المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لمحات من مِثلُ الامام الحسين عليه السلام


منهل
27-08-2006, 05:35 PM
امامته:
الامام الحسين أحد الكواكب المشرقة من أئمة أهل البيت (ع) الذين استكملت فيهم الصفات الانسانية ، وبلغوا ذروة الكمال المطلق ، وأقاموا منار هذا الدين ورفعوا شعار الحق والعدل في الارض وتبنوا القضايا المصيرية للاسلام وعانوا في سبيله جميع الوان الكوارث والخطوب ، ولاقوا كل جهد وضيق من جبابرة عصورهم الذين اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا .
وقد نظر النبي (ص) - وهو يوحي اليه - من خلال الاحقاب المترامية إلى الائمة الطاهرين من أهل بيته فعرفهم باسمائهم وصفاتهم ، ودلل بنصوصه العامة والخاصة على أنهم خلفاؤه وأوصياؤه ، وانهم سفن النجاة وأمن العباد وقرنهم بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وقد المعنا إلى الكثير من تلكم النصوص في البحوث السابقة فلم تعد هنا ضرورة لذكرها ، كما أنا بحثنا بصورة موضوعية وشاملة عن الامامة وضرورتها وواجبات الامام وصفاته في كتابنا (حياة الامام الحسن) فلا حاجة لاعادة البحث هنا .
مظاهر شخصيته :
أما الظاهر الفذة التي اتصفت بها شخصية أبي الاحرار وكانت من عناصره ومقوماته فهي :
1- قوة الارادة :
من النزعات الذاتية لابي الشهداء (ع) قوة الارادة وصلابة العزم والتصميم وقد ورث هذه الظاهرهة الكريمة من جده الرسول (ص) الذي غير التاريخ وقلب مفاهيم الحياة ووقف صامدا وحده أمام القوى الهائلة التي هبت لتمنعه من أن يقول كلمة الله ، فلم يعن بها وراح يقول لعمه أبي طالب مؤمن قريش :
والله لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بيساري على أن أترك هذا الامر ما تركته حتى أموت أو يظهره الله.
بهذا الارادة الجبارة قابل قوى الشرك ، واستطاع أن يتغلب على مجريات الاحداث ، وكذلك وقف سبطه العظيم في وجه الحكم الاموي فاعلن بلا تردد رفضه لبيعة يزيد ، وانطلق مع قلة الناصر إلى ساحات الجهاد ليرفع كلمة الحق ، ويدحض كلمة الباطل ، وقد حشدت عليه الدولة الاموية جيوشها الهائلة ، فلم يحفل بها ، واعلن عن عزمه وتصميمه بكلمته الخالدة قائلا :
لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما.
وانطلق مع الاسرة الكريمة من أهل بيته وأصحابه إلى ميدان الشرف والمجد ليرفع راية الاسلام ، ويحقق للامة الاسلامية اعظم الانتصارات والفتح حتى استشهد سلام الله عليه ، وهو من أقوى الناس ارادة ، وامضاهم عزيمة وتصميما .
غير حافل بما عاناه من الكوارث التي تذهل العقول وتحير الالباب .
2- الاباء عن الضيم :
والصفة البارزة من نزعات الامام الحسين (ع) الاباء عن الضيم حتى لقب (بأبي الضيم) وهي من أعظم القابه ذيوعا وانتشارا بين الناس فقد كان المثل الاعلى لهذه الظاهرة فهو الذي رفع شعار الكرامة الانسانية ورسم طريق الشرف والعزة ، فلم يخنع ، ولم يخضع لقرود بني أمية ، وآثر الموت تحت ظلال الاسنة ، يقول عبد العزيز بن نباتة السعدي :
والحسين الذي رأى الموت في العـ -ز حياة والعيش في الذل قتلا
ووصفه المؤرخ الشهير اليعقوبي بأنه شديد العزة يقول ابن أبي الحديد :
" سيد أهل الاباء الذي علم الناس الحمية ، والموت تحت ظلال السيوف اختيارا على الدنية أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) عرض عليه الامان هو وأصحابه فأنف من الذل ، وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنه لا يقتله ، فاختار الموت على ذلك .
وسمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي يقول :
كأن أبيان أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلا في الحسين :
وقد كان فــــــوت الموت سهلا فــــــرده اليه الحفاظ المـر والخلـــــــق الوعـــر
ونفس تعـــــاف الضيم حــــــتى كأنــــــه هو الكفر يوم الروع أو دونه الــــــكفر
فأثبت في مستـــنقع المــــــوت رجــــــله وقال لها : من دون أخصمــــك الحشر
تردى ثيـــاب الموت حمـــــــرا فمــــا بدا لها الليل إلا وهي من سندس خضر
لقد علم أبوالاحرار الناس نبل الاباء ونبل التضحية يقول فيه مصعب ابن الزبير :
واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة " ثم تمثل :
وإن الالى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التآسيا وقدكات كلماته يوم الطف من أروع ما أثر من الكلام العربي في تصوير العزة والمنعة والاعتداد بالنفس يقول :
" ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
ووقف يوم الطف كالجبل الاشم غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردة الاموية ، وقد ألقى عليهم وعلى الاجيال أروع الدروس عن الكرامة وعزة النفس وشرف الاباء قائلا :
والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ، ولا أفر فرار العبيد إني عذت بربي وربكم أن ترجمون وألقت هذه الكلمات المشرقة الاضواء على مدى ما يحمله الامام العظيم من الكرامة التي التي لا حد لابعادها ، والتي هي من أروع ما حفل به تاريخ الاسلام من صور البطولات الخالدة في جميع الآباد .
وتسابق شعراء أهل البيت (ع) إلى تصوير هذ الظاهرة الكريمة فكان ما نظموه في ذلك من أثمن ما دونته مصادر الادب العربي وقد عنى السيد حيدر الحلي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة التي رثى بها جده الحسين يقول :
طمعت أن تسومه القوم ضيمــا وأبى الله والحســــام الصنيــــع
كيف يلوي على الدنيــــة جـــيدا لسوى الله ما لــــواه الخــضوع
ولديه جأش أرد مــــن الــــدرع لضمأى القنــــــا وهن شــــروع
وبه يرجــــع الحفــــاظ لصــــدر ضاقت الارض وهـي فيـه تضيع
فأبـــــى أن يعــــيــش إلا عزيزا أو تجلى الكفاح وهو صريع
ولم تصور منعة النفس وإباؤها بمثل هذا التصوير الرائع ، فقد عرض حيدر إلى ما صممت عليه الدولة الاموية من ارغام الامام الحسين (ع) على الذل والهوان ، واخضاعه لجورهم واستبدادهم ، ولكن يأبى له الله ذلك وتأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عز النبوة أن يقر على الضيم ، فانه سلام الله عليه لم يلو جيده خاضعا لاي أحد إلا لله ، فكيف يخضع لاقزام بني امية وكيف يلويه سلطانهم عن عزمه الجبار الذي هو أرد من الدرع للقنا الضامئة ، وما أروع قوله :
وبه يرجع الحفاظ لصدر ضاقت الارض وهي فيه تضيع وهل هناك أبلغ أو أدق وصفا لاباء الامام الحسين وعزته من هذا الوصف ، فقد أرجع جميع طاقات الحفاظ والذمام لصدر الامام (ع) التى ضاقت الارض من صلابة عزمه وتصميمه ، بل أنها على سعتها تضيع فيه ومن الحق انه قد حلق في وصفه لاباء الامام ، ويضاف لذلك جمال اللفظ فليس في هذا الشعر كلمة غريبة أو حرف ينبو على السمع .
وانظر إلى هذه الابيات من رائعته الاخرى التي يصف بها اباء الحسين يقول :
لقد مات لكــــــن ميتـــة هاشميـــة لهم عرفت تحـــت القــــــنا المتقصد
كريم أبــــى شـــم الدنية أنــــــفـــه فأشممــه شـــوك الوشيـــج المسدد
وقال: قـــفي يا نفس وقـفــــه وارد حيـــــاض الردى لا وقفــــة المتردد
رأى أن ظهر الذل أخشن مركبـــــا من الموت حيث الموت منه بمرصد
فآثر أن يسعى على جمرة الوغــى برجـل ولا يعطى المقادة عن يد
لا أكاد أعرف شعرا أدق ، ولا أعذب من هذا الشعر فهو يمثل أصدق تمثيل منعة الامام العظيم وعزة نفسه التي آثرت الموت تحت ظلال الاسنة على العيش الرغيد بذل وخنوع ، ناهجا بذلك منهج الشهداء من أسرته الذين تسابقوا إلى ساحات النضال ، واندفعوا بشوق إلى ميادين التضحية والفداء لينعموا بالكرامة والعزة .
ومضى حيدر في تصويره لاباء الامام الشهيد فوصفه بأنه أبى شم الدنية والضيم ، وعمد إلى شم الرماح والسيوف لان بها طعام الاباء وطعم الشرف والمجد.وعلى هذا الغرار من الوصف الرائع يمضي حيدر في تصويره لمنعة الامام ، تلك المنعة التي ملكت مشاعره وعواطفه كما ملكت عواطف غيره ومن المقطوع به أنه لم يكن متكلفا بذلك ، ولا منتحلا وانما وصف الواقع وصفا صادقا لا تكلف فيه .
ويقول حيدر :
في رائعة أخرى يصف بها اباء الامام وسمو ذاته ، ولعلها من أجمل ما رثى به الامام (ع) يقول :
وسامته يركــــب احدى اثنتين وقــــد صرت الحــــرب أسنانها
فإما يــــرى مذعنا أو تمـــوت نــــفس أبــــى العــــز اذعانها
فقال لها: اعتصـــــمي بالاباء فنــــفس الابــــي ومــــا زانها
اذا لم تجد غير لبس الهـــوان فبالمــــوت تنزع جــــثمانـــها
رأى القتل صبرا شعار الكرام وفخــــرا يزيــــن لها شأنهـــا
فشمر للحــــرب فــــــي معرك به عرك الموت فرسانها
إن مراثي حيدر للامام تعد - بحق - طغراء مشرقا في تراث الامة العربية ، فقد فكر فيها تفكيرا جادا ورتب أجزاءها ترتيبا دقيقا حتى جاءت بهذه الروعة وكان - فيما يقول معاصروه - ينظم في كل حول قصيدة خاصة في الامام (ع) ويعكف طيلة عامه على اصلاحها ، ويمعن امعانا دقيقا في كل كلمة من كلماتها حتى جاءت بمنتهى الروعة والابداع .
3-الشجاعة :
ولم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع ولا أربط جأشا ، ولا أقوى جنانا من الامام الحسين (ع) فقد وقف يوم الطف موقفا حير فيه الالباب وأذهل فيه العقول وأخذت الاجيال تتحدث باعجاب واكبار عن بسالته وصلابة عزمه ، وقدم الناس شجاعته على شجاعة أبيه التي استوعبت جميع لغات الارض .
وقد بهر أعداؤه الجبناء بقوة بأسه ، فانه لم ينهار أمام تلك النكبات المذهلة التي أخذت تتواكب عليه ، وكان يزداد انطلاقا وبشرا كلما ازاداد الموقف بلاء ومحنة ، فانه بعد ما فقد أصحابه وأهل بيته زحف عليه الجيش بأسره وكان عدده - فيما يقول الرواة - ثلاثين الفا ، فحمل عليهم وحده وقد ملك الخوف والرعب قلوبهم فكانوا ينهزمون أمامه كالمعزى اذا شد عليها الذئب - على حد تعبير الرواة - وبقي صامدا كالجبل يتلقى الطعنات من كل جانب ، ولم يوه له ركن ، وإنما مضى في أمره استبسالا واستخفافا بالمنية يقول السيد حيدر :
فتلقى الجموع فردا ولكن كل عضو في الروع منه جموع
رمحه من بنانه وكأن من عزمه حد سيفه مطبوع
زوج السيف بالنفوس ولكن مهرها الموت والخضاب النجيع
ويقول في رائعة أخرى :
ركين وللارض تحت الكماة رجيف يزلزل ثهلانها
أقر على الارض من ظهرها إذا ململ الرعب أقرانها
تزيد الطلاقة في وجهه اذا غير الخوف الوانها
ولما سقط أبي الضيم على الارض جريحا وقد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش بأسره من الاجهاز عليه رعبا وخوفا منه ، يقول السيد حيدر :
عفيرا متى عاينته الكماة يختطف الرعب الوانها
فما أجلت الحرب عن مثله صريعا يجبن شجعانها
وتغذى أهل بيته وأصحابه بهذ الروح العظيمة فتسابقوا إلى الموت بشوق واخلاص لم يختلج في قلوبهم رعب ولا خوف ، وقد شهد لهم عدوهم بالبسالة ورباطة الجأش فقد قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد ويحك أقتلتم ذرية رسول الله (ص) فاندفع قائلا :
عضضت بالجندل ، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالاسود الضارية ، تحطم الفرسان يمينا وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الامان ، ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية ، والاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لاتت على نفوس العسكر بحذافيره ، فما كنا فاعلين لا أم لك.
ووصف بعض الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله :
فلو وقفت صم الجبال مكانهم لمادت على سهل ودكت على وعر
فمن قائم يستعرض النبل وجه ومن مقدم يرمي الاسنة بالصدر
وما أروع قول السيد حيدر :
دكوا رباها ثم قالوا لها وقد جثوا: نحن مكان الربا
لقد تحدى أبوالاحرار ببسالته النادرة الطبيعة البشرية فسخر من الموت وهزأ من الحياة ، وقد قال لاصحابه حينما مطرت عليه سهام الاعداء :
قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه ، فان هذه السهام رسل القوم اليكم.
لقد دعا أصحابه إلى الموت كأنما هو يدعوهم إلى مأدبه لذيذة ، ولقد كانت لذيذة عنده حقا لانه هو ينازل الباطل ويرتسم له برهان ربه الذي هو مبدؤه.

منهل
27-08-2006, 05:39 PM
-الصراحة :
من صفات ابي الاحرار الصراحة في القول ، والصراحة في السلوك ففي جميع فترات حياته لم يوارب ولم يخادع ، ولم يسلك طريقا فيه أي التواء ، وإنما سلك الطريق الواضح الذي يتجاوب مع ضميره الحي ، وابتعد عن المنعطفات التي لا يقرها دينه وخلقه ، وكان من الوان ذلك السلوك النير أن الوليد حاكم يثرب دعاه في غلس الليل ، وأحاطه علما بهلاك معاوية ، وطلب منه البيعة ليزيد مكتفيا بها في جنح الظلام ، فامتنع ع وصارحه بالواقع قائلا :
يا أمير إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد فاسق فاجر ، شارب الخمر ، قاتل النفس المحرمة ، معلن بالفسق والفجور ومثلي لا يبايع مثله...
وكشف هذه الكلمات عن مدى صراحته ، وسمو ذاته ، وقوة العارضة عنده في سبيل الحق .
ومن الوان تلك الصراحة التي اعتادها وصارت من ذاتياته أنه لما خرج إلى العراق وافاه النبأ المؤلم وهو في أثناء الطريق بمقتل سفيره مسلم ابن عقيل وخذلان أهل الكوفة ، فقال للذين اتبعوه طلبا للعافية لا للحق :
قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه ذمام.
فتفرق عنه ذوو الاطماع ، وبقى مع الصفوة من أهل بيته لقد تجنب (ع) في تلك الساعات الحرجة التي يتطلب فيها إلى الناصر الاغراء والخداع مؤمنا ان ذلك لا يمكن أن تتصف به النفوس العظيمة المؤمنة بربها والمؤمنة بعدالة قضيتها .
ومن الوان تلك الصراحة أنه جمع أهل بيته وأصحابه في ليلة العاشر من المحرم ، فاحاطهم علما بأنه يقتل في غد ويقتل جميع من كان معه صارحهم بذلك ليكونوا على بصيرة وبينة من أمرهم ، وأمرهم بالتفرق في سواد ذلك الليل ، فأبت تلك الاسرة العظيمة مفارقته ، وأصرت على الشهادة بين يديه .
تدول الدول ، وتزول المالك ، وهذه الاخلاق الرفيعة أحق بالبقاء وأجدر بالخلود من كل كائن حي لانها تمثل القيم العليا التي لا كرامة للانسان بدونها .
5-الصلابة في الحق :
أما الصلاة في الحق فهي من مقومات أبي الشهداء ومن أبرز ذاتياته فقد شق الطريق في صعوبة مذهلة لاقامة الحق ودك حصون الباطل ، وتدمير خلايا الجور .
لقد تبنى الامام (ع) الحق بجميع رحابه ومفاهيمه ، واندفع إلى ساحات النضال ليقيم الحق في ربوع الوطن الاسلامي ، وينقذ الامة من التيارات العنيفة التي خلقت في أجوائها قواعد للباطل ، وخلايا للظلم ، وأوكارا للطغيان تركتها تتردى في مجاهل سحيقة من هذ الحياة رأى الامام (ع) الامة قد غمرتها الاباطيل والاضاليل ، ولم يعد ماثلا في حياتها أي مفهوم من مفاهيم الحق ، فانبرى (ع) إلى ميادين التضحية والفداء ليرفع راية الحق :
وقد أعلن (ع) هذا الهدف المشرق في خطابه الذي ألقاه أمام أصحابه قائلا :
ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله.
لقد كان الحق من العناصر الوضائة في شخصية أبي الاحرار ، وقد استشف النبي (ص) فيه هذه الظاهرة الكريمة فكان - فيما يقول المؤرخون - يرشف دوما تغره الكريم ذلك الثغر الذي قال كلمة الله وفجر ينابيع العدل والحق في الارض .
6-الصبر :
من النزعات الفذة التي تفرد بها سيد الشهداء الصبر على نوائب الدنيا ومحن الايام ، فقد تجرع مرارة الصبر منذ أن كان طفلا ، فرزئ بجده وامه ، وشاهد الاحداث الرهيبة التي جرت على أبيه ، وما عاناه من المحن والخطوب وتجرع مرارة الصبر في عهد أخيه ، وهو ينظر إلى خذلان جيشه له ، وغدرهم به حتى ارغم على الصلح ، وبقي معه يشاركه في محنه وآلامه ، حتى اغتاله معاوية بالسم ، ورام أن يوارى جثمانه بجوار جده فمنعته بنو امية فكان ذلك من أشق المحن عليه .
ومن أعظم الرزايا التي صبر عليها أنه كان يرى انتقاض مبادئ الاسلام ، وما يوضع على لسان جده من الاحاديث المنكرة التي تغير وتبدل شريعة اللهه ومن الدواهي التي عاناها أنه كان يسمع سب أبيه وانتقاضه على كل هذه الرزايا والمصائب .
وتواكبت عليه المحن الشاقة التي تميد بالصبر في يوم العاشر من المحرم فلم يكد ينتهي من محنة حتى تطوف به مجموعة من الرزايا والام ، فكان يقف على الكواكب المشرقة من أبنائه وأهل بيته ، وقد تناهبت السيوف والرماح أشلاءهم فيخاطبهم بكل طمأنينة وثبات :
" صبرا يا أهل بيتي ، صبرا يا بني عمومتي ، لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم .
وقد بصر شقيقته عقيلة بني هاشم ، وقد أذهلها الخطب ، ومزق الاسى قلبها فسارع اليها ، وأمرها بالخلود إلى الصبر والرضا بما قسم الله .
ومن أهوال تلك الكوارث التي صبر الامام عليها أنه كان يرى أطفاله وعياله وهم يضجون من ألم الظمأ القاتل ، ويستغيثون به من أليم العطش فكان يأمرهم بالصبر والاستقامة ، ويخبرهم بالعاقبة المشرقة التي يؤل اليها أمرهم بعد هذه المحن الحازبة .
وقد صبر على ملاقاة الاعداء الذين ملئت الارض جموعهم المتدفقة وهو وحده يتلقى الضرب والطعن من جميع الجهات قد تفتت كبده من العطش وهو غير حافل بذلك كله .
لقد كان صبره وموقفه الصلب يوم الطف من أندر ما عرفته الانسانية يقول الاربلي :
شجاعة الحسين يضرب بها المثل ، وصبره في الحرب أعجز الاوائل والاواخر.
إن أي واحدة من رزاياه لو ابتلى بها أي انسان مهما تدرع بالصبر والعزم وقوة النفس لاوهنت قواه واستسلم للضعف النفسي ، ولكنه (ع) لم يعن بما ابتلي به في سبيل الغاية الشريفة التي سمت بروحه أن تستسلم للجزع أو تضرع للخطوب يقول المؤرخون :
إنه تفرد بهذه الظاهرة ، فلم توه عزمه الاحداث مهما كانت وقد توفى له ولد في حياته فلم ير عليه أثر للكآبه فقيل له في ذلك فقال ع :
" إنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا ، فاذا أراد ما نكره فيما نحب رضينا " لقد رضى بقضاء الله واستسلم لامره ، وهذا هو جوهر الاسلام ومنتهى الايمان .
7-الحلم :
أما الحلم فهو من أسمى صفات أبي شهداء (ع) ومن أبرز خصائصه فقد كان فيما أجمع عليه الرواة - لا يقابل مسيئا باسائته ، ولا مذنبا بذنبه ، وإنما كان يغدق عليهم ببره ومعروفه شأنه في ذلك شأن جده الرسول (ص) الذي وسع الناس جميعا باخلاقه وفضائله ، وقد عرف بهذه الظاهرة وشاعت عنه ، وقد استغلها بعض مواليه فكان يعمد إلى اقتراف الاسائة إليه لينعم بصلته واحسانه ، ويقول المؤرخون :
إن بعض مواليه قد جنى عليه جناية توجب التأديب فأمر (ع) بتأديبه ، فانبرى العبد قائلا :
يا مولاي ، إن الله تعالى يقول : " الكاظمين الغيظ.
فقابله الامام ببسماته الفياضة وقال له خلوا عنه ، فقد كظمت غيظي.
وسارع العبد قائلا والعافين عن الناس.
قد عفوت عنك.
وانبرى العبد يطلب المزيد من الاحسان قائلا والله يحب المحسنين
" أنت حر لوجه الله.
ثم أمر له بجائزة سنية تغنيه عن الحاجة ومسألة الناس .
لقد كان هذا الخلق العظيم من مقوماته التي لم تنفك عنه ، وظلت ملازمة له طوال حياته .
8-التواضع :
وجبل الامام الحسين (ع) على التواضع ومجافاة الانانية والكبرياء ، وقد ورث هذه الظاهرة من جده الرسول ص الذي أقام اصول الفضائل ومعالي الاخلاق في الارض ، وقد نقل الرواة بوادر كثيرة من سمو أخلاقه وتواضعهه نلمع إلى بعضها :
1-انه اجتاز على مساكين يأكلون في (الصفة) فدعوه إلى الغداء فنزل عن راحلته ، وتغذى معهم ، ثم قال لهم :
قد أجبتكم فأجيبوني ، فلبوا كلامه وخفوا معه إلى منزله ، فقال (ع) لزوجه الرباب :
اخرجي ما كنت تتدخرين ، فاخرجت ما عندها من نقود فناولها لهم.
2-مر على فقراء يأكلون كسرا من أموال الصدقة ، فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال :
لولا انه صدقة لاكلت معهم ثم دعاهم إلى منزله ، فاطعمهم ، وكساهم ، وأمر لهم بدراهم.
لقد اقتدى (ع) في ذلك بجده الرسول (ص) وسار على هديه فقد كان - فيما يقول المؤرخون - يخالط الفقراء ويجالسهم ويفيض عليهم ببره واحسانه حتى لا يتبيغ بالفقير فقره ولا يبطر الغنى ثراؤه .
3-وجرت مشادة بين الحسين وأخيه محمد بن الحنفية ، فانصرف محمد إلى داره وكتب اليه رسالة جاء فيها أما بعد :
فان لك شرفا لا أبلغه ، وفضلا لا أدركه ، أبونا علي لا أفضلك فيه ولا تفضلني ، وأمي أمرأة من بني حنيفة ، وأمك فاطمة بنت رسول الله (ص) ولو كان ملء الارض مثل أمي ما وفين بأمك ، فاذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك وسر الي ، وترضيني ، واياك أن أكون سابقك إلى الفضل الذي أنت أولى به مني.
ولما قرأ الحسين رسالة أخيه سارع اليه وترضاه وكان ذلك من معالي أخلاقه وسمو ذاته .

منهل
27-08-2006, 05:41 PM
9-الرافة والعطف :
ومن صفات أبي الاحرار أنه كان شديد الرأفة بالناس يمد يده لكل ذي حاجة ويسعف كل ذي لهفة ، ويجير كل من استجار به ، وقد فزع مروان اليه والى أخيه وهو من ألد أعدائهم ، بعد فشل واقعة الجمل ، وطلب منهما أن يشفعا له عند أبيهما ، فخفا اليه وكلماه في شأنه وقالا له :
يبايعك يا أمير المؤمنين .
فقال ع :
أولم يبايعني قبل قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته انها كف يهودية ، لو بايعني بيده لغدر بسبابته ، أما أن له امرة كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبوالاكبش الاربعة ، وستلقى الامة من ولده يوما أحمر
وما زالا يلطفان به حتى عفا عنه ، إلا أن هذا الوغد قد تنكر لهذا المعروف وقابل السبطين بكل ما يملك من وسائل الشر والمكروه ، فهو الذي منع جنازة الامام الحسن أن تدفن بجواز جده ، وهو الذي أشار على الوليد بقتل الامام الحسين إن امتنع من البيعة ليزيد ، كما اظهر السرور والفرح بمقتل الامام (ع) وحسب مروان أنه من تلك الشجرة التي لم تثمر إلا الخبيث الدنس وما يضر الناس .
ومن ألوان تلك الصور الخالدة لعطف الامام ورأفته بالناس أنه لما استقبله الحر بجيشه البالغ ألف فارس ، وكان قد أرسل لمناجزته وقتاله فرأه الامام وقد أشرف على الهلاك من شدة العطش فلم تدعه أريحيته ولا سمو ذاته أن لا يقوم بانقاذهم ، فأمر ع غلمانه وأهل بيته أن يسقوا القوم عن آخرهم ، ويسقوا خيولهم فسقوهم عن آخرهم ، وكان فيهم علي بن الطعان المحاربي الذي اشتد به العطش فلم يدر كيف يشرب فقام ع بنفسه فسقاه ، وكانت هذه البادرة من أروع ما سجل في قاموس الانسانية من الشرف والنيل .
10-الجود والسخاء :
من مزايا الامام أبي الاحرار (ع) الجود والسخاء فقد كان ملاذا للفقراء والمحرومين ، وملجأ لمن جارت عليه الايام ، وكان يثلج قلوب الوافدين إليه بهباته وعطاياه يقول كمال الدين بن طلحة :
" وقد اشتهر النقل عنه أنه كان يكرم الضيف ، ويمنح الطالب ، ويصل الرحم ، ويسعف السائل ، ويكسوا العاري ، ويشبع الجائع ، ويعطي الغارم ويشد من الضعيف ، ويشفق على اليتيم ، ويغنى ذا الحاجة ، وقل أن وصله مال إلا فرقه وهذه سجية الجواد وشنشنه الكريم ، وسمة ذي السماحة وصفة من قد حوى مكارم الاخلاق ، فأفعالهه المتلوة شاهدة له بصنعه الكرم ، ناطقة بأنه متصف بمحاسن الشيم
ويقول المؤرخون إنه كان يحمل في دجى الليل السهم الجراب يملؤه طعاما ونقودا إلى منازل الارامل واليتامى والمساكين حتى أثر ذلك في ظهره وكان يحمل اليه المتاع الكثير فلا يقوم حتى يهب عامته ، وقد عرف معاوية فيه هذه الظاهرة فأرسل اليه بهدايا والطاف كما أرسل إلى غيره من شخصيات يثرب وأخذ يحدث جلساءه بما يفعله كل واحد منهم بتلك الالطاف فقال في الحسين :
" أما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفين فان بقي شئ نحر به الجزور وسقى به اللبن.
وبعث رقيبا يرى ما يفعله القوم فكان كما أخبر فقال معاوية
أنا ابن هند ، أنا أعلم بقريش من قريش.
وعلى أي حال فقد نقل المؤرخون بوادر كثيرة من جود الامام وسخائه نلمع إلى بعضها :
1-مع اسامة بن زيد .
ومرض اسامة بن زيد مرضه الذي توفي فيه فدخل عليه الامام عائدا فلما استقر به المجلس قال أسامة :
- واغماه .
- ما غمك ؟ .
- ديني وهو ستون الفا .
- هو علي .
- أخشى أن أموت قبل أن يقضى .
- لن تموت حتى أقضيها عنك .
وبادر الامام (ع) فقضاها عنه قبل موته وقد غض طرفه عن اسامة فقد كان من المتخلفين عن بيعة أبيه ، فلم يجازيه بالمثل وإنما أغدق عليه بالاحسان .
2-مع جارية له :
روى أنس قال :
كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحانة فحيته بها ، فقال لها :
أنت حرة لوجه الله تعالى وبهر أنس فانصرف يقول :
- جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها كذا أدبنا الله قال تبارك وتعالى :
واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها وكان أحسن منها عتقها وبهذا السخاء والخلق الرفيع ملك قلوب المسلمين وهاموا بحبه وولائه .

نسألكم الدعاء

عناقيد عشق
27-08-2006, 06:23 PM
اللهم صلي على محمد وآل محمد
وعجل فرجهم الشريف

السلام عليك يا سيد الشهداء
السلام عليك يا ابا الاحرار

نبارك لكم بهذه المناسبة العظيمة

شكرا لك اخي الكريم.. منهل
وجعله الله في صحيفة اعمالك

تحياتي

ربيبة الزهـراء
28-08-2006, 12:56 AM
اللهم صلي على محمد وآل محمد
وعجل فرجهم الشريف
السلام عليك يا سيد الشهداء
السلام عليك يا ابا الاحرار
نبارك لكم بهذه المناسبة العظيمة
شكرا لك اخوي العزيز.. منهل
وجعله الله في صحيفة اعمالك
تحياتي
زنووب

امير الرافدين البصراوي
28-08-2006, 05:28 AM
كلمة شكرا في حقك قليلة ياوردة وهذا الموضوع فوق الروعة عاشت الايادي وجعلك الله من انصار الامام المهدي عجل الله فرجة مشكور ياوردة على الموضوع

عاشقة النجف
28-08-2006, 02:04 PM
بسمه تعالى

اخي الفاضل منهل
نبارك لكم هذه المناسبه العطره والمولد الشريف
اسأل الباري ان يعيده عليكم باليمن والبركه
موفقين لكل خير
اتمنى لكم الموفقيه وقضاء الحوائج
شكرا لكم على الموضوع القيم والمشاركه الولائيه
رعتكم الزهراء

منهل
28-08-2006, 10:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اختي الكريمة زهراء بارك الله فيك مشكوره على المرور
الكريم

منهل
28-08-2006, 10:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اختي الفاضله زينب بارك الله فيك مشكوره على المرور الكريم

منهل
28-08-2006, 10:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي الحبيب امير الرافدين البصراوي تسلم اخوي على هذه الكلمات والرد
الطيب نورت الصفحة بمروركم الكريم نسأل الله لكم التوفيق ياورده

منهل
28-08-2006, 10:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اختي الكريمة عاشقة النجف حياك الله مشكوره على المرور والرد الطيب

فارس
28-08-2006, 11:26 PM
اخي الحبيب منهل ابو زيني الرائع
اعتذر عن تاخري عى الرد

كل عام والامة الاسلامية بخير
اخي بارك الله فيك موفقين اخي العزيز
اخي توجد ملاحظة
لو اختصرت مواضيعك وجعلتها مقاطع صغيرة تجعل قرائتها
بسيطة وسريعة لكان افضل
نسالكم الدعاء\
فارس
ا

منهل
29-08-2006, 11:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم
اخي العزيز فارس ابو محمد مشكور على المرور الكريم
وانشاء الله في المواضيع القادمة تسلم على التنبيه

بيت الحزان
09-10-2006, 01:25 AM
مشكورة

كل عام ونتم بخير