شبكة جنّة الحسين
27-02-2014, 02:24 PM
• إسمه السماويّ:
(الحسين).. إختاره الله تعالى له، فهبط جبرئيل الأمين (عليه السلام) يحمل أمر ربّه (جلّ وعلا) أن يُسمّى الوليد الثاني لأمير المؤمنين عليّ وسيّدة نساء العالمين فاطمة (صلوات الله عليهما وعلى أبنائهما الطاهرين) بهذا الاسم المبارك. وكان الله (عزّ وجلّ) قد حَجَب هذا الاسم عن العرب مِن قَبلُ وادَّخَره لسِبط حبيبه (صلّى الله عليه وآله).
وقد ورد اسم الإمام الحسين (عليه السلام) في التوراة بلفظ (شُبير)، وفي الإنجيل بلفظ (طاب).
• الكُنية الشريفة:
(أبو عبد الله)، وهي الأشهر، وكُنّي أيضاً بأبي عليّ.. وفيما بعد كُنّي بـ (أبي الأئمّة).
• الألقاب الزاكية:
المبارك، السِّبط، الرشيد، الطيّب، السيّد، رَيحانة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، الوفيّ، الزكيّ، الوليّ، التابع لمرضاة الله، الدليل على ذات الله، سيّد الشهداء، سيّد شباب أهل الجنّة.. وهي حُلَلٌ إلهيّة هبطت تكريماً لهذا الوليّ الكبير، وخِلَع ربّانيّة تحكي معالي مقامه السامي وشرفه الّذي لم يسبق إليه سابق.
• نقش خاتمه:
(حَسْبيَ الله).
• مقامه الإلهيّ:
هو المعصوم الخامس من أصحاب الكساء: النبيّ، والوصيّ، والصدّيقة الكبرى، والحسن المجتبى (صلوات الله عليهم).
وهو الإمام الثالث بعد أبيه أمير المؤمنين وأخيه الحسن السِّبط (عليهما السلام)، وصيّاً وخليفةً بأمر الله تعالى وبتثبيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
عاش سبعَ سنين مع جدّه النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، فكان ريحانته وفي ظِلّ عنايته ورعايته، وعاش مع أبيه الإمام عليّ (عليه السلام) سبعاً وثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن الزكيّ (عليه السلام) سبعاً وأربعين سنة.
أمّا مدّة خلافته وإمامته (عليه السلام)، فكانت عشر سنين وأشهُراً.
• مولده الأغرّ:
كان عشيّةَ الخميس ليلة الجمعة.. حيث أوحى الله (عزّ وجلّ) إلى (مالِك) خازن النار أن أخْمِد النيران على أهلها، لكرامةِ مولودٍ وُلد لمحمّد في دار الدنيا. كما في رواية ابن عبّاس، نقلها عنه الحَمْوينيّ في (فرائد السِّمطين).
فيما ذكر محمّد بن طلحة الشافعيّ أنّه (عليه السلام) وُلد لستّة أشهر، وفيه أنزل الله تعالى: ﴿وحَمْلُهُ وفِصالُه ثَلاثونَ شهْراً﴾ (سورة الأحقاف: 15). ويؤيّد ذلك ما رواه ابن قولَوَيه في (كامل الزيارات) من كلام للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) جاء فيه: «ولَم يُولَد مولودٌ لستّة أشهر إلّا عيسى بن مريم والحسين بن عليّ».
وكان ذلك في المدينة، لثلاثٍ خَلَون من شهر شعبان سنة أربع من الهجرة النبويّة المباركة. ولمّا جيء به إلى جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) استبشر به وغمرته الفرحة، فأذَّنَ في أُذُنه اليُمنى، وأقام في أُذنه اليُسرى، وحَنَّكَه بِرِيقه.. فلمّا كان اليوم السابع سمّاه ـ بأمر الله تعالى ـ حُسَيناً، وعَقَّ عنه بكبشَين، وحَلَق رأسه وتصدّق بوزنِ شَعره وَرِقاً، وطلى رأسه بالخَلُوق.
قيل: وكان من شدّة شوق النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى سِبطه الحسين (عليه السلام)، أنّه ما أن علم بمولده حتّى نادى على أسماء بنت عُمَيس: «يا أسماء، هاتي ابني». فدَفَعته إليه في خِرقةٍ بيضاء، ووضعه في حِجْره وبكى. سألته أسماء: فِداك أبي وأُمي، مِمَّ بكاؤك؟! قال: «مِن ابني هذا». قالت: إنّه وُلِدَ الساعة! قال: «يا أسماء، تَقتُلُه الفئة الباغية مِن بَعدي، لا أنالَهُمُ الله شفاعتي! يا أسماء، لا تُخبري فاطمة؛ فإنّها حديثُ عهدٍ بولادته».
• خصائصه وخصاله:
كان الإمام الحسين (صلوات الله عليه) أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لا سيّما من صدره إلى رِجلَيه. وكان رَبْعةً، ليس بالطويل ولا بالقصير، واسعَ الجبين، كَثّ اللِّحية، واسعَ الصَّدر، عظيمَ المَنكِبَين، ضَخمَ العِظام، رَحْبَ الكَفَّين والقدَمَين، رَجِلَ الشَّعر، مُتماسك البدن، أبيضَ مشُرباً بحُمرة.
وكان خَصيصَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أُمور كثيرة، حتّى عبّر عنه بأنّه ريحانتُه، وابنُه، واشتهر عنه قوله فيه بصريح العبارة: «حُسَين مِنّي وأنا مِن حسين، أحبّ اللهُ مَن أحبَّ حُسَيناً».
• المَحتِد الأجلّ:
للإمام الحسين (صلوات الله عليه) نسبٌ لا يُضاهى ولا يُفاضَل.. فالجدّ أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد المصطفى الصادق الأمين (صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين). والأب سيّد الخلق بعد النبيّ وسيّد الوصيين، أمير المؤمنين عليّ (سلام الله عليه). والأُمّ سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخِرين، وسيّدة نساء أهل الجنّة، فاطمة بنت حبيب إله العالمين (عليه وآله وعليها أفضل الصلاة والسلام).
أمّا جدّته لاُمّه فهي أُمّ المؤمنين خديجة خير نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، الطاهرة الحنيفيّة، من خير نساء العالم الأربع. وجدّته لأبيه هي فاطمة بنت أسَد زوجة شيخ الأباطح أبي طالب، وأُم الوصيّ المرتضى عليّ بن أبي طالب، ومَن خَصَّها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بمراسم دفن خاصّة، صَبَّ عليها من لطفه وعنايته فيها.
• إخوته وأخواته:
لأُمّه وأبيه: الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، والمحسن السِّقط، وزينب الكبرى، وأُمّ كلثوم (عليهم جميعاً سلام الله).
أما إخوته لأبيه فقط، فهم: محمّد بن الحَنَفية، ومحمّد الأصغر وعُبَيد الله (الشهيدان مع الإمام الحسين (عليه السلام) بكربلاء، أُمّهما ليلى بنت مسعود النَّهشَليّة)، وعمر الأطرَف، ويحيى (وأُمّه أسماء بنت عُمَيس)، وجعفر والعبّاس وعبدالله وعثمان (أولاد أُمّ البنين (عليها السلام)، وقد استُشهدوا بين يدَي أخيهم وإمامهم سيّد الشهداء (عليه السلام) بكربلاء).
وأخواته لأبيه: رقيّة (أُمّها اُمّ حبيب بنت ربيعة التَّغلِبيّة)، وأُمّ الحسن، ورَملة (أُمّهما أُمّ سعيد بن عُروة بن مسعود الثقفيّة)، وأُمّ كلثوم الصغرى، وجُمانة (أُمّ جعفر)، ومَيمونة، وخديجة، وفاطمة، وأُمّ الكرام، ونفيسة، وأُمّ سلمة، وأُمامة، وزينب الصغرى، وأُم هاني.
• نساؤه:
1. ليلى بنت أبي مُرّة بن عروة بن مسعود الثقفيّ، وهي اُمّ الشهيد عليّ الأكبر (عليه السلام).
2. أُمّ إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التَّيميّ.
3. الرَّباب بنت امرئ القيس، وهي أُمّ وَلدِه عبد الله الرضيع (أو عليّ الأصغر).
4. شَهربانو بنت كِسرى يَزْدَجُرد الثالث مَلِك الفرس، وكانت قد أُسِرت في القادسيّة فاختارت الإمام الحسين (عليه السلام) أن تعيش في كَنَفه زوجة طيّبة، لتُرزق منه إماماً معصوماً هو عليّ بن الحسين، السجّاد زين العابدين (عليه السلام).
5. القُضاعيّة (أُمّ ولده جعفر، الذي تُوفّي في حياة أبيه الحسين (عليه السلام)).
• أولاده:
1. الإمام عليّ زين العابدين (عليه السلام).. ومنه نسلُ الإمام الحسين (عليه السلام) والأئمّة الثمانية المعصومون: الباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكريّ والمهديّ (صلوات الله تعالى عليهم).
2. عليّ الأكبر، الشهيد الذي فُجعت به أُمّه ليلى، كما فجع به سيّد الشهداء أبوه الحسين (عليه السلام) فلم يَقْوَ على حمله.
3. جعفر.
4. عبد الله الرضيع أو عليّ الأصغر، الشهيد على ساعد أبيه الحسين (سلام الله عليهما) بسهم حرملة، فترك في قلوب الأئمّة والأولياء والمحبيّن لوعةً لا تنتهي.
5. سكينة (أُمّها الرباب)، عُرفت هذه البنت بعبادتها حتّى عبّر عنها أبوها الإمام الحسين (عليه السلام) بقوله: «غالبٌ عليها الاستغراق مع الله». وقد عاشت وقائع طفّ كربلاء بآلامها، كما شاركت عمّتها العقيلة زينب (صلوات الله عليها) فجائعَ عاشوراء ومرارات الأسر والسَّبي والسفر المضني حتّى عودتها إلى المدينة.
6. فاطمة (أُمّها أُم إسحاق)، وكانت إلى جانب اُختها سكينة في رحلة الحزن المقدّس.
7. رقيّة، الشهيدة بلوعة حزنها وشوقها لأبيها، ولم تَعِشْ أكثر من أربع سنين، حيث تُوفّيت في خربة الشام وهي سَبيّة في كَنَف عمّها زين العابدين وعمتها زينب الكبرى (عليهما السلام). ولها اليوم بناء شامخ ومشهد سامق على أنقاض مقبرة الأمويين المندرسة، يؤمّ قبرَها الشريف قلوب أهل الولاء للبيت النبويّ الشريف من أرجاء العالم.
• أصحابه:
هم كثير.. بعضهم ذَوو رحِمه من بني هاشم، وبعضهم رافقوه إلى ساحة الشهادة المُثلى، وبعضٌ أخلص له وأعذر، نقتصر هنا على ذكر هذه النخبة:
أسلَم التُّركيّ، جَون (مولى أبي ذرّ)، حبيب بن مظاهر الأسديّ، الحُرّ بن يزيد الرِّياحيّ، زُهَير بن قيس البَجَليّ، سعيد بن عبد الله الحَنَفيّ، شَوْذَب (مولى بني شاكر)، عابِس الشاكريّ، عمرو بن خالد الصَّيداويّ، عبدالله بن يَقْطُر، أبو ثُمامةَ الصائديّ، مسلم بن عَوسَجَة الأسديّ، نافع بن هلال الجَمَليّ، واضِح الرُّوميّ، وَهْب بن حَبّاب الكَلبيّ، قيس بن مُسهِر الصَّيداوي، زُهَير بن القَيْن البَجَليّ، هانئ بن عُروَة، عبدالله بن عَفيف الأزديّ، جابر بن الحَجّاج التَّيميّ، جُنادة بن كَعب الأنصاريّ...
• بوّابه:
أسعد الهَجَريّ.
• شاعره:
يحيى بن الحكَم، وجماعة.
• الحكّام المعاصرون:
عاصر الإمام الحسين (عليه السلام) حكم جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المدينة المنوّرة (1 ـ 11 هـ)، وحكم أبيه أمير المؤمنين عليّ ((عليه السلام)) في الكوفة (36 ـ 40 هـ)، والمدّة اليسيرة الّتي حكم فيها أخوه الإمام الحسن (عليه السلام) في الكوفة (40 ـ 41 هـ).
إضافةً إلى معاصرته حكم:
1. أبي بكر بن أبي قحافة (11 ـ 13 هجريّة).
2. عمر بن الخطّاب (13 ـ 23 هجريّة).
3. عثمان بن عفّان (23 ـ 35 هجريّة).
4. معاوية (35 ـ 60 هجريّة).
5. أول أيّام حكم يزيد بن معاوية (60 ـ 64 هجريّة).
• وقائع مهمّة في حياته (عليه السلام):
لم تُعرف لأهل البيت (عليهم السلام) طفولة، إذ نزّههم الله تعالى من الجهل، حتّى أدركوا ما كان يجري من وقائع وأحداث وأحاديث. فعايش الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) تاريخ الرسالة الإسلاميّة، واستنشق عبير الوحي، ونشأ في بيت النبوّة ومهبط التنزيل ومختلَف ملائكة الرحمان.. وكانت أُذنه ـ كأُذن أبيه ـ واعية، فوعى ما حدث، وعانى ما رأى وسمع.
بعد تلك الحروب المريرة يُتوفّى حبيبه وجدّه رسول الله محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فتعظم المصيبة بفقده أوّلاً وانقطاع الوحي ثانياً. ثمّ تكون الحوادث متتابعة تنطوي على الفتن والابتلاءات الشديدة. وتحلّ الفاجعة الكبرى بشهادة أُمّه الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وقبلها ابنها السِّقط الّذي سمّاه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من قبلُ بــ (المُحسِن) (سلامُ الله عليه).
ويكون الإمام عليّ (عليه السلام) بعد أن بويع في غدير خُمّ بإمرة المؤمنين وأنّه وصيّ رسول ربّ العالمين.. جليسَ الدار، فيلازمه ولده الحسين (صلوات الله عليهما) لا يبارحه هو وأخوه الحسن الزكيّ (عليهما السلام). هكذا.. وبعد ربع قرن تُعاد الخلافة الظاهريّة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وعيناه وعضُداه الحسن والحسين (سلام الله عليهما).. فيشتركان مع أبيهما في حروبه الثلاث ضدّ الناكثين والقاسطين والمارقين: الجمل وصفّين والنهروان.
إلى أن كانت الفاجعة الكبرى بشهادة وليّ الله الأعظم في محرابه، فيتجدّد الحزن العميق في قلب الإمام الحسين (عليه السلام)، وتمرّ عليه سنوات مريرة، وهو يلازم أخاه الإمام الحسن (عليه السلام) مقدِّماً له كلَّ أدب واحترام وطاعة.. ويعيش معه تلك الوقائع المؤلمة، حيث يكون من القوم الخيانةُ والتمرّد وأثَرة الدنيا وطلب الراحة، ثمّ المخالفة والملامة على الإمام، والانكفاء على الوجوه هرباً من فرض الولاية لأهل البيت (عليهم السلام).
إلى أن كانت الفاجعة الاُخرى بسقي الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ذلك السمّ الذي قذف معه كبده المقدس وأحشاءه الشريفة، ليكون بعد أيّام محمولاً في نعشه لا يُجاز له أن يُزار به جدّه لتجديد العهد معه في قبره الشريف.
ويطول من الإمام الحسين (عليه السلام) حُزنُه، وهو يرى أهل بيته يغادرونه شهداء مظلومين، والناس في اختبار عصيب لم يثبت منهم أمام عواصف الترغيب والترهيب إلّا ثلّة قليلة، ورياح الفتن السوداء أعمت الكثير من القلوب والعيون، فلم تعد تطلب الحقيقة. ثمّ الأمرّ والأخطر أن يأخذ المُضِلّون بتحريف معالم الإسلام وتشويه عقائده وشرائعه الحقّة، فضلاً عن إغواء الناس وجرّهم إلى مواقع الفساد والرذيلة.
فيبلغ الإمام الحسين (عليه السلام) تكليفه الإلهيّ الحقّ، فيرى أنّ هذا الدين لا يُحمى إلّا بدمه الزاكي، فنهض (عليه السلام) بنفسه أوّلاً، وبأهل بيته وأعزّته وأفلاذ كبده ثانياً، وبالأوفياء الخلّص الأخيار من أصحابه ثالثاً.. وأعدّ الركب الشريف في السفر إلى الله تعالى، إلى ملحمة العشق الإلهيّ والعروج المبارك في ساحة كربلاء.
وقد بعث إلى الكوفة قبل ذلك سفيره وثقته ابن عمّه مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه)، فغُدر به وقُتل على يد الظالم عبيد الله بن زياد قتلة منكرة.. فبكى له الحسين (عليه السلام) بدموع عزيزة وغزيرة.
ولكنّ القافلة الحسينيّة الشريفة ـ وفيها حُرم وحرمات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ سارت، وقد ضمّت إليها الجلال السامي زينب العقيلة بنت أمير المؤمنين (عليه السلام)، لتروي قصّة الطف قولاً صادعاً وعملاً واقعاً. بل كان في القافلة الحسينيّة المباركة مع سيّد الشهداء وسيّد شباب أهل الجنّة إمامان وريثان له: الإمام عليّ بن الحسين، وابنه الإمام محمّد الباقر ـ وكان عمره يوم ذاك بين الثالثة والرابعة ـ (صلوات الله عليهم).
وكانت الواقعة الرهيبة المهيبة في عاشر المحرّم الحرام، سنة إحدى وستين من الهجرة النبويّة، ما يعجز الوصف والبيان عن تصويرها، وتجفّ الأقلام والألسن عن تفصيلها، وترتهب لها قلوب العارفين وأهل المعنى والموالين والمحبيّن، إذ تجزع وتفقد صبرها عن سماع النزر مما وقع.. وما أدرانا ما وقع!
لقد تغيّرت العوالم، وهبطت ملائكة الحزن والبكاء، وكان ما لا ينتهي التفجّع عليه إذ أصبح ثاراً لله الجبّار! ويكفي أن يُشار إلى ما حدث إشارات.. حيث لا تهنأ بعد ذلك روح، ولا ترقأ دمعة.
ثمّ بعد تقطيع الأجساد الزكيّة الطاهرة الشريفة.. لا يكون دفن، إلى ثلاثة أيّام، أبدان مجزّرة في عراء الأرض غيّرتها حرارة الشمس.. لا تُعرف إذ فُصلت عنها الرؤوس الكريمة. حتّى يُقبل الإمام السجّاد عليّ بن الحسين (عليه السلام)، ليدفن الأجساد الشريفة في مشهد ملؤه الأسى.. وذلك في الثالث عشر من المحرّم الحرام سنة 61 هجريّة.
ولا تنتهي فاجعة كربلاء حتّى تكون بعدها قصّة السَّبي والأسر وحرق الخيام ونهب الركب الحسينيّ، وأحداث متتابعة ينظر إليها المرء مدهوشاً مذهولاً لا يدري ماذا يقول؟!
ويحيا الحسين (صلوات الله عليه) علَماً شامخاً، ورمزاً ومظهراً لكلّ خير وفضيلة وشرف وعُلىً وكرامة.. ويُقتَل قَتلَتُه ويُرمى بهم في مستنقعات الخزي الأبديّ والعار الدائميّ، ويُنقَلون إلى حُفَر النيران ينتظرون مصيراً لا يُوصف عذابه!
ويتجلّى للإمام الحسين (عليه السلام) قبرٌ شُيّد من الإباء، وقبّة ترتقي على قواعد العزّ، ومشهد وروضة وحريم للزائرين من أقطار الدنيا جميعاً، يؤدّون هنالك حجّ القلوب والأرواح، ويسكبون عند الضريح القدسيّ عبرات الحزن والعزاء، ودموع الشوق والولاء، ويجدّدون معه ميثاق الوفاء.
ولا يمرّ محرّم.. إلّا وللإمام الحسين (عليه السلام) مآتم في كلّ بلد وبلدة، وفي كلّ أرجاء العالم وأطرافه. بل لا يمرّ يوم إلّا وذِكر سيّد الشهداء (عليه السلام) يَصدع بالحقّ، ويروي قصة الشهادة وملحمة العشق الإلهيّ.
• المصادر:
1 ـ الإرشاد، للشيخ المفيد.
2 ـ الاستيعاب، لابن عبد البَرّ.
3 ـ إعلام الورى، للطبرسيّ.
4 ـ تهذيب الأحكام، للطوسيّ / ج 6.
5 ـ تاريخ دمشق، لابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام).
6 ـ تاريخ الطبريّ / ج 5.
7 ـ تذكرة خواصّ الاُمّة، لسبط ابن الجوزيّ.
8 ـ فرائد السمطين، للحموينيّ / ج 2.
9 ـ الفصول المهمّة، لابن الصبّاغ المالكيّ.
10 ـ كامل الزيارات، لابن قولَويه.
11 ـ كشف الغمّة، للإربلّيّ / ج 2.
12 ـ مجمع الزوائد، للهيثمّي / ج 9.
13 ـ مَسارّ الشيعة، للشيخ المفيد.
14 ـ مصباح المتهجّد، للشيخ الطوسيّ.
15 ـ مطالب السّؤول، لمحمّد بن طلحة الشافعيّ.
16 ـ مقاتل الطالبيّين، لأبي فرج الإصفهانيّ.
17 ـ مناقب آل أبي طالب، لابن شهرآشوب / ج 4.
18 ـ نور الأبصار، للشبلنجيّ.
منقول عن: شبكة الإمام الرضا (عليه السلام) (http://www.imamreza.net)
(الحسين).. إختاره الله تعالى له، فهبط جبرئيل الأمين (عليه السلام) يحمل أمر ربّه (جلّ وعلا) أن يُسمّى الوليد الثاني لأمير المؤمنين عليّ وسيّدة نساء العالمين فاطمة (صلوات الله عليهما وعلى أبنائهما الطاهرين) بهذا الاسم المبارك. وكان الله (عزّ وجلّ) قد حَجَب هذا الاسم عن العرب مِن قَبلُ وادَّخَره لسِبط حبيبه (صلّى الله عليه وآله).
وقد ورد اسم الإمام الحسين (عليه السلام) في التوراة بلفظ (شُبير)، وفي الإنجيل بلفظ (طاب).
• الكُنية الشريفة:
(أبو عبد الله)، وهي الأشهر، وكُنّي أيضاً بأبي عليّ.. وفيما بعد كُنّي بـ (أبي الأئمّة).
• الألقاب الزاكية:
المبارك، السِّبط، الرشيد، الطيّب، السيّد، رَيحانة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، الوفيّ، الزكيّ، الوليّ، التابع لمرضاة الله، الدليل على ذات الله، سيّد الشهداء، سيّد شباب أهل الجنّة.. وهي حُلَلٌ إلهيّة هبطت تكريماً لهذا الوليّ الكبير، وخِلَع ربّانيّة تحكي معالي مقامه السامي وشرفه الّذي لم يسبق إليه سابق.
• نقش خاتمه:
(حَسْبيَ الله).
• مقامه الإلهيّ:
هو المعصوم الخامس من أصحاب الكساء: النبيّ، والوصيّ، والصدّيقة الكبرى، والحسن المجتبى (صلوات الله عليهم).
وهو الإمام الثالث بعد أبيه أمير المؤمنين وأخيه الحسن السِّبط (عليهما السلام)، وصيّاً وخليفةً بأمر الله تعالى وبتثبيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
عاش سبعَ سنين مع جدّه النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، فكان ريحانته وفي ظِلّ عنايته ورعايته، وعاش مع أبيه الإمام عليّ (عليه السلام) سبعاً وثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن الزكيّ (عليه السلام) سبعاً وأربعين سنة.
أمّا مدّة خلافته وإمامته (عليه السلام)، فكانت عشر سنين وأشهُراً.
• مولده الأغرّ:
كان عشيّةَ الخميس ليلة الجمعة.. حيث أوحى الله (عزّ وجلّ) إلى (مالِك) خازن النار أن أخْمِد النيران على أهلها، لكرامةِ مولودٍ وُلد لمحمّد في دار الدنيا. كما في رواية ابن عبّاس، نقلها عنه الحَمْوينيّ في (فرائد السِّمطين).
فيما ذكر محمّد بن طلحة الشافعيّ أنّه (عليه السلام) وُلد لستّة أشهر، وفيه أنزل الله تعالى: ﴿وحَمْلُهُ وفِصالُه ثَلاثونَ شهْراً﴾ (سورة الأحقاف: 15). ويؤيّد ذلك ما رواه ابن قولَوَيه في (كامل الزيارات) من كلام للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) جاء فيه: «ولَم يُولَد مولودٌ لستّة أشهر إلّا عيسى بن مريم والحسين بن عليّ».
وكان ذلك في المدينة، لثلاثٍ خَلَون من شهر شعبان سنة أربع من الهجرة النبويّة المباركة. ولمّا جيء به إلى جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) استبشر به وغمرته الفرحة، فأذَّنَ في أُذُنه اليُمنى، وأقام في أُذنه اليُسرى، وحَنَّكَه بِرِيقه.. فلمّا كان اليوم السابع سمّاه ـ بأمر الله تعالى ـ حُسَيناً، وعَقَّ عنه بكبشَين، وحَلَق رأسه وتصدّق بوزنِ شَعره وَرِقاً، وطلى رأسه بالخَلُوق.
قيل: وكان من شدّة شوق النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى سِبطه الحسين (عليه السلام)، أنّه ما أن علم بمولده حتّى نادى على أسماء بنت عُمَيس: «يا أسماء، هاتي ابني». فدَفَعته إليه في خِرقةٍ بيضاء، ووضعه في حِجْره وبكى. سألته أسماء: فِداك أبي وأُمي، مِمَّ بكاؤك؟! قال: «مِن ابني هذا». قالت: إنّه وُلِدَ الساعة! قال: «يا أسماء، تَقتُلُه الفئة الباغية مِن بَعدي، لا أنالَهُمُ الله شفاعتي! يا أسماء، لا تُخبري فاطمة؛ فإنّها حديثُ عهدٍ بولادته».
• خصائصه وخصاله:
كان الإمام الحسين (صلوات الله عليه) أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لا سيّما من صدره إلى رِجلَيه. وكان رَبْعةً، ليس بالطويل ولا بالقصير، واسعَ الجبين، كَثّ اللِّحية، واسعَ الصَّدر، عظيمَ المَنكِبَين، ضَخمَ العِظام، رَحْبَ الكَفَّين والقدَمَين، رَجِلَ الشَّعر، مُتماسك البدن، أبيضَ مشُرباً بحُمرة.
وكان خَصيصَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أُمور كثيرة، حتّى عبّر عنه بأنّه ريحانتُه، وابنُه، واشتهر عنه قوله فيه بصريح العبارة: «حُسَين مِنّي وأنا مِن حسين، أحبّ اللهُ مَن أحبَّ حُسَيناً».
• المَحتِد الأجلّ:
للإمام الحسين (صلوات الله عليه) نسبٌ لا يُضاهى ولا يُفاضَل.. فالجدّ أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد المصطفى الصادق الأمين (صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين). والأب سيّد الخلق بعد النبيّ وسيّد الوصيين، أمير المؤمنين عليّ (سلام الله عليه). والأُمّ سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخِرين، وسيّدة نساء أهل الجنّة، فاطمة بنت حبيب إله العالمين (عليه وآله وعليها أفضل الصلاة والسلام).
أمّا جدّته لاُمّه فهي أُمّ المؤمنين خديجة خير نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، الطاهرة الحنيفيّة، من خير نساء العالم الأربع. وجدّته لأبيه هي فاطمة بنت أسَد زوجة شيخ الأباطح أبي طالب، وأُم الوصيّ المرتضى عليّ بن أبي طالب، ومَن خَصَّها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بمراسم دفن خاصّة، صَبَّ عليها من لطفه وعنايته فيها.
• إخوته وأخواته:
لأُمّه وأبيه: الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، والمحسن السِّقط، وزينب الكبرى، وأُمّ كلثوم (عليهم جميعاً سلام الله).
أما إخوته لأبيه فقط، فهم: محمّد بن الحَنَفية، ومحمّد الأصغر وعُبَيد الله (الشهيدان مع الإمام الحسين (عليه السلام) بكربلاء، أُمّهما ليلى بنت مسعود النَّهشَليّة)، وعمر الأطرَف، ويحيى (وأُمّه أسماء بنت عُمَيس)، وجعفر والعبّاس وعبدالله وعثمان (أولاد أُمّ البنين (عليها السلام)، وقد استُشهدوا بين يدَي أخيهم وإمامهم سيّد الشهداء (عليه السلام) بكربلاء).
وأخواته لأبيه: رقيّة (أُمّها اُمّ حبيب بنت ربيعة التَّغلِبيّة)، وأُمّ الحسن، ورَملة (أُمّهما أُمّ سعيد بن عُروة بن مسعود الثقفيّة)، وأُمّ كلثوم الصغرى، وجُمانة (أُمّ جعفر)، ومَيمونة، وخديجة، وفاطمة، وأُمّ الكرام، ونفيسة، وأُمّ سلمة، وأُمامة، وزينب الصغرى، وأُم هاني.
• نساؤه:
1. ليلى بنت أبي مُرّة بن عروة بن مسعود الثقفيّ، وهي اُمّ الشهيد عليّ الأكبر (عليه السلام).
2. أُمّ إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التَّيميّ.
3. الرَّباب بنت امرئ القيس، وهي أُمّ وَلدِه عبد الله الرضيع (أو عليّ الأصغر).
4. شَهربانو بنت كِسرى يَزْدَجُرد الثالث مَلِك الفرس، وكانت قد أُسِرت في القادسيّة فاختارت الإمام الحسين (عليه السلام) أن تعيش في كَنَفه زوجة طيّبة، لتُرزق منه إماماً معصوماً هو عليّ بن الحسين، السجّاد زين العابدين (عليه السلام).
5. القُضاعيّة (أُمّ ولده جعفر، الذي تُوفّي في حياة أبيه الحسين (عليه السلام)).
• أولاده:
1. الإمام عليّ زين العابدين (عليه السلام).. ومنه نسلُ الإمام الحسين (عليه السلام) والأئمّة الثمانية المعصومون: الباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكريّ والمهديّ (صلوات الله تعالى عليهم).
2. عليّ الأكبر، الشهيد الذي فُجعت به أُمّه ليلى، كما فجع به سيّد الشهداء أبوه الحسين (عليه السلام) فلم يَقْوَ على حمله.
3. جعفر.
4. عبد الله الرضيع أو عليّ الأصغر، الشهيد على ساعد أبيه الحسين (سلام الله عليهما) بسهم حرملة، فترك في قلوب الأئمّة والأولياء والمحبيّن لوعةً لا تنتهي.
5. سكينة (أُمّها الرباب)، عُرفت هذه البنت بعبادتها حتّى عبّر عنها أبوها الإمام الحسين (عليه السلام) بقوله: «غالبٌ عليها الاستغراق مع الله». وقد عاشت وقائع طفّ كربلاء بآلامها، كما شاركت عمّتها العقيلة زينب (صلوات الله عليها) فجائعَ عاشوراء ومرارات الأسر والسَّبي والسفر المضني حتّى عودتها إلى المدينة.
6. فاطمة (أُمّها أُم إسحاق)، وكانت إلى جانب اُختها سكينة في رحلة الحزن المقدّس.
7. رقيّة، الشهيدة بلوعة حزنها وشوقها لأبيها، ولم تَعِشْ أكثر من أربع سنين، حيث تُوفّيت في خربة الشام وهي سَبيّة في كَنَف عمّها زين العابدين وعمتها زينب الكبرى (عليهما السلام). ولها اليوم بناء شامخ ومشهد سامق على أنقاض مقبرة الأمويين المندرسة، يؤمّ قبرَها الشريف قلوب أهل الولاء للبيت النبويّ الشريف من أرجاء العالم.
• أصحابه:
هم كثير.. بعضهم ذَوو رحِمه من بني هاشم، وبعضهم رافقوه إلى ساحة الشهادة المُثلى، وبعضٌ أخلص له وأعذر، نقتصر هنا على ذكر هذه النخبة:
أسلَم التُّركيّ، جَون (مولى أبي ذرّ)، حبيب بن مظاهر الأسديّ، الحُرّ بن يزيد الرِّياحيّ، زُهَير بن قيس البَجَليّ، سعيد بن عبد الله الحَنَفيّ، شَوْذَب (مولى بني شاكر)، عابِس الشاكريّ، عمرو بن خالد الصَّيداويّ، عبدالله بن يَقْطُر، أبو ثُمامةَ الصائديّ، مسلم بن عَوسَجَة الأسديّ، نافع بن هلال الجَمَليّ، واضِح الرُّوميّ، وَهْب بن حَبّاب الكَلبيّ، قيس بن مُسهِر الصَّيداوي، زُهَير بن القَيْن البَجَليّ، هانئ بن عُروَة، عبدالله بن عَفيف الأزديّ، جابر بن الحَجّاج التَّيميّ، جُنادة بن كَعب الأنصاريّ...
• بوّابه:
أسعد الهَجَريّ.
• شاعره:
يحيى بن الحكَم، وجماعة.
• الحكّام المعاصرون:
عاصر الإمام الحسين (عليه السلام) حكم جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المدينة المنوّرة (1 ـ 11 هـ)، وحكم أبيه أمير المؤمنين عليّ ((عليه السلام)) في الكوفة (36 ـ 40 هـ)، والمدّة اليسيرة الّتي حكم فيها أخوه الإمام الحسن (عليه السلام) في الكوفة (40 ـ 41 هـ).
إضافةً إلى معاصرته حكم:
1. أبي بكر بن أبي قحافة (11 ـ 13 هجريّة).
2. عمر بن الخطّاب (13 ـ 23 هجريّة).
3. عثمان بن عفّان (23 ـ 35 هجريّة).
4. معاوية (35 ـ 60 هجريّة).
5. أول أيّام حكم يزيد بن معاوية (60 ـ 64 هجريّة).
• وقائع مهمّة في حياته (عليه السلام):
لم تُعرف لأهل البيت (عليهم السلام) طفولة، إذ نزّههم الله تعالى من الجهل، حتّى أدركوا ما كان يجري من وقائع وأحداث وأحاديث. فعايش الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) تاريخ الرسالة الإسلاميّة، واستنشق عبير الوحي، ونشأ في بيت النبوّة ومهبط التنزيل ومختلَف ملائكة الرحمان.. وكانت أُذنه ـ كأُذن أبيه ـ واعية، فوعى ما حدث، وعانى ما رأى وسمع.
بعد تلك الحروب المريرة يُتوفّى حبيبه وجدّه رسول الله محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فتعظم المصيبة بفقده أوّلاً وانقطاع الوحي ثانياً. ثمّ تكون الحوادث متتابعة تنطوي على الفتن والابتلاءات الشديدة. وتحلّ الفاجعة الكبرى بشهادة أُمّه الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وقبلها ابنها السِّقط الّذي سمّاه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من قبلُ بــ (المُحسِن) (سلامُ الله عليه).
ويكون الإمام عليّ (عليه السلام) بعد أن بويع في غدير خُمّ بإمرة المؤمنين وأنّه وصيّ رسول ربّ العالمين.. جليسَ الدار، فيلازمه ولده الحسين (صلوات الله عليهما) لا يبارحه هو وأخوه الحسن الزكيّ (عليهما السلام). هكذا.. وبعد ربع قرن تُعاد الخلافة الظاهريّة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وعيناه وعضُداه الحسن والحسين (سلام الله عليهما).. فيشتركان مع أبيهما في حروبه الثلاث ضدّ الناكثين والقاسطين والمارقين: الجمل وصفّين والنهروان.
إلى أن كانت الفاجعة الكبرى بشهادة وليّ الله الأعظم في محرابه، فيتجدّد الحزن العميق في قلب الإمام الحسين (عليه السلام)، وتمرّ عليه سنوات مريرة، وهو يلازم أخاه الإمام الحسن (عليه السلام) مقدِّماً له كلَّ أدب واحترام وطاعة.. ويعيش معه تلك الوقائع المؤلمة، حيث يكون من القوم الخيانةُ والتمرّد وأثَرة الدنيا وطلب الراحة، ثمّ المخالفة والملامة على الإمام، والانكفاء على الوجوه هرباً من فرض الولاية لأهل البيت (عليهم السلام).
إلى أن كانت الفاجعة الاُخرى بسقي الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ذلك السمّ الذي قذف معه كبده المقدس وأحشاءه الشريفة، ليكون بعد أيّام محمولاً في نعشه لا يُجاز له أن يُزار به جدّه لتجديد العهد معه في قبره الشريف.
ويطول من الإمام الحسين (عليه السلام) حُزنُه، وهو يرى أهل بيته يغادرونه شهداء مظلومين، والناس في اختبار عصيب لم يثبت منهم أمام عواصف الترغيب والترهيب إلّا ثلّة قليلة، ورياح الفتن السوداء أعمت الكثير من القلوب والعيون، فلم تعد تطلب الحقيقة. ثمّ الأمرّ والأخطر أن يأخذ المُضِلّون بتحريف معالم الإسلام وتشويه عقائده وشرائعه الحقّة، فضلاً عن إغواء الناس وجرّهم إلى مواقع الفساد والرذيلة.
فيبلغ الإمام الحسين (عليه السلام) تكليفه الإلهيّ الحقّ، فيرى أنّ هذا الدين لا يُحمى إلّا بدمه الزاكي، فنهض (عليه السلام) بنفسه أوّلاً، وبأهل بيته وأعزّته وأفلاذ كبده ثانياً، وبالأوفياء الخلّص الأخيار من أصحابه ثالثاً.. وأعدّ الركب الشريف في السفر إلى الله تعالى، إلى ملحمة العشق الإلهيّ والعروج المبارك في ساحة كربلاء.
وقد بعث إلى الكوفة قبل ذلك سفيره وثقته ابن عمّه مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه)، فغُدر به وقُتل على يد الظالم عبيد الله بن زياد قتلة منكرة.. فبكى له الحسين (عليه السلام) بدموع عزيزة وغزيرة.
ولكنّ القافلة الحسينيّة الشريفة ـ وفيها حُرم وحرمات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ سارت، وقد ضمّت إليها الجلال السامي زينب العقيلة بنت أمير المؤمنين (عليه السلام)، لتروي قصّة الطف قولاً صادعاً وعملاً واقعاً. بل كان في القافلة الحسينيّة المباركة مع سيّد الشهداء وسيّد شباب أهل الجنّة إمامان وريثان له: الإمام عليّ بن الحسين، وابنه الإمام محمّد الباقر ـ وكان عمره يوم ذاك بين الثالثة والرابعة ـ (صلوات الله عليهم).
وكانت الواقعة الرهيبة المهيبة في عاشر المحرّم الحرام، سنة إحدى وستين من الهجرة النبويّة، ما يعجز الوصف والبيان عن تصويرها، وتجفّ الأقلام والألسن عن تفصيلها، وترتهب لها قلوب العارفين وأهل المعنى والموالين والمحبيّن، إذ تجزع وتفقد صبرها عن سماع النزر مما وقع.. وما أدرانا ما وقع!
لقد تغيّرت العوالم، وهبطت ملائكة الحزن والبكاء، وكان ما لا ينتهي التفجّع عليه إذ أصبح ثاراً لله الجبّار! ويكفي أن يُشار إلى ما حدث إشارات.. حيث لا تهنأ بعد ذلك روح، ولا ترقأ دمعة.
ثمّ بعد تقطيع الأجساد الزكيّة الطاهرة الشريفة.. لا يكون دفن، إلى ثلاثة أيّام، أبدان مجزّرة في عراء الأرض غيّرتها حرارة الشمس.. لا تُعرف إذ فُصلت عنها الرؤوس الكريمة. حتّى يُقبل الإمام السجّاد عليّ بن الحسين (عليه السلام)، ليدفن الأجساد الشريفة في مشهد ملؤه الأسى.. وذلك في الثالث عشر من المحرّم الحرام سنة 61 هجريّة.
ولا تنتهي فاجعة كربلاء حتّى تكون بعدها قصّة السَّبي والأسر وحرق الخيام ونهب الركب الحسينيّ، وأحداث متتابعة ينظر إليها المرء مدهوشاً مذهولاً لا يدري ماذا يقول؟!
ويحيا الحسين (صلوات الله عليه) علَماً شامخاً، ورمزاً ومظهراً لكلّ خير وفضيلة وشرف وعُلىً وكرامة.. ويُقتَل قَتلَتُه ويُرمى بهم في مستنقعات الخزي الأبديّ والعار الدائميّ، ويُنقَلون إلى حُفَر النيران ينتظرون مصيراً لا يُوصف عذابه!
ويتجلّى للإمام الحسين (عليه السلام) قبرٌ شُيّد من الإباء، وقبّة ترتقي على قواعد العزّ، ومشهد وروضة وحريم للزائرين من أقطار الدنيا جميعاً، يؤدّون هنالك حجّ القلوب والأرواح، ويسكبون عند الضريح القدسيّ عبرات الحزن والعزاء، ودموع الشوق والولاء، ويجدّدون معه ميثاق الوفاء.
ولا يمرّ محرّم.. إلّا وللإمام الحسين (عليه السلام) مآتم في كلّ بلد وبلدة، وفي كلّ أرجاء العالم وأطرافه. بل لا يمرّ يوم إلّا وذِكر سيّد الشهداء (عليه السلام) يَصدع بالحقّ، ويروي قصة الشهادة وملحمة العشق الإلهيّ.
• المصادر:
1 ـ الإرشاد، للشيخ المفيد.
2 ـ الاستيعاب، لابن عبد البَرّ.
3 ـ إعلام الورى، للطبرسيّ.
4 ـ تهذيب الأحكام، للطوسيّ / ج 6.
5 ـ تاريخ دمشق، لابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام).
6 ـ تاريخ الطبريّ / ج 5.
7 ـ تذكرة خواصّ الاُمّة، لسبط ابن الجوزيّ.
8 ـ فرائد السمطين، للحموينيّ / ج 2.
9 ـ الفصول المهمّة، لابن الصبّاغ المالكيّ.
10 ـ كامل الزيارات، لابن قولَويه.
11 ـ كشف الغمّة، للإربلّيّ / ج 2.
12 ـ مجمع الزوائد، للهيثمّي / ج 9.
13 ـ مَسارّ الشيعة، للشيخ المفيد.
14 ـ مصباح المتهجّد، للشيخ الطوسيّ.
15 ـ مطالب السّؤول، لمحمّد بن طلحة الشافعيّ.
16 ـ مقاتل الطالبيّين، لأبي فرج الإصفهانيّ.
17 ـ مناقب آل أبي طالب، لابن شهرآشوب / ج 4.
18 ـ نور الأبصار، للشبلنجيّ.
منقول عن: شبكة الإمام الرضا (عليه السلام) (http://www.imamreza.net)