المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقائق الظهور المبارك.. حقيقة ظهور المسيح آخر الزمان ..


س البغدادي
16-10-2013, 01:17 PM
تذهب النصوص التي تتكلم عن المهدي المنتظر، إلى أن روح الله عيسى بن مريم
(ينزل فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب). وعلى الرغم من ورود الإخبار عن ظهور السيد المسيح آخر الزمان في مصادر حديث موثوقة للفريقين، إلا أن هذا لا يمنع من نقاشه نقاشاً أكاديمياً تجريدياً.. فضلا عن أننا نجد الروايات والأحاديث بهذا الخصوص جاءت تأويلات وتفسيرات غير دقيقة لآيات قرآنية. وقد طرح السيد المسيح (ع) شخصية لآخر الزمان، مرة مع الإمام المهدي (ع) ومرة بديلاً منه. والرواية على حالتين متناقضتين تعدّ أول تناقض في الموضوع، فهو لم يروَ على وجهة واحدة متفق عليها. وفي الوجهة الأولى نرى المسيح عيسى بن مريم مقحماً على الإمام المهدي اقحاماً، فهو شخصية ثانوية تابعة لشخصية المهدي المتبوعة. والذي يدعو إلى التساؤل كيف يصلي نبي خلف إمام؟ والنبي درجة أعلى ومكانة أخص، فالنبي أصل في الدين (أصول كل دين ثلاثة: الإيمان بالله، الإيمان بالوحي والنبوة، والإيمان بالآخرة)، وهذا يجعل الأولى أن يصلي المهدي (الإمام) خلف عيسى (النبي) إن كان لابدَّ من لقاء الشخصيتين.
وكان وراء فكرة ظهور المسيح في آخر الزمان، هو تفسير أو تأويل قوله تعالى (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا). فالآية حسب أغلب الشروح تؤكد أن السيد المسيح (ع) لم يمت، وإنما شبِّه له فقتل الشبيه دونه. وهذا يعني أن السيد المسيح رفع إلى السماء وهو حيّ، ولما كانت (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) و(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) فقد تطلب (حسب هذا التفسير) أن يبعث النبي عيسى من جديد. وعيسى في هذا كشخصية (الخضر)؛ وهي شخصية توراتية لم تذكر في القرآن الكريم بهذا الاسم بل جاءت بصيغة (عَبْد مِّنْ عِبَادِنَا). فعيسى والخضر لم يموتا أو لم يَرد موتهما، ولكي يتحقق موتهما جعلوا خروجهما حتمياً، وليس أنسب لظهور فموت النبي عيسى غير آخر الزمان.
إلا أن الذي يفند ظهور المسيح بالكامل هو انه قد مات بالفعل صلباً كما يقول المسيحيون تماماً. وقد أنكر الإمام الرازي في تفسيره قضية الشبه ووجد فيه ستة إشكالات:
الإشكال الأول: إن إلقاء شبه إنسان على آخر يلزم السفسطة؛ فكل شخص تراه قد يكون شبِّه له حتى الرسول محمد (ص)، فصحابته الذين كان يأمرهم وينهاهم وجب أن لا يعرفوا انه محمد لاحتمال انه القي شبَهه على غيره. والإشكال الثاني: إن الله (سبحانه) وكل بعيسى جبريل (ع) فكيف لم يمنعه منهم، وكان المسيح يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص فلماذا لم يكن قادرا على إماتتهم وإلقاء الأمراض عليهم؟ والإشكال الثالث: إن الله (سبحانه) كان قادراً على تخليصه برفعه إلى السماء دون الحاجة إلى إلقاء الشبه على غيره وإلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه. والإشكال الرابع: لا يليق بحكمة الله التلبيس على الناس وتجهيلهم بحملهم على الاعتقاد بشخص آخر انه المسيح. والإشكال الخامس: إن المسيحيين على كثرتهم وغلوهم في المسيح اخبروا أنهم شاهدوه مصلوباً، فلو أنكرنا ذلك طعنّا فيما ثبت بالتواتر، والطعن بالتواتر طعن بنبوة ووجود محمد وسائر الأنبياء. والإشكال السادس: إن المصلوب بقي حيا زمناً طويلا، فلو لم يكن عيسى لأظهر الجزع وقال لست بعيسى بل أنا غيره وبالغ في ذلك واشتهر هذا الأمر.
وفسر الأستاذ يوسف درة الحداد الشبه بالاشتباه؛ مذكراً أن العبارة وردت (شبِّه لهم) وليس (شبِّه له)، فهو اشتباه ولبس عليهم وليس تشبيه شخص بشخص بديل له، وعليه فتفسير قوله تعالى (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) أنهم لم يقضوا عليه قضاءً مبرماً، بل هو حي عند الله. وفسر فريق من المسلمين المعنى بأن اليهود لم يقتلوا مبادئ عيسى وتعاليمه بقتله وصلبه، ولكن خيّل لهم أنهم قضوا على تعاليمه بذلك، مع أنها ما زالت قائمة، وستبقى إلى يوم يبعثون.
وأرى أن الذي يحسم الأمر برمته ورود وفاة عيسى بشكل صريح في آيتين هما: (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) و(مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). فالآيتان تتكلمان عن موت عيسى الفعلي بما لا يترك أي جدل أو بدل، وتولي الله أمر قومه بعده، وانه الحاكم بينهم يوم القيامة. وليس ثمة ذكر لظهور المسيح مع امة المسلمين. أما رفعه إلى السماء فبروحه وليس بجسده. وبموته لا يمكن أن يظهر مرة أخرى إذ أن المهدي لم يتحقق موته فأمكن ظهوره في وقت يختاره الله.
ودعا إلى الفكرة الثانية (صلاته خلف الإمام) تفسير قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) و(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا). فهذه الآيات (بظنهم) تحلّ إشكال تعاصر المهدي المنتظر مع النبي عيسى الذي جعلوا له ظهورا في الوقت نفسه، فهي تؤكد تسيد الإسلام وظهوره على الأديان كلها. فبصلاة النبي عيسى خلف الإمام المهدي تتحقق تلك السيادة والظهور، أو عندما يصبح عيسى قائداً للمسلمين سيتخلى عن المسيحية والمسيحيين لصالح الإسلام والمسلمين، وبهذا يظهر الإسلام على الأديان كافة!! وجاء في تفصيل أكثر " فيدقّ الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام"، وجاء في صحيح ابن حبان " إن الله يهلك في زمانه كلَّ الأديان غير الإسلام". وتحاول النصوص أن تضع حلولاً لكل التساؤلات؛ فالمسيحيون سيتحولون جميعاً إلى الإسلام حين يرون نبيهم قد أصبح مسلماً بل صار قائد المسلمين الأوحد أو المثنى، أما اليهود فالروايات تقتلهم جميعاً " يقتل (أي المسيح) الدجالَ وتفرق عنه اليهود، فيُقتلون حتى أن الحجر يقول يا عبد الله المسلم هذا يهودي، فتعال فاقتله"!! وبهذا يظهر الإسلام على الأديان ويصبح الكل مسلمين!
وهذا تخريج ساذج للآيات القرآنية السالفة في التعبير عن فكرة الدين بشكل عام والإسلام بشكل خاص، ذلك أن الإسلام المحمدي في نظر الله (?) غير منفصل ولا مكمل للأديان السابقة عليه فكلها ترجع إلى الإسلام الأصل (ملة إبراهيم) فنحن نلاحظ أن الله (سبحانه) يورد ملة إبراهيم في قبالة التوحيد الخالص والتبرئة من الشرك ويسميها إسلاماً كما في الآيات: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
بل الإسلام آخر الزمان طرح الاستقامة والتوحيد من جديد وهي (الحنيفية). وفي اللغة تحنّف: اذا اعتزل عبادة الأصنام (وكل ما يرمز إلى الشرك). وقد ابتليت المسيحية واليهودية كلاهما بالانحراف كالوقوع في الشرك؛ فقد أشرك المسيحيون بعيسى بن مريم فجعلوه مرة ابن الله (وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ومرة هو الله (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا). وأشرك اليهود بالعزير فجعلوه ابن الله (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ)، كما أشركوا بالمال بعصيانهم حين كفرو بالسبت فكان المال بمثابة الشريك لله في العبادة والطاعة (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ). بل إن الإسلام نفسه سيصير محتاجاً إلى تشذيبه من الملل والنحل والاراء الدخيلة عليه. فعن الرسول (ص) " ستتفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة ناجية والباقون في النار". وبهذا فآخر الزمان ستكون الرجعى إلى (الإسلام الحقيقي بلا شوائب)، وهو يشمل الأديان الثلاث؛ فكلها يتخلص من شوائبه ويرجع إلى حالته الأولى حين عرضه نبيه، وفي هذه الحالة ستتطابق الأديان الثلاث وتكون ديناً واحداً. يضاف إلى تأكيد ذلك أن إلغاء اليهودية والمسيحية لم يتحقق في أعلى ظهور للإسلام وهو زمن الرسول محمد (ص)، بل إن الرسول أبقى على أهل الكتاب وصانهم مقابل الجزية، فكيف يقضى على هذه الأديان بعده؟!
ويضيف إلى تأكيد عدم وجود علاقة للمسيح بشخصية آخر زمان (لمهدي المنتظر)، أن السيد المسيح سيبقى مسؤولاً عن دينه وأمَّته؛ الصالحين منهم والذين على دينه الأصل وليس المحرف. ويدلّ على ذلك قوله (تعالى) : (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا) وقوله (تعالى) (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )؛ فالسيد المسيح لا يكون كطير يرعى عش غيره، بل يظل نصرانياً للنصرانية والنصرانيين. ولذلك تسقط فكرته قاتلاً للدجال وقائداً للمسلمين، والأصح هي فكرة المهدي، فهو مسلم وهو إمام ينوب عن نبيه لقول الرسول (ص): "لا نبيَّ من بعدي".
وستكون أكثر بعداً عن الحقيقة فكرة أن السيد المسيح هو المهدي المنتظر! فقد جاء في أحاديث مروية عن الرسول (ص) تذكر السيد المسيح بأنه " يطلب الدجال حتى يدركه بباب لد، فيقتله"، " ... ثم يمكث عيسى (ع) في الأرض أربعين سنة، إماماً عادلاً، وحكماً مقسطاً". وهذه الفكرة روَّجها العباسيون تهرباً من اسم وظهور المهدي المنتظر الذي أرعبهم. ففي بدء صيرورة الخلافة لهم خطب أبو العباس السفاح وخطب عمه داود فقال: (واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا، حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم). وروى الدارقطني عن المنصور رفعاً إلى ابن عباس أن الرسول (ص) قال له: (اذا سكن بنوك السواد ولبسوا السواد، وكان شيعتهم أهل خراسان لم يزل الأمر فيهم حتى يدفعوه إلى عيسى بن مريم). كل ذلك دفع للفكرة المهدوية ومحاولة القضاء المبرم عليها. إلا أنهم من جهة أخرى كانوا يدركون حقيقتها الناصعة ولابدّيتها، لذا قتلوا الأئمة كلهم خوفاً من أن يكونوا المهدي، فقد روي عن الإمام محمد الباقر قوله: (يزعمون أني أنا المهدي، واني إلى اجلي أدنى مني إلى ما يدعون). كما حاولوا تضليلها بتهيئة ابن المنصور بجعله هو المنتظر ولقبوه بـ(المهدي)، تماماً كما تفعل الآن أمريكا والقوى المعادية بتضبيب فكرة المهدي.
وبهذا يرفع اسم المسيح من القضية المهدوية التي ستكون بلا عيسى خالصة للمهدي المنتظر، وهو ما يقتضيه منطق الشرع والحق.

دراسة منقولة من وكالة براثا للانباء