عاشق الأكرف
29-04-2014, 04:44 PM
سامي كليب
طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قبل أيام، اجتماعاً للرباعية الدولية حول سوريا. كان هدفه تفعيل المشاورات لعقد جنيف 3. جاءه الردّ صادماً من وزير الخارجية الأميركي جون كيري: «الوقت ليس مناسباً الآن، والأولوية حالياً لأوكرانيا».
اللجنة الرباعية هي الأمم المتحدة وأميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي. كل هذه الاطراف تبدو عاجزة، في الوقت الراهن، عن إحياء جنيف، أو البحث في أي حل تفاوضي في شأن سوريا. عزّز ذلك قناعة الجميع بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صار أكثر تشدداً في الموضوع السوري بعد أزمة اوكرانيا. بات وزير خارجيته سيرغي لافروف يدلي، مرات عدة في الأسبوع الواحد، بتصريحات تؤيّد وجهة النظر الرسمية السورية. تارة ينتقد «إزدواجية الغرب ونفاقه» حيال الأسلحة الكيماوية السورية. وتارة أخرى يشجب استعداد الغرب للاعتراف بالانتخابات الأوكرانية من دون إصلاحات سياسية، بينما يرفض الأمر نفسه لسوريا رغم الاصلاحات. بين هذه وتلك، يكرّر الدبلوماسي الصلب رفض تسليح الارهاب على الاراضي السورية، ويلمّح الى دول باتت معروفة.
لعل الرسائل تعزّزت في الآونة الاخيرة بين موسكو ودمشق. يُحكى عن تأييد واضح لترشّح الرئيس بشار الاسد لولاية ثالثة. مثل هذا التأييد قدّمته موسكو للمشير عبد الفتاح السيسي في مصر وللرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر. قبل كل ذلك، كان لافروف نفسه يُعرب من قلب بغداد عن دعم بلاده لحرب رئيس الوزراء نوري المالكي على الارهاب. ذهبت موسكو أبعد من ذلك. عززت اتفاقياتها النفطية مع طهران. قالت لمن يريد ان يسمع إنها لا تعترف بأي عقوبات أميركية، وانما تعترف فقط بعقوبات مجلس الامن. قلقت واشنطن. قال وزير خزانتها ان أي اتفاق قد يقع تحت طائلة العقوبات الأميركية. أعقب التحذير اتفاقاً أولياً بين موسكو وطهران بقيمة 20 مليار دولار يقضي بأن تزوّد موسكو طهران بمعدات وبضائع روسية مقابل نفط إيراني.
ليس سهلاً أن تفكر أوروبا والولايات المتحدة باحتمال نجاح موسكو على اكثر من جبهة. النفط والغاز من ايران والجزائر يثيران القلق. هاتان دولتان لا تدخلان في نطاق الاطلسي. إحداهما حليفة بقوة للنظام السوري، والثانية تدافع عنه دبلوماسياً. ليس سهلاً أن يصبح لروسيا موطئ قدم جدي في العراق ومصر...
تحرّكت الدبلوماسية الأميركية. سارعت الى دعم بوتفليقة في أوج حملته الانتخابية. فتحت الأبواب لوزير الخارجية المصري الذي يبدأ اليوم لقاءات هامة، سياسية وأمنية، في واشنطن.
لا شك في أن نبيل فهمي الذي ساهم بقوة في دفع بلاده نحو الخيار الروسي، يزور واشنطن مزهوّاً. نجحت مصر عبد الفتاح السياسي في دفع الادارة الاميركية إلى اعادة فتح خزائنها ونسيان مرحلة اسقاط الرئيس الاخواني محمد مرسي. المصالح دائماً تتغلب على المبادئ. هل ثمة من لا يزال يذكر الربيع العربي؟
ولأن المصالح تتغلّب على المبادئ، فلا داعي للاستعجال في عقد جنيف 3 . قبل أيام، أكد لافروف، في حضور وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، على اهمية العودة الى جنيف. لعله يدرك أن في الامر إحراجاً لواشنطن. روسيا قد تصبح أكثر تشدداً في الاجتماع المقبل. هذا المعارض ميشال كيلو، الرابط خيوطاً من السعودية الى قطر فأميركا وتركيا، يقول: «تبين أن الروس ليسوا مع الحل السياسي، ولا مع الهيئة الحاكمة الانتقالية، ولا مع الانتقال الى نظام ديمقراطي». من يلتقي كيلو هذه الايام، سيسمع منه كلاماً مفاده: «ان الأوروبيين أنفسهم يعترفون بأن اوباما دمّر الجميع بسياسته المتخاذلة والضعيفة».
في 8 ايار المقبل، تجتمع في بروكسيل 9 دول أوروبية مع ممثلين عن أميركا وتركيا والأردن والمغرب وتونس. الهدف هو مواجهة «كارثة عودة الجهاديين من سوريا الى بلادهم او استمرار مرور بعضهم صوب سوريا». توصيف الكارثة يطلقه مسؤول دبلوماسي أوروبي كان في السابق من مسهّلي مرور المقاتلين والتكفيريين والارهابيين الى سوريا. سبحان مغيّر الاحوال.
أميركا والغرب في محنة حقيقية الآن. الارهاب خرج عما كان مرسوماً له. الحماقة نفسها التي ارتكبت في افغانستان مع طالبان تتكرر في سوريا. الخلايا الارهابية بدأت بالظهور في بعض الدول المصدرة اصلاً لها. الاتصالات الامنية مع دمشق وطهران وحزب الله وأنقرة وبغداد وعمان لم تعد تكفي. يتوجه مبعوث دبلوماسي فرنسي رفيع، وعتيق في الملف السوري، الى ايران. ثمة من يعتقد ان في الامر جس نبض جديداً. تفتح طهران ابوابها. باتت العاصمة الايرانية محجّة الساعين لحلّ، او للخلاص، او لحفظ ماء الوجه. لكن «مرونة المصارع» التي أقرّها السيد علي خامنئي، بالنسبة للتفاوض على الملف النووي، تنسحب على ملفات اخرى.
طهران تدعم طلب دمشق في رفع مستوى الاتصالات الامنية الى اتصالات دبلوماسية. الادارة الايرانية أفهمت الفرنسيين ان لا كلام عن انتخابات رئاسية في لبنان من دون سوريا. أفهمتهم أيضاً انه لا بد من تمرير مرحلة الانتخابات الرئاسية السورية. لعلهم فهموا ايضاً، ومن تلقاء انفسهم، ان الدعم الايراني ساهم في دعم رجب طيب اردوغان في الانتخابات الاخيرة. نتائج ذلك قد تظهر لاحقاً في الموقف التركي من الحدود السورية، لكن، حتى الآن، لا يزال بعض قادة المسلحين المتهمين بالارهاب يجدون ملجأ في تركيا حين يشتد ضغط الجيش السوري عليهم.
اما عسكرياً، فالعلومات تؤكد ان ثمة استمراراً للتمويل السعودي والتسليح الفرنسي. ينقل مسؤول عربي أن ادميرالاً فرنسياً متقاعداً عقد صفقة مؤخرا بـ 450 مليون دولار لأسلحة مرت عبر العقبة الاردنية.
باختصار، المشهد السوري الآن امام التالي: تخلٍّ أميركي تدريجي. ايلاء الأولوية لمكافحة الارهاب. التعامل مع اعادة انتخاب الاسد كأمر واقع.
بناء على ما تقدم، قد يسمع زائر أوروبا هذه الايام، من مسؤولين أوروبيين او من الاخضر الابراهيمي نفسه، كلاماً مفاده أن لا داعي للضجة الكبيرة في شان الانتخابات الرئاسية السورية. من الأفضل التركيز على ما يجري ع
لى الارض. بعد أيام قليلة سيحاول الابراهيمي تكثيف المساعي في نيويورك لدفع عجلة «جنيف 3». لكنه قد لا يجد آذاناً كثيرة صاغية. لا احد مضطراً لتغيير الاولوية الدولية الآن ... أي اوكرانيا.
مقال رائع ومنطقي
طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قبل أيام، اجتماعاً للرباعية الدولية حول سوريا. كان هدفه تفعيل المشاورات لعقد جنيف 3. جاءه الردّ صادماً من وزير الخارجية الأميركي جون كيري: «الوقت ليس مناسباً الآن، والأولوية حالياً لأوكرانيا».
اللجنة الرباعية هي الأمم المتحدة وأميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي. كل هذه الاطراف تبدو عاجزة، في الوقت الراهن، عن إحياء جنيف، أو البحث في أي حل تفاوضي في شأن سوريا. عزّز ذلك قناعة الجميع بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صار أكثر تشدداً في الموضوع السوري بعد أزمة اوكرانيا. بات وزير خارجيته سيرغي لافروف يدلي، مرات عدة في الأسبوع الواحد، بتصريحات تؤيّد وجهة النظر الرسمية السورية. تارة ينتقد «إزدواجية الغرب ونفاقه» حيال الأسلحة الكيماوية السورية. وتارة أخرى يشجب استعداد الغرب للاعتراف بالانتخابات الأوكرانية من دون إصلاحات سياسية، بينما يرفض الأمر نفسه لسوريا رغم الاصلاحات. بين هذه وتلك، يكرّر الدبلوماسي الصلب رفض تسليح الارهاب على الاراضي السورية، ويلمّح الى دول باتت معروفة.
لعل الرسائل تعزّزت في الآونة الاخيرة بين موسكو ودمشق. يُحكى عن تأييد واضح لترشّح الرئيس بشار الاسد لولاية ثالثة. مثل هذا التأييد قدّمته موسكو للمشير عبد الفتاح السيسي في مصر وللرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر. قبل كل ذلك، كان لافروف نفسه يُعرب من قلب بغداد عن دعم بلاده لحرب رئيس الوزراء نوري المالكي على الارهاب. ذهبت موسكو أبعد من ذلك. عززت اتفاقياتها النفطية مع طهران. قالت لمن يريد ان يسمع إنها لا تعترف بأي عقوبات أميركية، وانما تعترف فقط بعقوبات مجلس الامن. قلقت واشنطن. قال وزير خزانتها ان أي اتفاق قد يقع تحت طائلة العقوبات الأميركية. أعقب التحذير اتفاقاً أولياً بين موسكو وطهران بقيمة 20 مليار دولار يقضي بأن تزوّد موسكو طهران بمعدات وبضائع روسية مقابل نفط إيراني.
ليس سهلاً أن تفكر أوروبا والولايات المتحدة باحتمال نجاح موسكو على اكثر من جبهة. النفط والغاز من ايران والجزائر يثيران القلق. هاتان دولتان لا تدخلان في نطاق الاطلسي. إحداهما حليفة بقوة للنظام السوري، والثانية تدافع عنه دبلوماسياً. ليس سهلاً أن يصبح لروسيا موطئ قدم جدي في العراق ومصر...
تحرّكت الدبلوماسية الأميركية. سارعت الى دعم بوتفليقة في أوج حملته الانتخابية. فتحت الأبواب لوزير الخارجية المصري الذي يبدأ اليوم لقاءات هامة، سياسية وأمنية، في واشنطن.
لا شك في أن نبيل فهمي الذي ساهم بقوة في دفع بلاده نحو الخيار الروسي، يزور واشنطن مزهوّاً. نجحت مصر عبد الفتاح السياسي في دفع الادارة الاميركية إلى اعادة فتح خزائنها ونسيان مرحلة اسقاط الرئيس الاخواني محمد مرسي. المصالح دائماً تتغلب على المبادئ. هل ثمة من لا يزال يذكر الربيع العربي؟
ولأن المصالح تتغلّب على المبادئ، فلا داعي للاستعجال في عقد جنيف 3 . قبل أيام، أكد لافروف، في حضور وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، على اهمية العودة الى جنيف. لعله يدرك أن في الامر إحراجاً لواشنطن. روسيا قد تصبح أكثر تشدداً في الاجتماع المقبل. هذا المعارض ميشال كيلو، الرابط خيوطاً من السعودية الى قطر فأميركا وتركيا، يقول: «تبين أن الروس ليسوا مع الحل السياسي، ولا مع الهيئة الحاكمة الانتقالية، ولا مع الانتقال الى نظام ديمقراطي». من يلتقي كيلو هذه الايام، سيسمع منه كلاماً مفاده: «ان الأوروبيين أنفسهم يعترفون بأن اوباما دمّر الجميع بسياسته المتخاذلة والضعيفة».
في 8 ايار المقبل، تجتمع في بروكسيل 9 دول أوروبية مع ممثلين عن أميركا وتركيا والأردن والمغرب وتونس. الهدف هو مواجهة «كارثة عودة الجهاديين من سوريا الى بلادهم او استمرار مرور بعضهم صوب سوريا». توصيف الكارثة يطلقه مسؤول دبلوماسي أوروبي كان في السابق من مسهّلي مرور المقاتلين والتكفيريين والارهابيين الى سوريا. سبحان مغيّر الاحوال.
أميركا والغرب في محنة حقيقية الآن. الارهاب خرج عما كان مرسوماً له. الحماقة نفسها التي ارتكبت في افغانستان مع طالبان تتكرر في سوريا. الخلايا الارهابية بدأت بالظهور في بعض الدول المصدرة اصلاً لها. الاتصالات الامنية مع دمشق وطهران وحزب الله وأنقرة وبغداد وعمان لم تعد تكفي. يتوجه مبعوث دبلوماسي فرنسي رفيع، وعتيق في الملف السوري، الى ايران. ثمة من يعتقد ان في الامر جس نبض جديداً. تفتح طهران ابوابها. باتت العاصمة الايرانية محجّة الساعين لحلّ، او للخلاص، او لحفظ ماء الوجه. لكن «مرونة المصارع» التي أقرّها السيد علي خامنئي، بالنسبة للتفاوض على الملف النووي، تنسحب على ملفات اخرى.
طهران تدعم طلب دمشق في رفع مستوى الاتصالات الامنية الى اتصالات دبلوماسية. الادارة الايرانية أفهمت الفرنسيين ان لا كلام عن انتخابات رئاسية في لبنان من دون سوريا. أفهمتهم أيضاً انه لا بد من تمرير مرحلة الانتخابات الرئاسية السورية. لعلهم فهموا ايضاً، ومن تلقاء انفسهم، ان الدعم الايراني ساهم في دعم رجب طيب اردوغان في الانتخابات الاخيرة. نتائج ذلك قد تظهر لاحقاً في الموقف التركي من الحدود السورية، لكن، حتى الآن، لا يزال بعض قادة المسلحين المتهمين بالارهاب يجدون ملجأ في تركيا حين يشتد ضغط الجيش السوري عليهم.
اما عسكرياً، فالعلومات تؤكد ان ثمة استمراراً للتمويل السعودي والتسليح الفرنسي. ينقل مسؤول عربي أن ادميرالاً فرنسياً متقاعداً عقد صفقة مؤخرا بـ 450 مليون دولار لأسلحة مرت عبر العقبة الاردنية.
باختصار، المشهد السوري الآن امام التالي: تخلٍّ أميركي تدريجي. ايلاء الأولوية لمكافحة الارهاب. التعامل مع اعادة انتخاب الاسد كأمر واقع.
بناء على ما تقدم، قد يسمع زائر أوروبا هذه الايام، من مسؤولين أوروبيين او من الاخضر الابراهيمي نفسه، كلاماً مفاده أن لا داعي للضجة الكبيرة في شان الانتخابات الرئاسية السورية. من الأفضل التركيز على ما يجري ع
لى الارض. بعد أيام قليلة سيحاول الابراهيمي تكثيف المساعي في نيويورك لدفع عجلة «جنيف 3». لكنه قد لا يجد آذاناً كثيرة صاغية. لا احد مضطراً لتغيير الاولوية الدولية الآن ... أي اوكرانيا.
مقال رائع ومنطقي