المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فلسفة الشعائر الحسينية ـ الشيخ محمد السند


علي الفاروق
24-12-2013, 05:27 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد والعن أعداءهم أجمعين

أعظم الله لكم الأجر بذكرى أربعين سيد الشهداء عليه السلام

فلسفة الشعائر الحسينية


العنوان : فلسفة الشعائر الحسينية
المحاضِر : الشيخ محمّد السّند
التاريخ : الاثنين 28 / محرم / 1435 هـ

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على الداعي إلى دار السلام محمد وعلى آله أبواب السلام .
أستميح الأخوان ـ على كلٍّ ـ بجملة معترضة بدل أن نواصل بحث الصفات الإلهية ، لأنّي أرى أن تساؤلاتٍ ملحّة مرتبطة بالشعائر الحسينية وبالشعائر المذهبية وهلمّ جرا ، ولا بأس لأن نتعرَّض لهذا المطلب ، ولكن هذه التساؤلات تُثار في الوسط الداخلي ، وفي الوسط الخارجي ، وفي الوسط الدولي ، وحقٌّ للإخوان أن يستفهموا عن هذه الأمور ، وعن هذه المطالب ، وبالتالي تُبيّن وتُدلَّل بشكل بيّن ، ولا عُذرَ للإغماض عنها وإهمالها وتركها ، بل الحريّ أن نمعنَ بتحليل علمي للإجابة عن هذه التساؤلات .
التساؤل الأول : هناك تساؤلٌ يُطرح دائماً ـ سواءً في الوسطِ الداخلي أو الخارجي أو الدولي أو غير ذلك ـ ، وحاصله : أمَا آن الأوان لهذا الجزع أن ينقطع ؟ إلى متى هذا الجزع ؟
ولاحظوا أنَّ هذا التساؤل كتساؤل أخوة يوسف مع يعقوب { تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين فابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم } أي أنه الحزن كاف ، وهذا تساؤل لا بُدَّ أن نجيب عنه .
يقول تعالى على لسان يعقوب عليه السلام : { قال إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله } فهذه الآية سنحللها ، فهذا الجواب بعينه يقوله زين العابدين عليه السلام عندما أُعتُرِضَ عليه بنفس الاعتراض ، فقال : { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ، وأعلم من الله ما لا تعلمون } ، فينبغي أن نتساءل : لماذا ذكر معادلتين : (1) { أشكو بثّي وحزني إلى الله } ، (2) { وأعلم من الله ما لا تعلمون } ، فما المغزى من هذا الجواب ؟ فهل في هذا الجواب حكيم ؟ وفيه حكمة ؟ كأنَّما يبيّن أمرين هما : استمرار الجزع ، وشدّة الجزع ، وهذا خلافاً للعرفاء والصوفية ، فالكثيرون منهم يرون ـ بسبب وهمهم وتخيّلهم الخاطئ ـ أن يوم عاشوراء هو يوم فرح وبهجة ـ والعياذ بالله ـ ، بينما يقول الأنبياء أن يوم عاشوراء ليس يوم فرح .
نعم؛ لا يفرح العرفاء والصوفية في يوم عاشوراء بيزيد ونصر يزيد ، إذ أنَّهم لا يدَّعون مناصرة يزيد الفجور ، يزيد الفسق ، يزيد الخمر ، يزيد العهر ، وإنَّما يقولون : مناصرةً للحسين في بُعدِ وصوله إلى الكمال ـ هكذا يدّعون ـ .
ولكن هذا خاطئ ؛ فزين العابدين والأنبياء عليهم السلام يقولون : لا ، هذا تصوّر خاطئ .
{ تالله تفتأ تذكر يوسف حتّى تكون حرضا أو تكون من الهالكين } أي أنه البكاء كافٍ ، فلا ينبغي تبديد هذه الطاقة ، وتلف النفس { أو تكون من الهالكين } إذ أنّ فيه موتاً ، وإضراراً بالنفس ، وتلفاً للنفس ، فلماذا هذه الحُرقة وباستمرار ، بل وحُرقة مشتعلة ، إلى متى ؟ ما هي فلسفتها ؟ ما هي غايتها ؟ ما هي حكمتها ؟
فهذه حكمة عظيمة بديعة يبيّنها القرآن على لسان يعقوب عليه السلام { إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون } ، فما الفلسفة في هذين الجوابين ؟ إذ أنَّ فيهما فلسفة عظيمة جداً .
التساؤل الثاني : لذلك قال بعضهم : أنتم تنادون ( يا لثارات الحسين ) ، طبعاً هناك روايات كثيرة أنَّ أولَ شعار يُطلقه الإمام الثاني عشر من ظهر الكعبة في الظهور عند البيعة هذا الشعار ، والروايات في ذلك مستفيضة ( يا لثارات الحسين ) ـ واتّفاقاً اختار المختار هذا الشعار لهذا المطلب ، لأنكم تدرون أنّ محمد بن الحنفية قد أُدُّعيَ فيه المهدوية ـ ولا أقول أن المختار ادّعى ذلك ولا ابن الحنيفة ادّعى ذلك ، ولكن أُناساً ادّعوا ذلك ، ورأوا أنهم اطلقوا ( يا لثارات الحسين ) وأنَّ المهدوية مقرونة بهذا الشعار ـ.
وردَ في متواتر الزيارات الواردة في المعصومين عليهم السلام ـ لاسيّما الإمام الحسين وأمير المؤمنين عليهما السلام ، فكل زياراتهما ـ تقريباً ـ ورد فيها ( يا ثار الله ) .
يقول { إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون } فما الفلسفة والحكمة في هاتين المعادلتين ؟ ولماذا نُعبِّر بـ ( الثار ) أهي غلّ وأحقاد وإحن ؟ فهل استعارة الحزن وتذكُّر المصاب والمظالم هو دقٌّ في الإسفين وإشعال لنار البغضاء والضغينة ؟ أم أنَّ له حكمةً ؟
التساؤل الثالث : لذلك قال البعض : لماذا تُمارس الشعائر الحسينية وكأنَّما هم أُناسٌ موتورون ؟ فالموتور في حالة غضب وثوران وجيشان شديد .
واتّفاقاً لدينا في متواتر الزيارات الحسين وأمير المؤمنين عليهما السلام ورد ( الموتور والوتر ) وما شابه ، فلماذا تركِّز الروايات والزيارات على أنَّ أهل البيت عليهم السلام موتورون ؟ فالموتور هو الذي لا يهدأ له بال ، فهذا الوِتر يقضُّ في مضجعه دائماً .
فهذا الاعتراض الآن موجود ، وهو : لماذا تمارسون الشعائر وكأنَّكم موتورون ـ يعني يقضُّ في مضجعكم ـ ؟!
التساؤل الرابع : والبعض يثيرون إثارة أخرى ، وهي : هذا الجزع والإثارة والجيشان والغليان هل يمكن تحديده وتقيده وضبطه بالضوابط العامّة للأحكام الشرعية أم هو استثناء خارج ؟ فإذا كان غير خارج فلا بُدَّ أن يُضبطَ بالضوابط الشرعية والأحكام الشرعية ، أو أنَّه هو حكم شرعي في بابه ، لا أن الأبواب الأخرى تتحكّم فيه ، بل هو يتحكَّم بالأبواب الأخرى ؟ فهذا بحث فقهي وبحث عقائدي دقيق .
فهذا السؤال الأخير ـ بعد الفراغ عن أن الأدلة تدل على معلميّة وأسسيّة الشعائر ـ لا رجحان ولا مشروعية ولا استحباب فقط ـ ، فأداء الشعائر واجب كفائي من أعمدة الدين ، وليس الكلام عن خصوصية الآلية ، بل عموم الطبيعة ، فلا يأتيني أحدٌ ليناقشني في الفرضِ ، وإلاّ فصلاة الظهر في المسجد غير واجبة ، ولكن أصل وطبيعة صلاة الظهر واجبة ، وكذا صلاة الظهر مع الطيب مستحبة ولكن أصل طبيعة صلاة الظهر ليست مستحبّة بل واجبة ، فكلامنا ليس حول الخصوصيات أهي مستحبة وراجحة أم ماذا ؟ وكذلك الشعائر ، فطبيعة الشعائر ليست مستحبة وراجحة بل واجبة .
فإذا كانت واجباً ؛ فهل هي واجبة وجوباً فقهياً أو وجوباً اعتقادياً ؟ وسيلتفت الأخوان ـ إن شاء الله ـ إذ أن هناك وجوبات شرعية اعتقادية وهناك وجوبات شرعية فرعية ، ثم الوجوبات الشرعية الفرعية منها أركان ومنها غير أركان ، فالوجوبات الشرعية ليست على نسقٍ واحد ، فيجب أن تتضح هذه الأمور ، وإنْ كانت الكثير من فتاوى الأعلام ـ رحم الله الماضين وحفظ الله الباقين ـ موهمة أنَّ أصل الشعيرة مستحبّة ، فهذه مسامحة في التعبير عند الأعلام ، فمقصودهم ـ ولو ارتكازاً ـ أنَّ الخصوصية الفردية مستحبّة لا طبيعة الشعائر ، لأنَّ الطبيعة واجبة ، بل يوجد طبائع واجبة موجودة .
ثمَّ هل هذا الواجب أهو وجوب كفائي عادي كغيره من الواجبات كتغسيل الميّت ؟ أم أنَّه واجب من الواجبات العظيمة كحفظ القرآن الكريم وصيانته ورعايته ؟ فإن صيانة وحفظ القرآن من أسس الدين ، وحفظ ذكر أهل البيت عليهم السلام وإحياء أمرهم عبارة عن حفظ أحد الثقلين ، فهذا ليس أمراً واجباً اعتيادياً ، بل هو واجب مهيمن على أركان الفروع ، له هيمنة على الصلاة ـ ومقصودنا أصل طبيعة الشعائر فلا يذهب وهم أحد من الأخوة إلى هوامش غير صناعية ، فكلامنا نحن في الطبيعة ـ فإحياء أمرهم ، وعدم اندراس ذكرهم وشؤونهم وظلامهم وموقعيّتهم ورتبهم في الدين ، فهذا ليس واجباً بموازاة الحج والصوم والصلاة ، وذلك بنصِّ القرآن الكريم ، فإنَّ القرآنَ الكريم لم يقلْ إنَّ أجرَ الرسالة والدين كلّه هي الصلاة ، ولا الحج ولا الصوم ولا الزكاة ، بل قال أنَّ أجر الدين بعظمته وأجر الرسالة بعظمتها ـ وهي أعظم الرسالات على الإطلاق ـ هي ولاء ومودّة القربى ، فهذا نصّ القرآن ، فلا مزايدة ولا يوجد هندسة فقهية أخرى نستطيع أن نرسمها في البين ، فهذا هو ميزان الدين ، فعندما يقول أئمة أهل البيت عليهم السلام ( لم يُنادَ بشيء كما نُودي بالولاية ) أي لم يُناد بالصلاة والحج والكعبة والصوم كما نودي بالولاية هو نصُّ آية المودّة ، وهناك آيات عديدة تبيّن نفس المعادلة أنَّ عظمة الولاية ليست بكيفي ولا اختياري ولا بقريحتي ولا بتشهي من عندي ، بل هي معادلة بنيوية رصينة داخل القرآن ، لأنَّ هذا هو أجر الدين والرسالة برمّته ، مودّة القربى وولاؤهم وبتعبير الزمخشري ـ بتعبيرنا ـ حيث يقول أنَّ الآية ليست بصدد تبيين فريضة المودة فهذا مفروغ منه ، وإنَّما الآية تقول حصر المودة في القُربى ـ فراجعوا ذلك في تفسيره ـ ، وإنَّ السيد عبد الحسين شرف الدين رحمة الله عليه ـ الثاوي هنا ونحن بجواره[1] (http://hajrnet.net/hajrvb/#_ftn1) وهو بجوار أمير المؤمنين عليه السلام ـ وضّح هذا الأمر عن الزمخشري بشكل جيّد ، وإقراره موجود في تفسيره الكشَّاف .
فنصُّ آية المودة ليست أنَّ المودة فريضة ، فلم تقل الآية : مودة في القربى ، بل قال { المودة } والألف واللام فيها للجنس ، أي كل مودّة ينبغي أن يكون محورها أهل البيت عليهم السلام ، فلا مودتك لولدك ولا لأبويك ولا للمؤمن ولا للمرجع ولا للفقيه ولا للسياسي ولا .. فكل ولاء ومودة يجب أن يكون مركزه أهل البيت عليهم السلام ، فأيُّ انتماء كان فإنّه يتفتَّت ويتقطّع ويتبدّل ، فقطب أقطاب الولاءات هم أهل البيت عليهم السلام ، فحتّى ولاؤنا للكعبة يجب أن ينصبَّ في ولائنا لأهل البيت عليهم السلام ، فالقرآن لم يقل إنما وليكم الكعبة ، بل قال : إنما وليكم الله ثم الرسول ثم علي بن أبي طالب عليهم السلام في قوله { إنما وليكم الله والرسول والذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } .
فأيُّ فقيه إذا يريد أن يبحثَ عن أمور مرتبطة بأهل البيت عليهم السلام ، فإنَّه لا يربطها بموازاة الصلاة ، نعم الصلاة عظيمة والصوم عظيم ، وكما أنّه يوازن بين الصلاة والصوم ، فينبغي الموازنة بين الصلاة والولاية ، فهذه الأمور ليست محل اختيار ، بل هكذا رسم لنا القرآن الكريم نظامَ الدينِ بهذا النمط .
إذن : طبيعة الولاية والمودة والارتباط بأهل البيت عليهم السلام ليس مستحباً ، يُقال ( الحجاب واجب والزيارة مستحبّة ) لاحظوا هذه الثقافة الخاطئة ، أو يُقال ( الصلاة واجبة والزيارة مستحبّة ) ، فهذا كلام شخصٍ لا يفقه ، بل لا يفقه أبجديات الدين ، فالولاية أوجب الواجبات ، ( لم يُنادَ بشيء كما نُوديَ بالولاية ) ، فطبيعة الولاية الموجودة في الزيارة ـ ولا أقصد خصوصية الزيارة ، لأنَّ الولاء يُعبَّر بالزيارة والعزاء والمجالس و.. نعم الفرد مستحب ولكن أصل الطبيعة ـ واجبة بوجوبٍ أعظم من وجوب الصلاة والصوم ، فهذا ليس باختياري بل هو بنصِّ القرآن الكريم ، إلا أن أتركَ القرآن الكريم ، فأصل الطبيعة هكذا وجوبها ، هل الزيارة واجبة أو لا ؟ الولاء واجب ، إذا قلتَ لا تزور لا تبكِ لا تعزِّ لا.. فأنت أجنبي ، بعيد ، مبتور ، مقطوع عن أهل البيت عليهم السلام ، فأيُّ ولاء بقي عندك ؟! فالقرآن الكريم ينصُّ على أنّ العداء علامته الفرح عند حزن الرسول والحزن عند فرحه صلى الله عليه وآله ، وهذا مقرر في سورة الأنفال أو البراءة ، فهو عكس الولاء ، ومنه يتبين أن الولاء هو ( الفرح لفرحهم والحزن لحزنهم ) ، وأما إذا لم تحزن لحزنهم فهو عِداء ، بل بالدقّة ـ لاحظوا ـ عند شدّة حزنهم تكون خفيف الحزن ، فهل أنت واكبتهم في حزنهم أم تركتهم ؟! طبعاً تركتهم .
إذن : في فقه الشعائر ، أو فقه معالم مذهب أهل البيت عليهم السلام كلُّه مرتبط بالمعالم وليس مرتبطاً بالصلاة ولا الحج ولا الصوم ولا الزكاة فهذا الإسلام العام ، وكلامنا هنا في الإسلام الإيمان ، فأيُّ شعيرة سواء كان عزاءً أو بكاءً أو.. إن كان مرتبطا بذكر أهل البيت عليهم السلام وإحياء أمرهم وولاءهم لا يُقاس وجوبه بأي وجوب آخر ، فإذا كنتَ تقايس بين طبيعة الصلاة ومفردة الزيارة ، فأنت أقايس بين طبيعة الصلاة مع أصل طبيعة الولاية ، ( لم يُنادَ بشيء كما نُوديَ بالولاية ) إذ لم يُنادَ بالصلاة ولا الزكاة ، ولم يُنادَ بحرمة الكذب وحرمة المحرَّمات وبغضها كما نُوديَ بوجوب الولاية ، فلم يُناد بحرمة ولاية أعداء أهل البيت عليهم السلام كما نوديَ بحرمة الحرمات الأخرى ، طبعاً الألفة واللين والمداراة ـ بلا شك ـ فهي ضرورة ، ولكن كمعرفة قلبية أكبر المحرَّمات هي تولّي أعداء الله تعالى في قلبك أو معرفتك أو ميولك ، فلا حُرمةَ أعظم ولم يُبالغ في حرمتها كولاية أعداء الله تعالى ، { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } لا يمكن أيها الأخوة ، فقد رسمها القرآن ، فلا تقل لي : فلان مؤمن وعنده فسق عملي فأنا لا أحبّه ، بينما فلان الذي يعادي الله ورسولَه وعنده صلاة وصوم فهو أعظم ، فهذا خطأ وميزان الخطأ ليس بكيفي ولا كيفك ، لأن القرآن الكريم لا يسمح بهذا المنطق ، فالمحرَّمات التي عظَّمها القرآن هو تولِّي الجبت والطاغوت .
إذن : هناك محرَّمات عظيمة ، وهناك واجبات عظيمة ، يجب علينا أن نفهمَ مراتب الواجبات والمحرمات ، وهل هذا غلو من القرآن ؟ طبعاً لا ، فلماذا يقول تعالى للملائكة { إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } فقوله { فقعوا } أشدّ من أن يقول : فاسجدوا ، أي اسجدوا بلا تروّي وبلا تلكؤ وبلا تذبذب ، خرِّوا خضوعاً انقياداً طاعةً لخليفة الله ، فإذا كانت عظمة خليفة الله هكذا في القرآن ـ جبرائيل يسجد له ، مَنْ أنا وأنت ؟ بل جبرائيل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل ورضوان ـ خازن الجنان ـ ومالك ـ خازن النيران ـ وكل الملائكة { فسجد الملائكة كلهم أجمعون } بانضباط وصلامة ، فهل نحن نغالي ؟ أم أنّ هذا النوع من التشديد هو من القرآن الكريم نفسه ؟ ففي سبع سور من القرآن الكريم يقول الله تعالى إن مقام خليفة هذا هو ، فجبرائيل يجب أن يكون تابعاً ومُنقاداً له ، انقياداً تاماً بلا أيّ تلكؤ أو ريبة أو تردد ، وأمَّا إبليس فلم يقل الله أنَّه لم يصل أو يزكِّ أو.. فصار من الكافرين ؟ طبعاً لا ، بل إنَّ إبليس صلّى وحجّ ، وإنَّما لم يتولَّ خليفة الله فصار من الكافرين ، فهذا هو منطق القرآن .
إذن : هذه العظمة وهذا التأثير ـ فعند الجزع دعونا نرى فلسفة الجزع ، وماذا وراء الجزع ؟ هل الصلاة وراء الجزع ؟ أم الصوم ؟ أم تهذيب الأخلاق وتطهير البدن ؟ اتفاقاً ورد في الحديث القدسي أنَّه خاطب الله عز وجل النبي موسى على نبيّنا وعلى آله وعليه السلام قال : ائتِ لي بعبد خالص ليس فيه مشوبة ، فجاءه بالصلاة ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ،
فالشيء الخالص شيء أعظم ، فالصلاة ـ كما ذكرنا ـ في منطق القرآن ـ وهذا ليس استهانةً بالصلاة ولا بالزكاة ، فالصلاة بلا ولاية غير مقبولة عند الله تعالى ، فهذا ليس تعارفاً ولا مجاملةً ، بل يسمّيها القرآن { ما كان صلاتهم عند البيت } وليس في البراري ولا في المساجد الأخرى ، بل المسجد الحرام { إلا مكاءً وتصدية } أي أنّها ضوضاء وحركات بدن ، خالية من اللب والروح ، والسبب هو عدم وجود الولاء لأهل البيت عليهم السلام ، وكذلك حجُّهم وطوافهم وسعيهم ، { لا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } فهذا هو منطق القرآن .
فإذا كانت الولاية لب اللباب ، وروح الصلاة وروح الزكاة ، لا أنَّ الصلاة غير مطلوبة ، بل مطلوبة ولكن مع الروح ، فلا البدن مطلوب بلا روح ولا الروح بلا بدن ، ولا البدن في مرتبة الروح ولا الروح في مرتبة البدن ، فأركان الدين بدن للدين ، لأنّ روح الدين هو الولاية ، قد يقول قائل : أنا سأتّخذ الولاية دون الأركان ، فأقول : هذا غير صحيح ، بل هو دين ميّت ، فإن كنتَ تريد ديناً حيّاً فعليك بالولاية والأركان ، كما يقول عليه السلام : لا تنفع الولاية بلا عمل ولا تنفع العمل بلا ولاية ، هذا بلا شك مع حفظ هذه المراتب .
فإذا عرفنا خريطة الدين هكذا ـ إجمالاً ـ ، لنأتي متسائلين : مَنْ الذي فقدناه ـ حتّى يشتدَّ الجزع فينا هكذا ؟ فإذا كان منطق القرآن أنَّ الحسينَ أعظم من يوسف ـ وسنبيّن كيفية ذلك من القرآن ـ ، ومنطق القرآن أن سيد الأنبياء أعظم من يوسف ، ومنقط القرآن أن علياً وفاطمة أعظم من يوسف ، فهو كما تشير إليه الدلالات القرآنية أنَّ النبي يعقوب يعلم بأنَّ يوسف حي ، وذلك لأنَّ يوسفَ أنبأ أباه أنَّه سيتقلّد الملك ، واللهُ منجزٌ وعدَه ولا يتخلَّف ، إذن : يعلم يعقوب أنَّ يوسف حيّ ، ولكن فراق يوسف عنه كان ـ حينئذٍ ـ يفتح باباً ليعقوب ، هل كان مستحباً تعلق يعقوب بيوسف ؟ طبعاً لا ، لأنَّ هذا ولاء وتولّي ، وليس مستحباً ولا راجحاً بل واجباً ، فولاء يعقوب لابنه يوسف لعلوّ مرتبة ولاية يوسف ينشدُّ يعقوب إلى يوسف ، ففي منطق محمد وآل محمد عليهم السلام أنه يوماً من الأيام كان النبي صلى الله عليه وآله في المدينة مع أصحابه قال : هذه ساعة لا يدعو الله أحدٌ منكم إلا أُستُجيبَ له ببركة النبي ، فدعا كل شخص ، فقال لهم النبي : سيأتي مَنْ يعلِّمكم الدعاء ، قالوا : مَنْ يا رسول الله ؟ فقال : سيأتي إليكم أويس القرني ويعلّمكم ما هو الدعاء ، فلمَّا أتى أويس القرني المدينة بعهد المستولي الثاني على الخلافة ، فقال له أحدهم : كذا وكذا ، فما كنتَ لتدعو ؟ فقال : كنتُ أدعو أن يبقيَ اللهُ سيّد الأنبياء حياً إلى يوم القيامة ، لتنعم البشرية كلها بوجوده ، فإذا كان أمير المؤمنين وفاطمة عليهم السلام قالا لرسول الله صلى الله عليه وآله : لقد فقدنا برحيلك ما لم يفقده أحدٌ من أحد ، أي الوحي ، نحن نعتقد ـ ولا ريب فيه ـ أن العلم اللدني لم ينقطع عن أمير المؤمنين ولا عن فاطمة عليهما السلام ، فأيُّ انقطاع يقصده النوران ؟
فلو أردنا التمثيل ـ وهي تضرب ولا تقاس ـ ، فمثاله الانترنيت ، فإنَّ الانترنيت الموجود عند سيد الأنبياء يختلف عمّا هو موجود عند سيّد الأوصياء وعند فاطمة عليهم السلام .
لذلك كان أمير المؤمنين عليه السلام في مصيبة أصابته ـ وهي فقد رسول الله ـ لا يُخضِّب الخضاب قائلاً : نحن في عزاء ، فما هذا الشيء الغالي النفيس الذي خسره أمير المؤمنين وافتقده ـ وإن لم يكن أمير المؤمنين بخاسر بل المراد هو الفقدان ـ فقد ذهب نور عظيم وكمال عظيم ، فهذا ليس خاصا بأمير المؤمنين ، بل جميع الأئمة يقولون : أيها البشر ، تنشدون الكمال والسعادة والسلم الدولي والصحة والتعليم والعدالة والعدل الدولي والعدل الاقتصادي و.. ؟ فكل ما يطبّل له البشر ليل نهار ، ويطلقون شعارات ، فإنّكم لا تجدونه إلا عند النبي وأهل بيته عليهم السلام ، فإذا لم يأتوا ولم يحكموا الأرض بشكل مُعلَن وبشكل مهيمن على كل الأرض فإنكم أيها البشر لن تنعموا بكل هذه السعادات !! وهذه المدّعى مذكورة في مواضع عديدة من القرآن الكريم ، منها : قوله تعالى في سورة الحشر { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء } وفي هذه الآية عدّة مواضع تبين الأمر وذلك من زوايا عديدة ، ولكن كلامنا سينصبّ حول قوله { كي ل يكون دولة بين الأغنياء } فالاستئثار والطبقية والظلم والحروب التي تنشأ من الاحتكار والبيروقراطية و.. لن تنجو منها البشرية إلا أن يُسندوا ثروات الأرض بيد شخص القربى ، مع أن النبي عيسى سينزل ـ كما يقوله القرآن في نصوص أخرى ـ ، فإن إسناد الحكم بيد النبي عيسى لا يكفل ـ بنصِّ القرآن ـ ، فكم من المسيحيين يموتون ذوباً ، فيوم قتل النبي عيسى لاحظوا (كريسمس يجي) وغيره كيف يدمون أنفسهم ولهاً وعشقاً ومحبةً بالنبي عيسى عليه السلام ، والقرآن يقول أيها المسيحيون أيها البشر إنّ الضامن لسعادتكم ليس النبي عيسى ـ مع احترام القرآن وتقديسه للنبي عيسى ـ وليس هو أملكم ، نعم يساهم في الإصلاح والسعادة ، ولكنه ليس هو ، فمن هو ؟ في نصوص القرآن ونصوص الفريقين ـ سواء قبل الطرف الآخر أو لم يقبل ، ولكن المشهور يقبلون ذلك ـ أربعة من الأنبياء موجودون الآن وأحياء ، وهم : إدريس وإلياس وعيسى والخضر ـ على القول بأنّه نبي ـ ، فالقرآن يقول : رغم احترامنا لهؤلاء الأنبياء وقدسيّتهم و.. ليسوا أملاً للبشرية !! فأمل البشرية هو { القربى } وهو الذي قال القرآن عنه بأنّه هو كلّ الدين ومحوره ، فالدين لكل المخلوقات وليس لكل البشر ، وهذه ليست مغالاة من القرآن ، فالقرآن دائماً يجعل قطباً ومركزاً ومحوراً ، وذلك في كل شيء ، في الاقتصاد وفي عالم الملائكة وفي القضاء وفي العلم وفي المعرفة ، لماذا ؟ لماذا يجعل سيّد الأنبياء وآله عليهم السلام هو أقطاب الدين كلّه ؟ أهي مغالاة ؟ لا ، لأنّ هذا العلم الذي يحتاج إليه البشر ـ هل تعلمون أيها الأخوة أنّه على صعيد العدالة المالية ، العدالة التجارية ، العدالة الاقتصادية ، العدالة المصرفية ، العدالة في النقد فالنقد في الدول قد تكون ظالمة فتسرق أموال الشعب ، وقد تكون عادلة فراجعوا ذلك في علم النقد ، فلا زال العالم مترجّلين كيف يوجدون عملة نقد عادلة وإلى الآن مرتبكين ، هذا على صعيد التنظير لا التطبيق ، فهم تنظيراً عاجزون عملة نقد عادلة ، يأتيني أحد المنسوبين للوسط الداخلي يقول ـ بما معناه ـ : ( لا يصح حصر الزكاة في الذهب والفضّة ، فهذا شيء تاريخي ) ـ مع أن الروايات تقول : إن النبي هو الذي حصر الزكاة في الذهب والفضّة ـ ، الآن أحد كبار المنظّرين في الغرب قال ـ بما معناه ـ : ( لن تنحلّ الأزمة المالية التي مضى لها أكثر من عشر سنوات تعصف بالغرب إلا بعود العملة إلى الذهب والفضّة ) وهذه هي معجزة سيد الأنبياء عليه السلام حينما حصر الزكاة في الذهب والفضة ، فهذان يصلحان للنقد أمّا غيره فلا يصطلح لذلك لأنه محل تلاعب وسرقات وغسيل أموات وتمويه ، إما بين الدولة وشعبها ، أو بين الدول ، يا أخي البشر في تنظير العدالة مترجّلين فلا ماركسية ولا اشتراكية ولا سوق حر ولا بوصلة ولا.. فتنظيرا كل أمة دخلت لعنت الأخرى ، فهذا يسبب دمار البشر ، فهذا العلم بالعدالة لا يمتلكه ـ بنص القرآن الكريم ـ النبي عيسى ولا إلياس ولا إدريس ولا الخضر ولا إبراهيم ولا نوح ولا.. فالقرآن مهيمن على جميع الكتب ، أي أنّ الكمال الأكمل والأسد والأتم للعدالة موجود فيه ، فهذا القرآن وعلمه العظيم المهيمن على جميع درجات الشهادة العلمية لنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ـ فكتاب كل نبي هو عبارة عن شهادته العلمية الملكوتية ، فالشهادة العلمية الملكوتية لعيسى هي الإنجيل ، ولموسى التوراة وداود الزبور وإبراهيم الصحف وهكذا وهلمَّ جرّا ـ أمَّا الشهادة الملكوتية للقرآن فقد خصَّها القرآن بالنبي وأهل بيته عليهم السلام ، هذا العلم لا يمتلكه إلا هؤلاء ، وهذا يعني : أن نجاتكم أيها البشر ليس بالأنبياء ـ لأنهم وزراء ولهم دور ولكن المركز ـ بل للنبي وأهل بيته عليهم السلام ، فلا تضيّعوا المركز ، فهذه الدوائر يجب حفظها وصيانتها وفهمها لأنها سياجات لنفس المركز ، ولكن المركز أيضاً لا تضيّعوه ، فإذا كان كذلك ؛ فليس عبطاً أن يأتي الصادق أو الإمام الثاني عشر عليهما السلام كما في دعاء الندبة ـ ومضمونه موجود في روايات أخرى ـ : ( أين الحسن ؟ أين الحسين ؟ ) أي : أنا ولهي ومصيبتي وفقدي هو هذا ، لذلك في منطق أهل البيت عليهم السلام أنّ فقد البشرية لسيد الأنبياء هي أعظم مصيبة ، وسيجبر البشر هذه المصيبة إذا رجع النبي عليه السلام حيّا إلا دار هذه الدنيا ، فظهور الإمام الثاني عشر مقدّمة لعلاج هذه الفادحة الكبرى والخسارة العظمى ، فظهوره ليس هو العلاج الكامل ، ورجعة الحسين وأمير المؤمنين وكل دول الرجعة كلها جُبران لفقد سيد الأنبياء عليه السلام ومن بعده فقد سيد الأوصياء وسيدة النساء ثم فقد سيد الشهداء .
فإذا أنت تسألني : ما هي فلسفة الجزع ؟ ولِمَ هو مستمر ؟ ولِمَ هو مشتعل ؟
أجيب : لأنّني أنشد كمالي وسعادتي وولائي ، وبنص القرآن الكريم لن أجدَ سعادتي ولن أجد نجاتي ولن أجد ما أنعم به من الحرية والعدل إلاّ في ظل هؤلاء ، وجود هؤلاء ومجيئهم ، لذلك نحن نشكو بثُّنا ليس للبشر كي يعينوننا { إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله } شكايتي ليست لكم ، فالجزع من الله ـ أي عدم الصبر ـ مذموم ، أمّا الجزع إلى الله فهو محبوب لأنّه دعاء وتوجّه إلى الله وتطلُّع إلى منبع الخير والكمال والرقي المستمر وعدم الاقتناع بالرُقي المتوسّط ، فنحن لا نقتنع بالرُقي البشري ، فالغرب لا يقنعنا ، فهي غير مقتنعة بالازدهار الموجود في أنظمتها ، وقد ذكرت لكم تقاريرَ عن مركز دراسات خطيرة ، يقول ـ بما معناه ـ : ( من الخطير في مشروع المهدي ـ أي مشروع العدالة والحرية ـ لو اطّلع عليها شعوب العالم لتبدَّل ولاؤها من ولاء الأنظمة الغربية إلى ولائه ) لأنَّ هذا يطرح ورقة فوق ما يدّعيه أو ينجزه الغرب ، وبلا شكّ تتطلّع البشرية إلى ما وراء ذلك ، فإلى الآن الديمقراطية واللبرالية التي يدّعيها الغرب لم تلبِّ حاجيات الناس ، فالآن كم عدد التظاهرات ؟ وبماذا يخمدوها ؟ أيخمدونها بالورود والزهور أم بالعنف والقوة ؟ فلاحظوا أنتم الشبكات الخبرية ، فالشعوب تتطلّع إلى الما وراء ، فأنا نجاتي وقمّة سعادتي ، فجزعي عبارة عن اشتداد شوقي واصرار إرادتي إلى هذه القمّة ـ قمّة السلام قمّة السعادة ـ أصلُ إليها ، فإذا شكونا إلى الله يفرِّج عنّا الله ، ( انتظار الفرج ) من أعظم العبادات ، فكل ما كان غير ذلك فهو ليس فرجاً ، ولم يُفرَج عن ويلات البشرية وحروبها وظلاماتها إلا بالوصول إلى هؤلاء ، هذا الاشتداد هذا الجزع هذا الاشتعال عبارة عن تشوّق أكثر فأكثر إلى الهدف ، إلى القمّة ، فكيف تريد منّي أن يخبت شوقي وولهي ؟! لا يمكن ، فلسفته واضحة { إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون } أي أعلم أنَّ الله تعالى سيقدِّر ويدبِّر هذا الفرج الأعظم ، فهذا الحزن ملؤه أمل ، ملؤه رجاء ، ملؤه مسؤولية كبرى ، لا أقنع بالديمقراطية والليبرالية ، ولا أقنع بالسوق الحر ، ولا سوق التجارة العامّة ، ولا .. ولا .. فهذه سلع بارت وأريد السلعة العظيمة ، وملؤه أمل ، { وأعلم من الله ما لا تعلمون } لأن رجائي وإلحاحي ودقّي للباب هو إلى الله وليس إليكم أنتم البشر ، ففلسفة الشعائر ليست البشر ، بل فلسفة الشعائر ارتباط مع الله تعالى ، فهذه هي الفلسفة ، فهي نوع من الارتباط والقرب والمسؤولية التي يريدنا الله أن نتحمّلها في هذا المشروع الإلهي الضخم ، فهو فوق البشر .
إلهي آمنّا أنَّ هذا المشروع الإلهي هو الأكبر ، وهو المشروع المنقذ ، ولا منقذَ سواه ، إلهي آمنا أن الخليفة هو قطب الأقطاب وهو مركز الولاء ، هذا معناه ، فكيف تريدني أن أهدأ ؟ وكيف تريدني أن أخبتَ ؟ أتريدني أن أقطع ولائي ؟ أقيّد ولائي عن هذا المشروع الإلهي الضخم ؟ لا يمكن ، فكيف تريد أن تقول لي الآن : هذا الباب تضبطه أبواب فقهية أخرى ، نعم ؛ أنا أقول أن هناك انسجام بين التوحيد والصلاة ، بين التوحيد والحج والصوم ، ولكن لا تقول لي إن الزكاة حاكمة على التوحيد ، نعم توجد ألفة ، ولكن الزكاة لا تضبط ولا تحكم على التوحيد ، فالضرر النفسي الأناني القوقعي حاكم على مصلحة الدين الكبرى ؟! لا ، وألف لا ، لذلك لا يُعتنى في باب الجهاد بالضرر النفسي بالبدن ، لا المال ولا العرض ولا النفس ، لأنّ مِلاك باب الجهاد هو ملاك الولاية ( ولاية الله وولاية الرسول وولاية أهل البيت عليهم السلام ) .
لا نقول إنّه لا توجد ضوابط في الشعائر ، بل هناك ضوابط ولكنّها تُرسم بهذه الموازين ، لا بقلب الموازين بجعل حكومة الصلاة على التوحيد أو تحكِّم الزكاة على التوحيد ، ولا التوحيد ينفي الزكاة ، وإنما العكس بل يحفظها ، ولكن مع حفظ المراتب ، فـ ( لا إفراط ولا تفريط ) بل في مراتبكم التي رتّبكم الله فيها ، فقد جعل الله أولاً أصول الدين ـ بنصِّ القرآن ـ ثم رتَّب أركان الفروع ، ولم يقل أنّها أركان الأصول ، فسمّاها شريعة ، والأصول سمّاها بالدين ، والدين مقدّم على الشريعة .
على أي تقدير: نجيب عن كل هذه التساؤلات ـ ولكن لم نجب عن معنى ( الثار والوتر ) ولكن نقول مختصراً : إنَّ الثار ليست بغلّ ولا حقد شخصي ، فـ ( الثار ) عبارة عن غليان عن حرمان هذه النعمة العظيمة ، فنحن موتورون عن فقدان هذه النعمة العظيمة ، فيجب أن تُقطَع أسباب الظلم من شجرة الأرض ومن كوكبة الأرض ، فـ ( الثار ) يعني تطهير الأرض من أسباب الفساد ، الإنتقام من أسباب الفساد ، وكم يصف القرآن الكريم اللهَ تعالى بأنّه ( منتقم ) ؟! وهل الله يحتاج إلى الخلق حتّى ينتقم ويتشفّى ؟ وإنما ليطهّرها من أسباب الشر والشرور والفساد والمفسدين ، هذه هي فلسفة الثار والوتر والموتورين ، فما دام الفساد موجوداً في الأرض ، فلا يهدأ لنا بال ـ تبعاً لأئمتنا عليهم السلام إذ لا يهدأ لهم بال ـ ، فما دام النهج اليزيدي موجوداً ، وما دام النهج الأموي موجوداً ، وما دام نهج البغي والفساد والإباحة والعهر والخمور وكل هذا الفساد موجودا فلا يهدأ لنا بال ، فنحن لسنا في وديعة راحة ، بل نحن مسئولون { ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين } فإن القرآنَ ينادينا ، وإن كانت المسألة ليست قتالا بالأسلوب الساخن فعلى الأقل بالبارد ، فيجب أن يكون لنا همّ وغمّ ، أحد قادات الدين يُظهره على الدين كلّه ولو بأسلوب النور ـ كما يقول الصادق عليه السلام ـ فينتشر هذا الأمر ليس بالسيف ، بل ينتشر بالعلم والحكمة والقوة والدفاع ـ طبعاً ـ ، لا تكونوا ضعفاءً بل يجب أن يكون عندنا قوّة رادعة عن أن يطمع الآخر فينا ، { أعدوا لهم ما استطعتم من قوة } فيجب أن يكون عندنا تنامي قوة ذاتي ، لا لأجل البغي والعدوان ، بل لدفع الباغي ، نحن عندنا ثأر ولكن بهذا المعنى لا بمعنى الأحقاد الشخصية ، وقد ذكرنا مراراً أنَّ حربَ الأديان وحرب الطائفية هي خديعة للشعوب ، فأهل البيت عليهم السلام ينصفون أعداءهم بقدر إنصافهم لمحبّيهم من دون ظلم ، فأهل البيت عليهم السلام يناشدون كمال العدو قبل أن يناشدوا كمال المتّبعين ، وذكرنا سيرة النبي صلى الله عليه وآله في تقسيم الغنائم في حنين ، وسيرة أمير المؤمنين عليه السلام في التقسيم بين أخيه عقيل وبين غيره ، فهذه هي سيرة أهل البيت عليهم السلام ، فالثأر ليس حقداً على البشر ، بل على الفساد والمفسدين ، نعم هذا ثأر ووتر ، ( وتر الله الموتور ) لِمَ ؟ فيجب أن يكون عدل الله وميزان الله الذي يريده الله في الأرض ، وإلاّ فقد اُستُخفَّ بالله ، فلله ثأر ووتر { ما لكم لا ترجون لله وقارا } لم يستطيع حفظ حرمات الله حتى الأنبياء عليهم إلا سيد الأنبياء وأهل بيته عليهم السلام وذلك بنصِّ القرآن .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين


ولا تنسونا من خالص الدعوات




[1] (http://hajrnet.net/hajrvb/#_ftnref1) إن السيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره مدفون في مسجد العمران في الصحن العلوي الشريف بجانب السيد محمد كاظم اليزدي قدس سره صاحب العروة ، والشيخ السند حفظه الله يُلقي دروسه في هذا المسجد المبارك ( المقرِّر ) .