ايهاب الموسوي
07-04-2014, 10:48 PM
تروي عائشة أن الرسول ( ص ) كان يخلوا بغار حراء يتعبد فيه الليالي ذوات العدد . وأن الملك جاءه فقال اقرأ .
قال : " ما أنا بقارئ " . فأخذه فغطه حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال : اقرأ . قال : " ما أنا بقارئ " . فأخذه فغطه ثانية
حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال : اقرأ . قال : " ما أنا بقارئ " . فأخذه فغطه الثالثة ثم أرسله فقال : ( اقرأ باسم ربك
الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم ) . فرجع بها الرسول يرجف فؤاد ودخل على خديجة
قائلا : " زملوني زملوني " . فزملوه حتى ذهب منه الروع . واخبر خديجة بالخبر وقال : " لقد خشيت على نفسي " . . فأخذته خديجة على ورقة بن نوفل وكان على دين النصرانية . .
الرسول الجاهل : الرسول يفر من الوحي ويفتي بلا علم ويحتال عليه الناس . ويتميز عليه عمر . .
تكتظ كتب السنن بعشرات الروايات التي تصف الرسول ( ص ) بالجهل وتشكك في قدراته على القيام بدوره كنبي مرسل . . وكالعادة بارك الفقهاء هذه الروايات وقاموا بتبريرها وتأويلها دون أن ينتبهوا إلى خطورتها ومساسها بشخص الرسول . .
ولقد تمادى الفقهاء في موقفهم فباركوا روايات ترفع مقام عمر فوق مقام الرسول وتدخله مقام النبوة وتجعله مشاركا للرسول في أمر الوحي ولقد جمعنا في هذا الباب الكثير من الروايات المتناثرة في كتب السنن والتي تصلح كل رواية منها ليقوم عليها
بابا خاصا بها . لكننا ألحقناها بالباب لقرب موضوعها من موضوعه وتجنبا للإطالة وتيسيرا للقارئ . .
وبين الروايات المتعلقة بالرسول والروايات المتعلقة بعمر نقف في دهشة وضجر من هؤلاء الفقهاء الذين هان عليهم رسولهم إلى هذا الحد . .
- الرسول والوحي : بدا القوم بتجهيل الرسول ( ص ) مع أول خطوة خطاها على طريق البعثة والرسالة في مكة . .
تروي عائشة أن الرسول ( ص ) كان يخلوا بغار حراء يتعبد فيه الليالي ذوات العدد . وأن الملك جاءه فقال اقرأ .
قال : " ما أنا بقارئ " . فأخذه فغطه حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال : اقرأ . قال : " ما أنا بقارئ " . فأخذه فغطه ثانية
حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال : اقرأ . قال : " ما أنا بقارئ " . فأخذه فغطه الثالثة ثم أرسله فقال : ( اقرأ باسم ربك
الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم ) . فرجع بها الرسول يرجف فؤاد ودخل على خديجة
قائلا : " زملوني زملوني " . فزملوه حتى ذهب منه الروع . واخبر خديجة بالخبر وقال : " لقد خشيت على نفسي " . . فأخذته خديجة على ورقة بن نوفل وكان على دين النصرانية . .
ص 246
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل الله على موسى . . ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك . فقال الرسول : " أو مخرجي هم " ؟ قال : نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ( 1 ) . .
ونخرج من هذه الرواية بالنتائج التالية :
أولا : أن هناك شط يحيط بربط هذه الرواية بعائشة . إذ أن حدث نزول الوحي على الرسول كان قبل ولادتها حسب الروايات التي تقول أنها ولدت في السنة الثانية أو الرابعة أو الخامسة . . وحتى تثبت لنا صحة هذه الرواية فيجب على
القوم أن يعترفوا أن عمر عائشة هو أكبر بكثير مما يذكرون لكي يثبت لنا صحة معايشتها لهذا الحدث وهذا هو الأرجح وإلا تصبح هذه الرواية على كف عفريت . .
ثانيا : أن الرسول ( ص ) كان يتعبد بغار حراء من قبل البعثة وهذه إشارة إلى كونه كان معدا لاستقبال الوحي . فمن ثم فإن ظهوره له لم يكن مفاجأة وبالتالي فليس هناك مبرر للخوف منه . .
ثالثا : إن تبني مثل هذه الرؤية التي تنص على خوف الرسول وفزعه من جبريل إنما ينبع من عقيدة الرواة والفقهاء في كون الرسول غير معصوم قبل البعثة فهذه الرؤية تجرد الرسول من خاصية الوعي والعلم بما يتعلق بالوحي والرسالة قبل البعثة وهو ما تؤكد النصوص التالية من الرواية . .
رابعا : إن ما يدحض هذا التصور هو تعبد الرسول الدائم في غار حراء وهو ما تؤكده الرواية - قبل بعثته . فعلى أساس أي دين كان يتعبد ؟ ومن أين له العلم بهذا . . ؟
خامسا : إن القوم يتداولون رواية تقول على لسان الرسول ( ص ) : " إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن " ( 2 ) . .
* ( هامش ) *
( 1 ) البخاري كتاب بدء الوحي . ومسلم كتاب الإيمان . . ( 2 ) مسلم كتاب الفضائل . . ( * )
سادسا : إن جبريل قام بتعذيب الرسول وإكراهه على القراءة . وهذا سلوك غير معقول من رسل الله سبحانه ولا يجوز نسبته لجبريل ( ع ) . .
سابعا : إن ذهاب الرسول لورقة النصراني ليستفتيه يشم منه رائحة الطعن والتشويه لشخص الرسول ودعوته وكأنه يشير إلى وجود صلة بين ما جاء به الرسول وبين النصارى . .
ثامنا : إن الرسول لم يكن يعلم شيئا عن أبعاد الدعوة التي أوحى إليه بها ونتائجها المستقبلية . وإن ورقة هو الذي نبهه إلى هذا . وهو يقود إلى نفس النتيجة السابقة . .
ومن خلال هذا كله يمكننا الحكم ببطلان هذه الرواية وعدم صحة نسبتها للرسول ( ص ) فإن نسبتها له يعني اتهامه بالجهل . وهذا الاتهام يقودنا إلى الطعن في الرسالة . وبالتالي فنحن نضحي بالرواية وبالرجال الذين أكدوها في مقابل الحفاظ على الصورة السامية للرسول والذي هو يعد حفاظا على الدين الذي جاء به . .
ويروى عن الرسول ( ص ) قوله : " بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه . فرجعت فقلت زملوني " ( 1 ) . .
وهذه الرواية تعد امتدادا للرواية السابقة التي تؤكد جهل الرسول بأمر الوحي والذعر منه والفرار من أمامه . إلا أن الجديد في هذه الرواية هو ظهور جبريل أمام الرسول جالس على كرسي بين السماء والأرض وهو كلام لا معنى له ولا صلة له
بالأمر وهو على ما يبدو من اختلاق خيال الراوي . . فهل ظهر جبريل لمجرد إخافة الرسول فقط . أم جاء إليه بكلام الله ؟
* ( هامش ) *
( 1 ) مسلم كتاب الإيمان . والبخاري كتاب بدء الوحي . . ( * )
- عمر والرسول : إن قمة تجهيل الرسول ( ص ) وامتهانه تتجلى لنا في تلك الروايات التي يتداولها القوم والتي يطلقون عليها موافقات عمر أي موافقته للوحي . .
يروى عن عبد الله بن عمر قال : قال أبيه : وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم . وفي الحجاب . وفي أساري بدر ( 2 ) . .
وفي رواية أخرى : وافقت ربي في ثلاث . فقلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى . فنزلت ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وآية الحجاب . قلت : يا رسول الله : لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر . فنزلت
آية الحجاب . واجتمع نساء النبي ( ص ) في الغيرة عليه فقلت لهن عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن . فنزلت هذه الآية ( 3 ) . .
* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر تفسير ابن كثير والآلوسي والخازن وغيرهم . . ( 2 ) مسلم . كتاب فضائل الصحابة . . ( 3 ) البخاري . كتاب الصلاة . . ( * )
ويروى عن ابن عمر قال : لما توفى عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله ( ص ) فسأله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه . فأعطاه . ثم سأله أن يصلي عليه . فقام رسول الله ليصلي عليه . فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله .
فقال يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه . فقال رسول الله : " إنما خيرني الله فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم أن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيد على سبعين " . قال عمر : إنه منافق . فصلى عليه رسول الله وأنزل الله
عز وجل ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) ( 1 ) . .
قال الفقهاء : قوله وافقت ربي . قال الطيبي ما أحسن هذه العبارة وما ألطفها حيث راعى الأدب الحسن ولم يقل وافقني ربي مع أن الآيات إنما أنزلت موافقة لرأيه واجتهاده . ولعله أشار بقوله هذا أن فعله حادث لا حق وقضاء ربه قديم سابق .
وقال ابن حجر العسقلاني : ليس في تخصيص الثلاث ما ينفي الزيادة لأنه حصلت له الموافقة في أشياء من مشهورها قصة أساري بدر وقصة الصلاة على المنافقين وأكثر ما وفقنا منها بالتعيين خمسة عشر . قال صاحب الرياض : منها تسع لفظيات وأربع معنويات واثنتان في التورية ( 2 ) . .
ويقول : والمعني وافقني ربي فأنزل القرآن علي وفق ما رأيت . ولكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه ( 3 ) . .
وقال السيوطي : قد أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرين . أي عشرين موافقه . ونقل عن مجاهد قوله : كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن . وعن ابن عمر قوله : ما قال الناس في شئ وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بنحو ما يقول عمر .
وفي تحريم الخمر قال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تحريمها .
وفي نزول قوله تعالى ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) قال عمر : فتبارك الله أحسن الخالقين . فنزلت ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) مسلم كتاب الصحابة . والبخاري كتاب التفسير . . ( 2 ) مسلم . هامش باب فضل عمر . . ( 3 ) فتح الباري ج 8 . ( * )
ونقل عن كعب الأحبار قوله : ويل لملك الأرض من ملك السماء . فقال عمر : إلا من حاسب نفسه . قال كعب : والذي نفسي بيده أنها لفي التوراة لتابعتها . فخر عمر ساجدا . ونقل أن بلالا كان يقول إذا أذن : أشهد أن لا إله إلا الله حي على الصلاة . فقال عمر : قل في أثرها : أشهد أن محمد رسول الله . فقال رسول الله ( ص ) : قل كما قال عمر ( 1 ) . .
ونقل الترمذي عن ابن عمر قوله : ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه . وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر ( 2 ) . .
ونقل ابن حجر الهيثمي لعمر سبعة عشر موافقة للكتاب والسنة والتوراة ( 3 ) . .
إن أدنى تفكر في هذه النصوص يقودنا إلى الحكم ببطلانها وضلال معتنقيها فإن تبني مثل هذه الروايات يحط من قدر الرسول ويشكك في دوره كما يشكك في الوحي ويدخله في دائرة البعث .
وإن تبني الفقهاء لمثل هذه الروايات يكشف لنا مدى حجم الجريمة الشنعاء التي ارتكبوها في حق الرسول ( ص ) . وهو ما يتضح بجلاء عند مناقشة هذه الروايات وتبين نتائجها ومدلولاتها . .
وأول ما تؤكده هذه الروايات هو مشاركة عمر للرسول في أمر الوحي وهذا ضلال بعيد . وهو كفر لا محالة .
إذ أن الرسول هو المختار من قبل الله تعالى وهو الملهم والمسدد وفوق هذا هو مبلغ ومبين ولا يعلم الغيب ولا يتنبأ إلا وفق ما يوحى إليه . هذه هي صورة الرسول كما يرسمها القرآن .
أما هذه الروايات فترسم لعمر صورة أخرى فوق صورة الرسول فهي تؤكد جهل الرسول وإهماله شؤون الدين وتنبه عمر لذلك ثم موافقة الوحي ونزوله مناصرا لرأي عمر .
* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ الخلفاء . ترجمة عمر . فصل موافقات عمر . . ( 2 ) فتح الباري ج 1 . .
( 3 ) الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة . فصل خلافة عمر . ( * )
السؤال هنا لماذا نزل جبرائيل عليه السلام على عمر الكافر لعنه الله
ولم ينزل موافقا للنبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم
هل خان الامين الامانة فلم يفرق بين النبي الاعظم صلى الله عله وآله وعمر
:21-316:
قال : " ما أنا بقارئ " . فأخذه فغطه حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال : اقرأ . قال : " ما أنا بقارئ " . فأخذه فغطه ثانية
حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال : اقرأ . قال : " ما أنا بقارئ " . فأخذه فغطه الثالثة ثم أرسله فقال : ( اقرأ باسم ربك
الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم ) . فرجع بها الرسول يرجف فؤاد ودخل على خديجة
قائلا : " زملوني زملوني " . فزملوه حتى ذهب منه الروع . واخبر خديجة بالخبر وقال : " لقد خشيت على نفسي " . . فأخذته خديجة على ورقة بن نوفل وكان على دين النصرانية . .
الرسول الجاهل : الرسول يفر من الوحي ويفتي بلا علم ويحتال عليه الناس . ويتميز عليه عمر . .
تكتظ كتب السنن بعشرات الروايات التي تصف الرسول ( ص ) بالجهل وتشكك في قدراته على القيام بدوره كنبي مرسل . . وكالعادة بارك الفقهاء هذه الروايات وقاموا بتبريرها وتأويلها دون أن ينتبهوا إلى خطورتها ومساسها بشخص الرسول . .
ولقد تمادى الفقهاء في موقفهم فباركوا روايات ترفع مقام عمر فوق مقام الرسول وتدخله مقام النبوة وتجعله مشاركا للرسول في أمر الوحي ولقد جمعنا في هذا الباب الكثير من الروايات المتناثرة في كتب السنن والتي تصلح كل رواية منها ليقوم عليها
بابا خاصا بها . لكننا ألحقناها بالباب لقرب موضوعها من موضوعه وتجنبا للإطالة وتيسيرا للقارئ . .
وبين الروايات المتعلقة بالرسول والروايات المتعلقة بعمر نقف في دهشة وضجر من هؤلاء الفقهاء الذين هان عليهم رسولهم إلى هذا الحد . .
- الرسول والوحي : بدا القوم بتجهيل الرسول ( ص ) مع أول خطوة خطاها على طريق البعثة والرسالة في مكة . .
تروي عائشة أن الرسول ( ص ) كان يخلوا بغار حراء يتعبد فيه الليالي ذوات العدد . وأن الملك جاءه فقال اقرأ .
قال : " ما أنا بقارئ " . فأخذه فغطه حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال : اقرأ . قال : " ما أنا بقارئ " . فأخذه فغطه ثانية
حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال : اقرأ . قال : " ما أنا بقارئ " . فأخذه فغطه الثالثة ثم أرسله فقال : ( اقرأ باسم ربك
الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم ) . فرجع بها الرسول يرجف فؤاد ودخل على خديجة
قائلا : " زملوني زملوني " . فزملوه حتى ذهب منه الروع . واخبر خديجة بالخبر وقال : " لقد خشيت على نفسي " . . فأخذته خديجة على ورقة بن نوفل وكان على دين النصرانية . .
ص 246
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل الله على موسى . . ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك . فقال الرسول : " أو مخرجي هم " ؟ قال : نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ( 1 ) . .
ونخرج من هذه الرواية بالنتائج التالية :
أولا : أن هناك شط يحيط بربط هذه الرواية بعائشة . إذ أن حدث نزول الوحي على الرسول كان قبل ولادتها حسب الروايات التي تقول أنها ولدت في السنة الثانية أو الرابعة أو الخامسة . . وحتى تثبت لنا صحة هذه الرواية فيجب على
القوم أن يعترفوا أن عمر عائشة هو أكبر بكثير مما يذكرون لكي يثبت لنا صحة معايشتها لهذا الحدث وهذا هو الأرجح وإلا تصبح هذه الرواية على كف عفريت . .
ثانيا : أن الرسول ( ص ) كان يتعبد بغار حراء من قبل البعثة وهذه إشارة إلى كونه كان معدا لاستقبال الوحي . فمن ثم فإن ظهوره له لم يكن مفاجأة وبالتالي فليس هناك مبرر للخوف منه . .
ثالثا : إن تبني مثل هذه الرؤية التي تنص على خوف الرسول وفزعه من جبريل إنما ينبع من عقيدة الرواة والفقهاء في كون الرسول غير معصوم قبل البعثة فهذه الرؤية تجرد الرسول من خاصية الوعي والعلم بما يتعلق بالوحي والرسالة قبل البعثة وهو ما تؤكد النصوص التالية من الرواية . .
رابعا : إن ما يدحض هذا التصور هو تعبد الرسول الدائم في غار حراء وهو ما تؤكده الرواية - قبل بعثته . فعلى أساس أي دين كان يتعبد ؟ ومن أين له العلم بهذا . . ؟
خامسا : إن القوم يتداولون رواية تقول على لسان الرسول ( ص ) : " إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن " ( 2 ) . .
* ( هامش ) *
( 1 ) البخاري كتاب بدء الوحي . ومسلم كتاب الإيمان . . ( 2 ) مسلم كتاب الفضائل . . ( * )
سادسا : إن جبريل قام بتعذيب الرسول وإكراهه على القراءة . وهذا سلوك غير معقول من رسل الله سبحانه ولا يجوز نسبته لجبريل ( ع ) . .
سابعا : إن ذهاب الرسول لورقة النصراني ليستفتيه يشم منه رائحة الطعن والتشويه لشخص الرسول ودعوته وكأنه يشير إلى وجود صلة بين ما جاء به الرسول وبين النصارى . .
ثامنا : إن الرسول لم يكن يعلم شيئا عن أبعاد الدعوة التي أوحى إليه بها ونتائجها المستقبلية . وإن ورقة هو الذي نبهه إلى هذا . وهو يقود إلى نفس النتيجة السابقة . .
ومن خلال هذا كله يمكننا الحكم ببطلان هذه الرواية وعدم صحة نسبتها للرسول ( ص ) فإن نسبتها له يعني اتهامه بالجهل . وهذا الاتهام يقودنا إلى الطعن في الرسالة . وبالتالي فنحن نضحي بالرواية وبالرجال الذين أكدوها في مقابل الحفاظ على الصورة السامية للرسول والذي هو يعد حفاظا على الدين الذي جاء به . .
ويروى عن الرسول ( ص ) قوله : " بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه . فرجعت فقلت زملوني " ( 1 ) . .
وهذه الرواية تعد امتدادا للرواية السابقة التي تؤكد جهل الرسول بأمر الوحي والذعر منه والفرار من أمامه . إلا أن الجديد في هذه الرواية هو ظهور جبريل أمام الرسول جالس على كرسي بين السماء والأرض وهو كلام لا معنى له ولا صلة له
بالأمر وهو على ما يبدو من اختلاق خيال الراوي . . فهل ظهر جبريل لمجرد إخافة الرسول فقط . أم جاء إليه بكلام الله ؟
* ( هامش ) *
( 1 ) مسلم كتاب الإيمان . والبخاري كتاب بدء الوحي . . ( * )
- عمر والرسول : إن قمة تجهيل الرسول ( ص ) وامتهانه تتجلى لنا في تلك الروايات التي يتداولها القوم والتي يطلقون عليها موافقات عمر أي موافقته للوحي . .
يروى عن عبد الله بن عمر قال : قال أبيه : وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم . وفي الحجاب . وفي أساري بدر ( 2 ) . .
وفي رواية أخرى : وافقت ربي في ثلاث . فقلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى . فنزلت ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وآية الحجاب . قلت : يا رسول الله : لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر . فنزلت
آية الحجاب . واجتمع نساء النبي ( ص ) في الغيرة عليه فقلت لهن عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن . فنزلت هذه الآية ( 3 ) . .
* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر تفسير ابن كثير والآلوسي والخازن وغيرهم . . ( 2 ) مسلم . كتاب فضائل الصحابة . . ( 3 ) البخاري . كتاب الصلاة . . ( * )
ويروى عن ابن عمر قال : لما توفى عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله ( ص ) فسأله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه . فأعطاه . ثم سأله أن يصلي عليه . فقام رسول الله ليصلي عليه . فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله .
فقال يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه . فقال رسول الله : " إنما خيرني الله فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم أن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيد على سبعين " . قال عمر : إنه منافق . فصلى عليه رسول الله وأنزل الله
عز وجل ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) ( 1 ) . .
قال الفقهاء : قوله وافقت ربي . قال الطيبي ما أحسن هذه العبارة وما ألطفها حيث راعى الأدب الحسن ولم يقل وافقني ربي مع أن الآيات إنما أنزلت موافقة لرأيه واجتهاده . ولعله أشار بقوله هذا أن فعله حادث لا حق وقضاء ربه قديم سابق .
وقال ابن حجر العسقلاني : ليس في تخصيص الثلاث ما ينفي الزيادة لأنه حصلت له الموافقة في أشياء من مشهورها قصة أساري بدر وقصة الصلاة على المنافقين وأكثر ما وفقنا منها بالتعيين خمسة عشر . قال صاحب الرياض : منها تسع لفظيات وأربع معنويات واثنتان في التورية ( 2 ) . .
ويقول : والمعني وافقني ربي فأنزل القرآن علي وفق ما رأيت . ولكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه ( 3 ) . .
وقال السيوطي : قد أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرين . أي عشرين موافقه . ونقل عن مجاهد قوله : كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن . وعن ابن عمر قوله : ما قال الناس في شئ وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بنحو ما يقول عمر .
وفي تحريم الخمر قال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تحريمها .
وفي نزول قوله تعالى ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) قال عمر : فتبارك الله أحسن الخالقين . فنزلت ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) مسلم كتاب الصحابة . والبخاري كتاب التفسير . . ( 2 ) مسلم . هامش باب فضل عمر . . ( 3 ) فتح الباري ج 8 . ( * )
ونقل عن كعب الأحبار قوله : ويل لملك الأرض من ملك السماء . فقال عمر : إلا من حاسب نفسه . قال كعب : والذي نفسي بيده أنها لفي التوراة لتابعتها . فخر عمر ساجدا . ونقل أن بلالا كان يقول إذا أذن : أشهد أن لا إله إلا الله حي على الصلاة . فقال عمر : قل في أثرها : أشهد أن محمد رسول الله . فقال رسول الله ( ص ) : قل كما قال عمر ( 1 ) . .
ونقل الترمذي عن ابن عمر قوله : ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه . وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر ( 2 ) . .
ونقل ابن حجر الهيثمي لعمر سبعة عشر موافقة للكتاب والسنة والتوراة ( 3 ) . .
إن أدنى تفكر في هذه النصوص يقودنا إلى الحكم ببطلانها وضلال معتنقيها فإن تبني مثل هذه الروايات يحط من قدر الرسول ويشكك في دوره كما يشكك في الوحي ويدخله في دائرة البعث .
وإن تبني الفقهاء لمثل هذه الروايات يكشف لنا مدى حجم الجريمة الشنعاء التي ارتكبوها في حق الرسول ( ص ) . وهو ما يتضح بجلاء عند مناقشة هذه الروايات وتبين نتائجها ومدلولاتها . .
وأول ما تؤكده هذه الروايات هو مشاركة عمر للرسول في أمر الوحي وهذا ضلال بعيد . وهو كفر لا محالة .
إذ أن الرسول هو المختار من قبل الله تعالى وهو الملهم والمسدد وفوق هذا هو مبلغ ومبين ولا يعلم الغيب ولا يتنبأ إلا وفق ما يوحى إليه . هذه هي صورة الرسول كما يرسمها القرآن .
أما هذه الروايات فترسم لعمر صورة أخرى فوق صورة الرسول فهي تؤكد جهل الرسول وإهماله شؤون الدين وتنبه عمر لذلك ثم موافقة الوحي ونزوله مناصرا لرأي عمر .
* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ الخلفاء . ترجمة عمر . فصل موافقات عمر . . ( 2 ) فتح الباري ج 1 . .
( 3 ) الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة . فصل خلافة عمر . ( * )
السؤال هنا لماذا نزل جبرائيل عليه السلام على عمر الكافر لعنه الله
ولم ينزل موافقا للنبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم
هل خان الامين الامانة فلم يفرق بين النبي الاعظم صلى الله عله وآله وعمر
:21-316: