حيدر عراق
03-11-2013, 12:30 AM
الزوج لا يسمع وابتلت الزوجة
حيدر محمد الوائلي
يُحكى أن رجلاً كان خائفاً على زوجته أنها لا تسمع جيداً وقد تفقد سمعها تماماً يوماً ما فقرر أن يعرضها على طبيب أخصائي للأذن لما يعانيه من صعوبة التواصل معها ولكن وقبل ذلك فكر بأن يستشير طبيب الأسرة صديقه قبل عرضها على أخصائي، فقابله وشرح له المشكلة فأخبره الطبيب بأن هناك طريقة بسيطة لفحص درجة فقدان السمع عند الزوجة وهي بأن يقف الزوج على بعد 40 قدماً من الزوجة ويتحدث معها بنبرة صوت طبيعية فإذا استجابت لك فهذا جيد وإلا أقترب 30 قدماً فإن لم تستجب فأقترب 20 قدماً وإن لم ينفع فأقترب 10 أقدام وهكذا حتى تسمعك.
وفي المساء دخل البيت ووجد الزوجة في المطبخ منهمكة بإعداد العشاء، فقال الآن الفرصة سانحة وسأعمل على تطبيق وصية الطبيب، فوقف بباب الصالة وهي تبعد تقريباً 40 قدماً من حيث يقف عنها ثم أخذ يتحدث بنبرة عادية وسألها: حبيبتي ماذا أعددت لنا من الطعام؟!
لم تجبه...!
ثم أقترب 30 قدماً من المطبخ وكرر نفس السؤال: عزيزتي ماذا أعددت لنا على العشاء؟!
لم تجبه أيضاً...!
ثم أقترب 20 قدماً من المطبخ وكرر نفس السؤال: لـ(خاطر الله انة جوعان) ماذا تطبخين؟!
ولم تجبه كذلك...!
ثم أقترب 10 أقدام وقد دخل المطبخ ووقف خلفها وكرر نفس السؤال: أم أحمد (ما تسمعين) ماذا أعددت لنا من الطعام؟!
فألتفتت له وهي تصرخ: يا حبيبي للمرة الرابعة أجيبك، شوربة دجاج! شوربة دجاج! شوربة دجااااااااااااااااج!!
إن المشكلة ليست مع الآخرين أحياناً كما نظن، ولكن قد تكون المشكلة معنا نحن.
كثيراً ما نلعن الزمان والمكان والظرف، ونلوم السياسة والتاريخ والأقتصاد، ونلصق التهم بالغير ونعتب على الاخرين، ولم نفكر يوماً بأن نعاتب أنفسنا ونلومها وأن نعترف بالخطأ.
هي شجاعة أن تعترف مع نفسك أولاً بالخطأ وهذا مهم جداً بما يعزز من ثقتك بنفسك وأن تفكر بأن لك شجاعة الأقرار وستصبح عندك العزيمة والقدرة على التصحيح.
للأسف أن ثقافة الأعتراف بالخطأ غير سائدة في مجتمعاتنا لأسباب كثيرة منها سياسية ودينية وطائفية وإجتماعية جعلتنا طوائف وجماعات متفرقين تسيّر الكثير منا شهوات وغلّ النفوس ونغطي على خطأ من تميل له أنفسنا لأنه من طائفتنا أو من جماعتنا ونشهّر بأخطاء الغير لأنه لا تشتهيه أنفسنا.
سبب كل أزمة ومشكلة عصية على الحل هو عدم الأعتراف بوجودها وحتى لو تم الأعتراف بها فهو اعتراف لقلقة لسان لأن الخطأ بات مكشوفاً فلتخفيف وطأ النفس عليه فيقر بوجوده ليس إلا ولم يكن إقراره بالخطأ ناجم عن تأنيب الضمير وللتفكير الجدي بالمعالجة.
سيادة الخطأ في المجتمع وتكرار الأخطاء والأصرار عليها ناجم من هذه الثقافة حيث أصبح مجتمعنا العربي والأسلامي لأسباب ذكرت البعض منها بيئة حاضنة لنمو (فايروس) التخلف والجهل وسوء الأخلاق وضياع التنمية وكلها أخطاء حيث نرى الدول تنهض لأعالي المجد في الوقت الذي نتجه لنكون أسفل سافلين.
من المعروف أن الفايروس كائن ميت ما دام خارج الجسم ولكن ما إن يجد بيئة حاضنة (جسم) فيبدأ بفعله التدميري الفتاك، بل وينشر العدوى.
زاد ضياع التوجيه وغياب الوعي وإنشغال الناس بمشاكل السياسيين ونزاعاتهم ورجال الدين وطائفيتهم وبثهم للتفرقة بتعزيز روح الأصرار على الخطأ بل تقديس الخطأ وتقديس الجهل لكي لا يفرح الغير بوجود خطأ عندهم وتحسب نقطة ضعف عليهم.
منهم من يغطي على فساد إداري لجماعته وحزبه بل ويتهم من يكشف الفساد انه كشفه لأغراض سياسية، وعندما يخطب من غطى عن فساد جماعته أمام الناس فهو يصدح بالأخلاق ومكارمها والمبادئ وروعتها بما يصدع به رؤوس الخلق.
طبعاً هي حقيقة أن من يكشف الخطأ والفساد من السياسيين ورجال دين كان غرضه التسقيط فقط وليصعد نجمه ليس إلا ولم يكن غرضه الأصلاح والنصيحة.
من الأسباب التي عززت تقديس الخطأ وتقديس الجهل هو اننا مجتمع اناني ويعشق التبرير، لكل خطأ هنالك تبرير يدفع عن نفسه الذنب ليلصقه بغيره حتى ولو كان جماد وأول طريق النفاق وخداع النفس تبرير أعمى، وحتى أن البعض عنده تبرير وحيلة (شرعية) حتى لو قُبِض عليه متلبساً.
كذلك نحن مجتمع أناني يهتم الفرد منا بنظافة منزله فلا يرمي الأوساخ في الصالة ولا يبصق في غرفة النوم ولا يرمي القناني الفارغة في غرفة الأستقبال ويجتهد بصيانة منزله وحرمته، ولكن ما إن يخرج للشارع حتى يتصرف وكأنه شخص آخر فيرمي الأوساخ بأي مكان، والسائق يرميها من نافذة السيارة التي يقودها في الشارع الذي سلكه...!
في حوالي العام 2005 كان هنالك متعاقداً أجنبياً في أحد موانئ دولنا العربية وكانت مهمته الأشراف على صيانة الميناء، فصادف أن رأى من يصبغ بأحد أبواب الميناء الرئيسية من العاملين المواطنين يغش بعمله ولا يؤديه على أكمل وجه عن عمد وقصد.
طلب منه المقاول الأجنبي أن يعيد عمله مرة ثانية، ففعل ولكن تعمد العامل أن لا يقوم به على الوجه الصحيح مرة ثانية تقاعساً وكسلاً.
أصر المقاول الأجنبي على إعادة العمل وطلب من العامل أن يعيد عمله بالكامل بالشكل الصحيح وإلا سيقوم بطرده.
طبعاً بعد أن أحس العامل بالصرامة والشدة أدى عمله على أكمل وجه وصبغ الباب بالطريقة المطلوبة.
عندها قال المقاول الأجنبي للعامل: أنا لا أنتمي لهذا البلد فأنا مجرد متعاقد لفترة وسأعود لبلدي ولا يوجد عندك حرص على بلدك مثلي. أنت ابن البلد وبكل صلافة تخونه بعدم تأديتك لعملك بضمير.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبعد الدمار الشبه كامل الذي حلّ بالمانيا وسقوط الحكم النازي لم يكن هنالك جيش يدافع عن البلاد ولا شرطة تحفظ الأمن في الشوارع ولا سلطة تحكم، تلك الأيام كان هنالك صحفياً يتجول ليكتب تقارير عن ما بعد الحرب وصادف أن رأى جمع من المواطنين الألمان مصطفين في طابور منتظم من ذاته بإنتظار قدوم الحافلة ولما أتت فركبوا بكل نظام وترتيب.
فقال حينها هذا الصحفي: شعب منضبط كهذا لا يُخاف عليه.
وبالفعل فقد نهضت المانيا رغم كل الصعوبات الجمة لتصبح من ارقى دول العالم رغم إنقسامها لشرقية وغربية لتتظافر الجهود وتتوحد الألمانيتين سنة 1990 لتنهي الأنقسام واليوم المانيا على قمة هرم دول العالم بحفظ حقوق الأنسان والحرية وبالتطور والتنمية.
فما فعلنا نحن في الحروب التي حصلت عندنا وحتى في الثورات على الحكام فعمليات تصفية حساب وسلب ونهب وقتل وعصابات وتفجيرات وتأجيج الأزمات السياسية وتدعيم النفس الطائفي برياح الأحقاد والكراهية.
الاعتراف بوجود خطأ وخلل هو أهم خطوة للعلاج منه، ولقد قيل: ليس الفخر أن لا تسقط ولكن الفخر أن تنهض من بعد السقوط.
حيدر محمد الوائلي
يُحكى أن رجلاً كان خائفاً على زوجته أنها لا تسمع جيداً وقد تفقد سمعها تماماً يوماً ما فقرر أن يعرضها على طبيب أخصائي للأذن لما يعانيه من صعوبة التواصل معها ولكن وقبل ذلك فكر بأن يستشير طبيب الأسرة صديقه قبل عرضها على أخصائي، فقابله وشرح له المشكلة فأخبره الطبيب بأن هناك طريقة بسيطة لفحص درجة فقدان السمع عند الزوجة وهي بأن يقف الزوج على بعد 40 قدماً من الزوجة ويتحدث معها بنبرة صوت طبيعية فإذا استجابت لك فهذا جيد وإلا أقترب 30 قدماً فإن لم تستجب فأقترب 20 قدماً وإن لم ينفع فأقترب 10 أقدام وهكذا حتى تسمعك.
وفي المساء دخل البيت ووجد الزوجة في المطبخ منهمكة بإعداد العشاء، فقال الآن الفرصة سانحة وسأعمل على تطبيق وصية الطبيب، فوقف بباب الصالة وهي تبعد تقريباً 40 قدماً من حيث يقف عنها ثم أخذ يتحدث بنبرة عادية وسألها: حبيبتي ماذا أعددت لنا من الطعام؟!
لم تجبه...!
ثم أقترب 30 قدماً من المطبخ وكرر نفس السؤال: عزيزتي ماذا أعددت لنا على العشاء؟!
لم تجبه أيضاً...!
ثم أقترب 20 قدماً من المطبخ وكرر نفس السؤال: لـ(خاطر الله انة جوعان) ماذا تطبخين؟!
ولم تجبه كذلك...!
ثم أقترب 10 أقدام وقد دخل المطبخ ووقف خلفها وكرر نفس السؤال: أم أحمد (ما تسمعين) ماذا أعددت لنا من الطعام؟!
فألتفتت له وهي تصرخ: يا حبيبي للمرة الرابعة أجيبك، شوربة دجاج! شوربة دجاج! شوربة دجااااااااااااااااج!!
إن المشكلة ليست مع الآخرين أحياناً كما نظن، ولكن قد تكون المشكلة معنا نحن.
كثيراً ما نلعن الزمان والمكان والظرف، ونلوم السياسة والتاريخ والأقتصاد، ونلصق التهم بالغير ونعتب على الاخرين، ولم نفكر يوماً بأن نعاتب أنفسنا ونلومها وأن نعترف بالخطأ.
هي شجاعة أن تعترف مع نفسك أولاً بالخطأ وهذا مهم جداً بما يعزز من ثقتك بنفسك وأن تفكر بأن لك شجاعة الأقرار وستصبح عندك العزيمة والقدرة على التصحيح.
للأسف أن ثقافة الأعتراف بالخطأ غير سائدة في مجتمعاتنا لأسباب كثيرة منها سياسية ودينية وطائفية وإجتماعية جعلتنا طوائف وجماعات متفرقين تسيّر الكثير منا شهوات وغلّ النفوس ونغطي على خطأ من تميل له أنفسنا لأنه من طائفتنا أو من جماعتنا ونشهّر بأخطاء الغير لأنه لا تشتهيه أنفسنا.
سبب كل أزمة ومشكلة عصية على الحل هو عدم الأعتراف بوجودها وحتى لو تم الأعتراف بها فهو اعتراف لقلقة لسان لأن الخطأ بات مكشوفاً فلتخفيف وطأ النفس عليه فيقر بوجوده ليس إلا ولم يكن إقراره بالخطأ ناجم عن تأنيب الضمير وللتفكير الجدي بالمعالجة.
سيادة الخطأ في المجتمع وتكرار الأخطاء والأصرار عليها ناجم من هذه الثقافة حيث أصبح مجتمعنا العربي والأسلامي لأسباب ذكرت البعض منها بيئة حاضنة لنمو (فايروس) التخلف والجهل وسوء الأخلاق وضياع التنمية وكلها أخطاء حيث نرى الدول تنهض لأعالي المجد في الوقت الذي نتجه لنكون أسفل سافلين.
من المعروف أن الفايروس كائن ميت ما دام خارج الجسم ولكن ما إن يجد بيئة حاضنة (جسم) فيبدأ بفعله التدميري الفتاك، بل وينشر العدوى.
زاد ضياع التوجيه وغياب الوعي وإنشغال الناس بمشاكل السياسيين ونزاعاتهم ورجال الدين وطائفيتهم وبثهم للتفرقة بتعزيز روح الأصرار على الخطأ بل تقديس الخطأ وتقديس الجهل لكي لا يفرح الغير بوجود خطأ عندهم وتحسب نقطة ضعف عليهم.
منهم من يغطي على فساد إداري لجماعته وحزبه بل ويتهم من يكشف الفساد انه كشفه لأغراض سياسية، وعندما يخطب من غطى عن فساد جماعته أمام الناس فهو يصدح بالأخلاق ومكارمها والمبادئ وروعتها بما يصدع به رؤوس الخلق.
طبعاً هي حقيقة أن من يكشف الخطأ والفساد من السياسيين ورجال دين كان غرضه التسقيط فقط وليصعد نجمه ليس إلا ولم يكن غرضه الأصلاح والنصيحة.
من الأسباب التي عززت تقديس الخطأ وتقديس الجهل هو اننا مجتمع اناني ويعشق التبرير، لكل خطأ هنالك تبرير يدفع عن نفسه الذنب ليلصقه بغيره حتى ولو كان جماد وأول طريق النفاق وخداع النفس تبرير أعمى، وحتى أن البعض عنده تبرير وحيلة (شرعية) حتى لو قُبِض عليه متلبساً.
كذلك نحن مجتمع أناني يهتم الفرد منا بنظافة منزله فلا يرمي الأوساخ في الصالة ولا يبصق في غرفة النوم ولا يرمي القناني الفارغة في غرفة الأستقبال ويجتهد بصيانة منزله وحرمته، ولكن ما إن يخرج للشارع حتى يتصرف وكأنه شخص آخر فيرمي الأوساخ بأي مكان، والسائق يرميها من نافذة السيارة التي يقودها في الشارع الذي سلكه...!
في حوالي العام 2005 كان هنالك متعاقداً أجنبياً في أحد موانئ دولنا العربية وكانت مهمته الأشراف على صيانة الميناء، فصادف أن رأى من يصبغ بأحد أبواب الميناء الرئيسية من العاملين المواطنين يغش بعمله ولا يؤديه على أكمل وجه عن عمد وقصد.
طلب منه المقاول الأجنبي أن يعيد عمله مرة ثانية، ففعل ولكن تعمد العامل أن لا يقوم به على الوجه الصحيح مرة ثانية تقاعساً وكسلاً.
أصر المقاول الأجنبي على إعادة العمل وطلب من العامل أن يعيد عمله بالكامل بالشكل الصحيح وإلا سيقوم بطرده.
طبعاً بعد أن أحس العامل بالصرامة والشدة أدى عمله على أكمل وجه وصبغ الباب بالطريقة المطلوبة.
عندها قال المقاول الأجنبي للعامل: أنا لا أنتمي لهذا البلد فأنا مجرد متعاقد لفترة وسأعود لبلدي ولا يوجد عندك حرص على بلدك مثلي. أنت ابن البلد وبكل صلافة تخونه بعدم تأديتك لعملك بضمير.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبعد الدمار الشبه كامل الذي حلّ بالمانيا وسقوط الحكم النازي لم يكن هنالك جيش يدافع عن البلاد ولا شرطة تحفظ الأمن في الشوارع ولا سلطة تحكم، تلك الأيام كان هنالك صحفياً يتجول ليكتب تقارير عن ما بعد الحرب وصادف أن رأى جمع من المواطنين الألمان مصطفين في طابور منتظم من ذاته بإنتظار قدوم الحافلة ولما أتت فركبوا بكل نظام وترتيب.
فقال حينها هذا الصحفي: شعب منضبط كهذا لا يُخاف عليه.
وبالفعل فقد نهضت المانيا رغم كل الصعوبات الجمة لتصبح من ارقى دول العالم رغم إنقسامها لشرقية وغربية لتتظافر الجهود وتتوحد الألمانيتين سنة 1990 لتنهي الأنقسام واليوم المانيا على قمة هرم دول العالم بحفظ حقوق الأنسان والحرية وبالتطور والتنمية.
فما فعلنا نحن في الحروب التي حصلت عندنا وحتى في الثورات على الحكام فعمليات تصفية حساب وسلب ونهب وقتل وعصابات وتفجيرات وتأجيج الأزمات السياسية وتدعيم النفس الطائفي برياح الأحقاد والكراهية.
الاعتراف بوجود خطأ وخلل هو أهم خطوة للعلاج منه، ولقد قيل: ليس الفخر أن لا تسقط ولكن الفخر أن تنهض من بعد السقوط.