مشاهدة النسخة كاملة : مسألة فقهية إستدلالية
زرارة
29-04-2014, 12:44 AM
المناط في الدية هل هو الإحمرار الفعلي أم التقديري ، بمعنى أنه لو ضُرب العبد الأسود ضرباً مبرحاً بحيث لو كان أبيضاً لأحمر فهل تثبت له الدية ، مع الإستدلال
مولى أبي تراب
14-05-2014, 07:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد والعن أعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال مهم وابتلائي ويمكن التوسع في فروض وصور المسألة ، منها عدم اقتصار المانع عن ظهور الاحمرار على الاسوداد الطبيعي والخلقي للبشرة بل يمكن أن يكون المانع شيء آخر كتلوّن البشرة بلون عرضي يمنع من ظهور أثر الضرب ونحو ذلك .
وعلى أي حال ففي مقام الجواب يمكن ذكر ثلاثة احتمالات :
الاحتمال الأول / أن المدار على الاحمرار أو الاسوداد الفعلي والحسي ، فما لم يظهر أثر الضرب ويكون تأثر الجلد به محسوساً فلا دية ، ويمكن تقريب الاستدلال على ذلك بأكثر من دليل أو تقريب :
1. الأصل ، فالأصل عدم وجوب الدية في الاحمرار التقديري .
2. الاقتصار على القدر المتيقن ، فالقدر المتيقن وجوب الدية بما إذا حصل الاحمرار فعلاً ، وأما وجوبها في الاحمرار التقديري فهو أزيد من القدر المتيقن فلا يشمله الحكم الا مع الدليل وهو غير واضح .
3. إن المتبادر من الاحمرار الذي هو موجب الدية هو الاحمرار الفعلي لا التقديري .
4. عدم صدق تحقق الاحمرار عرفاً ، فموضوع الحكم بوجوب الدية هو الضرب الموجب للاحمرار أو الاسوداد ، والمفهوم من ذلك عرفاً هو الاحمرار الفعلي لا التقديري ، وحيث أن المناط في الأحكام الشرعية الصدق العرفي فلا عبرة بالاحمرار التقديري .
5. صحة السلب عن الاحمرار التقديري ، فيصح أن يقال لم يحصل الاحمرار ولم يتلوّن الجلد ولم يحصل الأثر ، وحيث يصح السلب فلا تجب الدية لعدم الموجب .
6. ظاهر الأدلة ترتب الحكم على حصول التغيّر والاحمرار وتلوّن الجلد ، فيتوقف على تحقق ذلك فعلاً .
7. إنّ متعلق الحكم لا بد أن يكون من الأمور المنضبطة المعلومة ، والتّقدير ليس أمراً منضبطاً ليصح بناء الحكم الشرعي عليه ، فإناطة الحكم بالاحمرار التقديري إحالة إلى أمر مجهول ، فعلى أي أساس يتم تحديد أن هذه الضربة أو تلك توجب الاحمرار أو لا ؟ .
8. الأصل في الأدلة ظهورها في العناوين الفعلية وحملها على غير ذلك يحتاج الى قرينة ، فيختص وجوب الدية بالاحمرار الفعلي .
9. المراد من الاحمرار المفهوم العرفي كما هو الشأن في سائر عناوين الموضوعات المأخوذة في أدلة الأحكام ، والمنساق منه عرفاً ما إذا أدرك بالحواس فيختص الحكم بالاحمرار الحسي الفعلي دون التقديري .
الى غير ذلك مما يمكن ذكره من الوجوه لتقريب هذا الاحتمال ، وبعض هذه الوجوه يرجع الى البعض الآخر وإنما أردت تكثير الصياغات والتقريبات لشحذ أذهان الأخوة القرّاء من طلبة العلم أيّدهم الله تعالى .
الاحتمال الثاني / أن المدار على التأثر والتلوّن التقديري ، والمراد منه أن الضربة إذا كانت موجبة للاحمرار أو الاسوداد نوعاً أي بحسب غالب النوع الإنساني كفى في ترتب الحكم ووجوب الدية وإن لم يتحقق التلوّن الشخصي أي لشخص المضروب ، فما دام غالب النوع يحصل لهم الاحمرار أو الاسوداد عند تعرّضهم لتلك الضربة كفى ذلك في وجوب الدية عند ضرب من لا يظهر التأثر عليه .
ويمكن الاستدلال لهذا الاحتمال بأمور :
1. أن يقال أن موضوع الحكم بوجوب الدية ليس الضرب المقيّد بما إذا أوجب الاحمرار حتى يقال أن الأصل في العناوينِ الفعليةُ وأن المرجع فيها العرف ونحو ذلك مما تقدم من الوجوه ، بل الموضوع والموجب لوجوب الدية هو الضرب الذي يكون بدرجة معينة من القوة بحيث توجب الاحمرار عادة وبحسب غالب النوع ، فذكر الاحمرار ليس دخيلاً في موضوع الحكم بل جعل كاشفاً عن الضرب الموجب للدية وطريقاً لمعرفته فلا يدور وجوب الدية مدار الاحمرار بل مدار الضرب الموجب له عادة ونوعاً ، فلا يختص الوجوب حينئذٍ بما إذا حصل الاحمرار فعلاً بل كل ضرب يوجبه عادة فهو موجب للدية وإن لم يوجبه فعلاً . فالاحمرار المأخوذ في لسان الدليل ليس موضوعاً للحكم ولا جزؤه بل طريق إلى نوع الضرب الموجب للدية فلا تدور الدية مدار حصوله فعلاً بل مدار نفس الضرب الموجب له عادة وإن لم يوجبه فعلاً ، فلا موضوعية للاحمرار في الحكم بوجوب الدية حتى يدور الحكم مدار فعلية الاحمرار ، فيكفي الاحمرار التقديري .
2. أن يقال إن موجب الدية هو الضرب الموجب للاحمرار شأناً وليس الضرب الموجب له فعلاً ، فكل ضربه من شأنه أنه يوجب الاحمرار فهو موجب للدية .
3. أن يقال إن الحكمة والعلة من الحكم بالدية هي العقوبة ومؤاخذة الضارب على الاعتداء والتجاوز على غيره والمناسب حينئذٍ عدم قصر الحكم على الاحمرار الفعلي بل تعميمه الى التقديري لاشتراكهما في المناط والملاك ، فالضرب الموجب للاحمرار التقديري لا يفرق عن الموجب للاحمرار الفعلي من هذه الحيثية فيشتركان في الحكم ولا وجه للتفريق بينهما حينئذٍ .
4. إن مقتضى الأصل والقدر المتيقن وإن كان الاقتصار على الضرب الموجب للاحمرار الفعلي ، الا أن مقتضى الاحتياط هو تعميم الحكم لما أوجب الاحمرار التقديري أيضاً ، فإيجاب الدية إذا كان الضرب موجباً للاحمرار التقديري هو الأحوط .
الاحتمال الثالث / أن يقال بالتفصيل بين حالة وأخرى ، مثلاً يقال إن كان منشأ عدم فعلية الاحمرار عدم وجود المقتضي فلا تجب الدية وإن لأجل وجود المانع لا لفقد المقتضي وجبت الدية ، مثلاً إن كان عدم ظهور الاحمرار والإحساس به ذاتياً كاسوداد البشرة بحسب الخلقة فلا تجب الدية حينئذٍ لعدم صدق تحقق الاحمرار عرفاً لاستناد عدم ظهوره إلى عدم وجود المقتضي له ، وإن كان المانع عن ظهور الاحمرار خارجياً كوجود الحاجب والطلاء في موضع الضرب بحيث منع من الاحساس باحمرار الجلد المغطّى بالطلاء ولولاه لكان فعلياً محسوساً فحينئذٍ تجب الدية لصدق الاحمرار عرفاً لأن عدم ظهوره ليس ناشئاً من عدم وجود المقتضي في الضرب للاحمرار بل لوجود المانع الخارجي عن ذلك وهو وجود الطلاء ، وهو لا يمنع من صدق تحقق التأثير والاحمرار وإن لم يكن محسوساً .
الى غير ذلك من التفصيلات الممكنة ، والله العالم .
الجزائرية
15-05-2014, 06:19 PM
احسنتم كثيرا كثيرا اخونا الفاضل مولى ابي تراب , اجابة موفقة ومسددة ..
دمتم ودام عطاءكم ..
موفقين دوما.
مولى أبي تراب
18-05-2014, 07:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين
أحسن الله إليكم وبارك بكم أختنا الفاضلة الجزائرية أسأل الله أن يحفظكم ويسدّد خطاكم
وفقكم الله تعالى
مولى أبي تراب
18-05-2014, 07:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
يمكن فرض المسألة بالعكس بأن يكون الشخص سريع التأثر كالطفل ناعم البشرة
أو الشخص شديد البياض بحيث يحصل الاحمرار أو الاسوداد عنده من الضرب الخفيف
فهل تجب الدية بمجرد حصول الاحمرار وإن كانت الضربة خفيفة أو لا بد من الضرب
المتعارف للاحمرار عند غالب النوع فلا عبرة بالضرب الخفيف وإن أوجب الاحمرار ؟ .
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
Jannat Alhusain Network © 2024