منهل
27-08-2006, 05:35 PM
امامته:
الامام الحسين أحد الكواكب المشرقة من أئمة أهل البيت (ع) الذين استكملت فيهم الصفات الانسانية ، وبلغوا ذروة الكمال المطلق ، وأقاموا منار هذا الدين ورفعوا شعار الحق والعدل في الارض وتبنوا القضايا المصيرية للاسلام وعانوا في سبيله جميع الوان الكوارث والخطوب ، ولاقوا كل جهد وضيق من جبابرة عصورهم الذين اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا .
وقد نظر النبي (ص) - وهو يوحي اليه - من خلال الاحقاب المترامية إلى الائمة الطاهرين من أهل بيته فعرفهم باسمائهم وصفاتهم ، ودلل بنصوصه العامة والخاصة على أنهم خلفاؤه وأوصياؤه ، وانهم سفن النجاة وأمن العباد وقرنهم بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وقد المعنا إلى الكثير من تلكم النصوص في البحوث السابقة فلم تعد هنا ضرورة لذكرها ، كما أنا بحثنا بصورة موضوعية وشاملة عن الامامة وضرورتها وواجبات الامام وصفاته في كتابنا (حياة الامام الحسن) فلا حاجة لاعادة البحث هنا .
مظاهر شخصيته :
أما الظاهر الفذة التي اتصفت بها شخصية أبي الاحرار وكانت من عناصره ومقوماته فهي :
1- قوة الارادة :
من النزعات الذاتية لابي الشهداء (ع) قوة الارادة وصلابة العزم والتصميم وقد ورث هذه الظاهرهة الكريمة من جده الرسول (ص) الذي غير التاريخ وقلب مفاهيم الحياة ووقف صامدا وحده أمام القوى الهائلة التي هبت لتمنعه من أن يقول كلمة الله ، فلم يعن بها وراح يقول لعمه أبي طالب مؤمن قريش :
والله لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بيساري على أن أترك هذا الامر ما تركته حتى أموت أو يظهره الله.
بهذا الارادة الجبارة قابل قوى الشرك ، واستطاع أن يتغلب على مجريات الاحداث ، وكذلك وقف سبطه العظيم في وجه الحكم الاموي فاعلن بلا تردد رفضه لبيعة يزيد ، وانطلق مع قلة الناصر إلى ساحات الجهاد ليرفع كلمة الحق ، ويدحض كلمة الباطل ، وقد حشدت عليه الدولة الاموية جيوشها الهائلة ، فلم يحفل بها ، واعلن عن عزمه وتصميمه بكلمته الخالدة قائلا :
لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما.
وانطلق مع الاسرة الكريمة من أهل بيته وأصحابه إلى ميدان الشرف والمجد ليرفع راية الاسلام ، ويحقق للامة الاسلامية اعظم الانتصارات والفتح حتى استشهد سلام الله عليه ، وهو من أقوى الناس ارادة ، وامضاهم عزيمة وتصميما .
غير حافل بما عاناه من الكوارث التي تذهل العقول وتحير الالباب .
2- الاباء عن الضيم :
والصفة البارزة من نزعات الامام الحسين (ع) الاباء عن الضيم حتى لقب (بأبي الضيم) وهي من أعظم القابه ذيوعا وانتشارا بين الناس فقد كان المثل الاعلى لهذه الظاهرة فهو الذي رفع شعار الكرامة الانسانية ورسم طريق الشرف والعزة ، فلم يخنع ، ولم يخضع لقرود بني أمية ، وآثر الموت تحت ظلال الاسنة ، يقول عبد العزيز بن نباتة السعدي :
والحسين الذي رأى الموت في العـ -ز حياة والعيش في الذل قتلا
ووصفه المؤرخ الشهير اليعقوبي بأنه شديد العزة يقول ابن أبي الحديد :
" سيد أهل الاباء الذي علم الناس الحمية ، والموت تحت ظلال السيوف اختيارا على الدنية أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) عرض عليه الامان هو وأصحابه فأنف من الذل ، وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنه لا يقتله ، فاختار الموت على ذلك .
وسمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي يقول :
كأن أبيان أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلا في الحسين :
وقد كان فــــــوت الموت سهلا فــــــرده اليه الحفاظ المـر والخلـــــــق الوعـــر
ونفس تعـــــاف الضيم حــــــتى كأنــــــه هو الكفر يوم الروع أو دونه الــــــكفر
فأثبت في مستـــنقع المــــــوت رجــــــله وقال لها : من دون أخصمــــك الحشر
تردى ثيـــاب الموت حمـــــــرا فمــــا بدا لها الليل إلا وهي من سندس خضر
لقد علم أبوالاحرار الناس نبل الاباء ونبل التضحية يقول فيه مصعب ابن الزبير :
واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة " ثم تمثل :
وإن الالى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التآسيا وقدكات كلماته يوم الطف من أروع ما أثر من الكلام العربي في تصوير العزة والمنعة والاعتداد بالنفس يقول :
" ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
ووقف يوم الطف كالجبل الاشم غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردة الاموية ، وقد ألقى عليهم وعلى الاجيال أروع الدروس عن الكرامة وعزة النفس وشرف الاباء قائلا :
والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ، ولا أفر فرار العبيد إني عذت بربي وربكم أن ترجمون وألقت هذه الكلمات المشرقة الاضواء على مدى ما يحمله الامام العظيم من الكرامة التي التي لا حد لابعادها ، والتي هي من أروع ما حفل به تاريخ الاسلام من صور البطولات الخالدة في جميع الآباد .
وتسابق شعراء أهل البيت (ع) إلى تصوير هذ الظاهرة الكريمة فكان ما نظموه في ذلك من أثمن ما دونته مصادر الادب العربي وقد عنى السيد حيدر الحلي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة التي رثى بها جده الحسين يقول :
طمعت أن تسومه القوم ضيمــا وأبى الله والحســــام الصنيــــع
كيف يلوي على الدنيــــة جـــيدا لسوى الله ما لــــواه الخــضوع
ولديه جأش أرد مــــن الــــدرع لضمأى القنــــــا وهن شــــروع
وبه يرجــــع الحفــــاظ لصــــدر ضاقت الارض وهـي فيـه تضيع
فأبـــــى أن يعــــيــش إلا عزيزا أو تجلى الكفاح وهو صريع
ولم تصور منعة النفس وإباؤها بمثل هذا التصوير الرائع ، فقد عرض حيدر إلى ما صممت عليه الدولة الاموية من ارغام الامام الحسين (ع) على الذل والهوان ، واخضاعه لجورهم واستبدادهم ، ولكن يأبى له الله ذلك وتأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عز النبوة أن يقر على الضيم ، فانه سلام الله عليه لم يلو جيده خاضعا لاي أحد إلا لله ، فكيف يخضع لاقزام بني امية وكيف يلويه سلطانهم عن عزمه الجبار الذي هو أرد من الدرع للقنا الضامئة ، وما أروع قوله :
وبه يرجع الحفاظ لصدر ضاقت الارض وهي فيه تضيع وهل هناك أبلغ أو أدق وصفا لاباء الامام الحسين وعزته من هذا الوصف ، فقد أرجع جميع طاقات الحفاظ والذمام لصدر الامام (ع) التى ضاقت الارض من صلابة عزمه وتصميمه ، بل أنها على سعتها تضيع فيه ومن الحق انه قد حلق في وصفه لاباء الامام ، ويضاف لذلك جمال اللفظ فليس في هذا الشعر كلمة غريبة أو حرف ينبو على السمع .
وانظر إلى هذه الابيات من رائعته الاخرى التي يصف بها اباء الحسين يقول :
لقد مات لكــــــن ميتـــة هاشميـــة لهم عرفت تحـــت القــــــنا المتقصد
كريم أبــــى شـــم الدنية أنــــــفـــه فأشممــه شـــوك الوشيـــج المسدد
وقال: قـــفي يا نفس وقـفــــه وارد حيـــــاض الردى لا وقفــــة المتردد
رأى أن ظهر الذل أخشن مركبـــــا من الموت حيث الموت منه بمرصد
فآثر أن يسعى على جمرة الوغــى برجـل ولا يعطى المقادة عن يد
لا أكاد أعرف شعرا أدق ، ولا أعذب من هذا الشعر فهو يمثل أصدق تمثيل منعة الامام العظيم وعزة نفسه التي آثرت الموت تحت ظلال الاسنة على العيش الرغيد بذل وخنوع ، ناهجا بذلك منهج الشهداء من أسرته الذين تسابقوا إلى ساحات النضال ، واندفعوا بشوق إلى ميادين التضحية والفداء لينعموا بالكرامة والعزة .
ومضى حيدر في تصويره لاباء الامام الشهيد فوصفه بأنه أبى شم الدنية والضيم ، وعمد إلى شم الرماح والسيوف لان بها طعام الاباء وطعم الشرف والمجد.وعلى هذا الغرار من الوصف الرائع يمضي حيدر في تصويره لمنعة الامام ، تلك المنعة التي ملكت مشاعره وعواطفه كما ملكت عواطف غيره ومن المقطوع به أنه لم يكن متكلفا بذلك ، ولا منتحلا وانما وصف الواقع وصفا صادقا لا تكلف فيه .
ويقول حيدر :
في رائعة أخرى يصف بها اباء الامام وسمو ذاته ، ولعلها من أجمل ما رثى به الامام (ع) يقول :
وسامته يركــــب احدى اثنتين وقــــد صرت الحــــرب أسنانها
فإما يــــرى مذعنا أو تمـــوت نــــفس أبــــى العــــز اذعانها
فقال لها: اعتصـــــمي بالاباء فنــــفس الابــــي ومــــا زانها
اذا لم تجد غير لبس الهـــوان فبالمــــوت تنزع جــــثمانـــها
رأى القتل صبرا شعار الكرام وفخــــرا يزيــــن لها شأنهـــا
فشمر للحــــرب فــــــي معرك به عرك الموت فرسانها
إن مراثي حيدر للامام تعد - بحق - طغراء مشرقا في تراث الامة العربية ، فقد فكر فيها تفكيرا جادا ورتب أجزاءها ترتيبا دقيقا حتى جاءت بهذه الروعة وكان - فيما يقول معاصروه - ينظم في كل حول قصيدة خاصة في الامام (ع) ويعكف طيلة عامه على اصلاحها ، ويمعن امعانا دقيقا في كل كلمة من كلماتها حتى جاءت بمنتهى الروعة والابداع .
3-الشجاعة :
ولم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع ولا أربط جأشا ، ولا أقوى جنانا من الامام الحسين (ع) فقد وقف يوم الطف موقفا حير فيه الالباب وأذهل فيه العقول وأخذت الاجيال تتحدث باعجاب واكبار عن بسالته وصلابة عزمه ، وقدم الناس شجاعته على شجاعة أبيه التي استوعبت جميع لغات الارض .
وقد بهر أعداؤه الجبناء بقوة بأسه ، فانه لم ينهار أمام تلك النكبات المذهلة التي أخذت تتواكب عليه ، وكان يزداد انطلاقا وبشرا كلما ازاداد الموقف بلاء ومحنة ، فانه بعد ما فقد أصحابه وأهل بيته زحف عليه الجيش بأسره وكان عدده - فيما يقول الرواة - ثلاثين الفا ، فحمل عليهم وحده وقد ملك الخوف والرعب قلوبهم فكانوا ينهزمون أمامه كالمعزى اذا شد عليها الذئب - على حد تعبير الرواة - وبقي صامدا كالجبل يتلقى الطعنات من كل جانب ، ولم يوه له ركن ، وإنما مضى في أمره استبسالا واستخفافا بالمنية يقول السيد حيدر :
فتلقى الجموع فردا ولكن كل عضو في الروع منه جموع
رمحه من بنانه وكأن من عزمه حد سيفه مطبوع
زوج السيف بالنفوس ولكن مهرها الموت والخضاب النجيع
ويقول في رائعة أخرى :
ركين وللارض تحت الكماة رجيف يزلزل ثهلانها
أقر على الارض من ظهرها إذا ململ الرعب أقرانها
تزيد الطلاقة في وجهه اذا غير الخوف الوانها
ولما سقط أبي الضيم على الارض جريحا وقد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش بأسره من الاجهاز عليه رعبا وخوفا منه ، يقول السيد حيدر :
عفيرا متى عاينته الكماة يختطف الرعب الوانها
فما أجلت الحرب عن مثله صريعا يجبن شجعانها
وتغذى أهل بيته وأصحابه بهذ الروح العظيمة فتسابقوا إلى الموت بشوق واخلاص لم يختلج في قلوبهم رعب ولا خوف ، وقد شهد لهم عدوهم بالبسالة ورباطة الجأش فقد قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد ويحك أقتلتم ذرية رسول الله (ص) فاندفع قائلا :
عضضت بالجندل ، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالاسود الضارية ، تحطم الفرسان يمينا وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الامان ، ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية ، والاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لاتت على نفوس العسكر بحذافيره ، فما كنا فاعلين لا أم لك.
ووصف بعض الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله :
فلو وقفت صم الجبال مكانهم لمادت على سهل ودكت على وعر
فمن قائم يستعرض النبل وجه ومن مقدم يرمي الاسنة بالصدر
وما أروع قول السيد حيدر :
دكوا رباها ثم قالوا لها وقد جثوا: نحن مكان الربا
لقد تحدى أبوالاحرار ببسالته النادرة الطبيعة البشرية فسخر من الموت وهزأ من الحياة ، وقد قال لاصحابه حينما مطرت عليه سهام الاعداء :
قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه ، فان هذه السهام رسل القوم اليكم.
لقد دعا أصحابه إلى الموت كأنما هو يدعوهم إلى مأدبه لذيذة ، ولقد كانت لذيذة عنده حقا لانه هو ينازل الباطل ويرتسم له برهان ربه الذي هو مبدؤه.
الامام الحسين أحد الكواكب المشرقة من أئمة أهل البيت (ع) الذين استكملت فيهم الصفات الانسانية ، وبلغوا ذروة الكمال المطلق ، وأقاموا منار هذا الدين ورفعوا شعار الحق والعدل في الارض وتبنوا القضايا المصيرية للاسلام وعانوا في سبيله جميع الوان الكوارث والخطوب ، ولاقوا كل جهد وضيق من جبابرة عصورهم الذين اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا .
وقد نظر النبي (ص) - وهو يوحي اليه - من خلال الاحقاب المترامية إلى الائمة الطاهرين من أهل بيته فعرفهم باسمائهم وصفاتهم ، ودلل بنصوصه العامة والخاصة على أنهم خلفاؤه وأوصياؤه ، وانهم سفن النجاة وأمن العباد وقرنهم بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وقد المعنا إلى الكثير من تلكم النصوص في البحوث السابقة فلم تعد هنا ضرورة لذكرها ، كما أنا بحثنا بصورة موضوعية وشاملة عن الامامة وضرورتها وواجبات الامام وصفاته في كتابنا (حياة الامام الحسن) فلا حاجة لاعادة البحث هنا .
مظاهر شخصيته :
أما الظاهر الفذة التي اتصفت بها شخصية أبي الاحرار وكانت من عناصره ومقوماته فهي :
1- قوة الارادة :
من النزعات الذاتية لابي الشهداء (ع) قوة الارادة وصلابة العزم والتصميم وقد ورث هذه الظاهرهة الكريمة من جده الرسول (ص) الذي غير التاريخ وقلب مفاهيم الحياة ووقف صامدا وحده أمام القوى الهائلة التي هبت لتمنعه من أن يقول كلمة الله ، فلم يعن بها وراح يقول لعمه أبي طالب مؤمن قريش :
والله لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بيساري على أن أترك هذا الامر ما تركته حتى أموت أو يظهره الله.
بهذا الارادة الجبارة قابل قوى الشرك ، واستطاع أن يتغلب على مجريات الاحداث ، وكذلك وقف سبطه العظيم في وجه الحكم الاموي فاعلن بلا تردد رفضه لبيعة يزيد ، وانطلق مع قلة الناصر إلى ساحات الجهاد ليرفع كلمة الحق ، ويدحض كلمة الباطل ، وقد حشدت عليه الدولة الاموية جيوشها الهائلة ، فلم يحفل بها ، واعلن عن عزمه وتصميمه بكلمته الخالدة قائلا :
لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما.
وانطلق مع الاسرة الكريمة من أهل بيته وأصحابه إلى ميدان الشرف والمجد ليرفع راية الاسلام ، ويحقق للامة الاسلامية اعظم الانتصارات والفتح حتى استشهد سلام الله عليه ، وهو من أقوى الناس ارادة ، وامضاهم عزيمة وتصميما .
غير حافل بما عاناه من الكوارث التي تذهل العقول وتحير الالباب .
2- الاباء عن الضيم :
والصفة البارزة من نزعات الامام الحسين (ع) الاباء عن الضيم حتى لقب (بأبي الضيم) وهي من أعظم القابه ذيوعا وانتشارا بين الناس فقد كان المثل الاعلى لهذه الظاهرة فهو الذي رفع شعار الكرامة الانسانية ورسم طريق الشرف والعزة ، فلم يخنع ، ولم يخضع لقرود بني أمية ، وآثر الموت تحت ظلال الاسنة ، يقول عبد العزيز بن نباتة السعدي :
والحسين الذي رأى الموت في العـ -ز حياة والعيش في الذل قتلا
ووصفه المؤرخ الشهير اليعقوبي بأنه شديد العزة يقول ابن أبي الحديد :
" سيد أهل الاباء الذي علم الناس الحمية ، والموت تحت ظلال السيوف اختيارا على الدنية أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) عرض عليه الامان هو وأصحابه فأنف من الذل ، وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنه لا يقتله ، فاختار الموت على ذلك .
وسمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي يقول :
كأن أبيان أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلا في الحسين :
وقد كان فــــــوت الموت سهلا فــــــرده اليه الحفاظ المـر والخلـــــــق الوعـــر
ونفس تعـــــاف الضيم حــــــتى كأنــــــه هو الكفر يوم الروع أو دونه الــــــكفر
فأثبت في مستـــنقع المــــــوت رجــــــله وقال لها : من دون أخصمــــك الحشر
تردى ثيـــاب الموت حمـــــــرا فمــــا بدا لها الليل إلا وهي من سندس خضر
لقد علم أبوالاحرار الناس نبل الاباء ونبل التضحية يقول فيه مصعب ابن الزبير :
واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة " ثم تمثل :
وإن الالى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التآسيا وقدكات كلماته يوم الطف من أروع ما أثر من الكلام العربي في تصوير العزة والمنعة والاعتداد بالنفس يقول :
" ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
ووقف يوم الطف كالجبل الاشم غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردة الاموية ، وقد ألقى عليهم وعلى الاجيال أروع الدروس عن الكرامة وعزة النفس وشرف الاباء قائلا :
والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ، ولا أفر فرار العبيد إني عذت بربي وربكم أن ترجمون وألقت هذه الكلمات المشرقة الاضواء على مدى ما يحمله الامام العظيم من الكرامة التي التي لا حد لابعادها ، والتي هي من أروع ما حفل به تاريخ الاسلام من صور البطولات الخالدة في جميع الآباد .
وتسابق شعراء أهل البيت (ع) إلى تصوير هذ الظاهرة الكريمة فكان ما نظموه في ذلك من أثمن ما دونته مصادر الادب العربي وقد عنى السيد حيدر الحلي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة التي رثى بها جده الحسين يقول :
طمعت أن تسومه القوم ضيمــا وأبى الله والحســــام الصنيــــع
كيف يلوي على الدنيــــة جـــيدا لسوى الله ما لــــواه الخــضوع
ولديه جأش أرد مــــن الــــدرع لضمأى القنــــــا وهن شــــروع
وبه يرجــــع الحفــــاظ لصــــدر ضاقت الارض وهـي فيـه تضيع
فأبـــــى أن يعــــيــش إلا عزيزا أو تجلى الكفاح وهو صريع
ولم تصور منعة النفس وإباؤها بمثل هذا التصوير الرائع ، فقد عرض حيدر إلى ما صممت عليه الدولة الاموية من ارغام الامام الحسين (ع) على الذل والهوان ، واخضاعه لجورهم واستبدادهم ، ولكن يأبى له الله ذلك وتأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عز النبوة أن يقر على الضيم ، فانه سلام الله عليه لم يلو جيده خاضعا لاي أحد إلا لله ، فكيف يخضع لاقزام بني امية وكيف يلويه سلطانهم عن عزمه الجبار الذي هو أرد من الدرع للقنا الضامئة ، وما أروع قوله :
وبه يرجع الحفاظ لصدر ضاقت الارض وهي فيه تضيع وهل هناك أبلغ أو أدق وصفا لاباء الامام الحسين وعزته من هذا الوصف ، فقد أرجع جميع طاقات الحفاظ والذمام لصدر الامام (ع) التى ضاقت الارض من صلابة عزمه وتصميمه ، بل أنها على سعتها تضيع فيه ومن الحق انه قد حلق في وصفه لاباء الامام ، ويضاف لذلك جمال اللفظ فليس في هذا الشعر كلمة غريبة أو حرف ينبو على السمع .
وانظر إلى هذه الابيات من رائعته الاخرى التي يصف بها اباء الحسين يقول :
لقد مات لكــــــن ميتـــة هاشميـــة لهم عرفت تحـــت القــــــنا المتقصد
كريم أبــــى شـــم الدنية أنــــــفـــه فأشممــه شـــوك الوشيـــج المسدد
وقال: قـــفي يا نفس وقـفــــه وارد حيـــــاض الردى لا وقفــــة المتردد
رأى أن ظهر الذل أخشن مركبـــــا من الموت حيث الموت منه بمرصد
فآثر أن يسعى على جمرة الوغــى برجـل ولا يعطى المقادة عن يد
لا أكاد أعرف شعرا أدق ، ولا أعذب من هذا الشعر فهو يمثل أصدق تمثيل منعة الامام العظيم وعزة نفسه التي آثرت الموت تحت ظلال الاسنة على العيش الرغيد بذل وخنوع ، ناهجا بذلك منهج الشهداء من أسرته الذين تسابقوا إلى ساحات النضال ، واندفعوا بشوق إلى ميادين التضحية والفداء لينعموا بالكرامة والعزة .
ومضى حيدر في تصويره لاباء الامام الشهيد فوصفه بأنه أبى شم الدنية والضيم ، وعمد إلى شم الرماح والسيوف لان بها طعام الاباء وطعم الشرف والمجد.وعلى هذا الغرار من الوصف الرائع يمضي حيدر في تصويره لمنعة الامام ، تلك المنعة التي ملكت مشاعره وعواطفه كما ملكت عواطف غيره ومن المقطوع به أنه لم يكن متكلفا بذلك ، ولا منتحلا وانما وصف الواقع وصفا صادقا لا تكلف فيه .
ويقول حيدر :
في رائعة أخرى يصف بها اباء الامام وسمو ذاته ، ولعلها من أجمل ما رثى به الامام (ع) يقول :
وسامته يركــــب احدى اثنتين وقــــد صرت الحــــرب أسنانها
فإما يــــرى مذعنا أو تمـــوت نــــفس أبــــى العــــز اذعانها
فقال لها: اعتصـــــمي بالاباء فنــــفس الابــــي ومــــا زانها
اذا لم تجد غير لبس الهـــوان فبالمــــوت تنزع جــــثمانـــها
رأى القتل صبرا شعار الكرام وفخــــرا يزيــــن لها شأنهـــا
فشمر للحــــرب فــــــي معرك به عرك الموت فرسانها
إن مراثي حيدر للامام تعد - بحق - طغراء مشرقا في تراث الامة العربية ، فقد فكر فيها تفكيرا جادا ورتب أجزاءها ترتيبا دقيقا حتى جاءت بهذه الروعة وكان - فيما يقول معاصروه - ينظم في كل حول قصيدة خاصة في الامام (ع) ويعكف طيلة عامه على اصلاحها ، ويمعن امعانا دقيقا في كل كلمة من كلماتها حتى جاءت بمنتهى الروعة والابداع .
3-الشجاعة :
ولم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع ولا أربط جأشا ، ولا أقوى جنانا من الامام الحسين (ع) فقد وقف يوم الطف موقفا حير فيه الالباب وأذهل فيه العقول وأخذت الاجيال تتحدث باعجاب واكبار عن بسالته وصلابة عزمه ، وقدم الناس شجاعته على شجاعة أبيه التي استوعبت جميع لغات الارض .
وقد بهر أعداؤه الجبناء بقوة بأسه ، فانه لم ينهار أمام تلك النكبات المذهلة التي أخذت تتواكب عليه ، وكان يزداد انطلاقا وبشرا كلما ازاداد الموقف بلاء ومحنة ، فانه بعد ما فقد أصحابه وأهل بيته زحف عليه الجيش بأسره وكان عدده - فيما يقول الرواة - ثلاثين الفا ، فحمل عليهم وحده وقد ملك الخوف والرعب قلوبهم فكانوا ينهزمون أمامه كالمعزى اذا شد عليها الذئب - على حد تعبير الرواة - وبقي صامدا كالجبل يتلقى الطعنات من كل جانب ، ولم يوه له ركن ، وإنما مضى في أمره استبسالا واستخفافا بالمنية يقول السيد حيدر :
فتلقى الجموع فردا ولكن كل عضو في الروع منه جموع
رمحه من بنانه وكأن من عزمه حد سيفه مطبوع
زوج السيف بالنفوس ولكن مهرها الموت والخضاب النجيع
ويقول في رائعة أخرى :
ركين وللارض تحت الكماة رجيف يزلزل ثهلانها
أقر على الارض من ظهرها إذا ململ الرعب أقرانها
تزيد الطلاقة في وجهه اذا غير الخوف الوانها
ولما سقط أبي الضيم على الارض جريحا وقد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش بأسره من الاجهاز عليه رعبا وخوفا منه ، يقول السيد حيدر :
عفيرا متى عاينته الكماة يختطف الرعب الوانها
فما أجلت الحرب عن مثله صريعا يجبن شجعانها
وتغذى أهل بيته وأصحابه بهذ الروح العظيمة فتسابقوا إلى الموت بشوق واخلاص لم يختلج في قلوبهم رعب ولا خوف ، وقد شهد لهم عدوهم بالبسالة ورباطة الجأش فقد قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد ويحك أقتلتم ذرية رسول الله (ص) فاندفع قائلا :
عضضت بالجندل ، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالاسود الضارية ، تحطم الفرسان يمينا وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الامان ، ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية ، والاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لاتت على نفوس العسكر بحذافيره ، فما كنا فاعلين لا أم لك.
ووصف بعض الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله :
فلو وقفت صم الجبال مكانهم لمادت على سهل ودكت على وعر
فمن قائم يستعرض النبل وجه ومن مقدم يرمي الاسنة بالصدر
وما أروع قول السيد حيدر :
دكوا رباها ثم قالوا لها وقد جثوا: نحن مكان الربا
لقد تحدى أبوالاحرار ببسالته النادرة الطبيعة البشرية فسخر من الموت وهزأ من الحياة ، وقد قال لاصحابه حينما مطرت عليه سهام الاعداء :
قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه ، فان هذه السهام رسل القوم اليكم.
لقد دعا أصحابه إلى الموت كأنما هو يدعوهم إلى مأدبه لذيذة ، ولقد كانت لذيذة عنده حقا لانه هو ينازل الباطل ويرتسم له برهان ربه الذي هو مبدؤه.