عابر سبيل سني
28-12-2013, 06:14 PM
بانوراما الشرق الاوسط
الاربعاء , 25 كانون اول / ديسمبر 2013
http://panorama.almadina.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/2013/12/mepanorama251521.jpg
أحمد الشرقاوي
كيـف ستواجـه المقاومــة الخديعــة..؟
كلام سماحة السيد عن “الخديعة” في إطلالته الأخيرة وترداد الكلمة أكثر من مرة عند حديثه عن حكومة “أمر واقع” التي يتوقع أن يؤسسها رئيس الجمهورية بمعية الرئيس المكلف بعد فشل مؤتمر “جنيف 2″ الشهر المقبل، إيذانا ببدأ مرحلة إدارة التفجير المرتقب، لا تتعلق بالوضع السياسي والأمني اللبناني فحسب، بل بمجمل الأوضاع في المنطقة نظرا لإرتباط الملفات وتشابكها.
وحيث أن سماحة السيد لا ينطق عن الهوى، بل عن نور يقذفه الله في روع المجتبين من عباده فيرون الأشياء على حقيقتها لا كما تبدو ويقدمها الإعلام، فالأمر يتطلب منا بالضرورة إعادة قراءة المشهد الإقليمي ككل من منطلقات مغايرة، خصوصا الوضع في سورية الذي ينعكس سلبا أو إيجابا على الوضع اللبناني بالضرورة، واستطرادا الملف الإيراني باعتباره “الحقنة” المخدرة التي تْقيّد اليوم حركة محور المقاومة، وتمنعه من المبادرة للخروج من عنق الجزاجة التي وضع فيها بسبب الخديعة الأمريكية والمكر الصهيوني والخبث السعودي.
خديعـــة جنيـــف الســـوري
قبول سورية حضور مؤتمر “جنيف 2″، يعني ضمنيا الموافقة على مبادىء مؤتمر “جنيف 1″ وأهمها “تشكيل حكومة جامعة بصلاحيات كاملة” يعقبها وقف لإطلاق النار من قبل الحكومة وقوى ما يسمى بـ”المعارضة” للبدأ في مرحلة إعداد دستور جديد للبلاد وقانون انتخاب تجرى على أساسه انتخابات نزيهة وشفافة بإشراف دولي يختار من خلالها الشعب السوري “ديمقراطيا” ممثليه وحكامه.. وهنا يختبأ الذئب.
صحيح أن مثل هذا السيناريو برغم علاّته، لا يمكن أن يُطبّق على أرض الواقع من دون توفير بيئة من الأمن والأمان والإستقرار لعودة اللاجئين إلى ديارهم وإجراء عملية إحصاء للسكان ووضع خرائط جديدة قبل الحديث عن إستفتاء وإنتخابات وما إلى ذلك.. وهو ما جعل الإدارة الروسية تصر على أن يتم التوافق في مرحلة أولى من إجتماع “جنيف 2″ على بند “الحرب على الإرهاب” قبل الحديث عن أي مقتضيات لحل سياسي.
لكن يبدو أن روسيا تفكر بطوباوية حتى لا نقول بسداجة، لأن أمريكا وإن كانت لا تعارض المقترح الروسي، إلا أنها ترى أن التوافق السياسي على أساس مقتضيات “جنيف 1″ سيفتح حتما على مرحلة إنتقالية من سنتين تكون فيها ما يسمى بـ”الحرب على الإرهاب” في صلب مهام الحكومة الجامعة بصلاحيات كاملة.. وهنا تكمن عقدة المنشار أو “الخديعـــة”.
ذلك أن أمريكا وإن كانت لا تعارض شعار “محاربة الإرهاب”، إلا أنها لا تبدو مستعدة للموافقة على المقترح الروسي لسبب بسيط، وهو أنها تعتبر أن ما يجري في سورية هو “إرهاب ضد إرهاب”، أي “إرهاب” حزب الله ومليشيات العراق وإيران “الشيعية” و إرهاب القاعدة وجبهة النصرة وأخواتهما “الوهابية”، بالإضافة للحركات الإسلامية “السنية” المتطرفة التي تعتبرها “معتدلة” كـ”الجبهة الإسلامية” ومكوناتها، وتريدها أن تشارك كطرف في صياغة الحل النهائي للمشكلة السورية، لأنها تمثل اليوم، بفضل دهاء إسرائيل و خبث السعودية، قوة لا يستهان بها على الأرض قادرة في حال تعاونها مع الجيش السوري على إجتثات إرهاب “القاعدة” و “جبهة النصرة” من الجغرافية السورية من دون حاجة لتدخل المجتمع الدولي أو قوات حفظ السلام، شريطة أن تنسحب الفصائل “الإرهابية” الشيعية” من الميادين، وفق التصور الأمريكي – الصهيو – وهابي.
من هنا يفهم تصريح البيت الأسود الأخير الذي طالب من خلاله الدول الداعمة للإرهاب بوقف تمويل وتسليح ودعم المقاتلين على الأرض، في إشارة ضمنية واضحة للسعودية وإيران معا.. لأنه في التقييم الأمريكي، يعتبر الإرهاب “الشيعي” أخطر من الإرهاب “السني”، لإعتبارات لا علاقة لها بالإديولوجيا بقدر ما تتحكم فيها المصالح السياسية ولعبة الأمم في المنطقة.
هذا يعني، أنه في حال قررت إيران سحب المقاتلين “الشيعة” من سورية فلن يكون هناك إرهاب “وهابي” لأن السعودية ستتكفل بشقها المقابل من الإلتزام بوقف الدعم عن أفاعيها الملتحية وعقاربها السوداء فينتهي الإشكال. وهذا ما وعد به ‘بندر بن سلطان’ الطرف الروسي الذي تحفّظ على مقترح تعويم “الجبهة الإسلامية” لحضور مؤتمر “جنيف 2″، برغم الضمانات التي قدمها عراب الإرهاب الدولي لجهة تأمين المصالح الروسية في سورية، لأن ذلك يعني بالنسبة للروسي إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل إندلاع الأحداث في سورية، وإعلان السعودية منتصرة في حرب لم تخسر فيها سوى بضع مليارات من الدولارات، وبالتالي، وضع مصالح موسكو في المنطقة تحت رحمة القرار السعودي والصهيوني بالوكالة عن أمريكا.
حقيقــة الحــرب وطبيعــة العـــدو
الحرب وفق هذا المشهد المعقد، هي بين الروسي والأمريكي في المستوى الجيوستراتيجي، لكن الإدارة السياسية والعملانية للحرب على الأرض هي بين إيران من جهة والسعودية وإسرائيل من جهة ثانية، وفي هذا المستوى الثاني، تصر السعودية كما إسرائيل على إنتزاع سورية من الحضن الإيراني لضمّها إلى الحضن “العبري” الذي تتزعمه السعودية في أفق عزل إيران عن محيطها الجغرافي في المنطقة، وفي نفس الوقت عزل “حزب الله” عن حلفائه الطبيعيين لإضعافه وإسقاطه بهدف ضم لبنان إلى خريطة النفوذ السعودي الإسرائيلي “العربي” وفق توصيف الرياض. والمستفيد الأكبر من هكذا سيناريو هي إسرائيل والولايات المتحدة بالضرورة، أما السعودية فتكفيها نخوة الزعامة الوهمية.
هذه الصورة هي التي عبر عنها سماحة السيد بالقول، أن الأمر لا يتعلق بتدخل حزب الله في سورية، بل بموضوع أكبر من لبنان وسورية والعراق وغيره، لأنه مشروع يستهدف وجود المقاومة ومصير الأمة جمعاء، وهذا سياق استراتيجي كبير لا علاقة له بلبنان فقط، إنما بمقدسات الأمة التي توجد اليوم في خطر عظيم.
وبالتالي، فما يمكن فهمه من هذا المشهد بكل مفاصله وتفاصيله، هو أن العدو الأكبر لمحور المقاومة وشرفاء الأمة كان ولا يزال هو أمريكا بالدرجة الأولى، يليه بعد ذلك في المرتبة الثانية السعودية ثم إسرائيل المتوارية عن الأنظار خلف المشهد، والتي شكلت مع السعودية برعاية أمريكية حلفا استراتيجيا أمنيا قويا لإدارة اللعبة في المنطقة، كلّ بأدواته وإمكانياته وحسب الدور المنوط به.
وبهذا المعنى، فإصرار الرئيس الأسد وحلفائه على مقاتلة الإرهابيين هو رهان خاسر لأنه بمثابة حرب “دون كيشوت” على طواحين الهواء، في حين يقبع العدو وراء المشهد يمول ويجيش ويحرض ويدعم ويدرب ويسلح ويبعث في كل مرة المزيد ثم المزيد من التكفيريين، كحطب لنار أريد لها أن لا تخمد حتى تحرق اليابس والأخضر فلا يبقى حجر على حجر أو مواطن يرفع الصوت دعما للرئيس ‘بشار الأسد’.. هذه هي قواعد اللعبة التي تدركها إيران وسورية وحزب الله.. لكنها محور المقاومة يجد نفسه اليوم مقيدا وعاجزا عن التحرك في إنتظار معرفة مآل الإتفاق النهائي بالنسبة لجنيف الإيراني بعد 6 أشهر، حتى لا يُحمّل مسؤولية أي فشل محتمل في مرحلة إختبار النوايا التي تحوّلت إلى مصيدة حقيقية.
حسابــات روسيــا و إيــران الطيّبــة
وإذا كانت هذه هي الصورة، وهذه هي خلفياتها وأهدافها لفهم حقيقة ما يجري ويدور اليوم سواء في سورية أو لبنان أو العراق والمنطقة عموما، فالسؤال الذي يفرض نفسه اليوم على حلف المقاومة، هو هل من إستراتيجية بديلة للحرب العبثية على الإرهاب؟.
الجواب معروف لدى محور المقاومة، والعدو كذلك معروف، والبديل جاهز دون شك، لكن ساعة تنفيذه لم تحن بعد لإعتبارات لها علاقة بتشابك الملفات في المنطقة ورهان إيران زعيمة أركسترا المقاومة، على حاجة الأمريكي إليها من جهة، واللعب من تحت الحزام بالدبلوماسية لتحييد مشيخات الخليج وتركيا ومصر عن المحور السعودي من جهة أخرى. وهو ما نجحت فيه نسبيا حتى الآن في إنتظار نتائج الإتصالات السرية الجارية مع مصر من خلال ‘حسنين هيكل’ و ‘حزب الله’، وإن كانت أمريكيا قد تفطّنت مؤخرا لحسابات البازار السياسي الإيراني، فقلبت الطاولة على أردوغان في تركية من خلال تفجير فضيحة الفساد الكبرى التي ستعصف برئاسته وحكومته انتقاما منه على تسهيله لخرق الحصار الإقتصادي على إيران مقابل عمولات بمليارات الدولارات طوال السنوات العشر الماضية، كما سارعت في نفس الوقت بضغط من إسرائيل لتعديل سياستها تجاه عسكر مصر حتى لا ينزلقوا تجاه الروسي والإيراني، وهذه هي قواعد لعبة “الشطرنج” بامتياز.
خطأ في الحساب قلب المعادلات
بمعنى، أن روسيا التي حرصت على أن لا يتم ربط الملف الكيماوي السوري بأي ملف آخر باستثناء عقد مؤتمر “جنيف 2″ والتوافق على مرحلة إنتقالية بوجود الأسد، وإيران التي أصرت على أن لا يتم التفاوض بشأن ملفات المنطقة إلا بعد الإنتهاء من الملف النووي وعقد إتفاق نهائي بشأنه، ربما، وأقول ربما، قد أخطؤوا التقدير. ولعل السبب الرئيس يكمن في محاولتهم تجنب الملف الفلسطيني حتى لا تفرض أمريكا رؤيتها للحل في فلسطين المحتلة كشرط لتقديم تنازلات مهمة في ملفات أخرى، كالنووي وسورية من دون رحيل الأسد والقبول بإيران كقوة إقليمية.. هذا مفهوم، ومن هنا كذلك، يفهم إصرار أمريكا على بدأ مفاوضات السلام الفلسطينية الإيرانية بالتزامن مع الصراع الدائر في المنطقة.. وهذه أيضا “خديعـــة” معلومة.
ولعل السجال الأخير الذي دار بين روسيا وسورية حول إصرار الأسد على ترشيح نفسه للإنتخابات السورية المقبلة ورفض روسيا مثل هذا الإعلان التصعيدي في هذه المرحلة، يفسر عزم سورية قلب الطاولة حتى على روسيا في حال لم تقف بصرامة في وجه الرغبة الأمريكية بإستبعاد الأسد من السلطة بعد المرحلة الإنتقالية التي قد تكون لعامين تنتهي بإنتخابات سنة 2016. وهو ما أحرج روسيا التي ترغب في عدم التصعيد مع الأمريكي والرهان على عقد مؤتمر “جنيف 2″ من دون أن تحمل سورية مسؤولية فشله لما يمكن أن يترتب عن ذلك من تداعيات على الإتفاق الروسي الأمريكي الذي لا يعلم إلا الله خباياه.
أهـداف أمريكـا الإستراتيجيـة والخاصـة
ما كانت تسعى إليه أمريكا من الإتفاق الروسي والإيراني هدفان: الأول له علاقة بالأمن القومي الإسرائيلي المرتبط بالأمن القومي الأمريكي بشكل عضوي، وقد نجحت أيما نجاح في تحقيقه، بحيث ضمنت أمن إسرائيل بنزع الكيماوي السوري ووضع النووي الإيراني تحت الرقابة الدولية، وهذا إنجاز تاريخي كبير جدا لم تكن تحلم به إسرائيل، خصوصا وأنه جاء من دون مقابل يذكر، حيث حافظ الكيان الصهيوني على ترسانة أسلحته الكيميائية والنووية التي تمثل تهديدا جديا لكل دول المنطقة.
أما الثاني، فيتمثل في نجاح أمريكا في تلافي الحرب ضد سورية وضد إيران وحزب الله لخطورتها على مصالحها وأمن إسرائيل واستقرار أدواتها في المنطقة، وفي نفس الوقت، ضمان تدفق النفط من مضيق ‘هرمز’ بسلاسة وأمان من دون أن تدفع مقابل يذكر لذلك، اللهم إلا تصريحات معسولة تعد دون أن تعطي، وحتى إن هي أعطت فعطائها لا يكفي ولا يسمن ولا يغني.
هذا على المستوى الرسمي، لكن على المستوى الشخصي هناك أهداف فرعية تصر الإدارة الأمريكية على تحقيقها. فـ’أوباما’ مثلا، يطمح أن يدخل التاريخ من خلال توقيع إتفاق نهائي مع إيران وزيارة طهران على شاكلة ما فعل الرئيس ‘ريغان’ مع الصين، لكن من دون أثمان سوى رفع عقوبات أحادية الجانب من خارج إطار شرعة الأمم المتحدة. ولو كان لـ’أوباما’ أدنى أمل في إمكانية تحقيق سلام بين الفلسطينيين والصهاينة، لما تردد في وضع كل ثقله في المفاوضات، لعلمه أن دخول التاريخ من البوابة الفلسطينية كما حدث مع ‘كارتر’ زمن ‘كامب ديفيد’ هو أجدى وأعظم من أن يذكره التاريخ مجرد لاعب من الدرجة الثانية في السياسة الدولية من البوابة الإيرانية.
وبالمناسبة، هناك وهم آخر يتشبث به الوزير ‘كيري’ الذي يطمح لخوض الرئاسيات الأمريكية المقبلة من بوابة الإتفاق الفلسطيني الإسرائيلي ولو من خلال إتفاق مرحلي مؤقت لعشر سنوات ينهار بعد ذلك، لا يهم، المهم هو أن ينجح في الإنتخابات الأمريكية من البوابة الفلسطينية، وهو ما تقف له بالمرصاد مستشارة الأمن القومي ‘سوزان رايس’ التي لها رؤية مختلفة للحل تعتمد الأمن كمقاربة على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. الأمر الذي يستغله الجمهوريون الجدد واللوبي الصهيوني والسعودية للعمل على تجيير وجه ‘هيلاري كلينتون’ الصهيونية حتى العظم، لتكون الرئيسة المقبلة لأمريكا، لأن من شأن وصولها إلى البيت الأبيض أن ينهي الإتفاق النووي الإيراني والنظام السوري وحزب الله، لتبقى المنطقة حرة خالصة لأمريكا تدير شؤونها “السعودية و إسرائيل” بالوكالة، فيسقط وهم التمدد الروسي والصيني في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
هذه حسابات سياسية استراتيجية وإنتهازية شخصية تجثم بثقلها اليوم لإفشال أي حل في سورية أو إيران أو لبنان أو العراق أو اليمن أو البحرين، لأن السعودية وإسرائيل قادرتان على إدارة حرب مفتوحة في سورية والمنطقة ضد إيران إلى غاية 2016 تاريخ الإستحقاقات التشريعية والرئاسية الأمريكية.
‘الأسد’ أمــام خيــاران أحلاهمــا مـــرّ
هذا هو السيناريو “الخدعة” الذي تروج له الإدارة الأمريكية وحلفائها، وعلى أساسه تجري الإستعدادات لتوجيه الدعوة من قبل الأمم المتحدة لـ 30 دولة تم إختيارها لحضور المؤتمر بإستثناء إيران، التي رفضت السعودية وإسرائيل حضورها، فاشترطت أمريكا إعترافها بما ورد في مؤتمر “جنيف 1″ وسحب مقاتليها (حزب الله وبقية الفصائل العراقية والإيرانية) من ميادين القتال للسماح لها بحضور المؤتمر، في حين تم القبول بحضور السعودية دون شروط مسبّقة.. فما معنى هذا؟..
هذا معناه أن الرئيس الأسد أمام خياران لا ثاث لهما، إما أن يقبل بحضور “المؤتمر” وفق الشروط والسيناريو المعد سلفا من قبل الأمريكي حتى لا يقال أن “الأسد” هو من لا يريد حلا سياسيا في سورية فيفقد مصداقيته ويعطي للقوى المناوئة له الذريعة للتهجم عليه والتصعيد السياسي في المحافل الدولية ضده، أو أن يرفض الحضور بدعوى أنه لن يذهب إلى جنيف لتسليم السلطة إلى المعارضة، وهذا تنصل من تعهداته السابقة التي قبل من خلالها مقتضيات “جنيف 1″، وهذا قرار سيىء بكل المقاييس.
وبالتالي، فتأخر الرئيس الأسد في تغيير موازين القوى على الأرض قبل “جنيف 2″ لا يصب في مصلحته، ما دامت السعودية نجحت بفضل تكتل “الجبهة الإسلامية” في إلغاء “الجيش الحر” وعزل “القاعدة” و “جبهة النصرة” من المعادلة، وأصبحت هذه الجبهة هي القوة “الموحدة” الأكثر فاعلية اليوم في الميدان، فسارعت أمريكا للإعتراف بها كقوة إسلامية “معتدلة” تمثل المعارضة السورية.
بل الأسوء، أن هناك تركيز كبير في الإعلام السعودي بدأ الغرب بدوره يُسوّق له، ومفاده، أن النظام السوري تحايل على ثورة شعبه بإدخال الإرهابيين إلى سورية لخداع العالم وتصوير الأمر كما لو أن ما يجري في سورية اليوم ليس “ثورة” شعب من أجل الحرية والإنعتاق من الإستبداد، بل حرب يقودها النظام وحلفائه ضد إرهاب “القاعدة”. وتستند هذه الحملة الدعائية الجديدة إلى سابقة محاربة القاعدة لأمريكا أثناء تواجدها في العراق بدعم من الرئيس “بشار الأسد”. فأين يذهب من هنا..؟
قواعـــد اللعبـــة تغيّـــرت
والخطورة في تغيير قواعد اللعبة تكمن في أن المخابرات الأمريكية هي من طالبت من اللواء ‘سالم إدريس’ تسليم مخازن سلاح الجيش الحر لـ”الجبهة الإسلامية” كما سبق وأوضحنا في مقالة سابقة، ما يعني أن الطبخة هي أمريكية سعودية بالمحصلة، وأن جبهة النصرة باستلامها لمعبر ‘باب الهوى’ التركي، أصبحت تتلقى الدعم من السعودية والمخابرات الأمريكية لفرض واقع جديد على الأرض يعيق تقدم الأسد وتسجيل إنتصارات تحرم خصومه من الجلوس على طاولة المفاوضات في “جنيف 2″، ولا يهم إن كان 70% من مقاتلي “الجبهة الإسلامية” هم من غير السوريين، هذا كلام يصعب إثباته والتسليم به من قبل المجتمع الدولي، لأن المحاورين في جنيف سيكونون من المعارضة السورية مع بعض قيادات الميدان (سوريين أيضا) ليكتمل الديكور.
وبهذا المشهد الجديد، نحن اليوم أما نجاح الحلف الأمريكي والسعودي الصهيوني في فرض واقع مختلف عما كان عليه الأمر قبل أسابيع قليلة، ما جعل الأمور تتجه في غير مصلحة محور المقاومة.
وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه أن تعلن إيران وقف المفاوضات مع السداسية في ملفها النووي بسبب خرق أمريكا لروح الإتفاق من خلال فرض عقوبات جديدة على شركات وأفراد تعاونوا مع إيران في برنامجها النووي، فاجأتنا طهران بقرار استمرار المفاوضات بدعوى أن الرئيس الأمريكي تعرض لضغوط قوية من قبل الكونجرس واللوبيات الصهيونية اليهودية والمسيحية جعلته يتخذ مثل هكذا قرار لا يمس مباشرة الدولة الإيرانية، وهذه “خديعـــة” أيضا، حيث سقطت إيران في الفخ بحسن نية.
لأن أمريكا هي من تحتاج إيران لا العكس، ولأن رفض إيران الذهاب إلى المفاوضات كان من شأنه أن يجبر ‘أوباما’ على التراجع خوفا من أن لا يدخل التاريخ مثل ‘ريغان’. هذا الموقف الإيراني رأت فيه الإدارة الأمريكية ضعفا، وفهمت منه أن إيران قبلت بالمفاوضات لأن الحصار الإقتصادي وصل حدا لا يطاق فأجبرها على تلقف المبادرة الأمريكية، وبالتالي، من حق أمريكا ممارسة المزيد من الضغوط غير المباشرة عليها، كرفض حضورها مؤتمر “جنيف 2″ إذا لم تعترف بـ “جنيف 1″ وتسحب قواتها وقوات حلفائها من سورية.
وهذا ما دفع روسيا، ليس لرفض عقد مؤتمر “جنيف 2″ من دون حضور إيران التي لا يمكن تصور حل في سورية من دونها، أو الإعتراض مثلا على حضور السعودية، بل للقول أن “شركائنا الأمريكيين سيضطرون للجوء إلينا عندما يصطدمون بمشكلة الإرهاب في سورية”.
مثل هذا القول من “لافروف” يتجاهل تماما أن الإرهاب الذي يتحدث عنه هو لعبة أمريكية سعودية صهيونية بامتياز، ففي ماذا ستحتاج أمريكا روسيا أو إيران في سورية، وهي تعلم أن مجرد قطع الإمداد عن العناصر الخارجة عن السيطرة من شأنه أن ينهي المشكل من أساسه؟.
فــي إنتظـــار العاصفـــة
ما من شك، أن الرهان اليوم، سواء من قبل روسيا أو إيران أو سورية هو على فشل مؤتمر “جنيف 2″ حتى لا تتحمل سورية وزر هذا الفشل الذي قد يستغل ضدها، والتركيز هو على تشتت قوى المعارضة وعدم توافقها على أجندة موحدة.
وحيث أن محور المقاومة يعلم علم اليقين أن قرار تنحية الأسد هو قرار نهائي حاسم وقاطع لا رجعة فيه حتى لو أدى الأمر للقبول به في المرحلة الإنتقالية فقط، فلماذا لا يرفض الرئيس “الأسد” الذهاب إلى المؤتمر من دون حضور إيران كشرط غير قابل للنقاش، بإعتبارها معنية بالسلام في سورية والمنطقة بدل السعودية المتورطة حتى النخاع في سفك الدم السوري وخراب البلد؟.
مهما تكن حسابات الرئيس “بشار الأسد” ورهانات محور المقاومة، فإن فشل مؤتمر “جنيف 2″ في حال عُقد، سيعني حتما بداية “الفتنة الكبرى” في لبنان والمنطقة بما يفوق حجم الإنفجار، وإن لم يُعقد، فستستمر حرب الإستنزاف السعودية التي تراهن على النصر بأي ثمن، حتى لو تطلب الأمر إستنزاف آخر قطرة نفط وإنفاق آخر ورقة دولار في الرصيد السعودي، ما دام الذي يجري في المقابل هو الدم السوري واللبناني والعراقي واليمني وليس الدم السعودي النجس أو الصهيوني القذر.
فماذا سيفعل الرئيس “بشار الأسد” أمام هذه الخديعة..؟ وماذا سيفعل محور المقاومة في مواجهة السعودية..؟ وهل سنرى قريبا نهاية لعهد الأمن والأمان والإستحمام والإستجمام في مملكة الرمل والدم والزيت الوهابية كما لمح سماحة السيد من دون أن يفص عن القصد من إشاراته..؟
لا أحد يعلم، لكن العراق تحرك اليوم وأغلق حدوده مع الأردن وبدأ حربا شعواء لا هوادة فيها ضد القاعدة في منطقة الأنبار وصولا إلى الحدود السورية.. غير ان ما يثير الإستغراب حقا، هو لماذا لم توقع سورية حتى الآن إتفاقا لمحاربة الإرهاب مع الحليف العراقي الذي هو مكون من مكونات حلف المقاومة، لأن من شأن مثل هذا الإتفاق أن يسمح للقوات العراقية بملاحقة الإرهابيين داخل التراب السوري في الشمال، فتخفف عن الجيش العربي السوري عناء ما هو فيه من كر وفر مع أشباح المرتزقة الذين حولوا المعارك معهم إلى حرب بلا نهاية ضد طواحين الهواء.
الاربعاء , 25 كانون اول / ديسمبر 2013
http://panorama.almadina.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/2013/12/mepanorama251521.jpg
أحمد الشرقاوي
كيـف ستواجـه المقاومــة الخديعــة..؟
كلام سماحة السيد عن “الخديعة” في إطلالته الأخيرة وترداد الكلمة أكثر من مرة عند حديثه عن حكومة “أمر واقع” التي يتوقع أن يؤسسها رئيس الجمهورية بمعية الرئيس المكلف بعد فشل مؤتمر “جنيف 2″ الشهر المقبل، إيذانا ببدأ مرحلة إدارة التفجير المرتقب، لا تتعلق بالوضع السياسي والأمني اللبناني فحسب، بل بمجمل الأوضاع في المنطقة نظرا لإرتباط الملفات وتشابكها.
وحيث أن سماحة السيد لا ينطق عن الهوى، بل عن نور يقذفه الله في روع المجتبين من عباده فيرون الأشياء على حقيقتها لا كما تبدو ويقدمها الإعلام، فالأمر يتطلب منا بالضرورة إعادة قراءة المشهد الإقليمي ككل من منطلقات مغايرة، خصوصا الوضع في سورية الذي ينعكس سلبا أو إيجابا على الوضع اللبناني بالضرورة، واستطرادا الملف الإيراني باعتباره “الحقنة” المخدرة التي تْقيّد اليوم حركة محور المقاومة، وتمنعه من المبادرة للخروج من عنق الجزاجة التي وضع فيها بسبب الخديعة الأمريكية والمكر الصهيوني والخبث السعودي.
خديعـــة جنيـــف الســـوري
قبول سورية حضور مؤتمر “جنيف 2″، يعني ضمنيا الموافقة على مبادىء مؤتمر “جنيف 1″ وأهمها “تشكيل حكومة جامعة بصلاحيات كاملة” يعقبها وقف لإطلاق النار من قبل الحكومة وقوى ما يسمى بـ”المعارضة” للبدأ في مرحلة إعداد دستور جديد للبلاد وقانون انتخاب تجرى على أساسه انتخابات نزيهة وشفافة بإشراف دولي يختار من خلالها الشعب السوري “ديمقراطيا” ممثليه وحكامه.. وهنا يختبأ الذئب.
صحيح أن مثل هذا السيناريو برغم علاّته، لا يمكن أن يُطبّق على أرض الواقع من دون توفير بيئة من الأمن والأمان والإستقرار لعودة اللاجئين إلى ديارهم وإجراء عملية إحصاء للسكان ووضع خرائط جديدة قبل الحديث عن إستفتاء وإنتخابات وما إلى ذلك.. وهو ما جعل الإدارة الروسية تصر على أن يتم التوافق في مرحلة أولى من إجتماع “جنيف 2″ على بند “الحرب على الإرهاب” قبل الحديث عن أي مقتضيات لحل سياسي.
لكن يبدو أن روسيا تفكر بطوباوية حتى لا نقول بسداجة، لأن أمريكا وإن كانت لا تعارض المقترح الروسي، إلا أنها ترى أن التوافق السياسي على أساس مقتضيات “جنيف 1″ سيفتح حتما على مرحلة إنتقالية من سنتين تكون فيها ما يسمى بـ”الحرب على الإرهاب” في صلب مهام الحكومة الجامعة بصلاحيات كاملة.. وهنا تكمن عقدة المنشار أو “الخديعـــة”.
ذلك أن أمريكا وإن كانت لا تعارض شعار “محاربة الإرهاب”، إلا أنها لا تبدو مستعدة للموافقة على المقترح الروسي لسبب بسيط، وهو أنها تعتبر أن ما يجري في سورية هو “إرهاب ضد إرهاب”، أي “إرهاب” حزب الله ومليشيات العراق وإيران “الشيعية” و إرهاب القاعدة وجبهة النصرة وأخواتهما “الوهابية”، بالإضافة للحركات الإسلامية “السنية” المتطرفة التي تعتبرها “معتدلة” كـ”الجبهة الإسلامية” ومكوناتها، وتريدها أن تشارك كطرف في صياغة الحل النهائي للمشكلة السورية، لأنها تمثل اليوم، بفضل دهاء إسرائيل و خبث السعودية، قوة لا يستهان بها على الأرض قادرة في حال تعاونها مع الجيش السوري على إجتثات إرهاب “القاعدة” و “جبهة النصرة” من الجغرافية السورية من دون حاجة لتدخل المجتمع الدولي أو قوات حفظ السلام، شريطة أن تنسحب الفصائل “الإرهابية” الشيعية” من الميادين، وفق التصور الأمريكي – الصهيو – وهابي.
من هنا يفهم تصريح البيت الأسود الأخير الذي طالب من خلاله الدول الداعمة للإرهاب بوقف تمويل وتسليح ودعم المقاتلين على الأرض، في إشارة ضمنية واضحة للسعودية وإيران معا.. لأنه في التقييم الأمريكي، يعتبر الإرهاب “الشيعي” أخطر من الإرهاب “السني”، لإعتبارات لا علاقة لها بالإديولوجيا بقدر ما تتحكم فيها المصالح السياسية ولعبة الأمم في المنطقة.
هذا يعني، أنه في حال قررت إيران سحب المقاتلين “الشيعة” من سورية فلن يكون هناك إرهاب “وهابي” لأن السعودية ستتكفل بشقها المقابل من الإلتزام بوقف الدعم عن أفاعيها الملتحية وعقاربها السوداء فينتهي الإشكال. وهذا ما وعد به ‘بندر بن سلطان’ الطرف الروسي الذي تحفّظ على مقترح تعويم “الجبهة الإسلامية” لحضور مؤتمر “جنيف 2″، برغم الضمانات التي قدمها عراب الإرهاب الدولي لجهة تأمين المصالح الروسية في سورية، لأن ذلك يعني بالنسبة للروسي إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل إندلاع الأحداث في سورية، وإعلان السعودية منتصرة في حرب لم تخسر فيها سوى بضع مليارات من الدولارات، وبالتالي، وضع مصالح موسكو في المنطقة تحت رحمة القرار السعودي والصهيوني بالوكالة عن أمريكا.
حقيقــة الحــرب وطبيعــة العـــدو
الحرب وفق هذا المشهد المعقد، هي بين الروسي والأمريكي في المستوى الجيوستراتيجي، لكن الإدارة السياسية والعملانية للحرب على الأرض هي بين إيران من جهة والسعودية وإسرائيل من جهة ثانية، وفي هذا المستوى الثاني، تصر السعودية كما إسرائيل على إنتزاع سورية من الحضن الإيراني لضمّها إلى الحضن “العبري” الذي تتزعمه السعودية في أفق عزل إيران عن محيطها الجغرافي في المنطقة، وفي نفس الوقت عزل “حزب الله” عن حلفائه الطبيعيين لإضعافه وإسقاطه بهدف ضم لبنان إلى خريطة النفوذ السعودي الإسرائيلي “العربي” وفق توصيف الرياض. والمستفيد الأكبر من هكذا سيناريو هي إسرائيل والولايات المتحدة بالضرورة، أما السعودية فتكفيها نخوة الزعامة الوهمية.
هذه الصورة هي التي عبر عنها سماحة السيد بالقول، أن الأمر لا يتعلق بتدخل حزب الله في سورية، بل بموضوع أكبر من لبنان وسورية والعراق وغيره، لأنه مشروع يستهدف وجود المقاومة ومصير الأمة جمعاء، وهذا سياق استراتيجي كبير لا علاقة له بلبنان فقط، إنما بمقدسات الأمة التي توجد اليوم في خطر عظيم.
وبالتالي، فما يمكن فهمه من هذا المشهد بكل مفاصله وتفاصيله، هو أن العدو الأكبر لمحور المقاومة وشرفاء الأمة كان ولا يزال هو أمريكا بالدرجة الأولى، يليه بعد ذلك في المرتبة الثانية السعودية ثم إسرائيل المتوارية عن الأنظار خلف المشهد، والتي شكلت مع السعودية برعاية أمريكية حلفا استراتيجيا أمنيا قويا لإدارة اللعبة في المنطقة، كلّ بأدواته وإمكانياته وحسب الدور المنوط به.
وبهذا المعنى، فإصرار الرئيس الأسد وحلفائه على مقاتلة الإرهابيين هو رهان خاسر لأنه بمثابة حرب “دون كيشوت” على طواحين الهواء، في حين يقبع العدو وراء المشهد يمول ويجيش ويحرض ويدعم ويدرب ويسلح ويبعث في كل مرة المزيد ثم المزيد من التكفيريين، كحطب لنار أريد لها أن لا تخمد حتى تحرق اليابس والأخضر فلا يبقى حجر على حجر أو مواطن يرفع الصوت دعما للرئيس ‘بشار الأسد’.. هذه هي قواعد اللعبة التي تدركها إيران وسورية وحزب الله.. لكنها محور المقاومة يجد نفسه اليوم مقيدا وعاجزا عن التحرك في إنتظار معرفة مآل الإتفاق النهائي بالنسبة لجنيف الإيراني بعد 6 أشهر، حتى لا يُحمّل مسؤولية أي فشل محتمل في مرحلة إختبار النوايا التي تحوّلت إلى مصيدة حقيقية.
حسابــات روسيــا و إيــران الطيّبــة
وإذا كانت هذه هي الصورة، وهذه هي خلفياتها وأهدافها لفهم حقيقة ما يجري ويدور اليوم سواء في سورية أو لبنان أو العراق والمنطقة عموما، فالسؤال الذي يفرض نفسه اليوم على حلف المقاومة، هو هل من إستراتيجية بديلة للحرب العبثية على الإرهاب؟.
الجواب معروف لدى محور المقاومة، والعدو كذلك معروف، والبديل جاهز دون شك، لكن ساعة تنفيذه لم تحن بعد لإعتبارات لها علاقة بتشابك الملفات في المنطقة ورهان إيران زعيمة أركسترا المقاومة، على حاجة الأمريكي إليها من جهة، واللعب من تحت الحزام بالدبلوماسية لتحييد مشيخات الخليج وتركيا ومصر عن المحور السعودي من جهة أخرى. وهو ما نجحت فيه نسبيا حتى الآن في إنتظار نتائج الإتصالات السرية الجارية مع مصر من خلال ‘حسنين هيكل’ و ‘حزب الله’، وإن كانت أمريكيا قد تفطّنت مؤخرا لحسابات البازار السياسي الإيراني، فقلبت الطاولة على أردوغان في تركية من خلال تفجير فضيحة الفساد الكبرى التي ستعصف برئاسته وحكومته انتقاما منه على تسهيله لخرق الحصار الإقتصادي على إيران مقابل عمولات بمليارات الدولارات طوال السنوات العشر الماضية، كما سارعت في نفس الوقت بضغط من إسرائيل لتعديل سياستها تجاه عسكر مصر حتى لا ينزلقوا تجاه الروسي والإيراني، وهذه هي قواعد لعبة “الشطرنج” بامتياز.
خطأ في الحساب قلب المعادلات
بمعنى، أن روسيا التي حرصت على أن لا يتم ربط الملف الكيماوي السوري بأي ملف آخر باستثناء عقد مؤتمر “جنيف 2″ والتوافق على مرحلة إنتقالية بوجود الأسد، وإيران التي أصرت على أن لا يتم التفاوض بشأن ملفات المنطقة إلا بعد الإنتهاء من الملف النووي وعقد إتفاق نهائي بشأنه، ربما، وأقول ربما، قد أخطؤوا التقدير. ولعل السبب الرئيس يكمن في محاولتهم تجنب الملف الفلسطيني حتى لا تفرض أمريكا رؤيتها للحل في فلسطين المحتلة كشرط لتقديم تنازلات مهمة في ملفات أخرى، كالنووي وسورية من دون رحيل الأسد والقبول بإيران كقوة إقليمية.. هذا مفهوم، ومن هنا كذلك، يفهم إصرار أمريكا على بدأ مفاوضات السلام الفلسطينية الإيرانية بالتزامن مع الصراع الدائر في المنطقة.. وهذه أيضا “خديعـــة” معلومة.
ولعل السجال الأخير الذي دار بين روسيا وسورية حول إصرار الأسد على ترشيح نفسه للإنتخابات السورية المقبلة ورفض روسيا مثل هذا الإعلان التصعيدي في هذه المرحلة، يفسر عزم سورية قلب الطاولة حتى على روسيا في حال لم تقف بصرامة في وجه الرغبة الأمريكية بإستبعاد الأسد من السلطة بعد المرحلة الإنتقالية التي قد تكون لعامين تنتهي بإنتخابات سنة 2016. وهو ما أحرج روسيا التي ترغب في عدم التصعيد مع الأمريكي والرهان على عقد مؤتمر “جنيف 2″ من دون أن تحمل سورية مسؤولية فشله لما يمكن أن يترتب عن ذلك من تداعيات على الإتفاق الروسي الأمريكي الذي لا يعلم إلا الله خباياه.
أهـداف أمريكـا الإستراتيجيـة والخاصـة
ما كانت تسعى إليه أمريكا من الإتفاق الروسي والإيراني هدفان: الأول له علاقة بالأمن القومي الإسرائيلي المرتبط بالأمن القومي الأمريكي بشكل عضوي، وقد نجحت أيما نجاح في تحقيقه، بحيث ضمنت أمن إسرائيل بنزع الكيماوي السوري ووضع النووي الإيراني تحت الرقابة الدولية، وهذا إنجاز تاريخي كبير جدا لم تكن تحلم به إسرائيل، خصوصا وأنه جاء من دون مقابل يذكر، حيث حافظ الكيان الصهيوني على ترسانة أسلحته الكيميائية والنووية التي تمثل تهديدا جديا لكل دول المنطقة.
أما الثاني، فيتمثل في نجاح أمريكا في تلافي الحرب ضد سورية وضد إيران وحزب الله لخطورتها على مصالحها وأمن إسرائيل واستقرار أدواتها في المنطقة، وفي نفس الوقت، ضمان تدفق النفط من مضيق ‘هرمز’ بسلاسة وأمان من دون أن تدفع مقابل يذكر لذلك، اللهم إلا تصريحات معسولة تعد دون أن تعطي، وحتى إن هي أعطت فعطائها لا يكفي ولا يسمن ولا يغني.
هذا على المستوى الرسمي، لكن على المستوى الشخصي هناك أهداف فرعية تصر الإدارة الأمريكية على تحقيقها. فـ’أوباما’ مثلا، يطمح أن يدخل التاريخ من خلال توقيع إتفاق نهائي مع إيران وزيارة طهران على شاكلة ما فعل الرئيس ‘ريغان’ مع الصين، لكن من دون أثمان سوى رفع عقوبات أحادية الجانب من خارج إطار شرعة الأمم المتحدة. ولو كان لـ’أوباما’ أدنى أمل في إمكانية تحقيق سلام بين الفلسطينيين والصهاينة، لما تردد في وضع كل ثقله في المفاوضات، لعلمه أن دخول التاريخ من البوابة الفلسطينية كما حدث مع ‘كارتر’ زمن ‘كامب ديفيد’ هو أجدى وأعظم من أن يذكره التاريخ مجرد لاعب من الدرجة الثانية في السياسة الدولية من البوابة الإيرانية.
وبالمناسبة، هناك وهم آخر يتشبث به الوزير ‘كيري’ الذي يطمح لخوض الرئاسيات الأمريكية المقبلة من بوابة الإتفاق الفلسطيني الإسرائيلي ولو من خلال إتفاق مرحلي مؤقت لعشر سنوات ينهار بعد ذلك، لا يهم، المهم هو أن ينجح في الإنتخابات الأمريكية من البوابة الفلسطينية، وهو ما تقف له بالمرصاد مستشارة الأمن القومي ‘سوزان رايس’ التي لها رؤية مختلفة للحل تعتمد الأمن كمقاربة على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. الأمر الذي يستغله الجمهوريون الجدد واللوبي الصهيوني والسعودية للعمل على تجيير وجه ‘هيلاري كلينتون’ الصهيونية حتى العظم، لتكون الرئيسة المقبلة لأمريكا، لأن من شأن وصولها إلى البيت الأبيض أن ينهي الإتفاق النووي الإيراني والنظام السوري وحزب الله، لتبقى المنطقة حرة خالصة لأمريكا تدير شؤونها “السعودية و إسرائيل” بالوكالة، فيسقط وهم التمدد الروسي والصيني في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
هذه حسابات سياسية استراتيجية وإنتهازية شخصية تجثم بثقلها اليوم لإفشال أي حل في سورية أو إيران أو لبنان أو العراق أو اليمن أو البحرين، لأن السعودية وإسرائيل قادرتان على إدارة حرب مفتوحة في سورية والمنطقة ضد إيران إلى غاية 2016 تاريخ الإستحقاقات التشريعية والرئاسية الأمريكية.
‘الأسد’ أمــام خيــاران أحلاهمــا مـــرّ
هذا هو السيناريو “الخدعة” الذي تروج له الإدارة الأمريكية وحلفائها، وعلى أساسه تجري الإستعدادات لتوجيه الدعوة من قبل الأمم المتحدة لـ 30 دولة تم إختيارها لحضور المؤتمر بإستثناء إيران، التي رفضت السعودية وإسرائيل حضورها، فاشترطت أمريكا إعترافها بما ورد في مؤتمر “جنيف 1″ وسحب مقاتليها (حزب الله وبقية الفصائل العراقية والإيرانية) من ميادين القتال للسماح لها بحضور المؤتمر، في حين تم القبول بحضور السعودية دون شروط مسبّقة.. فما معنى هذا؟..
هذا معناه أن الرئيس الأسد أمام خياران لا ثاث لهما، إما أن يقبل بحضور “المؤتمر” وفق الشروط والسيناريو المعد سلفا من قبل الأمريكي حتى لا يقال أن “الأسد” هو من لا يريد حلا سياسيا في سورية فيفقد مصداقيته ويعطي للقوى المناوئة له الذريعة للتهجم عليه والتصعيد السياسي في المحافل الدولية ضده، أو أن يرفض الحضور بدعوى أنه لن يذهب إلى جنيف لتسليم السلطة إلى المعارضة، وهذا تنصل من تعهداته السابقة التي قبل من خلالها مقتضيات “جنيف 1″، وهذا قرار سيىء بكل المقاييس.
وبالتالي، فتأخر الرئيس الأسد في تغيير موازين القوى على الأرض قبل “جنيف 2″ لا يصب في مصلحته، ما دامت السعودية نجحت بفضل تكتل “الجبهة الإسلامية” في إلغاء “الجيش الحر” وعزل “القاعدة” و “جبهة النصرة” من المعادلة، وأصبحت هذه الجبهة هي القوة “الموحدة” الأكثر فاعلية اليوم في الميدان، فسارعت أمريكا للإعتراف بها كقوة إسلامية “معتدلة” تمثل المعارضة السورية.
بل الأسوء، أن هناك تركيز كبير في الإعلام السعودي بدأ الغرب بدوره يُسوّق له، ومفاده، أن النظام السوري تحايل على ثورة شعبه بإدخال الإرهابيين إلى سورية لخداع العالم وتصوير الأمر كما لو أن ما يجري في سورية اليوم ليس “ثورة” شعب من أجل الحرية والإنعتاق من الإستبداد، بل حرب يقودها النظام وحلفائه ضد إرهاب “القاعدة”. وتستند هذه الحملة الدعائية الجديدة إلى سابقة محاربة القاعدة لأمريكا أثناء تواجدها في العراق بدعم من الرئيس “بشار الأسد”. فأين يذهب من هنا..؟
قواعـــد اللعبـــة تغيّـــرت
والخطورة في تغيير قواعد اللعبة تكمن في أن المخابرات الأمريكية هي من طالبت من اللواء ‘سالم إدريس’ تسليم مخازن سلاح الجيش الحر لـ”الجبهة الإسلامية” كما سبق وأوضحنا في مقالة سابقة، ما يعني أن الطبخة هي أمريكية سعودية بالمحصلة، وأن جبهة النصرة باستلامها لمعبر ‘باب الهوى’ التركي، أصبحت تتلقى الدعم من السعودية والمخابرات الأمريكية لفرض واقع جديد على الأرض يعيق تقدم الأسد وتسجيل إنتصارات تحرم خصومه من الجلوس على طاولة المفاوضات في “جنيف 2″، ولا يهم إن كان 70% من مقاتلي “الجبهة الإسلامية” هم من غير السوريين، هذا كلام يصعب إثباته والتسليم به من قبل المجتمع الدولي، لأن المحاورين في جنيف سيكونون من المعارضة السورية مع بعض قيادات الميدان (سوريين أيضا) ليكتمل الديكور.
وبهذا المشهد الجديد، نحن اليوم أما نجاح الحلف الأمريكي والسعودي الصهيوني في فرض واقع مختلف عما كان عليه الأمر قبل أسابيع قليلة، ما جعل الأمور تتجه في غير مصلحة محور المقاومة.
وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه أن تعلن إيران وقف المفاوضات مع السداسية في ملفها النووي بسبب خرق أمريكا لروح الإتفاق من خلال فرض عقوبات جديدة على شركات وأفراد تعاونوا مع إيران في برنامجها النووي، فاجأتنا طهران بقرار استمرار المفاوضات بدعوى أن الرئيس الأمريكي تعرض لضغوط قوية من قبل الكونجرس واللوبيات الصهيونية اليهودية والمسيحية جعلته يتخذ مثل هكذا قرار لا يمس مباشرة الدولة الإيرانية، وهذه “خديعـــة” أيضا، حيث سقطت إيران في الفخ بحسن نية.
لأن أمريكا هي من تحتاج إيران لا العكس، ولأن رفض إيران الذهاب إلى المفاوضات كان من شأنه أن يجبر ‘أوباما’ على التراجع خوفا من أن لا يدخل التاريخ مثل ‘ريغان’. هذا الموقف الإيراني رأت فيه الإدارة الأمريكية ضعفا، وفهمت منه أن إيران قبلت بالمفاوضات لأن الحصار الإقتصادي وصل حدا لا يطاق فأجبرها على تلقف المبادرة الأمريكية، وبالتالي، من حق أمريكا ممارسة المزيد من الضغوط غير المباشرة عليها، كرفض حضورها مؤتمر “جنيف 2″ إذا لم تعترف بـ “جنيف 1″ وتسحب قواتها وقوات حلفائها من سورية.
وهذا ما دفع روسيا، ليس لرفض عقد مؤتمر “جنيف 2″ من دون حضور إيران التي لا يمكن تصور حل في سورية من دونها، أو الإعتراض مثلا على حضور السعودية، بل للقول أن “شركائنا الأمريكيين سيضطرون للجوء إلينا عندما يصطدمون بمشكلة الإرهاب في سورية”.
مثل هذا القول من “لافروف” يتجاهل تماما أن الإرهاب الذي يتحدث عنه هو لعبة أمريكية سعودية صهيونية بامتياز، ففي ماذا ستحتاج أمريكا روسيا أو إيران في سورية، وهي تعلم أن مجرد قطع الإمداد عن العناصر الخارجة عن السيطرة من شأنه أن ينهي المشكل من أساسه؟.
فــي إنتظـــار العاصفـــة
ما من شك، أن الرهان اليوم، سواء من قبل روسيا أو إيران أو سورية هو على فشل مؤتمر “جنيف 2″ حتى لا تتحمل سورية وزر هذا الفشل الذي قد يستغل ضدها، والتركيز هو على تشتت قوى المعارضة وعدم توافقها على أجندة موحدة.
وحيث أن محور المقاومة يعلم علم اليقين أن قرار تنحية الأسد هو قرار نهائي حاسم وقاطع لا رجعة فيه حتى لو أدى الأمر للقبول به في المرحلة الإنتقالية فقط، فلماذا لا يرفض الرئيس “الأسد” الذهاب إلى المؤتمر من دون حضور إيران كشرط غير قابل للنقاش، بإعتبارها معنية بالسلام في سورية والمنطقة بدل السعودية المتورطة حتى النخاع في سفك الدم السوري وخراب البلد؟.
مهما تكن حسابات الرئيس “بشار الأسد” ورهانات محور المقاومة، فإن فشل مؤتمر “جنيف 2″ في حال عُقد، سيعني حتما بداية “الفتنة الكبرى” في لبنان والمنطقة بما يفوق حجم الإنفجار، وإن لم يُعقد، فستستمر حرب الإستنزاف السعودية التي تراهن على النصر بأي ثمن، حتى لو تطلب الأمر إستنزاف آخر قطرة نفط وإنفاق آخر ورقة دولار في الرصيد السعودي، ما دام الذي يجري في المقابل هو الدم السوري واللبناني والعراقي واليمني وليس الدم السعودي النجس أو الصهيوني القذر.
فماذا سيفعل الرئيس “بشار الأسد” أمام هذه الخديعة..؟ وماذا سيفعل محور المقاومة في مواجهة السعودية..؟ وهل سنرى قريبا نهاية لعهد الأمن والأمان والإستحمام والإستجمام في مملكة الرمل والدم والزيت الوهابية كما لمح سماحة السيد من دون أن يفص عن القصد من إشاراته..؟
لا أحد يعلم، لكن العراق تحرك اليوم وأغلق حدوده مع الأردن وبدأ حربا شعواء لا هوادة فيها ضد القاعدة في منطقة الأنبار وصولا إلى الحدود السورية.. غير ان ما يثير الإستغراب حقا، هو لماذا لم توقع سورية حتى الآن إتفاقا لمحاربة الإرهاب مع الحليف العراقي الذي هو مكون من مكونات حلف المقاومة، لأن من شأن مثل هذا الإتفاق أن يسمح للقوات العراقية بملاحقة الإرهابيين داخل التراب السوري في الشمال، فتخفف عن الجيش العربي السوري عناء ما هو فيه من كر وفر مع أشباح المرتزقة الذين حولوا المعارك معهم إلى حرب بلا نهاية ضد طواحين الهواء.