عابر سبيل سني
28-12-2013, 11:39 AM
بانوراما الشرق الاوسط
الجمعة , 27 كانون اول / ديسمبر 2013
http://panorama.almadina.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/2013/12/mepanorama271006.jpg
أحمد الشرقاوي
من المستفيد من الجريمة..؟
مقتل الوزير السابق محمد شطح ومرافقه في تفجير ‘ستاركو’ جريمة خطيرة بكل المقاييس من شأنها تفجير الوضع في لبنان في الساعات والأيام القليلة القادمة، وهو الأمر الذي لا يخرج عن سيناريو خلط الأوراق الذي تقوده دولة إقليمية متضرر من الإتفاق الأمريكي الروسي، والغربي الإيراني، حول جنيف السوري و جنيف النووي، بهدف إفشال الإتفاقين من البوابة اللبنانية ضدا في الإرادة الأمريكية الروسية والدولية، بالتعاون والتنسيق الوثيق مع إسرائيل.
ما هي الأهداف من وراء الجريمة
لتفجير بيروت هدفان: الأول توفير مبرر سياسي لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف للإسراع بتأليف حكومة أمر واقع قبل مؤتمر “جنيف 2″ بحجة ضرورة حفظ الأمن لتجنيب لبنان الفراغ والإنفجار في غياب التوافق السياسي بين الأفرقاء، وهو الهدف الذي في حال تحقق سيبعد الوزير عدنان منصور المحسوب على فريق 8 أذار عن المشاركة في المؤتمر، وبالتالي، ضرب تحالف مكافحة الإرهاب الذي يعتزم المجتمع الدولي تأسيسه بمشاركة لبنان.
ويأتي هذا التفجير الخطير في فترة حساسة، ينتظر فيها الرئيس ‘سليمان’ نتائج زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للسعودية بعد غد الأحد. وأشارت مصادر صحافية في هذا الصدد إلى أنّ “واشنطن ترحّب بتأليف الحكومة، لكنّها لا تحبّذ أيّ خطوة أو مبادرة يمكن أن تسيء الى الاستقرار الأمني الهَشّ، الأمر الذي يترك انطباعاً غامضا حول الموقف الأميركي”، وفق ما أفادت صحيفة الجمهورية اللبنانية اليوم.
أما الهدف الثاني، فهو تفجير فتنة مذهبية بين السنة والشيعة، من خلال اتهام حزب الله بالوقوف وراء التفجير، وفي المقابل، تحريك المليشيات الأمنية التي أعدّها اللواء ‘أشرف ريفي’ في طرابلس وغيرها من العصابات الإرهابية المنتشرة في مختلف مدن ومناطق لبنان ضد حزب الله والجيش اللبناني معا.
ولعل اصطياد حزب الله لـ 30 عنصر من جبهة النصرة في كمين أمس والقضاء عليهم يؤشر لهذا السيناريو المشبوه، والذي تأكد اليوم أن مقتل الوزير شطح الذي ينتمي للطائفة السنية الكريمة في طرابلس، وهو الرجل الذي عرف عنه إعتداله و وسطيته وبعده عن المواقف المتشنجة وحرصه على لبنان لكل اللبنانيين باعتباره أول من رفع شعار ‘لبنان أولا’، إنما يستدعي فتنة طائفية تقوم مليشيات تيار المستقبل بإفتعالها ضد حزب الله إنتقاما لمقتله.
وحال وقوع الإنفجار، خرجت المليشيات “الحريرية” إلى شوارع طرابلس حيث قطعت الطرقات وبدأت تطلق النار في الهواء في إنتظار التعليمات التي يتوقع أن تصلها من السعودية الراعية للإرهاب في لبنان والمنطقة.
الإتهـــام السياســـي المُسبّـــق
وقد جاء الإتهام السياسي بسرعة البرق، تماما كما حصل عقب إغتيال الرئيس رفيق الحريري في محاولة خبيثة لوضع دم الشهيد ‘محمد شطح’ في برصة المزايدة السياسوية الرخيصة. حيث اعتبر المراهق ‘الحريري’ في بيان يبدو أنه كان معدا سلفا: أنّ “الذين اغتالوا محمد شطح هم الذين اغتالوا رفيق الحريري، والذين يريدون اغتيال لبنان وتمريغ أنف الدولة بالذل والضعف والفراغ”، مشيراً إلى: أنّ “المتهمين بالنسبة لنا، وحتى إشعار آخر، هم أنفسهم الذين يتهربون من وجه العدالة الدولية، ويرفضون المثول امام المحكمة الدولية، إنهم أنفسهم الذين يفتحون نوافذ الشر والفوضى على لبنان واللبنانيين، ويستدرجون الحرائق الإقليمية الى البيت الوطني”. وهي إشارة مباشرة لحزب الله وضمنية للنظام السوري.
غير أن بيان كتلة 14 الشهر الذي تلاه ‘السنيورة، إكتفى بالقول أن: “القاتل هو نفسه الذي يستهدف أبطال لبنان من سورية إلى بيروت” مشيرا في ذلك إلى النظام السوري وحلفائه من دون أن يسمي أحدا. ومرد هذا التعديل في الإتهام قد يكون بسبب زيارة السفير الأمريكي و الفرنسي لبيت الوسط وحضور إجتماع كتلة المستقبل الذي عقد على عجل، لتعطيل مفاعيل التفجير في لبنان، وإن كان دور السفير الفرنسي مشبوها ولا يتوافق مع الرغبة الأمريكية في عدم التصعيد في هذه المرحلة الحساسة على أعتاب مؤتمر “جنيف 2″.
وهو ما يؤكد أن الإتهام السياسي لحزب الله والنظام السوري كان جاهزا، ويصب في ذات الأهداف التي وضعها سيدهم و ولي نعمتهم في الرياض. والغريب أن التفجير الذي استهدف الوزير السابق ‘شطح” تزامن مع تحليق الطيران الإسرائيلي في المنطقة، تماما كما حدث في واقعة إغتيال الشهيد رفيق الحريري، ما يؤشر إلى إحتمال أن تكون إسرائيل غير بعيدة عن هذا السيناريو الفتنوي الخطير الذي يريد أن يقذف بلبنان نحو المجهول.
مؤامـــرة غبيـــــة
ومهما يكن من أمر، فسيناريو الإغتيال وضع من قبل جهة محترفة وبشكل يجعل الأنظار تتجه مباشرة لحزب الله لتبرير إتهامه سياسيا من دون إنتظار نتائج التحقيق، وذلك من خلال ربطه مباشرة، وبشكل غبي ومكشوف مع التحذير الذي أطلقه سماحة السيد حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة بقوله “لا تلعبوا معنا” ردا على مؤتمر طرابلس الذي حاولت أن تجعل منه قوى 14 الشهر نواة لمؤتمر تأسيسي يجمع ممثلين من مختلف الطوائف والمذاهب اللبنانية كبديل عن قوى 8 أذار. وقوله كذلك (أي سماحة السيد) أن “حكومة أمر واقع خدعة و نقطة أول السطر”. الأمر الذي إعتبره فريق 14 الشهر رسالة تهديد مبطن مفادها “نهاية الكلام السياسي المباح و بداية قرقعة السلاح”.
فجاء التفجير قرب بيت الوسط بوقت قصير من إجتماع ثاني لنفس الموزاييك الذي حضر مؤتمر طرابلس الأول، لبحث ما قيل أنها برامج تنموية تهم مدينة طرابلس وأمور سياسية أخرى، للإيهام الرأي العام اللبناني أن التفجير له علاقة مباشرة بتحذير حزب الله الأخير وتحامله على “المؤتمر” وعلى مساعي الرئيس سليمان لتأليف حكومة ‘أمر واقع’ تنقذ لبنان من التفجير وتجنب البلاد الفراغ.
لكن حزب الله من جهته، وإدراكا منه لخطورة المؤامرة، صرح: “أن كل ما يشاع حول اجراءات عسكرية لمواجهة حكومة الامر الواقع عار عن الصحة”، وفق ما كشفته صحيفة ‘القبس’ نقلاً عن مسؤول في حزب الله، مشيرا إلى: أن “الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تهويل وأن الحزب لا يعتزم القيام بأية ردة فعل ميدانية”، مؤكدا: أن “هناك وسائل سياسية فاعلة لابقاء هذه الحكومة على الورق”، ناصحا بـ”عدم زج البلاد في ازمة أشد تعقيدا”.
خيـــوط تديـــن السعوديـــة
من الواضح أن مسؤولين سعوديين وعلى رأسهم بندر بن سلطان وتركي الفيصل سبق وأن هددوا صراحة بتفجير الوضع في لبنان ردا على تدخل حزب الله في سورية وإفشال مخططاتهم التخريبية.
لكن الجديد في الأمر هذه المرة، هو ما ذكرته صحيفة سعودية أمس من أن “لبنان على فوهة بركان قابل للانفجار بأي لحظة”، حيث نقلت عن مصادر سياسية مطلعة: أن “الخطر الكبير لهذا الانفجار يكمن تحديدا في البقاع والشمال عبر فتنة يسير إليها الجميع عن وعي كامل، وهي فتنة لن تقتصر على عناصر محلية بقدر ما سيكون الانغماس السوري من الفريقين في سوريا كبير”.
وواضح من خلال ما أوردته الصحيفة السعودية أن الهدف هو خلط الأوراق في سورية لعرقلة إنعقاد مؤتمر “جنيف 2″ للتسوية السياسية، لعلم السعودية أن ما سيناقش كبند أول في هذه المرحلة هي الحرب على الإرهاب، حيث تعتزم الولايات المتحدة بتوافق مع روسيا تأسيس تحالف دولي لمحاربة الإرهاب الذي تعلم السعودية أنه السلاح الوحيد المتبقي في يدها للحفاظ على نفوذها في المنطقة، وأن لا مخرج لها من تعويض خسارتها المدوية في المنطقة إلا بتدمير سورية وتخريب لبنان.
وفي ذات الإطار يفهم كذلك التصعيد السعودي الأخير في سورية، الأمر الذي دعى الأمين العام للأمم المتحدة للقول اليوم الجمعة: أن “تصاعد العنف في سورية قبل مؤتمر ‘جنيف 2′ المقرر عقده في 22 يناير/كانون الثاني، لا يخدم سوى مصالح من يسعى للتدخل العسكري في النزاع”، وهي إشارة واضحة للسعودية.
خصوصا بعد أن وصلت الرياض إلى قناعة مفادها، أن تحييد “الجيش الحر” من خلال ضربه بـ”داعش” و “النصرة” وتعويضه بـ”الجبهة الإسلامية” لا يمكن أن يضمن لها اليد العليا في المفاوضات السياسية المرتقبة نظرا للشكوك التي تحوم حول هذا التحالف الإرهابي المشبوه، فأوعزت لـ”الجبهة الإسلامية” برفض لقاء الأمريكيين، وبالتالي، لم يعد لشيىء إسمه “معارضة” معتدلة من وجود فاعل على الأرض يخوله فرض شروطه في مؤتمر “جنيف 2″، وهو ما يصب في مصلحة النظام بالنهاية، وبالتالي، لم يعد أمام السعودية من حل سوى تفجير المؤتمر من خلال البوابة البنان.
لأن البوابة اللبنانية، ستمكن السعودية من الإستمرار في ضخ الإرهابيين والسلاح إلى سورية بأعداد ضخمة ووثيرة مرتفعة، بعد أن أصبح ذلك متعذرا من البوابة التركية وفاشلا من البوابة الأردنية بسبب يقضة الجيش العربي السوري وحلفائه في الحدود الجنوبية.
لكن الأخطر، هو ما تناقلته وسائل إعلام سعودية أول أمس وأمس، حيث سارعت أقلام الزيت لتركيز الخطاب على مسألة “محاربة الإرهاب” التي أفادت معلومات مؤكدة، أن المجتمع الدولي عازم على أن يتخد قرارا حاسما وحازما بشأنها في مؤتمر “جنيف 2″، خصوصا مع تصاعد التحذيرات الغربية الأخيرة، فخرجت الأقلام المأجورة تبشر بما أسمته بـ”الحرب على الإرهاب على حساب دماء السوريين”، وروجت لأفكار غريبة مفادها أن الرئيس ‘بشار الأسد” نجح في خداع العالم حين أدخل الإرهابيين إلى سورية للإجهاز على ثورة الشعب وتهويل خطر الإرهاب بالنسبة للغرب، وما إلى ذلك من ترهات وأكاذيب، وكأن النظام السعودي بريىء من الإرهاب ودماء السوريين، وهو المعروف دوليا بالمصنع والداعم والراعي الدولي الأول للإرهاب، وخصوصا في العراق وسورية ولبنان واليمن.
السعوديـــة تُحضّـــر الأكفـــان
لكن ما اشتشعرته السعودية من خطر عظيم، هو بداية الحملة العسكرية من قبل حكومة المالكي على الإرهاب في منطقة الأنبار، وإغلاق الحدود مع الأردن وسورية، الأمر الذي لن يترك للإرهابيين من منفذ للهروب سوى الحدود السعودية.
وهنا المعظلة، لأن الإستراتيجية الإخيرة لمملكة الرمال والزيت، كانت تقوم على استبدال “الإرهاب” بـ”الجهاد” في إطار خطة محكمة لأفغنة سورية، مع ضمانات للمقاتلين بعد المتابعة القضائية في حال عودتهم من سورية.. وهنا المأزق.
لأن خطة العراق تستهدف أساسا تضييق الخناق على الإرهابيين لعدم الهروب إلى الأردن أو سورية، بل إلى السعودية حيث تركت الحدود مفتوحة معها، وهي ذات الخطة التي التي يعتمد تفعيلها النظام السوري لدفع الإرهابيين في إتجاه الحدود الأردنية.
والسعودية التي استشعرت الخطر القادم من هكذا إستراتيجية لمحور المقاومة، أوعزت لكبير أحبارها، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، المفتي الأعظم للوهابية التكفيرية الإجرامية، وعلى خلاف كلّ مواقفه السابقة والمعتادة، لإصدار فتوىً جديدة، رأى فيها أنّ مرتكبي الهجمات الانتحاريّة الذين أقدموا على قتل الناس من خلال تفجير أنفسهم استناداً إلى فتاوى كان أصدرها لهم مشايخ الوهابيّة ومفتوها، أنّ “هؤلاء الانتحاريّين هم مجرمون، ويستحقّون ورود النار بسبب جرائمهم هذه”. موضحا خىل محاضرة ألقاها في جامعة الإمام ‘تركي بن عبد الله’ في الرياض أمس: إن “قتل النفس يُعدّ جريمة كبيرة من كبائر الذنوب، وإنّ الذين يقتلون أنفسهم بهذه الأحزمة الناسفة هم قوم مجرمون عجّلوا بأنفسهم إلى نار جهنم؛ لأنّهم بذلك قتلوا أنفسهم وقتلوا غيرهم”.
أخيرا، فهمت السعودية أن إشارة سماحة السيد لما يتمتع به أمراء الزيت والدم في بلادهم من أمن وأمان وإستحمام وإستجمام، لم تكن من قبيل حشو الكلام، وأن سماحته لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا تحذير يعني ما يقول، ومفاده: أن السعودية ستحصد ما زرعت، وأن إرهابها سيرتد قريبا عليها، فتشرب من ذات السم الذي سقت منه جيرانها العرب والمسلمين خدمة لإسرائيل.
أخيرا، نستطيع أن نقول أن الرسالة وصلت، لكن الرد السعودي جاء سريعا بتفجير بيروت، إيذانا ببداية عصر الفتنة الكبرى في لبنان.. فهل ينجح حزب الله في إفشال هذا المخطط الجهنمي الجديد..؟
لا نشك في ذكاء وقدرة حزب الله في ذلك، وهو الذي عاهدناه حريصا على الدم البريىء وعلى أمن وإستقرار الوطن، لأن إفشاله لمشروع الفتنة الكبرى هو نجاح للمقاومة وفشل لمشروع المؤامرة، تماما كما عودنا حزب الله في أكثر من مرة ومناسبة.
الجمعة , 27 كانون اول / ديسمبر 2013
http://panorama.almadina.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/2013/12/mepanorama271006.jpg
أحمد الشرقاوي
من المستفيد من الجريمة..؟
مقتل الوزير السابق محمد شطح ومرافقه في تفجير ‘ستاركو’ جريمة خطيرة بكل المقاييس من شأنها تفجير الوضع في لبنان في الساعات والأيام القليلة القادمة، وهو الأمر الذي لا يخرج عن سيناريو خلط الأوراق الذي تقوده دولة إقليمية متضرر من الإتفاق الأمريكي الروسي، والغربي الإيراني، حول جنيف السوري و جنيف النووي، بهدف إفشال الإتفاقين من البوابة اللبنانية ضدا في الإرادة الأمريكية الروسية والدولية، بالتعاون والتنسيق الوثيق مع إسرائيل.
ما هي الأهداف من وراء الجريمة
لتفجير بيروت هدفان: الأول توفير مبرر سياسي لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف للإسراع بتأليف حكومة أمر واقع قبل مؤتمر “جنيف 2″ بحجة ضرورة حفظ الأمن لتجنيب لبنان الفراغ والإنفجار في غياب التوافق السياسي بين الأفرقاء، وهو الهدف الذي في حال تحقق سيبعد الوزير عدنان منصور المحسوب على فريق 8 أذار عن المشاركة في المؤتمر، وبالتالي، ضرب تحالف مكافحة الإرهاب الذي يعتزم المجتمع الدولي تأسيسه بمشاركة لبنان.
ويأتي هذا التفجير الخطير في فترة حساسة، ينتظر فيها الرئيس ‘سليمان’ نتائج زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للسعودية بعد غد الأحد. وأشارت مصادر صحافية في هذا الصدد إلى أنّ “واشنطن ترحّب بتأليف الحكومة، لكنّها لا تحبّذ أيّ خطوة أو مبادرة يمكن أن تسيء الى الاستقرار الأمني الهَشّ، الأمر الذي يترك انطباعاً غامضا حول الموقف الأميركي”، وفق ما أفادت صحيفة الجمهورية اللبنانية اليوم.
أما الهدف الثاني، فهو تفجير فتنة مذهبية بين السنة والشيعة، من خلال اتهام حزب الله بالوقوف وراء التفجير، وفي المقابل، تحريك المليشيات الأمنية التي أعدّها اللواء ‘أشرف ريفي’ في طرابلس وغيرها من العصابات الإرهابية المنتشرة في مختلف مدن ومناطق لبنان ضد حزب الله والجيش اللبناني معا.
ولعل اصطياد حزب الله لـ 30 عنصر من جبهة النصرة في كمين أمس والقضاء عليهم يؤشر لهذا السيناريو المشبوه، والذي تأكد اليوم أن مقتل الوزير شطح الذي ينتمي للطائفة السنية الكريمة في طرابلس، وهو الرجل الذي عرف عنه إعتداله و وسطيته وبعده عن المواقف المتشنجة وحرصه على لبنان لكل اللبنانيين باعتباره أول من رفع شعار ‘لبنان أولا’، إنما يستدعي فتنة طائفية تقوم مليشيات تيار المستقبل بإفتعالها ضد حزب الله إنتقاما لمقتله.
وحال وقوع الإنفجار، خرجت المليشيات “الحريرية” إلى شوارع طرابلس حيث قطعت الطرقات وبدأت تطلق النار في الهواء في إنتظار التعليمات التي يتوقع أن تصلها من السعودية الراعية للإرهاب في لبنان والمنطقة.
الإتهـــام السياســـي المُسبّـــق
وقد جاء الإتهام السياسي بسرعة البرق، تماما كما حصل عقب إغتيال الرئيس رفيق الحريري في محاولة خبيثة لوضع دم الشهيد ‘محمد شطح’ في برصة المزايدة السياسوية الرخيصة. حيث اعتبر المراهق ‘الحريري’ في بيان يبدو أنه كان معدا سلفا: أنّ “الذين اغتالوا محمد شطح هم الذين اغتالوا رفيق الحريري، والذين يريدون اغتيال لبنان وتمريغ أنف الدولة بالذل والضعف والفراغ”، مشيراً إلى: أنّ “المتهمين بالنسبة لنا، وحتى إشعار آخر، هم أنفسهم الذين يتهربون من وجه العدالة الدولية، ويرفضون المثول امام المحكمة الدولية، إنهم أنفسهم الذين يفتحون نوافذ الشر والفوضى على لبنان واللبنانيين، ويستدرجون الحرائق الإقليمية الى البيت الوطني”. وهي إشارة مباشرة لحزب الله وضمنية للنظام السوري.
غير أن بيان كتلة 14 الشهر الذي تلاه ‘السنيورة، إكتفى بالقول أن: “القاتل هو نفسه الذي يستهدف أبطال لبنان من سورية إلى بيروت” مشيرا في ذلك إلى النظام السوري وحلفائه من دون أن يسمي أحدا. ومرد هذا التعديل في الإتهام قد يكون بسبب زيارة السفير الأمريكي و الفرنسي لبيت الوسط وحضور إجتماع كتلة المستقبل الذي عقد على عجل، لتعطيل مفاعيل التفجير في لبنان، وإن كان دور السفير الفرنسي مشبوها ولا يتوافق مع الرغبة الأمريكية في عدم التصعيد في هذه المرحلة الحساسة على أعتاب مؤتمر “جنيف 2″.
وهو ما يؤكد أن الإتهام السياسي لحزب الله والنظام السوري كان جاهزا، ويصب في ذات الأهداف التي وضعها سيدهم و ولي نعمتهم في الرياض. والغريب أن التفجير الذي استهدف الوزير السابق ‘شطح” تزامن مع تحليق الطيران الإسرائيلي في المنطقة، تماما كما حدث في واقعة إغتيال الشهيد رفيق الحريري، ما يؤشر إلى إحتمال أن تكون إسرائيل غير بعيدة عن هذا السيناريو الفتنوي الخطير الذي يريد أن يقذف بلبنان نحو المجهول.
مؤامـــرة غبيـــــة
ومهما يكن من أمر، فسيناريو الإغتيال وضع من قبل جهة محترفة وبشكل يجعل الأنظار تتجه مباشرة لحزب الله لتبرير إتهامه سياسيا من دون إنتظار نتائج التحقيق، وذلك من خلال ربطه مباشرة، وبشكل غبي ومكشوف مع التحذير الذي أطلقه سماحة السيد حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة بقوله “لا تلعبوا معنا” ردا على مؤتمر طرابلس الذي حاولت أن تجعل منه قوى 14 الشهر نواة لمؤتمر تأسيسي يجمع ممثلين من مختلف الطوائف والمذاهب اللبنانية كبديل عن قوى 8 أذار. وقوله كذلك (أي سماحة السيد) أن “حكومة أمر واقع خدعة و نقطة أول السطر”. الأمر الذي إعتبره فريق 14 الشهر رسالة تهديد مبطن مفادها “نهاية الكلام السياسي المباح و بداية قرقعة السلاح”.
فجاء التفجير قرب بيت الوسط بوقت قصير من إجتماع ثاني لنفس الموزاييك الذي حضر مؤتمر طرابلس الأول، لبحث ما قيل أنها برامج تنموية تهم مدينة طرابلس وأمور سياسية أخرى، للإيهام الرأي العام اللبناني أن التفجير له علاقة مباشرة بتحذير حزب الله الأخير وتحامله على “المؤتمر” وعلى مساعي الرئيس سليمان لتأليف حكومة ‘أمر واقع’ تنقذ لبنان من التفجير وتجنب البلاد الفراغ.
لكن حزب الله من جهته، وإدراكا منه لخطورة المؤامرة، صرح: “أن كل ما يشاع حول اجراءات عسكرية لمواجهة حكومة الامر الواقع عار عن الصحة”، وفق ما كشفته صحيفة ‘القبس’ نقلاً عن مسؤول في حزب الله، مشيرا إلى: أن “الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تهويل وأن الحزب لا يعتزم القيام بأية ردة فعل ميدانية”، مؤكدا: أن “هناك وسائل سياسية فاعلة لابقاء هذه الحكومة على الورق”، ناصحا بـ”عدم زج البلاد في ازمة أشد تعقيدا”.
خيـــوط تديـــن السعوديـــة
من الواضح أن مسؤولين سعوديين وعلى رأسهم بندر بن سلطان وتركي الفيصل سبق وأن هددوا صراحة بتفجير الوضع في لبنان ردا على تدخل حزب الله في سورية وإفشال مخططاتهم التخريبية.
لكن الجديد في الأمر هذه المرة، هو ما ذكرته صحيفة سعودية أمس من أن “لبنان على فوهة بركان قابل للانفجار بأي لحظة”، حيث نقلت عن مصادر سياسية مطلعة: أن “الخطر الكبير لهذا الانفجار يكمن تحديدا في البقاع والشمال عبر فتنة يسير إليها الجميع عن وعي كامل، وهي فتنة لن تقتصر على عناصر محلية بقدر ما سيكون الانغماس السوري من الفريقين في سوريا كبير”.
وواضح من خلال ما أوردته الصحيفة السعودية أن الهدف هو خلط الأوراق في سورية لعرقلة إنعقاد مؤتمر “جنيف 2″ للتسوية السياسية، لعلم السعودية أن ما سيناقش كبند أول في هذه المرحلة هي الحرب على الإرهاب، حيث تعتزم الولايات المتحدة بتوافق مع روسيا تأسيس تحالف دولي لمحاربة الإرهاب الذي تعلم السعودية أنه السلاح الوحيد المتبقي في يدها للحفاظ على نفوذها في المنطقة، وأن لا مخرج لها من تعويض خسارتها المدوية في المنطقة إلا بتدمير سورية وتخريب لبنان.
وفي ذات الإطار يفهم كذلك التصعيد السعودي الأخير في سورية، الأمر الذي دعى الأمين العام للأمم المتحدة للقول اليوم الجمعة: أن “تصاعد العنف في سورية قبل مؤتمر ‘جنيف 2′ المقرر عقده في 22 يناير/كانون الثاني، لا يخدم سوى مصالح من يسعى للتدخل العسكري في النزاع”، وهي إشارة واضحة للسعودية.
خصوصا بعد أن وصلت الرياض إلى قناعة مفادها، أن تحييد “الجيش الحر” من خلال ضربه بـ”داعش” و “النصرة” وتعويضه بـ”الجبهة الإسلامية” لا يمكن أن يضمن لها اليد العليا في المفاوضات السياسية المرتقبة نظرا للشكوك التي تحوم حول هذا التحالف الإرهابي المشبوه، فأوعزت لـ”الجبهة الإسلامية” برفض لقاء الأمريكيين، وبالتالي، لم يعد لشيىء إسمه “معارضة” معتدلة من وجود فاعل على الأرض يخوله فرض شروطه في مؤتمر “جنيف 2″، وهو ما يصب في مصلحة النظام بالنهاية، وبالتالي، لم يعد أمام السعودية من حل سوى تفجير المؤتمر من خلال البوابة البنان.
لأن البوابة اللبنانية، ستمكن السعودية من الإستمرار في ضخ الإرهابيين والسلاح إلى سورية بأعداد ضخمة ووثيرة مرتفعة، بعد أن أصبح ذلك متعذرا من البوابة التركية وفاشلا من البوابة الأردنية بسبب يقضة الجيش العربي السوري وحلفائه في الحدود الجنوبية.
لكن الأخطر، هو ما تناقلته وسائل إعلام سعودية أول أمس وأمس، حيث سارعت أقلام الزيت لتركيز الخطاب على مسألة “محاربة الإرهاب” التي أفادت معلومات مؤكدة، أن المجتمع الدولي عازم على أن يتخد قرارا حاسما وحازما بشأنها في مؤتمر “جنيف 2″، خصوصا مع تصاعد التحذيرات الغربية الأخيرة، فخرجت الأقلام المأجورة تبشر بما أسمته بـ”الحرب على الإرهاب على حساب دماء السوريين”، وروجت لأفكار غريبة مفادها أن الرئيس ‘بشار الأسد” نجح في خداع العالم حين أدخل الإرهابيين إلى سورية للإجهاز على ثورة الشعب وتهويل خطر الإرهاب بالنسبة للغرب، وما إلى ذلك من ترهات وأكاذيب، وكأن النظام السعودي بريىء من الإرهاب ودماء السوريين، وهو المعروف دوليا بالمصنع والداعم والراعي الدولي الأول للإرهاب، وخصوصا في العراق وسورية ولبنان واليمن.
السعوديـــة تُحضّـــر الأكفـــان
لكن ما اشتشعرته السعودية من خطر عظيم، هو بداية الحملة العسكرية من قبل حكومة المالكي على الإرهاب في منطقة الأنبار، وإغلاق الحدود مع الأردن وسورية، الأمر الذي لن يترك للإرهابيين من منفذ للهروب سوى الحدود السعودية.
وهنا المعظلة، لأن الإستراتيجية الإخيرة لمملكة الرمال والزيت، كانت تقوم على استبدال “الإرهاب” بـ”الجهاد” في إطار خطة محكمة لأفغنة سورية، مع ضمانات للمقاتلين بعد المتابعة القضائية في حال عودتهم من سورية.. وهنا المأزق.
لأن خطة العراق تستهدف أساسا تضييق الخناق على الإرهابيين لعدم الهروب إلى الأردن أو سورية، بل إلى السعودية حيث تركت الحدود مفتوحة معها، وهي ذات الخطة التي التي يعتمد تفعيلها النظام السوري لدفع الإرهابيين في إتجاه الحدود الأردنية.
والسعودية التي استشعرت الخطر القادم من هكذا إستراتيجية لمحور المقاومة، أوعزت لكبير أحبارها، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، المفتي الأعظم للوهابية التكفيرية الإجرامية، وعلى خلاف كلّ مواقفه السابقة والمعتادة، لإصدار فتوىً جديدة، رأى فيها أنّ مرتكبي الهجمات الانتحاريّة الذين أقدموا على قتل الناس من خلال تفجير أنفسهم استناداً إلى فتاوى كان أصدرها لهم مشايخ الوهابيّة ومفتوها، أنّ “هؤلاء الانتحاريّين هم مجرمون، ويستحقّون ورود النار بسبب جرائمهم هذه”. موضحا خىل محاضرة ألقاها في جامعة الإمام ‘تركي بن عبد الله’ في الرياض أمس: إن “قتل النفس يُعدّ جريمة كبيرة من كبائر الذنوب، وإنّ الذين يقتلون أنفسهم بهذه الأحزمة الناسفة هم قوم مجرمون عجّلوا بأنفسهم إلى نار جهنم؛ لأنّهم بذلك قتلوا أنفسهم وقتلوا غيرهم”.
أخيرا، فهمت السعودية أن إشارة سماحة السيد لما يتمتع به أمراء الزيت والدم في بلادهم من أمن وأمان وإستحمام وإستجمام، لم تكن من قبيل حشو الكلام، وأن سماحته لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا تحذير يعني ما يقول، ومفاده: أن السعودية ستحصد ما زرعت، وأن إرهابها سيرتد قريبا عليها، فتشرب من ذات السم الذي سقت منه جيرانها العرب والمسلمين خدمة لإسرائيل.
أخيرا، نستطيع أن نقول أن الرسالة وصلت، لكن الرد السعودي جاء سريعا بتفجير بيروت، إيذانا ببداية عصر الفتنة الكبرى في لبنان.. فهل ينجح حزب الله في إفشال هذا المخطط الجهنمي الجديد..؟
لا نشك في ذكاء وقدرة حزب الله في ذلك، وهو الذي عاهدناه حريصا على الدم البريىء وعلى أمن وإستقرار الوطن، لأن إفشاله لمشروع الفتنة الكبرى هو نجاح للمقاومة وفشل لمشروع المؤامرة، تماما كما عودنا حزب الله في أكثر من مرة ومناسبة.