هامة التطبير
25-10-2013, 04:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
http://im33.gulfup.com/2Lmcu.jpg (http://www.gulfup.com/?w5c8OE)
شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)
تاريخ شهادته (عليه السلام) ومكانها
10 محرّم 61ﻫ، كربلاء المقدّسة.
سبب شهادته (عليه السلام)
قُتل (عليه السلام) شهيداً في معركة كربلاء وهو يدافع عن دين جدّه محمّد (صلى الله عليه وآله).
ليلة العاشر
قضى الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه(رضي الله عنهم) ليلة العاشر من المحرّم بالصلاة والدعاء، وقراءة القرآن، وكان لهم دويٌّ كدويّ النحل، كما كانوا يصلحون سيوفهم ورماحهم استعداداً للقاء القوم.
يوم العاشر
طلب الإمام الحسين (عليه السلام) في صباح اليوم العاشر ـ إتماماً للحُجّة على أعدائه ـ من جيش يزيد، أن ينصتوا إليه لكي يكلّمهم، إلّا أنّهم أبوا ذلك، وعلا ضجيجهم، وفي النهاية سكتوا، فخطب فيهم معاتباً لهم على دعوتهم له، وتخاذلهم عنه.
كما حدّثهم (عليه السلام) بما سيقع لهم بعد قتله على أيدي الظالمين، من ولاة بني أُمية، ممّا عهد إليه من جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو ما تحقّق فعلاً.
وخصّ في ذلك عمر بن سعد، الذي كان يزيد يمنّيه بجعله والياً على الرّي وجرجان، بأنّ حلمه ذاك لن يتحقّق، وأنّه سوف يُقتل، ويُرفع رأسه على الرمح.
خطبته (عليه السلام) يوم العاشر
عاد الإمام الحسين (عليه السلام) مرّة أُخرى على ظهر فرسه، ووقف أمام الجيش الأُموي، وخاطبهم قائلاً: «أمّا بَعد، فانسبونِي فانظُروا مَن أنَا؟ ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هَلْ يحلُّ لَكُم قتلي وانتهاكُ حُرمتي؟
ألسْتُ ابن بنتِ نبيِّكم (صلى الله عليه وآله)، وابن وصيِّه وابن عمِّه، وأوّل المؤمنين بالله، والمصدِّق لِرسولِه بما جاء من عند رَبِّه؟ أوَ ليس حمزة سَيِّد الشهداء عَمّ أبي؟ أو ليسَ جَعفر الشهيد الطيّار ذو الجناحين عَمِّي؟ أوَ لَمْ يَبلُغْكُم قول مُستفيض فيكم: إنّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) قال لي ولأخي: هَذان سَيِّدا شَبَاب أهل الجنّة؟...»(1).
فلم يستجب له أحد، ثمّ خاطبهم (عليه السلام) قائلاً: «أمَا تَرونَ سَيفَ رَسولِ الله (صلى الله عليه وآله) ولاَمَةَ حَربِه وعمَامتَه عليّ»؟ قالوا: نعم.
فقال (عليه السلام): «لِمَ تُقاتِلونِي»؟ أجابوا: طاعةً للأمير عبيد الله بن زياد.
هجوم الأعداء
استحوذ الشيطان على عمر بن سعد ـ قائد الجيش ـ فوضع سهمه في كبد قوسه، ثمّ رمى مخيّم الإمام الحسين (عليه السلام) وقال: «اِشهدُوا أنّي أوّل مَن رمى»، فتبِعَه جنده يُمطرون آل الرسول (صلى الله عليه وآله) بوابل من السهام.
فعظم الموقف على الإمام الحسين (عليه السلام)، ثمّ خاطب أصحابه قائلاً: «قُومُوا رَحِمكم الله إلى الموتِ الذي لا بدّ منه، فإنّ هذه السهام رُسل القوم إليكم»(2)، فلبّوا (رضي الله عنهم) النداء، وانطلقوا كالأُسود يحاربون العدوّ، فاستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء.
وبدأ أصحاب الحسين (عليه السلام) يتساقطون الواحد تلو الآخر، وقد أرهقوا جيش العدوّ وأثخنوه بالجراح، فتصايَح رجال عمر بن سعد: لو استمرّت الحربُ بَيننا، لأتوا على آخرنا، لِنَهجم عليهم مَرّة واحدة، ولِنرشُفهُم بالنِبال والحجارة.
واستمرّ الهجوم والزحف نحو من بقي مع الإمام الحسين (عليه السلام)، وأحاطوا بهم من جهات متعدّدة، فتعالت أصوات ابن سعد ونداءاته إلى جيشه، وقد دخل المعسكر يقتل وينهب، ويقول: «اِحرقوا الخيام».
فضجّت النساء، وتصارخ الأطفال، وعلا الضجيج، وراحت ألسِنة النار تلتهم المخيّم، وسكّانه يفرُّون فزعين مرعوبين، فلم يهدأ سعير المعركة، وراح مَن بقي من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته يستشهدون الواحد تلو الآخر.
فاستُشهد ولده عليّ الأكبر وإخوته، وأبناء أخيه وابن أُخته، وآل عقيل وآل عليّ (عليه السلام)، مجزّرين كالأضاحي، وهم يتناثرون في أرض المعركة.
وكذا بدأ شلّال الدم ينحدر على أرض كربلاء، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حناجر النساء والأطفال.
فركب الإمام الحسين (عليه السلام) جواده، يتقدّمه أخوه العباس (عليه السلام)، وتوجّه نحو نهر الفرات؛ ليحمل الماء إلى العيال، فحالت حشود العدوّ دونه، فأصبح هو في جانب وأخيه في جانب آخر.
وكانت للبطل الشجاع أبي الفضل العباس (عليه السلام) صولة ومعركة حامية، طارت فيها رؤوس، وتساقطت فرسان، وهو يصول ويجول في ميدان الجهاد بعيداً عن أخيه، حتّى خرّ صريعاً سابحاً بدم الشهادة.
وتعلّق قلب الإمام الحسين (عليه السلام) بمخيّمه، وما خلّفت النار والسيوف بأهله وحرمه.
فراح (عليه السلام) ينادي، وقد طوّقته قوّات الأعداء وحالت بينه وبينهم، فصاح بهم: «أنَا الّذي أقاتِلُكم وتقاتلوني، والنِساء لَيسَ عَليهنّ جُناح، فامْنَعوا عُتاتكم وجهّالكم وطغاتكم من التعرُّض لحَرَمي ما دُمتُ حَيّاً»(3).
إلّا أنّهم استمرّوا في هجومهم على المخيّم، ولم يعبئوا لكلامه (عليه السلام).
فاستمرّ الهجوم عنيفاً، والإمام (عليه السلام) منهمك في قتال أعدائه، إلى أن سدّد له أحد الأجلاف سهماً واستقرّ في نحره الشريف، ثمّ راحت السيوف والرماح تنزل عليه كالمطر الغزير.
فلم يستطع (عليه السلام) مقاومة الألم والنزف، فوقع على الأرض، ولم يكفُّوا عنه؛ لأنّ روح الحقد والوحشية التي امتلأت بها جوانحهم لم تسمح بذلك.
بل راح الملعون شمر بن ذي الجوشن، يحمل سيفه ليقطع غصناً من شجرة النبوّة، وليثكل الزهراء (عليها السلام) بعزيزها، ففصل الرأس الشريف عن الجسد، ليحمله هدية للطاغية يزيد.
ذلك الرأس الذي طالما سجد لله، وحمل اللّسان الذي ما فتئ يردّد ذكر الله، وينادي (عليه السلام): «لا أعطِيكُم بِيَدي إِعطَاء الذليل، ولا أقرُّ إِقرَار العبيد»(4)، الرأس الذي حمل العزّ والإباء، ورفض أن ينحني للعتاة أو يطأطئ جبهته للظالمين.
ثمّ حلّ السكون على أرض كربلاء الطاهرة، فأتت العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام) إلى الميدان حتّى وقفت على جسد أخيها الحسين (عليه السلام)، ثمّ قالت: «اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان».
جزاء قاتلي الإمام الحسين (عليه السلام)
حُكي عن السدّي قال: أضافني رجل في ليلة كنت أحبُّ الجليس، فرحّبت به وأكرمته، وجلسنا نتسامر، وإذا به ينطلق بالكلام كالسيل إذا قصد الحضيض.
فطرقت له فانتهى في سمره إلى طفّ كربلاء، وكان قريب العهد من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)، فتأوّهت وتزفّرت، فقال: ما لك؟ قال السدّي: ذكرت مصاباً يهون عنده كلّ مصاب.
قال الرجل: أما كنت حاضراً يوم الطفّ؟ قال السدّي: لا والحمد لله.
قال الرجل: أراك تحمد، على أيّ شيء؟! قال السدّي: على الخلاص من دم الحسين (عليه السلام)؛ لأنّ جدّه (صلى الله عليه وآله) قال: «إنّ مَن طُولِبَ بدم ولدي الحسين يوم القيامة لخفيف الميزان».
قال الرجل: هكذا قال جدّه (صلى الله عليه وآله)؟ قال السدّي: نعم، وقال (صلى الله عليه وآله): «ولدي الحسين يُقتل ظلماً وعدواناً، أَلا ومَن قتله يدخل في تابوت من نار، ويُعذّب بعذاب نصفِ أهل النار، هو ومَن شايع وبايع أو رضي بذلك، كُلّما نضجت جلودهم بُدِّلوا بجلود غيرها؛ ليذوقوا العذاب، فالويل لهم من عذاب جهنّم».
قال الرجل: لا تصدّق هذا الكلام يا أخي؟ قال السدّي: كيف هذا وقد قال (صلى الله عليه وآله): «لا كَذِبتُ وَلا كُذِّبتُ».
قال الرجل: ترى قالوا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قاتل ولدي الحسين لا يطول عمره، وها أنا وحقّك قد تجاوزت التسعين مع أنّك ما تعرفني»، قال السدّي: لا والله.
قال الرجل: أنا الأخنس بن زيد، قال السدّي: وما صنعت يوم الطف؟
قال الأخنس: أنا الذي أُمّرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطئ جسم الحسين بسنابك الخيل، وهشمت أضلاعه، وجررت نطعاً من تحت عليّ بن الحسين وهو عليل حتّى كببته على وجهه، وخرمت اُذني صفية بنت الحسين، لقرطين كانا في أُذنيها.
قال السدّي: فبكى قلبي هجوعاً وعيناي دموعاً، وخرجت أُعالج على إهلاكه، وإذا بالسراج قد ضعفت، فقمت أزهرها.
فقال: اجلس، وهو يحكي متعجّباً من نفسه وسلامته، ومدّ إصبعه ليزهرها فاشتعلت به، ففركها في التراب فلم تنطفِ، فصاح بي: أدركني يا أخي، فكببت الشربة عليها وأنا غير محبٍّ لذلك، فلمّا شمّت النار رائحة الماء ازدادت قوّة، وصاح بي: ما هذه النار وما يطفئها؟!!
قلت: ألقِ نفسك في النهر، فرمى بنفسه، فكلّما ركس جسمه في الماء اشتعلت في جميع بدنه كالخشبة البالية في الريح البارح، هذا وأنا أنظره، فوالله الذي لا إله إلّا هو، لم تُطفأ حتّى صار فحماً، وسار على وجه الماء!!(5).
وروي عن عبد الله بن رباح القاضي أنّه قال: لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الإمام الحسين (عليه السلام)، فسُئل عن بصره، فقال: كنت شهدت قتله عاشر عشرة، غير أنّي لم أطعن برمح ولم أضرب بسيف ولم أرمِ بسهم.
فلمّا قُتل (عليه السلام) رجعت إلى منزلي وصلّيت العشاء الآخرة ونمتُ، فأتاني آتٍ في منامي فقال: أجب رسول الله!! فقلت: ما لي وله؟
فأخذ بتلابيبي وجرّني إليه، فإذا النبيّ(صلى الله عليه وآله) جالس في صحراء، حاسر عن ذارعيه، آخذ بحربة، وملك قائم بين يديه، وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة، فكلّما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً!! فدنوت منه وجثوت بين يديه، وقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يردّ (صلى الله عليه وآله) عليّ.
ومكث طويلاً، ثمّ رفع رأسه وقال (صلى الله عليه وآله): «يا عدوّ الله، انتهكت حرمتي، وقتلت عترتي، ولم ترعَ حقِّي، وفعلت وفعلت».
فقلت: يا رسول الله، ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم، فقال (صلى الله عليه وآله): «صدقتَ، ولكنّك كثّرت السواد، أُدنُ مِنِّي»، فدنوت منه، فإذا بطشت مملوء دماً.
فقال (صلى الله عليه وآله) لي: «هذا دم ولدي الحسين»، فكحّلني من ذلك الدم، فاحترقت عيناي، فانتبهت لا أبصر شيئاً(6).
ورئي رجل بلا يدين ولا رجلين، وهو أعمى يقول: ربّي نجّتي من النار، فقيل له: لم يبقَ عليك عقوبة، وأنت تسأل النجاة من النار؟!
قال: إنّي كنت فيمن قاتل الحسين (عليه السلام) في كربلاء، فلمّا رأيت عليه سراويل وتكّة حسنة، فأردت أن انتزع التكّة، فرفع يده اليمنى ووضعها على التكّة، فلم أقدر على رفعها، فقطعت يمينه (عليه السلام).
ثمّ أردت أنتزاع التكّة فرفع شماله ووضعها على التكّة، فلم أقدر رفعها فقطعت شماله (عليه السلام)، ثمّ هممت بنزع السراويل، فسمعت زلزلة فخفت وتركته، فألقى الله عليّ النوم فنمت بين القتلى.
فرأيت كأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أقبل، ومعه عليّ وفاطمة والحسن (عليهم السلام)، فأخذوا رأس الحسين (عليه السلام) فقبّلته فاطمة(عليها السلام) وقالت: «يا بني قتلوك!! قتلهم الله».
وكأنّه (عليه السلام) يقول: «ذَبَحَنِي شمرٌ، وقطع يدي هذا النائم»، وأشار إليّ، فقالت لي فاطمة (عليها السلام): «قَطعَ الله يديكَ ورجليكَ، وأعمى بصرك، وأدخلك النار».
فانتبهت وأنا لا أبصر شيئاً، ثمّ سقطت يداي ورجلاي، فلم يبقَ من دعائها إلّا النار(7).
====
المصادر:
1ـ مقتل الحسين: 117.
2ـ أعيان الشيعة 1/603.
3ـ المصدر السابق 1/609.
4ـ مقتل الحسين: 118.
5ـ مدينة المعاجز 4/95.
6ـ المصدر السابق 4/101.
7ـ بحار الأنوار 45/311.
بقلم : محمد أمين نجف.
ومع السلامة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
http://im33.gulfup.com/2Lmcu.jpg (http://www.gulfup.com/?w5c8OE)
شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)
تاريخ شهادته (عليه السلام) ومكانها
10 محرّم 61ﻫ، كربلاء المقدّسة.
سبب شهادته (عليه السلام)
قُتل (عليه السلام) شهيداً في معركة كربلاء وهو يدافع عن دين جدّه محمّد (صلى الله عليه وآله).
ليلة العاشر
قضى الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه(رضي الله عنهم) ليلة العاشر من المحرّم بالصلاة والدعاء، وقراءة القرآن، وكان لهم دويٌّ كدويّ النحل، كما كانوا يصلحون سيوفهم ورماحهم استعداداً للقاء القوم.
يوم العاشر
طلب الإمام الحسين (عليه السلام) في صباح اليوم العاشر ـ إتماماً للحُجّة على أعدائه ـ من جيش يزيد، أن ينصتوا إليه لكي يكلّمهم، إلّا أنّهم أبوا ذلك، وعلا ضجيجهم، وفي النهاية سكتوا، فخطب فيهم معاتباً لهم على دعوتهم له، وتخاذلهم عنه.
كما حدّثهم (عليه السلام) بما سيقع لهم بعد قتله على أيدي الظالمين، من ولاة بني أُمية، ممّا عهد إليه من جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو ما تحقّق فعلاً.
وخصّ في ذلك عمر بن سعد، الذي كان يزيد يمنّيه بجعله والياً على الرّي وجرجان، بأنّ حلمه ذاك لن يتحقّق، وأنّه سوف يُقتل، ويُرفع رأسه على الرمح.
خطبته (عليه السلام) يوم العاشر
عاد الإمام الحسين (عليه السلام) مرّة أُخرى على ظهر فرسه، ووقف أمام الجيش الأُموي، وخاطبهم قائلاً: «أمّا بَعد، فانسبونِي فانظُروا مَن أنَا؟ ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هَلْ يحلُّ لَكُم قتلي وانتهاكُ حُرمتي؟
ألسْتُ ابن بنتِ نبيِّكم (صلى الله عليه وآله)، وابن وصيِّه وابن عمِّه، وأوّل المؤمنين بالله، والمصدِّق لِرسولِه بما جاء من عند رَبِّه؟ أوَ ليس حمزة سَيِّد الشهداء عَمّ أبي؟ أو ليسَ جَعفر الشهيد الطيّار ذو الجناحين عَمِّي؟ أوَ لَمْ يَبلُغْكُم قول مُستفيض فيكم: إنّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) قال لي ولأخي: هَذان سَيِّدا شَبَاب أهل الجنّة؟...»(1).
فلم يستجب له أحد، ثمّ خاطبهم (عليه السلام) قائلاً: «أمَا تَرونَ سَيفَ رَسولِ الله (صلى الله عليه وآله) ولاَمَةَ حَربِه وعمَامتَه عليّ»؟ قالوا: نعم.
فقال (عليه السلام): «لِمَ تُقاتِلونِي»؟ أجابوا: طاعةً للأمير عبيد الله بن زياد.
هجوم الأعداء
استحوذ الشيطان على عمر بن سعد ـ قائد الجيش ـ فوضع سهمه في كبد قوسه، ثمّ رمى مخيّم الإمام الحسين (عليه السلام) وقال: «اِشهدُوا أنّي أوّل مَن رمى»، فتبِعَه جنده يُمطرون آل الرسول (صلى الله عليه وآله) بوابل من السهام.
فعظم الموقف على الإمام الحسين (عليه السلام)، ثمّ خاطب أصحابه قائلاً: «قُومُوا رَحِمكم الله إلى الموتِ الذي لا بدّ منه، فإنّ هذه السهام رُسل القوم إليكم»(2)، فلبّوا (رضي الله عنهم) النداء، وانطلقوا كالأُسود يحاربون العدوّ، فاستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء.
وبدأ أصحاب الحسين (عليه السلام) يتساقطون الواحد تلو الآخر، وقد أرهقوا جيش العدوّ وأثخنوه بالجراح، فتصايَح رجال عمر بن سعد: لو استمرّت الحربُ بَيننا، لأتوا على آخرنا، لِنَهجم عليهم مَرّة واحدة، ولِنرشُفهُم بالنِبال والحجارة.
واستمرّ الهجوم والزحف نحو من بقي مع الإمام الحسين (عليه السلام)، وأحاطوا بهم من جهات متعدّدة، فتعالت أصوات ابن سعد ونداءاته إلى جيشه، وقد دخل المعسكر يقتل وينهب، ويقول: «اِحرقوا الخيام».
فضجّت النساء، وتصارخ الأطفال، وعلا الضجيج، وراحت ألسِنة النار تلتهم المخيّم، وسكّانه يفرُّون فزعين مرعوبين، فلم يهدأ سعير المعركة، وراح مَن بقي من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته يستشهدون الواحد تلو الآخر.
فاستُشهد ولده عليّ الأكبر وإخوته، وأبناء أخيه وابن أُخته، وآل عقيل وآل عليّ (عليه السلام)، مجزّرين كالأضاحي، وهم يتناثرون في أرض المعركة.
وكذا بدأ شلّال الدم ينحدر على أرض كربلاء، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حناجر النساء والأطفال.
فركب الإمام الحسين (عليه السلام) جواده، يتقدّمه أخوه العباس (عليه السلام)، وتوجّه نحو نهر الفرات؛ ليحمل الماء إلى العيال، فحالت حشود العدوّ دونه، فأصبح هو في جانب وأخيه في جانب آخر.
وكانت للبطل الشجاع أبي الفضل العباس (عليه السلام) صولة ومعركة حامية، طارت فيها رؤوس، وتساقطت فرسان، وهو يصول ويجول في ميدان الجهاد بعيداً عن أخيه، حتّى خرّ صريعاً سابحاً بدم الشهادة.
وتعلّق قلب الإمام الحسين (عليه السلام) بمخيّمه، وما خلّفت النار والسيوف بأهله وحرمه.
فراح (عليه السلام) ينادي، وقد طوّقته قوّات الأعداء وحالت بينه وبينهم، فصاح بهم: «أنَا الّذي أقاتِلُكم وتقاتلوني، والنِساء لَيسَ عَليهنّ جُناح، فامْنَعوا عُتاتكم وجهّالكم وطغاتكم من التعرُّض لحَرَمي ما دُمتُ حَيّاً»(3).
إلّا أنّهم استمرّوا في هجومهم على المخيّم، ولم يعبئوا لكلامه (عليه السلام).
فاستمرّ الهجوم عنيفاً، والإمام (عليه السلام) منهمك في قتال أعدائه، إلى أن سدّد له أحد الأجلاف سهماً واستقرّ في نحره الشريف، ثمّ راحت السيوف والرماح تنزل عليه كالمطر الغزير.
فلم يستطع (عليه السلام) مقاومة الألم والنزف، فوقع على الأرض، ولم يكفُّوا عنه؛ لأنّ روح الحقد والوحشية التي امتلأت بها جوانحهم لم تسمح بذلك.
بل راح الملعون شمر بن ذي الجوشن، يحمل سيفه ليقطع غصناً من شجرة النبوّة، وليثكل الزهراء (عليها السلام) بعزيزها، ففصل الرأس الشريف عن الجسد، ليحمله هدية للطاغية يزيد.
ذلك الرأس الذي طالما سجد لله، وحمل اللّسان الذي ما فتئ يردّد ذكر الله، وينادي (عليه السلام): «لا أعطِيكُم بِيَدي إِعطَاء الذليل، ولا أقرُّ إِقرَار العبيد»(4)، الرأس الذي حمل العزّ والإباء، ورفض أن ينحني للعتاة أو يطأطئ جبهته للظالمين.
ثمّ حلّ السكون على أرض كربلاء الطاهرة، فأتت العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام) إلى الميدان حتّى وقفت على جسد أخيها الحسين (عليه السلام)، ثمّ قالت: «اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان».
جزاء قاتلي الإمام الحسين (عليه السلام)
حُكي عن السدّي قال: أضافني رجل في ليلة كنت أحبُّ الجليس، فرحّبت به وأكرمته، وجلسنا نتسامر، وإذا به ينطلق بالكلام كالسيل إذا قصد الحضيض.
فطرقت له فانتهى في سمره إلى طفّ كربلاء، وكان قريب العهد من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)، فتأوّهت وتزفّرت، فقال: ما لك؟ قال السدّي: ذكرت مصاباً يهون عنده كلّ مصاب.
قال الرجل: أما كنت حاضراً يوم الطفّ؟ قال السدّي: لا والحمد لله.
قال الرجل: أراك تحمد، على أيّ شيء؟! قال السدّي: على الخلاص من دم الحسين (عليه السلام)؛ لأنّ جدّه (صلى الله عليه وآله) قال: «إنّ مَن طُولِبَ بدم ولدي الحسين يوم القيامة لخفيف الميزان».
قال الرجل: هكذا قال جدّه (صلى الله عليه وآله)؟ قال السدّي: نعم، وقال (صلى الله عليه وآله): «ولدي الحسين يُقتل ظلماً وعدواناً، أَلا ومَن قتله يدخل في تابوت من نار، ويُعذّب بعذاب نصفِ أهل النار، هو ومَن شايع وبايع أو رضي بذلك، كُلّما نضجت جلودهم بُدِّلوا بجلود غيرها؛ ليذوقوا العذاب، فالويل لهم من عذاب جهنّم».
قال الرجل: لا تصدّق هذا الكلام يا أخي؟ قال السدّي: كيف هذا وقد قال (صلى الله عليه وآله): «لا كَذِبتُ وَلا كُذِّبتُ».
قال الرجل: ترى قالوا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قاتل ولدي الحسين لا يطول عمره، وها أنا وحقّك قد تجاوزت التسعين مع أنّك ما تعرفني»، قال السدّي: لا والله.
قال الرجل: أنا الأخنس بن زيد، قال السدّي: وما صنعت يوم الطف؟
قال الأخنس: أنا الذي أُمّرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطئ جسم الحسين بسنابك الخيل، وهشمت أضلاعه، وجررت نطعاً من تحت عليّ بن الحسين وهو عليل حتّى كببته على وجهه، وخرمت اُذني صفية بنت الحسين، لقرطين كانا في أُذنيها.
قال السدّي: فبكى قلبي هجوعاً وعيناي دموعاً، وخرجت أُعالج على إهلاكه، وإذا بالسراج قد ضعفت، فقمت أزهرها.
فقال: اجلس، وهو يحكي متعجّباً من نفسه وسلامته، ومدّ إصبعه ليزهرها فاشتعلت به، ففركها في التراب فلم تنطفِ، فصاح بي: أدركني يا أخي، فكببت الشربة عليها وأنا غير محبٍّ لذلك، فلمّا شمّت النار رائحة الماء ازدادت قوّة، وصاح بي: ما هذه النار وما يطفئها؟!!
قلت: ألقِ نفسك في النهر، فرمى بنفسه، فكلّما ركس جسمه في الماء اشتعلت في جميع بدنه كالخشبة البالية في الريح البارح، هذا وأنا أنظره، فوالله الذي لا إله إلّا هو، لم تُطفأ حتّى صار فحماً، وسار على وجه الماء!!(5).
وروي عن عبد الله بن رباح القاضي أنّه قال: لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الإمام الحسين (عليه السلام)، فسُئل عن بصره، فقال: كنت شهدت قتله عاشر عشرة، غير أنّي لم أطعن برمح ولم أضرب بسيف ولم أرمِ بسهم.
فلمّا قُتل (عليه السلام) رجعت إلى منزلي وصلّيت العشاء الآخرة ونمتُ، فأتاني آتٍ في منامي فقال: أجب رسول الله!! فقلت: ما لي وله؟
فأخذ بتلابيبي وجرّني إليه، فإذا النبيّ(صلى الله عليه وآله) جالس في صحراء، حاسر عن ذارعيه، آخذ بحربة، وملك قائم بين يديه، وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة، فكلّما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً!! فدنوت منه وجثوت بين يديه، وقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يردّ (صلى الله عليه وآله) عليّ.
ومكث طويلاً، ثمّ رفع رأسه وقال (صلى الله عليه وآله): «يا عدوّ الله، انتهكت حرمتي، وقتلت عترتي، ولم ترعَ حقِّي، وفعلت وفعلت».
فقلت: يا رسول الله، ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم، فقال (صلى الله عليه وآله): «صدقتَ، ولكنّك كثّرت السواد، أُدنُ مِنِّي»، فدنوت منه، فإذا بطشت مملوء دماً.
فقال (صلى الله عليه وآله) لي: «هذا دم ولدي الحسين»، فكحّلني من ذلك الدم، فاحترقت عيناي، فانتبهت لا أبصر شيئاً(6).
ورئي رجل بلا يدين ولا رجلين، وهو أعمى يقول: ربّي نجّتي من النار، فقيل له: لم يبقَ عليك عقوبة، وأنت تسأل النجاة من النار؟!
قال: إنّي كنت فيمن قاتل الحسين (عليه السلام) في كربلاء، فلمّا رأيت عليه سراويل وتكّة حسنة، فأردت أن انتزع التكّة، فرفع يده اليمنى ووضعها على التكّة، فلم أقدر على رفعها، فقطعت يمينه (عليه السلام).
ثمّ أردت أنتزاع التكّة فرفع شماله ووضعها على التكّة، فلم أقدر رفعها فقطعت شماله (عليه السلام)، ثمّ هممت بنزع السراويل، فسمعت زلزلة فخفت وتركته، فألقى الله عليّ النوم فنمت بين القتلى.
فرأيت كأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أقبل، ومعه عليّ وفاطمة والحسن (عليهم السلام)، فأخذوا رأس الحسين (عليه السلام) فقبّلته فاطمة(عليها السلام) وقالت: «يا بني قتلوك!! قتلهم الله».
وكأنّه (عليه السلام) يقول: «ذَبَحَنِي شمرٌ، وقطع يدي هذا النائم»، وأشار إليّ، فقالت لي فاطمة (عليها السلام): «قَطعَ الله يديكَ ورجليكَ، وأعمى بصرك، وأدخلك النار».
فانتبهت وأنا لا أبصر شيئاً، ثمّ سقطت يداي ورجلاي، فلم يبقَ من دعائها إلّا النار(7).
====
المصادر:
1ـ مقتل الحسين: 117.
2ـ أعيان الشيعة 1/603.
3ـ المصدر السابق 1/609.
4ـ مقتل الحسين: 118.
5ـ مدينة المعاجز 4/95.
6ـ المصدر السابق 4/101.
7ـ بحار الأنوار 45/311.
بقلم : محمد أمين نجف.
ومع السلامة.