س البغدادي
24-01-2014, 10:44 PM
دراسة عن توقيت ظهور الإمام المهدي المنتظر(1)
لماذا النهي عن توقيت الظهور؟
كثر في الآونة الأخيرة من بعض الكتّاب تحديد وقت أو زمن أو تعيين العام (السنة) الذي سيظهر فيه الإمام عجل الله فرجه، وهذا يدل على تلهّف المؤمنين إلى سرعة تحقق البشارة النبوية التي ستقلب صفحات التاريخ وتغير مسار البشرية من الظلم والجور إلى العدل والقسط، وهذا ناشئ إما بسبب حبّهم الشديد لبقية الله عليه السلام، أو لجهلهم بحقائق الأمور.
حقيقة لابد أن نعرفها: بأن أئمة أهل البيت عليهم السلام - رغم كثرة ما تحدّثوا وأخبروا به عن الإمام المهدي عليه السلام ومميزات عصره وعلامات ظهوره.. إلا أنهم رفضوا التصريح عن توقيت يوم الظهور، لا بل بالعكس نهوا عن التوقيت، وأمرونا بتكذيب كل من يخبر بوقت الظهور.. لأن ذلك سر من أسرار الله، قد أخفاه جلَّ وعلا - لحكمةٍ –عن الناس.
أمثلة على التوقيت في العصر الحديث:
هناك بعض الكتّاب في الوقت الحالي من حدد السنة التي يظهر فيها الإمام المهدي عليه السلام بالضبط، إلا أنهم تغافلوا عن الحكمة في إخفاء وقت الظهور.. ومن الأمثلة على ذلك:
1 ـ كتب الاستاذ عبد محمد حسن كتاباً طبع بعنوان: (اقترب الظهور) كدراسة تتناول أحاديث أهل البيت عليهم السلام وأحداث العالم، وتستدل على قرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام وتؤقت له.. وحدد فيه تاريخ ظهور الإمام عجل الله فرجه يوم السبت 10 محرم 1429هـ الموافق 19 كانون الثاني 2008م.. وحدد في كتابه كثيراً من الأوقات لعلامات وأحداث لها علاقة بالظهور مثل:
18 حزيران إلى 24 تموز 2007 هطول أمطار شديدة.
21 تموز 2007 يوم جمعة خروج السفياني.
4 تشرين الأول 2007 ليلة جمعة في ليلة القدر، الصيحة والنداء من السماء بصوت جبرائيل عليه السلام.
19 كانون الأول 2007 مجزرة الكوفة على يد السفياني.
3 كانون الثاني 2008 مقتل النفس الزكية في مكة.
24 كانون الثاني 2008 الخسف في البيداء.
بداية تشرين الأول 2008 نزول النبي عيسى عليه السلام.
17 تشرين الأول 2008 فتح القدس.
2 ـ كتب الأستاذ جابر البلوشي كتاباً طبع بعنوان: (ظهور الإمام المهدي عليه السلام عام 2015م نبوءة قرآنية).. وحدد فيه ظهور الإمام عجل الله فرجه يوم السبت العاشر من شهر محرم عام 1437هـ، معتمداً في ذلك على علم الحروف من خلال القرآن الكريم.. وحدد في كتابه كثيراً من الأوقات لعلامات وأحداث لها علاقة بالظهور مثل:
2010م وضع حدود اسرائيل الدائمة، وخروج الأمريكان والبريطانيين من العراق.
2014م كويكب كبير الحجم يصطدم بالأرض ويسبب أعاصير وزلازل وفيضانات بتاريخ 21/3/2014م.
1436هـ خروج السفياني والخراساني واليماني.
2018م نزول السيد المسيح عليه السلام.
2019م إن الله سيدمر الولايات المتحدة الأمريكية بالرياح والأعاصير، بسبب كويكب قادم باتجاه الأرض.
3 ـ كتب الأستاذ فارس فقيه كراساً طبع بعنوان: (أنت الآن في عصر الظهور) وحدد فيه أسماء شخصيات عصر الظهور كالخراساني واليماني وشعيب بن صالح، وطبَّق مواصفاتها على شخصيات حالية.. كذلك لديه كراس آخر بعنوان (جميع الأديان تقول إنه عصر الظهور).
4 ـ الأستاذ ماجد المهدي صاحب كتاب (بدء الحرب الأمريكية ضد الإمام المهدي عليه السلام) كتب بحثاً عن التوقيت بعنوان: (هل التوقيت للظهور المبارك محرم أو منهي عنه؟؟؟ الروايات والعقل ينفي هذا.. وفيه يناقش موضوع التوقيت، وفيه يقول: إن عدونا يعرف قرب الظهور، ونحن نريد أن ندفن رؤوسنا تحت الرمال بحجج هي أوهى من خيط العنكبوت.(2)
5 ـ كتب الأستاذ شادي فقيه كتاباً طبع بعنوان: (أحمدي نجاد والثورة العالمية المقبلة) وقد كتب على الغلاف مانصه: بعض قادة الحرس: أحمدي نجاد هو قائد قوات المهدي التي ستحرر القدس.. بعض العلماء قالوا له: إن المشروع النووي مرتبط بظهور الإمام المهدي فلا تتهاون فيه.
6 ـ ذكر السيد محمد علي الطباطبائي في كتابه طبع المعنون: (مائتان وخمسون علامة) بعض الأوقات كتحديد لسنة ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه في الفصل الحادي عشر بعنوان: حسابات الحروف الأبجدية ودلالتها على توقيت الظهور، وقال: أورد ذلك كبقية العلامات إنما هو لمجرد الاحتمال غير المعتمد.(3)
7 ـ كتب السيد حسين حجازي كتاباً طبع بعنوان: (استعدوا فإن الظهور قريب) وقال فيه ما نصه: بدون أن نحدد تاريخاً للفرج، فإنه بمطالعة هذا الكتاب وبعد التأمل والتريث سنشعر بالآتي (الظهور قريب جداً) بعبارة أدق، حتى كبار السن يجب أن يكونوا على أمل رؤية مولانا في حياتهم.(4)
لم يقتصر توقيت الظهور أو ماله علاقة بالظهور على أتباع أهل البيت عليهم السلام فقط، بل هناك من أهل العامة من يوقت لظهور المهدي المنتظر عليه السلام ومن ذلك.
8 ـ كتب الأستاذ أحمد عبد الله زكي عميش(5) (مصر) كتاباً بعنوان: (ان المهدي المنتظر على قيد الحياة) طبع وفيه يستعرض (12) دليلاً يؤكد أن المهدي على قيد الحياة ـ أي ولد في العصر الحالي من وجهة نظره ـ وفيه يحدد سنة 1430هـ عام خروج المهدي، وقد قال ما نصه: أي نهاية عدَّنا حتى 1430هجرية عندها يخرج المهدي الأمين، أي باقي من الزمن 3 سنوات.(6)
9 ـ كتب الأستاذ بسَّام نهاد جرّار (فلسطين) كتاباً بعنوان: (زوال إسرائيل عام 2022م نبوءة أم صدَف رقميّة) وكلنا يعرف ارتباط زوال إسرائيل بالإمام المهدي عليه السلام.
حجج الموقتين:
كما يعبر عنها من لا يرى(7) أي اشكال في التوقيت، وليس هناك أي حرمة أو نهى لتحديد زمن ظهور الإمام المهدي عليه السلام:
أولاً: إن الأحاديث والروايات الشريفة التي تنهى عن التوقيت مفيدة وليست عامة مطلقة، وهي تفيد تكذيب من ينسب التوقيت إلى أهل البيت عليهم السلام، وذامّة لخصوص التوقيت المنسوب لهم عليهم السلام، أي أن الموقتين كاذبون إذا نسبوا لأهل البيت عليهم السلام توقيتاً لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه لأنهم عليهم السلام لم يوقتوا فيما مضى، ولا يوقتون فيما يستقبل.
ثانياً: هناك رواية تثبت أن الائمة من أهل البيت عليهم السلام قد وقتوا لشيعتهم في يوم ما، ولكن الله سبحانه وتعالى بدا له الأمر وبدل وقت الظهور، كما في هذه الرواية: عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: (يا ثابت إن الله كان قد وقت هذا الأمر في سنة السبعين، فلما قتل الحسين عليه السلام أشتد غضب الله فأخره إلى أربعين ومائة، فلما حدثناكم بذلك أذعتم وكشفتم قناع الستر، فلم يجعل الله لهذا الأمر بعد ذلك عندنا وقتاً، (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، قال أبو حمزة: فحدثت بذلك أبا عبد الله الصادق عليه السلام فقال: قد كان ذلك(8)) الرواية واضحة ـ وكما يقول ماجد المهدي ـ فلو كان التوقيت محرماً أو ممنوعاً فهل من الممكن للمعصوم أن يرتكب المحرم والممنوع.
ثالثاً: هناك روايات لأهل البيت عليهم السلام تمنع من التسمية للإمام الحجة عليه السلام، بل نفهم من روايات عديدة أن ذكر اسم الإمام المهدي عليه السلام ممنوع ومنهي عنه، بل ومحرم شرعاً، والأكثر من هذا أن هناك رواية بها لعن كل من يسميه في مجمع من الناس.. إذاً فكلنا ملعونون ونحن نسميه(9) باسمه الشريف عليه السلام ليل نهار، في التجمعات وعلى منابر الجوامع والحسينيات وعلى صفحات الإنترنت، ومن منا لا يعرف اسمه عليه السلام ؟!
إذا.. كيف يستقيم هذا مع ما لدينا من أحاديث وروايات عن أهل البيت عليهم السلام ذكروا فيها اسم الإمام المهدي عليه السلام، بل ويوجد لدينا حديث نقل عن أهل البيت عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أسماء الخلفاء أو الأئمة الاثني عشر الذين سيأتون بعده، كلاً باسمه، ومن يقرأ هذا الحديث سيعرف أن اسم الإمام المهدي عليه السلام هو: م ح م د بن الإمام الحسن العسكري.. ولذا يمكن تطبيق هذا على التوقيت كذلك.
رابعاً: الشيخ الكليني في (الكافي) عقد ثمانية أبواب لصاحب الزمان عجل الله فرجه سادسها بعنوان (باب كراهية التوقيت)، روى فيه خبرين عن الإمام الباقر عليه السلام وخمسة أخبار عن الإمام الصادق عليه السلام في نفي التوقيت لظهوره عجل الله فرجه، ويبقى أنه لماذا عبّر عنه بالكراهية دون الحرمة؟.. ويسأل ماجد المهدي عن السبب وراء تسمية الكليني لهذا الباب بكراهية التوقيت وليس حرمة أو منع التوقيت؟.
النهي عن التوقيت: (الروايات والعقل):
يدّعي البعض أنه بالإمكان التوقيت لظهور الإمام المنتظر عليه السلام، ومن خلال البحث ودراسة الأدلة الشرعية والعقلية، نجد أن النهي عن التوقيت من الأمور التي ورد التأكيد عليها في كثير من الأخبار والروايات، وإحالته إلى الله سبحانه وتعالى، ويستفاد من بعض الأخبار أن من وقت له عليه السلام وقتاً فقد شارك الله في علمه، والحكمة الإلهية اقتضت أن يكون وقت الظهور مجهولاً ومكتوماً عن الناس، كخفاء الأمور الأخرى، مثل ليلة القدر، أو وقت الموت.
إن العلة في النهي عن توقيت أو تحديد أو تعيين يوم الظهور يرتبط بالحكمة الإلهية وبالأسرار الكثيرة التي تكتنف سيرتة وحياته عجل الله فرجه كقضية الغيبة مثلا، لذا فالسر الأساس في عدم التوقيت في تقديرنا يرتبط بشؤون علم الغيب.. لذا سنجتهد في استشفاف جزء من حكمة أو علة النهي عن التوقيت، والحكمة من إخفاء وقت ظهوره عليه السلام، ويتضح لنا ذلك من الآتي:
أولاً: تحديد وقت الظهور منهي عنه لروايات عديدة وأخبار كثيرة صريحة في ذلك:
قد دلت عدة روايات شريفة على النهي عن التوقيت، أو تعيين وقت محدد لظهور الإمام عجل الله فرجه، وتكذيب من وَقّتَ لظهوره وقتاً معيناً، لأن ذلك سر من أسرار الله سبحانه وتعالى.. جاء في التوقيع الصادر عن الإمام المهدي عليه السلام بواسطة النائب الثاني محمد بن عثمان العمري: (وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره وكذب الوقّاتون)(10).. وجاء في توقيع الناحية المقدسة بواسطة النائب الرابع علي بن محمد السمريَّ: (... فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى..).(11)
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (أبى الله إلا أن يخالف وقت الموقتين)(12).. روى الصدوق عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: لما أنشدت مولاي الرضا عليه السلام قصيدتي التي أوّلها:
مَدارسُ آياتٍ خَلَت مِن تِلاوةِ
ومنزلُ وحيٍ مقٌفِرُ العَرَصاتِ
فلمّا انتهيتُ إلى قولي:
خُروجٌ إمامٍ لا مَحالةَ خارجٌ
يَقـوم على اسمِ اللهِ بالبركاتِ
يُميِّزُ فينا كُـل حَـقِّ وباطلٍ
ويَجزي على النَعماءِ والنَّقماتِ
بكى الإمام الرضا عليه السلام بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي:-
يا خُزاعيّ، نَطَق روحُ القدس على لسانِك بهذَين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟ فقلت: لا يامولاي إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد ويملؤها عدلاً كما ملئت جورا.. فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله عليه السلام ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.. وأما (متى) فإخبار عن الوقت، فقد حدثني أبي، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذريّتكَ؟ فقال: مَثَلُه مَثَل الساعة التي (لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً).(13)
وردت أخبار عديدة عن النبي وأهل بيته عليهم السلام تكذب وتؤكد على تكذيب كل من يوقت للظهور، وتنفي أن يكون أحد المعصومين عليهم السلام قد أخبر عن ذلك، فليس هناك توقيت لظهور الإمام أبداً، بل إن الأئمة الأطهار عليهم السلام كذّبوا كلّ من يقول بذلك.. فقد سأل الفضيل الإمام الباقر عليه السلام: هل لهذا الأمر وقت؟ فقال عليه السلام: (كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون)(14).. عن عبد الرحمن بن كثير قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم الأسدي فقال: أخبرني – جعلت فداك – متى هذا الأمر الذي تنتظرونه، فقد طال؟ فقال: (يا مهزم كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون)(15).. عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن القائم فقال: (كذب الوقّاتون، إنا أهل بيت لا نوقت، ثم قال: أبى الله إلا أن يخالف وقت الموقتين)(16).. عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من وقّت لك من الناس شيئاً فلا تهابن أن تكذبه فلسنا نوقّت لأحد وقتاً)(17).. اذاً المستفاد من مجموع الأحاديث والأخبار بأنه لا يجوز (التوقيت) باعتبار النهي الذي صدر من النبي وأهل بيته عليهم السلام.
قد يقول قائل: إن هناك فرقاً، بين أن يكون التوقيت منسوباً لأهل البيت عليهم السلام، أو منسوباً لغيرهم (أفراد عاديـين ممن ليسوا من أهل العصمة).. وأن التوقيت المأمورين بتكذيبه في أخبارهم عليهم السلام، هو المنسوب لهم فقط.. فيجاب على هذا القول أو الاحتمال:- بعدم ورود شيء من الأدلة المشيرة إلى ذلك في أخبارهم عليهم السلام، فتبقى أدلة المنع على عمومها في شمولها للمنع من صدور التوقيت منهم عليهم السلام أو من سائر الناس عموماً، وعليه فيكون التوقيت المأمورون بتكذيبه سواءً نسب إلى أهل البيت عليهم السلام أو إلى سائر الناس إعمالاً للعموم المستفاد من خبر الفضيل وغيره من الأخبار.
إذاً.. نستنتج من ذلك كله، أن وقت ظهور الإمام - روحي فداه - خاضع للإرادة الإلهية، وانتظار الإذن من الله له عليه السلام بالظهور.. وعليه فإن تحديد أو تعيين أي توقيت يعتبر جزافاً ومن غير أي دليل.. كيف وقد أجمع المؤمنون على أن وقت اليوم الموعود موكول إلى علم الله، مع الغموض التام بالنسبة إلى الناس، بل ظاهر بعض الروايات أنه خفي حتى على المعصومين أنفسهم، ومن هنا يكون تحديد أي تاريخ معين لظهوره عليه السلام جزافاً محضاً وكذباً صريحاً.
ثانياً: تحديد وقت الظهور يتعارض مع فلسفة الانتظار، ويؤدي إلى يأس وقنوط الأمة:
قد أخفى الله تبارك وتعالى وقت ظهور وليّه الحجة ابن الحسن عليه السلام لأهداف تربوية (نفسية وروحية) عظيمة، وليكون المؤمنون منتظرين له عليه السلام في جميع أوقاتهم.. ولنفترض أن التوقيت (جائز)، فماذا يترتب على تعيين وقت ظهوره عليه السلام من نتائج؟ مثلا: حدد بعد الف عام.. إن المؤمنين سوف يفقدون روحية الانتظار، وسيفقدون تبعاً لذلك حالة الارتباط المعنوي والوجداني بإمامهم الغائب عليه السلام، وسيكون الأمر أقرب إلى الاسطورة من الواقع، وإلى الخيال من الحقيقة، فتموت وتحلل القضية المهدوية تدريجياً لدى الأجيال المتلاحقة، وهذا الموت والتحلل التدريجي قد حصل على صعيد عقيدة التوحيد عند الأمم السابقة، فما الذي يمنع دون حصوله بصدد القضية المهدوية لدى هذه الأمة؟.. وحينها لا تجد من يتحمس للقضيه المهدوية، ولا من ينشدها بهمة عالية، ولماّ وجد المنتظرون الذين يحملون علاقة الحب والارتباط بالقضية كما شهدناها في التاريخ ونشهدها اليوم.
إن أهل البيت عليهم السلام أمتنعوا عن التوقيت لأنه بعلمهم اللدني وما وهبهم الله سبحانه وتعالى من حكمة ومعرفة، فهموا أنهم لو أطلعوا شيعتهم على وقت ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وبالتأكيد سيكون بعد قرون عديدة كما نحن متأكدون منه الآن وليس في زمان قريب من وقت إخبارهم بالوقت المعلوم، فهذا لن يكون في صالح الأمة والموالين، وسيصاب المؤمنون بيأس من ظهور صاحب الزمان عليه السلام، وربما أدى ذلك إلى فتنة كبيرة تصيب الأمة الإسلامية.. روى علي بن يقطين قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: يا علي الشيعة تربى بالأماني...... لو قيل لنا إن هذا الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة وثلاثمائة سنة ليئست القلوب وقست ورجعت عامة الناس عن الإيمان بالإسلام، ولكن قالوا ما أسرعه وأقربه، تآلفا لقلوب الناس وتقريباً للفرج.(18)
إن النهي عن التوقيت من أهم مقومات انتظار الفرج، وأحد أبرز ركائز بنائه، وعليه فإن البحث أو السؤال عن وقت ظهوره عليه السلام، خطأ كبير يقع فيه من لا يعي فلسفة الانتظار، تلك الفلسفة التي تجعل المؤمن في حالة الترقب الدائم والانتظار المستمر لإمامه المهدي عليه السلام.. ففي حالة تعيين وقت ظهوره للناس، فإن الإعداد والاستعداد والنفير وغير ذلك مما هو مرتبط بمسألة انتظار الفرج، سوف لا يكون مبرراً، إذ أن هذه الأمور مرتبطة بعصر قبل ظهوره بقليل.
لعل بعض أسرار الحكمة في إخفاء وقت الظهور، هو أن يبقى المؤمنون عبر القرون ينتظرون الإمام عليه السلام فيثابون على هذا الانتظار المر، فالانتظار يدعو المؤمنين إلى الاستقامة والتقيد بأوامر الشريعة الغراء ونواهيها، باعتبار أن ظهور الإمام عليه السلام سيكون مباغتاً.. فلو كان وقت ظهوره المبارك معروفاً ومحدداً مسبقاً، لما كان هذا الانتظار، ولكانت الآمال تنقلب إلى اليأس، ولحرم المؤمنون ممن لم يكونوا قريبي العصر من وقت الظهور ثواب الانتظار.. روي عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة).(19)
اذاً.. نستنتج من ذلك كله: أن المؤمنين المخلصين سوف يصابون بإحباط وخيبة أمل، عندما يعرفون وقت ظهوره عليه السلام ويكون بعيداً جداً عن عصرهم مما سيؤدي إلى الكسل والخمول وعدم توفر الدافعية للإخلاص أكثر وأكثر، وتلاشي الطموح بأن يصبحوا من أنصاره وأعوانه، وكذلك عدم الدعاء له بتعجيل الفرج.. فمن رأفة الله ورحمته بهذه الأمة، أن جعل وقت الظهور مجهولاً عند الناس، فلا ينتابها اليأس أو يفتك بها القنوط، بل جعلها في حالة ترقب دائم وانتظار للفرج.
ثالثاً: تحديد وقت الظهور يؤدي إلى فشل حركة الإمام المنتظر عليه السلام في بداية ظهورها:
إن توقيت ظهوره توقيت أكثر من دقيق وأكثر من حكيم، ولهذا يعتبر وحدة نصف الخطة، ومن أهميته فرض انتظاره مئات السنين.. إن الحكمه الإلهية شاءت أن يكون وقت ظهور الإمام المنتظر عليه السلام فجائياً من أجل إنجاح اليوم الموعود (يوم الفتح)، باعتبار أن تاريخ وقت ظهوره لو كان محدداً معروفاً مسبقاً، لكان من أشد العوامل على فشل الثورة العالمية وفناء الدولة العادلة، فإنه يكفي أن يحتمل الأعداء ظهوره في ذلك التاريخ، فيجتمعوا للقضاء عليه في أول أمره وقبل نجاح ثورته واتساع حركته.
إن عنصر المفاجأة في يوم ظهور الإمام ووقته له أثر فعّال في نصره عليه السلام وانجاح ثورته.. ثم إن وقت الظهور وإن كان محدّداً في علم الله الأزلي المتعلق بكل الممكنات أو المخلوقات بأسبابها ومسبباتها، إلا أنه بالنسبة إلى علله وشرائطه ليس له وقت محدد.. ويمكن توضيح ذلك: إن تعيين وقت ظهوره عليه السلام للناس سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى معرفة أعداء الإمام عليه السلام الموعد، فيهيئون الأرضية المناسبة للقضاء عليه وإفشال مخططه، وذلك بايجاد أعدائه الاستعداد العسكري والأمني للقضاء عليه.. ومن جهة أخرى يعني عدم تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق وعد الله، وذلك خلاف الحكمة وغير جائز على الله تعالى، لأن الله لايخلف الميعاد.. وهنا نجد أن معنى عدم تهيئة الظروف، هو عدم إيجاد الرجال الممتحنين الذين هم شرط الظهور، وكذلك فقدان القواعد الجماهيرية التي تكون كذلك بما لديها من إيمان بالعقيدة المهدوية.. ولكن مع وجود الفاصلة الزمانية الكبيرة التي تفصل جيل من الأجيال عن وقت الظهور المحدد مسبقاً (افتراضاً لو كان هناك توقيت)، فهذا سيؤدي إلى انعدام إيجاد بعض الشرائط، مما يقتضي انعدام الظهور أساساً بحيث لايعقل تحققه، وانعدام بعضها الآخر يقتضي فشله ومن ثم عدم إمكان نشر العدل الكامل المستهدف في التخطيط الإلهي الكبير(20).. إذن فلا بد من تهيئة الظروف، لكي يمكن تحقق الظهور ونجاحه وهذا لايتم إلا بالامتناع عن التوقيت والنهي عنه.
رابعاً: تحديد وقت الظهور يتنافى مع تجارب الأمم السابقة (قصص الأنبياء):
إن التوقيت بمعنى تحديد أو تعيين وقت الظهور، منهي عنه، لذلك وردت أحاديث عديدة في عدم التوقيت أو تحديد ظهوره عليه السلام.. لكن إلى جانب ذلك جُعلَت له علامات يتم بها معرفة موعد البشارات والفرج.. اذاًً فدراسة (علامات الظهور) ومراقبة الأخبار والأحداث في الأمة الإسلامية، ومراقبة التغيرات الدولية أو الظواهر والأحداث الكونية، نستنتج منها حصول حالة معينة يستشف من خلالها احتمالية قرب الظهور، فالروايات الصادرة عن أهل بيت النبوة عليهم السلام تحدثت عن زمن الظهور وسمّت علامات متعارف عليها بعلامات الظهور (منها المحتوم ومنها العادي)، ولكن من غير تحديد لتاريخ أو سنة معينة، كحصول الصيحة في رمضان (مثلاً)، فهذا المعنى من الاحتمالية ليس منهي عنه.. بل ورد في الروايات، عن الإمام الصادق عليه السلام: (إن قدام القائم علامات تكون من الله تعالى للمؤمنين)(21).. قال الإمام الصادق عليه السلام: (خمس قبل قيام القائم عليه السلام: اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية)(22).. عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك متى خروج القائم عليه السلام فقال: يا أبا محمد إنا أهل بيت لا نوقت، وقد قال محمد صلى الله عليه وآله وسلم: كذب الوقاتون، يا أبا محمد أن قدام هذا الأمر خمس علامات أولهم النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء)(23).. عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض وجراد في حينه وجراد في غير حينه كألوان الدم، فأما الموت الأحمر، فالسيف، وأما الموت الأبيض فالطاعون)(24).. عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: قال (قدام القائم عليه السلام لسنة غيداقة يفسد فيها الثمار والتمر في النخل، فلا تشكّوا في ذلك)(25).. وروايات عديدة وكثيرة في ذكر العلامات ونستشف من خلالها قرب الظهور.
من خلال استقراء التاريخ، وقراءة تجارب الأمم السابقة، نجد أنها تعرفت على موعد بعثة الأنبياء والرسل التي تنتظرهم من خلال علامات لديها اكتشفت احتمالية قرب ظهور النبي أو الرسول المنتظر.. فمثلاً قصة نبي الله موسى عليه السلام، فالتاريخ القديم يحدثنا حين كان فرعون يقتل الذكور من بني إسرائيل ويبقى على الإناث أحياء (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).(26)
ففي القرآن الكريم لم يرد أكثر من هذه العبارة، ولكن الروايات شرحت لنا أن هذا القتل إنما قام به جلاوزة فرعون بناءً على علامات حددت زمن ظهور النبي الموعود لبني إسرائيل، الذي على يديه هلاك فرعون، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لماّ حضرت يوسف عليه السلام الوفاة، جمع شيعته وأهل بيته فحمد الله وأثنى عليه، ثم حدثهم بشدة تنالهم، يقتل فيها الرجال وتشق بطون الحبُالى وتذبح الأطفال، حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل أسمر طويل، ونعته لهم بنعته، فتمسكوا بذلك ووقعت الغيبة والشدّة على بني إسرائيل، وهم منتظرون قيام القائم أربعمائة سنة، حتى إذا بُشروا بولادته (ورأوا علامات ظهوره)، واشتدت عليهم البلوى)(27).. فعندما حدد زمن ظهور النبي الموعود موسى عليه السلام بناءً على علامات، قرر فرعون عندها التخلص من كل المولودين في زمن الظهور، وذلك بقتل كل طفل يحتمل أنه سيُفني حكمه، والعجب العجاب أن الوليد المنتظر تربى في كنف فرعون نفسه ـ القصة معروفة ومشهوره ـ فكان النبي الموعود.. لم يرد في القرآن ولا التوراة أن هناك توقيتاً للظهور معروفاً ومحدداً، ولكن الروايات تقول إن هناك علامات استند عليها فرعون، حيث استطاع تحديد وقت الولادة.
كذلك كلنا نعرف قصة المجوس الذين جاؤوا من ناحية فارس متبعين نجماً في السماء (علامة ظهور) حتى وصلوا إلى بيت لحم ووجدوا مريم عليها السلام وقد ولدت النبي الموعود (عيسى عليه السلام) وأيضاً لم يكن هناك توقيت معروف أو محدد للظهور، بل استشف من خلال علامات (علامة كونية).. كما نعلم أيضاً قصة لقاء الرهبان للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو لا يزال يافعاً حين كان مرافقاً لعمه (أبي طالب) في رحلة إلى الشام، وكيف أنهم حددوا فيه صفات النبي العربي الموعود وهو غلام من خلال علامات لديهم (غمامة بيضاء تظله، خاتم النبوة بين كتفيه، و....) ومن ذلك حديث بحيرى الراهب ولقائه بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد عرف النبي بصفته ونعته واسمه ونسبه قبل ظهوره بالنبوة وكان من المنتظرين لخروجه بناءً على علامات لديه(28).. ومن ذلك حديث سلمان الفارسي فإنه لم يزل يهاجر من بلد إلى بلد ومن راهب إلى راهب ويبحث عن الأسرار ويستكشف الأخبار منتظراً خروج سيد الأنام محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما أيقن بخروج الفرج وبشر بولادته توجه نحو مكة(29).. وقد حدثنا القرآن الكريم عن لسان النبي عيسى عليه السلام أنه أخبر قومه عن بشارة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ)(30).. وغير ذلك من الروايات والقصص التاريخية والتي نعرف أن الأمم السابقة كانت لديهم علامات يعرفون من خلالها إرهاصات وقت خروج أو ظهور النبي الموعود المنتظر، وبناءً على ذلك لم نجد من حدد وقت ظهور نبي منتظر وموعود إلا باستشفاف حالة معينة يكتشف من خلالها قرب الظهور، أما كتوقيت فلم يحصل في الأمم السابقة ولا في الأمة الأسلامية كقضية المهدي المنتظر.. وقد قال السيد محمد صادق الصدر (رحمة الله): (إن العلامات لو وقعت لدلت على قرب الظهور، وهذه قضية صادقة لا تشتمل على التوقيت المنهي عنه على الإطلاق، وإنما هي توقيت إجمالي.. باعتبار أنه يبقى مردداً بين اليوم والأيام، بل بين العام والاعوام، فإن تخلل عشرة أعوام مابين ظهور العلامة القريبة وظهور المهدي عليه السلام، غير ضائر بكونها قريبة، لضآلة هذه الأعوام العشرة تجاه الزمان الطويل السابق عليها، ومعه فلا تكوَّن تحديداً، ولا تندرج في الأخبار النافية للتحديد)(31) ، وبهذا تكون النتيجة: أن كل تحديد لتاريخ يوم الظهور كذب وواجب الرفض إلا إذا كان مستنداً إلى حدوث علامة من العلامات القريبة، فإنه يكون صادقاً وجائز التلقي بالقبول.. مع العلم، أن هذه العلامات لاتدل على أكثر من اقتراب اليوم الموعود وأما تحديده باليوم والشهر ونحوه، فيبقى سراً في علم الله تعالى، حتى يتحقق الظهور).(32)
ولهذا فالروايات تؤكد على تكذيب من يدّعي معرفة وقت الظهور.. وأما حساب الموقتين والمنجمين وأصحاب علم الأرقام والحروف والذين يدّعون الأخبار عن المغيبات والأسرار في هذا الزمان فلا يعتد بهم ولا يعتمد على توقيتاتهم، خاصة مع الأخبار المسبقة من أهل البيت عليهم السلام بتكذيب كل من يُخبر بوقت الظهور، كائناً من كان.
خامساً: تحديد وقت الظهور يتعارض مع سنن الله في مسألة التمحيص والتمهيد:
إن الهدف من خلق الإنسان هو عبادة الله سبحانة وتعالى، الغاية الأساسية من إيجاد العبادة الكاملة والصحيحة، ونشرها في ربوع الأرض، والمتمثلة بتوجيه العقيدة والعبادة الخالصة إلى الله عليه السلام، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(33).. من هنا نعرف أن الهدف الإلهي المقصود لإيجاد الخليقة هو الحصول على الكمال العظيم المتمثل بـ (34):
1- إيجاد الفرد الكامل:
يعيش الفرد حرية الاختيار، ويتجرد من كل شيء سوى إخلاص عبادة الله.
2- إيجاد المجتمع الكامل:
مجموعة من الأفراد يعيشون على مستوى العدل الإلهي.
3- إيجاد الدولة العادلة:
تحكم المجتمع بالحق والعدل وبشريعة الله.
ولذا كثر عدد الأنبياء من أجل إعداد البشرية وتربيتها للوصول إلى هذا المستوى اللائق، وإفهامها النظرية الكاملة للتشريع الإلهي (العدل)، والذي يريد الله تعالى تطبيقها على وجه الأرض، وبها يتحقق الهدف الأساس لإيجاد البشرية.
ولعل أعظم أهداف الخلقة استقلال طائفة من البشر بوظائف العبودية من مرشد سماوي وقائد رباني مع بقاء الدين وحفظه من التحريف، ولذا جاءت الأخبار الدالة على أن انتظار الفرج أفضل الأعمال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل العبادة انتظار الفرج)(35).. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج)(36).. اذاً عبادة الانتظار هي الحكمة والمصلحة العظيمة من الغيبة.
اليقين الذي نملكه بأن دولة الإمام المهدي عليه السلام سوف تطبق العدل الكامل، وهذا وعد إلهي صريح للمؤمنين.. فعندما يتهيأ الوقت المناسب في كل الأمور، وتصبح الأوضاع مساعدة، فإن الله عليه السلام سيظهر منجي العالم ولتبدأ عملية إنقاذ البشرية من الظلم والجور، ونشر العدل والقسط.. ولكن لابد لهذا اليوم الموعود من شروط ومقومات تحقق نجاحه، وإرهاصات تسبقه تهيء الأرضية المناسبة للانتصار، ومن هنا نعرف أن اليوم الموعود منوط باجتماع شرائط الظهور.. ولم يبق من شرائط الظهور(37) التي لم يتمخض التخطيط الإلهي عن إيجاده، ولم يحدث حتى الآن أمران(38):
الأمر الأول: تربية الأمة ككل من الناحية الفكرية، حتى يكون لها القابلية لاستيعاب وفهم وتطبيق القوانين الجديدة التي تعلن بعد الظهور.
الأمر الثاني: تربية العدد الكافي للنصر في يوم الظهور من الأفراد المخلصين الكاملين الممحصين، الذين يكونون على مستوى التضحية والفداء لتطبيق الأطروحة العادلة الكاملة.
وهذان الأمران يحدثان تدريجياً ونتيجة للتربية الطويلة والبطيئة للأمة، وتحت ظروف وخصائص التمحيص والاختبار.. ولولا التخطيط الإلهي لإيجاد شرائط الظهور، باعتبار استهدافه لليوم الموعود، لأمكن عدم تحقق شيء من هذه الشروط في أي وقت من عمر البشرية الطويل، ولكن الله تعالى، وهو اللطيف الخبير بعباده، شاء أن يتفضل على البشرية باليوم الموعود، وأن يربيها لأجل أن يزرع فيها بذور المسؤولية تجاهه وإيجاد الشروط التي بها تستطيع تكفل مسؤوليته.
ليس هذا فقط، بل من عدل الله سبحانه وتعالى ورحمته أن جعل الفرصة متاحة لكل البشر.. فالحكمة والفائدة من فترة الغيبة وطول المدة وكل ذلك التأخير هو التمحيص والاختبار والغربلة حتى يتميز المؤمن الحقيقي عن غيره، وتظهر كوامن النفوس وحقيقة المدعين بتطبيق الحق والعدل، وتنكشف خبايا المتلبسين بلباس الدين وزي الناسكين، وما اشتملت عليه الصدور، قال الله سبحانه وتعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(39).. عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: (لابدّ للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا وسيخرج من الغربال خلق كثير)(40).. وعن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: (والله لتميزن والله لتمحصن والله لتغربلن كما يغربل الزوان من القمح)(41).. فبالتمحيص يعض الزمان وتنكشف حقائق المدعين، وتكشف عورات المتسترين، وتعرف مضمرات القلوب.. إن استجابة الناس لظروف التمحيص والاختبار والتمهيد تتفاوت من فرد إلى آخر، فمنهم من يستثمر ظروف الامتحان والتمحيص ما أمكن في تربية ذاته وإعدادها بالتوجيه العبادي السليم والمحافظة على الهوية العقائدية والتمسك بالأهداف والفضيلة (مشاعر الانتظار الوجدانية تجاه الإمام الغائب والاتجاه نحو الولاء لقياده الإمام، وتحملهم مسؤولية مواجهة الواقع الفاسد بإرادة صلبة، وتجديد البيعة للإمام المنتظر عليه السلام).. وبعض الناس يضعف أو يرسب في امتحان التمحيص فيجد نفسه كما أنبأت الروايات في براثن انحراف كبير بنفس مستضعفة قد تكون راغبة في الخلاص من الفساد، لكنهَّا بسبب عجزها الداخلي وقبولها المذل بالطاعة للظالم تبقى أسيرة مستلبة الإرادة.
إذاً: التمحيص ينتج أفراداً يكتسبون درجةً عاليةً من الإيمان وقوة الإرادة، نتيجة لردود الفعل الصحيحة تجاه ظروف الظلم والطغيان، وهؤلاء المؤمنين المخلصين تتفاوت درجاتهم:
الدرجة الأولى: قادة الجيش (أصحاب الإمام عليه السلام 313) لهم دور كبير في قيادة الجيوش وفتح البلاد وإدارة الأمور، وأثبت التمحيص والاختبار جدارتهم وقدرتهم وكفاءتهم على التضحية في سبيل الأهداف الإسلامية العليا، وقد أختُيروا بعناية خاصة.
الدرجة الثانية: أفراد الجيش (انصار الإمام عليه السلام) وهم المؤمنون الصالحون الذين يلتحقون بالإمام المهدي عليه السلام وينضوون تحت لوائه ويحاربون أعداءه، وأثبت التمحيص والاختبار أن لهم نصيباً وافراً من الإيمان الكامل والعقيدة الراسخة، وهم أقل امتيازاً من الأصحاب الـ (313).
إن الاطلاع على شرائط وأسباب الظهور وبالخصوص الشرطان (الأمران: الأول والثاني) ومالهما من تأثير واقعي في إيجاد يوم الظهور.. وهل تحققا فعلاً أم لا؟.. فهو مما لايمكن أن يعرفه الناس إلا عند الظهور، فمن المتعذر تماماً التأكد من اجتماع شروط وأسباب الظهور، فمن ذلك حصول العدد الكافي من المخلصين الممحَّصين في العالم.
وهذا مما لايكاد يمكن التأكد منه لأحد من الناس الاعتياديين، لأنه لايمكن أن نعلم في الأشخاص المخلصين أنهم وصلوا إلى الدرجة المطلوبة من التمحيص أو لا.. وبناءً على ذلك: فاليوم الموعود ليس لدينا أي وقت محدد له، وإنما هو منوط بحصول شرائطه وعلله، ولذا يمكننا أن نقول: متى اجتمع العدد الكافي من المخلصين الممحَّصين للفتح العالمي المهدوي، كان يوم الظهور ناجزاً، سواءً كان زمان وجودهم والفترة التي تقتضى تحققهم.. طويلة جداً أو قصيرة.. وهذا دليل آخر على أن التوقيت (بمعنى تحديد أو تعيين وقت الظهور) كذب محض وبدون أي دليل، فعلمه موكّل إلى الله عليه السلام، وغموض تام بالنسبة إلى الناس.
إن التمحيص والتمهيد هو السر في عدم التوقيت، وذلك لإيجاد وتحقق شرائط الظهور، فلم يحجب وقت الظهور (وتحديد زمانه) سوى خوف الانتشار المؤدي إلى عدم تحقق الهدفين المنشودين.. ومن هنا، فكيف يكون اختبار تصديق الناس وتسليمهم لظهور الإمام المهدي عليه السلام الذي لم يعرفوا وقته، ولم يعلموا زمانه؟؟.. وكيف يكون ثباتهم وصبرهم على أمر لم يطلّعوا على حين تحققه، فيمتُحنون به؟؟.. فيتبين الحال وتظهر حقائق الرجال، ولذا: اقتضت الحكمة الإلهية البارعة إخفاء زمان الظهور وعدم توقيته.
تعليمات أهل البيت عليهم السلام بالابتعاد عن التوقيت:
ثبت تأكيداً النهي عن تعيين أو توقيت موعد محدد لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه، ولكن البعض يقول: أنه بالاستعانة بعلم الحروف أو الجمع بين الروايات أمكنه تحديد وقت ظهور ولي الأمر روحي لمقدمه الفداء على كل حال نحن نخطِّئ ونكذِّب كل من يتكهن بوقت الظهور، لأن التوقيت خلاف للشرع الإسلامي ولتعليمات أهل البيت عليهم السلام، ومنهي عنه في عشرات الأحاديث والروايات الشريفة.. لما له من أضرار على المجتمع الإسلامي وعلى المؤمنين: فإذا تمّ تعيين وقت ظهور الإمام عجل الله فرجه وصدّق بعض الناس ذلك، إماّ بسبب حبهم الشديد للمنتظر أو لجهلهم بحقائق الأمور، ولم يحصل الظهور عملياً، فإن اعتقادهم سيتزعزع في هذه الحالة.. يذكر السيد حسن الأبطحي في كتابه (المصلح الغيبي) القصة التالية: (أذكر قبل عشرين عاماً في إيران أن أحد الناس رغب في البهائية وأحبها، فذهبت إليه أستطلعه عن سبب تغييره الفكري، فنقل لي القضيّة التالية، فقال:
قبل عدة سنوات اعتقدت ووثقت بأحد أولياء الله تعالى إلى درجة أنني تصوّرت أنه لم يبلغ أحد منزلته العلميّة والفكرية. وفي أحد الأيام قال لي: في العشرة الأخيرة من شهر جمادى الآخرة من هذا العام سيظهر صاحب الزمان عجل الله فرجه، وشرح لي أنّه بالحساب وجمع ونقل الروايات والرؤيا الصادقة وغير ذلك، تمكن من استنتاج ظهور الحجة عجل الله فرجه في هذا الوقت. فانقطعت عن العمل مع بعض الإخوة الآخرين الذين اعتقدوا مثلي بروايته وبقينا قلقين نترقب ظهور الحجة عجل الله فرجه في ذلك اليوم الموعود، ولكن وبعد مرور الموعد المحدد وحتى بعده بأيام وأسابيع وأشهر لم يظهر صاحب الزمان فأصابني هلع فكري، وبدأ الشك يتسرّب إلى قلبي وروحي ونفسي وعقلي بكل شيء، وأخيراً قلت لنفسي: ألا يجوز أن تكون بقية القضايا التي يطرحها علينا الأولياء ويريدون منّا تصديقها، مثل هذه القضيّة، سراب في سراب؟ وبدأ اعتقادي يتزعزع قليلاً قليلاً، فانحرفت إلى مذهب البهائية، ذلك المذهب الذي لا يتقيد بأي شيء على الإطلاق).(42)
ولهذا فإن النصوص الشرعية حثت المؤمنين على ترك الاستعجال في أمر ظهور الإمام المنتظر عليه السلام، عن عبد الرحمن بن كثير قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم فقال له: (جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظر متى هو؟ فقال: يا مهزم كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلّمون)(43) ، فالأئمة عليهم السلام يطلبون من القواعد الشعبية المؤمنة بالتريث وعدم العجلة، وخاصة في حالة ظهور المهدي عليه السلام.. فالاستعجال تعبير واضح عن قلق النفس واضطرابها، واليأس من تغيير واقع الظلم السياسي والاجتماعي الموجه ضد الجماهير المؤمنة، ولذا فالاستعجال ردة فعل لمن ليست لديهم القدرة على الصبر وتحمل الأذى، أو التحرك في الحياة بمفهوم إيجابي للانتظار، وليست لديهم حالة كبيرة من الاستعداد النفسي لتغيير واقعهم الفاسد.. كذلك يترك (الاستعجال) قلقاً عصابياً في النفس إذا طالت فترة الغيبة الكبرى، مما يؤدي إلى فشل هؤلاء المستعجلين في التغيير، حيث يتفجر حقدها، وتيأس، ويذبل الأمل لديها.
في مثل هذه الظروف (إطالة فترة الغيبة الكبرى) فإن أئمة أهل البيت عليهم السلام أخذوا يوصون أولياءهم ومحبيهم وشيعتهم بالأهتمام بهذين الأمرين الأساسيين:
أولاً: انتظار الفرج:
والذي عبرت عنه الروايات بأنه أفضل العبادة، فقد مدحت أخبار أهل البيت عليهم السلام المنتظرين لخروجه، كما وضحت كيفية هذا الانتظار وشروطه، كما بينت تكاليف المنتظرين في زمن الغيبة الكبرى.. عن أمير المؤمنين عليه السلام: (انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحب الأعمال إلى الله عليه السلام انتظار الفرج مادام عليه العبد المؤمن، والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله)(44).. ولتوضيح معنى الانتظار: جاء في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (من سره أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة)(45).. ولكن التوقيت والاستعجال وعدم الصبر من الأمور المنهي عنها، وتتعارض مع معنى الانتظار الإيجابي، سئل الإمام الجواد عليه السلام لم سمّي المنتظر قال: (لأن له غيبة يكثر أيامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيه الوقّاتون، ويهلك فيه المستعجلون، وينجو فيه المسلّمون).(46)
والمعروف أن الانتظار هو حالة ترقب واستعداد وتهيئة النفس والمساعدة في تهيئة الظروف والتمهيد لقرب الظهور.. وأجلى مصاديق الانتظار هو الاطلاع على (الثقافة المهدوية) والتشبع بها، ومتابعة كل ما يرتبط بالإمام الغائب عجل الله فرجه، ومعرفة شرائط الظهور وعلاماتة، والحرص على متابعة العلامات ومطالعة الأحداث التي تسبق ظهور القائم عليه السلام.. فالمعروف من حالة المنتظر لقدوم غائب أو عودة مسافر تكون بتأمل الطريق وملاحظة علامات وشروط القدوم، خاصة إذا كان المنتظَر أكثر محبوبية وأعظم نفعاً، فتزداد حالة الترقب والتلهف والشوق والاستعداد لحصول حالة اللقاء.. والأهم من هذا وذاك هو إعداد النفس لتتأهل لنصرة الإمام عليه السلام والسير في ركبه، فلا يسع المنتظِرون للإمام المهدي عليه السلام والمترِقِّبون للفرج إلا المداومة في تعديل السلوك وتصحيح الأعمال وتطبيقها على ضوء الشريعة الإسلامية تحسباً لظهور القائم عجل الله فرجه، وذلك باتباع الآتي:
1 ـ أن نجعل من أنفسنا شخصياتٍ إسلامية واعية، وذلك بتعميق الوعي العقائدي، والالتزام بالسلوك الإسلامي الصحيح.
2 ـ تهيئة النفس وتربيتها على التضحية والبذل والجهاد في سبيل الله والممارسة الفعلية للعطاء والتضحية.
3 ـ علينا أن نقوم بدور التمهيد لظهوره عليه السلام وذلك ببث الوعي الإسلامي الصحيح على أوسع نطاق في العالم.
وهذا هو المعنى الحقيقي الإيجابي للانتظار.. وهنا يتجلى الدليل في تأكيد الأخبار على أن: (أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج)(47).. كما رُوىِ عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام.
وطالما أن قضية الانتظار ترتبط بالفكر والعقيدة المهدوية، فإنه يمكن النظر إلى هذا المفهوم من ثلاثة آثار وهي:-
1 ـ الأثر المعرفي: ويعني ثقافة الانتظار وأحكامها، ومعتقدات المنتظرِين وأفكارهم وما لديهم من أدلة وبراهين لتأييد عقيدة المهدي المنتظر، واستشراف حوادث المستقبل وأخذ الموقف الشرعي تجاهها.
2 ـ الأثر الوجداني: ويتمثل في المشاعر السيكولوجية المؤثرة سلباً وإيجاباً في المنتظرِين للمهدي الموعود عليه السلام ويشمل كآفة الاستعدادات النفسية والذهنية وقبول تحديات ومشاكل عصر الغيبة.
3 ـ الأثر السلوكي: توجيه الإنسان المنتظر.. سلوكياً وأخلاقياً نحو تطبيق مناهج الإسلام المختلفة في الحياة، وممارسة المنتظرين للأحكام الإسلامية والأعمال العبادية حسب الفكر والعقيدة المهدوية في عصر الغيبة.
ثانياً: الدعاء بتعجيل الفرج:
إن الدعاء وسيلة حيَّة وفاعلة للتعبير عن هموم المنتظرين وآمالهم، لما له من إسهام في تهيئة الظرف المؤهَّل لاستقبال الإمام عجل الله فرجه، بالإضافة لكونه دليل صدقٍ للإيمان بالعقيدة المهدوية والإيحاء بها مما يؤدي إلى تركيزها في نفس المؤمن المنتظِر.. فالدعاء بتعجيل فرج الإمام عجل الله فرجه يشعر المؤمن أنه يعيش ذكر إمامه الغائب، فيعمر قلبه دائماً بالشوق والحنين إليه عليه السلام، فالدعاء من الروابط العظيمة والحبال المتينة ودلائل المحبة.
إن الأخبار والروايات عن أهل البيت عليهم السلام حثت على الدعاء بتعجيل الفرج، لما فيه من فوائد عظيمة، وقد كتب العلاّمة الحجّة السيد محمد تقي الموسوي الأصفهاني في ذلك سفراً كبيراً أسماه (مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم عليه السلام)، ويكفى في ذلك ما جاء عن الإمام المهدي عليه السلام حيث قال: (وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإنه فرجكم)(48).. فمن الآداب العملية في عصر الغيبة الدعاء للإمام المهدي عليه السلام بأن يعجل الله تعالى فرجه، وان يحرسه من كيد الأعداء وينصره عليهم، خاصة وأنه إمام العصر والزمان، أي إمامنا الفعلي، مما يفرض علينا آداباً تجاهه، ولا أبسط من ذلك معرفته والدعاء له.. قال زرارة بن أعين للإمام الصادق عليه السلام: جعلت فداك فإن أدركت ذلك الزمان – زمن غيبة الإمام المهدي عليه السلام - فأي شيء أعمل قال: يا زرارة إن ادركت ذلك الزمان فأدم هذا الدعاء: (اللّهم عرِّفني نفسك، فإنّك إن لم تعرِّفني نفسك لم أعرف نبّيك، اللّهَّم عرِّفني رسولك فإنّك إن لم تعرِّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللّهَّم عرِّفني حجّتك فإنّك إن لم تعِّرفني حجّتك ضللت عن ديني).(49)
أما كيفية الدعاء بتعجيل الفرج فله صور وأشكال عديدة ذكرت(50) في كتاب (مكيال المكارم) نذكر منها:-
1 ـ أن يسأل الله تعالى تعجيل فرج آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
2 ـ أن يسأل الله تهيئة الأسباب التي توجب تعجيل الفرج.
3 ـ أن يسأل الله رفع ما يمنع من ظهوره عليه السلام.
4 ـ أن يطلب من الله تعالى هلاك أعدائه.
5 ـ أن يسأل الله تعجيل الفرج لجميع المؤمنين.
6 ـ أن يسأل الله بسط العدل والقسط في مشارق الأرض ومغاربها.
7 ـ أن يسأل الله أن يجعل أجر عباداته وأعماله التعجيل في فرج الإمام المهدي عليه السلام.
8 ـ أن يسأل الله بإن يظهر دين الحق على جميع الملل والأديان.
9 ـ أن يسأل الله التعجيل في كشف الكرب عن وجهه عليه السلام وتفريج الهم والغم عن قلبه عليه السلام.
10 ـ أن يسأل الله التعجيل في طلب ثار أبي عبدالله الحسين عليه السلام.
ومن هنا نؤكد أنه لا يمكن تحديد أو تعيين وقت ظهوره عليه السلام، لأن تحديد الوقت مسبقاً يُفقد المؤمنين حالة الشوق والاستعداد والترقب والانتظار لظهوره عجل الله فرجه.،،،
عن شبكة الامام المهدي العالمية للمعلومات
لماذا النهي عن توقيت الظهور؟
كثر في الآونة الأخيرة من بعض الكتّاب تحديد وقت أو زمن أو تعيين العام (السنة) الذي سيظهر فيه الإمام عجل الله فرجه، وهذا يدل على تلهّف المؤمنين إلى سرعة تحقق البشارة النبوية التي ستقلب صفحات التاريخ وتغير مسار البشرية من الظلم والجور إلى العدل والقسط، وهذا ناشئ إما بسبب حبّهم الشديد لبقية الله عليه السلام، أو لجهلهم بحقائق الأمور.
حقيقة لابد أن نعرفها: بأن أئمة أهل البيت عليهم السلام - رغم كثرة ما تحدّثوا وأخبروا به عن الإمام المهدي عليه السلام ومميزات عصره وعلامات ظهوره.. إلا أنهم رفضوا التصريح عن توقيت يوم الظهور، لا بل بالعكس نهوا عن التوقيت، وأمرونا بتكذيب كل من يخبر بوقت الظهور.. لأن ذلك سر من أسرار الله، قد أخفاه جلَّ وعلا - لحكمةٍ –عن الناس.
أمثلة على التوقيت في العصر الحديث:
هناك بعض الكتّاب في الوقت الحالي من حدد السنة التي يظهر فيها الإمام المهدي عليه السلام بالضبط، إلا أنهم تغافلوا عن الحكمة في إخفاء وقت الظهور.. ومن الأمثلة على ذلك:
1 ـ كتب الاستاذ عبد محمد حسن كتاباً طبع بعنوان: (اقترب الظهور) كدراسة تتناول أحاديث أهل البيت عليهم السلام وأحداث العالم، وتستدل على قرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام وتؤقت له.. وحدد فيه تاريخ ظهور الإمام عجل الله فرجه يوم السبت 10 محرم 1429هـ الموافق 19 كانون الثاني 2008م.. وحدد في كتابه كثيراً من الأوقات لعلامات وأحداث لها علاقة بالظهور مثل:
18 حزيران إلى 24 تموز 2007 هطول أمطار شديدة.
21 تموز 2007 يوم جمعة خروج السفياني.
4 تشرين الأول 2007 ليلة جمعة في ليلة القدر، الصيحة والنداء من السماء بصوت جبرائيل عليه السلام.
19 كانون الأول 2007 مجزرة الكوفة على يد السفياني.
3 كانون الثاني 2008 مقتل النفس الزكية في مكة.
24 كانون الثاني 2008 الخسف في البيداء.
بداية تشرين الأول 2008 نزول النبي عيسى عليه السلام.
17 تشرين الأول 2008 فتح القدس.
2 ـ كتب الأستاذ جابر البلوشي كتاباً طبع بعنوان: (ظهور الإمام المهدي عليه السلام عام 2015م نبوءة قرآنية).. وحدد فيه ظهور الإمام عجل الله فرجه يوم السبت العاشر من شهر محرم عام 1437هـ، معتمداً في ذلك على علم الحروف من خلال القرآن الكريم.. وحدد في كتابه كثيراً من الأوقات لعلامات وأحداث لها علاقة بالظهور مثل:
2010م وضع حدود اسرائيل الدائمة، وخروج الأمريكان والبريطانيين من العراق.
2014م كويكب كبير الحجم يصطدم بالأرض ويسبب أعاصير وزلازل وفيضانات بتاريخ 21/3/2014م.
1436هـ خروج السفياني والخراساني واليماني.
2018م نزول السيد المسيح عليه السلام.
2019م إن الله سيدمر الولايات المتحدة الأمريكية بالرياح والأعاصير، بسبب كويكب قادم باتجاه الأرض.
3 ـ كتب الأستاذ فارس فقيه كراساً طبع بعنوان: (أنت الآن في عصر الظهور) وحدد فيه أسماء شخصيات عصر الظهور كالخراساني واليماني وشعيب بن صالح، وطبَّق مواصفاتها على شخصيات حالية.. كذلك لديه كراس آخر بعنوان (جميع الأديان تقول إنه عصر الظهور).
4 ـ الأستاذ ماجد المهدي صاحب كتاب (بدء الحرب الأمريكية ضد الإمام المهدي عليه السلام) كتب بحثاً عن التوقيت بعنوان: (هل التوقيت للظهور المبارك محرم أو منهي عنه؟؟؟ الروايات والعقل ينفي هذا.. وفيه يناقش موضوع التوقيت، وفيه يقول: إن عدونا يعرف قرب الظهور، ونحن نريد أن ندفن رؤوسنا تحت الرمال بحجج هي أوهى من خيط العنكبوت.(2)
5 ـ كتب الأستاذ شادي فقيه كتاباً طبع بعنوان: (أحمدي نجاد والثورة العالمية المقبلة) وقد كتب على الغلاف مانصه: بعض قادة الحرس: أحمدي نجاد هو قائد قوات المهدي التي ستحرر القدس.. بعض العلماء قالوا له: إن المشروع النووي مرتبط بظهور الإمام المهدي فلا تتهاون فيه.
6 ـ ذكر السيد محمد علي الطباطبائي في كتابه طبع المعنون: (مائتان وخمسون علامة) بعض الأوقات كتحديد لسنة ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه في الفصل الحادي عشر بعنوان: حسابات الحروف الأبجدية ودلالتها على توقيت الظهور، وقال: أورد ذلك كبقية العلامات إنما هو لمجرد الاحتمال غير المعتمد.(3)
7 ـ كتب السيد حسين حجازي كتاباً طبع بعنوان: (استعدوا فإن الظهور قريب) وقال فيه ما نصه: بدون أن نحدد تاريخاً للفرج، فإنه بمطالعة هذا الكتاب وبعد التأمل والتريث سنشعر بالآتي (الظهور قريب جداً) بعبارة أدق، حتى كبار السن يجب أن يكونوا على أمل رؤية مولانا في حياتهم.(4)
لم يقتصر توقيت الظهور أو ماله علاقة بالظهور على أتباع أهل البيت عليهم السلام فقط، بل هناك من أهل العامة من يوقت لظهور المهدي المنتظر عليه السلام ومن ذلك.
8 ـ كتب الأستاذ أحمد عبد الله زكي عميش(5) (مصر) كتاباً بعنوان: (ان المهدي المنتظر على قيد الحياة) طبع وفيه يستعرض (12) دليلاً يؤكد أن المهدي على قيد الحياة ـ أي ولد في العصر الحالي من وجهة نظره ـ وفيه يحدد سنة 1430هـ عام خروج المهدي، وقد قال ما نصه: أي نهاية عدَّنا حتى 1430هجرية عندها يخرج المهدي الأمين، أي باقي من الزمن 3 سنوات.(6)
9 ـ كتب الأستاذ بسَّام نهاد جرّار (فلسطين) كتاباً بعنوان: (زوال إسرائيل عام 2022م نبوءة أم صدَف رقميّة) وكلنا يعرف ارتباط زوال إسرائيل بالإمام المهدي عليه السلام.
حجج الموقتين:
كما يعبر عنها من لا يرى(7) أي اشكال في التوقيت، وليس هناك أي حرمة أو نهى لتحديد زمن ظهور الإمام المهدي عليه السلام:
أولاً: إن الأحاديث والروايات الشريفة التي تنهى عن التوقيت مفيدة وليست عامة مطلقة، وهي تفيد تكذيب من ينسب التوقيت إلى أهل البيت عليهم السلام، وذامّة لخصوص التوقيت المنسوب لهم عليهم السلام، أي أن الموقتين كاذبون إذا نسبوا لأهل البيت عليهم السلام توقيتاً لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه لأنهم عليهم السلام لم يوقتوا فيما مضى، ولا يوقتون فيما يستقبل.
ثانياً: هناك رواية تثبت أن الائمة من أهل البيت عليهم السلام قد وقتوا لشيعتهم في يوم ما، ولكن الله سبحانه وتعالى بدا له الأمر وبدل وقت الظهور، كما في هذه الرواية: عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: (يا ثابت إن الله كان قد وقت هذا الأمر في سنة السبعين، فلما قتل الحسين عليه السلام أشتد غضب الله فأخره إلى أربعين ومائة، فلما حدثناكم بذلك أذعتم وكشفتم قناع الستر، فلم يجعل الله لهذا الأمر بعد ذلك عندنا وقتاً، (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، قال أبو حمزة: فحدثت بذلك أبا عبد الله الصادق عليه السلام فقال: قد كان ذلك(8)) الرواية واضحة ـ وكما يقول ماجد المهدي ـ فلو كان التوقيت محرماً أو ممنوعاً فهل من الممكن للمعصوم أن يرتكب المحرم والممنوع.
ثالثاً: هناك روايات لأهل البيت عليهم السلام تمنع من التسمية للإمام الحجة عليه السلام، بل نفهم من روايات عديدة أن ذكر اسم الإمام المهدي عليه السلام ممنوع ومنهي عنه، بل ومحرم شرعاً، والأكثر من هذا أن هناك رواية بها لعن كل من يسميه في مجمع من الناس.. إذاً فكلنا ملعونون ونحن نسميه(9) باسمه الشريف عليه السلام ليل نهار، في التجمعات وعلى منابر الجوامع والحسينيات وعلى صفحات الإنترنت، ومن منا لا يعرف اسمه عليه السلام ؟!
إذا.. كيف يستقيم هذا مع ما لدينا من أحاديث وروايات عن أهل البيت عليهم السلام ذكروا فيها اسم الإمام المهدي عليه السلام، بل ويوجد لدينا حديث نقل عن أهل البيت عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أسماء الخلفاء أو الأئمة الاثني عشر الذين سيأتون بعده، كلاً باسمه، ومن يقرأ هذا الحديث سيعرف أن اسم الإمام المهدي عليه السلام هو: م ح م د بن الإمام الحسن العسكري.. ولذا يمكن تطبيق هذا على التوقيت كذلك.
رابعاً: الشيخ الكليني في (الكافي) عقد ثمانية أبواب لصاحب الزمان عجل الله فرجه سادسها بعنوان (باب كراهية التوقيت)، روى فيه خبرين عن الإمام الباقر عليه السلام وخمسة أخبار عن الإمام الصادق عليه السلام في نفي التوقيت لظهوره عجل الله فرجه، ويبقى أنه لماذا عبّر عنه بالكراهية دون الحرمة؟.. ويسأل ماجد المهدي عن السبب وراء تسمية الكليني لهذا الباب بكراهية التوقيت وليس حرمة أو منع التوقيت؟.
النهي عن التوقيت: (الروايات والعقل):
يدّعي البعض أنه بالإمكان التوقيت لظهور الإمام المنتظر عليه السلام، ومن خلال البحث ودراسة الأدلة الشرعية والعقلية، نجد أن النهي عن التوقيت من الأمور التي ورد التأكيد عليها في كثير من الأخبار والروايات، وإحالته إلى الله سبحانه وتعالى، ويستفاد من بعض الأخبار أن من وقت له عليه السلام وقتاً فقد شارك الله في علمه، والحكمة الإلهية اقتضت أن يكون وقت الظهور مجهولاً ومكتوماً عن الناس، كخفاء الأمور الأخرى، مثل ليلة القدر، أو وقت الموت.
إن العلة في النهي عن توقيت أو تحديد أو تعيين يوم الظهور يرتبط بالحكمة الإلهية وبالأسرار الكثيرة التي تكتنف سيرتة وحياته عجل الله فرجه كقضية الغيبة مثلا، لذا فالسر الأساس في عدم التوقيت في تقديرنا يرتبط بشؤون علم الغيب.. لذا سنجتهد في استشفاف جزء من حكمة أو علة النهي عن التوقيت، والحكمة من إخفاء وقت ظهوره عليه السلام، ويتضح لنا ذلك من الآتي:
أولاً: تحديد وقت الظهور منهي عنه لروايات عديدة وأخبار كثيرة صريحة في ذلك:
قد دلت عدة روايات شريفة على النهي عن التوقيت، أو تعيين وقت محدد لظهور الإمام عجل الله فرجه، وتكذيب من وَقّتَ لظهوره وقتاً معيناً، لأن ذلك سر من أسرار الله سبحانه وتعالى.. جاء في التوقيع الصادر عن الإمام المهدي عليه السلام بواسطة النائب الثاني محمد بن عثمان العمري: (وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره وكذب الوقّاتون)(10).. وجاء في توقيع الناحية المقدسة بواسطة النائب الرابع علي بن محمد السمريَّ: (... فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى..).(11)
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (أبى الله إلا أن يخالف وقت الموقتين)(12).. روى الصدوق عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: لما أنشدت مولاي الرضا عليه السلام قصيدتي التي أوّلها:
مَدارسُ آياتٍ خَلَت مِن تِلاوةِ
ومنزلُ وحيٍ مقٌفِرُ العَرَصاتِ
فلمّا انتهيتُ إلى قولي:
خُروجٌ إمامٍ لا مَحالةَ خارجٌ
يَقـوم على اسمِ اللهِ بالبركاتِ
يُميِّزُ فينا كُـل حَـقِّ وباطلٍ
ويَجزي على النَعماءِ والنَّقماتِ
بكى الإمام الرضا عليه السلام بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي:-
يا خُزاعيّ، نَطَق روحُ القدس على لسانِك بهذَين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟ فقلت: لا يامولاي إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد ويملؤها عدلاً كما ملئت جورا.. فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله عليه السلام ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.. وأما (متى) فإخبار عن الوقت، فقد حدثني أبي، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذريّتكَ؟ فقال: مَثَلُه مَثَل الساعة التي (لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً).(13)
وردت أخبار عديدة عن النبي وأهل بيته عليهم السلام تكذب وتؤكد على تكذيب كل من يوقت للظهور، وتنفي أن يكون أحد المعصومين عليهم السلام قد أخبر عن ذلك، فليس هناك توقيت لظهور الإمام أبداً، بل إن الأئمة الأطهار عليهم السلام كذّبوا كلّ من يقول بذلك.. فقد سأل الفضيل الإمام الباقر عليه السلام: هل لهذا الأمر وقت؟ فقال عليه السلام: (كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون)(14).. عن عبد الرحمن بن كثير قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم الأسدي فقال: أخبرني – جعلت فداك – متى هذا الأمر الذي تنتظرونه، فقد طال؟ فقال: (يا مهزم كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون)(15).. عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن القائم فقال: (كذب الوقّاتون، إنا أهل بيت لا نوقت، ثم قال: أبى الله إلا أن يخالف وقت الموقتين)(16).. عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من وقّت لك من الناس شيئاً فلا تهابن أن تكذبه فلسنا نوقّت لأحد وقتاً)(17).. اذاً المستفاد من مجموع الأحاديث والأخبار بأنه لا يجوز (التوقيت) باعتبار النهي الذي صدر من النبي وأهل بيته عليهم السلام.
قد يقول قائل: إن هناك فرقاً، بين أن يكون التوقيت منسوباً لأهل البيت عليهم السلام، أو منسوباً لغيرهم (أفراد عاديـين ممن ليسوا من أهل العصمة).. وأن التوقيت المأمورين بتكذيبه في أخبارهم عليهم السلام، هو المنسوب لهم فقط.. فيجاب على هذا القول أو الاحتمال:- بعدم ورود شيء من الأدلة المشيرة إلى ذلك في أخبارهم عليهم السلام، فتبقى أدلة المنع على عمومها في شمولها للمنع من صدور التوقيت منهم عليهم السلام أو من سائر الناس عموماً، وعليه فيكون التوقيت المأمورون بتكذيبه سواءً نسب إلى أهل البيت عليهم السلام أو إلى سائر الناس إعمالاً للعموم المستفاد من خبر الفضيل وغيره من الأخبار.
إذاً.. نستنتج من ذلك كله، أن وقت ظهور الإمام - روحي فداه - خاضع للإرادة الإلهية، وانتظار الإذن من الله له عليه السلام بالظهور.. وعليه فإن تحديد أو تعيين أي توقيت يعتبر جزافاً ومن غير أي دليل.. كيف وقد أجمع المؤمنون على أن وقت اليوم الموعود موكول إلى علم الله، مع الغموض التام بالنسبة إلى الناس، بل ظاهر بعض الروايات أنه خفي حتى على المعصومين أنفسهم، ومن هنا يكون تحديد أي تاريخ معين لظهوره عليه السلام جزافاً محضاً وكذباً صريحاً.
ثانياً: تحديد وقت الظهور يتعارض مع فلسفة الانتظار، ويؤدي إلى يأس وقنوط الأمة:
قد أخفى الله تبارك وتعالى وقت ظهور وليّه الحجة ابن الحسن عليه السلام لأهداف تربوية (نفسية وروحية) عظيمة، وليكون المؤمنون منتظرين له عليه السلام في جميع أوقاتهم.. ولنفترض أن التوقيت (جائز)، فماذا يترتب على تعيين وقت ظهوره عليه السلام من نتائج؟ مثلا: حدد بعد الف عام.. إن المؤمنين سوف يفقدون روحية الانتظار، وسيفقدون تبعاً لذلك حالة الارتباط المعنوي والوجداني بإمامهم الغائب عليه السلام، وسيكون الأمر أقرب إلى الاسطورة من الواقع، وإلى الخيال من الحقيقة، فتموت وتحلل القضية المهدوية تدريجياً لدى الأجيال المتلاحقة، وهذا الموت والتحلل التدريجي قد حصل على صعيد عقيدة التوحيد عند الأمم السابقة، فما الذي يمنع دون حصوله بصدد القضية المهدوية لدى هذه الأمة؟.. وحينها لا تجد من يتحمس للقضيه المهدوية، ولا من ينشدها بهمة عالية، ولماّ وجد المنتظرون الذين يحملون علاقة الحب والارتباط بالقضية كما شهدناها في التاريخ ونشهدها اليوم.
إن أهل البيت عليهم السلام أمتنعوا عن التوقيت لأنه بعلمهم اللدني وما وهبهم الله سبحانه وتعالى من حكمة ومعرفة، فهموا أنهم لو أطلعوا شيعتهم على وقت ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وبالتأكيد سيكون بعد قرون عديدة كما نحن متأكدون منه الآن وليس في زمان قريب من وقت إخبارهم بالوقت المعلوم، فهذا لن يكون في صالح الأمة والموالين، وسيصاب المؤمنون بيأس من ظهور صاحب الزمان عليه السلام، وربما أدى ذلك إلى فتنة كبيرة تصيب الأمة الإسلامية.. روى علي بن يقطين قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: يا علي الشيعة تربى بالأماني...... لو قيل لنا إن هذا الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة وثلاثمائة سنة ليئست القلوب وقست ورجعت عامة الناس عن الإيمان بالإسلام، ولكن قالوا ما أسرعه وأقربه، تآلفا لقلوب الناس وتقريباً للفرج.(18)
إن النهي عن التوقيت من أهم مقومات انتظار الفرج، وأحد أبرز ركائز بنائه، وعليه فإن البحث أو السؤال عن وقت ظهوره عليه السلام، خطأ كبير يقع فيه من لا يعي فلسفة الانتظار، تلك الفلسفة التي تجعل المؤمن في حالة الترقب الدائم والانتظار المستمر لإمامه المهدي عليه السلام.. ففي حالة تعيين وقت ظهوره للناس، فإن الإعداد والاستعداد والنفير وغير ذلك مما هو مرتبط بمسألة انتظار الفرج، سوف لا يكون مبرراً، إذ أن هذه الأمور مرتبطة بعصر قبل ظهوره بقليل.
لعل بعض أسرار الحكمة في إخفاء وقت الظهور، هو أن يبقى المؤمنون عبر القرون ينتظرون الإمام عليه السلام فيثابون على هذا الانتظار المر، فالانتظار يدعو المؤمنين إلى الاستقامة والتقيد بأوامر الشريعة الغراء ونواهيها، باعتبار أن ظهور الإمام عليه السلام سيكون مباغتاً.. فلو كان وقت ظهوره المبارك معروفاً ومحدداً مسبقاً، لما كان هذا الانتظار، ولكانت الآمال تنقلب إلى اليأس، ولحرم المؤمنون ممن لم يكونوا قريبي العصر من وقت الظهور ثواب الانتظار.. روي عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة).(19)
اذاً.. نستنتج من ذلك كله: أن المؤمنين المخلصين سوف يصابون بإحباط وخيبة أمل، عندما يعرفون وقت ظهوره عليه السلام ويكون بعيداً جداً عن عصرهم مما سيؤدي إلى الكسل والخمول وعدم توفر الدافعية للإخلاص أكثر وأكثر، وتلاشي الطموح بأن يصبحوا من أنصاره وأعوانه، وكذلك عدم الدعاء له بتعجيل الفرج.. فمن رأفة الله ورحمته بهذه الأمة، أن جعل وقت الظهور مجهولاً عند الناس، فلا ينتابها اليأس أو يفتك بها القنوط، بل جعلها في حالة ترقب دائم وانتظار للفرج.
ثالثاً: تحديد وقت الظهور يؤدي إلى فشل حركة الإمام المنتظر عليه السلام في بداية ظهورها:
إن توقيت ظهوره توقيت أكثر من دقيق وأكثر من حكيم، ولهذا يعتبر وحدة نصف الخطة، ومن أهميته فرض انتظاره مئات السنين.. إن الحكمه الإلهية شاءت أن يكون وقت ظهور الإمام المنتظر عليه السلام فجائياً من أجل إنجاح اليوم الموعود (يوم الفتح)، باعتبار أن تاريخ وقت ظهوره لو كان محدداً معروفاً مسبقاً، لكان من أشد العوامل على فشل الثورة العالمية وفناء الدولة العادلة، فإنه يكفي أن يحتمل الأعداء ظهوره في ذلك التاريخ، فيجتمعوا للقضاء عليه في أول أمره وقبل نجاح ثورته واتساع حركته.
إن عنصر المفاجأة في يوم ظهور الإمام ووقته له أثر فعّال في نصره عليه السلام وانجاح ثورته.. ثم إن وقت الظهور وإن كان محدّداً في علم الله الأزلي المتعلق بكل الممكنات أو المخلوقات بأسبابها ومسبباتها، إلا أنه بالنسبة إلى علله وشرائطه ليس له وقت محدد.. ويمكن توضيح ذلك: إن تعيين وقت ظهوره عليه السلام للناس سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى معرفة أعداء الإمام عليه السلام الموعد، فيهيئون الأرضية المناسبة للقضاء عليه وإفشال مخططه، وذلك بايجاد أعدائه الاستعداد العسكري والأمني للقضاء عليه.. ومن جهة أخرى يعني عدم تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق وعد الله، وذلك خلاف الحكمة وغير جائز على الله تعالى، لأن الله لايخلف الميعاد.. وهنا نجد أن معنى عدم تهيئة الظروف، هو عدم إيجاد الرجال الممتحنين الذين هم شرط الظهور، وكذلك فقدان القواعد الجماهيرية التي تكون كذلك بما لديها من إيمان بالعقيدة المهدوية.. ولكن مع وجود الفاصلة الزمانية الكبيرة التي تفصل جيل من الأجيال عن وقت الظهور المحدد مسبقاً (افتراضاً لو كان هناك توقيت)، فهذا سيؤدي إلى انعدام إيجاد بعض الشرائط، مما يقتضي انعدام الظهور أساساً بحيث لايعقل تحققه، وانعدام بعضها الآخر يقتضي فشله ومن ثم عدم إمكان نشر العدل الكامل المستهدف في التخطيط الإلهي الكبير(20).. إذن فلا بد من تهيئة الظروف، لكي يمكن تحقق الظهور ونجاحه وهذا لايتم إلا بالامتناع عن التوقيت والنهي عنه.
رابعاً: تحديد وقت الظهور يتنافى مع تجارب الأمم السابقة (قصص الأنبياء):
إن التوقيت بمعنى تحديد أو تعيين وقت الظهور، منهي عنه، لذلك وردت أحاديث عديدة في عدم التوقيت أو تحديد ظهوره عليه السلام.. لكن إلى جانب ذلك جُعلَت له علامات يتم بها معرفة موعد البشارات والفرج.. اذاًً فدراسة (علامات الظهور) ومراقبة الأخبار والأحداث في الأمة الإسلامية، ومراقبة التغيرات الدولية أو الظواهر والأحداث الكونية، نستنتج منها حصول حالة معينة يستشف من خلالها احتمالية قرب الظهور، فالروايات الصادرة عن أهل بيت النبوة عليهم السلام تحدثت عن زمن الظهور وسمّت علامات متعارف عليها بعلامات الظهور (منها المحتوم ومنها العادي)، ولكن من غير تحديد لتاريخ أو سنة معينة، كحصول الصيحة في رمضان (مثلاً)، فهذا المعنى من الاحتمالية ليس منهي عنه.. بل ورد في الروايات، عن الإمام الصادق عليه السلام: (إن قدام القائم علامات تكون من الله تعالى للمؤمنين)(21).. قال الإمام الصادق عليه السلام: (خمس قبل قيام القائم عليه السلام: اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية)(22).. عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك متى خروج القائم عليه السلام فقال: يا أبا محمد إنا أهل بيت لا نوقت، وقد قال محمد صلى الله عليه وآله وسلم: كذب الوقاتون، يا أبا محمد أن قدام هذا الأمر خمس علامات أولهم النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء)(23).. عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض وجراد في حينه وجراد في غير حينه كألوان الدم، فأما الموت الأحمر، فالسيف، وأما الموت الأبيض فالطاعون)(24).. عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: قال (قدام القائم عليه السلام لسنة غيداقة يفسد فيها الثمار والتمر في النخل، فلا تشكّوا في ذلك)(25).. وروايات عديدة وكثيرة في ذكر العلامات ونستشف من خلالها قرب الظهور.
من خلال استقراء التاريخ، وقراءة تجارب الأمم السابقة، نجد أنها تعرفت على موعد بعثة الأنبياء والرسل التي تنتظرهم من خلال علامات لديها اكتشفت احتمالية قرب ظهور النبي أو الرسول المنتظر.. فمثلاً قصة نبي الله موسى عليه السلام، فالتاريخ القديم يحدثنا حين كان فرعون يقتل الذكور من بني إسرائيل ويبقى على الإناث أحياء (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).(26)
ففي القرآن الكريم لم يرد أكثر من هذه العبارة، ولكن الروايات شرحت لنا أن هذا القتل إنما قام به جلاوزة فرعون بناءً على علامات حددت زمن ظهور النبي الموعود لبني إسرائيل، الذي على يديه هلاك فرعون، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لماّ حضرت يوسف عليه السلام الوفاة، جمع شيعته وأهل بيته فحمد الله وأثنى عليه، ثم حدثهم بشدة تنالهم، يقتل فيها الرجال وتشق بطون الحبُالى وتذبح الأطفال، حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل أسمر طويل، ونعته لهم بنعته، فتمسكوا بذلك ووقعت الغيبة والشدّة على بني إسرائيل، وهم منتظرون قيام القائم أربعمائة سنة، حتى إذا بُشروا بولادته (ورأوا علامات ظهوره)، واشتدت عليهم البلوى)(27).. فعندما حدد زمن ظهور النبي الموعود موسى عليه السلام بناءً على علامات، قرر فرعون عندها التخلص من كل المولودين في زمن الظهور، وذلك بقتل كل طفل يحتمل أنه سيُفني حكمه، والعجب العجاب أن الوليد المنتظر تربى في كنف فرعون نفسه ـ القصة معروفة ومشهوره ـ فكان النبي الموعود.. لم يرد في القرآن ولا التوراة أن هناك توقيتاً للظهور معروفاً ومحدداً، ولكن الروايات تقول إن هناك علامات استند عليها فرعون، حيث استطاع تحديد وقت الولادة.
كذلك كلنا نعرف قصة المجوس الذين جاؤوا من ناحية فارس متبعين نجماً في السماء (علامة ظهور) حتى وصلوا إلى بيت لحم ووجدوا مريم عليها السلام وقد ولدت النبي الموعود (عيسى عليه السلام) وأيضاً لم يكن هناك توقيت معروف أو محدد للظهور، بل استشف من خلال علامات (علامة كونية).. كما نعلم أيضاً قصة لقاء الرهبان للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو لا يزال يافعاً حين كان مرافقاً لعمه (أبي طالب) في رحلة إلى الشام، وكيف أنهم حددوا فيه صفات النبي العربي الموعود وهو غلام من خلال علامات لديهم (غمامة بيضاء تظله، خاتم النبوة بين كتفيه، و....) ومن ذلك حديث بحيرى الراهب ولقائه بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد عرف النبي بصفته ونعته واسمه ونسبه قبل ظهوره بالنبوة وكان من المنتظرين لخروجه بناءً على علامات لديه(28).. ومن ذلك حديث سلمان الفارسي فإنه لم يزل يهاجر من بلد إلى بلد ومن راهب إلى راهب ويبحث عن الأسرار ويستكشف الأخبار منتظراً خروج سيد الأنام محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما أيقن بخروج الفرج وبشر بولادته توجه نحو مكة(29).. وقد حدثنا القرآن الكريم عن لسان النبي عيسى عليه السلام أنه أخبر قومه عن بشارة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ)(30).. وغير ذلك من الروايات والقصص التاريخية والتي نعرف أن الأمم السابقة كانت لديهم علامات يعرفون من خلالها إرهاصات وقت خروج أو ظهور النبي الموعود المنتظر، وبناءً على ذلك لم نجد من حدد وقت ظهور نبي منتظر وموعود إلا باستشفاف حالة معينة يكتشف من خلالها قرب الظهور، أما كتوقيت فلم يحصل في الأمم السابقة ولا في الأمة الأسلامية كقضية المهدي المنتظر.. وقد قال السيد محمد صادق الصدر (رحمة الله): (إن العلامات لو وقعت لدلت على قرب الظهور، وهذه قضية صادقة لا تشتمل على التوقيت المنهي عنه على الإطلاق، وإنما هي توقيت إجمالي.. باعتبار أنه يبقى مردداً بين اليوم والأيام، بل بين العام والاعوام، فإن تخلل عشرة أعوام مابين ظهور العلامة القريبة وظهور المهدي عليه السلام، غير ضائر بكونها قريبة، لضآلة هذه الأعوام العشرة تجاه الزمان الطويل السابق عليها، ومعه فلا تكوَّن تحديداً، ولا تندرج في الأخبار النافية للتحديد)(31) ، وبهذا تكون النتيجة: أن كل تحديد لتاريخ يوم الظهور كذب وواجب الرفض إلا إذا كان مستنداً إلى حدوث علامة من العلامات القريبة، فإنه يكون صادقاً وجائز التلقي بالقبول.. مع العلم، أن هذه العلامات لاتدل على أكثر من اقتراب اليوم الموعود وأما تحديده باليوم والشهر ونحوه، فيبقى سراً في علم الله تعالى، حتى يتحقق الظهور).(32)
ولهذا فالروايات تؤكد على تكذيب من يدّعي معرفة وقت الظهور.. وأما حساب الموقتين والمنجمين وأصحاب علم الأرقام والحروف والذين يدّعون الأخبار عن المغيبات والأسرار في هذا الزمان فلا يعتد بهم ولا يعتمد على توقيتاتهم، خاصة مع الأخبار المسبقة من أهل البيت عليهم السلام بتكذيب كل من يُخبر بوقت الظهور، كائناً من كان.
خامساً: تحديد وقت الظهور يتعارض مع سنن الله في مسألة التمحيص والتمهيد:
إن الهدف من خلق الإنسان هو عبادة الله سبحانة وتعالى، الغاية الأساسية من إيجاد العبادة الكاملة والصحيحة، ونشرها في ربوع الأرض، والمتمثلة بتوجيه العقيدة والعبادة الخالصة إلى الله عليه السلام، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(33).. من هنا نعرف أن الهدف الإلهي المقصود لإيجاد الخليقة هو الحصول على الكمال العظيم المتمثل بـ (34):
1- إيجاد الفرد الكامل:
يعيش الفرد حرية الاختيار، ويتجرد من كل شيء سوى إخلاص عبادة الله.
2- إيجاد المجتمع الكامل:
مجموعة من الأفراد يعيشون على مستوى العدل الإلهي.
3- إيجاد الدولة العادلة:
تحكم المجتمع بالحق والعدل وبشريعة الله.
ولذا كثر عدد الأنبياء من أجل إعداد البشرية وتربيتها للوصول إلى هذا المستوى اللائق، وإفهامها النظرية الكاملة للتشريع الإلهي (العدل)، والذي يريد الله تعالى تطبيقها على وجه الأرض، وبها يتحقق الهدف الأساس لإيجاد البشرية.
ولعل أعظم أهداف الخلقة استقلال طائفة من البشر بوظائف العبودية من مرشد سماوي وقائد رباني مع بقاء الدين وحفظه من التحريف، ولذا جاءت الأخبار الدالة على أن انتظار الفرج أفضل الأعمال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل العبادة انتظار الفرج)(35).. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج)(36).. اذاً عبادة الانتظار هي الحكمة والمصلحة العظيمة من الغيبة.
اليقين الذي نملكه بأن دولة الإمام المهدي عليه السلام سوف تطبق العدل الكامل، وهذا وعد إلهي صريح للمؤمنين.. فعندما يتهيأ الوقت المناسب في كل الأمور، وتصبح الأوضاع مساعدة، فإن الله عليه السلام سيظهر منجي العالم ولتبدأ عملية إنقاذ البشرية من الظلم والجور، ونشر العدل والقسط.. ولكن لابد لهذا اليوم الموعود من شروط ومقومات تحقق نجاحه، وإرهاصات تسبقه تهيء الأرضية المناسبة للانتصار، ومن هنا نعرف أن اليوم الموعود منوط باجتماع شرائط الظهور.. ولم يبق من شرائط الظهور(37) التي لم يتمخض التخطيط الإلهي عن إيجاده، ولم يحدث حتى الآن أمران(38):
الأمر الأول: تربية الأمة ككل من الناحية الفكرية، حتى يكون لها القابلية لاستيعاب وفهم وتطبيق القوانين الجديدة التي تعلن بعد الظهور.
الأمر الثاني: تربية العدد الكافي للنصر في يوم الظهور من الأفراد المخلصين الكاملين الممحصين، الذين يكونون على مستوى التضحية والفداء لتطبيق الأطروحة العادلة الكاملة.
وهذان الأمران يحدثان تدريجياً ونتيجة للتربية الطويلة والبطيئة للأمة، وتحت ظروف وخصائص التمحيص والاختبار.. ولولا التخطيط الإلهي لإيجاد شرائط الظهور، باعتبار استهدافه لليوم الموعود، لأمكن عدم تحقق شيء من هذه الشروط في أي وقت من عمر البشرية الطويل، ولكن الله تعالى، وهو اللطيف الخبير بعباده، شاء أن يتفضل على البشرية باليوم الموعود، وأن يربيها لأجل أن يزرع فيها بذور المسؤولية تجاهه وإيجاد الشروط التي بها تستطيع تكفل مسؤوليته.
ليس هذا فقط، بل من عدل الله سبحانه وتعالى ورحمته أن جعل الفرصة متاحة لكل البشر.. فالحكمة والفائدة من فترة الغيبة وطول المدة وكل ذلك التأخير هو التمحيص والاختبار والغربلة حتى يتميز المؤمن الحقيقي عن غيره، وتظهر كوامن النفوس وحقيقة المدعين بتطبيق الحق والعدل، وتنكشف خبايا المتلبسين بلباس الدين وزي الناسكين، وما اشتملت عليه الصدور، قال الله سبحانه وتعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(39).. عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: (لابدّ للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا وسيخرج من الغربال خلق كثير)(40).. وعن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: (والله لتميزن والله لتمحصن والله لتغربلن كما يغربل الزوان من القمح)(41).. فبالتمحيص يعض الزمان وتنكشف حقائق المدعين، وتكشف عورات المتسترين، وتعرف مضمرات القلوب.. إن استجابة الناس لظروف التمحيص والاختبار والتمهيد تتفاوت من فرد إلى آخر، فمنهم من يستثمر ظروف الامتحان والتمحيص ما أمكن في تربية ذاته وإعدادها بالتوجيه العبادي السليم والمحافظة على الهوية العقائدية والتمسك بالأهداف والفضيلة (مشاعر الانتظار الوجدانية تجاه الإمام الغائب والاتجاه نحو الولاء لقياده الإمام، وتحملهم مسؤولية مواجهة الواقع الفاسد بإرادة صلبة، وتجديد البيعة للإمام المنتظر عليه السلام).. وبعض الناس يضعف أو يرسب في امتحان التمحيص فيجد نفسه كما أنبأت الروايات في براثن انحراف كبير بنفس مستضعفة قد تكون راغبة في الخلاص من الفساد، لكنهَّا بسبب عجزها الداخلي وقبولها المذل بالطاعة للظالم تبقى أسيرة مستلبة الإرادة.
إذاً: التمحيص ينتج أفراداً يكتسبون درجةً عاليةً من الإيمان وقوة الإرادة، نتيجة لردود الفعل الصحيحة تجاه ظروف الظلم والطغيان، وهؤلاء المؤمنين المخلصين تتفاوت درجاتهم:
الدرجة الأولى: قادة الجيش (أصحاب الإمام عليه السلام 313) لهم دور كبير في قيادة الجيوش وفتح البلاد وإدارة الأمور، وأثبت التمحيص والاختبار جدارتهم وقدرتهم وكفاءتهم على التضحية في سبيل الأهداف الإسلامية العليا، وقد أختُيروا بعناية خاصة.
الدرجة الثانية: أفراد الجيش (انصار الإمام عليه السلام) وهم المؤمنون الصالحون الذين يلتحقون بالإمام المهدي عليه السلام وينضوون تحت لوائه ويحاربون أعداءه، وأثبت التمحيص والاختبار أن لهم نصيباً وافراً من الإيمان الكامل والعقيدة الراسخة، وهم أقل امتيازاً من الأصحاب الـ (313).
إن الاطلاع على شرائط وأسباب الظهور وبالخصوص الشرطان (الأمران: الأول والثاني) ومالهما من تأثير واقعي في إيجاد يوم الظهور.. وهل تحققا فعلاً أم لا؟.. فهو مما لايمكن أن يعرفه الناس إلا عند الظهور، فمن المتعذر تماماً التأكد من اجتماع شروط وأسباب الظهور، فمن ذلك حصول العدد الكافي من المخلصين الممحَّصين في العالم.
وهذا مما لايكاد يمكن التأكد منه لأحد من الناس الاعتياديين، لأنه لايمكن أن نعلم في الأشخاص المخلصين أنهم وصلوا إلى الدرجة المطلوبة من التمحيص أو لا.. وبناءً على ذلك: فاليوم الموعود ليس لدينا أي وقت محدد له، وإنما هو منوط بحصول شرائطه وعلله، ولذا يمكننا أن نقول: متى اجتمع العدد الكافي من المخلصين الممحَّصين للفتح العالمي المهدوي، كان يوم الظهور ناجزاً، سواءً كان زمان وجودهم والفترة التي تقتضى تحققهم.. طويلة جداً أو قصيرة.. وهذا دليل آخر على أن التوقيت (بمعنى تحديد أو تعيين وقت الظهور) كذب محض وبدون أي دليل، فعلمه موكّل إلى الله عليه السلام، وغموض تام بالنسبة إلى الناس.
إن التمحيص والتمهيد هو السر في عدم التوقيت، وذلك لإيجاد وتحقق شرائط الظهور، فلم يحجب وقت الظهور (وتحديد زمانه) سوى خوف الانتشار المؤدي إلى عدم تحقق الهدفين المنشودين.. ومن هنا، فكيف يكون اختبار تصديق الناس وتسليمهم لظهور الإمام المهدي عليه السلام الذي لم يعرفوا وقته، ولم يعلموا زمانه؟؟.. وكيف يكون ثباتهم وصبرهم على أمر لم يطلّعوا على حين تحققه، فيمتُحنون به؟؟.. فيتبين الحال وتظهر حقائق الرجال، ولذا: اقتضت الحكمة الإلهية البارعة إخفاء زمان الظهور وعدم توقيته.
تعليمات أهل البيت عليهم السلام بالابتعاد عن التوقيت:
ثبت تأكيداً النهي عن تعيين أو توقيت موعد محدد لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه، ولكن البعض يقول: أنه بالاستعانة بعلم الحروف أو الجمع بين الروايات أمكنه تحديد وقت ظهور ولي الأمر روحي لمقدمه الفداء على كل حال نحن نخطِّئ ونكذِّب كل من يتكهن بوقت الظهور، لأن التوقيت خلاف للشرع الإسلامي ولتعليمات أهل البيت عليهم السلام، ومنهي عنه في عشرات الأحاديث والروايات الشريفة.. لما له من أضرار على المجتمع الإسلامي وعلى المؤمنين: فإذا تمّ تعيين وقت ظهور الإمام عجل الله فرجه وصدّق بعض الناس ذلك، إماّ بسبب حبهم الشديد للمنتظر أو لجهلهم بحقائق الأمور، ولم يحصل الظهور عملياً، فإن اعتقادهم سيتزعزع في هذه الحالة.. يذكر السيد حسن الأبطحي في كتابه (المصلح الغيبي) القصة التالية: (أذكر قبل عشرين عاماً في إيران أن أحد الناس رغب في البهائية وأحبها، فذهبت إليه أستطلعه عن سبب تغييره الفكري، فنقل لي القضيّة التالية، فقال:
قبل عدة سنوات اعتقدت ووثقت بأحد أولياء الله تعالى إلى درجة أنني تصوّرت أنه لم يبلغ أحد منزلته العلميّة والفكرية. وفي أحد الأيام قال لي: في العشرة الأخيرة من شهر جمادى الآخرة من هذا العام سيظهر صاحب الزمان عجل الله فرجه، وشرح لي أنّه بالحساب وجمع ونقل الروايات والرؤيا الصادقة وغير ذلك، تمكن من استنتاج ظهور الحجة عجل الله فرجه في هذا الوقت. فانقطعت عن العمل مع بعض الإخوة الآخرين الذين اعتقدوا مثلي بروايته وبقينا قلقين نترقب ظهور الحجة عجل الله فرجه في ذلك اليوم الموعود، ولكن وبعد مرور الموعد المحدد وحتى بعده بأيام وأسابيع وأشهر لم يظهر صاحب الزمان فأصابني هلع فكري، وبدأ الشك يتسرّب إلى قلبي وروحي ونفسي وعقلي بكل شيء، وأخيراً قلت لنفسي: ألا يجوز أن تكون بقية القضايا التي يطرحها علينا الأولياء ويريدون منّا تصديقها، مثل هذه القضيّة، سراب في سراب؟ وبدأ اعتقادي يتزعزع قليلاً قليلاً، فانحرفت إلى مذهب البهائية، ذلك المذهب الذي لا يتقيد بأي شيء على الإطلاق).(42)
ولهذا فإن النصوص الشرعية حثت المؤمنين على ترك الاستعجال في أمر ظهور الإمام المنتظر عليه السلام، عن عبد الرحمن بن كثير قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم فقال له: (جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظر متى هو؟ فقال: يا مهزم كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلّمون)(43) ، فالأئمة عليهم السلام يطلبون من القواعد الشعبية المؤمنة بالتريث وعدم العجلة، وخاصة في حالة ظهور المهدي عليه السلام.. فالاستعجال تعبير واضح عن قلق النفس واضطرابها، واليأس من تغيير واقع الظلم السياسي والاجتماعي الموجه ضد الجماهير المؤمنة، ولذا فالاستعجال ردة فعل لمن ليست لديهم القدرة على الصبر وتحمل الأذى، أو التحرك في الحياة بمفهوم إيجابي للانتظار، وليست لديهم حالة كبيرة من الاستعداد النفسي لتغيير واقعهم الفاسد.. كذلك يترك (الاستعجال) قلقاً عصابياً في النفس إذا طالت فترة الغيبة الكبرى، مما يؤدي إلى فشل هؤلاء المستعجلين في التغيير، حيث يتفجر حقدها، وتيأس، ويذبل الأمل لديها.
في مثل هذه الظروف (إطالة فترة الغيبة الكبرى) فإن أئمة أهل البيت عليهم السلام أخذوا يوصون أولياءهم ومحبيهم وشيعتهم بالأهتمام بهذين الأمرين الأساسيين:
أولاً: انتظار الفرج:
والذي عبرت عنه الروايات بأنه أفضل العبادة، فقد مدحت أخبار أهل البيت عليهم السلام المنتظرين لخروجه، كما وضحت كيفية هذا الانتظار وشروطه، كما بينت تكاليف المنتظرين في زمن الغيبة الكبرى.. عن أمير المؤمنين عليه السلام: (انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحب الأعمال إلى الله عليه السلام انتظار الفرج مادام عليه العبد المؤمن، والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله)(44).. ولتوضيح معنى الانتظار: جاء في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (من سره أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة)(45).. ولكن التوقيت والاستعجال وعدم الصبر من الأمور المنهي عنها، وتتعارض مع معنى الانتظار الإيجابي، سئل الإمام الجواد عليه السلام لم سمّي المنتظر قال: (لأن له غيبة يكثر أيامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيه الوقّاتون، ويهلك فيه المستعجلون، وينجو فيه المسلّمون).(46)
والمعروف أن الانتظار هو حالة ترقب واستعداد وتهيئة النفس والمساعدة في تهيئة الظروف والتمهيد لقرب الظهور.. وأجلى مصاديق الانتظار هو الاطلاع على (الثقافة المهدوية) والتشبع بها، ومتابعة كل ما يرتبط بالإمام الغائب عجل الله فرجه، ومعرفة شرائط الظهور وعلاماتة، والحرص على متابعة العلامات ومطالعة الأحداث التي تسبق ظهور القائم عليه السلام.. فالمعروف من حالة المنتظر لقدوم غائب أو عودة مسافر تكون بتأمل الطريق وملاحظة علامات وشروط القدوم، خاصة إذا كان المنتظَر أكثر محبوبية وأعظم نفعاً، فتزداد حالة الترقب والتلهف والشوق والاستعداد لحصول حالة اللقاء.. والأهم من هذا وذاك هو إعداد النفس لتتأهل لنصرة الإمام عليه السلام والسير في ركبه، فلا يسع المنتظِرون للإمام المهدي عليه السلام والمترِقِّبون للفرج إلا المداومة في تعديل السلوك وتصحيح الأعمال وتطبيقها على ضوء الشريعة الإسلامية تحسباً لظهور القائم عجل الله فرجه، وذلك باتباع الآتي:
1 ـ أن نجعل من أنفسنا شخصياتٍ إسلامية واعية، وذلك بتعميق الوعي العقائدي، والالتزام بالسلوك الإسلامي الصحيح.
2 ـ تهيئة النفس وتربيتها على التضحية والبذل والجهاد في سبيل الله والممارسة الفعلية للعطاء والتضحية.
3 ـ علينا أن نقوم بدور التمهيد لظهوره عليه السلام وذلك ببث الوعي الإسلامي الصحيح على أوسع نطاق في العالم.
وهذا هو المعنى الحقيقي الإيجابي للانتظار.. وهنا يتجلى الدليل في تأكيد الأخبار على أن: (أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج)(47).. كما رُوىِ عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام.
وطالما أن قضية الانتظار ترتبط بالفكر والعقيدة المهدوية، فإنه يمكن النظر إلى هذا المفهوم من ثلاثة آثار وهي:-
1 ـ الأثر المعرفي: ويعني ثقافة الانتظار وأحكامها، ومعتقدات المنتظرِين وأفكارهم وما لديهم من أدلة وبراهين لتأييد عقيدة المهدي المنتظر، واستشراف حوادث المستقبل وأخذ الموقف الشرعي تجاهها.
2 ـ الأثر الوجداني: ويتمثل في المشاعر السيكولوجية المؤثرة سلباً وإيجاباً في المنتظرِين للمهدي الموعود عليه السلام ويشمل كآفة الاستعدادات النفسية والذهنية وقبول تحديات ومشاكل عصر الغيبة.
3 ـ الأثر السلوكي: توجيه الإنسان المنتظر.. سلوكياً وأخلاقياً نحو تطبيق مناهج الإسلام المختلفة في الحياة، وممارسة المنتظرين للأحكام الإسلامية والأعمال العبادية حسب الفكر والعقيدة المهدوية في عصر الغيبة.
ثانياً: الدعاء بتعجيل الفرج:
إن الدعاء وسيلة حيَّة وفاعلة للتعبير عن هموم المنتظرين وآمالهم، لما له من إسهام في تهيئة الظرف المؤهَّل لاستقبال الإمام عجل الله فرجه، بالإضافة لكونه دليل صدقٍ للإيمان بالعقيدة المهدوية والإيحاء بها مما يؤدي إلى تركيزها في نفس المؤمن المنتظِر.. فالدعاء بتعجيل فرج الإمام عجل الله فرجه يشعر المؤمن أنه يعيش ذكر إمامه الغائب، فيعمر قلبه دائماً بالشوق والحنين إليه عليه السلام، فالدعاء من الروابط العظيمة والحبال المتينة ودلائل المحبة.
إن الأخبار والروايات عن أهل البيت عليهم السلام حثت على الدعاء بتعجيل الفرج، لما فيه من فوائد عظيمة، وقد كتب العلاّمة الحجّة السيد محمد تقي الموسوي الأصفهاني في ذلك سفراً كبيراً أسماه (مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم عليه السلام)، ويكفى في ذلك ما جاء عن الإمام المهدي عليه السلام حيث قال: (وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإنه فرجكم)(48).. فمن الآداب العملية في عصر الغيبة الدعاء للإمام المهدي عليه السلام بأن يعجل الله تعالى فرجه، وان يحرسه من كيد الأعداء وينصره عليهم، خاصة وأنه إمام العصر والزمان، أي إمامنا الفعلي، مما يفرض علينا آداباً تجاهه، ولا أبسط من ذلك معرفته والدعاء له.. قال زرارة بن أعين للإمام الصادق عليه السلام: جعلت فداك فإن أدركت ذلك الزمان – زمن غيبة الإمام المهدي عليه السلام - فأي شيء أعمل قال: يا زرارة إن ادركت ذلك الزمان فأدم هذا الدعاء: (اللّهم عرِّفني نفسك، فإنّك إن لم تعرِّفني نفسك لم أعرف نبّيك، اللّهَّم عرِّفني رسولك فإنّك إن لم تعرِّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللّهَّم عرِّفني حجّتك فإنّك إن لم تعِّرفني حجّتك ضللت عن ديني).(49)
أما كيفية الدعاء بتعجيل الفرج فله صور وأشكال عديدة ذكرت(50) في كتاب (مكيال المكارم) نذكر منها:-
1 ـ أن يسأل الله تعالى تعجيل فرج آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
2 ـ أن يسأل الله تهيئة الأسباب التي توجب تعجيل الفرج.
3 ـ أن يسأل الله رفع ما يمنع من ظهوره عليه السلام.
4 ـ أن يطلب من الله تعالى هلاك أعدائه.
5 ـ أن يسأل الله تعجيل الفرج لجميع المؤمنين.
6 ـ أن يسأل الله بسط العدل والقسط في مشارق الأرض ومغاربها.
7 ـ أن يسأل الله أن يجعل أجر عباداته وأعماله التعجيل في فرج الإمام المهدي عليه السلام.
8 ـ أن يسأل الله بإن يظهر دين الحق على جميع الملل والأديان.
9 ـ أن يسأل الله التعجيل في كشف الكرب عن وجهه عليه السلام وتفريج الهم والغم عن قلبه عليه السلام.
10 ـ أن يسأل الله التعجيل في طلب ثار أبي عبدالله الحسين عليه السلام.
ومن هنا نؤكد أنه لا يمكن تحديد أو تعيين وقت ظهوره عليه السلام، لأن تحديد الوقت مسبقاً يُفقد المؤمنين حالة الشوق والاستعداد والترقب والانتظار لظهوره عجل الله فرجه.،،،
عن شبكة الامام المهدي العالمية للمعلومات