س البغدادي
12-03-2014, 03:21 PM
لم يكن الغرب بقيادة اميريكية مرتاحا او مستعدا للقبول السهل برؤية التغير الرئيسي في العلاقات الدولية عبر السعي لاقامة نظام عالمي جديد يقضي على فكرة الاحادية القطبية و يقيم نوعا من التوازن العالمي الذي لا تستأثر بالقرار فيه دولة او جهة عالمية واحدة .
و كما بات مؤكدا فان ما يدور من مواجهات سياسية مكملة للموجهات الميدانية متصلة بالازمة السورية من شأنه دفع الامور او التحضير لولادة النظام العالمي الجديد المتعدد الاقطاب لا بل المتعدد المجموعات الاستراتيجية التي و ان كانت غير متعادلة او متكافئة فيما بينها لاعتبارات شتى ، فان وجودها بذاته و قدرة بعضها على رفض الاملاء و التمسك بالحقوق الوطنية و الدفاع عنها رغم المصاعب ، ان مجرد قيام ذلك كان يكفي للقول باهتزاز الاحادية القطبية و نعيها لاحقا بعد ان خسرت ورقة الفرض بالقوة الصلبة التي انكشفت عن اخفاقات شتى من افغانستان الى العراق و لبنان .
لقد انقلب الغرب الى استراتيجية القوة الناعمة بعد فشل الصلبة ، متكئا على قدراته الهائلة في الاعلام و الاستخبارات و الدبلوماسية ، فضلا عن الكم الكبير من الانظمة السياسية القائمة على حراسة المصالح الغربية و الجاهزة لفعل اي شيء يطلبه منها واثبت الغرب باستثماراته في” الحريق العربي” قدرات هائلة في التدمير و اراقة الدماء بيد الغير و البقاء في وضع المتقنع باقنعة ” الانسانية ” و “الحريص على امن الشعوب ” و قراراتها المستقلة و حقها في الحرية و الديمقراطية . و كان الغرب بالقيادة الامريكية يطمح الى اقتلاع او تدمير العقبة الاساسية التي اعترضت مسيرتة في السيطرة على منطقة الشرق الاوسط و منها السيطرة على العالم عملا بالقاعدة الاستراتيجية الذهبية الثابتة ان من يملك قرار الشرق الاوسط يملك قرار العالم . لذا قرر تفكيك محور المقاومة الممتد من ايران شرقا الى الساحل اللبناني شمال فلسطين المحتلة غربا مرورا بقلعته الوسطى سورية .
وفي سياق الهجوم الكوني على هذا المحور وضع الغرب الخطط و حشد الطاقات التي جعلته يعتقد ان اشهرا لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة كافية لاسقاط سورية و تاليا محورها لكن الميدان كذب الاحلام ، و بعد ستة اشهر على المواجهة دخلت روسيا و معها الصين في المواجهة سياسيا و كان اعتراض دولي بوجه الولايات المتحدة و بشكل جدي ذو طبيعة استراتيجية للمرة الاولى منذ انحلال الاتحاد السوفياتي قبل عقدين من الزمن .
لقد كان الفيتو الروسي الصيني المزدوج على قرار اعده الغرب بتوجيه اميركي بشأن سورية ،قرار يمهد الطريق لتدخل اطلسي فيها ، كان بمثابة جرس الانذار لاميركا بان عهد التفرد بالقرار الدولي و النطق باسم ما تقول هي عنه ” مجتمع دولي ” انه عهد يجب ان تطوى صفحته .
ومنذ ذاك التاريخ و العلاقات الدولية تشهد تقدما روسيا بشكل خاص ، يثبت مقولة عودة روسيا الى المسرح الدولي كقوة عظمى تطرح نفسها مع حلفائها في مجموعة بريكس و تحالفها مع “محور المقاومة و الدفاع” ( ايران و سورية و المقاومة في لبنان ) شريكا رئيسيا في القرار الدولى في مواجهة الغرب الاطلسي بالقيادة الاميركية .
لكن الغرب العاجز عن العودة الى استراتيجية القوة الصلبة و فتح جبهات حروب يزج فيها جيوشه التقليدية ، و المضطرب الى حد ملامسة الخطر الجدي على الصعيد الاقتصادي ، رفض كما يبدو التسليم بهذا المستجد ، خاصة و ان خصومه – فيما لو استقام الامر لهم في اقامة نظام دولي متعدد المجموعات الاستراتيجية – سيقدرون على تجاوز الغرب و اميركا في السنوات الثلاثين القادمة نظرا لقدراتهم الاقتصادية و مواقعهم الجيوسياسية و فضاءاتهم الاسترتيجية الحيوية القابلة للتوسع و الثبيت السهل . و هنا رأى الغرب – كما يبدو- ان يترجم رفضه بعمل ما يعتمد القوة الناعمة الذكية ، التي يكرر فيها ما سماه “ثورات ملونة ” او ربيع الشعوب ” ك”الربيع العربي” الكاذب الذي ثبت و بكل تأكيد انه ” حريق عربي ” يلتهم الاخضر و اليابس.
وفي التنفيذ ، اعد الغرب لكل دولة من الدول الاساسية التي لا توافقه على سياسته اعد ملفا ناعما بدءا بروسيا الى الصين وصولا الى فنزويلا ( بالاضافة الى محور المقاومة و الدفاع ). و كان الاهم لديه الملف الروسي لتأثيره في الازمة السورية من وجهين رئيسين السياسي – الدبلوماسي المترجم في مجلس الامن و في المفاوضات التي تجري في جنيف حول الازمة السورية ، و عسكري ميداني متصل بما تدعيه اميركا من دعم روسي للجيش العربي السوري في مواجهة المجموعات الارهابية المسلحة .
واختار الغرب اوكرانيا لتفجير “القنبلة الناعمة ” بوجه روسيا . ذلك لانها على حد تعبير بريجنسكي :” المفتاح للسيطرة على روسيا إما لتفكيكيها أو لتطويعها” ، وقع الاختيار على اوكرونيا التي تشترك مع روسيا بحدود برية طويلة ، و تتقاسم معها في الماء المشاطأة على البحر الاسود ، فضلا عن وجود عنصر ديمغرافي و ديني مشترك بين البلدين يمنع روسيا من التفريط . كما وقع الاختيار على الحقبة الزمنية للتفجير في المدة التي حددت لاجراء المباريات الاولولمبية للالعاب الشتوية في سوتشي ، تلك المباريات التي رأت فيها روسيا و الرئيس بوتين خصوصا انها فرصة تاريخية لاثبات عراقة روسيا و حضارتها و قدرتها على الانفتاح و مواكبة العصر ، فانفق من اجلها ما يربو على ال 50 مليار دولار – ما ازعج اوباما لانه راى فيه عاملا مؤثرا في النجاح – .
وهكذا و مع انطلاق الالعاب الاولومبية الشتوية في سوتشي انطلقت “الحرب الناعمة ” في كييف مع تصور غربي بان من السهولة بمكان احراج روسيا و الانتقام منها عبر المس بهيبتها و تشكيل خطر يتهددها في حديقتها الخلفية و على شواطئها ايضا ، و احداث وضع سلبي ضدها يمكن صرف تداعياته مباشرة في الازمة السورية لصالح الغرب .
وبمنطق الاولويات و تحديد الخسائر دفعت روسيا او لنقل قبلت ببعض التنازلات من اجل ارضاء المعارضة الاوكرانية المسيرة غربيا ، و كانت تسوية مؤلمة وفقا لما رأى فيها الاستراتيجيون حيث تنازل فيها الرئيس الاوكراني (المدعوم روسيا ) للمعارضة و اعطاها معظم ما طلبت ، و قبل بالذهاب الى انتخابات مبكرة في غضون اشهر قليلة . مع انه يعرف ان ذلك اذا تم و بالشكل الذي حصلت التسوية فيه لن يكون في صالحه خاصة مع تهويل ممنهج تَبرع في احداثه منظومات الاعلام التي تتحكم بها الدوائر الغربية و الصهيونية ، ما يعني نوع من المغامرة الروسية المحفوفة بالمخاطر .
ورغم ذلك قبل الرئيس الاوكراني بالامر و قبلت روسيا بالتسوية المؤلمة . لكن الغرب – كما يبدو – طمع اكثر و اراد ان يستثمر الليونة الروسية التي اعتبرها ضعفا يمكن البناء عليه و الذهاب للاخر ، فانقلب على التسوية و اندفعت جماعات المعارضة الى القصر الجمهوري متنصلة من الاتفاق مطالبة بطرد الرئيس الشرعي للبلاد فورا دونما انتظار للاشهر الاربعة التي كان تفاهم على اجراء الانتخابات خلالها .
لقد شعرت روسيا بان خديعة جديدة حبكت لها ، و كان عليها ان تتصرف بما يحفظ مصالحها و حقوقها الوطنية ، فمررت الالعاب الشتوية بايامها الاخيرة و ما ان اسدلت الستار عليها في ذاك الاحتفال الحضاري الرائع ، الا و خلعت ثوب الرياضة و البروتوكول و ارتدت بزة الميدان و اتخذت من الاجراءات كل ما يلائم الوضع الخطير ، و قررت ان تدافع عن نفسها و مصالحها حتى و لو اقتضى الامر اللجوء الى الميدان و استعمال القوة العسكرية المباشرة .
جاء التصرف الروسي ببزة الميدان ليوجه رسالة قوية للغرب بان روسيا غير مستعدة للتراجع او التنازل ، و ان ما تم من تسوية قبل ايام كان له ظرف املاها ، اما اليوم فلم يعد للتنازل و التسويات المؤلمة على الصعيد الروسي محل . و مع المناورات الروسية على حدود اوكرانية و التحركات الداخلية في جزيرة القرم – التي هي روسية في الاصل مهداة لاوكرانية منذ 5 عقود فقط ابان الاتحاد السوفياتي الذي كان يضم اوكرانيا – تحركات آلت بشكل او باخر الى نوع من الانفصال الواقعي عن اوكرانيا و العمل مباشرة بالتناغم مع القرار الروسي ، يطرح السؤال عن مسار الازمة الاوكرانية و تداعياتها .خاصة و انه بات من السلم به ان روسيا لا يمكنها التراجع مهما كلفها الموقف من تضحيات لان الامر بات بالنسبة لها عملا دفاعيا مباشرا ، كما انه يطيح بالمكتسبات الاستراتيجية الهائلة التي حصدتها في السنتين الاخريتين لذلك و نرى ان اوكرانيا قد تتجه في ازمتها في اتجاه مما يلي :
1) اقدام روسيا على عمل عسكري واسع النطاق فيها ينهي الحالة الانقلابية و يعيد الرئيس الشرعي الى سدة الحكم بعد ان عزله البرلمان . لكن هذا الاحتمال محفوف بالمخاطر و قد يتخذه الغرب ذريعة ينسج على منوالها في امكنة اخرى من العالم و هذا ما لا تريده روسيا و ليس في مصلحتها ايضا سواء على الصعيد العسكري او على الصعيد السياسي ، لذلك نرى ان التدخل العسكري الروسي الشامل في اوكرانيا كلها مستبعدا .
2) تقسيم اوكرانيا بين شرق و جنوب غني يدور في الفلك الروسي ، و غرب وشمال فقير يلتحق بالقرار الاروب، و هذا لامر يريح روسيا و يزعج الغرب الذي لن يستطيع تحمل اعبار دولة فقيرة يلقى امرها على كاهله ، كما انه يتناقض مع تفاهم بودابست للعام 1994 بين روسيا و اميركا و بريطانيا حول ضمان وحدة اوكرانيا . لذلك فاننا لا نرى اللجوء اليه امرا سهلا و لكنه يبقى غير مستبعد.
3) استمرار روسيا بوضع اليد على شبه جزيرة القرم بشكل مرن ، و الضغط على السلطات الانقلابية في كييف لحملها على التراجع و الدخول في تسوية تحفظ المصالح الروسية من جهة و تحقق للغرب شيء من مصالحه في اوكرانيا دون الوصول الى لي الذراع الروسي . و هذا الامر هو الاكثر احتمالا في ظرفه الان لحاجة الجميع اليه .
4) استمرار التخبط و التأجج في الملف بكامله و ربطه بملفات ساخنة اخرى في العالم كالملف السوري و غيره ، و جعله عنوانا للبحث عندما يحين زمن التسويات الدولية و اعادة تقاسم النفوذ عالميا .
نقول بهذه الاحتمالات مع استبعادنا كليا قبول روسيا بواقع في اوكرانيا يجعل موسكو تحت رحمة القبضة الاطلسية ،و عجز الغرب اصلا عن مواجهة عسكرية او تحمل اعباء اقتصادية من اجل اوكرانية ، كما و عدم امكانية المقايضة بين سورية و اوكرانيا لان قرار سورية لن يكون الا في يد حكومتها القائمة التي تدافع عنها بكل جدارة مدعومة بمحور المقاومة و الدفاع المطمئن الى نتائج المعركة الدفاعية فيها .
و كما بات مؤكدا فان ما يدور من مواجهات سياسية مكملة للموجهات الميدانية متصلة بالازمة السورية من شأنه دفع الامور او التحضير لولادة النظام العالمي الجديد المتعدد الاقطاب لا بل المتعدد المجموعات الاستراتيجية التي و ان كانت غير متعادلة او متكافئة فيما بينها لاعتبارات شتى ، فان وجودها بذاته و قدرة بعضها على رفض الاملاء و التمسك بالحقوق الوطنية و الدفاع عنها رغم المصاعب ، ان مجرد قيام ذلك كان يكفي للقول باهتزاز الاحادية القطبية و نعيها لاحقا بعد ان خسرت ورقة الفرض بالقوة الصلبة التي انكشفت عن اخفاقات شتى من افغانستان الى العراق و لبنان .
لقد انقلب الغرب الى استراتيجية القوة الناعمة بعد فشل الصلبة ، متكئا على قدراته الهائلة في الاعلام و الاستخبارات و الدبلوماسية ، فضلا عن الكم الكبير من الانظمة السياسية القائمة على حراسة المصالح الغربية و الجاهزة لفعل اي شيء يطلبه منها واثبت الغرب باستثماراته في” الحريق العربي” قدرات هائلة في التدمير و اراقة الدماء بيد الغير و البقاء في وضع المتقنع باقنعة ” الانسانية ” و “الحريص على امن الشعوب ” و قراراتها المستقلة و حقها في الحرية و الديمقراطية . و كان الغرب بالقيادة الامريكية يطمح الى اقتلاع او تدمير العقبة الاساسية التي اعترضت مسيرتة في السيطرة على منطقة الشرق الاوسط و منها السيطرة على العالم عملا بالقاعدة الاستراتيجية الذهبية الثابتة ان من يملك قرار الشرق الاوسط يملك قرار العالم . لذا قرر تفكيك محور المقاومة الممتد من ايران شرقا الى الساحل اللبناني شمال فلسطين المحتلة غربا مرورا بقلعته الوسطى سورية .
وفي سياق الهجوم الكوني على هذا المحور وضع الغرب الخطط و حشد الطاقات التي جعلته يعتقد ان اشهرا لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة كافية لاسقاط سورية و تاليا محورها لكن الميدان كذب الاحلام ، و بعد ستة اشهر على المواجهة دخلت روسيا و معها الصين في المواجهة سياسيا و كان اعتراض دولي بوجه الولايات المتحدة و بشكل جدي ذو طبيعة استراتيجية للمرة الاولى منذ انحلال الاتحاد السوفياتي قبل عقدين من الزمن .
لقد كان الفيتو الروسي الصيني المزدوج على قرار اعده الغرب بتوجيه اميركي بشأن سورية ،قرار يمهد الطريق لتدخل اطلسي فيها ، كان بمثابة جرس الانذار لاميركا بان عهد التفرد بالقرار الدولي و النطق باسم ما تقول هي عنه ” مجتمع دولي ” انه عهد يجب ان تطوى صفحته .
ومنذ ذاك التاريخ و العلاقات الدولية تشهد تقدما روسيا بشكل خاص ، يثبت مقولة عودة روسيا الى المسرح الدولي كقوة عظمى تطرح نفسها مع حلفائها في مجموعة بريكس و تحالفها مع “محور المقاومة و الدفاع” ( ايران و سورية و المقاومة في لبنان ) شريكا رئيسيا في القرار الدولى في مواجهة الغرب الاطلسي بالقيادة الاميركية .
لكن الغرب العاجز عن العودة الى استراتيجية القوة الصلبة و فتح جبهات حروب يزج فيها جيوشه التقليدية ، و المضطرب الى حد ملامسة الخطر الجدي على الصعيد الاقتصادي ، رفض كما يبدو التسليم بهذا المستجد ، خاصة و ان خصومه – فيما لو استقام الامر لهم في اقامة نظام دولي متعدد المجموعات الاستراتيجية – سيقدرون على تجاوز الغرب و اميركا في السنوات الثلاثين القادمة نظرا لقدراتهم الاقتصادية و مواقعهم الجيوسياسية و فضاءاتهم الاسترتيجية الحيوية القابلة للتوسع و الثبيت السهل . و هنا رأى الغرب – كما يبدو- ان يترجم رفضه بعمل ما يعتمد القوة الناعمة الذكية ، التي يكرر فيها ما سماه “ثورات ملونة ” او ربيع الشعوب ” ك”الربيع العربي” الكاذب الذي ثبت و بكل تأكيد انه ” حريق عربي ” يلتهم الاخضر و اليابس.
وفي التنفيذ ، اعد الغرب لكل دولة من الدول الاساسية التي لا توافقه على سياسته اعد ملفا ناعما بدءا بروسيا الى الصين وصولا الى فنزويلا ( بالاضافة الى محور المقاومة و الدفاع ). و كان الاهم لديه الملف الروسي لتأثيره في الازمة السورية من وجهين رئيسين السياسي – الدبلوماسي المترجم في مجلس الامن و في المفاوضات التي تجري في جنيف حول الازمة السورية ، و عسكري ميداني متصل بما تدعيه اميركا من دعم روسي للجيش العربي السوري في مواجهة المجموعات الارهابية المسلحة .
واختار الغرب اوكرانيا لتفجير “القنبلة الناعمة ” بوجه روسيا . ذلك لانها على حد تعبير بريجنسكي :” المفتاح للسيطرة على روسيا إما لتفكيكيها أو لتطويعها” ، وقع الاختيار على اوكرونيا التي تشترك مع روسيا بحدود برية طويلة ، و تتقاسم معها في الماء المشاطأة على البحر الاسود ، فضلا عن وجود عنصر ديمغرافي و ديني مشترك بين البلدين يمنع روسيا من التفريط . كما وقع الاختيار على الحقبة الزمنية للتفجير في المدة التي حددت لاجراء المباريات الاولولمبية للالعاب الشتوية في سوتشي ، تلك المباريات التي رأت فيها روسيا و الرئيس بوتين خصوصا انها فرصة تاريخية لاثبات عراقة روسيا و حضارتها و قدرتها على الانفتاح و مواكبة العصر ، فانفق من اجلها ما يربو على ال 50 مليار دولار – ما ازعج اوباما لانه راى فيه عاملا مؤثرا في النجاح – .
وهكذا و مع انطلاق الالعاب الاولومبية الشتوية في سوتشي انطلقت “الحرب الناعمة ” في كييف مع تصور غربي بان من السهولة بمكان احراج روسيا و الانتقام منها عبر المس بهيبتها و تشكيل خطر يتهددها في حديقتها الخلفية و على شواطئها ايضا ، و احداث وضع سلبي ضدها يمكن صرف تداعياته مباشرة في الازمة السورية لصالح الغرب .
وبمنطق الاولويات و تحديد الخسائر دفعت روسيا او لنقل قبلت ببعض التنازلات من اجل ارضاء المعارضة الاوكرانية المسيرة غربيا ، و كانت تسوية مؤلمة وفقا لما رأى فيها الاستراتيجيون حيث تنازل فيها الرئيس الاوكراني (المدعوم روسيا ) للمعارضة و اعطاها معظم ما طلبت ، و قبل بالذهاب الى انتخابات مبكرة في غضون اشهر قليلة . مع انه يعرف ان ذلك اذا تم و بالشكل الذي حصلت التسوية فيه لن يكون في صالحه خاصة مع تهويل ممنهج تَبرع في احداثه منظومات الاعلام التي تتحكم بها الدوائر الغربية و الصهيونية ، ما يعني نوع من المغامرة الروسية المحفوفة بالمخاطر .
ورغم ذلك قبل الرئيس الاوكراني بالامر و قبلت روسيا بالتسوية المؤلمة . لكن الغرب – كما يبدو – طمع اكثر و اراد ان يستثمر الليونة الروسية التي اعتبرها ضعفا يمكن البناء عليه و الذهاب للاخر ، فانقلب على التسوية و اندفعت جماعات المعارضة الى القصر الجمهوري متنصلة من الاتفاق مطالبة بطرد الرئيس الشرعي للبلاد فورا دونما انتظار للاشهر الاربعة التي كان تفاهم على اجراء الانتخابات خلالها .
لقد شعرت روسيا بان خديعة جديدة حبكت لها ، و كان عليها ان تتصرف بما يحفظ مصالحها و حقوقها الوطنية ، فمررت الالعاب الشتوية بايامها الاخيرة و ما ان اسدلت الستار عليها في ذاك الاحتفال الحضاري الرائع ، الا و خلعت ثوب الرياضة و البروتوكول و ارتدت بزة الميدان و اتخذت من الاجراءات كل ما يلائم الوضع الخطير ، و قررت ان تدافع عن نفسها و مصالحها حتى و لو اقتضى الامر اللجوء الى الميدان و استعمال القوة العسكرية المباشرة .
جاء التصرف الروسي ببزة الميدان ليوجه رسالة قوية للغرب بان روسيا غير مستعدة للتراجع او التنازل ، و ان ما تم من تسوية قبل ايام كان له ظرف املاها ، اما اليوم فلم يعد للتنازل و التسويات المؤلمة على الصعيد الروسي محل . و مع المناورات الروسية على حدود اوكرانية و التحركات الداخلية في جزيرة القرم – التي هي روسية في الاصل مهداة لاوكرانية منذ 5 عقود فقط ابان الاتحاد السوفياتي الذي كان يضم اوكرانيا – تحركات آلت بشكل او باخر الى نوع من الانفصال الواقعي عن اوكرانيا و العمل مباشرة بالتناغم مع القرار الروسي ، يطرح السؤال عن مسار الازمة الاوكرانية و تداعياتها .خاصة و انه بات من السلم به ان روسيا لا يمكنها التراجع مهما كلفها الموقف من تضحيات لان الامر بات بالنسبة لها عملا دفاعيا مباشرا ، كما انه يطيح بالمكتسبات الاستراتيجية الهائلة التي حصدتها في السنتين الاخريتين لذلك و نرى ان اوكرانيا قد تتجه في ازمتها في اتجاه مما يلي :
1) اقدام روسيا على عمل عسكري واسع النطاق فيها ينهي الحالة الانقلابية و يعيد الرئيس الشرعي الى سدة الحكم بعد ان عزله البرلمان . لكن هذا الاحتمال محفوف بالمخاطر و قد يتخذه الغرب ذريعة ينسج على منوالها في امكنة اخرى من العالم و هذا ما لا تريده روسيا و ليس في مصلحتها ايضا سواء على الصعيد العسكري او على الصعيد السياسي ، لذلك نرى ان التدخل العسكري الروسي الشامل في اوكرانيا كلها مستبعدا .
2) تقسيم اوكرانيا بين شرق و جنوب غني يدور في الفلك الروسي ، و غرب وشمال فقير يلتحق بالقرار الاروب، و هذا لامر يريح روسيا و يزعج الغرب الذي لن يستطيع تحمل اعبار دولة فقيرة يلقى امرها على كاهله ، كما انه يتناقض مع تفاهم بودابست للعام 1994 بين روسيا و اميركا و بريطانيا حول ضمان وحدة اوكرانيا . لذلك فاننا لا نرى اللجوء اليه امرا سهلا و لكنه يبقى غير مستبعد.
3) استمرار روسيا بوضع اليد على شبه جزيرة القرم بشكل مرن ، و الضغط على السلطات الانقلابية في كييف لحملها على التراجع و الدخول في تسوية تحفظ المصالح الروسية من جهة و تحقق للغرب شيء من مصالحه في اوكرانيا دون الوصول الى لي الذراع الروسي . و هذا الامر هو الاكثر احتمالا في ظرفه الان لحاجة الجميع اليه .
4) استمرار التخبط و التأجج في الملف بكامله و ربطه بملفات ساخنة اخرى في العالم كالملف السوري و غيره ، و جعله عنوانا للبحث عندما يحين زمن التسويات الدولية و اعادة تقاسم النفوذ عالميا .
نقول بهذه الاحتمالات مع استبعادنا كليا قبول روسيا بواقع في اوكرانيا يجعل موسكو تحت رحمة القبضة الاطلسية ،و عجز الغرب اصلا عن مواجهة عسكرية او تحمل اعباء اقتصادية من اجل اوكرانية ، كما و عدم امكانية المقايضة بين سورية و اوكرانيا لان قرار سورية لن يكون الا في يد حكومتها القائمة التي تدافع عنها بكل جدارة مدعومة بمحور المقاومة و الدفاع المطمئن الى نتائج المعركة الدفاعية فيها .