المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجوب القصر في المسافة التلفيقية


مولى أبي تراب
21-10-2013, 01:53 PM
بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحَمّْدُ للهِ رَبِّ العَاْلَمِيْنَ .. عَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ وَبِهِ نَسْتَعِيْن
وَصَلَّى اللهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْن
-------------------
« وجوب القصر في المسافة التلفيقية »
لا إشكال في أن المكلف إذا قطع مسافة معينة بقصد السفر وجب عليه قصر صلواته الرباعية الى ركعتين ، قال تعالى ( وإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ
أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً ) (1) .
قال الشيخ الطوسي قدس سره : ( الضرب في الأرض كناية عن السفر ، أي إذا سرتم فيها فليس عليكم جناح - يعني حرج - ولا إثم أن تقصروا من الصلاة - يعني
من عددها - فتصلَّوا الرباعيات ركعتين ) (2) .
وقد حدّد فقهاؤنا رضوان الله تعالى عليهم هذا الضرب في الأرض وهذه المسافة التي يجب مع قصد قطعها قصر الصلاة بثمانية فراسخ تبعاً للأخبار عن المعصومين الأبرار
صلوات الله عليهم وهو ما يساوي أربعة وعشرين ميلاً ، إذ كل فرسخ يعادل ثلاثة أميال ، واختلفوا في حساب ذلك بالكيلو متر على أقوال :
القول الأول / أنه (200 ر43) ثلاثة وأربعون كيلومتراً وخُمس الكيلو متر الواحد ، أي ومئتا متراً ، وهو رأي السيد الشهيد والشيخ الفياض (3) .
القول الثاني / أنه (776 ر43) ثلاثة وأربعون كيلو متراً وسبعمئة وستة وسبعون متراً ، وهو رأي السيد محمد الصدر (4) .
القول الثالث / أنه أربعة وأربعون كيلو متراً تقريباً ، كما هو رأي السيد الخوئي والسيد السيستاني وغيرهما ، قالا : ( الفرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع
بذراع اليد وهو من المرفق إلى طرف الأصابع ، فتكون المسافة أربعا وأربعين كيلو مترا تقريبا ) (5) ، وحيث أنه حساب تقريبي لا دقّي فربما يرجع هذا القول الى القول السابق .
القول الرابع / أنه خمسة وأربعون كيلو متراً تقريباً ، كما هو رأي السيد الكلبايكاني والشيخ اللنكراني (6) .
القول الخامس / أنه يقارب ستة وأربعين كيلو متراً ، وهو رأي السيد محمد سعيد الحكيم (7) .
أقول / يمكن للمكلف التخلص من الخلاف بتأجيل الصلاة الى ما بعد أعلى التقادير وهو (46) كيلومتراً فلا خلاف في قصر الصلاة حينئذٍ على جميع الأقوال والتقادير
أو يحتاط بالجمع بين القصر والتمام فيما بين أقل التقادير وهو (200 ر43) كيلومتراً وأعلاها وهو (46) كيلومتراً لأن محل الخلاف هو في المسافة بين هذين التقديرين
أنه موجب للقصر أو لا . إلاّ أنّ أثر الفرق من الناحية العمليّة بين هذه الأقوال في واقع حياتنا المعاش نادر وشبه معدوم .
وعلى أي حال لا خلاف في أن المسافة الموجبة للقصر هي ثمانية فراسخ ، وذكر الفقهاء بأنه لا فرق فيها بين أن تكون امتدادية أو تلفيقية ، والمقصود من الامتدادية
هي أن يقطع المسافر الثمانية فراسخ كلها في حال الذهاب كما إذا خرج من بيته في النجف باتجاه كربلاء ، أو يقطعها كلها في حال الإياب كما إذا عاد من محل إقامته مثلاً
الى وطنه وكان يبعد ثمانية فراسخ أو أكثر فيصلي في الطريق قصراً ، فإما أن تكون الثمانية فراسخ كلها في حال الذهاب أو تكون كلها في حال الإياب والرجوع الى الوطن .
أما التلفيقية فهي عبارة عمّا تألّف من الذهاب والإياب معاً بأن يقطع بعض الثمانية فراسخ في حال الذهاب وبعضها في حال الإياب ، فيكون مجموع سفره ثمانية فراسخ أو
أكثر الا أنها مؤلفة من ذهاب وإياب وليس كلها في الذهاب فقط أو في الإياب فقط ، كما إذا سافر الى مكان يبعد عن بلده أربعة فراسخ وكان يقصد الرجوع منه الى بلده
في نفس اليوم أو بعد ذلك (8) ، فحينئذٍ يجب عليه القصر بمجرد تجاوزه حد الترخص لأنه قاصد لقطع ثمانية فراسخ في ذلك السفر ، غاية الأمر أن أربعة منها في حال
الذهاب وأربعة في حال الإياب والرجوع الى وطنه .
ولا إشكال ولا خلاف في وجوب القصر في المسافة التلفيقية كالامتدادية ، ولكن اختلف الفقهاء في أن المسافة التلفيقية هل هي موجبة للقصر بجميع صورها ؟
أم في بعض صورها دون بعض ؟
وصور المسافة التلفيقية هي :
الصورة الأولى / أن يكون كلٌ من الذهاب والإياب أربعة فراسخ أو أكثر ، كأربعة ذهاباً بأربعة إياباً ، أو خمسة بخمسة ، أو خمسة بأربعة ، وهكذا بحيث يكون المجموع
ثمانية فراسخ أو أكثر على الّا لا يقلّ كلٌ من الذهاب والإياب عن أربعة فراسخ .
الصورة الثانية / أن يكون الذهاب أكثر من أربعة والإياب أقل من أربعة كخمسة ذهاباً وثلاثة إياباً ، أو ستة بثلاثة وهكذا ، فالمهم أن يكون المجموع ثمانية فراسخ أو أكثر
على أن يزيد الذهاب عن أربعة ويقل الإياب عن أربعة .
الصورة الثالثة / بالعكس بأن يكون الذهاب أقل من أربعة والإياب أكثر من أربعة كثلاثة فراسخ ذهاباً بخمسة فراسخ إياباً ، أو ثلاثة بستة وهكذا بحيث يكون المجموع
ثمانية فراسخ أو أكثر على أن يكون الذهاب أقل من أربعة فراسخ والإياب أكثر من أربعة .
ولا خلاف في وجوب القصر في الصورة الأولى وأنها القدر المتيقن من وجوب القصر في المسافة التلفيقية وإنما الخلاف في الصورتين الثانية والثالثة ، والأقوال ثلاثة :
القول الأول / وجوب القصر في خصوص الصورة الأولى دون الصورتين الثانية والثالثة ، فيشترط للقصر بالمسافة التلفيقية أن يكون الذهاب أربعة فراسخ أو أكثر والإياب
كذلك أربعة فراسخ أو أكثر ، فلو نقص الذهاب عن أربعة لم يجب القصر وإن كان الإياب أكثر من أربعة فراسخ ، وكذا إن نقص الإياب عن أربعة لم يجب القصر وإن كان
الذهاب أكثر من أربعة ، فلا يجب القصر في الصورة الثانية لأن الذهاب فيها وإن كان أكثر من أربعة الا أن الإياب أقل ، كما لا يجب القصر في الصورة الثالثة لأن الإياب
فيها وإن كان أكثر من أربعة الا أن الذهاب أقل ، وهو رأي السيد الخوئي وغيره (9) .
القول الثاني / يجب القصر في الصورة الأولى والثانية دون الثالثة ، لأن شرط القصر في المسافة التلفيقية أن يكون الذهاب أربعة فراسخ أو أكثر بحيث يصير المجموع
ثمانية ولا عبرة بالإياب ، فلا يجب القصر في الصورة الثالثة لأن الإياب فيها وإن كان أكثر من أربعة الا أن الذهاب أقل ، بينما يجب في الصورة الثانية لأن الذهاب فيها
أكثر من أربعة وهو المهم ولا يضر كون الإياب أقل من أربعة ، وهو رأي بعض الفقهاء كالسيد الخميني (10) والشيخ فاضل اللنكراني (11) .
القول الثالث / وجوب القصر في جميع صور التلفيق سواء كان كل من الذهاب والإياب أربعة فراسخ أو أكثر ، أو كان الذهاب فقط كذلك أو كان الإياب فقط كذلك ما دام
مجموع ما يقطعه المسافر ثمانية فراسخ أو أكثر ، فيجب القصر إذا كان الذهاب خمسة والإياب ثلاثة ، كما يجب في صورة العكس بأن يكون الذهاب ثلاثة والإياب خمسة
كما يجب إذا كان كل واحد منهما أربعة فراسخ أو أكثر فالمهم أن تكون المسافة ثمانية فراسخ أياً كان منشأ تلفيقها ما دام يصدق عرفاً أنه مسافر (12) ، وهو رأي السيد
السيستاني (13) والشيخ الفياض (14) وغيرهما .
ويمكن لكل مكلف الالتزام بمرجع تقليده ، لكن إن أراد الاحتياط والتخلص من الإشكال والخروج عن الخلاف فعليه الجمع بين القصر والتمام في الصورتين الثانية والثالثة
أما الأولى فلا إشكال في وجب القصر فيها .
.
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين
.
.
------------------------
(1) النساء : 101 .
(2) التبيان في تفسير القرآن : 3 / 307 .
(3) الفتاوى الواضحة : ص297 . منهاج الصالحين : الفياض ج1 ص355 مسألة 903 .
(4) منهج الصالحين : محمد الصدر ج1 مسألة 1210 .
(5) منهاج الصالحين : الخوئي ج1 ص238 مسألة 884 ، منهاج الصالحين : السيستاني ج1 ص288 مسألة 884 .
(6) هداية العباد : السيد الكلبايكاني ج1 ص225 مسألة 1106 . الأحكام الواضحة : اللنكراني : ص229 مسألة 928 .
(7) منهاج الصالحين : السيد محمد سعيد الحكيم ج1 ص293 مسألة 508 .
(8) حتى يقصر المسافر في المسافة التلفيقية هل يجب أن يكون الإياب في نفس يوم الذهاب ؟ خلاف ، قيل نعم لا بد أن يرجع ليومه أو ليلته والا لم
يجب التقصير ، وقيل لا يشترط فيجب عليه التقصير حتى لو مضى عليه عدة أيام ولم يرجع ليومه ما لم ينقطع سفره بإقامة عشرة أيام ، وهو الرأي المعروف .
(9) منهاج الصالحين : السيد الخوئي ج1 ص239 مسألة 890 .
(10) تحرير الوسيلة : السيد الخميني ج1 ص248 / فصل في صلاة المسافر ، مسألة 2 .
(11) الأحكام الواضحة : الشيخ فاضل اللنكراني ص 230 مسألة 934 .
(12) ذكروا بأنه لو تردد في مسافة قصيرة أكثر من مرة فظل ذاهباً وجائياً فيها حتى بلغ ثمانية فراسخ كما إذا ذهب ورجع ثم ذهب ورجع وهكذا أربع مرات في فرسخ واحد
فقط لم يجب القصر وإن بلغ مجموع ما قطعه ثمانية فراسخ وذلك لعدم صدق السفر عرفاً حينئذٍ ، وهكذا لو سافر فرسخين ثم رجع فرسخاً ثم منه سافر فرسخين ثم رجع
فرسخاً وهكذا حتى أتم الثمانية فإنه لا يقصر لأنه ليس مسافراً عرفاً لتردده في مسافة قصيرة ، فالمقصود من التلفيق الذي يجب القصر في جميع صوره هو ما تألّف من
ذهاب واحد وإياب واحد وحينئذٍ لا يضر مقدار أحدهما ما دام المجموع ثمانية فراسخ حتى لو كان الذهاب سبعة فراسخ مثلاً والإياب فرسخاً واحداً أو العكس .
(13) منهاج الصالحين : السيد السيستاني ج1 ص289 مسألة 890 .
(14) منهاج الصالحين : الشيخ الفياض ج1 ص356 مسألة 909 .

مولى أبي تراب
02-11-2013, 11:13 AM
تعليق استدلالي
منشأ الخلاف في شمول الحكم بالتقصير لجميع صور المسافة التلفيقية أو اختصاصه ببعضها هو الاختلاف في ما يمكن أن يستظهر من الأخبار الدالة على إلحاق المسافة التلفيقية بالامتدادية في وجوب القصر ، ومدى دلالتها على وجوب التقصير في المسافة التلفيقية سعة وضيقاً ، ولبيان ذلك نستعرض أولاً هذه الأخبار الدالة على وجوب القصر في المسافة التلفيقية
فمنها / ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ( التقصير في بريد والبريد أربعة فراسخ ) (1) .
ومنها / ما رواه فضالة عن معاوية بن وهب قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أدنى ما يقصر فيه المسافر ، فقال عليه السلام : بريد ذاهباً وبريد جائياً ) (2) .
ومنها / ما رواه زيد الشحام قال : ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلاً ) (3) .
ومنها / ما عن إسماعيل بن الفضيل قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التقصير ، فقال : في أربعة فراسخ ) (4) .
ومنها / ما رواه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( سألته عن التقصير ، قال : في بريد ، قلت بريد ؟ قال : إنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه ) (5) .
ومنها / ما عن أبي أيوب قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أدنى ما يقصر فيه المسافر ؟ فقال : بريد ) (6) .
ومنها / ما رواه جميل بن دراج عن زرارة بن أعين قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التقصير فقال : بريد ذاهب وبريد جائي ) (7) .
ومنها / ما رواه في تحف العقول عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال : ( والتقصير في أربعة فراسخ بريد ذاهباً وبريد جائياً اثنى عشر ميلاً ) (8) .
ومنها / ما رواه معاوية بن عمار قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات قال عليه السلام : ويلهم - أو ويحهم - وأي سفر أشد منه ؟ ! ) (9) .
ووجه الدلالة أن عرفات لا تبعد عن مكة ثمانية فراسخ بل نصفها تقريباً فقول الإمام وأي سفر أشد منه دال على تحقق السفر ووجوب القصر في المسافة التلفيقية .
ومنها / خبر معاوية بن عمار قال ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : في كم أقصر الصلاة ؟ فقال : في بريد ألا ترى إن أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير ) (10) .
ومنها / خبر إسحاق بن عمار ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : في كم التقصير ؟ فقال : في بريد ، ويحهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فقصروا ) (11) .
ومنها / ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه السلام قال : ( إنما وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك لأن ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهباً ، أو بريد ذاهباً وبريد جائياً ، والبريد أربعة فراسخ ، فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير ، وذلك أنه يجئ فرسخين ويذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ ، وهو نصف طريق المسافر ) (12) .
هذه الأخبار وغيرها صريحة في عدم انحصار وجوب القصر في المسافة الامتدادية وأن الحكم بوجوب التقصير شامل للمسافة التلفيقية أيضاً ، فكما يجب القصر في الثمانية فراسخ الامتدادية يجب القصر في الثمانية فراسخ التلفيقية أيضاً ، ولن نتطرق الى تمامية أسانيد هذه الأخبار إذ لا إشكال في صحة بعضها ، كما لا إشكال في أصل الحكم بالإلحاق ووجوب القصر في المسافة التلفيقية وإنما الكلام في سعة الإلحاق وضيقه ، أي في اختصاص الحكم بالإلحاق بمورد هذه الأخبار أو عدم اختصاصه .
وحاصل الكلام / أن هذه الأخبار جميعها لم تذكر سوى صورة واحدة من صور التلفيق ، وهي ما كان كل من الذهاب والإياب أربعة فراسخ فأكثر أي الصورة الأولى من صور التلفيق الثلاث الآنفة الذكر ، فقد حددت هذه الأخبار المسافة التلفيقية التي يجب فيها القصر بثلاثة عناوين وهي : البريد ، أربعة فراسخ ، اثنى عشر ميلاً ، والمقصود واحد وهو أن من قصد قطع مسافة أربعة فراسخ ثم الرجوع مثلها وجب عليه القصر ، كما هو صريح الرواية الثانية عن معاوية بن وهب ( بريد ذاهبا وبريد جائيا ) ، وأما ما دل على وجوب القصر ولو في بريد ذاهبا من دون ذكر الإياب كالرواية الأولى وغيرها فهو محمول على هذا المعنى المذكور أي بريد ذاهباً وبريد جائياً باعتبار أن من يقطع بريد ذاهباً فهو قاصد للرجوع مثله عادة كما تدل عليه الرواية الخامسة لمحمد بن مسلم .
إذا عرفت ذلك نقول : منشأ الخلاف في شمول الحكم بالتقصير لكل ثمانية فراسخ تلفيقية أو اختصاصه بتلفيق خاص وهو ما كان أربعة فراسخ فأكثر ذهاباً بأربعة فراسخ فأكثر إياباً ، هو أن هذه الأخبار التي ألحقت المسافة التلفيقية بالامتدادية اقتصرت على ذكر صورة واحدة من صور التلفيق وهي الصورة الأولى أي ما كان كل من الذهاب والإياب أربعة فراسخ فأكثر ، فموضوع أخبار الإلحاق ليس كل تلفيق بل تلفيق خاص وهو ما كان كل من الذهاب والإياب أربعة فراسخ فأكثر ولم تذكر أخبار الإلحاق غير هذه الصورة من صور التلفيق ، فوقع الخلاف في إمكان التعدي الى باقي صور التلفيق وجعل الحكم شاملاً لها أيضاً أو عدم إمكانه ، أو قل وقع الخلاف في ما هو موضوع حكم الإلحاق بالمسافة الامتدادية ؟ هل موضوعه مطلق التلفيق بجميع صوره وكيفما اتفق وأن ذكر إحدى هذه الصور دون غيرها إنما هو من باب المثال فقط والمقصود مطلق صور التلفيق ؟ أو أن موضوع الحكم تلفيق خاص وصورة خاصة من صور التلفيق لا مطلق صور التلفيق وهي خصوص الصورة المذكورة التي هي عبارة كون كل من الذهاب والإياب أربعة فراسخ فأكثر ، وأن ذكرها ليس من باب المثال بل من باب الاختصاص وأنها المورد المنحصر للحكم ؟
قيل بالأول ، فوجوب القصر شامل لجميع صور التلفيق وأن ذكر إحدى هذه الصور هو تمثيل ليس الا . وقيل بالثاني ، فوجوب القصر في المسافة التلفيقة خاص بمورد الروايات والصورة المذكورة فيها دون غيرها ، فلا يجب القصر في الثمانية فراسخ الملفقة فأكثر الا إذا كان كل من الذهاب والإياب أربعة فراسخ فأكثر .
والتمسك بأحد الرأيين يتبع الاستظهار ، أي ما يمكن أن يستظهر من أخبار الإلحاق بحسب دلالتها والقرائن المحتفة بها ، فمن الفقهاء من استظهر العموم وعدم الانحصار بالصورة المذكورة وأن ذكرها من باب المثال لبعض القرائن ، منها / قوله عليه السلام في ذيل صحيحة ابن مسلم : ( أنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه ) ( بدعوى دلالته على أن المدار في التقصير شغل اليوم وأن كل سفر كان شاغلا ليومه فهو موضوع لوجوب التقصير فيعم ما لو كان الذهاب أو الإياب أقل من الأربعة بعد أن كان السفر مستوعبا ليومه ، فتدل على كفاية الثمانية الملفقة كيفما تحققت ) (13) ما دام شغل اليوم متحققاً .
فيما استظهر بعضهم الانحصار واختصاص الحكم بالصورة المذكورة لبعض القرائن أيضاً ، منها : أن الأصل في التقصير هو الثمانية فراسخ الامتدادية ، وأما التلفيقية فهي ملحقة بها فيقتصر على القدر المتيقن والمتفق عليه من صور وجوب القصر في المسافة التلفيقية ما دامت هي موضوع أخبار الإلحاق ، وشمول الحكم لغيرها يحتاج الى دليل واضح .
ومنها / إن تعميم الحكم بوجوب القصر الى غير الصورة الأولى من صور التلفيق لازمه الاكتفاء بالأقل من أربعة فراسخ إما في الإياب فقط كما في الصورة الثالثة وإما في الذهاب فقط كما في الصورة الثانية الا أن ذلك خلاف التعبير بالأدنى في الروايات كما في الرواية السادسة وهي ما رواه أبو أيوب قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أدنى ما يقصر فيه المسافر ؟ فقال : بريد ) هو كالصريح في عدم كفاية الأقل من هذا الحد في كل من الذهاب والإياب .
ومنها / أن الحكم بالإلحاق ووجوب القصر في المسافة التلفيقية لم يعلق في هذه الأخبار على عنوان الثمانية فراسخ التلفيقية كي يتمسك بإطلاقه ويحكم بكفاية التلفيق كيفما كان وفي جميع الصور ، بل على عنوان البريد والأربعة فراسخ والاثني عشر ميلاً ، فيعلم أنها موضوع الحكم ، ودعوى أن ذلك من باب التمثيل وأن لاخصوصية للمورد غير واضحة فالخصوصية محتملة كيف ولم يذكر غير هذه الصورة في جميع الأخبار ، ولو كان موضوع الحكم مطلق التلفيق لأشير اليه وذكر ولو في رواية واحدة ، فوجب الاقتصار على مورد الأخبار .
هذا ملخص الكلام في وجه الخلاف في هذه المسألة ويمكن الوقوف على تفاصيل أكثر في مظانّها .
.
------------------------------
(1) وسائل الشيعة ج5 ص494 ، باب وجوب القصر على من قصد ثمانية
فراسخ أربعة ذهابا وأربعة إيابا مطلقا لا أقل من ذلك ، ح1 .
(2) المصدر ، ح2 .
(3) المصدر ، ح3 .
(4) المصدر ، ح5 .
(5) المصدر ، ح9 .
(6) المصدر ، ح11 .
(7) المصدر ، ح14 .
(8) المصدر ، ح19 .
(9) وسائل الشيعة ج5 ص499 ، باب عدم اشتراط العود في يومه أو ليلته في
وجوب القصر عينا على من قصد أربعة فراسخ ذهابا ومثلها إيابا ، ح1 .
(10) المصدر ، ح5 .
(11) المصدر ، ح6 .
(12) وسائل الشيعة ج5 ص11 ، باب عدم وجوب حضور الجمعة على من بعد عنها
بأزيد من فرسخين ووجوبها على من بعد عنها بفرسخين أو أقل ، ح4 .
(13) مستند العروة الوثقى - السيد الخوئي - كتاب الصلاة ج8 ص14 .