مولى أبي تراب
05-03-2014, 02:16 PM
بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحَمّْدُ للهِ رَبِّ العَاْلَمِيْنَ .. عَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ وَبِهِ نَسْتَعِيْن
وَصَلَّى اللهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْن
-------------------
« مطهّريّة الشمس »
إذا تنجّس الجسم الطاهر كالثوب والبدن والأرض بملاقاة أحد أعيان النجاسة كالبول والدم صار متنجّساً ، وذكر الفقهاء جملة من الأمور التي يمكن من خلالها تطهير ذلك المتنجّس وإعادته الى حالة الطهارة قبل التنجّس كالماء مثلاً ، فإذا تنجّس الثوب بالدم أمكن تطهيره بغسله بالماء فيكون الماء مطهّراً من النجاسة .
وأسموا هذه الأمور ( المطهّرات ) وهي : الماء ، والأرض ، والشمس ، والاستحالة ، والانقلاب ، والانتقال ، والإسلام ، والتبعية ، وغياب المسلم ، وزوال عين النجاسة ، واستبراء الحيوان ، وخروج الدم بالمقدار المتعارف من الذبيحة ، وذهاب الثلثين في العصير العنبي المغليّ .
واتفقوا على مطهرية أغلب هذه الأمور ، لكنهم اختلفوا في بعضها فقيل هي من المطهرات وقيل لا ، ومن هذه الأمور : الشمس فالمشهور بين الفقهاء أنها من المطهرات ، وخالف بعض الفقهاء وحكموا بعدم كونها من المطهرات .
ولتوضيح الحال وإعطاء صورة واضحة عن المسألة وهي مطهرية الشمس نتكلم في أمرين :
الأمر الأول / بيان حكم مطهرية الشمس وآراء الفقهاء في المسألة .
الأمر الثاني / بيان حدود مطهرية الشمس على القول بأنها من المطهرات .
أما الأمر الأول / وهو حكم مطهرية الشمس
اختلف الفقهاء في أن الشمس هل هي كالماء ونحوه فتكون مطهرة للأشياء المتنجسة أو أنها ليست كذلك ؟ والأقوال ثلاثة :
القول الأول : وهو المعروف والمشهور بين علمائنا أن الشمس من المطهرات في الجملة ، وأنها من موجبات إزالة النجاسة عن بعض المتنجّسات الآتي ذكرها في الأمر الثاني إن شاء الله تعالى (1) .
القول الثاني : أن الشمس ليست من المطهرات لكنها من أسباب العفو عن نجاسة بعض المتنجسات في بعض آثار النجاسة ، مثلاً إذا كان التراب متنجساً فأشرقت عليه الشمس فجففت بأشعتها رطوبة تلك النجاسة لم يطهر التراب وبقي على نجاسته غير أن نجاسته يكون معفواً عنها في جواز السجود عليه ، بمعنى أن الشارع أباح لنا أن نتعامل معه معاملة الطاهر في جواز السجود عليه مع أنه يشترط في ما يسجد عليه أن يكون طاهراً ، وذلك تنزيلاً لما أشرقت عليه الشمس منزلة الطاهر لرواية دلت على ذلك ، وهكذا يجوز التيمم بذلك التراب مع أنه يشترط فيما يتيمم به الطهارة وذلك تنزيلاً لما أشرقت عليه الشمس منزلة الطاهر فيسوغ التيمم به ، وهذا رأي بعض علمائنا كقطب الدين الراوندي (2) والسيد نعمة الله الجزائري (3) والمحقق الحلي في بعض كتبه (4) .
القول الثالث : أن الشمس ليست من المطهرات ولا من أسباب العفو عن النجاسة ، ذهب الى ذلك بعض الفقهاء كالسيد محمد باقر الصدر (5) والسيد محمد الصدر (6) والشيخ الفياض (7) .
وهذا القول وإن كان أحوط الأقوال الثلاثة لمن أراد مراعاة الاحتياط ، الا أن القول الأول هو المشهور بين فقهائنا كما تقدم ، وحينئذٍ ينفتح الكلام عن حدود مطهرية الشمس وأنه على القول الأول الذي يرى كون الشمس من المطهرات فما هي الأمور التي يمكن أن تطهر بواسطة الشمس ؟ فهل الشمس مطهرة لكل متنجس ؟ أم أن مطهريتها تقتصر على موارد معينة ؟ وهذا ما يتكفل الأمر الثاني بتوضيحه والإجابة عليه .
الأمر الثاني / بيان حدود مطهرية الشمس
بعض المطهرات ثبت شرعاً أنها قابلة لتطهير جميع المتنجسات القابلة للتطهير ، وبعضها تطهر بعض المتنجسات دون بعض فالمطهرية ثابتة لها في بعض الموارد وبلحاظ متنجسات خاصة .
وينحصر القسم الأول في مطهر واحد وهو الماء ، فهو مطهّر لجميع المتنجسات ولا تختص مطهريته بمورد دون آخر .
وأما القسم الثاني فيدخل فيه باقي المطهرات غير الماء ، فكل واحد من المطهرات غير الماء ثبت له المطهرية شرعاً في موارد خاصة وبلحاظ متنجسات معينة لا مطلقاً .
فالانقلاب مثلاً مطهر للخمر فقط عندما ينقلب خلاً أو أي شيء آخر غير الخمر ، والأرض تطهر باطن القدم والنعل فقط ، وهكذا .
ومن ذلك الشمس فهي لا تفيد المطهرية لكل متنجس ، فلا تطهر الثوب مثلاً ولا الفراش ولا البدن ونحو ذلك ، بل تطهر أشياء خاصة فقط ، حيث ثبتت المطهرية لها في موارد معينة ، وقع الاتفاق على بعضها بين أصحاب القول الأول القائلين بمطهرية الشمس ، واختلفوا في مطهريتها في البعض الآخر .
ولذا قلنا أن القول الأول هو المعروف والمشهور ( في الجملة ) أي إجمالاً ، بمعنى أن مشهور العلماء وأكثرهم اتفقوا على أصل الحكم وهو مطهرية الشمس الا أنهم اختلفوا في التفاصيل وتفريعات هذا الحكم .
ومن ذلك اختلافهم في حدود مطهريتها أي فيما تطهره الشمس أي شيء هو ؟
والمعروف اتفاقهم على مطهرية الشمس في موردين :
1. الأرض ، وهي القدر المتيقن مما يطهر بالشمس عند القائلين بالمطهرية ، فإذا كانت الأرض متنجسة بالبول مثلاً فأشرقت عليها الشمس حتى يبست فإنها تصير طاهرة بذلك .
وعنوان الأرض يشمل الحصى والأحجار والتراب والطين فإذا تنجس شيء من ذلك ثم أشرقت عليه الشمس حتى جفت النجاسة مع زوال عينها تحققت الطهارة .
2. الأشياء الثابتة غير المنقولة كالأبنية ، فإذا تنجس الجدار أو السطح فأشرقت عليه الشمس حتى جفت النجاسة وزالت عينها فذلك موجب للطهارة .
والقول باختصاص المطهرية بالأرض وإن كان رأياً لبعض الفقهاء (8) الا أن المعروف والمشهور بين القائلين بمطهرية الشمس شمول المطهرية لما لا ينقل أيضاً .
واختلفوا في موارد وهي :
1. الأشياء المنقولة الملحقة بالأشياء الثابتة غير المنقولة والمتصلة بها كالأبواب والأخشاب والحديد الداخلة في البناء ، أي أجزاء الأبنية والأشياء غير المنقولة فإنها في حكم الأبنية والأشياء غير المنقولة ، فإذا تنجس الباب المثبت في الحائط فإنه يطهر بالشمس كما يطهر الحائط المتنجس بها ، وكذلك ما هو مثبت في الأرض كالمسمار فإنه في حكم الأرض ما دام مثبتاً فيها فيطهر بالشمس .
والقول بمطهرية الشمس في هذا المورد هو المعروف حيث ألحق أكثر الفقهاء بالأبنية ما اتصل بها من أخشاب وأعتاب وأبواب وأوتاد ، الا أن بعض الفقهاء استشكل في ذلك كالسيد السيستاني (9) .
2. النبات والأشجار والثمار التي على الأشجار قبل قطفها ، فإن الشمس مطهرة لكل ذلك أيضاً ، فإذا تنجست الثمرة وهي على الشجرة وأشرقت عليها الشمس فجففت النجاسة قبل قطف الثمرة فإنها تصير طاهرة بذلك ، على ما هو المعروف بين الفقهاء خلافاً لبعضهم كالسيد السيستاني حيث استشكل في المطهرية هنا أيضاً كما استشكل في ثبوت مطهرية الشمس في المورد السابق (9) وكذلك الشيخ وحيد الخراساني (10) .
3. الحصر والبواري ، وفي تطهير الشمس لها خلاف ، والمعروف بين فقهائنا المعاصرين الاستشكال في الحكم بالمطهرية بل المنع من ذلك (11) ، وخالف بعضهم فأفتوا بمطهرية الشمس لها (12) كالسيد السيستاني .
أما ما عدا الحصر والبواري من الأشياء المنقولة فلا خلاف في عدم مطهرية الشمس لها كالأواني والفرش والثياب والأثاث ونحو ذلك فلا خلاف في عدم مطهرية الشمس لها حتى عند القائلين بمطهرية الشمس .
مما تقدم يعلم أن الشمس لا تطهر كل شيء متنجس بل تختص مطهريتها بموارد معينة وهي المذكورة آنفاً على خلاف في بعضها كما تقدم .
والحاصل / الشمس عند القائلين بمطهريتها لا تطهر كل شيء بل تختص مطهريتها بالأرض والثوابت دون المنقولات فإن الشمس ليست مطهرة لها باستثناء : 1. الحصر والبواري . 2. وما يلحق بالأرض والأبنية على الخلاف المتقدم في هذين الاستثنائين .
كيفية حصول التطهير بالشمس
لا يكفي في حصول التطهير بالشمس أن تشرق الشمس على محل النجاسة ، بل هناك ثلاثة شروط لا بد من توفرها في تحقق التطهير بالشمس وهي :
الشرط الأول : رطوبة الموضع ومحل النجاسة فلا يكفي أن تشرق الشمس على الموضع النجس إذا كان يابساً ، كما لو تنجست الأرض بالبول حتى جفت بغير الشمس كالحرارة أو الهواء ثم أشرقت الشمس على الموضع بعد جفافه فهذا لا يكفي في التطهير ، بل لا بد في حصول التطهير بالشمس من إشراقها على المحل قبل جفاف البول حتى يجف بالشمس نفسها ، وأما بعد جفافه بغير الشمس فيمكن التطهير بالشمس بصب الماء - ولو كان نجساً - على موضع البول ثم يجف الموضع بإشراق الشمس .
الشرط الثاني : أن يكون جفاف الموضع مستنداً الى الشمس وإشراقها عرفاً ، فلا يحصل التطهير باستناد الجفاف الى الهواء أو مصدر آخر للحرارة غير الشمس كالنار ونحوها بل ولا بحرارة الشمس نفسها من دون أن تشرق على الموضع كما لو كان هناك حاجب من غيم ونحوه ، بل لا بد من استناد جفاف موضع النجاسة الى إشراق الشمس .
ولو استند الجفاف الى الشمس وشيء آخر كالريح بحيث يكونا معاً سبباً لجفاف الموضع فإن كان تأثير الشمس أكبر وأقوى في حصول الجفاف بحيث يكون الجفاف مستنداً الى الشمس في نظر العرف كفى ذلك في حصول التطهير لذا ذكر الفقهاء أنه لا بأس بمشاركة الريح بالنحو المتعارف في التجفيف .
الشرط الثالث : زوال عين النجاسة ، فحتى يحصل التطهير بالشمس لا بد أولاً من زوال عين النجاسة ثم جفاف محلها وأثرها بإشراق الشمس ، والا فما دامت عين النجاسة باقية فلا مجال لحصول التطهير وإن حصل الجفاف بها كما هو الحال في التطهير بباقي المطهرات بما فيها الماء فزوال عين النجاسة شرط عام في كل عملية تطهير ، فلا اختصاص لهذا الشرط بالتطهير بالشمس .
هذا فيما إذا كان للنجاسة عين بحيث يبقى لها جرم ظاهر بعد الجفاف بالشمس كالغائط والدم دون مثل البول مما لا جرم له بعد التجفيف وإن بقي أثره فيكفي أن تشرق عليه الشمس وتجففه .
هذا ملخص الكلام في مطهرية الشمس
.
.
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
.
.
.
.
----------------------------
(1) لاحظ العروة الوثقى للسيد اليزدي ج 1 ص 261 ، وأيضاً منهاج الصالحين للسيد الخوئي ج 1 ص 124 ، وغيرهما .
(2) نسب اليه الفقهاء هذا القول في موسوعاتهم الفقهية كالسيد الحكيم في المستمسك العروة الوثقى ج 2 ص 77 ، ونسب السيد الخوئي هذا القول الى الشيخ المفيد وجماعة من القدماء والمتأخرين لاحظ التنقيح ج 3 ص 140 .
(3) التحفة السنية ص 95 .
(4) المعتبر ج 1 ص 445 .
(5) حيث لم يذكر الشمس في جملة المطهرات في رسالته الفتاوى الواضحة ، وفي تعليقته على منهاج الصالحين للسيد محسن الحكيم ج 1 ص 171 ه 381 قال : ( لا تخلو أصل مطهرية الشمس من اشكال ) .
(6) منهج الصالحين للسيد محمد الصدر ج 1 ص 52 مسألة 587 ، قال : ( الاقوى كون الشمس ليست من المطهرات لأي شيء ، فيكون مقتضى الاستصحاب الحكم ببقاء النجاسة ) .
(7) منهاج الصالحين للشيخ محمد إسحاق الفياض ج 1 ص 192 قال : ( ولكنَّه لا يخلو عن إشكال ، بل لا يبعد عدم مطهِّريَّة الشمس مطلقاً ، ولا يكتفى في شيء من الموارد في التطهير بها ) .
(8) لاحظ مثلاً منهاج الصالحين للسيد محمد الروحاني ج 1 ص 44 ، وهو رأي بعض فقهائنا السابقين .
(9) منهاج الصالحين للسيد السيستاني ج 1 ص 157 قال : ( وفي الحاق ما يتصل بها من الأبواب والأخشاب والأوتاد والأشجار وما عليها من الأوراق والثمار والخضروات والنباتات اشكال ) ومعنى الإشكال الاحتياط الوجوبي بعدم المطهرية ، وحينئذٍ مقلدوه بالخيار بين الالتزام بالاحتياط وبين الرجوع الى الأعلم فالأعلم من بعده ممن يفتي بالمطهرية وعدم الالتزام بهذا الاحتياط .
(10) منهاج الصالحين للشيخ الخراساني ج 2 ص 137 .
(11) لاحظ مثلاً منهاج الصالحين للسيد الخوئي ج 1 ص 124 قال ( وفي تطهير الحصر ، والبواري بها ، اشكال بل منع ) .
(12) وهو رأي بعض الفقهاء السابقين ومن المعاصرين لاحظ منهاج الصالحين للسيد محمد صادق الروحاني ج 1 ص 131 ، وأيضاً منهاج الصالحين للسيد السيستاني ج 1 ص 157 قال ( لا يبعد الالحاق في الحصر والبواري سوى الخيوط التي تشتمل عليها ) .
الحَمّْدُ للهِ رَبِّ العَاْلَمِيْنَ .. عَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ وَبِهِ نَسْتَعِيْن
وَصَلَّى اللهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْن
-------------------
« مطهّريّة الشمس »
إذا تنجّس الجسم الطاهر كالثوب والبدن والأرض بملاقاة أحد أعيان النجاسة كالبول والدم صار متنجّساً ، وذكر الفقهاء جملة من الأمور التي يمكن من خلالها تطهير ذلك المتنجّس وإعادته الى حالة الطهارة قبل التنجّس كالماء مثلاً ، فإذا تنجّس الثوب بالدم أمكن تطهيره بغسله بالماء فيكون الماء مطهّراً من النجاسة .
وأسموا هذه الأمور ( المطهّرات ) وهي : الماء ، والأرض ، والشمس ، والاستحالة ، والانقلاب ، والانتقال ، والإسلام ، والتبعية ، وغياب المسلم ، وزوال عين النجاسة ، واستبراء الحيوان ، وخروج الدم بالمقدار المتعارف من الذبيحة ، وذهاب الثلثين في العصير العنبي المغليّ .
واتفقوا على مطهرية أغلب هذه الأمور ، لكنهم اختلفوا في بعضها فقيل هي من المطهرات وقيل لا ، ومن هذه الأمور : الشمس فالمشهور بين الفقهاء أنها من المطهرات ، وخالف بعض الفقهاء وحكموا بعدم كونها من المطهرات .
ولتوضيح الحال وإعطاء صورة واضحة عن المسألة وهي مطهرية الشمس نتكلم في أمرين :
الأمر الأول / بيان حكم مطهرية الشمس وآراء الفقهاء في المسألة .
الأمر الثاني / بيان حدود مطهرية الشمس على القول بأنها من المطهرات .
أما الأمر الأول / وهو حكم مطهرية الشمس
اختلف الفقهاء في أن الشمس هل هي كالماء ونحوه فتكون مطهرة للأشياء المتنجسة أو أنها ليست كذلك ؟ والأقوال ثلاثة :
القول الأول : وهو المعروف والمشهور بين علمائنا أن الشمس من المطهرات في الجملة ، وأنها من موجبات إزالة النجاسة عن بعض المتنجّسات الآتي ذكرها في الأمر الثاني إن شاء الله تعالى (1) .
القول الثاني : أن الشمس ليست من المطهرات لكنها من أسباب العفو عن نجاسة بعض المتنجسات في بعض آثار النجاسة ، مثلاً إذا كان التراب متنجساً فأشرقت عليه الشمس فجففت بأشعتها رطوبة تلك النجاسة لم يطهر التراب وبقي على نجاسته غير أن نجاسته يكون معفواً عنها في جواز السجود عليه ، بمعنى أن الشارع أباح لنا أن نتعامل معه معاملة الطاهر في جواز السجود عليه مع أنه يشترط في ما يسجد عليه أن يكون طاهراً ، وذلك تنزيلاً لما أشرقت عليه الشمس منزلة الطاهر لرواية دلت على ذلك ، وهكذا يجوز التيمم بذلك التراب مع أنه يشترط فيما يتيمم به الطهارة وذلك تنزيلاً لما أشرقت عليه الشمس منزلة الطاهر فيسوغ التيمم به ، وهذا رأي بعض علمائنا كقطب الدين الراوندي (2) والسيد نعمة الله الجزائري (3) والمحقق الحلي في بعض كتبه (4) .
القول الثالث : أن الشمس ليست من المطهرات ولا من أسباب العفو عن النجاسة ، ذهب الى ذلك بعض الفقهاء كالسيد محمد باقر الصدر (5) والسيد محمد الصدر (6) والشيخ الفياض (7) .
وهذا القول وإن كان أحوط الأقوال الثلاثة لمن أراد مراعاة الاحتياط ، الا أن القول الأول هو المشهور بين فقهائنا كما تقدم ، وحينئذٍ ينفتح الكلام عن حدود مطهرية الشمس وأنه على القول الأول الذي يرى كون الشمس من المطهرات فما هي الأمور التي يمكن أن تطهر بواسطة الشمس ؟ فهل الشمس مطهرة لكل متنجس ؟ أم أن مطهريتها تقتصر على موارد معينة ؟ وهذا ما يتكفل الأمر الثاني بتوضيحه والإجابة عليه .
الأمر الثاني / بيان حدود مطهرية الشمس
بعض المطهرات ثبت شرعاً أنها قابلة لتطهير جميع المتنجسات القابلة للتطهير ، وبعضها تطهر بعض المتنجسات دون بعض فالمطهرية ثابتة لها في بعض الموارد وبلحاظ متنجسات خاصة .
وينحصر القسم الأول في مطهر واحد وهو الماء ، فهو مطهّر لجميع المتنجسات ولا تختص مطهريته بمورد دون آخر .
وأما القسم الثاني فيدخل فيه باقي المطهرات غير الماء ، فكل واحد من المطهرات غير الماء ثبت له المطهرية شرعاً في موارد خاصة وبلحاظ متنجسات معينة لا مطلقاً .
فالانقلاب مثلاً مطهر للخمر فقط عندما ينقلب خلاً أو أي شيء آخر غير الخمر ، والأرض تطهر باطن القدم والنعل فقط ، وهكذا .
ومن ذلك الشمس فهي لا تفيد المطهرية لكل متنجس ، فلا تطهر الثوب مثلاً ولا الفراش ولا البدن ونحو ذلك ، بل تطهر أشياء خاصة فقط ، حيث ثبتت المطهرية لها في موارد معينة ، وقع الاتفاق على بعضها بين أصحاب القول الأول القائلين بمطهرية الشمس ، واختلفوا في مطهريتها في البعض الآخر .
ولذا قلنا أن القول الأول هو المعروف والمشهور ( في الجملة ) أي إجمالاً ، بمعنى أن مشهور العلماء وأكثرهم اتفقوا على أصل الحكم وهو مطهرية الشمس الا أنهم اختلفوا في التفاصيل وتفريعات هذا الحكم .
ومن ذلك اختلافهم في حدود مطهريتها أي فيما تطهره الشمس أي شيء هو ؟
والمعروف اتفاقهم على مطهرية الشمس في موردين :
1. الأرض ، وهي القدر المتيقن مما يطهر بالشمس عند القائلين بالمطهرية ، فإذا كانت الأرض متنجسة بالبول مثلاً فأشرقت عليها الشمس حتى يبست فإنها تصير طاهرة بذلك .
وعنوان الأرض يشمل الحصى والأحجار والتراب والطين فإذا تنجس شيء من ذلك ثم أشرقت عليه الشمس حتى جفت النجاسة مع زوال عينها تحققت الطهارة .
2. الأشياء الثابتة غير المنقولة كالأبنية ، فإذا تنجس الجدار أو السطح فأشرقت عليه الشمس حتى جفت النجاسة وزالت عينها فذلك موجب للطهارة .
والقول باختصاص المطهرية بالأرض وإن كان رأياً لبعض الفقهاء (8) الا أن المعروف والمشهور بين القائلين بمطهرية الشمس شمول المطهرية لما لا ينقل أيضاً .
واختلفوا في موارد وهي :
1. الأشياء المنقولة الملحقة بالأشياء الثابتة غير المنقولة والمتصلة بها كالأبواب والأخشاب والحديد الداخلة في البناء ، أي أجزاء الأبنية والأشياء غير المنقولة فإنها في حكم الأبنية والأشياء غير المنقولة ، فإذا تنجس الباب المثبت في الحائط فإنه يطهر بالشمس كما يطهر الحائط المتنجس بها ، وكذلك ما هو مثبت في الأرض كالمسمار فإنه في حكم الأرض ما دام مثبتاً فيها فيطهر بالشمس .
والقول بمطهرية الشمس في هذا المورد هو المعروف حيث ألحق أكثر الفقهاء بالأبنية ما اتصل بها من أخشاب وأعتاب وأبواب وأوتاد ، الا أن بعض الفقهاء استشكل في ذلك كالسيد السيستاني (9) .
2. النبات والأشجار والثمار التي على الأشجار قبل قطفها ، فإن الشمس مطهرة لكل ذلك أيضاً ، فإذا تنجست الثمرة وهي على الشجرة وأشرقت عليها الشمس فجففت النجاسة قبل قطف الثمرة فإنها تصير طاهرة بذلك ، على ما هو المعروف بين الفقهاء خلافاً لبعضهم كالسيد السيستاني حيث استشكل في المطهرية هنا أيضاً كما استشكل في ثبوت مطهرية الشمس في المورد السابق (9) وكذلك الشيخ وحيد الخراساني (10) .
3. الحصر والبواري ، وفي تطهير الشمس لها خلاف ، والمعروف بين فقهائنا المعاصرين الاستشكال في الحكم بالمطهرية بل المنع من ذلك (11) ، وخالف بعضهم فأفتوا بمطهرية الشمس لها (12) كالسيد السيستاني .
أما ما عدا الحصر والبواري من الأشياء المنقولة فلا خلاف في عدم مطهرية الشمس لها كالأواني والفرش والثياب والأثاث ونحو ذلك فلا خلاف في عدم مطهرية الشمس لها حتى عند القائلين بمطهرية الشمس .
مما تقدم يعلم أن الشمس لا تطهر كل شيء متنجس بل تختص مطهريتها بموارد معينة وهي المذكورة آنفاً على خلاف في بعضها كما تقدم .
والحاصل / الشمس عند القائلين بمطهريتها لا تطهر كل شيء بل تختص مطهريتها بالأرض والثوابت دون المنقولات فإن الشمس ليست مطهرة لها باستثناء : 1. الحصر والبواري . 2. وما يلحق بالأرض والأبنية على الخلاف المتقدم في هذين الاستثنائين .
كيفية حصول التطهير بالشمس
لا يكفي في حصول التطهير بالشمس أن تشرق الشمس على محل النجاسة ، بل هناك ثلاثة شروط لا بد من توفرها في تحقق التطهير بالشمس وهي :
الشرط الأول : رطوبة الموضع ومحل النجاسة فلا يكفي أن تشرق الشمس على الموضع النجس إذا كان يابساً ، كما لو تنجست الأرض بالبول حتى جفت بغير الشمس كالحرارة أو الهواء ثم أشرقت الشمس على الموضع بعد جفافه فهذا لا يكفي في التطهير ، بل لا بد في حصول التطهير بالشمس من إشراقها على المحل قبل جفاف البول حتى يجف بالشمس نفسها ، وأما بعد جفافه بغير الشمس فيمكن التطهير بالشمس بصب الماء - ولو كان نجساً - على موضع البول ثم يجف الموضع بإشراق الشمس .
الشرط الثاني : أن يكون جفاف الموضع مستنداً الى الشمس وإشراقها عرفاً ، فلا يحصل التطهير باستناد الجفاف الى الهواء أو مصدر آخر للحرارة غير الشمس كالنار ونحوها بل ولا بحرارة الشمس نفسها من دون أن تشرق على الموضع كما لو كان هناك حاجب من غيم ونحوه ، بل لا بد من استناد جفاف موضع النجاسة الى إشراق الشمس .
ولو استند الجفاف الى الشمس وشيء آخر كالريح بحيث يكونا معاً سبباً لجفاف الموضع فإن كان تأثير الشمس أكبر وأقوى في حصول الجفاف بحيث يكون الجفاف مستنداً الى الشمس في نظر العرف كفى ذلك في حصول التطهير لذا ذكر الفقهاء أنه لا بأس بمشاركة الريح بالنحو المتعارف في التجفيف .
الشرط الثالث : زوال عين النجاسة ، فحتى يحصل التطهير بالشمس لا بد أولاً من زوال عين النجاسة ثم جفاف محلها وأثرها بإشراق الشمس ، والا فما دامت عين النجاسة باقية فلا مجال لحصول التطهير وإن حصل الجفاف بها كما هو الحال في التطهير بباقي المطهرات بما فيها الماء فزوال عين النجاسة شرط عام في كل عملية تطهير ، فلا اختصاص لهذا الشرط بالتطهير بالشمس .
هذا فيما إذا كان للنجاسة عين بحيث يبقى لها جرم ظاهر بعد الجفاف بالشمس كالغائط والدم دون مثل البول مما لا جرم له بعد التجفيف وإن بقي أثره فيكفي أن تشرق عليه الشمس وتجففه .
هذا ملخص الكلام في مطهرية الشمس
.
.
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
.
.
.
.
----------------------------
(1) لاحظ العروة الوثقى للسيد اليزدي ج 1 ص 261 ، وأيضاً منهاج الصالحين للسيد الخوئي ج 1 ص 124 ، وغيرهما .
(2) نسب اليه الفقهاء هذا القول في موسوعاتهم الفقهية كالسيد الحكيم في المستمسك العروة الوثقى ج 2 ص 77 ، ونسب السيد الخوئي هذا القول الى الشيخ المفيد وجماعة من القدماء والمتأخرين لاحظ التنقيح ج 3 ص 140 .
(3) التحفة السنية ص 95 .
(4) المعتبر ج 1 ص 445 .
(5) حيث لم يذكر الشمس في جملة المطهرات في رسالته الفتاوى الواضحة ، وفي تعليقته على منهاج الصالحين للسيد محسن الحكيم ج 1 ص 171 ه 381 قال : ( لا تخلو أصل مطهرية الشمس من اشكال ) .
(6) منهج الصالحين للسيد محمد الصدر ج 1 ص 52 مسألة 587 ، قال : ( الاقوى كون الشمس ليست من المطهرات لأي شيء ، فيكون مقتضى الاستصحاب الحكم ببقاء النجاسة ) .
(7) منهاج الصالحين للشيخ محمد إسحاق الفياض ج 1 ص 192 قال : ( ولكنَّه لا يخلو عن إشكال ، بل لا يبعد عدم مطهِّريَّة الشمس مطلقاً ، ولا يكتفى في شيء من الموارد في التطهير بها ) .
(8) لاحظ مثلاً منهاج الصالحين للسيد محمد الروحاني ج 1 ص 44 ، وهو رأي بعض فقهائنا السابقين .
(9) منهاج الصالحين للسيد السيستاني ج 1 ص 157 قال : ( وفي الحاق ما يتصل بها من الأبواب والأخشاب والأوتاد والأشجار وما عليها من الأوراق والثمار والخضروات والنباتات اشكال ) ومعنى الإشكال الاحتياط الوجوبي بعدم المطهرية ، وحينئذٍ مقلدوه بالخيار بين الالتزام بالاحتياط وبين الرجوع الى الأعلم فالأعلم من بعده ممن يفتي بالمطهرية وعدم الالتزام بهذا الاحتياط .
(10) منهاج الصالحين للشيخ الخراساني ج 2 ص 137 .
(11) لاحظ مثلاً منهاج الصالحين للسيد الخوئي ج 1 ص 124 قال ( وفي تطهير الحصر ، والبواري بها ، اشكال بل منع ) .
(12) وهو رأي بعض الفقهاء السابقين ومن المعاصرين لاحظ منهاج الصالحين للسيد محمد صادق الروحاني ج 1 ص 131 ، وأيضاً منهاج الصالحين للسيد السيستاني ج 1 ص 157 قال ( لا يبعد الالحاق في الحصر والبواري سوى الخيوط التي تشتمل عليها ) .