شجون الزهراء
09-03-2014, 12:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
إن ما تقدم قد أعطانا صورة عن الأبواب لبيوت مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله). ولكن، بما أن البعض قد حاول - بدعوى عدم وجود أبواب في المدينة - تأييد إنكاره لما جرى على الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، من الهجوم على بابها، ومحاولة إحراقه، وما تبع ذلك من الاعتداء عليها بالضرب، من أكثر من شخص، حتى أسقطت جنينها، بل وكسر ضلعها أيضا، فماتت صديقة، شهيدة، صابرة محتسبة.
.
فنقول : إحراق الباب أو التهديد به :
1 - روى البلاذري وغيره ; وروته الشيعة من طرق كثيرة: أن أبا بكر أرسل إلى علي يريده للبيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ، ومعه قبس ، فتلقته فاطمة على الباب ، فقالت : يا ابن الخطاب ، أتراك محرقا علي بابي ؟ ! . قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك . وجاء علي فبايع ( 1 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) البحار : ج 28 ص 389 و 411 ، وهامش ص 268 ، عن البلاذري ، وأنساب الأشراف : ج 1 ص 586 ، وراجع المصادر التالية : وبعضها أبدل كلمة بابي بكلمة بيتي : الشافي للسيد المرتضى : ج 3 ص 241 ، والعقد الفريد : ج 4 ص 259 و 260 و ج 2 ص 250 و ج 3 ص 63 ، وكنز العمال : ج 3 ص 149 ، => والرياض النضرة : ج 1 ص 167 ، والمختصر في أخبار البشر ، لأبي الفداء : ج 1 ص 156 ، والطرائف : ص 239 ، وتاريخ الخميس : ج 1 ص 178 ، ونهج الحق : ص 271 ، ونفحات اللاهوت : ص 79 ، وراجع : مسند فاطمة في العوالم : ج 11 ص 602 و 408 ، والشافي لابن حمزة : ج 4 ص 174 ، وتلخيص الشافي : ج 3 ص 76 ، وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 2 ص 147 .
2 - وفي نص آخر ، قال المفضل للصادق عليه السلام : يا مولاي ، ما في الدموع من ثواب ؟ قال : ما لا يحصى . . إلى أن تقول الرواية : فقال له الصادق (عليها السلام) : ولا كيوم محنتنا في كربلاء ، وإن كان يوم السقيفة ، وإحراق النار على باب أمير المؤمنين ، والحسن والحسين ، وفاطمة ، وزينب ، وأم كلثوم عليهم السلام ، وفضة ، وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمر ، لأنه أصل يوم العذاب ( 1 ) .
وقال عليه السلام : ويأتي محسن مخضبا محمولا تحمله خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين الخ . . ( 2 ) .
ــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) و ( 2 ) فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى : ص 532 ، عن نوائب الدهور للعلامة السيد الميرجهاني : ص 194 . ( * )
3 - روى المفضل حديثا : عن الإمام الصادق : يتحدث فيه عن الإمام الحجة ، ورجعة بعض الأموات فكان ما قاله : " ضرب سلمان الفارسي ، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن والحسين عليهم السلام لإحراقهم بها ، وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة بالسوط ، ورفس بطنها وإسقاطها محسنا . . إلى أن تقول الرواية : " وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وزينب ، وأم كلثوم عليهم السلام ، وفضة ، وإضرامهم النار على الباب ، وخروج فاطمة ، وخطابها لهم من وراء الباب وقولها : ويحك يا عمر ، ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله ؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه ، وتطفئ نور الله والله متم نوره " . ثم تذكر الرواية جواب عمر لها وفيه : " فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا " .
وتقول هذه الرواية أيضا : وإدخال قنفذ يده ( لعنه الله ) يروم فتح الباب ، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود ، وركل الباب برجله ، حتى أصاب بطنها ، وهي حامل بالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه .
وهجوم عمر ، وقنفذ وخالد بن الوليد ، وصفقة خدها حتى بان قرطها تحت خمارها ، وهي تجهر بالبكاء ، وتقول : " وا أبتاه وا رسول الله ، ابنتك فاطمة تكذب ، وتضرب ، ويقتل جنينها في بطنها وخروج أمير المؤمنين (عليها السلام) من داخل الدار محمر العين حاسرا . . إلى أن قال : " فقد جاءها المخاض من الرفسة ، ورد الباب ، فأسقطت محسنا ( 1 ) " .
ـــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) البحار : ج 53 ، ص 14 و 17 و 18 و 19 . ( * )
4 - ويروي سليم بن قيس هذه القضية ، عن سلمان وعبد الله بن عباس ، فذكرا : إنه بعد أن بويع أبو بكر ، بعثا - أبو بكر وعمر - مرارا ، وأبى علي (عليها السلام) أن يأتيهم ، فوثب عمر غضبان ، ونادى خالد بن الوليد ، وقنفذا ، فأمرهما أن يحملا حطبا ونارا ، ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي ، وفاطمة عليهما السلام قاعدة خلف الباب ، وقد عصبت رأسها ، ونحل جسمها بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فأقبل عمر حتى ضرب الباب ، ثم نادى : يا ابن أبي طالب ; افتح الباب ، فقالت فاطمة (عليها السلام) : يا عمر ، ما لنا ولك لا تدعنا وما نحن فيه ؟ ! . قال : افتحي الباب ، وإلا أحرقنا عليكم . فقالت : يا عمر ، أما تتقي الله عز وجل ، تدخل علي بيتي ، وتهجم علي داري ، فأبى أن ينصرف ، ثم دعا بالنار ، فأضرمها في الباب ، فأحرق الباب ، ثم دفعه عمر ، فاستقبلته فاطمة ، وصاحت : يا أبتاه يا رسول الله الخ . . ( 1 ) وثمة تفصيلات أخرى لما جرى فراجع ( 2 ) .
5 - وفي رواية المفيد : " انفذ عمر بن الخطاب قنفذا ، وقال له : أخرجهم من البيت ، فإن خرجوا ، وإلا فاجمع الأحطاب على بابه ، واعلمهم أنهم إن لم يخرجوا أضرمت عليهم البيت نارا " . ثم قام بنفسه في جماعة ، منهم المغيرة بن شعبة الثقفي ، وسالم مولى أبي حذيفة ، حتى صاروا إلى باب علي عليه السلام ، فنادى : يا فاطمة بنت رسول الله ، أخرجي ، من اعتصم ببيتك ليبايع ، ويدخل فيما دخل فيه المسلمون ، وإلا - والله - أضرمت عليهم نارا . . وفي حديث مشهور ( 3 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) البحار : ج 43 ص 197 و 198 و ج 28 ص 299 وكتاب سليم بن قيس : ج 2 ص 250 ( ط الأعلمي ) .
( 2 ) البحار : ج 28 ص 268 - 270 و 261 .
( 3 ) الجمل : ص 117 و 118 ( ط جديد ) . ( * )
وفي نص آخر : أنه حين بويع لأبي بكر كان علي (عليها السلام) والزبير يدخلون على فاطمة (عليها السلام) ويشاورونها ، ويرتجعون في أمرهم ، فبلغ ذلك عمر ، فجاء إلى فاطمة فقال : " يا بنت رسول الله ، والله ، ما من الخلق أحب إلي من أبيك ، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ، ما ذلك بمانعي إن اجتمع النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم الباب ، فلما خرج عمر جاءوها ، قالت : تعلمون : أن عمر قد جاءني ، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم الباب ، وأيم الله ، ليمضين ما حلف عليه ، فانصرفوا راشدين ، فروا رأيكم الخ . . فانصرفوا عنها ، فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا ( 1 ) . وليلاحظ : أنه يذكر تحريق الباب لا البيت ، وهو ما قد حصل بالفعل .
6 - يقول عمر : " فلما انتهينا إلى الباب ، فرأتهم فاطمة (عليها السلام) أغلقت الباب في وجوههم ، وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها ، فضرب عمر الباب برجله فكسره ، وكان من سعف ، ثم دخلوا فأخرجوا عليا (عليها السلام) ملببا " ( 2 ) .
7 - وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في وصيته لعلي (عليها السلام) عن فاطمة " . . . وويل لمن هتك حرمتها ، وويل لمن أحرق بابها ، وويل لمن آذى خليلها ، وويل لمن شاقها وبارزها " ( 3 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) منتخب كنز العمال : ( مطبوع بهامش مسند أحمد ) ج 2 ص 174 و ج 5 ص 651 ، والاستيعاب ( بهامش الإصابة ) : ج 2 ص 254 و 255 ، والوافي بالوفيات : ج 17 ص 311 ، وكنز العمال : ج 5 ص 651 ، وإفحام الأعداء والخصوم : ص 72 ، وعن المصنف لابن أبي شيبة : ج 14 ص 567 ، والحديث موجود في شرح نهج البلاغة للمعتزلي : ج 2 ص 45 عن الجوهري وفي الشافي : ج 4 ص 110 ، والمغني للقاضي عبد الجبار : ج 20 قسم 1 ص 335 ، وقرة العين ، لولي الله الدهلوي : ( ط بيشاور ) ص 78 ، والشافي لابن حمزة : ج 4 ص 174 ، ونهاية الإرب : ج 19 ص 40 .
( 2 ) البحار: ج 28 ص 227، وتفسير العياشي : ج 2 ص 67، وراجع : الاختصاص: ص 185 و 186، وتفسير البرهان: ج 2 ص 93.
( 3 ) البحار : ج 22 ص 485 ، وخصائص الأئمة : ص 72 . ( * )
8 - وفي حديث مروي عن الزهراء نفسها تقول : " فجمعوا الحطب الجزل على بابنا ، وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا ، فوقفت بعضادة الباب ، وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفوا عنا وينصرونا ، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر ، فضرب به عضدي ، فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج ، وركل الباب برجله ، فرده علي ، وأنا حامل ، فسقطت لوجهي والنار تسعر ، وتسفع وجهي ، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني ، وجاءني المخاض ، فأسقطت محسنا قتيلا بغير جرم ( 1 ) .
9 - ومما قاله بعض الزيدية مما استحسنه النقيب في الرد على الجويني : " . . فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر التي يجب فيها التخليد في النار ، والبراءة من فاعله ، ومن أوكد عرى الإيمان ؟ ! وصار كشف بيت فاطمة ، والدخول عليها منزلها ، وجمع حطب ببابها وتهديدها بالتحريق من أوكد عرى الإيمان " . وقد نقل هذا القول عن كراس لبعض الزيدية ورأى فيه أبو جعفر جوابا كافيا للجويني ( 2 ) .
10 - ويقول المسعودي: " فوجهوا إلى منزله، فهجموا عليه، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرها " (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) البحار : ( ط قديم ) ج 2 ص 231 ، و ( ط جديد ) ج 30 ص 348 ، عن إرشاد القلوب للديلمي .
( 2 ) راجع شرح المنهج للمعتزلي : ج 20 ص 16 و 17 .
( 3 ) إثبات الوصية : ص 143 ، والبحار : ج 28 ص 308 . ( * )
11 - وقد اعتبر المعتزلي الشافعي الروايات التي تقول : " إن عمر ضغطها بين الباب والجدار حتى أسقطت جنينها " هي مما تنفرد به الشيعة ( 1 ) . ولكن كلامه هذا غير دقيق ، فقد روى ذلك كثيرون من غير الشيعة ، كما ذكرناه في قسم النصوص فراجع .
12 - وذكر المجلسي رحمه الله تعالى عهدا كان كتبه الخليفة الثاني إلى معاوية يحكي فيه له ما جرى لهم مع الزهراء (عليها السلام) ، وقد جاء فيه قوله : فأتيت داره مستيشرا ( 2 ) لإخراجه منها ، فقالت الأمة فضة - وقد قلت لها قولي لعلي : يخرج إلى بيعة أبي بكر فقد اجتمع عليه المسلمون فقالت : إن أمير المؤمنين (عليها السلام) مشغول ، فقلت : خلي عنك هذا وقولي له : يخرج وإلا دخلنا عليه وأخرجناه كرها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) شرح النهج للمعتزلي : ج 2 ص 60 .
( 2 ) ما في مطبوع البحار يقرأ : مستأشرا ، والمستأشر : هو الذي يدعو إلى تحزيز الأسنان ، كما في القاموس 1 / 364 . قال في مجمع البحرين 3 / 511 : وشرت المرأة أنيابها وشرا - من باب وعد - إذا حددتها ورققتها فهي واشرة ، واستوشرت : سألت أن يفعل بها ذلك . أقول : ولعل الواو قلبت ياء ولعله كناية . ( * )
فخرجت فاطمة فوقفت من وراء الباب ، فقالت : أيها الضالون المكذبون ! ماذا تقولون ؟ وأي شئ تريدون ؟ . فقلت : يا فاطمة ! . فقالت فاطمة : ما تشاء يا عمر ؟ ! . فقلت : ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب ؟ . فقالت لي : طغيانك - يا شقي - أخرجني وألزمك الحجة ، وكل ضال غوي . فقلت : دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء وقولي لعلي يخرج . فقالت : لا حبا ولا كرامة ( 1 ) أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر ؟ ! وكان حزب الشيطان ضعيفا . فقلت : إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها نارا على أهل هذا البيت وأحرق من فيه ، أو يقاد علي إلى البيعة . وأخذت سوط قنفذ فضربت ( 2 ) وقلت لخالد بن الوليد : أنت ورجالنا هلموا في جمع الحطب ، فقلت : إني مضرمها .
فقالت : يا عدو الله وعدو رسوله وعدو أمير المؤمنين ، فضربت فاطمة يديها ( 3 ) من الباب تمنعني من فتحه فرمته فتصعب علي فضربت كفيها بالسوط فآلمها ، فسمعت لها زفيرا وبكاء ، فكدت أن ألين وأنقلب عن الباب فذكرت أحقاد علي وولوعه في دماء صناديد العرب ، إلى أن قال : فركلت ( 4 ) الباب وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه ، وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها ، وقالت : يا أبتاه ! يا رسول الله ! هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك ، آه يا فضة ! إليك فخذيني ، فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل . وسمعتها تمخض ( 5 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) كذا وردت في ( ك ) ، إلا أنه وضع على : فقالت : رمز مؤخر ( م ) ، وعلى : لا حب ولا كرامة ، رمز مقدم ، فتصير هكذا : لا حب ولا كرامة فقالت : أبحزب . . إلى آخره ، والظاهر : لا حبا .
( 2 ) في ( س ) : وضربت وأخذت سوط قنفذ .
( 3 ) جاء في ( س ) : يدها .
( 4 ) قال في القاموس 3 / 386 : الركل : الضرب برجل واحدة .
( 5 ) قال في القاموس 2 / 344 : مخضت تمخيضا : أخذها الطلق . ( * )
وهي مستندة إلى الجدار ، فدفعت الباب ودخلت فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري ، فصفقت صفقة ( 1 ) على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها وتناثرت إلى الأرض ، وخرج علي ، فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار ، وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما : نجوت من أمر عظيم .
وفي رواية أخرى : قد جنيت جناية عظيمة لا آمن على نفسي . وهذا علي قد برز من البيت وما لي ولكم جميعا به طاقة . فخرج علي وقد ضربت يديها إلى ناصيتها لتكشف عنها وتستغيث بالله العظيم ما نزل بها ، فأسبل علي عليها ملاءتها ( 2 ) وقال لها : يا بنت رسول الله ! إن الله بعث أباك رحمة للعالمين ، إلى أن قال : فكوني - يا سيدة النساء - رحمة على هذا الخلق المنكوس ولا تكوني عذابا . واشتد بها المخاض ودخلت البيت فأسقطت سقطا سماه علي : محسنا . وجمعت جمعا كثيرا ، لا مكاثرة لعلي ولكن ليشد بهم قلبي ، وجئت - وهو محاصر - فاستخرجته من داره . . إلى أن قال : وأبو بكر يقول : ويلك يا عمر ، ما الذي صنعت بفاطمة ( 3 ) .
13 - وقال عبد الجليل القزويني الرازي عن عمر : إنه " ضرب الباب على بطن فاطمة ، ومنعها من البكاء على أبيها " ( 4 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) في ( س ) : صفقته .
( 2 ) قال في مجمع البحرين 1 / 398 : ملاءة : كل ثوب لين رقيق .
( 3 ) البحار : ج 30 ص 293 - 295 ، والهداية الكبرى للخصيبي ، ص 417 .
( 4 ) النقض : ص 302 . ( * )
14 - وقال الفيض الكاشاني : " . . ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء المنافقين وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام ، فوافوا بابه مغلقا . فصاحوا به : أخرج يا علي ، فإن خليفة رسول الله يدعوك ، فلم يفتح لهم الباب . فأتوا بحطب ، فوضعوه على الباب ، وجاؤا بالنار ليضرموه ، فصاح عمر ، وقال : والله لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار .
فلما عرفت فاطمة عليها السلام أنهم يحرقون منزلها ، قامت ، وفتحت الباب . فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم . فاختبأت فاطمة عليها السلام وراء الباب والحائط . ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو جالس على فراشه ، واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحبا من داره ، ملببا بثوبه ، يجرونه إلى المسجد. فحالت فاطمة بينهم وبين بعلها، وقالت: والله، لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلما . .
إلى أن تقول الرواية : فتركه أكثر القوم لأجلها . فأمر عمر قنفذ بن عمران ، أن يضربها بسوطه . فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها ، وأثر في جسمها الشريف . وكان ذلك الضرب أقوى ضرر في إسقاط جنينها . وكان رسول الله صلى الله عليه وآله سماه محسنا . وجعلوا يقودون أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد ، حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر ، فلحقته فاطمة لتخلصه فلم تتمكن من ذلك ، فعدلت إلى قبر أبيها ، فأشارت إليه الخ . . " ( 1 ) .
ــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) علم اليقين ، للفيض الكاشاني : ص 686 - 688 ، الفصل العشرون . ( * )
ويؤيد ما تقدم :
1 - قولهم : " فحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط . . . إلى أن قال : فأرسل أبو بكر إلى قنفذ لضربها ، فألجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها ، فكسر ضلعا من جنبها ، وألقت جنينا من بطنها " ( 1 ) .
2 - وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال : " ألا إن فاطمة بابها بابي ، وبيتها بيتي ، فمن هتكه ، فقد هتك حجاب الله " ( 2 ) .
3 - وقال المحقق الكركي : " والطلب إلى البيعة بالإهانة والتهديد بتحريق البيت ، وجمع الحطب عند الباب ، وإسقاط فاطمة محسنا ، ولقد ذكروا - كما رواه أصحابنا - إغراء للباقين بالظلم لهم ، والانتقام منهم ( 3 ) . وقال : " فضلا عن الزامهم له (عليها السلام) بها ، والتشديد عليه ، والتهديد بتحريق البيت ، وجمع الحطب عند الباب ، كما رواه المحدثون والمؤرخون ، مثل الواقدي وغيرهم " ( 4 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الاحتجاج : ج 1 ص 212 .
( 2 ) البحار : ج 22 ص 477 ، وفي الهامش عن الطرائف
( 3 ) نفحات اللاهوت : ص 130 .
( 4 ) المصدر السابق : ص 65 . ( * )
4 - ونقل ابن خيزرانة في غرره : " قال زيد بن أسلم كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة ، حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا فقال عمر لفاطمة : أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه . قال : وفي البيت علي وفاطمة ، والحسن والحسين ، وجماعة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) . فقالت فاطمة : تحرق على ولدي ؟ ! فقال : أي والله ، أو ليخرجن وليبايعن " ( 1 ) .
ــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) نهج الحق : ص 271 ، وقال في هامشه : هذا قريب مما رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : ص 12 وابن الشحنة في تاريخه : ( بهامش الكامل ) ج 7 ص 164 وأبو الفداء في تاريخه : ج 1 ص 156 ، وابن عبد ربه في العقد الفريد : ج 2 ص 254 ، واليعقوبي في تاريخه : ج 2 ص 105 . ( * )
إذا عرف السبب زال العجب :
وبعد ما تقدم يتضح : أن سبب إنكار وجود الأبواب لبيوت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة ، ثم إنكار الأبواب لبيوت المدينة بأسرها هو التشكيك في الروايات الكثيرة التي رواها أهل السنة والشيعة ، التي تثبت محاولة بعض صحابة الرسول إحراق باب الزهراء وبيتها بمن فيه ، وفيه الزهراء ، وعلي ، والحسنان وآخرون . وإذا لم يكن ثمة مصاريع وأبواب ، فلا أثر بعد هذا لكل ما رواه المحدثون والمؤرخون أن إسقاط المحسن بن علي قد كان بسبب ضربها (عليها السلام) ، ثم حصرها بين الباب والحائط ؟ !
إن من يطلع على الكيد العلمي ، والثقافي والتاريخي والمذهبي الذي أظهره خصوم أهل البيت (عليها السلام) في مواجهتهم لهم صلوات الله وسلامه عليهم لا يستطيع أن يتردد كثيرا في البخوع لهذا الأمر ، ولا أقل من جعله في الحسبان ، متلمسا الشواهد والمؤيدات له .
ويتضح ما جرى للزهراء في هذا المجال ، إذا اطلعنا على ما تقدم من نصوص لا نجد مبررا للتشكيك فيها ، بعد أن رواها الكثيرون من أولئك الذين يهمهم تبرئة ساحة هذا الفريق الذي ما زالوا يحبونه ، ويعظمونه على مر الدهور والعصور .
خلاصات :
وقد رأينا : أن هذا الفصل قد تضمن مجموعة من التعابير ، المفيدة في تأكيد وجود باب لبيت فاطمة يفتح ويغلق ، ويكسر ، ويحرق . فلاحظ الخلاصة التالية :
- أتراك محرقا علي بابي ؟
- وخطابها لهم من وراء الباب .
- وأخذت النار في خشب الباب .
- وإدخال قنفذ يده يروم فتح الباب .
- وركل الباب برجله ، زاد في نص آخر : فرده علي وأنا حامل .
- ورد الباب .
- انتهى إلى باب علي ، وفاطمة قاعدة خلف الباب .
- ضرب الباب .
- افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم .
- ثم دعا بالنار فأضرمها بالباب ، فأحرق الباب .
- أغلقت الباب في وجوههم .
- فضرب . . الباب برجله فكسره ، وكان من سعف .
- ويل لمن أحرق بابها .
- فجمعوا الحطب الجزل على بابنا ، وأتوا بالنار ليحرقوه ، ويحرقونا .
- كشف بيت فاطمة والدخول عليها منزلها ، وجمع الحطب ببابها .
- فركلت الباب . وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه .
- فدفعت الباب فدخلت .
- فإن خرجوا ، وإلا فاجمع الأحطاب على بابه .
- وأحرقوا بابه ، واستخرجوه منه كرها .
- ضغطها بين الباب والجدار .
- بابها بابي ، وبيتها بيتي .
أما بالنسبة لأحاديث تحريق بيت علي (عليها السلام) ، فقد أوردناها لارتباطها بتحريق الباب نفسه ، ولذا فلا نرى حاجة لإيراد خلاصته ، لها . وكذلك الحال بالنسبة لما أوردناه من شعر بهذا الخصوص .
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
إن ما تقدم قد أعطانا صورة عن الأبواب لبيوت مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله). ولكن، بما أن البعض قد حاول - بدعوى عدم وجود أبواب في المدينة - تأييد إنكاره لما جرى على الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، من الهجوم على بابها، ومحاولة إحراقه، وما تبع ذلك من الاعتداء عليها بالضرب، من أكثر من شخص، حتى أسقطت جنينها، بل وكسر ضلعها أيضا، فماتت صديقة، شهيدة، صابرة محتسبة.
.
فنقول : إحراق الباب أو التهديد به :
1 - روى البلاذري وغيره ; وروته الشيعة من طرق كثيرة: أن أبا بكر أرسل إلى علي يريده للبيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ، ومعه قبس ، فتلقته فاطمة على الباب ، فقالت : يا ابن الخطاب ، أتراك محرقا علي بابي ؟ ! . قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك . وجاء علي فبايع ( 1 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) البحار : ج 28 ص 389 و 411 ، وهامش ص 268 ، عن البلاذري ، وأنساب الأشراف : ج 1 ص 586 ، وراجع المصادر التالية : وبعضها أبدل كلمة بابي بكلمة بيتي : الشافي للسيد المرتضى : ج 3 ص 241 ، والعقد الفريد : ج 4 ص 259 و 260 و ج 2 ص 250 و ج 3 ص 63 ، وكنز العمال : ج 3 ص 149 ، => والرياض النضرة : ج 1 ص 167 ، والمختصر في أخبار البشر ، لأبي الفداء : ج 1 ص 156 ، والطرائف : ص 239 ، وتاريخ الخميس : ج 1 ص 178 ، ونهج الحق : ص 271 ، ونفحات اللاهوت : ص 79 ، وراجع : مسند فاطمة في العوالم : ج 11 ص 602 و 408 ، والشافي لابن حمزة : ج 4 ص 174 ، وتلخيص الشافي : ج 3 ص 76 ، وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 2 ص 147 .
2 - وفي نص آخر ، قال المفضل للصادق عليه السلام : يا مولاي ، ما في الدموع من ثواب ؟ قال : ما لا يحصى . . إلى أن تقول الرواية : فقال له الصادق (عليها السلام) : ولا كيوم محنتنا في كربلاء ، وإن كان يوم السقيفة ، وإحراق النار على باب أمير المؤمنين ، والحسن والحسين ، وفاطمة ، وزينب ، وأم كلثوم عليهم السلام ، وفضة ، وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمر ، لأنه أصل يوم العذاب ( 1 ) .
وقال عليه السلام : ويأتي محسن مخضبا محمولا تحمله خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين الخ . . ( 2 ) .
ــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) و ( 2 ) فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى : ص 532 ، عن نوائب الدهور للعلامة السيد الميرجهاني : ص 194 . ( * )
3 - روى المفضل حديثا : عن الإمام الصادق : يتحدث فيه عن الإمام الحجة ، ورجعة بعض الأموات فكان ما قاله : " ضرب سلمان الفارسي ، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن والحسين عليهم السلام لإحراقهم بها ، وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة بالسوط ، ورفس بطنها وإسقاطها محسنا . . إلى أن تقول الرواية : " وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وزينب ، وأم كلثوم عليهم السلام ، وفضة ، وإضرامهم النار على الباب ، وخروج فاطمة ، وخطابها لهم من وراء الباب وقولها : ويحك يا عمر ، ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله ؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه ، وتطفئ نور الله والله متم نوره " . ثم تذكر الرواية جواب عمر لها وفيه : " فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا " .
وتقول هذه الرواية أيضا : وإدخال قنفذ يده ( لعنه الله ) يروم فتح الباب ، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود ، وركل الباب برجله ، حتى أصاب بطنها ، وهي حامل بالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه .
وهجوم عمر ، وقنفذ وخالد بن الوليد ، وصفقة خدها حتى بان قرطها تحت خمارها ، وهي تجهر بالبكاء ، وتقول : " وا أبتاه وا رسول الله ، ابنتك فاطمة تكذب ، وتضرب ، ويقتل جنينها في بطنها وخروج أمير المؤمنين (عليها السلام) من داخل الدار محمر العين حاسرا . . إلى أن قال : " فقد جاءها المخاض من الرفسة ، ورد الباب ، فأسقطت محسنا ( 1 ) " .
ـــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) البحار : ج 53 ، ص 14 و 17 و 18 و 19 . ( * )
4 - ويروي سليم بن قيس هذه القضية ، عن سلمان وعبد الله بن عباس ، فذكرا : إنه بعد أن بويع أبو بكر ، بعثا - أبو بكر وعمر - مرارا ، وأبى علي (عليها السلام) أن يأتيهم ، فوثب عمر غضبان ، ونادى خالد بن الوليد ، وقنفذا ، فأمرهما أن يحملا حطبا ونارا ، ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي ، وفاطمة عليهما السلام قاعدة خلف الباب ، وقد عصبت رأسها ، ونحل جسمها بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فأقبل عمر حتى ضرب الباب ، ثم نادى : يا ابن أبي طالب ; افتح الباب ، فقالت فاطمة (عليها السلام) : يا عمر ، ما لنا ولك لا تدعنا وما نحن فيه ؟ ! . قال : افتحي الباب ، وإلا أحرقنا عليكم . فقالت : يا عمر ، أما تتقي الله عز وجل ، تدخل علي بيتي ، وتهجم علي داري ، فأبى أن ينصرف ، ثم دعا بالنار ، فأضرمها في الباب ، فأحرق الباب ، ثم دفعه عمر ، فاستقبلته فاطمة ، وصاحت : يا أبتاه يا رسول الله الخ . . ( 1 ) وثمة تفصيلات أخرى لما جرى فراجع ( 2 ) .
5 - وفي رواية المفيد : " انفذ عمر بن الخطاب قنفذا ، وقال له : أخرجهم من البيت ، فإن خرجوا ، وإلا فاجمع الأحطاب على بابه ، واعلمهم أنهم إن لم يخرجوا أضرمت عليهم البيت نارا " . ثم قام بنفسه في جماعة ، منهم المغيرة بن شعبة الثقفي ، وسالم مولى أبي حذيفة ، حتى صاروا إلى باب علي عليه السلام ، فنادى : يا فاطمة بنت رسول الله ، أخرجي ، من اعتصم ببيتك ليبايع ، ويدخل فيما دخل فيه المسلمون ، وإلا - والله - أضرمت عليهم نارا . . وفي حديث مشهور ( 3 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) البحار : ج 43 ص 197 و 198 و ج 28 ص 299 وكتاب سليم بن قيس : ج 2 ص 250 ( ط الأعلمي ) .
( 2 ) البحار : ج 28 ص 268 - 270 و 261 .
( 3 ) الجمل : ص 117 و 118 ( ط جديد ) . ( * )
وفي نص آخر : أنه حين بويع لأبي بكر كان علي (عليها السلام) والزبير يدخلون على فاطمة (عليها السلام) ويشاورونها ، ويرتجعون في أمرهم ، فبلغ ذلك عمر ، فجاء إلى فاطمة فقال : " يا بنت رسول الله ، والله ، ما من الخلق أحب إلي من أبيك ، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ، ما ذلك بمانعي إن اجتمع النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم الباب ، فلما خرج عمر جاءوها ، قالت : تعلمون : أن عمر قد جاءني ، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم الباب ، وأيم الله ، ليمضين ما حلف عليه ، فانصرفوا راشدين ، فروا رأيكم الخ . . فانصرفوا عنها ، فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا ( 1 ) . وليلاحظ : أنه يذكر تحريق الباب لا البيت ، وهو ما قد حصل بالفعل .
6 - يقول عمر : " فلما انتهينا إلى الباب ، فرأتهم فاطمة (عليها السلام) أغلقت الباب في وجوههم ، وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها ، فضرب عمر الباب برجله فكسره ، وكان من سعف ، ثم دخلوا فأخرجوا عليا (عليها السلام) ملببا " ( 2 ) .
7 - وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في وصيته لعلي (عليها السلام) عن فاطمة " . . . وويل لمن هتك حرمتها ، وويل لمن أحرق بابها ، وويل لمن آذى خليلها ، وويل لمن شاقها وبارزها " ( 3 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) منتخب كنز العمال : ( مطبوع بهامش مسند أحمد ) ج 2 ص 174 و ج 5 ص 651 ، والاستيعاب ( بهامش الإصابة ) : ج 2 ص 254 و 255 ، والوافي بالوفيات : ج 17 ص 311 ، وكنز العمال : ج 5 ص 651 ، وإفحام الأعداء والخصوم : ص 72 ، وعن المصنف لابن أبي شيبة : ج 14 ص 567 ، والحديث موجود في شرح نهج البلاغة للمعتزلي : ج 2 ص 45 عن الجوهري وفي الشافي : ج 4 ص 110 ، والمغني للقاضي عبد الجبار : ج 20 قسم 1 ص 335 ، وقرة العين ، لولي الله الدهلوي : ( ط بيشاور ) ص 78 ، والشافي لابن حمزة : ج 4 ص 174 ، ونهاية الإرب : ج 19 ص 40 .
( 2 ) البحار: ج 28 ص 227، وتفسير العياشي : ج 2 ص 67، وراجع : الاختصاص: ص 185 و 186، وتفسير البرهان: ج 2 ص 93.
( 3 ) البحار : ج 22 ص 485 ، وخصائص الأئمة : ص 72 . ( * )
8 - وفي حديث مروي عن الزهراء نفسها تقول : " فجمعوا الحطب الجزل على بابنا ، وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا ، فوقفت بعضادة الباب ، وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفوا عنا وينصرونا ، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر ، فضرب به عضدي ، فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج ، وركل الباب برجله ، فرده علي ، وأنا حامل ، فسقطت لوجهي والنار تسعر ، وتسفع وجهي ، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني ، وجاءني المخاض ، فأسقطت محسنا قتيلا بغير جرم ( 1 ) .
9 - ومما قاله بعض الزيدية مما استحسنه النقيب في الرد على الجويني : " . . فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر التي يجب فيها التخليد في النار ، والبراءة من فاعله ، ومن أوكد عرى الإيمان ؟ ! وصار كشف بيت فاطمة ، والدخول عليها منزلها ، وجمع حطب ببابها وتهديدها بالتحريق من أوكد عرى الإيمان " . وقد نقل هذا القول عن كراس لبعض الزيدية ورأى فيه أبو جعفر جوابا كافيا للجويني ( 2 ) .
10 - ويقول المسعودي: " فوجهوا إلى منزله، فهجموا عليه، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرها " (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) البحار : ( ط قديم ) ج 2 ص 231 ، و ( ط جديد ) ج 30 ص 348 ، عن إرشاد القلوب للديلمي .
( 2 ) راجع شرح المنهج للمعتزلي : ج 20 ص 16 و 17 .
( 3 ) إثبات الوصية : ص 143 ، والبحار : ج 28 ص 308 . ( * )
11 - وقد اعتبر المعتزلي الشافعي الروايات التي تقول : " إن عمر ضغطها بين الباب والجدار حتى أسقطت جنينها " هي مما تنفرد به الشيعة ( 1 ) . ولكن كلامه هذا غير دقيق ، فقد روى ذلك كثيرون من غير الشيعة ، كما ذكرناه في قسم النصوص فراجع .
12 - وذكر المجلسي رحمه الله تعالى عهدا كان كتبه الخليفة الثاني إلى معاوية يحكي فيه له ما جرى لهم مع الزهراء (عليها السلام) ، وقد جاء فيه قوله : فأتيت داره مستيشرا ( 2 ) لإخراجه منها ، فقالت الأمة فضة - وقد قلت لها قولي لعلي : يخرج إلى بيعة أبي بكر فقد اجتمع عليه المسلمون فقالت : إن أمير المؤمنين (عليها السلام) مشغول ، فقلت : خلي عنك هذا وقولي له : يخرج وإلا دخلنا عليه وأخرجناه كرها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) شرح النهج للمعتزلي : ج 2 ص 60 .
( 2 ) ما في مطبوع البحار يقرأ : مستأشرا ، والمستأشر : هو الذي يدعو إلى تحزيز الأسنان ، كما في القاموس 1 / 364 . قال في مجمع البحرين 3 / 511 : وشرت المرأة أنيابها وشرا - من باب وعد - إذا حددتها ورققتها فهي واشرة ، واستوشرت : سألت أن يفعل بها ذلك . أقول : ولعل الواو قلبت ياء ولعله كناية . ( * )
فخرجت فاطمة فوقفت من وراء الباب ، فقالت : أيها الضالون المكذبون ! ماذا تقولون ؟ وأي شئ تريدون ؟ . فقلت : يا فاطمة ! . فقالت فاطمة : ما تشاء يا عمر ؟ ! . فقلت : ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب ؟ . فقالت لي : طغيانك - يا شقي - أخرجني وألزمك الحجة ، وكل ضال غوي . فقلت : دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء وقولي لعلي يخرج . فقالت : لا حبا ولا كرامة ( 1 ) أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر ؟ ! وكان حزب الشيطان ضعيفا . فقلت : إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها نارا على أهل هذا البيت وأحرق من فيه ، أو يقاد علي إلى البيعة . وأخذت سوط قنفذ فضربت ( 2 ) وقلت لخالد بن الوليد : أنت ورجالنا هلموا في جمع الحطب ، فقلت : إني مضرمها .
فقالت : يا عدو الله وعدو رسوله وعدو أمير المؤمنين ، فضربت فاطمة يديها ( 3 ) من الباب تمنعني من فتحه فرمته فتصعب علي فضربت كفيها بالسوط فآلمها ، فسمعت لها زفيرا وبكاء ، فكدت أن ألين وأنقلب عن الباب فذكرت أحقاد علي وولوعه في دماء صناديد العرب ، إلى أن قال : فركلت ( 4 ) الباب وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه ، وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها ، وقالت : يا أبتاه ! يا رسول الله ! هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك ، آه يا فضة ! إليك فخذيني ، فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل . وسمعتها تمخض ( 5 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) كذا وردت في ( ك ) ، إلا أنه وضع على : فقالت : رمز مؤخر ( م ) ، وعلى : لا حب ولا كرامة ، رمز مقدم ، فتصير هكذا : لا حب ولا كرامة فقالت : أبحزب . . إلى آخره ، والظاهر : لا حبا .
( 2 ) في ( س ) : وضربت وأخذت سوط قنفذ .
( 3 ) جاء في ( س ) : يدها .
( 4 ) قال في القاموس 3 / 386 : الركل : الضرب برجل واحدة .
( 5 ) قال في القاموس 2 / 344 : مخضت تمخيضا : أخذها الطلق . ( * )
وهي مستندة إلى الجدار ، فدفعت الباب ودخلت فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري ، فصفقت صفقة ( 1 ) على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها وتناثرت إلى الأرض ، وخرج علي ، فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار ، وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما : نجوت من أمر عظيم .
وفي رواية أخرى : قد جنيت جناية عظيمة لا آمن على نفسي . وهذا علي قد برز من البيت وما لي ولكم جميعا به طاقة . فخرج علي وقد ضربت يديها إلى ناصيتها لتكشف عنها وتستغيث بالله العظيم ما نزل بها ، فأسبل علي عليها ملاءتها ( 2 ) وقال لها : يا بنت رسول الله ! إن الله بعث أباك رحمة للعالمين ، إلى أن قال : فكوني - يا سيدة النساء - رحمة على هذا الخلق المنكوس ولا تكوني عذابا . واشتد بها المخاض ودخلت البيت فأسقطت سقطا سماه علي : محسنا . وجمعت جمعا كثيرا ، لا مكاثرة لعلي ولكن ليشد بهم قلبي ، وجئت - وهو محاصر - فاستخرجته من داره . . إلى أن قال : وأبو بكر يقول : ويلك يا عمر ، ما الذي صنعت بفاطمة ( 3 ) .
13 - وقال عبد الجليل القزويني الرازي عن عمر : إنه " ضرب الباب على بطن فاطمة ، ومنعها من البكاء على أبيها " ( 4 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) في ( س ) : صفقته .
( 2 ) قال في مجمع البحرين 1 / 398 : ملاءة : كل ثوب لين رقيق .
( 3 ) البحار : ج 30 ص 293 - 295 ، والهداية الكبرى للخصيبي ، ص 417 .
( 4 ) النقض : ص 302 . ( * )
14 - وقال الفيض الكاشاني : " . . ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء المنافقين وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام ، فوافوا بابه مغلقا . فصاحوا به : أخرج يا علي ، فإن خليفة رسول الله يدعوك ، فلم يفتح لهم الباب . فأتوا بحطب ، فوضعوه على الباب ، وجاؤا بالنار ليضرموه ، فصاح عمر ، وقال : والله لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار .
فلما عرفت فاطمة عليها السلام أنهم يحرقون منزلها ، قامت ، وفتحت الباب . فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم . فاختبأت فاطمة عليها السلام وراء الباب والحائط . ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو جالس على فراشه ، واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحبا من داره ، ملببا بثوبه ، يجرونه إلى المسجد. فحالت فاطمة بينهم وبين بعلها، وقالت: والله، لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلما . .
إلى أن تقول الرواية : فتركه أكثر القوم لأجلها . فأمر عمر قنفذ بن عمران ، أن يضربها بسوطه . فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها ، وأثر في جسمها الشريف . وكان ذلك الضرب أقوى ضرر في إسقاط جنينها . وكان رسول الله صلى الله عليه وآله سماه محسنا . وجعلوا يقودون أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد ، حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر ، فلحقته فاطمة لتخلصه فلم تتمكن من ذلك ، فعدلت إلى قبر أبيها ، فأشارت إليه الخ . . " ( 1 ) .
ــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) علم اليقين ، للفيض الكاشاني : ص 686 - 688 ، الفصل العشرون . ( * )
ويؤيد ما تقدم :
1 - قولهم : " فحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط . . . إلى أن قال : فأرسل أبو بكر إلى قنفذ لضربها ، فألجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها ، فكسر ضلعا من جنبها ، وألقت جنينا من بطنها " ( 1 ) .
2 - وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال : " ألا إن فاطمة بابها بابي ، وبيتها بيتي ، فمن هتكه ، فقد هتك حجاب الله " ( 2 ) .
3 - وقال المحقق الكركي : " والطلب إلى البيعة بالإهانة والتهديد بتحريق البيت ، وجمع الحطب عند الباب ، وإسقاط فاطمة محسنا ، ولقد ذكروا - كما رواه أصحابنا - إغراء للباقين بالظلم لهم ، والانتقام منهم ( 3 ) . وقال : " فضلا عن الزامهم له (عليها السلام) بها ، والتشديد عليه ، والتهديد بتحريق البيت ، وجمع الحطب عند الباب ، كما رواه المحدثون والمؤرخون ، مثل الواقدي وغيرهم " ( 4 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الاحتجاج : ج 1 ص 212 .
( 2 ) البحار : ج 22 ص 477 ، وفي الهامش عن الطرائف
( 3 ) نفحات اللاهوت : ص 130 .
( 4 ) المصدر السابق : ص 65 . ( * )
4 - ونقل ابن خيزرانة في غرره : " قال زيد بن أسلم كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة ، حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا فقال عمر لفاطمة : أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه . قال : وفي البيت علي وفاطمة ، والحسن والحسين ، وجماعة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) . فقالت فاطمة : تحرق على ولدي ؟ ! فقال : أي والله ، أو ليخرجن وليبايعن " ( 1 ) .
ــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) نهج الحق : ص 271 ، وقال في هامشه : هذا قريب مما رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : ص 12 وابن الشحنة في تاريخه : ( بهامش الكامل ) ج 7 ص 164 وأبو الفداء في تاريخه : ج 1 ص 156 ، وابن عبد ربه في العقد الفريد : ج 2 ص 254 ، واليعقوبي في تاريخه : ج 2 ص 105 . ( * )
إذا عرف السبب زال العجب :
وبعد ما تقدم يتضح : أن سبب إنكار وجود الأبواب لبيوت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة ، ثم إنكار الأبواب لبيوت المدينة بأسرها هو التشكيك في الروايات الكثيرة التي رواها أهل السنة والشيعة ، التي تثبت محاولة بعض صحابة الرسول إحراق باب الزهراء وبيتها بمن فيه ، وفيه الزهراء ، وعلي ، والحسنان وآخرون . وإذا لم يكن ثمة مصاريع وأبواب ، فلا أثر بعد هذا لكل ما رواه المحدثون والمؤرخون أن إسقاط المحسن بن علي قد كان بسبب ضربها (عليها السلام) ، ثم حصرها بين الباب والحائط ؟ !
إن من يطلع على الكيد العلمي ، والثقافي والتاريخي والمذهبي الذي أظهره خصوم أهل البيت (عليها السلام) في مواجهتهم لهم صلوات الله وسلامه عليهم لا يستطيع أن يتردد كثيرا في البخوع لهذا الأمر ، ولا أقل من جعله في الحسبان ، متلمسا الشواهد والمؤيدات له .
ويتضح ما جرى للزهراء في هذا المجال ، إذا اطلعنا على ما تقدم من نصوص لا نجد مبررا للتشكيك فيها ، بعد أن رواها الكثيرون من أولئك الذين يهمهم تبرئة ساحة هذا الفريق الذي ما زالوا يحبونه ، ويعظمونه على مر الدهور والعصور .
خلاصات :
وقد رأينا : أن هذا الفصل قد تضمن مجموعة من التعابير ، المفيدة في تأكيد وجود باب لبيت فاطمة يفتح ويغلق ، ويكسر ، ويحرق . فلاحظ الخلاصة التالية :
- أتراك محرقا علي بابي ؟
- وخطابها لهم من وراء الباب .
- وأخذت النار في خشب الباب .
- وإدخال قنفذ يده يروم فتح الباب .
- وركل الباب برجله ، زاد في نص آخر : فرده علي وأنا حامل .
- ورد الباب .
- انتهى إلى باب علي ، وفاطمة قاعدة خلف الباب .
- ضرب الباب .
- افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم .
- ثم دعا بالنار فأضرمها بالباب ، فأحرق الباب .
- أغلقت الباب في وجوههم .
- فضرب . . الباب برجله فكسره ، وكان من سعف .
- ويل لمن أحرق بابها .
- فجمعوا الحطب الجزل على بابنا ، وأتوا بالنار ليحرقوه ، ويحرقونا .
- كشف بيت فاطمة والدخول عليها منزلها ، وجمع الحطب ببابها .
- فركلت الباب . وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه .
- فدفعت الباب فدخلت .
- فإن خرجوا ، وإلا فاجمع الأحطاب على بابه .
- وأحرقوا بابه ، واستخرجوه منه كرها .
- ضغطها بين الباب والجدار .
- بابها بابي ، وبيتها بيتي .
أما بالنسبة لأحاديث تحريق بيت علي (عليها السلام) ، فقد أوردناها لارتباطها بتحريق الباب نفسه ، ولذا فلا نرى حاجة لإيراد خلاصته ، لها . وكذلك الحال بالنسبة لما أوردناه من شعر بهذا الخصوص .