عابر سبيل سني
12-01-2014, 01:46 PM
سوريــــة .. تطــــرّف ضـــد التطــــرّف
بانوراما الشرق الاوسط
السبت , 11 كانون ثاني / يناير 2014
أحمد الشرقاوي
http://panorama.almadina.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/2014/01/mepanorama111655.jpg
أثار إنتباهي مقال للزميل المحترم ‘حسين الديراني’ بعنوان “هل كان بندر بن سلطان في موسكو لأجل إنقاذ نجله؟’، نشره موقع ‘بانوراما الشرق الأوسط’ السبت، يشير في مقدمته إلى تصريح “إنفرد” به الصحفي ‘عبد الباري عطوان’ لقناة ‘الميادين’ وتضمن بعضا مما ورد في مقالة له نشرتها صحيفة “الرأي” الإلكترونية بعنوان ” اليوم داعش، وغدا النصرة، وبعد غد الأسد”.
ومضمون المقال أن عبد الباري عطوان يتسائل إن كان ‘بندر بن سلطان’ قد عقد مع الرئيس ‘بوتين’ صفقة عمادها “اعلان الحرب على الجماعات الجهادية الاسلامية القاعدية، مقابل التخلي الروسي عن نظام الرئيس بشار الأسد بعد ذلك في إطار حل سياسي”.
مـن كتاباتــك أقـول لـك مـن أنــت
بداية لا بد من الإشارة إلى أن ‘عبد الباري عطوان’ بعد أن باع صحيفة ‘القدس العربي’ للقطريين، وقبلها باع قلمه للموساد الإسرائيلي الذي كان وراء تمويل وتأسيس جريدته الأولى (وفق معلومات موثقة)، بدى وكأنه تحرر من وصاية الدوحة وعاد لمحور المقاومة والممناعة. لكن سرعان ما اتضح أن استدارته، وكالعادة، لم تكن لخدمة القضايا العربية بل من أجل المال السعودي، فسارع إلى تقديم أوراق إعتماده من خلال موقع “الرأي” الجديد للسعودية، وتحديدا لبندر بن سلطان. والمتابع لكتاباته الأخيرة يلاحظ تركيزه على دور هذا الرجل المركزي في السياسة الإقليمية والدولية، ومحاولة تعويمه بشكل يكون مقبولا لدى الرأي العام العربي الذي انخدع باستدارة عطوان الأخيرة.
أكثر من هذا، فبمجرد إغتيال عميل أمريكا في لبنان المدعو “شطح” قبل أيام، خرج ‘عطوان’ علينا بمقال مشبوه تحت عنوان مريب يقول: “سيارة سنية في الضاحية وسيارة شيعية في بيروت” في إشارة ضمنية خبيثة إلى أن الذي قتل العميل “شطح” في بيروت هو حزب الله، مُتبنّيا بالتالي، الرواية التي ردّدتها قوى “14 إرهابي” برئاسة ‘الحريري’ بتعليمات سعودية لا تخفى على أحد، وتصب في ذات النغمة المشروخة التي تكررها أدوات السعودية حد القرف من باب الإتهام السياسي الخبيث: “من قتل الحريري هو من قتل شطح، وتحرير لبنان من إحتلال السلاح الإيراني، وإنسحاب الحزب الشيعي من سروية لأنه هو من استدعى الإرهاب إلى لبنان”.
سرقة الأفكار لا تجعل من ‘عطوان’ محللا ومُنظّرا
وعودة لما قال عنه الزميل العزيز ‘حسين الديراني’، بأنه “إنفراد”، فالأمر لا يتعلق بـ”إنفراد” ولا هم يحزنون، لأن ‘عبد الباري عطوان’ إعتاد الإلتزام بما يقال له أن يكتبه دون إجتهاد، وما يكتبه الرجل لا يعبر عن إستنتاج خاص أو تقدير بناء على تحليل موضوعي للمعلومات والمعطيات المتوفرة، بل يكتفي بترديد ما يُملى عليه من دوائر سعودية نقلا عن مسؤولين سياسيين وأمنيين وخبراء مراكز الدراسات الأمريكية حرفيا، فيقوم بتعويمها بأسلوب يعطي الإنطباع أن الأمر يتعلق بتقديرات خاصة.
وهذا هو السبب في أن ما يزعم ‘عطوان’ في كتاباته من أنها توقعات نتيجة تحليلات خاصة لا تتحقق على أرض الواقع بالمطلق، لإعتبارات لها علاقة بحسابات الميدان وخطط جبهة المقاومة والممانعة التي تفشل كل الأوهام والخطط الأمريكية والسعودية والصهيونية التي يتبناها ‘عطوان’ بأسلوب مراوغ ومضمون ملتبس.. هذا هو السر ببساطة شديدة.
الإستراتيجية الأمريكية في سورية لم تتغير
حسنا، والآن لنتحدث عن تصريح ‘عطوان’ لقناة الميادين وما ورد في مقالته المشار إليها اعلاه تحت عنوان ” اليوم داعش، وغدا النصرة، وبعد غد الأسد”، فنقول، أن ما قال به عطوان هو ترجمة حرفية لتصريح خبير عسكري أمريكي في (معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى) ‘جيفري وايت’ الذي كتب في تقريره الأخير يقول: إن “واشنطن تدعم سورية خالية من مجموعات مرتبطة بالقاعدة وتكتيكاتها البشعة، لكنها تدعم المعارضة المعتدلة وجهودها لإقامة سورية جامعة وتعددية، وفي المدى الأبعد في حال نجاحها، فهي قد تأتي بقيادة أكثر تماسكاً وأفضل تنسيقاً في عملياتها للمعارضة العسكرية”.
وأشار المسؤول الأمريكي، وهنا بيت القصيد، إلى أن: “هكذا سيناريو يفيد واشنطن لناحية تماشي هذا الأمر مع مصالحها في ضرب القاعدة وضرب النظام أيضاً”، وأن ذلك “قد يفتح الباب أمام دعم أكثر جدية من الإدارة الأميركية للمعارضة الإسلامية المعتدلة (الجبهة الإسلامية) وقد يشمل الشق المسلح”.
هذا الكلام السياسي الواضح الذي يصف بدقة متناهية الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية، والذي تناقلته الصحافة الغربية والسعودية أيضا، إذا ترجم إلى عنوان في مقالة يصبح كالتالي: “اليوم داعش، وغدا النصرة، وبعد غد الأسد”.. وبالتالي، يحق لنا التسائل عن ما هو الجديد الذي جاء به ‘عطوان’ ليجعل منه “إنفرادا” و “سبقا” صحفيا” يا ترى؟.. هذا ترداد حرفي لما يقوله “الأسياد” في السعودية و واشنطن بعناوين براقة لا أكثر ولا أقل.
ولعل الجديد الوحيد في تصريح المسؤول الأمريكي ‘جيفري وايت’ هو أنه أزاح الغطاء عن حقيقة الإستراتيجية الأمريكية في سورية والدور السعودي والصهيوني لجهة التنفيذ فقط لا غير، وقد سبق وأن قلنا في مقالة سابقة أن الإدارة الأمريكية منخرطة في الحرب على سورية وحزب الله من بعيد، وأن حلف السعودية وإسرائيل يقومان بالتنفيذ، وأن كل حديث عن تمرد سعودي على واشنطن في المنطقة هو من باب ذر الرماد في العيون كي لا تحرج أمريكا مع الحليف الروسي الذي يدرك أسرار اللعبة وأبعادها وأهدافها وأدواتها. كما أن محور المقاومة يعمل كخلية نحل بتنسيق كامل لإفشال مثل هذه الإستراتيجية وغيرها. وهذا هو معنى “لا تلعبوا معنا” الذي قال بها سماحة السيد إذا أخرجناها من إطارها اللبناني وعمّمناها على المشهد في المنطقة.
إرهــاب ضـــد الإرهـــاب
لقد سال مداد كثير حول حرب الجماعات التكفيرية في سورية والعراق، وأصبح المشهد شديد التعقيد بعد أن إختلطت الأسماء والألوان والخيوط، فلم يعد المتابع العادي يعرف من يقاتل من؟ ومن مع من؟ ومن ضد من؟.. وسارعت السعودية لإتهام النظام السوري بدعم إرهاب “داعش” ضد المعارضة الإسلامية المعتدلة “الجبهة الإسلامية” في محاولة لتسويقها كبديل عن المعارضة السورية التي كان يقال أن “الجيش الحر” يمثل دراعها العسكرية في الميدان بعد أن لم يعد له من وجود على الأرض، خصوصا مع إقتراب موعد مؤتمر “جنيف 2″ وصعوبة تسويق “الإئتلاف” السعودي برئاسة ‘الجربا’ كممثل للشعب السوري في غياب إمتداد عسكري يمثله في ميادين القتال.
وخلاصة القول حتى لا نستطرد في تفاصيل التفاصيل نقول، أن السر وراء قرار أمريكا والسعودية بمحاربة “داعش” في سورية والعراق، هو أن هذه الجماعة الإرهابية التي أسستها السعودية والمخابرات الأمريكية ودعمتها بالمال والسلاح والمقاتلين من مختلف أصقاع الأرض، قررت من خلال تصريح لـ”البغدادي” نقل معاركها من العراق وسورية إلى السعودية معقل العالم الإسلامي. وهذا هو الذي فرض التحول الجديد في المشهد الإقليمي.
هنا ثارت ثائرة النظام الوهابي واكتشفت المخابرات الأمريكية أن “داعش” قد تم إختراقها بالفعل من قبل النظام السوري وحلفائه.. وأن اللعبة ستنقلب على الأردن وتركيا والسعودية معا، خصوصا مع ورود معلومات عن عزم “داعش” نقل عملياتها الإنتحارية إلى تركيا كذلك، ما دفع بحكومة ‘السلطان” أردوغان إلى إغلاق حدود بلاده مع سورية ووقف تدفق السلاح إلى الجماعات التكفيرية، وإحتجاز شاحنات محملة بالعتاد والذخيرة كانت ستدخل سورية هذا الأسبوع.
وهذا هو السبب الذي جعل الإستخبارات السعودية تسارع لإبلاغ الأردن أن “داعش” مخترقة من مخابرات ‘بشار’، وتم نهاية السنة المنصرمة لقاءا أمنيا ثلاثيا بحضور الأمير سلمان وممثل للمالكي وممثل أمني أردني كبير لتدارس خطر “داعش” على العراق والأردن والسعودية. خصوصا بعد أن أكتشفت المصالح الأمنية الأردنية مخزن أسلحة نارية بمنزل يستأجره سوريون في قرية حرثا بلواء بني كنانة، ويقال أنه تم إكتشاف مخزن آخر للسلاح والمتفجرات في منطقة صحراوية على مقربة من الحدود العراقية، وناقش البرلمان الأردني نهاية العام المنصرم تقريرا خطيرا يحذر من مغبة إنتقال الحرب السوري إلى الساحة الأردنية. وعلى إثر ذلك، سارعت واشنطن لبعث مسؤولين أمنيين إلى السعودية لتقدير وإدارة المخاطر الجديدة في حال انتقلت النار السورية إلى الأردن والسعودية وفق تقارير استخباراتية غربية.
كل هذه المعطيات، جعلت واشنطن تعلن دعمها لـ’الماكي’ في حربه على الإرهاب في الأنبار وتزويده بالسلاح وبالغطاء السياسي، وقد إقترحت الإدارة الأمريكية على العراق تدريب وحدات خاصة عراقية لمحاربة الإرهاب. ويذكر أن قرار المالكي إعلان الحرب على الإرهاب في العراق جاء بتلميح من مرشد الثورة الإيرانية الذي نصحه بأن يحقق إنجازا في هذا المجال يساعده على كسب معركة الإنتخابات القادمة، فتقاطعت أهدافه مع المخاوف الأمريكية والسعودية والأردنية، حيث قرروا جميعا، وفي توافق غير مسبوق، إعلان الحرب على “داعش” تحديدا.
أمام هذا المشهد الجديد، أوعزت المخابرات الأمريكية والسعودية لأدواتها في سورية بمحاربة “داعش” في محاولة منها لتجاوز دور الرئيس ‘الأسد’ في مكافحة الإرهاب وفي نفس الوقت تسويق “الجبهة الإسلامية” وأخواتها باعتبارها “معارضة إسلامية معتدلة” تحارب الإرهاب، تمهيدا لفرضها كدراع عسكرية لإتلاف ‘الجربا’، وهو ما لم تقبل به الجبهة بالمطلق، حيث أعلنت أن سفك دم أعضاء الإئتلاف حلال على المجاهدين. والمصيبة أن حتى “الجبهة الإسلامية” البديلة التي جمعت السعودية مكوناتها من مخلفات فلول المرتزقة والمجرمين والتكفيريين أعلنت رفضها الإعتراف بجوقة ‘جربا’ السياسية التي وجدت نفسها في مأزق، أضيف له مأزق استقالة 46 عضوا من الجمعية العامة وتهديد 6 مكونات بالإنسحاب في حال قرر ‘الجربا’ الذهاب إلى مؤتمر “جنيف 2″ قبل 6 أشهر على الأقل، في إنتظار تعديل موازين القوى على الأرض، وفق ما يتوهم الحالمون.
هذه المآزق المتراكمة وخيبة الفشل الواضح التي بدأت تستشعره الرياض، دفعها للقول عبر صحفية (عكاظ) السبت، أن “مؤتمر ‘جنيف 2′ المنوي عقده أواخر كانون الثاني الجاري سيفشل بظل الإحجام عن الحل العسكري في سوريا”.
هذا موقف رسمي سعودي واضح، يعبر عن فشل خيار الإرهاب ويصر على تغيير المعادلة في سورية والمنطقة من خلال حرب عسكرية نظامية على سورية وحزب الله مهما كانت الأكلاف. الأمر يتعلق بإستراتيجية جديدة وضعت أسسها في إطار التحالف السعودي الصهيوني بدعم أمريكي مباشر ليكون خيار ‘شمشون’ الأخير. وكل ما يقال عن قرار في جنيف لإعلان الحرب على الإرهاب وموافقة سعودية بتأليف حكومة سياسية لا تستثني حزب الله في لبنان، هي من قبيل ما استشعره سماحة السيد في إطلالته الأخيرة وسماه “خدعة”. وهو ما سنخصص له موضوع مقالتنا القادمة غدا بحول الله.
المشهد الجديد اليوم في سورية، جعل صحيفة “انترناشونال نيويورك تايمز” تنشر الاربعاء من هذا الأسبوع تحقيقاً كتبه من الرياض مراسلها ‘روبرت ويرث’ يصف فيه تخبط السياسة التي يتبعها حكام المملكة العربية السعودية ازاء الحرب بالوكالة في سوريا ضد نظام الرئيس ‘بشار الأسد’ وضد ايران، بالاعتماد على اسلاميين متشددين لا يمكن تمييز توجهاتهم وعقيدتهم في معظم الاحيان عن توجهات “القاعدة” وعقيدتها. الأمر الذي يؤكد أن السياسة الأمريكية والمقاربة السعودية في سورية وصلت اليوم إلى مأزق حقيقي. هذا توصيف دقيق لحال السياسة الأمريكية والسعودية والصهيونية اليوم في المنطقة.
الحرب خدعة والأذكى هو من ينتصر
من جهة أخرى، ينقل زوار أجانب للرئيس السوري’ بشار الأسد’ صورة تزيد من حنق السعودية وغضبها مؤداها، أن الرئيس ‘بشار’ مرتاح لمسار الحرب في سورية، وأن الجيش العربي السوري متحكم في الميادين ويحقق إنتصارات سريعة وحاسمة باستثناء اقصى الشمال والغرب حيث تدور معارك طاحنة بين إرهابيين و إرهابيين من أجل النفوذ والمغانم، وهذا هو ما يمكن وصفه بـ “تطرّف التطرّف”.
فيما يقول خبراء عسكريون سوريون، أن الصورة في حقيقة الأمر أبعد من “الإرتياح” الذي يشعر به الرئيس ‘الأسد’، بل يمكن القول أن الرئيس السوري يضحك في دمشق من غباء أمريكا وجهل السعودية، ويتابع بسخرية ما يمكن تسميته بحرب “الضد النوعي” أو “إرهاب ضد الإرهاب” أو “تطرّف ضد التطرّف” الذي إخترناه عنوانا لهذا المقال.
ومن حق الرئيس ‘بشار’ أن يضحك من أمريكا ويسخر من السعودية لأن “الحرب خدعة” يكسبها الأكثر ذكاءا ودهاءا، ولأن الرئيس ‘بشار الأسد’ هو من يتحكم اليوم في خيوط اللعبة ومقتنع تماما أن “داعش” لن تقهرها لا ‘جبهة النصرة’ ولا “الجيهة الإسلامية” وأخواتها وربيباتها وبنات خالاتها وعماتها وكل فصائل عائلتها الوهابية، بدليل أنها إستعادت اليوم عديد المواقع التي فقدتها وقررت سحق “الكفرة” الذين تمولهم السعودية ولا ينسجمون مع عقيدتها ونهجها، وبالتالي، الأسد غير مهتم بما تحاول فرضه الإدارة الأمريكية وحلفائها وأداوتها في مؤتمر “جنيف 2″ أو حتى “جنيف 17″.
ألم تقل روسيا قبل أيام أن شركائنا الأمريكيون عندما يجدون أنفسهم في مأزق سيطلبون مساعدتنا؟.. ألم تقل إيران كذلك قبل روسيا أنها غير متحمسة لحضور مؤتمر “جنيف 2″، وأنها لا تتصور كيف يمكن أن يكون الحل في سورية من دون دورها الإيجابي في المساعدة على حل الأزمة؟. ألم يقل ‘وليد المعلم’ و ‘عمران الزغبي’ وقبلهم الرئيس ‘الأسد’ أن سورية لن تذهب لتفاوض الإرهابيين في جنيف؟. فعن أية معارضة سورية يتحدث الأغبياء؟
تستطيع أمريكا والسعودية اللعب وفق قواعدهم الأنانية، لكن ما يقوله الخبراء اليوم، هو أن أمريكا تخسر والسعودية تخسر في حين يكسب ‘نوري المالكي’ في العراق ويكسب ‘بشار الأسد’ في دمشق، وتخلط طهران أوراق الرياض و واشنطن قبل مؤتمر “جنيف 2″ الذي تعتزم روسيا من خلاله إعلان الحرب على الإرهاب بقيادة الرئيس ‘الأسد’. كما أن دمشق ترفض محاورة ‘إرهابيين’ تسعى واشنطن جاهدة لتسويقهم بإتبارهم “معارضة معتدلة”، بدليل أنهم يحاربون الإرهاب، ولأجل ذلك هي الآن بصدد مراجعة قرارها بتزويد المعارضة السورية “المعتدلة” بمساعدات غير قتالية وربما بالسلاح في المدى المنظور، ما يؤشر لإستمرار الصراع إلى أجل غير مسمى.
هذا الأمر، دفع بالمسؤول الأمريكي ‘جيفري وايت’ للقول: إن “المعارك في المدى القصير تفيد النظام السوري وحده، كونها تستنفد ذخيرة وقوة المعارضة في محاربة ‘داعش’ وتفرض عليها تغيير مواقعها، أو إخلاء بعض المناطق”. وأشار إلى أن استراتيجية “جبهة النصرة” تبدو إنتهازية في هذه المرحلة، وتقضي بعدم التورط في الصراع ضد “داعش”، والإكتفاء بمحاولة الإستفادة من هذه المعارك بالتطوع كوسيط بين “داعش” و”الجبهة الإسلامية” لإستيعاب مقاتلين ينشقون عن “داعش”.
لكنه يخلص في النهاية إلى نوع من التوصية الإستراتيجية البديلة مؤداها: أن “الحسابات في المدى الأبعد ستختلف، وإن تأليف جسم عسكري جدي للمعارضة يحارب القاعدة وقادر على تنسيق عملياته، هو خطر على النظام”.
السعوديــة تعمــل علـى فشــل “جنيــف 2″
فشلت إذن إستراتيجية أمريكا التي كانت تركز على محاربة “داعش” بـ “فاحش” وأخواتها، ظنا منها أن “قد تساعد في ضمان حضور أقوى للمعارضة العسكرية في ‘جنيف 2′ في حال ألحقت هزيمة بـ”داعش”، لكن العكس هو الحاصل اليوم بعد أن بدأت “داعش” تسترد مواقعها على طول المساحة الشمالية من الحدود العراقية إلى الغربية وعلى أمتداد بوابات العبور مع تركيا وصولا إلى منطقة الأكراد في الشمال الغربي، وأن انسحابها من حمص كان لصالح النظام السوري الذي يتأهب لسحق ما تبقى من فلول الإرهابيين المتواجدين هناك.
السفير الأمريكي السابق ‘ريان كروكر’، نصح في تقرير له الأسبوع المنصرم، الإدارة الأمريكية بإعادة النظر في إستراتيجيتها الفاشلة هذه، والانخراط مع الرئيس ‘الأسد’ إذا كانت ترغب فعلا في محاربة الإرهاب، نظرا لتنامي نفوذ القاعدة بين الثوار الذين تسميهم الإدارة الأمريكية والسعودية اليوم بـ”معارضة معتدلة” في إشارة إلى الوحش المسمى”الجبهة الإسلامية”.
وختاما، ما يمكن قوله في هذع المرحلة، هو أن آخر المعلومات تشير الى أن السعودية لا تؤيد إطلاقا انعقاد مؤتمر “جنيف 2″ للخروج بحل سياسي للأزمة السورية، وستعمل الرياض كل ما في وسعها لعرقلته حتى لو اضطرها الأمر لخلط الأوراق على الأرض السورية بين الفصائل الإرهابية المقاتلة وعلى مستوى الإئتلاف الذي يبدو أنه في طريقه إلى الإنفجار لربح مزيد من الوقت في إنتظار الإعداد للإستراتيجية العسكرية الجديدة التي تعتزم من خلالها السعودية بالتحالف مع إسرائيل تغيير موازين القوى على الأرض السورية واللبنانية بالعدوان العسكري.
وفي إنتظار ذلك، سيستمر مشهد قتال الإرهابيين للإرهابيين في سورية، ونحن لا نملك أمام هكذا معظلة إلا الدعاء مع السوريين الشرفاء بالقول :”اللهم إضرب المجرمين بالمجرمين واخرج الأبرياء من بينهم سالمين”.. راجين من العلي القدير أن ينقلب السحر على أصحابه في الأردن وتركيا والسعودية وأوروبا والولايات المتحدة ولو بعد حين.
بانوراما الشرق الاوسط
السبت , 11 كانون ثاني / يناير 2014
أحمد الشرقاوي
http://panorama.almadina.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/2014/01/mepanorama111655.jpg
أثار إنتباهي مقال للزميل المحترم ‘حسين الديراني’ بعنوان “هل كان بندر بن سلطان في موسكو لأجل إنقاذ نجله؟’، نشره موقع ‘بانوراما الشرق الأوسط’ السبت، يشير في مقدمته إلى تصريح “إنفرد” به الصحفي ‘عبد الباري عطوان’ لقناة ‘الميادين’ وتضمن بعضا مما ورد في مقالة له نشرتها صحيفة “الرأي” الإلكترونية بعنوان ” اليوم داعش، وغدا النصرة، وبعد غد الأسد”.
ومضمون المقال أن عبد الباري عطوان يتسائل إن كان ‘بندر بن سلطان’ قد عقد مع الرئيس ‘بوتين’ صفقة عمادها “اعلان الحرب على الجماعات الجهادية الاسلامية القاعدية، مقابل التخلي الروسي عن نظام الرئيس بشار الأسد بعد ذلك في إطار حل سياسي”.
مـن كتاباتــك أقـول لـك مـن أنــت
بداية لا بد من الإشارة إلى أن ‘عبد الباري عطوان’ بعد أن باع صحيفة ‘القدس العربي’ للقطريين، وقبلها باع قلمه للموساد الإسرائيلي الذي كان وراء تمويل وتأسيس جريدته الأولى (وفق معلومات موثقة)، بدى وكأنه تحرر من وصاية الدوحة وعاد لمحور المقاومة والممناعة. لكن سرعان ما اتضح أن استدارته، وكالعادة، لم تكن لخدمة القضايا العربية بل من أجل المال السعودي، فسارع إلى تقديم أوراق إعتماده من خلال موقع “الرأي” الجديد للسعودية، وتحديدا لبندر بن سلطان. والمتابع لكتاباته الأخيرة يلاحظ تركيزه على دور هذا الرجل المركزي في السياسة الإقليمية والدولية، ومحاولة تعويمه بشكل يكون مقبولا لدى الرأي العام العربي الذي انخدع باستدارة عطوان الأخيرة.
أكثر من هذا، فبمجرد إغتيال عميل أمريكا في لبنان المدعو “شطح” قبل أيام، خرج ‘عطوان’ علينا بمقال مشبوه تحت عنوان مريب يقول: “سيارة سنية في الضاحية وسيارة شيعية في بيروت” في إشارة ضمنية خبيثة إلى أن الذي قتل العميل “شطح” في بيروت هو حزب الله، مُتبنّيا بالتالي، الرواية التي ردّدتها قوى “14 إرهابي” برئاسة ‘الحريري’ بتعليمات سعودية لا تخفى على أحد، وتصب في ذات النغمة المشروخة التي تكررها أدوات السعودية حد القرف من باب الإتهام السياسي الخبيث: “من قتل الحريري هو من قتل شطح، وتحرير لبنان من إحتلال السلاح الإيراني، وإنسحاب الحزب الشيعي من سروية لأنه هو من استدعى الإرهاب إلى لبنان”.
سرقة الأفكار لا تجعل من ‘عطوان’ محللا ومُنظّرا
وعودة لما قال عنه الزميل العزيز ‘حسين الديراني’، بأنه “إنفراد”، فالأمر لا يتعلق بـ”إنفراد” ولا هم يحزنون، لأن ‘عبد الباري عطوان’ إعتاد الإلتزام بما يقال له أن يكتبه دون إجتهاد، وما يكتبه الرجل لا يعبر عن إستنتاج خاص أو تقدير بناء على تحليل موضوعي للمعلومات والمعطيات المتوفرة، بل يكتفي بترديد ما يُملى عليه من دوائر سعودية نقلا عن مسؤولين سياسيين وأمنيين وخبراء مراكز الدراسات الأمريكية حرفيا، فيقوم بتعويمها بأسلوب يعطي الإنطباع أن الأمر يتعلق بتقديرات خاصة.
وهذا هو السبب في أن ما يزعم ‘عطوان’ في كتاباته من أنها توقعات نتيجة تحليلات خاصة لا تتحقق على أرض الواقع بالمطلق، لإعتبارات لها علاقة بحسابات الميدان وخطط جبهة المقاومة والممانعة التي تفشل كل الأوهام والخطط الأمريكية والسعودية والصهيونية التي يتبناها ‘عطوان’ بأسلوب مراوغ ومضمون ملتبس.. هذا هو السر ببساطة شديدة.
الإستراتيجية الأمريكية في سورية لم تتغير
حسنا، والآن لنتحدث عن تصريح ‘عطوان’ لقناة الميادين وما ورد في مقالته المشار إليها اعلاه تحت عنوان ” اليوم داعش، وغدا النصرة، وبعد غد الأسد”، فنقول، أن ما قال به عطوان هو ترجمة حرفية لتصريح خبير عسكري أمريكي في (معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى) ‘جيفري وايت’ الذي كتب في تقريره الأخير يقول: إن “واشنطن تدعم سورية خالية من مجموعات مرتبطة بالقاعدة وتكتيكاتها البشعة، لكنها تدعم المعارضة المعتدلة وجهودها لإقامة سورية جامعة وتعددية، وفي المدى الأبعد في حال نجاحها، فهي قد تأتي بقيادة أكثر تماسكاً وأفضل تنسيقاً في عملياتها للمعارضة العسكرية”.
وأشار المسؤول الأمريكي، وهنا بيت القصيد، إلى أن: “هكذا سيناريو يفيد واشنطن لناحية تماشي هذا الأمر مع مصالحها في ضرب القاعدة وضرب النظام أيضاً”، وأن ذلك “قد يفتح الباب أمام دعم أكثر جدية من الإدارة الأميركية للمعارضة الإسلامية المعتدلة (الجبهة الإسلامية) وقد يشمل الشق المسلح”.
هذا الكلام السياسي الواضح الذي يصف بدقة متناهية الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية، والذي تناقلته الصحافة الغربية والسعودية أيضا، إذا ترجم إلى عنوان في مقالة يصبح كالتالي: “اليوم داعش، وغدا النصرة، وبعد غد الأسد”.. وبالتالي، يحق لنا التسائل عن ما هو الجديد الذي جاء به ‘عطوان’ ليجعل منه “إنفرادا” و “سبقا” صحفيا” يا ترى؟.. هذا ترداد حرفي لما يقوله “الأسياد” في السعودية و واشنطن بعناوين براقة لا أكثر ولا أقل.
ولعل الجديد الوحيد في تصريح المسؤول الأمريكي ‘جيفري وايت’ هو أنه أزاح الغطاء عن حقيقة الإستراتيجية الأمريكية في سورية والدور السعودي والصهيوني لجهة التنفيذ فقط لا غير، وقد سبق وأن قلنا في مقالة سابقة أن الإدارة الأمريكية منخرطة في الحرب على سورية وحزب الله من بعيد، وأن حلف السعودية وإسرائيل يقومان بالتنفيذ، وأن كل حديث عن تمرد سعودي على واشنطن في المنطقة هو من باب ذر الرماد في العيون كي لا تحرج أمريكا مع الحليف الروسي الذي يدرك أسرار اللعبة وأبعادها وأهدافها وأدواتها. كما أن محور المقاومة يعمل كخلية نحل بتنسيق كامل لإفشال مثل هذه الإستراتيجية وغيرها. وهذا هو معنى “لا تلعبوا معنا” الذي قال بها سماحة السيد إذا أخرجناها من إطارها اللبناني وعمّمناها على المشهد في المنطقة.
إرهــاب ضـــد الإرهـــاب
لقد سال مداد كثير حول حرب الجماعات التكفيرية في سورية والعراق، وأصبح المشهد شديد التعقيد بعد أن إختلطت الأسماء والألوان والخيوط، فلم يعد المتابع العادي يعرف من يقاتل من؟ ومن مع من؟ ومن ضد من؟.. وسارعت السعودية لإتهام النظام السوري بدعم إرهاب “داعش” ضد المعارضة الإسلامية المعتدلة “الجبهة الإسلامية” في محاولة لتسويقها كبديل عن المعارضة السورية التي كان يقال أن “الجيش الحر” يمثل دراعها العسكرية في الميدان بعد أن لم يعد له من وجود على الأرض، خصوصا مع إقتراب موعد مؤتمر “جنيف 2″ وصعوبة تسويق “الإئتلاف” السعودي برئاسة ‘الجربا’ كممثل للشعب السوري في غياب إمتداد عسكري يمثله في ميادين القتال.
وخلاصة القول حتى لا نستطرد في تفاصيل التفاصيل نقول، أن السر وراء قرار أمريكا والسعودية بمحاربة “داعش” في سورية والعراق، هو أن هذه الجماعة الإرهابية التي أسستها السعودية والمخابرات الأمريكية ودعمتها بالمال والسلاح والمقاتلين من مختلف أصقاع الأرض، قررت من خلال تصريح لـ”البغدادي” نقل معاركها من العراق وسورية إلى السعودية معقل العالم الإسلامي. وهذا هو الذي فرض التحول الجديد في المشهد الإقليمي.
هنا ثارت ثائرة النظام الوهابي واكتشفت المخابرات الأمريكية أن “داعش” قد تم إختراقها بالفعل من قبل النظام السوري وحلفائه.. وأن اللعبة ستنقلب على الأردن وتركيا والسعودية معا، خصوصا مع ورود معلومات عن عزم “داعش” نقل عملياتها الإنتحارية إلى تركيا كذلك، ما دفع بحكومة ‘السلطان” أردوغان إلى إغلاق حدود بلاده مع سورية ووقف تدفق السلاح إلى الجماعات التكفيرية، وإحتجاز شاحنات محملة بالعتاد والذخيرة كانت ستدخل سورية هذا الأسبوع.
وهذا هو السبب الذي جعل الإستخبارات السعودية تسارع لإبلاغ الأردن أن “داعش” مخترقة من مخابرات ‘بشار’، وتم نهاية السنة المنصرمة لقاءا أمنيا ثلاثيا بحضور الأمير سلمان وممثل للمالكي وممثل أمني أردني كبير لتدارس خطر “داعش” على العراق والأردن والسعودية. خصوصا بعد أن أكتشفت المصالح الأمنية الأردنية مخزن أسلحة نارية بمنزل يستأجره سوريون في قرية حرثا بلواء بني كنانة، ويقال أنه تم إكتشاف مخزن آخر للسلاح والمتفجرات في منطقة صحراوية على مقربة من الحدود العراقية، وناقش البرلمان الأردني نهاية العام المنصرم تقريرا خطيرا يحذر من مغبة إنتقال الحرب السوري إلى الساحة الأردنية. وعلى إثر ذلك، سارعت واشنطن لبعث مسؤولين أمنيين إلى السعودية لتقدير وإدارة المخاطر الجديدة في حال انتقلت النار السورية إلى الأردن والسعودية وفق تقارير استخباراتية غربية.
كل هذه المعطيات، جعلت واشنطن تعلن دعمها لـ’الماكي’ في حربه على الإرهاب في الأنبار وتزويده بالسلاح وبالغطاء السياسي، وقد إقترحت الإدارة الأمريكية على العراق تدريب وحدات خاصة عراقية لمحاربة الإرهاب. ويذكر أن قرار المالكي إعلان الحرب على الإرهاب في العراق جاء بتلميح من مرشد الثورة الإيرانية الذي نصحه بأن يحقق إنجازا في هذا المجال يساعده على كسب معركة الإنتخابات القادمة، فتقاطعت أهدافه مع المخاوف الأمريكية والسعودية والأردنية، حيث قرروا جميعا، وفي توافق غير مسبوق، إعلان الحرب على “داعش” تحديدا.
أمام هذا المشهد الجديد، أوعزت المخابرات الأمريكية والسعودية لأدواتها في سورية بمحاربة “داعش” في محاولة منها لتجاوز دور الرئيس ‘الأسد’ في مكافحة الإرهاب وفي نفس الوقت تسويق “الجبهة الإسلامية” وأخواتها باعتبارها “معارضة إسلامية معتدلة” تحارب الإرهاب، تمهيدا لفرضها كدراع عسكرية لإتلاف ‘الجربا’، وهو ما لم تقبل به الجبهة بالمطلق، حيث أعلنت أن سفك دم أعضاء الإئتلاف حلال على المجاهدين. والمصيبة أن حتى “الجبهة الإسلامية” البديلة التي جمعت السعودية مكوناتها من مخلفات فلول المرتزقة والمجرمين والتكفيريين أعلنت رفضها الإعتراف بجوقة ‘جربا’ السياسية التي وجدت نفسها في مأزق، أضيف له مأزق استقالة 46 عضوا من الجمعية العامة وتهديد 6 مكونات بالإنسحاب في حال قرر ‘الجربا’ الذهاب إلى مؤتمر “جنيف 2″ قبل 6 أشهر على الأقل، في إنتظار تعديل موازين القوى على الأرض، وفق ما يتوهم الحالمون.
هذه المآزق المتراكمة وخيبة الفشل الواضح التي بدأت تستشعره الرياض، دفعها للقول عبر صحفية (عكاظ) السبت، أن “مؤتمر ‘جنيف 2′ المنوي عقده أواخر كانون الثاني الجاري سيفشل بظل الإحجام عن الحل العسكري في سوريا”.
هذا موقف رسمي سعودي واضح، يعبر عن فشل خيار الإرهاب ويصر على تغيير المعادلة في سورية والمنطقة من خلال حرب عسكرية نظامية على سورية وحزب الله مهما كانت الأكلاف. الأمر يتعلق بإستراتيجية جديدة وضعت أسسها في إطار التحالف السعودي الصهيوني بدعم أمريكي مباشر ليكون خيار ‘شمشون’ الأخير. وكل ما يقال عن قرار في جنيف لإعلان الحرب على الإرهاب وموافقة سعودية بتأليف حكومة سياسية لا تستثني حزب الله في لبنان، هي من قبيل ما استشعره سماحة السيد في إطلالته الأخيرة وسماه “خدعة”. وهو ما سنخصص له موضوع مقالتنا القادمة غدا بحول الله.
المشهد الجديد اليوم في سورية، جعل صحيفة “انترناشونال نيويورك تايمز” تنشر الاربعاء من هذا الأسبوع تحقيقاً كتبه من الرياض مراسلها ‘روبرت ويرث’ يصف فيه تخبط السياسة التي يتبعها حكام المملكة العربية السعودية ازاء الحرب بالوكالة في سوريا ضد نظام الرئيس ‘بشار الأسد’ وضد ايران، بالاعتماد على اسلاميين متشددين لا يمكن تمييز توجهاتهم وعقيدتهم في معظم الاحيان عن توجهات “القاعدة” وعقيدتها. الأمر الذي يؤكد أن السياسة الأمريكية والمقاربة السعودية في سورية وصلت اليوم إلى مأزق حقيقي. هذا توصيف دقيق لحال السياسة الأمريكية والسعودية والصهيونية اليوم في المنطقة.
الحرب خدعة والأذكى هو من ينتصر
من جهة أخرى، ينقل زوار أجانب للرئيس السوري’ بشار الأسد’ صورة تزيد من حنق السعودية وغضبها مؤداها، أن الرئيس ‘بشار’ مرتاح لمسار الحرب في سورية، وأن الجيش العربي السوري متحكم في الميادين ويحقق إنتصارات سريعة وحاسمة باستثناء اقصى الشمال والغرب حيث تدور معارك طاحنة بين إرهابيين و إرهابيين من أجل النفوذ والمغانم، وهذا هو ما يمكن وصفه بـ “تطرّف التطرّف”.
فيما يقول خبراء عسكريون سوريون، أن الصورة في حقيقة الأمر أبعد من “الإرتياح” الذي يشعر به الرئيس ‘الأسد’، بل يمكن القول أن الرئيس السوري يضحك في دمشق من غباء أمريكا وجهل السعودية، ويتابع بسخرية ما يمكن تسميته بحرب “الضد النوعي” أو “إرهاب ضد الإرهاب” أو “تطرّف ضد التطرّف” الذي إخترناه عنوانا لهذا المقال.
ومن حق الرئيس ‘بشار’ أن يضحك من أمريكا ويسخر من السعودية لأن “الحرب خدعة” يكسبها الأكثر ذكاءا ودهاءا، ولأن الرئيس ‘بشار الأسد’ هو من يتحكم اليوم في خيوط اللعبة ومقتنع تماما أن “داعش” لن تقهرها لا ‘جبهة النصرة’ ولا “الجيهة الإسلامية” وأخواتها وربيباتها وبنات خالاتها وعماتها وكل فصائل عائلتها الوهابية، بدليل أنها إستعادت اليوم عديد المواقع التي فقدتها وقررت سحق “الكفرة” الذين تمولهم السعودية ولا ينسجمون مع عقيدتها ونهجها، وبالتالي، الأسد غير مهتم بما تحاول فرضه الإدارة الأمريكية وحلفائها وأداوتها في مؤتمر “جنيف 2″ أو حتى “جنيف 17″.
ألم تقل روسيا قبل أيام أن شركائنا الأمريكيون عندما يجدون أنفسهم في مأزق سيطلبون مساعدتنا؟.. ألم تقل إيران كذلك قبل روسيا أنها غير متحمسة لحضور مؤتمر “جنيف 2″، وأنها لا تتصور كيف يمكن أن يكون الحل في سورية من دون دورها الإيجابي في المساعدة على حل الأزمة؟. ألم يقل ‘وليد المعلم’ و ‘عمران الزغبي’ وقبلهم الرئيس ‘الأسد’ أن سورية لن تذهب لتفاوض الإرهابيين في جنيف؟. فعن أية معارضة سورية يتحدث الأغبياء؟
تستطيع أمريكا والسعودية اللعب وفق قواعدهم الأنانية، لكن ما يقوله الخبراء اليوم، هو أن أمريكا تخسر والسعودية تخسر في حين يكسب ‘نوري المالكي’ في العراق ويكسب ‘بشار الأسد’ في دمشق، وتخلط طهران أوراق الرياض و واشنطن قبل مؤتمر “جنيف 2″ الذي تعتزم روسيا من خلاله إعلان الحرب على الإرهاب بقيادة الرئيس ‘الأسد’. كما أن دمشق ترفض محاورة ‘إرهابيين’ تسعى واشنطن جاهدة لتسويقهم بإتبارهم “معارضة معتدلة”، بدليل أنهم يحاربون الإرهاب، ولأجل ذلك هي الآن بصدد مراجعة قرارها بتزويد المعارضة السورية “المعتدلة” بمساعدات غير قتالية وربما بالسلاح في المدى المنظور، ما يؤشر لإستمرار الصراع إلى أجل غير مسمى.
هذا الأمر، دفع بالمسؤول الأمريكي ‘جيفري وايت’ للقول: إن “المعارك في المدى القصير تفيد النظام السوري وحده، كونها تستنفد ذخيرة وقوة المعارضة في محاربة ‘داعش’ وتفرض عليها تغيير مواقعها، أو إخلاء بعض المناطق”. وأشار إلى أن استراتيجية “جبهة النصرة” تبدو إنتهازية في هذه المرحلة، وتقضي بعدم التورط في الصراع ضد “داعش”، والإكتفاء بمحاولة الإستفادة من هذه المعارك بالتطوع كوسيط بين “داعش” و”الجبهة الإسلامية” لإستيعاب مقاتلين ينشقون عن “داعش”.
لكنه يخلص في النهاية إلى نوع من التوصية الإستراتيجية البديلة مؤداها: أن “الحسابات في المدى الأبعد ستختلف، وإن تأليف جسم عسكري جدي للمعارضة يحارب القاعدة وقادر على تنسيق عملياته، هو خطر على النظام”.
السعوديــة تعمــل علـى فشــل “جنيــف 2″
فشلت إذن إستراتيجية أمريكا التي كانت تركز على محاربة “داعش” بـ “فاحش” وأخواتها، ظنا منها أن “قد تساعد في ضمان حضور أقوى للمعارضة العسكرية في ‘جنيف 2′ في حال ألحقت هزيمة بـ”داعش”، لكن العكس هو الحاصل اليوم بعد أن بدأت “داعش” تسترد مواقعها على طول المساحة الشمالية من الحدود العراقية إلى الغربية وعلى أمتداد بوابات العبور مع تركيا وصولا إلى منطقة الأكراد في الشمال الغربي، وأن انسحابها من حمص كان لصالح النظام السوري الذي يتأهب لسحق ما تبقى من فلول الإرهابيين المتواجدين هناك.
السفير الأمريكي السابق ‘ريان كروكر’، نصح في تقرير له الأسبوع المنصرم، الإدارة الأمريكية بإعادة النظر في إستراتيجيتها الفاشلة هذه، والانخراط مع الرئيس ‘الأسد’ إذا كانت ترغب فعلا في محاربة الإرهاب، نظرا لتنامي نفوذ القاعدة بين الثوار الذين تسميهم الإدارة الأمريكية والسعودية اليوم بـ”معارضة معتدلة” في إشارة إلى الوحش المسمى”الجبهة الإسلامية”.
وختاما، ما يمكن قوله في هذع المرحلة، هو أن آخر المعلومات تشير الى أن السعودية لا تؤيد إطلاقا انعقاد مؤتمر “جنيف 2″ للخروج بحل سياسي للأزمة السورية، وستعمل الرياض كل ما في وسعها لعرقلته حتى لو اضطرها الأمر لخلط الأوراق على الأرض السورية بين الفصائل الإرهابية المقاتلة وعلى مستوى الإئتلاف الذي يبدو أنه في طريقه إلى الإنفجار لربح مزيد من الوقت في إنتظار الإعداد للإستراتيجية العسكرية الجديدة التي تعتزم من خلالها السعودية بالتحالف مع إسرائيل تغيير موازين القوى على الأرض السورية واللبنانية بالعدوان العسكري.
وفي إنتظار ذلك، سيستمر مشهد قتال الإرهابيين للإرهابيين في سورية، ونحن لا نملك أمام هكذا معظلة إلا الدعاء مع السوريين الشرفاء بالقول :”اللهم إضرب المجرمين بالمجرمين واخرج الأبرياء من بينهم سالمين”.. راجين من العلي القدير أن ينقلب السحر على أصحابه في الأردن وتركيا والسعودية وأوروبا والولايات المتحدة ولو بعد حين.