ من يدِ مسلم ، ما لم يُعلم بعدم مبالاته بشرائط التذكية ، وبعبارة أخرى : لا بد أن نفترض في
المسلم الالتزام والتقيّد بالتعاليم الشرعية وكون المسلمين الموجودين في السوق مبالين بالتعاليم الإلهية حتى نطبق هذه القاعدة ، لأن ذلك هو مقتضى
نكتة استثناء الأخذ من يد المسلم وسوق المسلمين من قاعدة أصالة عدم التذكية .
ويترتب على ذلك :
1. لا يكفي للحكم بالتذكية كون السوق في بلاد المسلمين ما لم يكن كل أو أغلب مَن في السوق من المسلمين وأن الطابع العام هو الإسلام ، فلو دخلنا
الى سوق في إحدى البلاد المسلمة وكان أكثر من فيه من غير المسلمين لم يحكم بتذكية ما يؤخذ من أيديهم من اللحوم والجلود ، لما قلنا بأن المناط هو
الأخذ من يد المسلم ولم يذكر السوق بما هو سوق بل لما فيه من مسلمين فإذا لم يكن من فيه مسلمين لم يكفِ ذلك للحكم بالتذكية .
2. إن الأخذ من يد المسلم أو من سوق المسلمين إنما يكون مجدياً في الحكم بالتذكية حيث لا يُعلم عدم مبالاتهم بها ، وأما إذا علمنا أنهم لا يبالون
بأحكام الذبائح والتذكية فلا يصح الحكم بالتذكية وإن كانوا مسلمين ، كما لو علمنا أن قصاباً معيناً في السوق لا يهتم للذبح الشرعي ولا يمانع من بيع ما
مات مثلاً قبل إدراك ذبحه فإنه لا يجوز الشراء منه لمجرد أنه مسلم ، ومن ذلك التجار المسلمون الذين يستوردون اللحوم والجلود من البلاد غير المسلمة
من غير مبالاة بتذكيتها وكلُّ همّهم الربح المادي ، كأكثر المحلات التي تبيع اللحوم والأسماك والدجاج المستورد من غير المسلمين فلا يجوز الشراء منهم
بحجة يد المسلم ، وذلك للعلم بعدم اهتمام هؤلاء بالتذكية ، ولذا يقال إن اللحوم المستوردة من البلاد غير المسلمة لا يجوز شراؤها مع أن البائع لها مسلم
وذلك لأنها في الحقيقة مأخوذة من كافر والمسلم مجرد واسطة ومستورد كما تقدم ، الا أن يُعلم بأن المستورد اهتم بالتذكية وتفحّص حال البضاعة وحصل
له الجزم أو الاطمئنان بالتذكية وأن الجهة الكافرة التي استورد منها تراعي المسلمين وتذبح لهم بالطريقة الشرعية فعلاً كما يدّعون ويكتبون على منتجاتهم
بأنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية فإذا تفحّص المستورد ووقف على صدق دعواهم هذه ثم استورد منهم البضاعة جاز لنا الاعتماد عليه ويجوز الشراء
منه ، لكن هذا فرض نادر إن لم يكن منعدماً .
شرط آخر في المسلم
قلنا إن مشكوك التذكية إذا أخذ من يد المسلم يحكم بتذكيته ولكن بشرط أن يكون المسلم ممن يهتم بالتذكية لا ممن لا يبالي بها ، وهناك شرط آخر وهو
أن ما بيد المسلم يحكم بتذكيته إذا كان المسلم يريد التصرف فيه تصرفاً مشروط بالتذكية شرعاً لا مطلقاً ، ولتوضيح هذا الشرط نقول هناك حالتان : فاللحم
مثلاً تارة يوجد في يد المسلم ويريد أكله أو بيعه مثلاً لمن يأكله من المسلمين ، وتارة يوجد في يده لأجل أن يطعمه للحيوان مثلاً ، فإنما نحكم بتذكية اللحم
الذي في يده باعتباره مسلماً في الحالة الأولى دون الثانية ، لأن الحالة الأولى يشترط التذكية فيها شرعاً فيقال هذا المسلم ما أخذ هذا اللحم ليأكله أو
يبيعه من مسلم الا لإنه مذكى شرعاً لأنه مسلم لا يأكل غير المذكى فيحصل عندنا اطمئنان بتذكية اللحم الذي في يده ، أما في الحالة الثانية فلا نحكم
بالتذكية لأنه لا يشترط شرعاً تذكية اللحم عند إطعامه للحيوان فلا نستطيع أن نقول هذا المسلم لم يأخذ اللحم ليطعمه الحيوان الا بعد أن أحرز التذكية
فهنا نحتمل أنه أطعمه الحيوان لأنه غير مذكى وهذا لا يخالف إسلامه ، بخلاف ما لو أراد أكله أو بيعه للمسلمين فإن كونه غير مذكى يخالف إسلامه
فنبني على أنه مذكى لأن المفروض أنه مسلم ملتزم بالذبح الشرعي .
ومثال آخر / إذا كان بيد مسلم حزام من جلد حيوان فتارة يريد الصلاة به وأخرى يريد أن يربط به شيئاً مثلاً ، فإنما نحكم بأن الحزام من جلد حيوان مذكى
في الحالة الأولى دون الحالة الثانية ، لأنه في الأولى يصح أن نقول ما أراد الصلاة به الا بعد أن أحرز تذكيته لأنه مسلم والصلاة به من دون تذكية
مخالف لإسلامه ، أما في حالة الربط به فيمكن أن يكون أراد الربط به وإن لم يحرز تذكيته لعدم اشتراط التذكية في الربط بالحزام ، فافتراض استعماله الحزام
للربط وهو غير مذكى لا يخالف إسلامه والتزامه بالتذكية ، فلا نستطيع أن نقول لو لم يكن مذكى لما استعمله في الربط به مثلاً .
والخلاصة / قاعدة سوق المسلمين تقول هذا اللحم أو الجلد في يد المسلم مذكى لأنه لو لم يكن مذكى لما استعمله المسلم ، لكن هذا إذا أراد استعماله
فيما يشترط فيه التذكية شرعاً كالأكل ، أما إذا أراد استعماله فيما لا يشترط فيه الشارع التذكية كإطعام الحيوان أو كوقود أو غير ذلك فهنا لا تجري القاعدة
ولا يقال أنه ما دام مسلماً فما بيده مذكى .
لا فرق بين فرق المسلمين
لا تختص أماريّة سوق المسلمين على تحقق التذكية الشرعية بما إذا كان الموجودون في السوق خصوص الشيعة الإمامية ، بل تعم جميع مذاهب
المسلمين حتى مع قولهم بطهارة الميتة بالدبغ وحلية ذبائح أهل الكتاب فسواء كان بائع اللحم أو الجلد إماميّاً أم مخالفاً فما يشترى منه محكوم بالتذكية
لكفاية كونه مسلماً ما دام الشرط المتقدم متحققاً وهو أنه ليس ممن لا يبالي بأحكام التذكية .
ما صنع في أرض الإسلام
ما يصنع من الجلود الطبيعية الحيوانية كالأحزمة والأحذية والحقائب والملابس إذا تيقنّا بتذكية الحيوان الذي صُنعت من جلده حكمنا عليها بالطهارة لطهارة
الجلد التي صنعت منه بالتذكية وبالتالي تجوز الصلاة فيها ، وإذا تأكدنا أن الحيوان غير مذكى فهو ميتة فجلده نجس وبالتالي يحكم بنجاسة كل ما صنع
منه فلا تجوز الصلاة فيه ، أما إذا شككنا في التذكية فهل يحكم بالتذكية وبالتالي طهارة هذه الأمور أم يحكم بعدم التذكية وبالتالي نجاسة الجلد وما صنع منه ؟
الجواب / القاعدة هي أن الأصل عدم التذكية في كل مورد نشك فيه بالتذكية كما تقدم ، الا أنه يستثنى من ذلك ما إذا كانت هذه الأمور قد صنعت في بلاد
مسلمة فإنه يحكم بطهارتها للحكم بتذكية الحيوان وطهارة جلده حينئذ ، وهو معنى ما يقال إذا كانت مستوردة من بلاد مسلمة فهي حلال وإذا كانت
مستوردة من بلاد كافرة فهي حرام ، وذلك لأن الأصل عدم التذكية ، استثني من ذلك ما صُنع في بلاد الإسلام للنكتة السابقة وهي الاطمئنان باهتمام
المسلمين بذبح الحيوان بالطريقة الشرعية فيرتفع الشك بالتذكية ، والدليل على هذا الاستثناء الروايات منها ما تقدم وهي موثقة إسحاق بن عمار عن العبد
الصالح عليه السلام : ( لا بأس بالصلاة في الفِراء اليماني وفيما صُنع في أرض الإسلام ، قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام ؟ قال : إذا كان الغالب
عليها المسلمين فلا بأس ) تهذيب الأحكام : ج2 ص368 .
ويلحق بما صنع في أرض الإسلام ما وجد مطروحاً في أرض الإسلام وبلاد المسلمين فإنه يحكم بتذكيته إذا لم يعلم محل صنعه .